احمد الصراف

40 عاما من اليد الطولى

أجرت «الدار» في 8/9 لقاء مع ناصر العمار، مدير الجمعيات الخيرية في «الشؤون»، وردت فيه أمور كثيرة بعيدة عن الحقيقة، وردا على سؤال عما يشاع عن اتهام الجمعيات الخيرية بتمويل الإرهاب، قال إن لها «اليد الطولى»، على مدى 40 عاما، في توصيل الأموال التي جمعتها لمستحقيها في دول العالم! ولا أعلم كيف عرف العمار ذلك وهو الذي لم يشغل منصبه الحالي إلا منذ سنوات أربع تقريبا؟! كما يعرف جيدا أنه ووزارته وحكومته كانوا -ولا يزالون- أعجز عن معرفة حقيقة موارد هذه الجمعيات والكيفية التي تتصرف بأموالها، بعد فشل كل محاولات تدقيق سجلاتها ومراقبة حساباتها، واكتفت أخيراً فقط بمراقبة عملية التحصيل! وخير دليل على عدم وجود أي رقابة على هذه الجمعيات تلك السرقة التي استمرت على مدى ثلاث سنوات في جمعية «إعانة المرضى»، التي لم تنتبه لها أي جهة إلا بعد أن فر الجاني بـ 14 مليون دولار، فكيف يمكن أن يحدث ذلك والوزارة تدعي معرفة حسابات الجمعيات؟!
نحن لم نتهم مباشرة الجمعيات بدعم الإرهاب، ولكن ما يؤكد مخاوفنا أن هذه الجمعيات رفضت، بكل صلافة قيام أي جهة بتدقيق حساباتها ولم تترك بالتالي مجالا لغير الشك في نواياها وأهدافها «السياسية»، بل أيضا في ذمة المشرفين عليها! أما ادعاء السيد العمار أنه وقف وقفة جادة في وجه اتهاماتنا للجمعيات بسوء التصرف فقول غير صحيح أيضا. فقد جف حبر كمبيوترنا ونحن نكتب ونوجه الاتهام تلو الآخر، ومع هذا لم يكلف نفسه يوما الاتصال بنا وشرح الأمر، فنحن لسنا إلا كتّاب، وهو الذي يمتلك السلطة وأدوات البحث والرقابة، وكان حريا به أن يظهر ما يثبت نقاء صفحة الجمعيات وتقديم الدليل الدامغ بأن سجلاتها خالية من أي مخالفات، بدلا من «تحدينا» ومطالبتنا بإبراز الدليل على دعم تلك الجمعيات لأي أنشطة مشبوهة، فهل رأى أحد، وعلى مدى 40 عاما، ميزانية لجمعية خيرية منشورة في أي مطبوعة أو توزع في مقراتها، ليطلع عليها المعنيون بالأمر؟ الجواب: لا «كبيرة» طبعا. فالإصلاح، يا جماعة الإصلاح، والشفافية لا تعجب المتاجرين بالدين، علما بان في مجالس إدارات هذه الجمعيات نواباً لم يكلوا يوما عن مطالبة الحكومة بالبعد عن الفساد واتباع الشفافية في أعمالها، ولكنهم ينسون أنفسهم!
إن ما تم كشفه في رمضان الماضي، وما سبقه، من مخالفات بالجملة لعدة جهات تدعي الخير والتدين ولا تتردد في كسر القوانين وتحدي تعليمات الوزارة وكبار مسؤوليها، إلى الدليل رقم ألف هو دليل يؤكد كل شكوكنا. فما الذي يدفع مثل هذه الجهات لارتكاب كل هذا الكم من المخالفات من دون خوف؟ وكيف تتهمنا الوزارة بصورة غير مباشرة بالتجني عليها ثم تأتي الآن وتستغرب «..استهتارها بالقوانين وانحرافها عن مسيرة التعاون؟!»، «القبس» 22/9. وما الذي يدفع مسؤوليها، وصور الكثيرين منهم تسود صفحات مطبوعاتنا، لارتكاب كل هذه المخالفات الجسيمة؟ لا شك أن الأمر لا يتعلق فقط بشك هؤلاء في قدرة الوزارة على فعل شيء، بل بأمور أكثر خطورة تتعلق بالاستماتة على جمع التمويل اللازم «لعمليات ما» بعد أن جفت ضروع كثيرة! وكان جميلا إقرار الوزارة أن هذه الجمعيات قد انحرفت عن الطريق الصحيح، وكان سخيفا منها القول انها ستطالبها برد ما جمعته بطريقة غير قانونية، فهذه نكتة! كما كان جميلا أيضا إقرارها، أخيرا، أن هذه الجهات المخالفة تحاول إخفاء أمور لا ترغب في أن تعرف الوزارة شيئا عنها (المصدر نفسه)، وهذا ما كنا نكتب عنه ونقوله منذ سنوات عشر!
وهكذا نجد أن الكثير من الجهات التي وصفها العمار قبل أسبوعين أن لها اليد الطولى في عمل الخير ليسوا إلا مجموعة من المستهترين بالقوانين، حسب وصف الوزارة، والمتحايلين على النظم، الذين لم ولن يردعهم شيء عن جمع الأموال السهلة من السذج الطامعين في الجنة!
***
< ملاحظة: قال لي انه التقى في ديوانية بضاحية عبدالله السالم (وها هو اسمها الصحيح، وليس الضاحية)، أحد وكلاء التربية، ودار نقاش عن دوام المدارس وانفلونزا الخنازير وخطر ارسال الاطفال، من عدمه، للدراسة في اماكن مكتظة. وقال ان اكثر المدافعين عن تعطيل الدراسة كان اثنان، ولأجل الصدف التقاهما، وأبناءهما في الليلة التالية في المسجد الكبير يؤدون صلاة العيد ضمن 25 ألف مصل آخرين!

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

«الخبرات المصرفية» في مواجهة التحديات 2

 

أشرت في عمود (الخميس) الماضي، إلى اللقاء المزمع عقده مساء اليوم (الأحد) الذي سيضع على طاولة البحث نظرة واقعية أمام جميع العاملين في القطاع المصرفي البحريني للتباحث حول واقع ومستقبل هذا القطاع، وجانب التفاؤل بالنسبة لهذ اللقاء هو أنه يحظى بدعم منقطع النظير من قبل سمو ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، كما أن هناك واحد من الخبراء في مصرف (جي. بي. مورغان) الأميركي سيطرح رؤاه تجاه الأزمة المالية.

إن من غير المفيد، الإستمرار في الحديث فقط عن تداعيات وتأثيرات الأزمة، دون أن يكون للدولة وللخبرات المصرفية العاملة في البحرين، مرئياتها التي يمكن أن تصيغ مسارا جديدا يحمي الإقتصاد الوطني من أية أزمات اقتصادية عالمية متوقعة وغير متوقعة.

