محمد الوشيحي

ليس على النائم حرَج

في السفارات الأميركية في الدول المصنفة "من مصادر الإرهاب"، أي أن شعوبها إرهابية لا حكوماتها، عند تعبئة طلب تأشيرة الدخول إلى أميركا، تقرأ سؤالاً مدهشاً: "هل تعتزم القيام بأعمال إرهابية في أميركا؟ نعم أم لا؟"! لا إله إلا الله، ثم تقرأ بجانبه سؤالاً آخر: "إذا كانت الإجابة نعم،؟ فلماذا؟". الله على هذين السؤالين العظيمين، والله الله على العبقري الذي وضعهما محتقراً صاحب المثل: "قالوا للحرامي احلف… إلخ".
ولا أدري هل الأميركان – الذين يذهبون إلى القمر ويعودون كما نذهب نحن إلى المستوصف، والذين صنعوا الطائرات والغواصات والصواريخ الذكية والصواريخ النص نص التي تصيب المدنيين غالباً – هل هم دراويش يمتلكون كميات هائلة من الغباء المستفز، أم أنهم صادقون وشفافون حتى الموت ويعتقدون أن الآخرين مثلهم، و"كلٌّ يرى الناس بعين طبعه"، كما في المثل، وأن الإرهابي سينهار أمام هذين السؤالين ويجثو أمام القنصل الأميركي على ركبتيه وينتحب وهو يعترف ويشرح خطته في التفجير وتوقيتها وأسبابها قبل أن يطلب الغفران والسماح… وات از ذيس يا أميركا؟ ريلي، ماي آي أُن يو كولد.
وفي الكويت، التي يبدو أن تعيين الوزراء فيها يتم بالقرعة كما تفعل قبيلة الطوارق، حيث يجمع شيخ القبيلة آباء المواليد الجدد، ويضع أمامهم الأسماء، ثم يجري القرعة، وأنت ونصيبك، فقد تكبر فتجد أن اسمك "حنتاشي"، وقد يكون حظك أفضل ويرزقك الله باسم حديث، "حلاكة" مثلاً، أو "رغيط"، وقد تسوء الأمور معك فتُرزق بـ"قسلوط"… ولسوء حظ الشعب الكويتي، ولحسن حظ الشيخ أحمد العبدالله، صارت "النفط والإعلام" من نصيبه في القرعة، فاجتمع معاليه – كما يبدو – مع وكلائه ومساعديه في الوزارتين، وطرح عليهم سؤالاً من الطراز الأميركي: "هل ستعبثون بالوزارتين؟"، فأجابوه: "لا، طال عمرك"، فشكرهم وأمرهم بالانصراف: "تصبحون على خير، أيقظوني وقت المهمات الخارجية وافتتاح المعارض"، وغطّ في غيبوبة سياسية وإدارية، وترك الحبل على غارب الجمل، وارتفع الشخير.
لذلك، عندما صرخ الناس غضباً: "ما هذه القناة الوقحة التي تستهزئ بالناس وعاداتهم وبيئتهم، قبل افتتاحها"، وواصلوا: "أوقفوها قبل أن تندلع النيران"، لم يرد عليهم أحد. والخطأ هنا لا يتحمله الوزير، بل الوكلاء والمساعدون الذين لم يوقظوه من نومه، والنائم مثل الغائب عذره معه، إلى أن استيقظ معاليه بنفسه مذعوراً  على دوي الانفجار، وهرول إلى وزارته قبل أن يغسل وجهه.
واليوم، هناك من يطالب باستجوابه كي يدفع ثمن نومته، وهناك في المقابل فريق يجنح إلى التهدئة لأسباب وجيهة، منها أن معالي الوزير مرفوع عنه القلم سياسياً، وأن الحكومة اليوم أدركت خطورة ما تم. لكن الفريق هذا يشترط أن تحاسب الحكومة وزراءها في المرات المقبلة ولا تنتظر إلى أن يحاسبهم البرلمان، أما إذا اغترّت  الحكومة بأغلبيتها "العاقلة" وتمادت في قهر الأقلية واستفزازها بتعمد ارتكاب الأخطاء، فقد لا تضمن لها الأيام ما سيحدث، إذ ليس مستبعداً أن يخرج الأمر من باب البرلمان إلى الشارع العام، حيث الفوضى والفتنة تنتظران على أحر من الفرن.
كلا الفريقين حجته ودوافعه مقبولة، ولا مانع من مناقشة الحجتين برويّة قبل اتخاذ القرار.

سامي النصف

صرف الكهرباء وضرب الأطباء

خبران تصدرا مانشيتات الصحف قبل يومين، الأول عن مشروع إنشاء 200 ألف منزل خلال 3 سنوات، والآخر تحذير من أحد مسؤولي الكهرباء بأن الكويت قد تتعرض لنقص كبير في الماء والكهرباء مع حلول عام 2012 (بعد عامين فقط) ومن ثم يطرح تساؤل منطقي عمن سيزود المدن والمساكن والمشاريع والأبنية الجديدة بضرورات الحياة من ماء وكهرباء!

 

واضح من كلام المسؤول ان هناك حاجة ماسة لإنشاء المزيد من محطات التقطير ومولدات الكهرباء الجديدة لسد النقص، إلا أن الإشكال في هذا الخيار هو تسخيره مئات آلاف من براميل النفط «الإضافية» يوميا لخدمة هذين المتطلبين مما سيقلل من كميات النفط المصدرة وسيكون له بالتبعية أفدح الضرر على الميزانية العامة للدولة خاصة ان الكهرباء والماء يباعان بأسعار مدعومة من الدولة، إضافة إلى الأضرار الفادحة بالبيئة بسبب محطات تقطير المياه ومولدات الكهرباء.

