احمد الصراف

القيم والدستور

اتصل بي طالب نقابي في كلية مهنية عالية الأهمية، وطلب مني مساعدة «جمعيته الطلابية» في الحصول على دعم مادي لحملتهم الانتخابية، وأنهم ينتمون الى تجمع مضاد للتجمعات التابعة لأحزاب السلف والإخوان، وإن قائمتهم غير طائفية ولا قبلية، ومساعدتنا ستسهم في احتفاظهم باستقلاليتهم.
رحبت بالفكرة وقمت بالاتصال بعدد ممن توسمت فيهم الخير من أصحاب الوكالات التجارية التي تتعلق أنشطتهم بنشاط طلبة تلك الكلية، وطلبت منهم الاتصال مباشرة بطلبة اللائحة الانتخابية في حال رغبتهم في المساهمة بأي دفعات نقدية أو إعلانات، ونويت شخصيا المساهمة في دعم حملتهم.
بتصفحي ل‍‍ «دستور القائمة» الطلابية وقع نظري على المادة الأولى منه والتي تقول: «القيم الإسلامية هي الدعامة الأساسية التي يقوم عليها بنيان قائمتنا، وهي ما نستند اليه كأساس متين وأرض صلبة ومصدر رئيسي لا يهتز لاتخاذ القرار»!.. أما المادة الثانية من الدستور فتقول: «الـتأكيد على التمسك بدستور الدولة والإلزام بصيانته» (ربما وقع هنا خطأ مطبعي!).
وقد قمت بمراجعة النظم الأساسية والقواعد واللوائح التنظيمية لخمس نقابات وجمعيات أسست في ستينات وسبعينات القرن الماضي، فلم أجد في أي منها ما يفيد أن القيم الإسلامية هي الدعامة الأساسية التي يقوم عليها بنيان أي تجمع أو نقابة! كما لم ينص في أي منها على الاستناد الى القيم الإسلامية كأساس متين واعتبارها «أرضا صلبة ومصدرا رئيسيا لا يهتز لاتخاذ القرار»(!)
نقول هذا ليس من منطق رفض لأي من هذه القيم الدينية، أيا كانت، بل لأن من المفترض أن هذا المجتمع آمن بها، عندما لم تكن توجد على الأرض سياسة ونقابة ومجلس أمة وانتخابات، ومارس تلك القيم بسلاسة ومن دون تعقيد، ومن دون اهتزازات أو أرضيات صلبة، أو رخوة وغير ذلك من تعبيرات لا معنى لها. وان قبول طلبة كلية مهنية عالية القيمة والأهمية ـ لمثل هذه الجمل غير محددة المعنى، أو التي يمكن أن تحتمل معاني متضادة، ومصدر خلاف كبير بين أطرافه ـ يعني أن المجتمع برمته قد تمت أدلجته دينيا بشكل أصبح فيها إقحام مثل هذه النصوص المبهمة أمرا عاديا، لا بل ومرحبا به بشكل كبير، كما أنه يدل على أن خطر «الدروشة» أصبح مسيطرا على أعز معاقل العقلانية والعلمانية، ككليات الهندسة والطب، وخلق بين طلبتها ـ ولأي جماعة أو طائفة أو تجمع انتموا ـ بؤرا دينية تتنافس فيها القوائم على مرتكزات دينية شديدة الإبهام، وسيؤدي الى تمسك كل طرف بها إلى فرضها على البقية، ولو قسرا.
وهذا بحد ذاته كافٍ لاستمرار الصراع بينها.. ربما إلى الأبد وتجذره أكثر وأكثر!

***
ملاحظة: أعلمنا الصديق والفلكي المعروف عادل السعدون، قبل أسبوعين، بالمعلومة التالية، التي لم يتسنّ لنا نشرها بسبب السفر، ورغبتنا في البعد عن القيل والقال وكتابة المقال:
«في ليلة 20/10/1940 عبرت سماء الكويت عدة طائرات إيطالية وألقت قنابلها على منشآت أرامكو في الظهران، وبعض القنابل على البحرين، وكانت الخسائر طفيفة، وتم إجلاء زوجات الأميركيين وأطفالهم وإعادتهم الى الولايات المتحدة»!
وهذا أبلغ توضيح على مقالينا عن سر مشروع «طائرة الخليج الفارسي المقاتلة»!

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

شباب ضد العنف

 

كم تمنيت، كما تمنى الكثير من المواطنين، أن تحظى المبادرات الشبابية الأهلية الهادفة إلى استقطاب الشباب وتوعيتهم ورفع مستوى الإدراك لديهم وتأهيلهم للمشاركة في الحياة العامة بفعالية، وخصوصا فيما يتعلق بنبذ العنف واحترام الرأي الآخر والتوجه نحو العمل المطلبي السلمي… أقول كم تمنيت لو تحظى مثل تلك المبادرات بدعم الأجهزة الحكومية على اختلافها، بل وتبادر وزارة التنمية الاجتماعية والمؤسسة العامة للشباب والرياضة ومعهد التنمية السياسية والأندية والمراكز الشبابية ومؤسسات المجتمع المدني عموما لاحتضان مثل هذه المبادرات، ومساندتها للقيام بتحقيق أهدافها.

وقد يقول قائل إنه لا توجد أصلا مثل تلك المبادرات، وهذا غير صحيح! قد تكون مبادرة (مركز شباب بلا عنف)، هي واحدة من المبادرات التي يلزم منحها التركيز الإعلامي والدعم من مختلف الجهات، ولعل من اللافت أن هذه المبادرة، وإن كان البعض يختلف معها في التأسيس والتوجهات، تسعى لمعالجة مظاهر العنف بين الشباب بأساليب حضارية مقبولة في أي مجتمع من المجتمعات التي تشهد حراكا سياسيا واجتماعيا وشبابيا كما هو الحال بالنسبة للمجتمع البحريني… إن من بين العبارات الجميلة التي تستخدمها المبادرة كرسالة إعلامية: «الخصم الضعيف هو الذي يستخدم العنف مقابل اللاعنف»، ولا شك في أن هناك صورا متنوعة من العنف المرفوض ذي النتائج السلبية في عمومه يشهدها الشارع البحريني، وقد أحسن مؤسسو المركز في تحديد احتياجات الشريحة الشبابية من خلال تدريب الشباب على مبادئ حقوق الإنسان وطرق وضع استراتيجيات اللاعنف للمطالبة بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ولهذا كان التوجه الأول لدى المركز هو تدريب الشباب على وضع استراتيجيات العمل اللاعنفي.