ويحمل الكثير من المصرفيين تفاؤلا منطلقا من الدعم الذي توليه القيادة، وخصوصا ما يوليه سمو ولي العهد رئيس مجلس التنمية الإقتصادية الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، خصوصا وأن سموه، في متابعته للأزمة المالية منذ وقوعها، لم يمل نحو التطمين فقط، بل دفع في اتجاه التصدي للتحديات الإقتصادية، في الوقت الذي اتجهت فيه الكثير من الحكومة الى طمأنة شعوبها وأنها في منأى عن تلك الأزمة وأن اقتصادها أقوى من أن يتأثر بها، ولكن تهاوت بعد تلك التطمينات مصارف وشركات وعقارات وأسهم، وتضررت منها القطاعات الأكثر انفتاحا على الإقتصاد الأميركي.

نتمنى أن يكون لقاء اليوم منطلقا لطرح رؤى اقتصادية فاعلة، وأن تحظى المبادرات التي يطرحها المصرفيون البحرينيون وكذلك جهود الإقتصاديين البحرينيين الأكفاء بدعم الدولة، وإذا كان هذا التوجه مدعوما من قبل سمو ولي العهد، فهناك فرصة جيدة للتباحث في سياق معالم الأزمة المالية العالمية والتغيرات الهيكلية المتوقعة في الإقتصاد العالمي، والتأثيرات التي يمكن أن تؤثر على الإقتصاد البحريني على وجه التحديد.

شخصيا، ليس مهما بالنسبة لي أن أكون واحدا من العباقرة في عالم المال والأعمال، بل أتحدث كمواطن عادي ينظر الى مستقبلنا نحن المواطنين، فأي هزات اقتصادية مقبلة، لا شك وأنها ستحمل لنا الكثير من المفاجآت السلبية في بلد محدود الموارد المالية، لكن مع وجود العقول البحرينية المتخصصة في القطاع المالي والإقتصادي، يتوجب أن تكون هناك حلقات نقاشية متخصصة مدعومة من الدولة، كما هو الحال بالنسبة للقاء اليوم، لتخفيف تبعات الأزمة المالية من جهة، والإستعداد لطرح مرئيات بحرينية لتنشيط الإقتصاد البحريني، وكذلك لتفعيل مشروع التكامل الإقتصادي الخليجي ذلك أن البحرين، وسائر دول الخليج كما يقول المتخصصون، مطالبة بإعادة تقويم سياساتها المالية والنقدية والإقتصادية.

من أهم النقاط التي نتمنى أن يهتم بها المتخصصون، اجراء المزيد من الدراسات العلمية للمشاريع التي تنوي الدولة تنفيذها حاضرا ومستقبلا، وألا يتم الإعتماد على وجهات نظر «خبراء ومستشارين» أثبتت الأزمة أنهم لا يمتلكون الكفاءة العلمية والنظرة التحليلية التي تخدم اقتصاد البحرين، على الرغم من أن الدولة تصرف لهم رواتب وامتيازات هي لوحدها «أزمة»

سامي النصف

إنجازهم وفسادنا!

إنجازات تناقلتها وكالات الأنباء من دول خليجية شقيقة جعلتنا نتحسر في الكويت على حالنا، فما ينجز لديهم خلال أشهر قليلة لا نستطيع القيام بمثله خلال سنوات أو عقود طوال مع فارق واضح في نوعية المنتج النهائي حيث قلة الزلات وانعدام الفساد لديهم تقابلهما وفرة الأخطاء الجسيمة وكثرة العمولات والرشاوى لدينا حيث أضحت مشاريعنا الكبرى.. فضائح كبرى!

ومما زاد الطين بلة صدور تقرير منظمة الشفافية العالمية الذي كشف عن ان جيراننا الخليجيين يسبقوننا في مؤشرات النزاهة والشفافية، وإذا ما علمنا ان دولنا الخليجية الشقيقة لا تملك ما نملك من أدوات رقابية كمجلس الأمة وديوان المحاسبة والقضاء المستقل وحرية الصحافة ومنظمات المجتمع المدني والنقابات الخ وهو ما يعني ان دولهم ستتقدم أكثر في جداول الشفافية العالمية حالما تستكمل بناء تلك المؤسسات القادمة على الطريق.

وإذا كان هذا واقعنا مع كل تلك الأدوات الرقابية التي نملكها فكيف سيصبح حالنا فيما لو حُل البعض منها مستقبلا وعطل بعضها الآخر؟ لقد طغى الفساد وانتشر في البر والبحر ولم نقرأ في التاريخ عن بلد حصل فيه ما يحصل لدينا وانتهى حاله بخير وصلاح.

ومما يستغرب منه حقيقة ان الكويت الأكثر فسادا هي الأكثر في مظاهر التدين حيث لا يسمح فيها بما يسمح به لدى بعض جيرانها من الدول الخليجية التي لا تعرف الفساد، وقد نشر قبل أيام الكاتب والروائي المصري د.علاء الأسواني (صاحب روايات عمارة يعقوبيان وشيكاغو ونيران صديقة) مقالا في جريدة الشروق المصرية قال ضمنه ان الفضيلة تتحقق بطريقتين إما تدين حقيقي ينهى عن المنكر ومرادف تماما للأخلاق الحميدة أو عن طريق الأخلاق وحدها حتى لو لم تستند لظاهرة التدين كالحال في اليابان والدول المتقدمة مفضلا الأخلاق دون تدين على ادعاء التدين دون أخلاق.

إن تلك التقارير الدولية أشبه بالماء البارد الذي يوقظ النائمين قبل أن يغرق المركب الذي يقلنا جميعا بعد ان نخر الفساد والسوس في أجنابه وتسابق بعض ركابه على خرق قاعه وسرقة خشبه ومساميره، إننا بحاجة ماسة لتغيير جذري في المسار والوجوه قبل خراب البصرة التي لا تبعد – للعلم – كثيرا عن بلدنا والتي يضرب بها المثل للدلالة على من يروم الإصلاح بعد فوات الأوان. آخر محطة:

يقول الشاعر المبدع حمود البغيلي: اعميتوا الشعب الكويتي من الدين وسرقتوا حقوقه وضاعت حقوقه دمرتوا الديرة بلهف الملايين كل ما انتهت بوقه بديتوا ابوقه بالعدل والاخلاص سيف القوانين يقطع يدين اهل اليدين السروقه

محمد الوشيحي

على أم عن؟

لا نزال تحت تأثير مخدّر العيد، ولا تزال العواصف السياسية كامنة لمّا تستيقظ بعد. ولأننا في أيام عيد فقد استخدمت «لمّا» عيدية تبث السرور في صدر رئيس قسم التصحيح في هذه الجريدة، أستاذنا السوري الرائع خالد جميل الصدقة، الذي، بسبب حرف جر واحد سقط من يدك سهواً أو خطأً، سيتصل بك وسيسوق إليك أربعة وثمانين دليلاً من القرآن الكريم والحديث الشريف والمعلقات والقصائد القديمة، ليصل في النهاية إلى مراده من أنه لا يصح القول «أجاب على السؤال»، بل «أجاب عن السؤال».

