سعيد محمد سعيد

«عراد» تدق ناقوس الخطر (2)

 

من المبشر أن تبادر مجموعة من شخصيات ووجهاء ومشايخ قرية «عراد»، ممن يشهد لهم بالاعتدال والحرص على مصلحة البلد؛ لأن يضعوا ظاهرة النزاع الأسبوعي المتكرر حول قلعة عراد، دوحتها وشارعها التجاري، بين مجموعات من الصغار والشباب… موضع الاهتمام والمتابعة، إلا أن ذلك لا يجب أن يكون في منأى عن التواصل مع المؤسسات الأهلية وكذلك مع المؤسسة الأمنية.

والمهمة التي ستقع على كاهل تلك الشخصيات ليست هينة أبدا! فليس من السهل التحرك لتطويق صدام يقع في إجازة نهاية الأسبوع بين مجموعات من الشباب والمراهقين المستهترين وذوي الميول العدوانية وأفعال العصابات، وخصوصا أن هناك من يحاول صبغ ذلك النزاع بصبغة طائفية… وليست هذه الحقيقة.

حسب علمي المتواضع، ليس هناك دليل على أن حالة الصدام المؤسفة بين الشباب منبعها طائفي… أي أن تتصادم مجموعات شيعية ضد مجموعات سنية انطلاقا من خلافات مذهبية… ذلك ليس صحيحا إطلاقا، والصحيح، هو أن هناك حالة متنامية وخطيرة لتفريغ الرغبات العدوانية في إثارة المشاكل والشجار كبرنامج «تسلية» اعتاد عليه عدد من «اللوفرية»، لكن بعضها لا يخلو من «تصفية حسابات» أو انتقام لخلافات بين اثنين سواء حدثت في المدرسة أو في المعهد أو حتى في منطقة السكن، فيجمع كل طرف منهما (الربع)، ويتبادلون الاتصالات ورسائل الجوال للالتقاء والتصادم، كل يفزع لصاحبه.

لكن مع شديد الأسف، يعتقد بعض الأهالي، كما صرح بعضهم لـ «الوسط» يوم الإثنين الخامس من أبريل/ نيسان الجاري، بأن السبب يعود إلى «مناوشات طائفية»، وأعتقد أنه من الخطأ الجسيم تصديق ما يكتب في بعض المنتديات الإلكترونية من دعوات للتصدي لهذه الطائفة أو تلك حتى لا تسيطر على (عراد) بذريعة أن ما يجري منشأه طائفي، حتى مع وجود نية لاحتواء الأمور عبر الجلوس مع أولياء الأمور ورجالات المنطقة وإرجاع الأمور إلى نصابها الأولي، بحسب وصفهم.

والمتتبع لما جرى، سيكتشف أنه في كل مرة يقع فيها الصدام، فإن أول شرارة فيه انطلقت يوم الأربعاء 28 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي 2009، بمثول طالب من طلبة معهد الشيخ خليفة للتكنولوجيا مع شاب آخر من خارج المعهد أمام النيابة العامة، إثر شجارٍ دامٍ دار بين مجموعتين امتد لمدة يومين متتاليين، تطلب تدخل رجال الأمن لفض العراك الدائر بين المجموعتين، إذ تم القبض على 11 شخصا من طرفي النزاع من قبل الأمن، وسُمح لهم بمغادرة مركز الشرطة مع أخذ التعهد منهم.

لكن الحوادث التي تكررت فيما بعد، وخصوصا في إجازة نهاية الأسبوع، لم تقتصر على المجموعتين المتورطتين في تلك الحادثة! أي أن هناك مجموعات أخرى واصلت التصادم لأسباب لا علاقة لها بقضية الشجار خارج معهد الشيخ خليفة للتكنولوجيا، حتى أن الحادثة الأخيرة التي وقعت الأسبوع الماضي كانت بسبب تحرشات بين مجموعة من الصغار من أهالي عراد ومجموعة أخرى كانت متواجدة في موقف سيارات القلعة، توسعت بعد أن ذهب الصغار ليحضروا من هم أكبر منهم سنا للانتقام.

للحديث صلة

سامي النصف

الشيخ القادم من تنبكتو

المكان الكويت والزمان قبل قرن من الزمن، كانت الكويت حينها، وبعكس ما يُعتقد، بلد الحراك الفكري والسياسي والثقافي والأدبي، وقد أضحت مزارا او مستقرا لكثير من شيوخ الإصلاح العرب ومنهم الشيخ محمد رشيد رضا (صاحب المنار) والأديب اللامع مصطفى لطفي المنفلوطي والشيخ التونسي عبدالعزيز الثعالبي والشيخ العراقي نوري الموصلي وشيخ الأحساء عبدالعزيز احمد المبارك.