ومن بين الرسائل التي يسعى المركز إلى نشرها على ما يبدو، هي أن الاعتقاد بأن العنف يؤدي إلى تحقيق أهدافه بسرعة، وأن اللاعنف يأخذ وقتا أطول هو اعتقاد خاطئ!

وفي المقابل، تبدو المهمة صعبة أمام هذا النوع من المبادرات وخصوصا أن مشاهد عنيفة كثيرة تتكرر بين الفينة والأخرى، على رغم أنها انخفضت بدرجة كبيرة خلال الفترة الماضية، ليست معروفة المصدر، وكيف يمكن الوصول إلى شريحة مجهولة تفتعل الممارسات العنيفة؟ وفي حال الوصول إليها، هل ستتجاوب مع توجهات المركز في نشر استراتيجية العمل السلمي اللاعنفي؟ أم أن المشكلة تكمن في اختلاط الحابل بالنابل، وإصرار الأطراف المجهولة ذات اللثام على استمرار تنفيذ بعض الأنشطة العنيفة التي لا طائل من ورائها إلا إحداث الاضطراب في أمن القرى تحديدا، وإضعاف التحركات السلمية المرخصة والمشروعة للمطالبة بالحقوق وإيصال الصوت إلى المسئولين، وسواء استجابت الدولة أم لم تستجب… وصل الصوت أم لم يصل، فإن الطابع الوطني المخلص في المطالبة هو الذي يعكس التوجهات الحقيقية للمطالبين، ولهذا يلزم الإشادة بخطوة المركز في تنفيذ دورات في مجال حقوق الإنسان في خمس قرى شملت شباب القرى المجاورة أيضا.

إن التصفيق والتشجيع والدعم والإشادة يجب أن تتوجه إلى مثل هذا الدور الشبابي، لا إلى إحراق الإطارات في مداخل القرى والشوارع الرئيسية وتقصد بعض المنازل كما يفعل بعض المجهولين للإضرار بخلق الله، ثم انتظار الإشادة في مواقع إلكترونية مختبئة وراء أسماء مستعارة للتصفيق بحرارة من أجل إحراق إطار أو رسم صورة أو كتابة شعار من جهة، وشن هجوم على أهالي القرى في مواقع أخرى مناهضة من جهة أخرى في حرب صورية قوامها الأشباح، في الوقت الذي تغيب فيه الفعاليات السلمية الجماهيرية، عدا بعض الإعتصامات المطالبة ببعض الخدمات.

وبعد، حتى لو اعتبرنا أن هناك فئة من شباب القرى لا تؤمن إلا بالعنف، وقبلنا أيضا برفض الشباب أنفسهم لهذه الاتهامات الموجهة لهم، وأن هناك عناصرا مجهولة هي التي تفتعل هذه الممارسات، أليس الوقت مناسبا لتكثيف التلاقي مع شباب القرى والنظر في احتياجاتهم؟ وخصوصا أن المعسكر الصيفي الذي تنفذه وزارة الداخلية يضم عددا كبيرا من شباب القرى، ويعتبر فرصة مهمة لتقديم مبادرات وبرامج أخرى بمشاركة الجمعيات السياسية والأندية والمراكز الشبابية لتطويق العنف وتشجيع العمل السياسي المطلبي السلمي الذي يلزم أيضا التجاوب من جانب الدولة من دون شك

