احمد الصراف

نقص الأعضاء البشرية

لقد سبق أن كتبنا أن دول العالم كافة تعاني نقصا كبيرا في الأعضاء البشرية المطلوبة لمئات آلاف المرضى. وفي الولايات المتحدة وحدها هناك 100 ألف مريض على قائمة انتظار متبرع بقلب، رئة، كلية أو كبد، والكثير من هؤلاء لن يعيشوا حتى حصولهم على ما هم بحاجة اليه. وبسبب اليأس من وجود حل سريع أو متبرع قريب، فإن البعض يضطر الى اللجوء للسوق السوداء لشراء حاجتهم من الأعضاء البشرية! ولمواجهة هذه التجارة المحرمة، فقد لجأت بعض الدول لاستراتيجيات متعددة. فإسرائيل، على سبيل المثال، قامت بإصدار تشريع يعطي الأفضلية للمتبرع على غيره في أي عمليات تبرع مستقبلية. كما يضغط الكثير من الأميركيين لتمرير قانون مثير للجدل يسمح ببيع الأعضاء البشرية وشرائها، وهذا ما تقوم به إيران، حيث تعطي الحكومة المتبرع 1200 دولار، مع منحه علاجا مجانيا لمدة سنة في أي مستشفى. وعلى الرغم من أن هذا النظام ساهم في زيادة أعداد المتبرعين هناك، فإن كلفته البشرية والمادية كانت عالية. وفي رد على سؤال وجهته إذاعة البي بي سي للدكتور الكويتي مصطفى الموسوي، الرئيس السابق لجمعية الشرق الأوسط لزراعة الأعضاء، وأحد أكثر المهتمين بقضايا منع المتاجرة بالأعضاء البشرية، قال ان القانون الإيراني ساهم في سد بعض النقص، ولكنه غير عادل للمتبرعين الذين عادة ما يكونون من الفقراء والمعدمين.
وقد سبق أن أشدنا في هذه الزاوية قبل شهرين بقرار وزير الصحة، د. هلال الساير، الذي أوقف بموجبه العمل بنظام التبرع بالأعضاء من غير أقرباء المرضى، لمنع استغلال هذا النظام في بيع الأعضاء وشرائها. وقد نمى إلى علمنا أن عملية التبرع بالأعضاء، أو بالأحرى المتاجرة بها، قد عادت الى سابق عهدها، وأن القادر على دفع المال أصبح بإمكانه استغلال حاجة الغير وشراء كلية مثلا، أما الفقير فعليه انتظار السماء. وقيل إن تدخلات من بعض نواب «الكلأ والكلك» قد أثرت على موقف الوزارة، وجعلتها أكثر تسامحا مع المرضى، وأكثر ظلما للمتبرعين. ووزير الصحة المحترم، وبقية أعضاء مجلس الأمة، يعرفون جيدا المخرج لمشكلة نقص الأعضاء في الكويت، ولكن قلة من هؤلاء المشرعين تود فهم المشكلة أو تمتلك الشجاعة للقيام بعمل ما لحلها.
وبهذه المناسبة، نهيب بمحبي الانسانية، من مواطنين ومقيمين، من أصحاب النفوس الكريمة والكبيرة، الانضمام إلى الجمعية الكويتية للتبرع بالأعضاء، ويمكنهم الاتصال برقم هاتف الجمعية 22520230 أو زيارة مقرها في منطقة الروضة شارع أبو حيان التوحيدي، لمعرفة المزيد عن شروط العضوية السهلة جدا، كما أننا على استعداد لترتيب المواصلات لمن يريد زيارة مقر الجمعية والاطلاع على أنشطتها.