 

وممن زارها آنذاك الشيخ المصري الشهيد حافظ وهبة والشيخ الأزهري محمد الخراشي وشيخ الإسلام البحريني عبدالوهاب الزياني الذي رثاه الشاعر عبداللطيف النصف بقصيدة منها:

بطل الجهاد ضحية الأوطان لك في الشهادة مرتب الرضوان

هطلت على ذاك الضريح برحمة مزن الرضا وسحائب الغفران

ومنهم السيد محمود شكري الآلوسي الذي رثاه الشاعر نفسه بقصيدة منها:

لقد دُهي الإسلام يوم وفاته بما لو أصاب الدهر أصبح جاثيا

بكى المسجد الأقصى عليه بعَبرة وأضحى له البيت الحرام مُجاريا

 

وممن أقام في الكويت في تلك الفترة الشيخ القادم من قرية «تنبكتو» الواقعة في جمهورية مالي على الحدود مع موريتانيا، واسمه كما أتى في كتاب سيرته الذاتية الذي خطه المؤرخ عبداللطيف الخالدي، فال الخير ابن اعمر كداش الحسني الملقب بـ «الشيخ محمد أمين الشنقيطي» وقد ارتحل من الكويت الى العراق لمحاربة الانجليز مبقيا عائلته دون عائل في الكويت، وفي ذلك تذكر ابنته عائشة أنهم عاشوا حياة رغدة بسبب كرم أهل الكويت وحبهم لعمل الخير، ولم يحتاجوا خلالها إلى أحد طوال 6 سنوات.

 

وقد التحق الشيخ الشنقيطي من نجد بموكب الشيخ احمد الجابر – قبل توليه الحكم – المتجه الى الحج وعاد معه الى الكويت ثم ارتحل الى الزبير حتى تقلد صديقه الشيخ احمد الجابر الحكم فعاد الى الكويت مستقرا بها وقد فرح أهل الكويت بعودته الميمونة بعد سنوات من الاغتراب، وقد ألقى الشاعر عبداللطيف النصف قصيدة مرحبا بوصول الشيخ الإسلامي الكبير ومما جاء فيها:

أمعطر الإسلام من نفحــاته ومعيد روض الدين وهو نضير

والمرسل السحر الحلال منقحا يوحيه فكر ثاقب وضمير

بشـرى لهذا الثــغر لما زرته فلكم تمنت أن تراك ثغور

 

آخر محطة: (1) في تلك الحقبة المبكرة تم كذلك صبغ الصراع «السياسي» بين الامبراطوريات الأوروبية إبان الحرب العالمية الأولى بالصبغة «الدينية» وتم الادعاء بأنها حرب بين المسيحية والإسلام ودُعي المسلمون للانضمام الى الجيش العثماني الذي تقوده حكومة الاتحاد والترقي التي نكلت بأحرار العرب، ولم يُخدع بذلك النداء كثير من العلماء والقادة العرب امثال الشيخ مبارك والملك عبدالعزيز والشريف حسين وشيخ المحمرة وقد اثبت التاريخ صحة مسارهم ورؤيتهم.

(2) أرجو أن نضع في الحسبان دائما عند تصرفنا ما سيكتبه التاريخ عنا بعد مائة عام.