احمد الصراف

هراوات الشاه وعصي الولي

بصرف النظر عن كل ما أشيع من نظريات عن الدوافع الحقيقية وراء انتفاضة الشعب الإيراني الأخيرة ضد نظام «الولي الفقيه»، فانه من المؤكد أن جيل ما بعد الثورة قد ضاق ذرعا بكل ما تمثله المؤسسة الدينية الحاكمة من ضغوط نفسية واجتماعية وحتى اقتصادية. كما أن الثورة «المباركة»، وبعد 30 عاما، فشلت في تحقيق أي من أهدافها، غير سيطرة الملالي على دفة الحكم! فالبطالة منتشرة والتضخم يأكل جزءا كبيرا من أموال أغلبية المواطنين، والفساد الإداري شمل كل إدارة وقطاع، وأصبح ثراء وطريقة عيش وفساد نسبة عالية من رجال الدين موضع تندر الجميع!
ولكن لماذا نجحت انتفاضة الشارع في عام 1979في وضع نهاية لواحد من أقوى أنظمة الحكم، الذي كان يفتخر بامتلاكه لرابع أكبر ترسانة حربية في العالم، خلال ساعات، ولم تلاق الانتفاضة الأخيرة، على الرغم من دمويتها وكبر حجم التأييد المحلي والعالمي لها، نفس النجاح؟.
أعتقد أن سبب ذلك يعود إلى عدة عوامل أهمها غياب القيادة الكارزمية في الانتفاضة الشعبية الثانية، فلا مجال لمقارنة شخصية آية الله الخميني بشخصية أي من المرشحين «الإصلاحيين» من ممثلي المعارضة. كما أن الشاه، عندما بدأ الخميني ثورته، كان يشرف على الموت. وكان ولي عهده صبيا صغيرا، ولم يكن أحد في عائلته الفاسدة، أو من بين بطانته الأكثر فسادا، من كان على استعداد للمخاطرة بحياته من أجل النظام، خاصة بعد أن أبدى الجيش الإيراني تململه وتردده في التعرض للمتظاهرين العزل في الشوارع بالدبابات الثقيلة. وبالتالي سقط النظام من تلقاء نفسه خلال ساعات لفقده لدعامته الأساسية المتمثلة في الشاه، ولقلة عدد المستفيدين من بقاء النظام، بعدما هربت الأغلبية المتنفذة إلى الخارج. ولكن في الانتفاضة الأخيرة تعددت الجهات التي يمكن أن تخسر الكثير من سقوط النظام. فهناك ما لا يقل عن 120 ألف رجل دين يتولون الإدارة المباشرة، أو الإشراف، على كل أجهزة الدولة الحيوية من جيش واقتصاد وطاقة نووية وطيران وزراعة، ولهؤلاء مصلحة كبيرة في بقاء النظام الحالي، ولن يترددوا لحظة في إراقة كثير من الدماء قبل تسليم الحكم لغيرهم، إن بقوا أحياء بعدها! كما تساند هؤلاء عدة تنظيمات عسكرية يزيد تعدادها على النصف مليون مؤدلج عالي التدريب تمتلك تنظيماتهم أسلحة برية وبحرية يفتقد الجيش الإيراني نفسه للبعض منها، ولهؤلاء مصلحة في بقاء النظام، وهم على استعداد لإفناء نصف الشعب الإيراني في سبيل بقاء الولي الفقيه والمذهب الصحيح، واستمرار بقائهم في السلطة بالتبعية. وفوق هذا وذلك فإن الهراوات التي انهالت على رؤوس المتظاهرين في الانتفاضة الأخيرة كانت هراوات «إلهية» مباركة بأدعية «الولي الفقيه» ومغموسة ببركة «المرشد الأعلى»، وهذا ما لم يتمتع به جند الشاه في عام 1979، ولهذا رأى العالم كم كان قائدو الدراجات النارية والشرطة والعسكر والقوات السرية بملابسها المدنية عنيفة حتى الموت مع المتظاهرين العزل، وحتى أولئك الذين تواجدوا في المكان الخطأ في اللحظة الخطأ.
المهم، بعد كل هذا، إن هيبة مركز الثقل في السياسة الإيرانية قد تأثرت واهتزت بشكل كبير، والانتفاضة لن تنتهي قبل الإطاحة بنظام ولاية الفقيه، وهذا لا يمكن أن يتم من دون تآكله من الداخل، وقد يستغرق هذا بعض الوقت، ولكنه قادم لا محالة.

أحمد الصراف
habibi. [email protected]

محمد الوشيحي

كي لا يشتكينا القلاف إلى جدته


حقيقة، لم أكن أتوقع أن مسألة «التلبّس»، أو حكاية الجني النذل الذي يتسلل إلى جسم الإنسي ويتلبّسه، تحظى عند البعض بقدسية، ويدافعون عنها أكثر من دفاعهم عن مصالحهم ووظائفهم ومستشفياتهم وشوارعهم ومدارسهم، إلا بعدما «تلبستني» ردود أفعال عنيفة على مقالتيّ السابقتين! وأتمنى أن تكون المقالة هذه هي الأخيرة في هذا الموضوع، كي «أسعى في مناكبها» بحثاً عن مواضيع أخرى.

رسائل كثيرة غاضبة، واتصالات أكثر غضباً وعدداً، تلقيتها، ليس فيها رسالة واحدة مقنعة و»تقول أنا بنت أبوي»، باستثناء رسالة واحدة أفحمتني عندما ختمها مرسلها بـ»عتب محب»: «للأسف يا الوشيحي، تقول هذا وأنت ابن حمولة»!، ولم أفهم ما علاقة عدم اقتناعي بالتلبس في كوني ابن حمولة، ولا الفرق بين أن أكون ابن حمولة أو ابن شارع أو ابن مزارع تنتج القطن. ثم إذا كان صاحبنا متديناً، كما هو واضح من رسالته، فما رأيه في الحديث الشريف المروي في مسند الإمام أحمد: «لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى»، أم أنه يتعامل مع الدين كما يتعامل مع «الكاتالوج»، فيأخذ منه صفحة 14 وصفحة 82 ويترك الباقي.

وأجزم أن الخزعبلات هي التي دمّرت هذه الديرة، وجابت عاليها واطيها، وعودوا بالذاكرة إلى سقوط النائب سيد حسين القلاف عندما هدد ناخبيه بأن يشتكيهم إلى جدته يوم القيامة، فخاف البعض وانتخبه بعد ذلك ونجح، وصار يشرّع لنا ويراقب، ويقرر مصائرنا. وكان الأجدر أن يُحاكم بتهمة «الإرهاب الديني». وبما أن كل دائرة تخرج عشرة نواب، فلنتخيل لو تنافس أحد عشر سيداً في دائرة واحدة، كلهم يدّعون أنهم من سلالة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وكل منهم يهدد بأنه إذا سقط فسيشتكي إلى جدته. تعال فكك، ما راح تدري من طقاقك في سويعات الأصيل. ثم لا ننسى أن أي مرشح -من غير السادة- ينافس سيد القلاف سيناله من الهم جانب، لأنه قد يتسبب في سقوطه، وستكون ليلته سودة بإذن الله.

على أن أجمل الرسائل التي تلقيتها كانت من الدكتور محمد العجمي، وهو طبيب حديث التخرج، يهتم بالمسائل الشرعية المرتبطة بالطب، وقد شغلته حكاية «التلبس» فركّز جهوده عليها واكتشف أنها خرافة، وساق الأدلة، وقال إنه بحث في معنى كلمة «المس» التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، فتبين له أن «المس»، في اللغة، هو أقل درجات «اللمس»، وبالتأكيد لا يصل إلى مرحلة «التلبس» الكامل. وقال إنه لم يروَ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أي شيء في هذا الخصوص.

ثم شرح الدكتور طبياً حكاية «الصرع»، وكيف أنه عبارة عن خلل كهربائي في المخ، ولا علاقة له بالجن، وذكر أن للصرع علاجاً ليس بالضرب ولا الكي ولا ما شابه، بل بالأدوية والعلاج النفسي السلوكي. ثم أحالني والمهتمين إلى رئيس قسم الطب النفسي في كلية الطب-جامعة الكويت، الدكتور عادل الزيد، الذي «يحرج أي شنب وأي لحية عند النقاش في هذا الموضوع».