 

المستغرب ان تلجأ الوزارة لتوفير المزيد من الكهرباء والماء كي يتسلى الجميع بهدرهم قبل التفكير فيما تقوم به «جميع» دول العالم الأخرى مع ترشيد الهدر بقوة القانون وضمن فرض دفع المستهلك ثمن ما يستهلكه عبر شرائح سعرية يزداد فيها ثمن الوحدة بازدياد الاستهلاك.

 

إن الكويت بلد فريد في تعامله غير المسؤول مع هاتين السلعتين الاستراتيجيتين اللتين لا تقوم الدول ولا تحيا دونهما، فرغم اننا بلد لا أمطار ولا أنهار فيه إلا اننا الأكثر استهلاكا للمياه في العالم كما تثبت الأرقام الدولية، وما على المراقب إلا مشاهدة آلاف الأنهار من المياه العذبة التي تصب في المجاري العامة كل صباح بعد أن تستخدم خراطيم مياه الضغط العالي في غسل السيارات والأحواش والحدائق والأرصفة والشوارع ومطاردة حبات الرمال…

 

إن أول ما يجب على الوزارة القيام به هو تركيب عدادات كهرباء وماء على كل وحدة سكنية في الكويت حتى يحاسب كل شخص على ما يستهلكه ضمن شرائح متصاعدة، وإصدار تشريعات صارمة تمنع الهدر كحال قانون «الجفاف» البريطاني، فدون تطبيق مثل تلك الخطوات الهامة ستبقى مشكلة الكهرباء والماء إلى أبد الآبدن بعد أن نصرف المليارات على إنشاء المحطات ونخسر عوائد مئات آلاف البراميل يوميا دون فائدة.

 

آخر محطة: (1) اتصال من الصديق د.عادل اليوسفي يطلب ان أكتب على لسانه إعجابه الشديد بالمنظومة الأمنية المتطورة في دبي التي كشفت قتلة محمود المبحوح في وقت قياسي… (طبق الأصل).

(2) تقوم بعض الدول الخليجية باستخدام الخلايا الشمسية لتوفير الإضاءة في الشوارع وتنظيم عملية سقي المزروعات في الدولة.. (تجربة تستحق الدراسة والتطبيق).

(3) كما أتى في الصحف… مواطنون يرفضون ترك المستشفى بعد انتهاء ساعات الزيارة ويقومون بالاعتداء على الطبيب والممرضين ورجال الأمن، سبب التسيب هو وساطة النواب في كل حادثة والتنازل عن الدعوى في وقت لاحق والأحكام المخففة..!

سامي النصف

حكاية الأخت مضاوي

استضافتنا فضائية BBC العربية يوم الثلاثاء الماضي في حوار ضمنا مع الأخت الفاضلة كوثر الجوعان ود.مضاوي الرشيد حول قرار منعها من دخول الكويت، ثم استضافتنا نفس المحطة في حوار آخر يُفترض أن يكون بُث ليلة أمس ويعاد 3 مرات هذا اليوم مع د.شفيق الغبرا ود.مضاوي الرشيد حول المنع والحريات بشكل عام في الوطن العربي.

وكانت وجهة نظرنا التي أوضحناها في البرنامجين أن أبسط حقوق الدول في السيادة على أرضها هو حقها السيادي في تقرير من يدخل ومن لا يدخل طبقا لمصالحها الوطنية وأمنها القومي، وأن هذا الأمر معمول به بشكل يومي في الولايات المتحدة حيث يتم إرجاع حتى بعض من تم إعطاؤهم الڤيزا دون أن يتهمها أحد بقمع الحريات، والأمر كذلك مع بريطانيا التي منع وزير داخليتها دخول النائب الهولندي جيرت فيلدز لأسباب خاصة بـ«النظام العام» مراعاة لمشاعر مسلمي بريطانيا (3% فقط من السكان)، كما منحت بريطانيا جنسيتها للدكتورة مضاوي ومنعتها بشكل سيادي عن رجل الأعمال الشهير محمد الفايد المقيم على أرضها قبل وصول الدكتورة بعشرين عاما دون أن تكتب الدكتورة مقالا واحدا للدفاع عن… مظلمته!

ومما ذكرته أن مصلحة الكويت تفرض عدم دخول د.مضاوي الرشيد للحفاظ على علاقاتنا المميزة بالمملكة والتي نعلم أنها لن تستضيف – على سبيل المثال – عزة الدوري كونها تعلم أن في ذلك إساءة لعلاقاتها الوثيقة بالكويت دون أن يكون في ذلك إملاء من هذا الطرف على ذاك أو من ذاك على هذا، قضية المنع ستستمر فيما لو قرر البعض منا استضافة سلمان رشدي أو تسليمة نسرين أو حتى… عزة الدوري، فحسن الاختيار هو الأساس وهناك المئات من المبدعات السعوديات في مختلف الاختصاصات ممن يمكن استضافتهن دون مصاعب أو عراقيل.