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

شهالصيحة؟

لم يسمح لي الوقت أو الكسل بالأصح لمشاهدة اللقاء الكامل للدكتورة والصديقة العزيزة ابتهال الخطيب مع وفاء الكيلاني، وقد كانت نتيجة ذلك اللقاء أكثر من لقاء صحفي مع الدكتورة لتوضيح الصورة، لعل أبرزها مع الزميلة «الراي» وتصدره للصفحة الأولى من «الجريدة» بالإضافة إلى لقاء تلفزيوني على مدى ساعتين، وأكثر من عشر مقالات تتحدث عن هذه القضية. في اعتقادي أننا في الكويت لا نملك الفهم الصحيح لأن يحمل الإنسان رأياً معيناً، فكل إنسان حر في رأيه مهما تطرّف أو اعتدل، وإن تعدى الخطوط الحمراء فهناك جهاز قانوني متكامل يحاسبه، نقطة وانتهى الكلام. أما أن نفرز الناس ونلقيهم في غياهب النبذ لمجرد رأي مهما كان مرفوضا لعقولنا، فهو أمر غريب ومقيت في الوقت نفسه، لأوضح الصورة لكم أكثر، المحامي محمد عبدالقادر الجاسم كاتب لن أقتنع أبداً- من وجهة نظري الخاصة- بحرصه على الوطن، مهما علا صوته وتألق قلمه، فأنا لست مقتنعاً به أبداً، ولكن هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أن أرفض أن يكتب أو أمنع الناس من قراءته، والأمر ذاته ينسحب على أناس كثر من أصحاب الرأي المكتوب أو المرئي أو غيره. ليس المهم ما قالته ابتهال ومدى عنفه على عقول وعواطف البعض، وليس من الضروري أو الواجب تأييدها فيما ذهبت إليه، ولكن من المحتم في الكويت، ولو كره الكارهون، أن يتاح لها المجال لتكون حرة فيما تقول، وإن تجاوزت القانون، وأكرر القانون وحده لا سواه، فهناك إجراء قانوني لن يتجرأ المنتقدون بشكل أعمى على اللجوء إليه، أقول القانون ولا شيء سواه فلا الدين ولا العادات تحل محل القانون، والدستور واضح في هذا الأمر وحرية الاعتقاد والتعبير فيه مكفولة. قبل أن أختم لا بد لي أن أتساءل لماذا يُعتبر مَن يطرح رأياً دينياً متطرفاً أو شاذاً كإباحة قتل المدنيين من غير المسلمين أو إرضاع الكبير أو «زواج الفريند» أو التدخين في رمضان أو غيرها من أمور، مجتهداً فأخطأ وله أجر أو حسنة واحدة، في حين أن من يطرح رأيا وهو ليس برجل دين وإن كان متطرفاً أو شاذاً فهو زنديق كافر لا هم له سوى وأد الدين؟ لماذا ينتصر أسامة بن لادن الإرهابي على ابتهال الخطيب المفكرة في الحسنات عند البعض أو الكثير من هذا البعض؟ لماذا تحتاج الدكتوره ابتهال الخطيب إلى ألف لقاء صحفي وتلفزيوني لتبرير رأيها، وبن لادن يكسب الحسنات- حسب رأي البعض- لقتله الآلاف وتخويف الشعوب؟ خارج نطاق التغطية: الدكتور حسن جوهر قدم حجته في شأن غرفة تجارة وصناعة الكويت، وأحمد الهارون وزير التجارة قدم رده وقال الفصل هو المحكمة الدستورية، ولم يتنصل من واجباته، فليتوجه الدكتور حسن إلى المحكمة الدستورية، ولتنهِ المسألة ولا داعي أن تلف وتدور في جدل سفسطائي لا جدوى منه. 

سامي النصف

تانكي التأمينات والموت عطشاً

98% من الكويتيين يعملون موظفين في القطاع الحكومي، و2% يعملون في القطاع الخاص لا كملاك للشركات بل اغلبهم كموظفين كذلك في ذلك القطاع العام الذي تغطيه نفس المؤسسة لذا فـ 99% من الشعب الكويتي سيحتاج الى راتب التقاعد بشكل أساسي لتوفير حياة كريمة له عند وصوله للسن التي يتوقف فيها عطاؤه ولا تسمح صحته له بالعمل.

ونمتلك كمواطنين بشكل مباشر اموال تلك المؤسسة الرائدة عبر الاستقطاعات التي ندفعها، لذا يهمنا كثيرا امرها فافلاسها، لا سمح الله، سيكون له وقع وضرر «دائم» على الكويتيين يزيد ربما على ضرر الغزو «المؤقت»، لذا يجب ان نتوقف عند اللغط الذي يدور حولها هذه الايام كي نضع الامور في نصابها الصحيح دون الانحياز لهذا الطرف او ذاك وبعيدا عن عمليات التسييس التي اصبحت تدمر كل شيء جميل في البلد.

وقد قرأنا ما كتب وقرأنا الردود ولم نقرأ بعد الردود اي تعقيبات مما يعني صحتها، ومن ذلك اكتشفنا ان ما قيل انه خسائر بمقدار 90% بسبب الاستثمار في كبرى الشركات الكويتية المساهمة هو في الحقيقة ارباح تم تحصيلها بشكل مسبق فالـ 6 ملايين دينار التي استثمرت حصدناها 8 ملايين دينار ومازال الخير لقدام مع تعافي تلك الشركات الكويتية الكبرى.

كما ان خسائر استثماراتنا (غير المحققة) في الاسواق العالمية التي انهارت بشكل كامل لم تزد على 12% وهي استثمارات قابلة كذلك للعودة لتحقيق الارباح في حال تحسن تلك الاسواق العالمية كما هو متوقع، اما الحديث عن طول مدة بقاء المسؤولين في المناصب فهو حديث يحتاج الى وقفة عنده، فبعض المديرين قد لا يستحق ان يبقى على مقعده حتى 3 دقائق والبعض الآخر يستحق البقاء 30 عاما وأكثر فالمقياس هو الكفاءة والقدرة على الابداع والتجدد وقلة الاخطاء.

ان مؤسسة التأمينات هي اشبه بتانكي مياه ممتلئ يوفر لاحدى القرى حاجيات الشرب والري.. الخ، والاشكال هو ان هناك انبوبا (واحد انش) يصب في ذلك التانكي الا ان سكان القرية وبعض ممثليهم اصبحوا يتسابقون على خرق التانكي ووضع انابيب 3 و5 و7 انش لسحب المياه منه، لذا فالقضية لا تحتاج لخبراء اكتواريين للتنبؤ والقول ان ذلك التانكي سينقضي مخزونه خلال كذا سنة، وان الحكمة الا نعتمد على وعد مستقبلي بأن هناك من سيزوده حينذاك بالمياه من الامطار غير المضمونة، ان فائض الميزانية العامة قد لا يكون به فائض عندما يقارب المخزون على الجفاف، والحكمة ان نتوحد لإيقاف تلك الانابيب الظالمة الخارجة منه.