وهنا أتمنى على الزملاء في هذه الجريدة استضافة الدكتور عادل الزيد ليناظر كل من يمتلك دليلاً على «التلبس»، من مشايخ السنة والشيعة، كي نخرج بفائدة، وكي يعرف الناس أن سبب تدهور بلدهم هو هذه الخزعبلات والخزعبليون. وأزعم أنه لو تم فضح هذه الخزعبلة لانفرط عقد بقية الخزعبلات، ولتناثرت كما حبات المسبحة على البلاط الحاكم، ولسقط حسين القلاف في الانتخابات. 

سامي النصف

الأعداء الحقيقيون للأمة العربية

مع صدور حكم المحكمة الدولية في لاهاي بخصوص انتماء اقليم «أبيي» النفطي في السودان، أصبح واضحا ان ألاعيب نظام الخرطوم وحروبه خلال الاعوام الماضية قد تسببت بالفعل في انقسام السودان العزيز الى عدة دول سنراها قائمة قريبا ومن ثم يمكن ضم ذلك النظام لقائمة «اعدى اعداء الامة العربية» في العصر الحديث.

ومن اعدى اعداء الامة العربية المفتي امين الحسيني الذي رفض قيام دولة فلسطينية مستقلة عام 1937 على 90% من الارض الممتدة من النهر الى البحر، وعاد رافضا لقرار التقسيم عام 1948، وهو العالم والموقن بضعف الفلسطينيين، والعرب معهم، عسكريا وعدم قدرتهم على الانتصار على الاسرائيليين الاكثر عددا وعدة.

وضمن اعدى اعداء الامة العربية الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي فرط في السودان عام 1954 عبر تسليم ملفها للمخبول الصاغ صلاح سالم مما مهد لتقسيمها الحالي، وهو امر ما كان له ان يتم لو بقيت جزءا من مصر، كما قام النظام نفسه بالتفريط في سيناء وغزة والمضايق عام 1956 وفي الوحدة مع سورية 1961 وبتوريط الجيش المصري في حرب اليمن عام 1962 ثم قام بالتفريط ـ من تاني ـ في سيناء وغزة والمضايق عام 1967.. عفارم..!

ومن اعدى اعداء الامة النظام الحاكم في سورية عام 1967 (زعيّن، جديد، ماخوس)، والذي ادى بثوريته الطفولية ومزايداته العبثية لاشعال حرب الايام الستة التي سلمت الاراضي العربية وخلال سويعات قليلة للمحتل ولم نر بعد ذلك تحول عاصمتهم الى «هانوي العرب» كما كانوا يصرخون ويدغدغون.

وعلى رأس اعدى اعداء الامة العربية الكبار المقبور صدام حسين الذي سلم نصف شط العرب عام 1975 ثم اشعل الحروب المتتالية ضد الاكراد في الشمال وأهل الجنوب حتى شجعهم على المطالبة بالانفصال عن الدولة المركزية لضمان امنهم كما تسببت حروبه الجائرة على ايران والكويت في التفريط في أموال وموارد واراضي ومياه وثروات الامة العربية وحتى الاسلامية.

ومن اعداء الامة العربية الكبار الرئيس ياسر عرفات الذي اضعف الشعب الفلسطيني وقضيته عبر ادخاله في اشكالات وحروب خاسرة مع الاشقاء في الاردن ولبنان والكويت وغيرها، وأشعل الحرب الأهلية في لبنان التي انتهت باحتلال أرضه، ثم قام عبر سلسلة مفاوضات ادارها بشكل سيئ جدا بالتفريط فيما تبقى من ارض فلسطينية ومازلت اشعر بالغثيان كلما رأيت احدا ـ في فلسطين او خارجها ـ يرفع صورته او صورة حليفه صدام.

آخر محطة:
 
1ـ الملاحظ ان اعدى اعداء الامتين العربية والاسلامية هم من الثوريين العرب والاسلاميين وليسوا من الانظمة الحكيمة والعاقلة.

2 ـ اعلن المرتزق فاروق قدومي (ابواللطش) ان الرئيس المحترم ابومازن قد قام بتسميم عرفات عبر اتفاق له مع شارون، وكان مصدر قدومي موقع انترنت اسرائيليا (هذي المصادر المؤكدة ولا بلاش)، سؤال سطحي وساذج وتافه جدا: لماذا لا يتم عرض جثمان عرفات على مجموعة من الاطباء الشرعيين العرب والاجانب لتقرير اسباب وفاته علما ان السم لا يختفي من الاظافر والعظام حتى بعد الف عام؟! شخصيا اعتقد انني اعرف الاجابة.

سعيد محمد سعيد

حوار مع مجنسين

 

وجدت أنه من (الخلق البحريني الأصيل) أن ألبي دعوة مجموعة من المجنسين للتباحث في أمر ما! وحتى من دون أن أعلم ما هو (الأمر الـ «ما»)، فإن تفكيري لم يخرج بعيدا عن حقيقة الموضوع، وهو المواقف الناشئة ضد المجنسين في المجتمع. كان الداعي، وهو رجل من أصول شامية، طيب الخلق، لبق الحديث، هادئ الطباع، ولعل هذه السجايا هي ما شجعتني على قبول الدعوة.

على أية حال، لم يمض طويل من الوقت، حتى بدأت الجماعة (وكانوا في حدود 11 شخصا) بالتحدث واحدا تلو الآخر بشأن ما يعانونه من مواقف سيئة وتمييز، وأنهم لم يأتوا إلى البحرين (غصبا) عن أحد من أهلها، وأن الأمر يزداد صعوبة عليهم وعلى أسرهم بسبب الحملات الإعلامية التي تشنها بعض الصحف وبعض الجمعيات وبعض السياسيين، حتى باتوا لا يشعرون بالأمان.