وقد استغربت من د.مضاوي أن تــدعي الديموقراطية ثم تقف مع صدام، والليبرالية والعلمانية وهي التي تقف مع الحوثيين ومنضوي القاعدة المتشددين دينيا، والوطنية وهي التي تقف مع كل من يدعي العداء لوطنها السعودية ويكفي كتابتها في جريدة «القدس العربي» لصاحبها عبدالباري عطوان المعادي بشكل أساسي لكل ما هو سعودي وخليجي، وقد نصحتها بأخذ العبرة من الشيخ حسن الصفار الذي يقوم بمعارضة إصلاحية من الداخل وأن واجبها هو تسخير قدراتها للدفاع عن وطنها وخليجها في هذه الأوقات الصعبة وأن تبتعد عن أحلام تفتيت وتشطير المملكة أملا في إحياء بعض العروش الدموية البائدة.

أما على مستوى الحريات في الوطن العربي فقد ذكرت أن الحريات للشعوب هي كالدواء للأفراد، لا يجوز من طرف حرمان الشعوب منها، ومن طرف آخر لا يجوز إعطاء الشعوب جرعة زائدة من الدواء حتى لا تتقاتل الجموع وتتفتت الأوطان باسم الحريات، بل إن لكل شعب جرعة من الحرية تناسبه، فجرعة سويسرا والسويد قد لا تناسب العراق والصومال، كما قد يحتاج الأمر للتدرج في إعطاء دواء الحرية حتى لا تستبدل ديكتاتورية الفرد بديكتاتورية 51%.

آخر محطة:
تطور المانيا واليابان وتدهور حال العراق في مرحلة ما بعد تحريرهم يقوم على معطى حجم جرعة الحرية التي أعطيت لهم، فألمانيا واليابان أعطيتا تدرجا في الحريات، أما العراق فقد تم إعطاؤه حريات مطلقة لشعب لم يعتد الحرية منذ نصف قرن مما جعلها أقرب للجرعة الزائدة للحرية والديموقراطية والتي لايزال يعاني العراق من مضاعفاتها.

احمد الصراف

صحف التابلويد

ظهرت كلمة «تابلويد» Tabloid لأول مرة قبل 126 عاما (1884/3/4) عندما قامت شركة صناعة أدوية بريطانية بتسجيل الكلمة بصورة رسمية لحبة دواء بالغة الصغر.
وفي الوقت نفسه تقريبا كانت الصحف البريطانية التقليدية التي تطبع على صفحات عريضة تواجه منافسة شرسة من الصحف الصغيرة التي كانت أقل اهتماما بالأخبار الجادة وأكثر تركيزا على نشر أخبار الفضائح، وهكذا أطلقت تسمية التابلويد على هذه الصحف بسبب صغر حجم صفحاتها ونوعية اهتماماتها، وبحثها الدائم عن الإثارة.
في الكويت، ارتفع عدد الصحف في الفترة الأخيرة من 5 إلى 13 أو ربما 15، ولكل واحدة نكهتها وسياستها، وقلة منها بلا نكهة ولا سياسة. وقد دفعت المنافسة البعض منها لشن حملات إعلانية كبيرة تضمنت مختلف الادعاءات والإغراءات، فواحدة أنها ضمنت لنفسها مكانة بين الصحف الثلاث الأكثر انتشارا. واحتراما لنفسها ولعقل من قرأ الإعلان فإنها لم تسم الصحيفتين الأخريين ولم تحدد مرتبتها بينهما.
كما قامت صحيفة أخرى بالادعاء بأنها الأوسع انتشارا، ولم يمنعها ذلك من الترويج عن مسابقة «سخية» للمشتركين الجدد، علما بأنه لم يسبق لتلك الصحيفة أن أعلنت من قبل أسماء أي من الفائزين بجوائزها.
وقامت صحيفة ثالثة بالاحتفال بسنتها ال‍ـ… والادعاء بأن أرقام توزيعها بلغت 70 ألف نسخة يوميا، وحيث انها تصلني، وبعض من أعرف، مجانا منذ صدورها وحتى اليوم، فبالتالي يصبح بلوغ ذلك الرقم الكبير في فترة وجيزة أمرا محتملا، فأن تطبع مليون نسخة وتوزعها على من هب ودب ليس بالأمر الصعب، إن تجاوزنا التكلفة العالية.
كما ادعت صحيفة رابعة بأنها الأولى…. نموا، أو شيء من هذا القبيل!
قد تكون ادعاءات هذه الصحف جميعها صحيحة، ولكن ما يطبع من أي صحيفة أو ما يوزع منها أو عدد المشتركين فيها لم يكن يوما، إذا ما تركنا العامل المادي جانبا، المقياس الذي به يحكم على مستوى صحيفة ما أو مدى أهميتها السياسية وتأثيرها المعنوي والمادي، وهذا ما يميز «القبس»، وربما صحيفة أخرى معها. فقد كانت «القبس» طوال تاريخها مترفعة على الصغائر كبيرة في مقامها تحترم عقل قارئها. إن شهادتنا فيها ليست مجروحة فلا مصلحة مادية تربطنا بها، ولم ندخل مبناها طوال 17 عاما إلا مرات لم تتجاوز أصابع اليد الواحدة، ولا أعتقد أن هناك سياسياً أو صاحب قرار لا يقرأ «القبس»، وقد تكون كذلك الأكثر أهمية واحتراما خارج الكويت. ويمكن تلمس ثقلها المعنوي ودسامة موادها عند تصفحها، وكيف نجحت، وخاصة في حلتها المشوقة الجديدة، في المواءمة بين الرصين من المواد والمثير من الأخبار من دون ابتذال، مقارنة بغيرها، داخل الكويت وخارجها، وبالذات ضمن عالم الصحافة العربية.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