والحديث عن الزميل خالد الصدقة «أبي يامن» يدفعني إلى أن أزعم أن أحداً ممن أعرف لم يقرأ في الأدب واللغة العربية كما قرأ أبو يامن. وقريباً سيخرج معجمه من مخدعه إلى المكتبات، وهو معجم لو تعلمون مهيب، أجزم أنه الأفضل من نوعه في المكتبة العربية، وقد استغرق تأليفه نحو عشر سنوات أو أكثر، وسينتهي من مراجعته قريباً، خلال شهر أو أقل، وهو كتاب يتحدث عن الأمثال المقارنة، فيسوق مثلاً إنكليزياً، ويحدد تاريخ المثل وقائله ومناسبته، ثم يأتي بما يقابله من نثر العرب وشعرهم، محدداً المناسبة والقائل إن كان معروفاً، ومبيناً بدقة تاريخ ميلاده ووفاته، ومعتمداً في إثبات كل معلومة على أمهات المراجع في اللغتين. يغلف هذا الجهدَ كلَّه حرصٌ شديد على المصداقية ودقةٌ تحرص على تجنب الخطأ ولو كان يسيراً. وبسبب الدقة والحرص قرأ أستاذنا مئات المراجع العربية وعشرات المعاجم والكتب الإنكليزية وغاص في بحور «غوغل»، لا يستريح يوماً ولا يأخذ إجازة، فكانت عشر سنوات لم تهدأ فيها أنفاسه عن اللهث ولم يتوقف عرق جبينه عن النز والنزف، وهذا – ورب البيت – أمر تشيب لهوله الغربان في مهادها، ولاسيما إذا عرفنا أنه لم يستعن بأحد، بل كان جهده فردياً خالصاً.

أبو يامن يعلم ويدرك أكثر من غيره، أن الوقت هذا ليس وقت تأليف «أمهات الكتب»، وأن عدد قراء كتابه لن يبلغوا، في أحسن الأحوال، خُمْس قراء لقاء صحافي لهيفاء وهبي، لكنه يدرك أيضا أن اللغة العربية يتيمة الأبوين، تنام على حصير وتحيا على الشعير، وأن من رعاها وداراها فأجره على الله. ثم إنه مفتون باللغة، عاشق لها، ولو أنها كانت امرأة لتزوجها، ولدلّلها، ولتغزّل فيها شعراً، وما أجمل أشعار أبي يامن وما ألذّها، الجاد منها والساخر.

وتعالوا نقتطع هذا الجزء إلى حين عرض الجوهرة:

The face is the index of the heart أي «الوجه مرآة القلب»…

• ابن الرومي (221 – 283 هـ / 836 – 896 م):

له مُحيّاً جميلٌ تَستدلُّ به

على جميلٍ وللبُطْنانِ ظُهرانُ

وقلَّ من أضمرتْ خَيْراً طَوِيَّتُهُ

إلا وفي وجههِ للخيرِ عنوانُ

• ابن نباتة السعدي (327 – 405 هـ / 938 – 1014 م):

ألا إنّ عينَ المرءِ عُنوانُ قَلبهِ

تُخبِّرُ عنْ أسْرارِهِ شاءَ أمْ أبى

• مصطفى صادق الرافعي (1298 – 1356 هـ / 1881 – 1937 م):

ينبيكَ ما في وجههِ عن قلبهِ

إن الكتابَ لسانهُ عنوانهُ

هذا مثلٌ سقته مثالاً، وقد اختصرته حتى كاد يتقطّع في يدي، فشكراً للزميل على جهده الخالد، ونحن بشوقٍ ننتظر. 

سعيد محمد سعيد

«الخبرات المصرفية» في مواجهة التحديات

 

يلوح سؤال كبير في ظل تأثر دول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع بالأزمة المالية وهو: «هل الخبرات البحرينية وغير البحرينية العاملة في القطاع المصرفي البحريني قادرة على إبتكار وتنفيذ خطط استراتيجية تسهم في مواجهة هذا التحدي وما هو منتظر من تحديات قادمة متوقعة وغير متوقعة؟».

في الواقع، تمتلك البحرين كوادر وطنية وخبرات ينتظر منها الكثير من العمل لتقديم تصوراتها وأطروحاتها التي تسهم في تمتين الإقتصاد الوطني وانعاش الإستثمارات، وكما هو واضح، فإن القيادة الرشيدة تدعم القطاع الإقتصادي والمصرفي من خلال الكثير من التسهيلات، ولعل الدور الذي يلعبه سمو ولي العهد نائب القائد الأعلى الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، يفتح مساحات واسعة للعاملين في القطاع المصرفي لكي يسهموا في تحصين الإقتصاد البحريني وتنميته.

ولنرجع إلى يوم 14 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي 2008، عندما افتتح سموه نيابة عن جلالة العاهل مجمع «سيتي سنتر» وهي المناسبة التي جاءت في خضم تداعيات الأزمة المالية العالمية وفيها قال سموه أن تلك الأزمة أثرت على الجميع، لكنه أشار الى أن سياسة مملكة البحرين الاقتصادية تجعلها قادرة على مواجهة وتحمُّل الصعاب أكثر من الآخرين، مبديا اطمئنانه بإمكان أن تتجاوز المملكة هذه المعضلة وأن تستمر عجلة التنمية.

ويمكن القول أن هذا الإطمئنان نابع من السياسة المالية المدروسة من جهة، والإعتماد على الخبرات والكوادر البحرينية وغير البحرينية في ابتكار الحلول، وبالتالي، فإن مسألة «الدعم» مكفولة من الدولة، وفي هذا الشأن، هناك لقاء كبير ومهم سيعقد يوم الأحد المقبل 27 الجاري لجمعية المصرفيين البحرينية، سيضع على طاولة البحث نظرة واقعية أمام جميع العاملين في القطاع المصرفي البحريني للتباحث حول واقع ومستقبل هذا القطاع، وجانب التفاؤل بالنسبة لهذ اللقاء هو أنه يحظى بدعم منقطع النظير من قبل سمو ولي العهد.

إن مثل هذه الإجتماعات، تزيل الكثير من المخاوف كتلك التي طرحتها مؤسسة «موديز» للتصنيف الائتماني والتي أشارت فيها الى أن (توقعات القطاع المصرفي في البحرين سلبية وظروف الائتمان ستظل صعبة لكن البنوك لن تحتاج على الأرجح لزيادة رؤوس أموالها)، وهذا ينبيء بأن التحديات أمام الإقتصاد البحريني كبيرة، لكن ليس من الصعب التغلب عليها خصوصا مع التوقعات بأن العام 2009 سيكون عام الإنهيار الكبير للإقتصاد في العالم.