ان انابيب الهدر تلك تتمثل في المطالبات الشعبوية بالتقاعد المبكر (نساء، موظفين، عسكريين، فنيين، خصخصة، أهالي معاقين، اصحاب شهادات طبية كاذبة.. الخ)، فالمرأة التي تمثل نصف المجتمع سمح لها بالتقاعد بعد 15 عاما اي تعطي الصندوق ما يقارب 4 آلاف دينار (انبوب انش) ثم تأخذ منه ما يقارب 200 ألف دينار حسب دراسات التأمينات (انبوب 50 انشا) فكيف ستبقى مياه في التانكي؟ ان على جميع مالكي ذلك الخزان كبارا وصغارا ان يحاربوا من يستبيح محتوياته عبر الدعاوى المدغدغة حتى لا يصحوا ذات يوم ويكتشفوا ان التانكي قد جف ولم يبق لاهل القرية إلا الهجرة او الموت عطشا.

آخر محطة:

الشعبوية «الحقة» والحكمة تقتضيان ان ينفرد بعض النواب بايضاح الحقائق وطلب دعم المواطنين لرفض المطالبات الشعبوية الزائفة التي زادت على حدها والهادفة لافلاس الدولة ومؤسساتها العاملة وعلى رأسها «التأمينات الاجتماعية» حفظها الله لمالكيها.

احمد الصراف

سيدي محمد بن راشد (2 – 2)

ما يدفعني إلى الكتابة لكم يا سيدي، هو أهلية دبي الفريدة في حمل لواء الحداثة والحرية في المنطقة، هذا اذا كنا نرغب في بلوغ معدلات تنمية حقيقية في أوطاننا. فما تمتعتم به دوما من جرأة وإقدام في اقتحام الصعب من المجالات وطرق أبواب المشاريع المستحيلة والنجاح في فتحها، يدفعنا لمطالبتكم بحمل شعلة الحرية الأكاديمية، المماثلة تماما للحرية الغربية والمتناغمة معها، والتي كانت تتمتع بها يوما مصر ولبنان، والتي ميزت الشعبين في أكثر من مجال. ولا شك يا سيدي أنكم على علم تام بأن من شبه الاستحالة تحقيق أي تنمية حقيقية مستدامة من دون حرية، ولا يمكن التفكير في استمرار تلك التنمية بعد تحقيقها بغير المزيد من الحرية، والحرية المقصودة هنا هي الحرية الفكرية، والأكاديمية بالذات، ضمن مشروع لا يمكن الرجوع عنه، وغير خاضع للأهواء الشخصية أو النزعات الفردية، بل حرية مطلقة غير مرتبطة بأي قيد سياسي ديني أو اجتماعي. فتخلفنا، عربيا واسلاميا، لا علاقة له بالاستعمار والصهيونية، ولا بالفقر ولا بقلة الخبرات، بل بانعدام الحرية في مجتمعاتنا منذ اليوم الذي نولد فيه وحتى نموت، وفي أحيان كثيرة بعد ذلك!
وحيث إن التنمية البشرية الحقيقية تبدأ على مقاعد الدراسة، فإن الوطن والأمة والعقيدة تطالبكم بقيادة تجربة الثورة التعليمية من دبي، لتكون قدوة للآخرين في تخليص أنظمتهم التعليمية المترهلة من كل ما علق بأردانها من وهن ووهم تلبساها طوال قرون. ويمكن الوصول إلى هذه الحرية الفكرية من خلال دعوة منظمة اليونيسكو إلى وضع نظام تعليمي «عالمي» غير متحيز لمدارس الحكومة في دبي، يكون صالحا لكل المراحل التعليمية السابقة للجامعة. كما يتطلب الأمر، من جهة أخرى، دعوة جامعة غربية عريقة إلى أن تفتتح في دبي فرعا تقوم هي بالاشراف التام عليه، وتكون لها وحدها اليد الطولى في وضع أنظمتها وقوانينها ومناهجها التعليمية المتطابقة تماما مع مناهج الجامعات الغربية العشر الأولى في العالم، وأن تكون غير خاضعة لغير السلطات التي تخضع لها مثيلاتها في الدولة الغربية المعنية.
لا شك يا سيدي أنكم تعلمون بأن المباني والقصور والجسور التي كانت في زمن ابن رشد والفارابي وابن سينا وغيرهم المئات من العقول العربية والاسلامية الذين أناروا الطريق لمن جاء بعدهم، قد زالت جميعها، ولم يتبقّ منها في زماننا غير الآثار الفكرية لهؤلاء الأفذاذ، وستبقى كذلك أبد الدهر. وحظ مباني ومنجزات دبي الخرسانية، على الرغم من عظمتها، ولمستكم القوية عليها، ستذهب وتندثر مع الزمن، ولكن ما سيتبقى، بعد عمر طويل نتمناه لكم، هو منجزاتكم في عالم حرية الفكر البشري ودوركم في تنمية وطنكم وحفظ تراث أمتكم من خلال الاهتمام بتنمية عقول حرة، بعد أن نجحتم في التنمية المادية والمعنوية لدبي.
وتفضلوا سموكم بقبول فائق التقدير وشديد الاحترام.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

إلى رفيق… سعد خيّب الظن

صباحك لبنان يا رفيق. صباحك نماء يا عملاق… في ذكرى محاولة اقتلاعك الفاشلة أعترف، لم أحزن في ذكراك العام الفائت، ولا الذي قبله، ولا الذي قبله، كما العام هذا. يبدو أنني اليوم أسدد فاتورة الأعوام الفائتة دفعة واحدة. ولا تسألني عن السبب، فأنا لا أجيب نيابة عن الحزن، ولا أتحدث باسمه.