لثم الشفايف… خطر

يفتح النقاش معك، فتفتحه معه، والبادئ أظلم: "بأمانة، قل لي ماذا استفدنا من الديمقراطية؟"، وقبل أن ترد عليه يواصل قصفك: "يا أخي، نحن لسنا أهلاً للديمقراطية، نحن شعوب لا تستقيم إلا بالعصا الغليظة. انظر إلى صحافتنا وفضائياتنا، انظر إلى الحرية ماذا فعلت بنا، انظر انظر انظر…".
تجيبهُ: أنا معك، أسأنا استخدام الديمقراطية، لكننا أيضا أسأنا استخدام الكهرباء واسأل سكّان الجهراء، وأسأنا استخدام الإنترنت، وأسأنا استخدام الشعِر الوطني، واقتحم المستشعرون المجال فتدحرج الشعراء الحقيقيون إلى سفح الجبل، وأسأنا للتمثيل والمسلسلات، وغابت موهبة الإبداع، وانتشر المنتجون في سوق الجمعة يبحثون عن الأرخص من الممثلين والمؤلفين والمصورين ومهندسي الديكور والمخرجين، فكانت النتيجة مسلسلات مشوهة، وأسأنا استخدام كلمة "خبير"، فإذا كل من تمتلك محل كوافير إيجاره الشهري 300 دينار "خبيرة تجميل"، وأتذكر أنني في بداية عملي العسكري، تم تعييني في "مكافحة المتفجرات"، فإذا بي أُفاجأ برقم هاتفي متربعاً  على مداخل مخافر المنطقة الجنوبية تحت اسم "خبير المتفجرات"، فضحكت حتى جعت عطشاً بعد أن حصلت على لقب "خبير" بالمجان المريح! فخبير المتفجرات الفرنسي – الذي تدربنا على يديه، والذي يتقاضى أجره الباهظ بالساعة، ويعادل ما يقبضه في الساعة سبعة أشهر من راتبي – حصل على لقبه بعد أكثر من ثلاثين سنة، وبعد أن أصبح يعرف أنواع المتفجرات بحاسّة الشم، بينما حصلت أنا على اللقب في غضون سنوات خمس، وبنظام "احفظ وسمّع"، خير البر عاجله، وأنا – إلى يومي هذا – لا أفرق بين الألغام الألمانية والأميركية إلا بعد حكّ الجبهة والقفا. وعندما أخبرت زميلي عن لقبي الذي حصلت عليه، صعقني: "أنت على الأقل، أمضيت خمس سنوات متنقلاً بين المتفجرات والعبوات والألغام، أما أنا فحصلت على اللقب بعد دورة تدريبية مدتها ستة أشهر، هاهاها".
ما علينا، نعود لإساءة الاستخدام… نحن أيضاً أسأنا استخدام النفط، وأسأنا استخدام الكبريت، وأسأنا استخدام السيارت فملأناها بالمتفجرات واقتحمنا بها جثث الأبرياء ودهسنا بها المارة، وأسأنا استخدام الموبايلات، وكاميرات الموبايلات، وأسأنا وأسأنا وأسأنا…
ما رأيك لو استغنينا عن الديمقراطية وعن كل ما أسأنا استخدامه، فنستغني عن الكهرباء والإنترنت والشعر والمسلسلات والممثلين والمنتجين والنفط والصحف والفضائيات والكبريت والسيارات والموبايلات والكاميرات، ونعود كما كنا، سلط ملط؟
يا سيدي، إساءة الاستخدام تتم برعاية حكومية، ولأدلل على كلامي، سأضرب لك الأمثال ضرباً مبرحاً، على رأي الشاعر المبدع الغائب فهد عافت… دعك من الانتخابات والنواب، وتعال معي إلى بحري الذي أعرفه، تعال إلى الصحافة. هنا، في الكويت، عندما يكشف كاتب صحافي ما عن فضيحة في إحدى الوزارات، تنهمر عليه الانتقادات: "تباً لهكذا صحافة تنشر غسيل بلدها"، "هذا الكاتب يقبض من الخارج ليسيء إلى بلده"، وتتزاحم التّهم في شليلك(1)، وتتناهشك الدعاوى القضائية، فتتساءل دهشة: "أليس الأولى أن يُحاسب المسؤول؟ كيف انقلبت الأمور لأُحاسَب أنا؟"، ثم تتذكر أن صحافياً أميركياً اسمه "سيمور هرش" احتاج إلى مدير أعمال يرتب له مواعيد تكريمه ولقاءاته التلفزيونية التي يقبض مقابلها أموالاً  طائلة، واحتاج إلى تخصيص إحدى غرف بيته ليكدس فيها الجوائز والشهادات التي حصل عليها، وأصبح يمهر توقيعه على أوتوغرافات المعجبين والمعجبات، وتنافست عليه الصحف. فما الذي فعله هذا "الهرش"؟ الجواب: هو من كشف فضيحة سجن "أبو غريب" في العراق، وهو من صور الأميركان وهم يعذبون العراقيين… فيا عجباً لهؤلاء الأميركان، يكرّمون المصور الهرش الذي "أساء إلى بلده"، ويعاقبون كبار مسؤولي السجن وقيادات الجيش. وهذا هو الفرق بين حكومات "البوس" وحكومات "خد بخد"، والشاعر العراقي يقول: "بوس الشفايف سحر، مو مثل بوس العين"، وأنا أقول: "لثمِ الشفايف خطر، أخطر من النهدين".