هل يحتاج الأمر إلى تفصيل أكثر؟… أبدا، فالقضية واضحة، لكن دوري في الكلام بدأ بالإشارة إلى أنه لا الجمعيات السياسية والدينية، ولا المواطن البحريني يرفضون التجنيس القانوني الذي نظمته (الدولة) من خلال قانون الجنسية، إن اللغط الدائر على التجنيس والمجنسين في البلد، هو بسبب تجاوز القوانين، ومنح الجنسية البحرينية (ذات الثمن الغالي جدا) بعشوائية، ثم يا جماعة، إن مجموعة من الحوادث العنيفة، كحوادث مدينة حمد وعسكر والمحرق والرفاع، هي التي شحنت الكثير من المواطنين ضد كل مجنس، سواء كان طيبا أم خبيثا، وهذا أمر ليس من السهل إزالته من نفوس الناس.

الطامة الكبرى وقعت حينما جاء إلى المجلس (المعقود في إحدى مقاهي مدينة حمد) أحد (المجنسين) متأخرا، ليلتقط طرف حديث أحد أبناء جلدته من دون أن يعلم بوجود (صحافي) بينهم على رغم نظرات العيون والغمز واللمز التي توجهت إليه من أصحابه إذ قال: «لولانا ما ينام البحرينيون ليلهم بسبب أفعال الرافضة وتخريبهم وتحريقهم… احنا جايين ندافع عن هالبلد وولاءنا لقيادتها… مين غيرنا يتعرض للخطر في هالقرى… مين… البحرينيين ما يقدروا».

طيب يا جماعة، إذا أضفنا كلام هذا الأخ، إلى قائمة من المشاكل الاجتماعية التي تسبب فيها المجنسون، التي لا يمكن مواراتها بالكثير من الصمت والسكوت، على اعتبار أن هؤلاء جزء من المجتمع لا محالة، وهو أمر يخضع لوجهات نظر غير متفقة في جميعها.. وأضفنا عليها أيضا بعض المصطلحات الدخيلة على المجتمع البحريني، سنقف في نهاية المطاف عند نتيجة واحدة… «لا للتجنيس العشوائي»!

مصادفة، أبلغني أحد الزملاء بأن هناك موضوعا مثار جدل في أحد المنتديات الشهيرة، تحت عنوان: «أين أخلاقكم يا أهل البحرين؟»… والموضوع، بدأ صريحا بشكوى أحد المجنسين من المعاملة السيئة التي يلقاها في عمله بإحدى شركات الطيران، وبعد قليل من التفاعل الإيجابي تارة، والسلبي تارة مع الموضوع، انطلق الأخ (فارس الظلام) يصول ويجول في إهانة البحرينيين بكلام وعبارات غاية في «الخسة»… ولأنه شخصية مجهولة، واسمه مستعار، فلا يمكن التعويل على ما يكتب… فلربما كان هناك شخص آخر تقمص تلك الشخصية، لكن أن تتكرر بعض الكلمات في ردوده من قبيل: «احتلال الرافضة… احنا حماة البحرين… البحرينيين ما يقدروا…»، وقائمة من الشتائم والسباب والكلام البذيء الذي جعل حتى من تضامن معه ينقلب ضده… كل ذلك يعطي إشارة إلى أن ما يحدث من صدامات في المجتمع بسبب التجنيس… بسيطة تارة، وعنيفة تارات أخرى، ستدخل منعطفات أخطر إن لم تبادر الدولة ومؤسسات المجتمع المدني إلى وضع القضية على طاولة البحث الحقيقي المتجرد من افتراض سوء النوايا…

طبعا، ليس هذا الملف (ملف التجنيس العشوائي) هو وحده الملف المهم… هناك الكثير من الملفات، إلا أن كل ملفاتنا المهمة في جانب، وكلمة (الحوار) في جانب آخر بعيد، لا أدري شخصيا إلى أين ولت وضاعت!

لكن ليس من الصحيح أن يرفع الغالبية شعار مصلحة الوطن، والامتثال لتوجيهات القيادة، وتغليب الوحدة الوطنية، في آن واحد… ثم يهدأ الجميع… وينام الجميع… ويغفل الجميع… في آن واحد!

سامي النصف

سنوات الضياع

الفائدة الوحيدة للحديث عن احداث التاريخ هي التعلم منها منعا لتكرارها، وقد مرت الكويت بعشر سنوات عصيبة ابتدأت عام 1980 عندما نظّر وروّج بالعلن لأطروحة خلق قوى سياسية ـ اقتصادية بديلة والتي سمح تحت رايتها بتحول الاقتصاد الانمائي الحقيقي الى اقتصاد زائف يقوم على الورق، ولم يحاسب احد حتى اليوم على انهيار سوق المناخ الذي خلف وراءه ديونا جاوزت المائة مليار دينار كانت في حينها الاكبر في التاريخ البشري.

وتحولت مفاهيم القوى التي تسببت في نشوء وانهيار سوق المناخ الى الترويج لمسار سياسي اطلقنا عليه في مقال الامس نهج «الدولة الورقية» التي اعلن عن انهيارها واحتراقها صيف عام 1990 عندما عبرت جنازير الدبابات الصدامية الحدود بعد رفضنا احضار قوات اجنبية كما حدث عام 1961 وبعد ان امتلأت سماء الكويت بحرائق حقول النفط التي كانت الاعظم كذلك في تاريخ البشرية.

ان هناك فوارق رئيسية بين نهج الدولة الورقية الزائلة ونهج الدولة الحقيقية الباقية، ويمكن عبر قراءة ظواهر وأعراض كل منهما ان نحكم على مساراتنا المستقبلية ونقرر في اي من الطريقين نتجه، فإن ثبت تعلمنا من دروس الماضي وجب علينا دعم وتعزيز مسار «الديمومة» الجديد، وان ثبت اننا بدأنا بالعودة السريعة لنهج الدولة الورقية وجب علينا قرع اجراس الخطر بأعلى الاصوات حتى لا ننتهي مرة اخرى بالاحتراق الذي قد يأتي بألف شكل وشكل وليس بالضرورة عبر مجنزرات تعبر الحدود.