احمد الصراف

بكاء الخميس المر

يبكي اليابانيون علنا في حفلات الوداع وفي المطارات ومحطات القطار وعند خسارة أي مباراة، فالبكاء جزء من الثقافة اليابانية، ومن المسيء عدم ذرف الدموع عند الخسارة فهي علامة على الصدق مع النفس والإخلاص!
****
قبل نصف قرن تقريبا أدخلنا في بنك الخليج نظام الـ Micro fish لتصوير واستعادة المستندات، وربما سبقنا الغرب بعشرين سنة في استخدام تلك التقنية البسيطة، وبعد سبعين عاما لا تزال مستندات البلدية ووزارة العدل وعشرات الجهات الحكومية المتخلفة الأخرى تفتقد هذه الخدمة البسيطة والمهمة، ويوم الخميس الماضي أكملت فترة انتظار 15يوما للحصول على صورة وكالة عقار من وزارة العدل (عدل! أي عدل؟) وقد زرت في اثنائها مجمع الوزارات 3 مرات وصدمت لحالة فوضى المواقف خارج المجمع وداخله وتراكم السيارات في كل مكان وعلى أرصفة المواقف، واضطرار البعض للسير ما يقارب الكيلومتر للوصول الى المبنى، ولا أزال بانتظار حصولي على صورة ضوئية لوكالة العقار!
عدت للمكتب يومها حزينا والخيبة تملأ نفسي لفشلنا الإداري الكبير، وكانت مفاجأة سيئة أخرى تنتظرني، حيث تبين أن فاكسات الشركة، التي تمثل شريان حياتها، قد انقطعت الخدمة عنها. وبمراجعة المندوب للسنترال قيل له ان «مكينة» خطوط الفايبر أوبتك قد احترقت وإصلاحها يتطلب ساعات معدودة أو أياما عديدة(!!)، وهنا تم تجنيد عدد من موظفي الشركة للاتصال بمئات العملاء لإعلامهم بعطل الفاكس وتلقي الطلبات منهم.
بعدها بنصف ساعة انقطعت الكهرباء عن المكتب وتوقف سريان الدم في عروق عشرات الموظفين والمحاسبين ومراجعي الحسابات المعنيين بإغلاقات نهاية السنة المالية، وهنا شعرت بأنني أرغب في البكاء، ليس لما تعرضت وتتعرض له الشركة من خسارة مالية كبيرة وتأخير في إنجاز الأعمال وهدر ساعات عمل غالية، فهذه جميعا مقدور عليها ويمكن تعويضها بسهولة، بل لفشلنا حكومة وشعبا في أن نحقق ولو أدنى درجات النجاح، ولما ساهمنا جميعا في إيصال الأوضاع في وطننا الصغير والجميل إلى هذا الدرك من سوء الإدارة والفساد المالي والتردي الأخلاقي، فلو كانت هناك أخلاق وأمانة وصدق لما وصلت أوضاعنا الىهذا الانحطاط، خصوصا ونحن نرى مساجدنا ومصلياتنا، في مجمع الوزارات بالذات، تمتلئ بالمصلين!!
فإذا كانت الحال بكل هذا التردي في كل مرفق حكومي، وحتى خاص، وإذا كان التخلف عاما وشاملا والاختلالات بهذا الوضوح وعدد السكان لا يتجاوز 3 ملايين بكثير وميزانية الدولة أقل من 20 مليارا فكيف ستكون عليه الحال إن عزمت الحكومة على السير قدما في خطة التنمية وصرف عشرات مليارات الدولارات على مشاريع تحتاج لمئات آلاف الأيدي العاملة؟ أين ما يكفي من الطاقة الكهربائية؟ أين كفايتنا حاليا من الخطوط الهاتفية التي تعمل بصورة جيدة؟ ماذا عن مياه الشرب الصالحة؟ ما مصير الثروة السمكية، بعد بناء جسر لسنا بحاجة اليه؟ وماذا عن استيعاب الطرق التي من الواضح أنها عاجزة حاليا عن استيعاب الموجود فما بالك بالسنوات العشر أو العشرين القادمة؟ مئات الأسئلة التي لا أحد يود التصدي لها ولا لمعالجة الأمراض في جسد الدولة، في الوقت الذي يبدو فيه أن لا شيء يشغل كبار الحكومة غير الإسراع في صرف المليارات المتكدسة وليذهب المعترضون إلى الجحيم فلا صوت يعلو على صوت التنمية.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

عم يضربونا 
ويسألونا شو بنا

عذراً لغياب مقالة يوم الأحد، فقد مُنعت من النشر. ولـ»الجريدة» الحق في النشر أو البتر، ومن ساد في ماله فما ظلم. وقد احتفظت بالمقالة الممنوعة، وسأحتفظ بأي مقالة أخرى تحجبها «الجريدة» تفادياً لوقوعها – «الجريدة» – في المحظور، من وجهة نظرها. وقد أتحدث لاحقاً عن تفاصيل حكايتي مع المنع، وقد لا أتحدث، بحسب اتجاه الرياح والعواصف.

لكن دعونا الآن نبتعد عن السياسة، ونسير بمحاذاتها، وتعالوا نبارك للصحافة دخول «الزميل» أبي مشاري، من باب الشعر السياسي، وهو ذاته الذي كان يكتب تعليقه شعراً على مقالاتي في موقع «الجريدة»، فقد تعاقد رسمياً مع جريدة «عالم اليوم»، ونشر أولى قصائده السياسية على صفحتها الأخيرة أمس الأول، الأحد، تحت عنوان «جمرات»، وأظنه يحتاج إلى حدث محفّز ومُشعل شرارة كي يُحرق بخوره، وأظنه أيضاً يحتاج إلى مسافة من الزمن تلين فيها ماكينته الشعرية. بالتوفيق للصحافة وللجريدة وللزميل.