هناك فرصة ذهبية مقدمة من سمو ولي العهد للعاملين في القطاع المصرفي يتوجب الإستفادة منها الى أقصى الحدود، وينتظر أن يؤسس لقاء الأحد المقبل لمنهج اقتصادي حديث لمواجهة التحديات الإقتصادية.

سامي النصف

تدليل الشعب الكويتي!

شبهت السفيرة المحترمة ديبورا جونز في محاضرتها الاخيرة الشعب الكويتي بطفل مدلل ولد وفي فمه ملعقة من ذهب وفي حسابه 100 ألف دولار لا يعلم كيفية التصرف بها والحقيقة ان ذلك التشبيه يحتاج الى توضيح فقد عاش الكويتيون ثلاثمائة عام، عدا العقود القليلة الماضية، في ضنك من العيش وفقر مدقع.

فالكويت بلد لا زرع ولا ضرع فيه، ولا انهار او اشجار بل صحراء قاحلة شديدة السخونة لم تخلق اصلا لعيش البشر لذا كثرت الامراض والوفيات بين اهله، كما مارس سكانه كل انواع الاعمال المشروعة (غوص، تجارة، زراعة، صناعة سفن) وغير المشروعة (تهريب، قرصنة، غزو) للعيش والبقاء.

وقد فوجئ الجميع عندما اكتشفوا في وقت متأخر انهم يعيشون فوق بحيرة من الذهب الاسود واصبح حالهم كحال شاب فقير بائس يعمل في اصغر المهن، هبطت عليه ثروة ضخمة لم يحسب لها حسابا فتحير هو واولياء امره في كيفية التصرف بها وهل يستمر في عمله الخشن ام يتركه ويصبح من اصحاب الايدي الناعمة التي لا تعمل ولا تنتج.

ومن ذلك فقد جرت في الكويت ابان حقبة الخمسينيات وما بعدها محاولة حسنة النية والمقصد تروم اسعاد الشعب الكويتي بأقصر الطرق بعد معاناة قرون وذلك عبر التسريب السريع للثروة له عن طريق تثمين المنازل بأضعاف اسعارها وتفعيل عمليات التوظيف الصوري للمواطنين تحت شعار ان عهد الفقر والبؤس قد مضى وأتى عهد الغنى والسعد ولم تعد هناك حاجة لان يعمل الشعب الكويتي او حتى يتذكر كيف كان يعمل.

واطلقت الادارة الحكومية الرصاصة الاولى على كل ما يمت للماضي بصلة، فجرى هدم سور الكويت التاريخي وازالة البيوت القديمة المثمنة رغم عدم الحاجة الملحة للاراضي المقامة عليها تلك البيوت، وتسابق السكان في تلك الحقبة لالقاء اثاثهم القديم في الطرق وخلف ما تبقى من السور في ظاهرة ندر ان ترى شبيها لها لدى الشعوب الاخرى حتى كادت الكويت ان تفقد ذاكرتها وتاريخها وصلتها بالماضي لولا رجال افاضل امثال العم سيف الشملان ود.عادل عبدالمغني وغيرهما من الخيرين ممن حافظوا على بعض ذلك التراث.

وقد كان بالإمكان رغم هبوط الثروة المفاجئ الذي ادار العقول ان نحافظ على المزايا المتوارثة للشعب الكويتي كالجدية في العمل وروح الابتكار وحب المغامرة وتسليط الضوء عليها وجعلها قدوة للاجيال اللاحقة بدلا من محاولة محو الماضي بحلوه ومره، كما كان بالامكان اصلاح ذلك المسار التدليلي الذي افسد الشعب والعودة عنه في مرحلة لاحقة لولا فهمنا الخاطئ للعملية الديموقراطية وجعلها مسابقة في دغدغة مشاعر الخلق ما بين «بابا» مجلس و«ماما» حكومة، والحديث ذو شجون.

آخر محطة:
 
1 – بسبب ضعف انظمة الاتصالات الثابتة والنقالة هنا في لبنان لم نستطع الرد على رسائل التهنئة التي وصلت لنا عبر نظام sms فعذرا..

2 – بدلا من «اختلاف» الزعامات السياسية اللبنانية على من يتولى حقيبة الاتصالات لماذا لا «يتفق» الجميع على تحسين خدماتها في البدء تذليلا لمعاناة المواطنين والسائحين؟!

سعيد محمد سعيد

بخلاء وعندهم «كلب شرس»!

 

أتذكر عندما كنا صغارا، لا شيء يغرينا يوم العيد أكثر من التوجه الى الفلل الفارهة والبيوت الفخمة والحدائق الغناء (الكامبونات)، فكانت شلة الأصدقاء تستهدف الفاخر من البيوت أملا في الحصول على عيدية «راهية» تملأ جيوبنا بالأنواط الورقية بدلا من العملات المعدنية من فئة (النُّص أو الأربعآنات)… الخمسة والعشرون فلسا أو الخمسون فلسا كانت بالنسبة لنا معقولة جدا، لكن حبذا لو طرقنا الباب وصرخنا بصوت واحد: «عيدكم مبارك» فيخرج رب أو ربة المنزل وتشفي غليلنا بعيدية من فئة الدينار أو الخمسمئة فلس… فما أحلاها من عيدية.

لكنها مغامرة محفوفة ببعض المخاطر التي لم نضعها في الحسبان أول مرة، وبعد التجربة، صرنا نحتاط لها كثيرا في الأعياد التالية حتى أن بعضنا كان يعيد إلى الأذهان الذكرى التي تنفع الحالمين بالعيادي الراهية: «عاد ها… إذا شفتون باب البيت مكتوب عليه (احذر كلاب شرسة). ما نعيد عليهم… ولا نقترب من بيتهم أصلا».

ذات عيد، توجهنا إلى منطقة الزنج الجديدة… كان ذلك في العام 1977 تقريبا وكنت مع أصدقائي في العاشرة من العمر… طرقنا جرس منزل فخم على رغم أن بابه كان مفتوحا، ولم يخرج أو يرد علينا أحد… فقررنا الدخول للوصول إلى باب المنزل الداخلي فلعل أهل المنزل نيام! لم يكن يهمنا أن نوقظهم من النوم في صباح يوم العيد… المهم بالنسبة لنا أن نحظى بالنقود التي ستأتي من يد أهل منزل أغنياء على ما يبدو… لكن المفاجأة كانت غير سارة إطلاقا عندما انطلق كلب أسود ضخم مرعب من بين بعض الأشجار وتوجه نحونا وهو ينبح بصوت عال، وكان (المحظوظ) منا من استطاع أن يهرب وفي رجله فردة حذاء أو نعل أعزكم الله تاركا الأخرى هناك عند مدخل المنزل أو في جانب من الحديقة أو الطريق… والذي هاله الموقف واستسلم للبكاء بالقرب من باب المنزل متكوما على نفسه وهو يبكي من الخوف، فهذا لا عزاء له أبدا.