احد فوارق المسارين او الدولتين هو ان الدولة الحقيقية تقوم على اقتصاد حقيقي من صناعة وزراعة متطورة وخدمات متنوعة بينما يقوم اقتصاد الدولة الورقية على اقتصاد ورقي بحت تتجه فيه انشطة كل الشركات للمضاربة بالاوراق المالية بهدف الربح الوقتي السريع وبعيدا عن انشطتها الحقيقية طويلة المدى كما حدث في بداية سنوات الضياع (1980 ـ 1990)، فهل عدنا لتلك الحقبة؟!

وضمن الدولة الورقية لا تقام مشاريع حقيقية بل هناك فقط حديث متواصل عنها، وان قامت فإنها تقوم على معطى «النهج المؤقت» اي اقامة جسور مؤقتة والتوسعة بالمباني الكيربي وعادة ما يتم التسعير بعشرات الاضعاف طبقا لفكرة «اضرب واهرب»، فالدولة زائلة لذا لا محاسبة حقيقية فيها، فهل عدنا لتلك الحقبة؟! نرجو غير ذلك.

وضمن نهج الدولة الورقية، تسابق الجميع على استباحة المال العام وصناديق الاجيال المقبلة، ومازلنا نذكر الصندوق الذي انشئ من المال العام وضخت به المليارات دون حساب لانقاذ المضاربين والمغامرين في سوق المناخ غير الشرعي من منضوي القوى السياسية والاقتصادية الجديدة آنذاك، وقد عدنا نشهد هذه الايام مزايدات محمومة لانشاء عشرات الصناديق التي تنتهك حرمة المال بقصد الدغدغة وكسب الشعبية وبشكل يوحي بأننا امام قوى سياسية واقتصادية جديدة تروج ـ من تاني ـ لمفهوم الدولة المؤقتة التي لا مستقبل لها.

آخر محطة:

تعرض طاقم الطائرة الكويتية التي وصلت الى لندن يوم الاثنين الماضي لحادث طريق نتج عنه احالتهم للمستشفى، ولم يسأل احد من مسؤولي «الكويتية» في الكويت عنهم او يتصل بهم او بأهاليهم لطمأنتهم، ولنا عودة!

احمد الصراف

تي شيرت النصارى

أخرجتني مكالمة هاتفية من صديق، وأنا في غربتي التي اخترت لها أن تمتد تسعين يوما بعيدا عن القيل والقال وكتابة المقال، طلب مني قراءة ما كتبه بسام الشطي، المدرس في جامعة الكويت، في جريدة «عالم اليوم» (20 ــ7) التي حذر فيها من حركة التنصير القائمة على «قدم وساق» في منطقة الخليج، برعاية الفاتيكان والصليب الأحمر والقوى الغربية. وقد قررت مختارا كتابة هذا المقال، ليس ردا على ما كتب فقط، بل لبيان كم هي بسيطة أفكار وتطلعات القوى الدينية المهيمنة على الساحة والمتحكمة برقاب البشر ومصائرهم من خلال مئات المؤسسات والجمعيات والمناصب القيادية التي تخضع لسيطرتهم وتحكم أحزابهم السياسية، وللبيان لكم المبالغة والتشويه اللذين تتضمنهما عادة مثل هذه المقالات.
يقول الشطي ان العدد التقريبي للنصارى في دول مجلس التعاون فاق المليون ونصفاً، وأن أول كنيسة أقيمت في الكويت عام 1931، وتبعتها البحرين بأشهر، ثم سلطنة عُمان، وأن عدد من يحمل منهم الجنسيات الخليجية يبلغ 350 فردا، أما عدد الكنائس لدينا فيبلغ 35، وأن أغلب هؤلاء «النصارى» من العمالة المنزلية.
ويقول ان مجموعة من شبابنا لبسوا الـ«تي شيرت»، تأثرا بهؤلاء النصارى وبما يبث على القنوات التنصيرية والكتب والمجلات ومواقع الإنترنت، وأيضاً من خلال اللقاءات العلمية والمعاهد الثقافية. ويدعي الشطي أن الطلبة المبتعثين للدراسة في الخارج يُلزمون جميعا، في أغلب الجامعات، بالدخول الى الكنائس من خلال «دفاتر الحضور وتسجيله» بشكل اسبوعي (هكذا ورد حرفيا في مقاله)، وقال ان هذا أدى الى ترك بعضهم لصلاته وعقيدته وأصبح ملحداً وحصل على رعاية ولجوء سياسي!
وانتقد الشطي وجود سفارة للفاتيكان في كل دولة عربية، وأن تكون لهم الأولوية في الإشراف لدينا على السجناء وحقوق الإنسان وغير ذلك، والعمل تحت مظلة الصليب الأحمر (!!!)، وأن وراء عمل هذه المنظمة التنصير والعبث بالعقيدة، وأنها دخلت على الدول الفقيرة من ثلاثة أبواب «الفقر، الجهل، المرض»، في حين سعوا بكل ما يملكون للتشكيك بالعمل الإسلامي التطوعي وتحجيمه ووضع العراقيل امامه حتى لا يقوم بخدمة المسلمين في العالم. وتطرق الشطي الى حديث أدلى به القس الكويتي عمانويل غريب لإحدى الصحف وتهكم عليه بتسميته بـ«الأنبا نويل»، وقال ان على الحكومة مراقبة أمواله (ربما لدوره في تهجير المسيحيين من العراق أو قتل الشيعة وتشريد السنة فيه، أو كأن الجمعيات المسماة بالخيرية تخضع لأي رقابة على أموالها أصلا!!).
واستطرد الشطي في ترهاته التي لا يقبلها عقل ولا منطق قائلا ان الجهات المعنية بالتنصير في الخليج عملت على إنشاء مكاتب سمتها «تهيئة العمالة لدول الخليج»، لتسهيل دخول النصارى الى بلادنا ومنع المسلمين عنها، وهذا ما تفعله مكاتب الخدم (!!) ويقابل هذه التسهيلات التي تقدم للمسيحي تعقيد تام لدخول المسلمين الى دول الخليج(!!)
واستغرب الشطي إنشاء بعض سفارات الدول لمكاتب تهتم بزيارة سجناء هذه الدول، وتكلف محامين لهم ويتدخل سفراؤهم أحياناً «كشفاعة» لإخراجهم(!!!).
وتساءل عن المبالغ التي تدفع لتحسين صورة الكنيسة والقساوسة والرهبان، فيما برامجنا الإعلامية قل وندر ان تجد فيها شيئا عن المساجد والصلاة والذكر والحجاب.
ومن مظاهر التنصير «المخيفة» التي استشهد بها الشطي أن دولنا تعطل في رأس السنة وأعياد الكريسماس وتتبادل التهاني، واشتكى من أن الرياضة عندنا تستقطب المدربين النصارى واللاعبين كذلك، ثم يجنّسون بعد فترة (يا ترى كم عدد اللاعبين والمدربين المجنسين لدينا؟)، وختم الشطي «رائعته» بالقول ان النصارى يطالبون بحذف الآيات والأحاديث الصحيحة التي تتحدث صراحة عنهم لأن هذا يزيد من ثقافة الكراهية والعداوة بين أبناء الوطن الواحد، فهل تسمع لهم وزارة التربية؟
أولا: السيد الشطي، لمن لا يعلم، سلفي ملتح ومن المفترض أن يكون ملتزما جدا، وهذا يفرض عليه الدقة والصدق في القول والحرص على الكلام!
فأن يكون هناك 350 مسيحيا في كل دول الخليج، بعد مرور 80 عاما تقريبا على وجود أول كنيسة، كاف ليبين عدم صحة وجود حركة تنصير بالمعنى المفهوم، خاصة إذا علمنا أن غالبية هؤلاء هم أصلا من أبناء وأحفاد من قدم الى المنطقة قبل أجيال مع غيرهم، بعقائدهم، ولم يتنصروا أو يغيروا دينهم بيننا.
كما أن وجود 35 كنيسة فقط لأكثر من مليون ونصف مليون وافد يدل بوضوح على مدى تعصبنا وتخلفنا وقلة تسامحنا مع الآخر، بحيث خصصنا كنيسة لا تتسع لأكثر من 500 فرد لكل 40 ألف مسيحي!
أما القول ان طلبتنا يفرض عليهم دخول الكنائس في الغرب وتحفظ سجلات تبين حضورهم ويدفعون الى أن يلحدوا فكلام لا يحتاج الى دحض ولا نفي لتفاهته أصلا، وبعده عن الحقيقة والواقع، ومئات آلاف الطلاب الذين درسوا في أميركا والدول الغربية خير شاهد!!
يبدو أن من الأفضل التوقف هنا، لأن وقتنا ومساحة مقالنا لا تسمح بالاستطراد أكثر، وفهم الجميع كاف لمعرفة حقيقة مستوى خريجي كليات الشريعة في معاهدنا التعليمية!!