من أنا؟ أحد سكان المناطق الخلفية في الكويت، عاشقٌ للبنان، لا يميّز بين شهوره، فآذار لبنان كشباطه، لا فرق إلا في الطقس. أنا رجل لا يحب الحكومات العربية، ولا حاملها وكاتبها وشاهدها وبائعها وشاريها، لكنه يعشق القادة العظام، يُطربه مصطفى كمال أتاتورك وشراسة مسدسه المدني، وغاندي وغصن زيتونه وعُريْه الذي كسا الهند، ونيلسون مانديلا وثباته الجبلي، وعبدالرحمن سوار الذهب وزهده الثري، وعبدالله السالم وبساطته الشامخة ومحبته لشعبه، ورفيق الحريري ولبنانيته الشاملة وعملقته الفاخرة…

رفيق، أيها العملاق، أرادوا اقتلاعك ففشلوا، ونجحوا في اغتيالك، وكان يجب أن تُغتال. ليس ثمة طريقة أخرى لتخليص الحمامة من مخالب النسر إلا باغتيالك. أما اقتلاعك "فبعيد عن شواربهم"، كما في لهجتنا. لم يُخلق بعد من يقتلع أرزات لبنان الشاهقة من قلوب لبنان وعشاقه.

بعد محاولة اقتلاعك، أضحت الشوارع تشك في الخطوط السريعة، والخطوط السريعة تشك في المدن، والمدن تشك في الدول… تكدّسَ الشك في السماء بسببك أيها الكبير. غيابك أوجد الشك، كما أوجد حضورك الحب.

عن لبنان تسأل؟ تطمئن؟… شوف يا عظيم، لبنان لايزال يشرب القهوة سادة، قبل أن يُحكم ربطة عنقه ويهمّ بالخروج استعداداً للسهر ورقص الدبكة. وكأنما دبْك أقدامه يذكّر الأرض بوجوده وثباته. لبنان كله يرقص. يمتلئ رقصاً. يفيض رقصاً. أظنه يؤمن بالأديان القديمة التي تشرّع: "الرقص حرام، إلا للحزانى والمكلومين"، "الرقص ترجمة الآلام". وكان الرقص حكراً على الثكلى والأرملة، ومع تسامح الأديان رقصَ الأب والابن والأخ والزوج، ومع تسامحها أكثر، رقص لبنان كله. هل تسمع حزنه؟ يا لفصاحته ووقاره. لبنان يرقص بعدما حفظ الأحزان عن ظهر دمع، وحفظ الاقتتال عن ظهر دم… لبنان يرقص.

عن ابنك سعد تسأل؟ هو لم يعد "ابنك" فقط، هو الزعيم، هو دولة الرئيس. لكنه خيّب الظن فيه، فلم يكن على قدر المسؤولية كما أردنا، كان أكبر من المسؤولية وقدرها وقضائها، كما أردت أنت. كان على قدر العشق، عشقِ لبنان بألوانه كلها، كما أراد هو.

واسمح لي أن أوجز لك ما فعله سعد في التفاوض الأخير… هل تعرف حكاية المولود الذي اختطفته الجارة، فأرادت أمه استرداده فعجزت، فاختصمتا إلى قاض نبيه، فحكم بأن يُقطع نصفين، تأخذ كلّ منهما النصف، فصرخت أمه بأعلى حبال الأمومة: "لاااااا، هي أمه وأنا أكذب"، بينما وافقت الجارة على تقطيعه، فحكم القاضي بإعادته إلى أمه الحقيقية. هذا ما حدث مع سعد بالضبط، عندما تجاذبوا لبنان حتى كادوا يمزقونه، فصرخ بأعلى حبال حريريته: "لا، أنتم أمه"، وأذعن للبنان، فراحوا يكدسون أرباحهم من خسائر لبنان، وراح يبحث عما يعوّض الخسائر تلك… أرادوا إفشال حرث سعد فتضاعفت فواكهه. أرادوه أن يقضي وقته انكساراً وقضماً لأظافر الخيبة، فقضاه نصراً وزرعاً لبذور التفاؤل.

سعد مثلك، ألبسوه قميص بيروت، فتمزق القميص عليه لضيقه، فاستبدلوه بقميص لبنان، فلاق له وبه. ألبسوه جلباب "السُّنّة" فبدا أقصر منه، وتعرت ساقاه، فاستبدلوه بجلباب لبنان فكان على مقاسه، من قمة كتفيه إلى أخمص غيمته… بعض حلفاء سعد أهدوه المؤازرة، لكنهم تناسوا، عن عمد وسابق إصرار وتبجح، ورقة السعر على الهدية كي يردها إليهم مضاعفة، بالنظام التجاري المعروف المقروف "الشيء ومقابله"، فردها إليهم مضاعفة كي لا يتوقف لبنان عن الرقص.