في بعض الأحيان، لا يتردد البعض منا وهو ينصرف صفر اليدين من أمام باب أحد المنازل وهو يصرخ: «يا بخلاء»… يحدث ذلك عندما نطرق باب منزل ونرفع الصوت بأهزوجة العيد ليخرج لنا أحدهم ويقول: «عيدنا مو اليوم… باجر»، فنفرح ونقول: «هذا منزل سنعود له غدا… لا بأس، هناك فرصة للمزيد من العيادي في يوم آخر»، وعندما يأتي «باجر» ونتوجه إلى المنزل الذي ثبت عيدهم ليخرج لنا شخص آخر ويقول: «عيدنا مو اليوم… احنه عيدنا أمس»… ولا مجال هنا للقول أننا جئنا بالأمس وقلتم لنا أن عيدكم اليوم… فبعد الطردة غير اللطيفة، يصرخ بعضنا واصفا أهل المنزل بالبخل.

هي ذكريات طفولية جميلة، لا تبارح الذاكرة أبدا ونحن الكبار اليوم، يحتار بعضنا في كيفية توفير موازنة لعيدية الأطفال، ونشعر بالحيرة حين نتوجه إلى المصارف ونكتشف أن العيدية (خلصت)… فندور على محطات الوقود والمحال التجارية وحتى بائع السمبوسة لنسأله برجاء إن كان في إمكانه توفير (بعض الخردة) نوزعها على الأطفال لنرسم على وجوههم البسمة، دون خوف من كلاب شرسة أو محاولة للتخلص منهم حتى لا يقولوا عنا: «بخلاء وعندهم كلب شرس».

سامي النصف

أزمة البرلمانات الكويتية المتعاقبة

يمكن التعامل مع تكرار حل البرلمانات الكويتية دستوريا وغير دستوري بطريقتين: الأولى ان نلقي بكامل المسؤولية على السلطة ونردد دون فهم مقولة ان حلول مشاكل الديموقراطية هي بالمزيد منها دون اعطاء اي تفاصيل ومن ثم تبقى الازمات وما يتبعها من حلول للبرلمان، الطريقة الثانية هي عبر دراسة لصيقة لما يحدث ووضع الحلول «الواقعية» والناجعة ـ لا النظرية ـ لتلك الاشكالات حتى يبقى البرلمان وتتحرك عجلة التنمية، ومن ذلك:

حقيقة ان احد اهم اسباب المشاكل بين السلطتين بقاء ثقافة سالبة تسود الطرح إبان موسم الانتخابات حيث لا يتحدث المرشحون في العادة عن برامج ومشاريع ومقترحات ايجابية بناءة للوطن سيقومون بها عند النجاح، بل يعتبر كثيرون ان الهجوم المتواصل على السلطة وعلى الحكومة التي لم تشكل بعد (!) هو ما يجلب الناخبين للخيام وللصناديق الانتخابية ومن ثم يصبح النائب اسير وعوده ومواقفه المسبقة ولا يستطيع تبعا لذلك الا اختلاق المعارك والازمات السياسية المتواصلة ضد السلطة التنفيذية مما يجعلها تضيق ذرعا وتعلن عدم التعاون، كما يضطرها لمحاولة شراء ذمم بعض المرشحين والناخبين لدعم مشاريعها وهو كذلك احد اهم اسباب الافساد المصاحب للعمل السياسي الكويتي.

ويصل الناخب في العادة للكرسي الاخضر دون عمليات تأهيل او تدريب على اصول العمل السياسي وهي قضية نأمل ايجاد حل لوائحي سريع لها، كما يزيد الطين بلة عدم اشتراط الاهلية للفريق العامل مع النائب، فندر وجود مختصين بالتشريع والسياسية والاقتصاد والاعلام ضمن فريقه الذي يستخدم عادة لتنفيع الاقارب والمفاتيح الانتخابية، ولا يخفى ان عدم وجود رقابة مالية او حدود لما يمكن ان يصرف على الحملات الانتخابية وعدم تفعيل للجان القيم او ايجاد قانون «من اين لك هذا؟» جعل من المؤسسة التشريعية التي يفترض ان تكون محاربة للفساد جزءا فاعلا منه، وفي هذا يقول السيد المسيح عليه السلام «إذا فسد الملح فبماذا نملح؟».

كما ساهم النقل الصحافي والتلفزيوني الفريد وغير المعمول به في اغلب الديموقراطيات الأخرى لوقائع وجلسات مجلس الأمة في تسابق الأعضاء على تسخين الأجواء «إسعادا» للناخبين، كما اتاح عدم وجود ضوابط للاستجوابات الإكثار منها وصبغها بنكهات مسرحية استعراضية غير مسبوقة تبدأ من تقديم صحيفة الاستجواب امام فلاشات الكاميرات وتنتهي بتصفيق الجالسين على مدرجات المجلس التي تحشد عادة بالهتيفة والمشجعين والمناصرين ولو وصلت مستقبلا رئاسة متساهلة للمجلس لرأينا مكبرات الصوت والطبول والأعلام حاضرة فوق تلك المدرجات.

الخلاصة ان منع الحل الدستوري وغير الدستوري للبرلمانات في الحاضر والمستقبل يكمن في الاخذ بهذه المقترحات وغيرها ودون ذلك سنبقى في حلقة مفرغة من الأزمات السياسية المتواصلة التي تنتهي بالحل الدستوري ـ ولربما غير الدستوري ـ للمجالس وتعطل عمليات التنمية وقد تنتهي ذات يوم بضياع او غرق مركب الوطن الذي يأوينا جميعا، والله المستعان.

آخر محطة:

وقفنا مع النائب القلاف ابان رفضه تدخل النواب في أعمال السلطة التنفيذية عبر طلب بعضهم إقالة وكيل وزارة الصحة الدكتور الفاضل عيسى خليفة، فكيف يستقيم ذلك الموقف مع طلب «نفس النائب» هذه الايام من وزيرة التربية إقالة وكيلة وزارة التربية الفاضلة تماضر السديراوي؟! أي كيف يحل له عمل ما حرمه على الآخرين؟! أمور تحدث فقط في برلماننا ومن بعض نوابنا.