والكلام يجر بعضه، ويجرني معه للحديث عن المرة الأولى التي التقيت فيها أبا مشاري، قبل عدة شهور، وكان ذلك في مكتبي في «الجريدة»، عندما تلقيت اتصالاً من محرر زميل يعمل في صحيفة أخرى مشهورة بطائفيتها وقربها من القرار والدينار، يطلب لقائي، فرحبت به، ودخل مكتبي أثناء وجود أبي مشاري، وسألني: «هل الأخ (أشار إلى أبي مشاري) موثوق به كي أتحدث بحرية؟»، قلت: «تحدث»، فقال: «أنا واحد من ثلاثة تم تكليفنا – بعد إنجاز أعمالنا – بكتابة تعليقات تهاجمك، أنت وكاتباً آخر ونائبين، بالتحديد، وإذا توافر الوقت نهاجم بقية الخصوم، خصوم الحكومة وخصوم جريدتنا ومالكها، ونثني، في الوقت نفسه، على مقالات كل من يهاجم القبائل والشعبي والمعارضة، لكنني أشعر بتأنيب الضمير، وأشعر أنني لست أنا، وهذا ما دفعني إلى لقائك»، ثم راح يتحدث عن مقالاتي وكيف أنه يتفق معي في غالبية ما أكتب. وأنهيت اللقاء معه على أن نتحدث بالتفاصيل في وقت آخر، كي لا أترك ضيفي أبا مشاري صامتاً.

لاحقاً، أخبرني الزميل المحرر أنه يكتب أحياناً تحت أسماء مختلفة، فمرّة هو «جهراوي أصيل»، وأخرى «منيف العجمي»، وثالثة «أبو سعود العتيبي»، ورابعة «ولد يام»، وأكثرها طرافة «كلنا محمد هايف» (هنا ضحكت حتى دَمَعت عظامي، ورحت أضرب كفاً بكف، وأردد «يا نهار أبيض وأسود»، إذ إن النائب محمد هايف، مثلي، أحد المستهدفين بالهجوم كما ذكر)، ثم نزلت النساء إلى الميدان، من باب الاختلاط، فهذه «أم راشد» تردح، وخلفها «بنت الأصل والفصل» تشتم، ووو.

ولا أظن المحرر هذا جاء بجديد، فنحن نعرف الخشب من الحديد، ونعرف أنهم يتعمدون تخريب الديمقراطية والصحافة والإعلام، ويضربوننا بأسلحتنا، من باب «وداوها بالتي كانت هي الداء»، لكن الجديد هو الاختراق الذي تعرض له منتدى الشبكة الوطنية، وهو المنتدى الأكبر والأشهر في الكويت، وتحديداً قبل لقائه المزمع مع الشيخ فهد سالم العلي بأيام، وكذلك موقع جريدة «الآن» الإلكترونية، وهو اختراق غريب في شراسته، يقول عنه الكمبيوتريون إنه شبيه بما تعرضت له مواقع الإنترنت والمدونات التابعة للإصلاحيين في إيران، وميجانا ويا ميجانا ويا ميجانا، عم يضربونا ويسألونا شو بنا. 