إيجازاً: لبنان يجني حرثك، وسعد يؤكد فشل محاولة اقتلاعك… اطمئن.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

احمد الصراف

سيدي محمد بن راشد (1 – 2)

اسمح لي يا سيدي الكريم بمخاطبتكم مباشرة، من دون استخدام أي من ألقابكم الرسمية، وآمل أن تتقبل مني ذلك فمقامكم الحقيقي في القلب والعقل، وليس على الورق.
أنا مواطن كويتي، وعلاقتي بدبي قديمة كتاجر ومستثمر وسائح، كما استضافتني دولتكم ومساكن مدينتكم الجميلة، كلاجئ ورجل أعمال، عندما شردتني قوات صدام، ومئات الآلاف غيري من أبناء وطني.
أحببت دبي، وطالما أعجبت بتجربة نموها المتسارع في عهدكم، وكنت دائم الاشادة بمنجزاتكم الكبيرة، مع تحفظاتي على بعض جوانبها. وقد تألمت، كالكثيرين غيري من محبي دبي، لما تعرضت له اخيرا من مصاعب خارجة عن ارادتكم، أقول هذا على الرغم من أن مصالحي التجارية، مع تواضعها، لم تتأثر الا قليلا بالأزمة الأخيرة.
أكتب لأقول لكم كذلك، يا سيدي، ان دبي، بتجربتها الرائدة، وجدت لكي تبقى، فهي الأمل، وهي القدوة، وهي الواحة الوارفة الظلال في صحراء شديدة الجفاء والجفاف، حتى مع أبنائها. ولو عرف حساد دبي ما ستكون عليه حال المنطقة من غيرها، لشعروا بالخجل. نكتب ذلك ونحن على ثقة بأن دبي، بقيادتكم، ستخرج من أزمتها أشد صلابة وأكثر ثقة بنفسها.
وهنا، أتمنى يا سيدي أن يتسع صدركم لما سأقوله، والذي يتعلق بصورتكم القادمة في التاريخ، ودور دبي التاريخي القادم.
أعتقد، وقد أكون مخطئا، بأن البنية التحتية لدبي سوف لن ينتهي العمل بها لسنوات طويلة قادمة، وأن الصرف على العمران قد وصل الى حدود معقولة وكافية، للعقد الحالي على الأقل. وأن على دبي الآن الاستثمار أكثر في الانسان والفكر الانساني، بعد أن نجحت من خلالكم في الاستثمار في كل مجال عمراني وصناعي وترفيهي. وعلى الرغم من كل المحاولات الجادة التي قمتم بها في مجال التنمية البشرية، فإن التجربة، إن سمحتم لنا، لا تزال تفتقد لشيء جاد وغير مسبوق في منطقتنا، وهنا نقصد زيادة جرعة الحرية الفكرية والتعليمية التي جسدها الغرب طوال القرن الماضي خير تجسيد.
(يتبع غدا)

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

شكرا… «بوعيسى»

 

اثنان من الزملاء الإعلاميين، لا يتوانيان عن تقديم ما يمكن تقديمه من مساعدة للناس، سواء عندما كانا يمارسان عملهما الإعلامي ميدانيا، أو عندما التحقا للعمل في ديوان سمو ولي العهد نائب القائد الأعلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، دون تبرم أو تعبير عن الضيق أو التهرب من المساعدة في أي وقت.

هذان الزميلان هما ناصر الذوادي وسامي هجرس، فعندما كان الأول يمارس عمله الإعلامي وكان الثاني يمارس عمله كمقدم لبرنامج شهير شهد نجاحا كبيرا خلال السنوات الماضية، وهو برنامج (هذا المساء)، سنحت الفرصة للاستعانة بهما في إيصال مشاكل بعض المواطنين إلى الجهات التي يمكن أن تقدم المساعدة، وشخصيا، لم أجد منهما أي تردد حتى وقت الاتصال أيام الإجازات وفي أوقات غير مناسبة.

وكانت لي تجربة، كشفت لي أن الكثير من المسئولين لا يتكلمون إلا من أجل التلميع الإعلامي حين يأتي الحديث عن تشجيع المبادرات الثقافية أو الاجتماعية، وخصوصا تلك المتعلقة بالأعمال الثقافية الموجهة للأطفال والناشئة فيما يتعلق بالمواطنة وتنمية الحس الوطني وثقافة الطفل، فبادرت لتقديم فكرة سلسلة أطفال بعنوان (البحرين بلادي)، ولم أجد من المسئولين إلا الصد والتهرب، حتى عرضت الأمر على الزميل ناصر الذوادي الذي وجدت منه كل التشجيع والدعم للعمل على إظهار الفكرة إلى النور وترجمتها إلى أرض الواقع.

ثم جاءت مشكلة مواطنة بحرينية مطلقة، صدر حكم قضائي لصالح طليقها الذي طردها مع أطفالها /أطفاله من المنزل، ووجدت نفسها على قارعة الطريق لا معين لها إلا الله سبحانه وتعالى، ولم يتردد الزميل سامي هجرس، منذ أن قدمها في برنامجه التلفزيوني لتعرض مشكلتها، إلى حين متابعة وضعها بعد انضمامه إلى ديوان سمو ولي العهد، بغية إنهاء معاناة أسرة بحرينية وجدت نفسها تحت ظروف قاسية للغاية.