سعيد محمد سعيد

العيد في معناه «الإنساني»

 

فيما مضى من السنين، كان لنا جار «ألماني»، يعيش في منزل فخم في قريتنا، فهو مسئول كبير في إحدى الشركات الكبرى، ولم تكن تربطه بجيرانه أية علاقة، فكنا نراه وهو يخرج سيارته من مرآبها أو يدخلها فقط، لكن في ليلة أحد الأعياد، كان يمارس رياضة المشي عندما التقيته وسلمت عليه وقلت له مازحا: «عيدك مبارك»… فكررها تلقائيا :»إيدوكم موباراك»، لكنه انتهز الفرصة ليقول: «هل احتفالكم هذا يشبه ليلة الكريسماس؟».. فقلت له: «قد تكون هناك صفة مشتركة، فالفرح حق لكل البشر، لكن أعيادنا الإسلامية لها معانيها ودلالاتها المتصلة بتعاليم الدين الإسلامي، وهو دين يجمع كل الإنسانية بلا تقسيم لنوع أو عرق أو لون».

لكنني دعوته لأن أرافقه لبعض مجالس العيد ليتعرف على الناس ويعيش معهم الفرحة بالعيد وكان مسرورا بالدعوة التي لباها بالفعل وزرت معه عددا من المجالس وكان يشعر بالسرور كلما تناول فنجانا من القهوة العربية، وبلغ سروره أوجه عندما وجد كل من يدخل هذا المجلس أو ذاك يسلم عليه بحفاوة ويهنئه وكأنه واحد منهم وفيهم، وهذا ما جعله يعبر عن امتنانه لكرم وطيبة وأخلاق أهل البحرين، وقد وجد في تلك المناسبة فرصة للتعرف على المزيد من الجيران.

العيد في معناه الإنساني، لا يختلف عن معانيه الدينية والاجتماعية، ولكن مما يؤسف له أن الكثير من الناس لا يقدرون العيد حق قدره، ولا يمتثلون لمعانيه ودلالاته والتي على رأسها إشاعة المحبة والمودة والتكافل بين الناس، والحمد لله أن أهل البلد يجتمعون في صلاة العيد، ثم ينتقلون الى مجالسهم ليستقبلوا بعضهم بعضا لتبادل التهاني بهذه المناسبة الإسلامية العظيمة، وتتجدد العلاقات وتقوى الأواصر، ولعل أعظم تعاليم الدين الإسلامي في العيد هي التسامح والصفح، ولعلنا اليوم في حاجة ماسة لأن يكون هذا التسامح والصفح هو المدخل للأضداد، سواء على مستوى المواطن العادي، أو على مستوى الرموز والشخصيات والمسئولين والنواب الذين أصبح بعضهم مثالا لإثارة المشاكل في المجتمع.

حتى على مستوى الأسرة الواحدة، فهناك أخوة من لحم ودم وقعت بينهم القطيعة، وعلى مستوى العمل هناك زملاء يعملون تحت سقف واحد لكن قلب كل واحد منهم يغلي على الآخر، وليست هذه دعوى وعظية بقدر ما هي فرصة للفرح… نعم، لم لا نفرح والفرصة مواتية ولا يوجد ما يمنع من أن نفتح قلوبنا لبعضنا البعض ونتجاوز كل خلاف؟ وإذا كانت الأمور السياسية والخلافات العقائدية والفكرية ماثلة في عقول ونفوس البعض، فإنهم فقط من يفرض على نفسه قيود الجفاء والتعب والشقاء.

الفرح في العيد نعمة من الله سبحانه وتعالى، وكلما فرحنا بنعم ربنا، كلما زاد جمال الحياة في عيوننا… فهيا لنفرح ولنشارك الأطفال فرحتهم وعياديهم، ولننسى كل الهموم في أيام سعيدة مباركة.

كل عام والجميع بخير

محمد الوشيحي

وشاحيات: بين البر والبحر

للعلم والخبر، العنوان «وشاحيات» من اختيار الزميل صالح الشايجي الذي يتعامل مع المفردات كما يتعامل مدرب السيرك مع حيواناته الأليفة، فبغمزة عين من صالح تقفز حروف الجر فوق الكراسي، وبصرخة غضب منه تبرك حروف العلة على رُكَبها، وبضربة سوط يرتفع الفاعل من تلقاء نفسه وينفتح المفعول به، وبالجزمة القديمة يُسكّن المتحرك ويحرّك الساكن، على وقع تصفيق جمهور القراء وإعجابهم.

«وشاحيات» هو عنوان لاستراحات المخ، وهو للمواضيع الخارجة عن السياسة الداخلة في الهلوسة. وقد تكون الاستراحة عن موضوع واحد وقد تكون عن مواضيع عدة، بحسب الريح، ولن ألتزم فيها بموعد نشر ولن أعلق من أجلها روزنامة، فمتى ما هبّت عواصف اللوثة وداهمتني شياطين الهلوسة، أوكلت أمري إلى الله، وفتحت الورقة وامتشقت القلم ونشرتها على البلكونة للمارة وعابري السبيل ومن في قلبه مرض.

وفي الرسومات الكاريكاتورية سأتكئ على كتف الزميل الجزائري الفنان عبدالقادر أيوب، وعسى ألا يغافلني ويحرك كتفه فأسقط على خشمي. وإن فعلها فسأكشف للناس أنني لا أتفاهم معه إلا بالإشارة المجردة، توفيراً للوقت والجهد، وأحيانا أعجز عن التعبير والشرح بالاشارة فأتوكل على الله وأرقص له وأهزهز حواجبي، ومن له حيلة فليحتل. استيراد وتصدير

البحر للتصدير والبر للاستيراد، هي هكذا. فعندما تتزاحم الهموم والأحزان في قلبك، ويصبح لديك فائض من الدموع والآلام، تحمل شحنتك وتتجه إلى البحر لتفرغها هناك، فيلتقطها البحر منك ويدفنها في قيعانه، هناك بجانب الشعاب المرجانية وبقايا السفن الغارقة وحطام الطائرات الساقطة من علٍ، كجلمود أخينا امرئ القيس. لذا فأنت «تصدّر» أحزانك من خلال البحر.

في حين أنك عندما تريد التوقف على اليمين في طريق الحياة السريع، لمراجعة نفسك، والتفكير في تغيير محطاتك، والاستعداد للقفز خطوات واسعة إلى الأمام، فستتوجه إلى البر. والبر ملجأ للثوار واللصوص والصعاليك والأحرار، فإليه لجأ عروة بن الورد وتأبط شرّا وامرؤ القيس وسالم أبو ليلى المهلهل وآخرون. ومن اعتاد حضنَ ماما الحنون وصدرها الدافئ فليبتعد عن صحبة هؤلاء الضالين الخارجين على قوانين الأرض، وليذهب إن شاء إلى صالة التزلج، وإن أراد إلى ستار بوكس، فهناك تتوافر الموكا والكابتشينو والهوت شوكليت، بينما العيشة مع امرئ القيس وصحبه تحتاج إلى كفوف أكثر يُبْساً وصلابة من كفوف عمّال البناء، وجلود كجلود الذئاب، وقلوب كقلوب الفهود، ومن دون هذه «المتطلبات» ستقتلك عقربة بنت عقرب، ليس لها قيمة في مجتمع الصحراء.