احمد الصراف

الجمعيات الخيرية والعفاسي

من المتوقع، كما ورد في «القبس» قبل أيام، صدور قرار من وزير الشؤون المميز، السيد محمد العفاسي، يسمح للمبرات الخيرية، التي لم تصدر بحقها أي مخالفات، بجمع التبرعات عن طريق نماذج خاصة، أسوة بالجمعيات الخيرية. وورد في الخبر أن إدارة الجمعيات والمبرات الخيرية في الوزارة ما زالت تسعى إلى فرض هيبة القانون وتطبيق اللوائح على آلية جمع التبرعات، ومن واقع خبرتها مع هذه الجهات، فقد وضعت عديدا من الضوابط والشروط، ومنها خمسة رئيسية: قيام المبرة بتقديم تقرير مالي وإداري للوزارة، تزويد الوزارة بكشف حساب البنك، وجود ما يثبت أن لديها مشاريع خارج البلاد معتمدة من وزارة الخارجية، إثبات ما يفيد بأنها لم تدخل في تأسيس المصارف المحلية والخارجية أو الشركات المالية، وأخيرا أن تثبت عدم قيامها بأي مشاريع تخالف الأنظمة، وتقديمها ما يثبت وجود مشاريع موافق عليها مسبقا.
وهذا يعني، وبوضوح شديد، أن غالبية الجمعيات والمبرات، إن لم تكن كلها، لم تكن تتقيد أصلا بهذه الضوابط، وهذا ما كنا نقوله لسنوات، وكانت الوزارة تنكر ذلك، وتصر على تأكيد تعاون الجميع معها، ونالنا ما نالنا من هجوم بسبب موقفنا هذا.
إن تدخل الوزارة الأخير الهادف لوضع الأمور في نصابها، والذي تأخر لأكثر من عقدين، سيؤدي حتما، إن طبق بطريقة سليمة، للتأثير سلبا في أوضاع أطراف كثيرة مستفيدة من بقاء الأوضاع على ما هي عليه الآن! ففي غياب أي نوع من الرقابة والمحاسبة أثرى كثيرون من هذا التسيب، واستولى أفراد محددون على مئات ملايين الدنانير من أموال المتبرعين، السذج غالبا، بحجة إقامة مشاريع تنموية في أفريقيا وآسيا، وأحدهم ادعى إنشاء ألف شركة «تنموية» في آسيا، وآخر اشترى بأموال التبرعات مزرعة ضخمة في جزيرة أفريقية جميلة لإنتاج القرنفل!
ولا يسعنا هنا غير تهنئة الجمعيات والمبرات الخيرية التي التزمت بضوابط الوزارة، فأصبح بإمكانها الآن جمع التبرعات لمشاريعها الخيرية، ولكن شكنا سيبقى إلى أن تتضح الأمور، فالأموال كبيرة ولا صاحب لها، والاستيلاء عليها مغر.. وحتى صدور القرار الوزاري نضع أيدينا على قلوبنا خوفا من تدخلات اللحظة الأخيرة التي قد تمنع وزارة الشؤون من مراقبة حسابات المبرات والجمعيات التي لا تزال تسمى بـ«الخيرية»، والتي نتمنى أن تصبح خيرية بالفعل، فنحن لسنا ضد أحد، ولا عداوات شخصية لنا مع أي طرف كان.

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

… وإذا ساوموها يا مسلّم؟

الموضوع كما أراه ينقسم إلى شقّين: الشقّ الأول هو مبدأ المساومة على المواقف، وهو ما يعني المتاجرة بالرأي والكلمة، وهو بلا شك أمر مرفوض ولا يجب القبول به بأي شكل من الأشكال خصوصا من نوّاب الأمة، ولكن السؤال الموجه إلى النائب البرّاك: هل الحكومة هي فقط من يساوم النوّاب؟ وقد تنجح مع البعض وتفشل مع البعض الآخر؟ أولم يساوم النوّاب الحكومة من ذي قبل؟ بل ساوموا بعضهم بعضا أيضا، ولكن في تلك الحالة فإنهم يسمونه تنسيقا نيابيا!! أولم يشترط على النواب القسم في تجمع العقيلة مثلا؟! فإما أن يقف النائب معكم وإما أن ترهبوه بانتزاع رداء الوطنية منه، وتشخصوه بأنه انبطاحي متنفع؟

إذن فمبدأ المساومة، وإن كان مرفوضا جملة وتفصيلا، قائم وممارس من قبلكم ومن الآخر سواء كانت الحكومة أو غيرها، فلا يجوز بعد ذلك أبدا أن تكون الحكومة هي صاحبة المساومة الخسيسة ومساومتكم تعتبر تنسيقا نيابيا وتوحيدا للصف الوطني.

أما الشق الآخر من حديث البرّاك فيتمحور حول فحوى القضية التي ادعى «بوحمود» مساومة الحكومة فيها للنائبة العوضي، وهي قضية إحالة القانون السيئ الذكر رقم 96/24 والمتعلق بفصل التعليم المشترك إلى المحكمة الدستورية.

كل المتابعين للشأن السياسي في الكويت يعلمون علم اليقين أن نوابا كأسيل العوضي وصالح الملا وعبدالرحمن العنجري وعلي الراشد يضعون قضايا الحريات وعدم التمييز والمساواة على رأس أولوياتهم التشريعية، وأبرز تلك القضايا بالنسبة إليهم هي قضية التعليم المشترك، بل قد لا يخلو حديث في ملتقياتهم وندواتهم العامة عن هذا الموضوع وتحركاتهم في سبيل تغيير قانون فصل التعليم، وهو قانون، بالنسبة للكثيرين وأنا منهم، غير دستوري وسبة في حق الدستور وواضعيه ومؤيديه، والتحرك في هذه القضية ليس وليد اليوم، بل هو ممتد عبر السنين، وهو ما يعني أن النائب البرّاك لم يكشف سرا دفينا في الحديث عن رغبة أسيل العوضي في إحالة القانون إلى المحكمة الدستورية، أما عن موقف الحكومة إن كان فعلا كما تفضلت بأنها ستؤيد الإحالة إلى المحكمة الدستورية، فهو ما يعني أنها في هذه القضية متمسكة بالدستور وتسعى إلى الحفاظ عليه، فهي طبقت القانون السيئ الذكر ولم تهمله أو توقفه، وفي الوقت ذاته وافقت على التحقق من دستوريته لتكون الكلمة الفصل لأهل الاختصاص والشأن.