يوم الخميس الماضي، صدر قرار من مجلس التنمية الاقتصادية برئاسة سمو ولي العهد، بالتجميد الفوري لمشروع «البيوت الذكية» نظرا لعدم استجابتها لمتطلبات المواطن البحريني، وهو مشروع أثار لغطا كبيرا بين المواطنين حول مستوى هذه البيوت، وتبع القرار توجيهات بإيقاف المخططات القائمة وإعداد مقترح إسكاني خلال أسبوعين، وهنا، لابد من الإشارة الى أن هناك مبادرات، وإن كانت محدودة، من جانب المستثمرين البحرينيين للمساهمة في حل المشكلة الإسكانية، فبادر أحد رجال الأعمال البحرينيين بتقديم نظام حديث لإنشاء المدن الإسكانية، وهو الآخر لم يجد إلا (الإذن الصمخة) من جانب المسئولين، ولو على الأقل للتعرف على فكرته وتقييمها بدلا من الجري وراء نموذج صيني أثبتت نماذجه الأولية أنه لا يلبي احتياجات المواطن البحريني.

هذا القرار، أي قرار سمو ولي العهد، أضفى حالة من الارتياح بين الكثير من المواطنين، حتى أن الكثير من القراء الكرام علقوا على موقع «الوسط» بتوجيه الشكر إلى سمو ولي العهد، وتكررت «عبارة شكرا بوعيسى»، مرارا وتكرارا، وهذا يعطي دلالة واضحة على أن المواطن البحريني يريد منزلا يلمّ أسرته بالفعل، لكنه لا يريد منزلا (جاكويتوه) كما نقول بالعامية! ولهذا، فإن من الأهمية بمكان النظر في الأفكار التي يقدمها أبناء البلد للإسهام في حل المشكلة الاقتصادية، ومنح القطاع الخاص فرصة حقيقية للمشاركة في إيجاد الحلول، على ألا تكون قاصمة لظهر هذا المواطن الذي تتلاقفه الالتزامات المالية والديون من كل جانب وصوب.

لا نقول إلا… الله يكثر من المسئولين ومن الإعلاميين الذين يجد فيهم المواطن قنوات لإيصال معاناة الناس بصدق، ولكل امرئ ما نوى

سامي النصف

«عزايز» والوطن المظلوم

جزى الله محافظ العاصمة الشيخ علي جابر الاحمد كل خير على دعوته اصحاب ورواد الدواوين الكويتية لحفل غداء في مزرعته العامرة «عزايز» حيث التقت واختلطت الجموع الكويتية بعضها ببعض وكان كثير منها لم ير الآخر منذ سنوات طوال وكأن الكويت روسيا في اتساعها او الصين في تعدادها.

واوضح المواطن علي جابر الأحمد للصحافة في حفل الغداء موقفه وموقف كل كويتي مخلص من الدفع بتجنيس المستحق من «البدون» ومن اصحاب الاعمال الجليلة وممن يحتاجهم البلد من اطباء ومهندسين ودكاترة وعسكر واعلاميين ورجال اعمال ..الخ، ووقف الخلط الضار بينهم وبين من لا يوجد اثبات لوجوده في الكويت حتى سنوات قليلة ماضية.

فهناك آلاف الحالات ممن لا يوجد اثبات لوجوده في البلاد قبل عام 90 اضافة الى آلاف الحالات الاخرى ممن توجد اثباتات قاطعة على انتمائها لدول اخرى ومنهم من لا يستطيع الحديث باللغة العربية او اللهجة الكويتية وهؤلاء من يظلم «البدون» الحقيقيين بتضخيمه اعدادهم الى ارقام فلكية (120 ألفا يمثلون 12% من السكان) ولا يمكن لاي بلد في العالم ان يقبل بتجنيس مثل تلك النسب المرتفعة فمن الاستحالة بمكان ان تقبل الولايات المتحدة على سبيل المثال بتجنيس 36 مليون اميركي جديد (12% من السكان) لارضاء بعض نوابها، مع الفارق المعروف بان الجنسية الاميركية تؤخذ ولا تعطى والجنسية الكويتية تعطى ولا تؤخذ.

ان المواطنة الحقة تمنع وصم الكويت الكريمة والمعطاءة والمظلومة بـ«الظلم» من قبل بعض نوابها وكتّابها ومواطنيها، واثارة المشاكل والاحقاد عليها، فاشكالية «البدون» بدأت بظلم بعض الافراد ـ لا الكويت ـ لعائلاتهم عندما لم يسجلوهم في ملفات الجنسية الرسمية ولا يمكن تصور قيام اي دولة في العالم بطرق الابواب على الناس كي تمنحهم جنسيتها اذا لم يكونوا يرغبون في التسجيل للحصول عليها، اضافة الى ظلم من سجل دون استحقاق وهو اول العارفين بعدم استحقاقه فضخم العدد وأضر بمن يستحق الجنسية.