أحمد الصراف
habibi [email protected]

محمد الوشيحي

وجهة رأي

في شارع فرعي لا يكاد يُرى بالأقمار الصناعية المجردة، وفي مقهى لا يرتاده إلا ثلاثة، أنا وصاحب المقهى والجرسون، وقع نظره عليّ فدخل المقهى وألقى التحية وسحب كرسياً وجلس «بوضع اليد»، قبل أن يطرح سؤاله: هل تسمح باقتطاع جزء من وقتك لأتبادل الحديث معك؟ قلت: ومن قال لك إن وقتي ثمين؟ ليس لدي ما يشغلني إلا قراءة هذا الكتاب، وهو كتاب قديم كما ترى، عن ثورة المفكرين الأوروبيين على الكنيسة، فلتمطر سحب حديثك لتبلل ثيابنا…

قال وقد اعتدل في جلسته: جميل، لنبدأ إذاً من كتابك هذا الذي في يدك… أنت تتهمنا نحن معشر المتدينين بالرجعية والتخلف لأننا نقرأ كتباً قديمة، وها أنت تقرأ كتاباً قديماً، لا خير يرجى منه ولا شر!

قلت: أنا أقرأ، وقد أقتنع أو لا أقتنع بما أقرأه، وسواء اقتنعت أم لم أقتنع، لن أفرض قناعاتي على الناس، كما تفعلون أنتم ويفعل ساسة الدين. خذ إيران مثلاً، هي تقتنع بالمذهب الشيعي، وتريد أن تفرض على الكواكب وسكانها قناعتها ومذهبها، خذ أسامة بن لادن والظواهري وأنصارهما مثالاً أسود آخر، وكيف يعتبرون أنفسهم «الفرقة الناجية» ويسعون إلى استئصال بقية الفرق والمنتخبات، خذ وخذ وخذ، وانظر إلى الكويت بعدما عتت رياحها الطائفية، وتحولت إلى إعصار سيقتلعنا من جذورنا، من ينقذنا الآن منها؟… كل هذا بسبب فرض المعتقدات على الآخرين.

قال: لندع الحديث عن المذاهب، فأنت وأنا من مذهب واحد ولن نختلف، وتعال لنتحدث عن أفكارك التي تنشرها دون مراعاة الله…

فقاطعته: لا تحتكر السماء لك وحدك وتبقيني هنا بلا سماء، وحكاية أننا لن نختلف لأننا من مذهب واحد، أود أن أنبهك أنني سأختلف مع أخي لو كان متشدداً، وهو الذي يجمعني معه دين ولغة ومذهب وقبيلة وفخذ وعائلة، بل وظهر رجل واحد، وسقف بيت واحد، فكيف لا أختلف معك وأنا لا أعرفك!