إن واجبك اليوم يا«بوحمود»، ولكي تثبت للجميع أن الدستور أخوك كما تفضلت من ذي قبل، هو الدفع بكل ما أوتيت من قوة لإحالة هذا القانون وغيره من قوانين تحوم حولها الشبهات الدستورية إلى المحكمة الدستورية، لا أن «تعاير» من يرغب في تطبيق الدستور واستيضاح بعض مكامن الخلل فيه، فهل ستمضي قدما في الدفاع عن أخيك حتى إن كنت معجبا بفصل الاختلاط، أم أنك ستتبرأ من «خليصك»؟

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

سامي النصف

المسطول القادم من أسطال

في الستينيات تآمرت امبراطورية الشر السوفييتية القابعة في موسكو على الامة العربية مرتين بقصد احراج الرئيس جمال عبدالناصر، الاولى عندما دفعت المعتوه عبدالكريم قاسم للمطالبة بالكويت «لحرق» فكرة الوحدة العربية، والثانية عندما بدأت في مثل هذه الايام من عام 67 بتحريض النظام الثوري القائم آنذاك بدمشق على المزايدة والادعاء بأن اسرائيل تهدد بغزوهم بعد حادث ضرب الجرار الزراعي.

وابلغت موسكو في حينها رئيس مجلس الامة المصري محمد انور السادات الزائر لها بأن اسرائيل ستغزو سورية، كما خدعت وزير الحربية شمس بدران عندما وعدته بأن تدخل الحرب مع مصر ان لم تكن هي البادئة بالهجوم، مما مهد لمبدأ قبول الضربة الاولى، وقد كشف الباحث العسكري عبده مباشر في كتاب صدر له عن «اسرار وحقائق الحروب المصرية الاسرائيلية» ان وزير حربية ناصر الفريق محمد فوزي ابلغه ان قرار الانسحاب الذي تسبب في هزيمة 67 لم يصدر من مسطول قرية اسطال المشير ـ مجازا ـ عبدالحكيم عامر، بل اتى مباشرة من الرئيس عبدالناصر الذي سبق له ان اصدر قرار انسحاب مماثلا ابان حرب 56 ضمن خطابه الشهير.. «هنحارب».

«الهيكلية» نسبة لمضلل العقل العربي محمد حسنين هيكل أكلت «الناصرية» نسبة لعبدالناصر، ولم تبق منها الا هياكل خاوية وعظاما متكسرة كما اتى في احد التحليلات، يدعم ويمول فاحش الثراء السيد محمد حسنين هيكل جريدة «الشروق» ذات النفس الليبرالي اليساري في مقابل الانتشار الساحق لجريدة «المصري اليوم» ذات التوجه الليبرالي الوسطى، والتي اسسها المهندس صلاح دياب وهو رجل رائع في فكره وتوجهه السياسي الاصلاحي، ويرأس تحريرها زميلنا سابقا في «الأنباء» المبدع مجدي الجلاد، وقد دعيت للكتابة في تلك الصحيفة التي بات توزيعها يقارب توزيع جريدة «الاهرام» اعرق الصحف العربية قاطبة.

وتقوم جريدة «الشروق» هذه الايام وعبر النهج الهيكلي الصحافي (من الصحاف) المعتاد القائم على الغوغائية والتضليل والتوريط بدعم ترشيح د.محمد البرادعي للرئاسة، وتدفع بمناصرين زائفين تلبسهم الجلاليب تارة ولبس العمال تارة اخرى لاظهار ذلك التأييد «الاعلامي» الزائف، وقد استخدم البرادعي ـ ومثله ايمن نور ـ المساجد والكنائس للترويج لآرائهما السياسية، وهو ما اثار استهجان الناس.

وقد نشرت مجلة روز اليوسف لقاء مطولا مع شيخ اساتذة الطاقة النووية في مصر د.محمد ناجي ذكر ضمنه ان عمليات التفتيش المكثفة التي اختص بها د.البرادعي بلده هي ما قضى نهائيا على امكانية تطوير مصر لخيارها النووي، ارجح شخصيا ان دفع البرادعي للواجهة يقصد منه تلقي الصدمة الاولى والاحتراق لصالح ترشيح لاحق للسيد عمرو موسى بعد تركه لمنصبه الحالي.