والصعاليك لا شغل لديهم ولا مشغلة، فهم يتبطحون بين النساء والخمر ونظم الشعر وقطع الطريق، وهم أوفياء بعضُهم لبعض إلى درجة الموت، أو الدرجة التي تعلوها. وهم في الخمر أباطرة، وهم في نظم الشِّعر أساتذة بحجم شاعرنا أحمد الشرقاوي صاحب الروائع الشعرية الخالدة: «جمبلي جمبلولو»، و»آخر بير طفيناه وقلب العدو حرقناه أووو أووو»! وعليّ الطلاق لو استمع تأبط شرّا لقصائد الشرقاوي لخنقه بغترته حتى الموت، ثم لصلبه وأرسل دعوات العشاء إلى الضباع الجائعة. ولو أن عروة بن الورد استمع لمعلقات شاعرنا المبدع «ساهر»، لكَمن له خلف فرع البنك الوطني، ولاختطفه، ولقتله عضّاً ورفساً وشلّوتاً وبكساً.

امرؤ القيس وتأبط وأصحابهما استقوا الجزالة من البر والفضاء المفتوح، فالبَر ملهم، وقد سمعت أن رجل الأعمال السعودي «الراجحي»، ولا أعرف اسمه الأول، كان يصطحب أبناءه وإخوته إلى برّ قرب الرياض، فيجلسون على حصيرة ويتدارسون صفقاتهم ويتخذون قراراتهم الحاسمة والمهمة. أما البحر فمكب نفايات الأحزان، وهو مخلوق لذلك، وهو يحمل على أكتافه أحزاننا، ويخبئ العشاق عن أعين المتطفلين والدراويش، ويستمع لكل ذي شكوى ضعيف. ولو كان الأمر بيدي، لنصحت جامعة الدول العربية بأن تعقد اجتماعات القمم العربية على شاطئ البحر، توفيراً للمصاريف، ومن الزعماء للبحر مباشرة.

وأهل البحر يعمرون الأرض، بينما أهل البر يدمرونها، فالبرّي لا بيت له، وهو يقطع الفيافي والقفار وبحار الرمال من دون علاوة طريق، ويمر بجانب النمور، ويسمع عواء الذئاب وزئير الأسود ولا يتقاضى علاوة خطر. أما البحري فحياته «آب آند داون» بلُغة الطيارين والمضيفين، أي أنه يتعامل مع البحر بسياسة اخطف واجرِ، فهو يغزو البحر في فترات محددة من السنة ثم يعود بسرعة يلهث فرحاً بسلامته، وتقام لعودته الأفراح والليالي الملاح، وهو في غزوته لا ينزل البحر إلا في فترات قليلة، وقد لا يلامس جسمه البحر إذا كانت رحلته تجارية. إذاً علاقته بالبحر ليست ودية وليست على ما يرام، بينما البري يعشق الرمل حتى الثمالة والخبالة، وهو إذا استبد به الغرام، اختطف معشوقته وأردفها خلفه على الحصان وانتحى مكاناً قصيّاً و»جلس معها على الرمل»، وهو إذا ضاقت عليه قلوب أهله، انتحى بعيداً و»جلس على الرمل»، وراح يخط بعصاه ويغني و»يهيجن ويجرّها سامرية»، أما البحري ورغم عشقه للماء، فإنه ينظر إليه من اليابسة أو من سطح المركب، ولا يلامسه إلا عند الضرورة أو لدواعي الخطف، خطف السمك والربيان أو خطف اللؤلؤ والمرجان. لكنه أحيانا قد يدلدل رجليه في البحر، رجليه فقط.

هات وخذ وعنعنة

وأهل البحر أكثر ثقافة واطلاعاً من أهل البر، وأكثر تقبلاً للثقافات الأخرى، فعقل الانسان البحري مفتوح بلا أبواب، بينما عقل الانسان البري مغلق بالثلاثة. والبري أقرب إلى الدروشة من البحري، ويا ويلك ويا سواد ليلك إذا حدثت البري في أمرٍ لم يسمعه من أبيه، إنك إذاً صبئت، وفسقت، وفقست، ووجب سلقك. وسيتحدث معك البحري عن أستراليا كما يتحدث عن المقوع، فهو مطّلع، وكثير الترحال، وهو يأخذ ثقافة ويعطي ثقافة، بينما سيحدثك البري بأسلوب «العنعنة»، عن والدي عن خالي عن جدي الأكبر سفيان بن خرطان، أن مَن خرج عن شور أبيه فستلدغه عقرب وسينطحه تيس، وعندما تسأله: وأين رأيك أنت يا كوبان بن خيبان؟ سيذبح لك كبشاً ليُريك رجولته، فهو يقوى على الكباش، ولا يقوى على مناطحة الحياة، ولا مصارعة الثيران ولا الحيتان، وهو وإن كان أرذل القوم في عصره الذي يعيشه لكنك ستجده أكثرهم فخراً واعتداداً بنفسه.

بين العصر والمغرب

و»العظيم» بين أهل البحر، هو من يأتي بالجديد، جديد الثقافة، جديد العلم، جديد اللباس، جديد الفن، أيّ جديد، بينما «العظيم» بين أهل البر، هو من «يحافظ» على القديم، فثقافته هي ذاتها ثقافة جده التاسع عشر، لذا تجدها بالية، متهتكة، مرقّعة كما جلابية درويش الموالد، لا تصلح للعصر الذي هو فيه، يضحك الناس عليها وعليه، ولكنه سعيد، فهو «ضامن» الجنة، أو هكذا يظن، ولا شيء آخر يهم، وقد أوصاه جدّه وصية واحدة فقط لا غير: «المرأة مثل الشاة، إذا تركتها وحدها أكلها الذئب، فانتبه لشياهك»، لذا فهو لا يهمه إلا أن يحفظ شياهه، التي هي نساؤه، فهذا هو المجد، وهذا هو الشرف الذي لا يفوقه شرف، والخليجي البري والبحري- وهذه صفة يتفق فيها الاثنان – يرى أن الشرف موجود في أفخاذ الشياه، أو النساء، ويأتي الأجنبي الغربي الأحمر الأشقر فيحتل بلد صاحبنا بتاع الشياه، فلا يغضب ولا يقاوم، ليش؟ لأن المحتل الأحمر لم يمس الشرف، الذي هو في مكان حساس معلوم، ويدوس الأجنبي الأشقر بحذائه على صدغه، فيقول صاحبنا وهو تحت الحذاء: افعل ما بدا لك طالما لم تقترب من شرفي! فيصفق له الأجنبي وهو يكتم ضحكته: «كم يبهرني شرفك».