(1) الشليل: أسفل الثوب.

احمد الصراف

فريدة الفريدة

يعتقد الكثيرون أن الأطباء يشتهرون، ولأسباب وجيهة، بصفتين:
الانطوائية والضعف في المواد الادبية وخاصة اللغة! وبالرغم من صحة هذه «الاتهامات»، الى حد ما، فان من الصعب على من هو في سني الاقرار بها بسبب حاجتي المتزايدة لخبرة هؤلاء الأطباء يوما بعد يوم.

***
دعيت يوم الاربعاء الماضي لحفل افتتاح مركز «صباح الاحمد للقلب». وعندما علمت ان الاستشارية الدكتورة فريدة الحبيب هي المسؤولة عن انشائه وادارته شعرت بأن في الامر شيئاً يستحق المعرفة والكتابة عنه. فهذه السيدة الفريدة كانت تعمل في أكثر من مستشفى، كما كانت تدير عيادة قلب خاصة وناجحة، وهي في الوقت نفسه زوجة وأم، وكل هذه تتطلب وقتا وجهدا، فكيف استطاعت التوفيق بينها جميعا والقيام فوق ذلك، وفي فترة قياسية، بانهاء بناء هذا الصرح الطبي المميز على مستوى المنطقة، وربما العالم، لما يحتويه من اجهزة طبية عالية الكفاءة لمرضى القلب؟
بالسؤال تبين لي أن الرغبة السامية لتولي امر الاشراف على بناء وتجهيز المستشفى في احسن صورة تليق بمقام المتبرع، دفعت الدكتورة فريدة، غير آسفة، للتضحية بوظيفتها الطبية الاستشارية وبما كانت عيادتها الخاصة تدره عليها، والتفرغ وظيفيا لانهاء انجاز هذا المشروع المميز، والذي من خلاله تستطيع ان تعطي وطنها ومرضاها ما يستحقونه من عناية وأهمية.
تعرفت على الدكتورة فريدة قبل سنوات، وأعجبت بها طبيبة استشارية وخطيبة مفوهة وكاتبة كبيرة، وعرفت مدى قوة شخصيتها من خلال الطريقة التي ادارت بها معركتها، او معاركها، مع أولئك الذين حاولوا الحط من قدرها او الطعن في كفاءاتها الطبية، وكان ذلك قبل سنتين تقريبا. كما استمعت اليها تلقي كلمات رائعة فوق اكثر من منبر، ولو لم اعرف تخصصها لاعتقدت أنها كاتبة أو صحافية، أو على الأقل ناشطة سياسية.
وكثيرا ما أعجبتني مقالاتها في «القبس»، على قلتها، وطالبتها أكثر من مرة بأن تكثر منها لما تتميز به من قدرة جميلة على التعبير.
هذه هي د. فريدة الحبيب، مديرة مركز صباح الأحمد للقلب، الذي نتمنى أن يكون المركز فريدا بادارته، وان يستمر كذلك ويكون نموذجا يحتذى.

***
• ملاحظة‍: سنغيب عن الوطن شهرا، ولكن تواصلنا سيستمر عبر صفحات «القبس» بحلتها الجديدة.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

هل تحظى الأنشطة الشبابية بالدعم الفعلي؟

 

على رغم الحديث الذي تكرر لسنوات بشأن احتياجات فئة الشباب في البحرين، وعلى رغم الإقرار أن هذه الفئة لا يزال ينقصها الكثير من الاهتمام والرعاية، وعلى رغم برامج العمل التي تعلن فجأة وتختفي فجأة، وعلى رغم الاعتراف بأن الشباب في البحرين يواجهون مشاكل لا حصر لها، إلا أنه على أرض الواقع، لا يمكن الوقوف على خطة وطنية حقيقية للنهوض بهذه الفئة، وتلبية احتياجاتها، لا سيما على صعيد القرى، وإن كان الشباب في كل مناطق البحرين ينتظرون الرعاية والاهتمام.

ولعل السؤال الذي نكرره كثيرا :«هل تحظى الأنشطة الشبابية بالدعم الفعلي خصوصا من قبل الدولة أو من قبل مؤسسات القطاع الخاص؟»، وإجابة على هذا التساؤل يمكن القول إن هناك اهتماما لكنه لا يرقى إلى مستوى الطموح حتى مع وجود مبادرات مميزة، سواء على صعيد الأنشطة الثقافية والمهنية والتعليمية، أو على مستوى الفعاليات الرياضية والثقافية وغيرها من أنشطة تتيح لهذه الفئة إثبات وجودها والتعبير عن جهة نظرها فيما ينقصها من احتياجات.

وتبدو مبادرة مركز سند الثقافي والرياضي بتنظيم دورة رياضية في كرة القدم للناشئين في 24 فبراير/ شباط الجاري تحت عنوان «بطولة الوطن»، واحدة من المبادرات التي تستحق الدعم، فهناك ما يقارب من 400 شاب من مختلف مناطق البحرين قرروا المشاركة في هذه البطولة وهم من الشباب غير المنتمين الى أي من الأندية أو المراكز الشبابية…أي يمثلون الفئة (المهملة) دائما… والمشاركة بهذا الحجم تعتبر نقطة تميز لمركز سند الثقافي والرياضي الذي نجح في استقطاب هذا العدد، وتمكن أيضا من الحصول على دعم المؤسسة العامة للشباب والرياضة، ومن الأهمية بمكان أن تساهم المحافظة الوسطى ومجلس بلدي المنطقة الوسطى والمؤسسات في المنطقة لدعم مثل هذه المبادرات لتحقق النجاح المرجو منها، ولكي تقدم انطباعا بأنها مؤمنة بضرورة دعم الأنشطة الشبابية على اختلافها.