آخر محطة:

حليف صدام السياسي والمحامي والنائب طلعت السادات اسقطه الله في شر اعماله بعد اتهامه بتلقي الرشاوى من رجل الاعمال عز الدين ابو عوض مقابل مساعدته للحصول على شركة سياحية! طلعت بأسلوبه الكوميدي والبلدي الشهير ادعى ان البرادعي سيتهم كذلك بأنه سرق قنبلتين نوويتين خبأهما في جيبه (!)، واضاف ان بعض زملائه من نواب المعارضة تلقى رشاوى ضخمة ـ يعني اشمعنى انا ـ حتى ان احدهم اشترى قصرا منيفا ووضع «كنبة» امامه وجلس عليها لأن اصله ـ حسب قوله ـ كان حارسا او بوابا!

الاكيد ان طلعت «طلع» من الحياة السياسية المصرية التي اعلن اعتزاله لها بـ «فضيحة مجلجلة»! وعقبال الخروج المبكر او «البكري» لنائب واعلامي آخر.

احمد الصراف

المفاصل الإسلامية وكلمة الشرف

بعد أن انتهينا من السروال الإسلامي والحجاب الإسلامي وغير ذلك من البدع التجارية جاء من يبشرنا بنجاح علمائنا في «اختراع» مفاصل بشرية إسلامية. ففي مقابلة في «الوطن 3/26» مع طبيب المفاصل هشام عبدالفتاح ورد في صدر الصفحة بالبنط العريض جدا: «.. المفصل الإسلامي» أحدث الطرق للقضاء على الخشونة والالتهابات! وعندما تقرأ المقال لا تجد فيه شيئا من هذا، بل تجد ان العنوان مضلل تماما ومسيء دينيا، وزيادة في السخرية من عقل القارئ ترد في الفقرة الأخيرة من المقال أن المفصل الذي يتحدث عنه صاحبنا هو من صناعة غربية كافرة وأطلقت عليه تسمية «الإسلامي» فقط لأنه «يعيد الحركة للإنسان ويمكنه من أداء الصلاة دون مشاكل»! وكأن المفاصل الصناعية الأخرى تعيق الإنسان من الحركة وتمنعه من أداء الصلاة، وتشجعه على الفجور!
وفي الحلقة الأخيرة من الترجمة الدقيقة لكتاب «مشاهدات الرحالة فريا ستارك» التي قدمها الزميل حمزة عليان (القبس 3/23)، ورد أن أبناء البادية تكفيهم «كلمة الشرف» لشراء البضائع، أو عند إجراء أي تعاملات بيع وشراء. وبالرغم من صحة هذا الكلام، الذي ورد في أكثر من مرجع، فإنه ناتج عن ظروف البيئة الصحراوية ولا علاقة له بالضرورة بالأخلاقيات. ففي ظل غياب الورقة والقلم والشهود، والأهم من ذلك السلطة، المقبولة من الطرفين، التي بإمكانها الاقتصاص من المقصر وردّ الحقوق لأصحابها، عند وقوع خلاف مالي، فإن إعطاء كلمة الشرف هي الوسيلة الوحيدة المتاحة لعقد الصفقات. كما أن الوفاء بالدين، بشكل عام، يكون عادة ناتجا عن الرغبة في الاستمرار في التعامل مع الغير، أكثر منه أمانة أو صدقا في التعامل، وكثيرا ما شاهدنا عند وقوع الأزمات والكوارث المالية أن الجميع على استعداد لسجن صديقه وأخته وأخيه في سبيل المال، وتجارب سوق المناخ العديدة خير دليل، هذا في الكويت التي كان شعبها من دون منازع، وإلى وقت قريب، أكثر الشعوب العربية والإسلامية أمانة، فما بالك بحال البقية!
* * *
أعتقد بأن شخصية «جحا»، الذي تروى الكثير من الطرائف على لسانه، شخصية خيالية على الأرجح، هذا على الرغم من وجود أسر لبنانية وفلسطينية ومصرية، من المسلمين والمسيحيين، تحمل الاسم نفسه. ويقال إن جحا هو الاسم الحركي لأبو الغصين الفزاري، الذي عاش أيام الأمويين، أو أنه الملا نور الدين الذي عاش في زمن الصفويين في إيران، أو هو الشيخ نصر الله خوجه الذي عاش زمن العثمانيين. وكما جحا هناك أيضا أشعب وشخصية أبو العبد البيروتي الذي تروى الكثير من النكت «الجنسية» على لسانه!
ويروى أن جحا اصطحب يوما ابنه للسوق واشترى حمارا، وفي الطريق سمع الناس يسخرون من قسوة قلبه لتركه ابنه الصبي يمشي إلى جواره. فترجل عن الحمار وطلب من ابنه امتطاءه، وهنا صادف جمعا آخر فسمعهم يصفون ابنه بقلة الأدب لسماحه لنفسه بركوب الحمار وترك أبيه الكهل يمشي! وهنا قام جحا بمشاركة ابنه في امتطاء الحمار ومر بجمع فسمعهم يشتكون من قسوة قلبه ويشفقون على الحمار من ثقل ما حمل، فترجل وابنه عنه وسارا بجانبه، فسمع جماعة اخرى تسخر من منظره وابنه وهما يسيران بجانب حمار اشترياه أصلا للركوب لا السير معه، فلم يجد جحا بداً من قيامه وابنه بحمل الحمار على رأسيهما، فحملاه وسارا به، فضحك الناس من غباء الاثنين. وهنا نظر جحا لابنه وقال له: انك لا تستطيع أن ترضي الناس جميعا. وهكذا حالنا، وحال غيرنا، مع التعليقات على مقالاتنا التي ترد موقع «القبس» على الإنترنت.