فقال بعدما أقسم أنه لا يراني خارجاً على الملة: أنت ذكرت في مقالتك السابقة أنك لست مقتنعاً بحكاية الجني الذي يتلبّس الإنسي، ورحت تهزأ بالعلماء…

قلت: مع احترامي للمشايخ، فإنهم ليسوا علماء، فالعلماء كما أعرف هم من يكتشف الجديد، ويخترع المفيد، أما المشايخ فهم يتحدثون عن الماضي، ويعتمدون على الكتب نفسها، ورغم ذا يختلفون، وتأتون أنتم لتطلقون لقب «عالم» على شيخين مختلفين، دون أن يثبت أي منهما صحة نظريته، وهو ما لا أقره أنا، معلش سوري. هذا أولاً، أما ثانياً، فأنا بالفعل لست مقتنعاً بحكاية الجني الذي يتلبّس الإنسي، وحكاية إخراجه من الأصبع الصغيرة من القدم اليسرى، وزيت مقروء فيه وماء مبصوق فيه وبقية مواد الدروشة المنزلية. ثم إن هؤلاء المشعوذين، كما أعرف، ليسوا «علماء» في رأيكم، وإنما «مطاوعة»، أو كما تسمونهم أنتم الحضر «ملالوة»، ولا يذهب إليهم إلا بسطاء الناس الذين أغويتموهم أنتم وأرعبتموهم من الغيبيات والخرافات، لتكدّسوا الأموال في أرصدتكم بينما هم يتضورون جوعاً.

وأدرفت بعدما «سخنت» ماكينة الديزل: قل لي بربك، لماذا لا يحتج «علماؤكم» على عدم وجود وظائف لبسطاء الناس، وعلى ضعف الخدمات، وتهالك البنى التحتية؟ قل لي لماذا يرتدون أزهى الثياب والبشوت ويقابلون الحكام، ويشاهدون قصورهم وقصور أبنائهم الخيالية المبنية من أموال البسطاء ولا يعترضون على ذلك؟ ستقول أنهم يناصحونهم سراً، وسأجيبك: إلى متى يبقى سراً هذا التناصح بينما الناس تتناطح على أبواب لجان المساعدات؟ لماذ لا يخرج المشايخ إلى الناس ويخطبون فيهم ويقودونهم إلى المطالبة بحقوقهم… معلش يا أخي، أنتم تضربون الناس بالإبر المخدرة منذ قرون وقرون وقرون، ومن يصدقكم هو إنسان بقرون وقرون وقرون. معلش هذه «وجهة رأيي»، أرجو ألا تغضبك، فإن أغضبتك، فلك أن تنهي الحديث. 

سامي النصف

الشبرة والغرفة ومشروع الدولة الورقية

هناك ما يقارب الاتفاق على ان تخلفنا عن الآخرين قد بدأ قبل 30 عاما مضت، مما يأخذنا حسابيا الى العام 1979 او ما حوله، فما الذي حدث في ذلك العام؟ وما المفاهيم التي تغيرت في حينها فتحولنا من التقدم الى التندم ومن الريادة الى «الربادة» ومن الاخلاص للوطن للاختلاس منه؟!

مع عصر النهضة الكويتية الحديثة، تكونت في البلد مجموعتان اقتصاديتان ـ سياسيتان متنافستان اضيفت لهما بعد ذلك اذرع اعلامية ممثلة في جريدتي «القبس» و«الأنباء»، وقد اتفق على تسمية الفريق الاول بتجمع الغرفة بقيادة العم عبدالعزيز الصقر، والثاني بتجمع الشبرة بقيادة العم خالد المرزوق.

وكان تنافس المجموعتين يصب في مصلحة تنمية الكويت وتقدمها وتطورها، فقد انشأ رجال المجموعة الاولى البنوك كالوطني والشركات الرائدة كالناقلات، قابلها لدى المجموعة الثانية انشاء البنوك كالعقاري والشركات الرائدة كعقارات الكويت التي اقامت في حينها مجمعات اسواق لا مثيل لها في الخليج او المنطقة العربية، كما اعلن عن فكرة احاطة الكويت بـ 6 مدن لآلئ بحرية كانت ستسبق مثيلاتها بالمنطقة بما لا يقل عن 10 اعوام.

ومن نافلة القول التذكير بان المجموعتين المتنافستين لم تغلقا الطريق امام الآخرين لتكوين انفسهم وانشاء المشاريع الاقتصادية الخاصة بهم والتي تضيف لبلدنا الكثير، فبرزت اسماء مثل جواد بوخمسين ومبارك الحساوي وعيسى اليوسف وحسين مكي جمعة وشاكر الكاظمي والعشرات من الاسماء الناجحة الاخرى.

وما ان هدد قبل ذلك الطاغية عبدالكريم قاسم الكويت، حتى حشد الجانبان صفوفهم للدفاع عن بلدهم، فجزء استغل علاقته مع مصر والآخر مع السعودية، ولم يملأ احد سيارته بالوقود او يحول امواله للخارج استعدادا للرحيل، بل شوهد كبارهم وهم يحملون السلاح على الاكتاف ويتجولون ليلا بين المناطق تحسبا لغدر الزعيم الذي لا ينام ومن كان يسمي نفسه «ابوالمباغتة».

ان نكبتنا ونكستنا ابتدأت في ذلك العام 1979 ـ 1980 عندما أطّر ونظّر البعض لفكرة انتهاء دور تلك القوى الاقتصادية والسياسية، وبالتالي ضرورة خلق قوى سياسية ـ اقتصادية جديدة قام عملها في النهاية على الاقتصاد «الورقي» والمضاربات «المناخية» والتي اعتبرت الكويت بلدا زائلا لا يصح الإعمار والبناء فيه ومهدت للقبول بالتضحية بمصالحه وكينونته لاجل الولاءات البديلة، وبدأ منذ ذلك اليوم مشروع الدولة الورقية التي احترقت سريعا فجر الخميس 2/8/1990، والحديث ذو شجون.

آخر محطة:

انشأ رجال المجموعتين جريدتي «القبس» و«الأنباء» وقبلوا في الوقت ذاته ان تمثل ضمنهما جميع الآراء، ففي «الأنباء» كان خالد قطمة، رحمه الله، يطرز المقالات التي تشيد بالرئيس عبدالناصر بينما بدأت شخصيا الكتابة بـ «القبس» في يناير 1980 بسلسلة مقالات قوية تهاجم خط عبدالناصر ونهجه الثوري وتدخله في شؤون الدول العربية الاخرى.