شباب البحرين، كما يصف رئيس اللجنة المنظمة للبطولة علي حسن العربي، يمتلكون طاقات إبداعية خلاقة في المجالات الثقافية والرياضية والمهنية والعلمية، ولهذا، فإن توجيهات القيادة ومنها اهتمام صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد نائب القائد الأعلى، تستوجب من المؤسسات الحكومية والأهلية أن تساهم بدرجة أكبر في تقديم برامج عمل وأنشطة تستقطب الشباب وتمنحهم الفرصة لإبراز امكاناتهم، وعدم الاكتفاء بتقديم الصور السلبية واتهام شباب البحرين دائما بأنهم يفتقدون الإرادة للعمل البناء.

المنطقة الغربية تحديدا، تحتاج إلى الكثير من الاهتمام الموجه للفئة الشبابية، وبالمناسبة، فإن بطولة «الوطن»التي ينظمها مركز سند، ستقام على استاد اتحاد الريف، وفي هذا رسالة الى أن اجتماع 400 شاب في دورة رياضية بتلك المنطقة، يعكس التوجه نحو تكثيف الاهتمام بالشباب، ومن المهم الإشارة الى الزيارة التفقدية التي قام بها رئيس المؤسسة العامة للشباب والرياضة الشيخ فواز بن محمد آل خليفة لقرية المالكية في شهر يوليو/ تموز من العام 2008، والتي التقى خلالها أسرة النادي وأبناء القرية وذلك للوقوف على احتياجاتهم ودراسة السبل الكفيلة باستقطاب شباب القرية وتوجيههم التوجيه السليم كعناصر أساسية في عملية تنمية المجتمع المحلي، وخصوصا أن المنطقة الغربية قدمت الكثير من النماذج الشبابية والرياضية المشرفة.

يبقى أن نقول، إن مبادرة مركز سند وغيره من أندية ومراكز شبابية، يجب أن تقابلها مبادرات داعمة من جانب مؤسسات الدولة الحكومية والأهلية، على أن يكون هناك توجه حقيقي لتلبية احتياجات الشباب في كل مناطق البحرين.

سامي النصف

تاريخ الكويت وتاريخ أسرة الحكم

قام مختار اليرموك «القدوة» الأخ عبدالعزيز المشاري بالدعوة لمحاضرة هامة حول بداية الدولة الكويتية على مسرح خدمة المجتمع في المنطقة حاضر فيها كل من د.ميمونة العذبي والسيد أنور الرفاعي وكانت المحاضرة حافلة بالمعلومات المفيدة التي تستحق ان يتم تضمينها كمقررات إلزامية على طلبة المدارس ليتفقهوا في تاريخ دولتهم.

فمما أظهرته د.ميمونة بالوثائق والدلالات القاطعة ان انشاء الكويت لم يكن كما يعتقد بعض المؤرخين في منتصف القرن الثامن عشر بل مع بدايات القرن السابع عشر وتحديدا عام 1613، كما أشارت الى ان هناك احتفالية كبرى ستقام عام 2013 بمناسبة مرور 400 عام على نشوء الدولة، وقد عرض السيد أنور الرفاعي بعد ذلك مجموعة قيمة من الوثائق والصور التاريخية لبدايات الكويت.

وقد بدأت المداخلات بسؤال تاريخي هام للدكتور خليفة الوقيان وفحواه ان تثبيت بداية الدولة بعام 1613 ـ وهو ما دعمه وكتب عنه الدكتور قبل عشرة أعوام ـ يخلق ثغرة زمنية قدرها 150 عاماً تفصل بين بدء الدولة وبدء حكم آل الصباح عام 1756 فما الذي جرى في تلك الحقبة الفاصلة بين التاريخين؟

أعتقد ان هناك أكثر من تفسير منطقي للفارق بين هذين التاريخين احدها ان يكون احد المؤرخين اعتقد ان بداية الكويت كانت عام 1756 لذا جعل بداية حكم آل الصباح منذ ذلك التاريخ وأرخ لفترة حكم كل حاكم طبقا لذلك، ولو علم ان نشأة الكويت بدأت في تاريخ سابق لعدّل التاريخ تباعا، التفسير الآخر ان بداية حكم آل الصباح كانت بالفعل عام 1613 وان حقب البعض منهم أطول مما هو مدون في كتب تاريخنا، أو كما ذكرت د.ميمونة قد يكون هناك حكام من آل الصباح لم يذكروا في بداية الدولة لقلة المؤرخين.

ومن الأمور الهامة التي يجب ان يتم التطرق لها وايضاحها للأجيال الحاضرة والقادمة عند الحديث عن علاقة الكويت بالدولة العثمانية وبوالي البصرة تحديدا حقيقة ان الدولة القطرية المستقلة في العالم لم تنشأ الا في فترة متأخرة من التاريخ اي بعد سقوط الامبراطوريات العظمى عام 1918، اما قبل ذلك فقد كانت «جميع» الدول تابعة لهذه الامبراطورية او تلك فالعراق والشام يحكمهما ولاة أتراك ومصر والسودان ألبان من أسرة محمد علي وليبيا إيطاليون والمغرب العربي فرنسيون وإسبان، لذا فوجود إمارة او دولة في ذلك الوقت المبكر يحكمها بشكل مستقل ومطلق ابن من ابنائها هو السقف «الأعلى» لاستقلالية الدول قبل 4 قرون حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى، وغني عن القول ان الامبراطوريات العظمى لم تعط صكوكاً لأحد لوراثة ممتلكاتها حتى يحق لصدامي مغرض ادعاء انه وريث سلاطين بني عثمان في ممتلكاتهم التي لم نكن على اي حال منها.