التجارة والرفق بالحيوان

وأهل البحر أكثر جشعاً من أهل البر، فهم لا يكتفون بحاجتهم من الأسماك، بل يبيعونها ويتاجرون بأرواحها، في حين يكتفي البرّي بما يسد رمقه ورمق أسرته، فهو لن يقتل غزالاً كي يبيعه، ولن يتاجر بالأرانب والجرابيع، وهو يؤمن بالأفكار هذه قبل ظهور جمعيات الرفق بالحيوان، وقبل العمّة بريجيت باردو، أو «بي بي» كما يدلّعونها في الغرب. وعلى طعم سالفة «بي بي»، أتذكر أثناء الدراسة الجامعية في مصر عندما سأل الدكتور أحد الطلبة عن الرمز «بي بي»، وهو اختصار لمادة كيميائية اسمها «بلاك باودر»، أي المسحوق الأسود الذي يُستخدم في حشو القنابل والمتفجرات، أجابه زميلنا ببراءة: «بريجيت باردو»، فسحبَ الدكتور شخرة طويلة من هنا إلى هناك، وصرخ في وجه صاحبنا: بريجيت باردو مين يا روح أمك! ثم التفت إلينا وقال بغضب: سأحشو الـ»بي بي» في مناخير هذا الأهبل وسأشعلها لأرتاح من غباء أمه.

لكن ليس أجمل من أن تتعامل مع البر والبحر، أي أن تكون ذا قلبين وعقلين، فأنت مثقف مرهف الإحساس، عقلك مفتوح للنسائم العابرة، تفكر في التعمير والتجارة، وفي الوقت ذاته أنت شجاع لا تبدّل مواقفك خوفاً من سيف العشماوي أو طمعاً في تفاح البستاني، وتمتلك من الفصاحة ما يقيك البرد ويطعمك من جوع ويؤمِنك من خوف ويسمح لك بمجالسة عروة بن الورد.

بريمان

والبري أذكى بكثير من البحري، لكنه أقل منه ثقافة، فثقافته جامدة يستقيها من محيطه القريب المشابه له، فلا جديد في الأمر. وإذا تعامل البري مع البحر فستكون كارثة ولا تشيرنوبل، وستسخن حناجر النساء بالعويل والنواح. وقد نقل لي كبار السن أن جدي لأمي رحمه الله – الذي أحمل اسمه الكامل، محمد الوشيحي، والذي يُكنى «بريمان» – برّي من الطراز الفاخر، شجاع تهابه الصحراء والظلمة، أرعن، تمرّ قبائل الجن بجانبه فـ»تبسمل» وتقرأ آية الكرسي وتسير على أطراف أصابعها قبل أن تعض أسفل ثيابها بأسنانها وتهرب لتنجو بنفسها، صادق كالسيف، سريع القرار كلمعة البرق، كريم كالمطر، عنيد ولا حظ الفقير، صبور ولا البعير، يتخذ الإجراء ثم «يحلّها الحلاّل»، آراؤه تُدخلك في جسر الدائري الخامس بإذن الله، لا يعترف بـ»دراسة الجدوى»، ولا يحترم كليات التجارة ولا الاقتصاد، وهو يأبى أن يتبع أحداً أو يعمل لمصلحة أحد، ولو أنه يعيش معنا وبين ظهرانينا لاستدعاني ونصحني بوقار: «اقتل صاحب الجريدة محمد الصقر، واستحوذ على جريدته يا رخمة»، وكنت سأطيعه وسأنفذ أوامره، مكرهاً أخاك لا بطل، معلش يا بوعبدالله. المهم، هذا البريمان العظيم متمرد في تكوينه، وكان قد قتل أحدهم، فغضب عمّه عليه، عمه هو لا عم القتيل، فهرب من عمه إلى اليمن، وهناك قتل يمنياً، فطاردته قبيلة اليمني، فهرب إلى «العين» في الإمارات، ثم لجأ إلى العراق، فتقاتل معهم، وهكذا، ويبدو أن مشكلة التزايد السكاني كانت ترهقه، فكان الحل الوحيد المتاح هو القتل لتخفيف الزحمة.

وبعد أن استقرت الدول والأنظمة في المنطقة، واستقرت به الأمور، لم يجد أحداً يغزوه، فقرر غزو البحر، بشرط أن يكون هو «النوخذة»، ويا سلام لو أمكنه ركوب البعير فوق ظهر المركب، لكانت ليلة جميلة. ونسيت أن أشرح لمن لا يتحدث الخليجية أن كلمة «النوخذة» تعني القبطان. وبالفعل، استأجر بريمان مركباً و»تنوخذ» واستعان بمجموعة من الأقارب والمعارف السعداء الحظ، وكان بريمان ذا خبرة بحرية تسعفه إلى حد ما، أما البقية فتعرفوا على البحر وهم بين أمواجه، وأظن أن رحلتهم كانت إلى الهند، ويبدو أن القبطان العظيم لم يكن يبحث عن اللؤلؤ ولا يفكر في استيراد الأخشاب والبهارات من الهند، بل كان يفكر في غزو الهنود والاستيلاء على جِمالهم، ليحملها معه على ظهر المركب إلى جزيرة العرب والمسلمين، فهذه صنعته التي يجيدها، فهو أحد أشهر قطّاع الطرق في الجزيرة العربية في العهد المتأخر، لكنه للأمانة لم يكن ليأخذ أبقارهم غنيمة، ليس تعففاً، بل لأنه يجهل ماهية الأبقار ويجهل طريقة التعامل معها، كان سيحدق فيها قليلاً ثم يقتلها، كي لا يشغل دماغه بها. المهم، خاض النوخذة وبحارته غمار البحر، وما هي إلا أيام حتى شاع الخبر: «المركب طبع»، أي غرق، وبعض البحارة راحوا طعام أسماك، ونجا هو كعادته، إلى أن مات – معمّراً – موت فراش في المستشفى الأميري، إن لم تخني الذاكرة، رغم كل الحرائق التي أشعلها والجرائم التي ارتكبها والمعارك التي خاضها. واعتبرت قبائل الجن يوم موته يوماً وطنياً، لاتزال تحتفل به كل عام. رحمة الله عليه، مات قبل أن يأخذ ثأره من البحر.

قفل الباب

روعة البر أنه سيستقبلك وحدك إذا رفضك المجتمع أو رفضته، بينما البحر لن يفعل. وهل سمعت عن صعلوك يعيش في البحر وحده؟. والبحري يفكر في نفسه أولاً ثم في من حوله، كما هي تعليمات مضيفة الطائرة: «لا تساعد أحداً على ارتداء كمّام التنفس قبل أن ترتدي كمّامك»، بينما البري يفكر في أقاربه وينسى نفسه، فكل ما لديه من تفكير سيبعزقه على أقاربه وأبناء قبيلته.