وفي حفل غداء مخيم «التطبيقي» السنوي الذي دعا له مدير عام الهيئة الدكتور الفاضل يعقوب الرفاعي واشرف عليه الزميل العزيز قيس الاسطى، استمعنا لاحد المختصين من الحضور وهو يروي كيف ان نص المقترح الاصلي لقانون المعاقين – الذي نبارك للمعاقين واهلهم صدوره ـ لم يكن فقط فضفاضا حتى ان الناشطة في مجال المعاقين سعاد المطيري ذكرت ان 60% من المعاقين الحاليين غير معاقين، بل اراد بعض مقدميه ان يقدموا للمعاق «الزائف» عملا حكوميا في الصباح وبسطة لبيع الخضار عصرا ورخصة تجارية يعمل بها ليلا، فهل هذا الكلام يعقل وهل يستطيع المعاق الحقيقي القيام بجميع تلك المهام الصعبة؟!

آخر محطة:

العزاء الحار لآل الكريباني الكرام وللكابتن احمد الكريباني بوفاة المغفور له والده فللفقيد الرحمة والمغفرة ولاهله وذويه الصبر والسلوان، وانا لله وانا اليه راجعون.

محمد الوشيحي


الكويتيون… 
جبناء شِرْدان

كان ذلك قبل الغزو… أحد عشر كويتياً مراهقاً، يسبح كلٌّ منهم في بحر عامه الثامن عشر، وعشرون مراهقاً عراقياً يكبرونهم بعامين، تجمعهم الكلية العسكرية في القاهرة.

وكعادة المراهقين، لا يمر يوم من دون أن يسجل التاريخ لهم «هوشة»، أو «عركة» بالعراقي. إلى أن ضاق العراقيون ذرعاً بنا وبعركاتنا التي لا تنتهي، وصاروا يتفادون مصادمتنا، لا خوفاً منا بل من عقوبات إدارة الكلية التي قد تنتهي بالفصل الذي يتبعه عقاب الجيش العراقي.

وتوالت الأيام والعركات، وبلغني ذات مساء أن العراقيين ضربوا أحد الزملاء، وأنه يرقد الآن في عيادة الكلية في حالة حرجة، فاقتحمت «عنبر» العراقيين، على اعتبار أنهم ما إن يروني حتى يتشعبطوا بالسقف هرباً، أو يندسوا تحت أسرّتهم فزعاً، فأضطرّ مكرهاً إلى سحب كلٍّ منهم بـ»كراعه» من تحت سريره، وكف كفين، وبكس بكسين، وأعود إلى «عنبر» الكويتيين بالغنائم. لكن خطأً ما حدث في السيناريو، إذ أغلق العراقيون باب مهجعهم، وأنا في الداخل! ووفقهم الله فخنقوني، وألهمهم الله فداسوا في بطني، وأعطوني ما تيسر من اللكمات، والرفسات، ثم حملوني، مشكورين، ورموني خارج «العنبر» وأغلقوا الباب على أنفسهم، تحسباً لانتقام الكويتيين.

وكنت – لشدة الخنق الذي تعرضت له – أشرح ما حدث للربع بالبحّ الفصيح: بح بح بحوح، وأشير بأصبعي إلى عنبر العراقيين، فهجم الربع عليهم، بعدما انتزعوا ألواح الأسرّة ليستخدموها كهراوات، وأخذوا يدفعون الباب من الخارج ليقتحموا العنبر، والعراقيون المتحصنون يدفعون الباب من الداخل، وباءت محاولات الربع بالفشل. ونقلوني إلى العيادة، وكان عذري للطبيب كالعادة: «تزحلقت على السلّم»! وروى لي الربع أن الزميل الجهراوي الأصيل بدر الشمري – الرائد حالياً، شفاه الله من مرضه العضال، وهو من فصيلة النمور الرعناء، لكنه تسلل زوراً وبهتاناً وانضمَّ إلى فصيلة الإنسان، وأشهد أن أبويه لم يربياه على الآيس كريم والجاتوه – جلس ليله كلّه أمام عنبر العراقيين وهو يصرخ عليهم من تحت الباب بكلمات غير صالحة للنشر، تترجمها «ام بي سي 2»: أيها الحمقى.

أيام ما أجملها، وما أجمل تعليق اللواء متولي، المسؤول عن أمن الطلبة، على عذرنا الذي لا يتغير عند سؤاله لنا عن أسباب انتفاخ شفاهنا وتغيّر ألوان عيوننا بعد الخناقة: «تزحلقنا على السلم»، إذ قال غاضباً: «ايه حكاية الزحلقات الجماعية دي؟ في ايه، دي سلالم والا قشر موز».

الشاهد في الموضوع، هو ما أثاره أحد الطلبة العراقيين، وهو الرجل الشهم، عمّار الدوري، الله يمسيه بالخير إن كان لايزال ينبض، عندما قال لنا ذات جلسة صلح: «فرْد سؤال دا يشاغلني، بدون زعل، انتو كويتيين أكيد، لوو مِنّا ومِنَا؟»، وعندما استغربنا سؤاله، صعقنا بإجابته: «هسّه اللي نعُرفه إن الكويتيين جبناء يشردون من فأر، كل الناس تحجي عنكم هيج، بس انتو ابتليتوا الكلية بمشاكلكم، والكلّ دا يتفاداكم، المصريين والتنزانيين والسودانيين، واحنا العراقيين حارّين هواية، وصرنا قوالب ثلج مقارنة بيكم».