آخر محطة:
 
(1) قرأت في وثائق الخارجية البريطانية 1940 ـ 1958 ان مشكلة ميناء أم قصر «اختلقها» ساسة العراق كرد فعل على السخونة التي سادت ضفتي شط العرب بين العراق وايران في الثلاثينيات (وما خص الكويت؟!) فقرر نوري السعيد انشاء ميناء «طوارئ» في أم قصر يستخدم في حال الحرب مع ايران واغلاق ميناء البصرة وطالب بالاستحواذ دون وجه حق على خور عبدالله وجزيرة وربة حتى لا تتكرر مشاركة شط العرب مع ايران وادعى كما أتى في الوثائق ان الكويت قد تنقلب ضده خلال 20 عاماً!

(2) أسقط واقع الحرب العراقية ـ الإيرانية 1980 ـ 1988 ذلك التصور الخاطئ الذي كان سبب بداية الإشكال الحدودي بين العراق والكويت حيث لم تكتف الحرب بإغلاق الموانئ العراقية في شط العرب بل أغلقت كذلك ميناء أم قصر الخليجي، ولم يفد العراق الا موانئ دولة الكويت التي بقيت مفتوحة لذا تقتضي التجربة والحكمة والرؤية الاستراتيجية الصحيحة تسليم العراق ميناء أم قصر للكويت للحفاظ عليه مفتوحا إبان الحروب وان يستخدم ميناء البصرة العميق خلال فترة السلم.

(3) لم يعد هناك عذر لعدم وجود سفير عراقي في الكويت والواجب طلب الاستعجال في تعيينه حتى يزول سوء الفهم بين البلدين وتنتهي مرحلة الصدامية دون صدام اي حقب الشك وسوء النوايا ووصاية الكبير على الصغير غير المعمول بها في علاقات الدول المتقدمة.

احمد الصراف

الفرق بين ابتهالك وابتذالهم

«… أن يبدأ يوم ابني البكر الجامعي بالنظر الى صورة والدته في الصفحة الأولى للجريدة مذيلة بخبر رخيص منقول من الإنترنت، أن يقرأ والدي الخبر الذي يعلن ابنته مؤيدة للمواقع الاباحية، وحاثة على الالحاد ومشجعة للتوجه المثلي، هذا الرجل ذو السمعة التي تبرق كما الألماس، أن يتواجه زوجي والصفحة الأولى لجريدة تعلن زوجته إنسانة خارجة وصاحبة آراء مبتذلة، وهو الذي أبقى يديه خلف ظهري يحميه عندما يدفعني الغير للسقوط، وهو الذي بقي صدره أمامي يتلقى السهام ويحجب نيران الاذى ويظللني بظله الذي هو بحق ظل رجل وليس ظل «حيطة» كتلك الحوائط التي ما فتئت ترميني بالطوب والحجر، يرشقونني بسهام القبيح من الحديث لينالوا مني ما تصل إليه أيديهم، دون حتى أن يتحققوا من «الجريمة» ودون عناء معاينة «موقع الحادث» قبل اصدار الحكم الأخير الرخيص برخص الجهد المدفوع فيه، وكل ذلك وبكل أسف باسم الدفاع عن الدين وحمايته من المتآمرين عليه والذين هم… أنا، وحدي أنا…» – إبتهال الخطيب
****
هذا ما كتبته الأخت والصديقة والقريبة والمبدعة ابتهال الخطيب في معرض دفاعها عن كل ذلك الابتذال الذي نالها من حمقى وجهلة متعصبين ومن.. سياسيين وبرلمانيين يعتقدون أن الحصانة التي يمتلكونها تعني الحكمة والمعرفة والإنصاف.
أعتقد، وأعتقد أنني محق، أن الهجوم على ابتهال في غالبه ليس هجوما على شخصها، بقدر ما هو هجوم على «امرأة» ترفع صوتها وتطالب بحقها في أن تبدي رأيها. ابتهال لم تكن «جريئة» في أي مما قالته، ولم تتعد خطوط السخف الحمراء، وما قالته لم يزد عما سبق أن قلناه وكتبناه، وفعل الأمر ذاته الكثير غيرنا، وليس في هذا طعن في جرأتها وقوة حجتها وصواب رأيها، ولكن الهجوم عليها لكونها امرأة في مجتمع متخلف، والحرب ضدها ما هي إلا معركة متصلة من قوى الشر والتعصب ضد كل رأي مستنير، وبالذات عندما يصدر عن امرأة. ولو استعرضنا وجوه ومؤهلات وسابق مواقف وآراء، وحتى التاريخ الإجرامي للبعض ممن تهجم عليها باللفظ والكلمة المكتوبة، لوجدنا كم هو شاسع ذلك البون بين تفكيرها المتقدم وأسلوبها الرائع في الحوار وتهذيبها الجم في المخاطبة وأدبها وعلمها مقارنة بهم، ولكنهم يعلمون أنهم يحاربون النور الذي إن استمرت أضواؤه في الإشعاع فستكشف عريهم البشع وخواء فكرهم وبوار تجارتهم في الدين، واستغلالهم لجهل الرعاع وتأليبهم لها على القلة المفكرة التي بها يكمن الأمل وعلى يديها ينتظر الخلاص من كل هذا الانحطاط الذي وجدنا أنفسنا نجر له جرا!
آه يا سيدتي كم أنت صادقة في ابتهالك بأن ينالوا المغفرة، وكم هم سادرون في ابتذالهم بطلب الفناء لك.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

القضية… 
خبز وبصل


عقب الحرب العالمية الأولى، عندما كانت تركيا تحت احتلال ست دول، نجح أتاتورك في انقلابه، وباشر تحرير بلاده، فهزم الجيش البريطاني وحرر اسطنبول، ثم أرسل إلى إيطاليا رسالة، كعادته، مختصرة: «اخرجوا من بلادنا فوراً، التوقيع مصطفى كمال»، فثارت ثائرة السلطة الإيطالية: «كيف يجرؤ راعي الغنم هذا على التحدث مع إيطاليا العظيمة بهذه الطريقة؟»، وأعلنت إيطاليا أنها غاضبة وستتخذ تدابير أشد مع تركيا، وراح الزعماء السياسيون يدبجون الخطبة تلو الخطبة، ويرتقون البيان في ذنب البيان، بينما كان أتاتورك يعزز جيشه بصمت. وطرقت الحرب الأبواب، فكتب أحد العقلاء الإيطاليين: «تركيا ستفترسنا، ولست عسكرياً، فأنا لا أفهم الخطط الحربية، لكنني أعرف أن الدول تنهض وتنتصر وتفشل وتُهزم بقياداتها، وإيطاليا اليوم تحت سلطة الضعفاء واللصوص، في حين تعيش تركيا أزهى عصورها لوجود حاكم مثل مصطفى كمال، الذي أحاط نفسه بخيرة رجال تركيا، وهم مجموعة تختلف عن (حبيبنا) السلطان العثماني ودراويشه، فلا تدخلونا في حرب معهم أرجوكم. انسحبوا من أرضهم فوراً كما طلبوا، فالخشية أن تنقلب الأمور فيحرروا بلدهم ويحتلوا جزءاً من بلدنا»… وهذا ما تم فعلاً، وتبهدلت إيطاليا شر بهدلة، وكتبت الصحف الأوروبية: «الجزمة الإيطالية تغوص في الوحل»، في إشارة إلى خريطة إيطاليا الجغرافية التي تشبه الجزمة.

إذاً، الدول تنجح وتفشل وتنتصر وتُهزم بحسب حكوماتها، كما قال ذلك الإيطالي، فإيطاليا ذاتها التي كانت تحتل تركيا أيام السلطان، هي ذاتها التي راحت تستجدي أتاتورك إيقاف الحرب وتعلن استعدادها لتنفيذ جميع شروطه، بما فيها تحمل تكاليف الحرب. فما الذي تغير؟ فقط شيء واحد، الحكومة التركية.

ومنذ أن كانت بيوت مانهاتن من العشيش والصفيح، ومنذ أن كان الباريسيون ينقلون الماء على الحمير، وحكوماتنا تعاني أزمةَ البدون، وتحك جبهتها حيرة أمام مشكلة بهذا الصغر. وعندما غضب الشعب، راحت الحكومة تلوح بعصاها وتقسم لنا بأغلظ الأيمان أن قضية البدون ميتة لا محالة، فصدقناها واصطففنا للصلاة على الميت في انتظار وصول الجنازة، لكنها لم تصل بعد! يبدو أن الحكومة تؤمن بفلسفتي، فأنا أسعى إلى تحقيق أحلامي وأتمنى ألا أنجح كي لا أموت حيّاً، والحكومة كذلك مع قضية البدون.

بعض الزملاء صوروا القضية «كرة ثلج تتدحرج من أعلى الجبل»، وصورتها أنا «كرة جمر تتدحرج علينا من فوهة البركان»، وصورتها الحكومة «قطعة خبز ملفوفة بالقصدير الأصلي لتحافظ على حرارتها سنين عدداً». وما بين الثلج والجمر والخبز، كتب العقلاء الكويتيون: «أنهوا القضية فوراً، بالتي أو اللتيا، أيهما قبل، فالخشية أن تنقلب الأمور ويُفرض علينا من الخارج ما لا يرضينا». فرأت الحكومة أنّه «إذا كليت بصل، فاشبع بصل»(1)، وقررتْ أن تضيف على البدون «بدوناً» جُدُداً، هم أبناء الكويتيين من أمهات «بدون»، رغم المخالفة الصريحة السافرة للقانون.

ومنذ أن قرأت ما كتبه الزميل سعود العصفور في «الراي» يوم الأحد الماضي وأنا أضحك دمعاً، وأتخيل كيف أن الحكومة التي تبكي من ثقل قضية البدون، تضيف حملاً آخر على كتفيها. يا دان وادانة، دانة علم دانة.

ووالله لو كانت الحكومة زوجتي، لأرسلتها منذ اليوم الثالث على الأكثر إلى أهلها، ولأرسلت إليها ورقة طلاقها على ايميل «ياهو» أو «غوغل»، أيهما أسرع.

(1) من الأمثال، ويعني الهروب إلى الأمام.