لاتزال كلمة عمار ترن في أذني، يعززها ويؤكدها بعض ما يذكره الأصدقاء عن سمعة الكويتيين عند العرب، خصوصاً في الدول السياحية، وكيف أننا جبناء شردان (مفردها شرود، أي سريع الفرار). وبعدما أربط ما تقدمه الكويت للعراقيين وما يقدمونه هم إلينا من تحرشات واستفزازات، تزول دهشتي، فأصدّق أقوال القوّالين. ليأتي بعد ذلك «لاريجاني» رئيس البرلمان الإيراني، ويثبت أن «سمعتنا» تجاوزت العرب، وانتشرت في أصقاع الصقيعة، عندما تحدث بيننا بعنجهية ولا عنجهية هتلر أيام عزه، وهدد الآخرين من على أرضنا وبين جمهورنا، وتحت مظلة حكومتنا الصامتة المرتعدة، قبل أن يتصدى له النائب البطل د. فيصل المسلم.

بقيت تركيا، ونحن بانتظار السيد أردوغان، كي يمردغنا ويجرّب ملمس قفانا المخملي، ويغادر بمثل ما استُقبل به من حفاوة وتكريم… ورحم الله صاحب المثل: «الخوف ما نجّا الحبارى من الطير». والطير هو الصقر في لهجة أهل البادية، والحبارى هي الكويت. 

احمد الصراف

أنا أحب الليونز والروتاري

لم أبد حماساً كبيراً عندما عرض علي أصدقاء من لبنان قبل أكثر من سنة فكرة تأسيس وإدارة فرع لليونز، ومع هذا سررت لقيام مجموعة من المواطنين والمقيمين من الجنسين، بإقامة حفلة بمناسبة تأسيس نادي الليونز في الكويت. ونتمنى أن نرى أيضاً فرعاً لنادي الروتاري، لحاجتنا لمثل هذه الأنشطة الاجتماعية والخيرية غير المتحيزة.
أسس بول هاريس وثلاثة من أصدقائه نادي الروتاري في مدينة شيكاغو عام 1905، وسمي بالروتاري، أو الدورية، لتناوبهم الأربعة في استضافة اجتماعاته. وكان هدف النادي، ولا يزال، خدمة المجتمع الذي يقع في دائرته، وخدمة أعضائه، من خلال توثيق الصلات بينهم، وهم المنتمون لمهن مختلفة. ومع الوقت اتسعت عضوية النادي لتشمل مليونا ونصف المليون عضو من خلال 32 ألف فرع في 200 مدينة تغطي العالم أجمع. ووصلت ميزانية الروتاري في السنوات الأخيرة لأكثر من 120 مليون دولار، وتقوم بتوفير دعم سنوي للكثير من الأنشطة التعليمية وتصرف أمصال شلل الأطفال بكميات كبيرة للمحتاجين.
وبعد 12 عاماً من تأسيس الروتاري، قام ملفن جونز بتأسيس نادي الليونز في المدينة نفسها، ولتحقيق الأهداف نفسها تقريباً، ولكن في مجالات متعددة أخرى. ويبلغ عدد أعضائه الآن 1.3 مليون، وميزانيته ضخمة وطموحاته أكثر ضخامة.
وبالرغم من نبل أهداف الناديين فان اجتماع الليونز الأول في الكويت لاقى اعتراضاً من البعض، وربطوا بينه وبين الماسونية، وأطلقوا عليه صفات قبيحة ووصفوا أنشطته بالمشبوهة! وقال أحدهم إن الليونز «منافقون يهود». وقال آخر انه ليس من السهل الاشتراك في هذه الأندية لغير رجال الأعمال والأثرياء والملوك والرؤساء (!).
ولو علم هؤلاء السذج ان ما قدمته الليونز مؤخراً لمساعدة هايتي، من مال ودواء ودعم بشري كبير، يزيد عما قدمته الدول العربية والإسلامية مجتمعة، لشعر «ربما» بالخجل. أما «تهمة» صعوبة الاشتراك فيها لغير أصحاب الثروات، فهي صحيحة إلى حد ما لأنها نواد خيرية تعتمد على كرم وأريحية المشاركين فيها وقدرتهم على جمع المال، ولكن «التهمة» غير صحيحة حيث انها تقبل في صفوفها غير الأثرياء من الشخصيات المؤثرة اجتماعياً وفنياً.
وعليه يمكن تفسير سبب كراهية المتشددين دينياً لأنشطة هذه الأندية، بما فيها الماسونية، لما تقيمه هذه الأندية من حفلات بغرض جمع أكبر قدر من المال والملابس والطعام خدمة لأغراضها الخيرية التي، وهنا المهم، لا تقتصر على فئة محددة ولا اتباع دين واحد. كما ان هذه الأندية لا تقوم على أسس دينية ولا مذهبية ولا عرقية، وبالتالي تذهب مساعداتها للجميع، وبعرف هؤلاء فإن دفع مال كويتي مسلم لتوفير مصل شلل أطفال لطفل فلبيني مسيحي مثلاً أمر لا يجوز حدوثه، ومساعداتنا يجب أن تخصص لأبنائنا فقط، وهذا ما يتفق مع أعرافنا المذهبية والقبلية والأصيل من عاداتنا وتقاليدنا التي لا يوجد ما هو أكثر اصالة منها… في العالم كله!

أحمد الصراف