أحمد الصراف

سامي النصف

فك شفرة العمل السياسي الكويتي

أتى بيان وزارة التربية وانتخابات مجلس إدارة الغرفة ليكشفا تدليس من تبلى كذبا وزيفا على المسؤولين الأكفاء والأمناء واتهمهم في ذممهم وكفاءتهم دون أن يقدر ان لهؤلاء أبناء وأصدقاء وأقارب، ولا يجوز لأحد أن يرميهم دون بيّنة بحجارة القذف من خلف ساتر الحصانة البرلمانية.

وإحدى مزايا مجلس الأمة الحالي موافقته على رفع الحصانة عن النواب المتعدين على الآخرين، وفي هذا درس بليغ لمن تعدى منهم على الأبرياء وأساء بالتالي لنفسه ولتلك الأداة الدستورية الخيرة التي وضعت لحماية نائب الشعب من السلطة، لا لحمايته من أفراد.. الشعب!

وضمن انتخابات الغرفة التي أثبتت جزما انها مازالت الجهة الوحيدة المخولة بتمثيل القطاع الخاص في الكويت، حصل أحد المرشحين المنسحبين على ما يتجاوز المائتي صوت، مما يدل على ان البعض يصوت بشكل عاطفي وبطريقة «مع الخيل يا شقرا»، عموما تلك الحصيلة للمرشح المنسحب هي خير مائتي مرة مما حصل عليه 160 مرشحا – لم ينسحب منهم أحد – في الانتخابات العراقية الأخيرة حيث حصل كل منهم على صوت واحد لا غير أي صوته فقط ولم يصوت له أحد من أهله وأصدقائه.

ضع أسماء 49 نائبا في ورقة ثم ضع علامة (√) على من تعتقد ان عمله وولاءه يبقى خالصا مخلصا لوطنه لا قبله ولا بعده، إذا انتهيت من ذلك فابدأ بوضع علامة (×) على من ترى ان ولاءه الفئوي أو المذهبي الضيق، سنيّا كان أو شيعيا، يقدم على ولائه للكويت، فغضبه وفزعته وتصريحه وتصويته هو لذلك الولاء لا للوطن.

بعد ذلك ضع علامة (××) مضاعفة لمن تعتقد أن ولاءه يخرج عن حدود وطنه سواء لتوجهات حزبية سياسية أو لأوطان أخرى ممن إذا أتته الأوامر منها رفع يديه الاثنتين – لا واحدة – بتعظيم سلام، فالصح المطلق لديه هو ما يقوله ويفعله الآخر، والخطأ المطلق عنده هو ما يقوله ويفعله وطنه وأبناء بلده ممن يستقصدهم بالأذى.

وتسلم السياسي المال من الداخل لتبني مواقف معينة هو خطأ كبير وعملية لا تصح، أما تسلمه المال من الخارج فهو خطيئة لا تغتفر وجريمة الجرائم التي تعتبر بمثابة خيانة كبرى للأوطان تصل عقوبتها في بعض الدول إلى حد الإعدام، الآن ضع (×) لمن تشعر بأنه يقبض من الداخل و(××××) لمن ترى انه يقبض من الخارج وعندما تنتهي من عملية الصح والخطأ تلك، ستكتشف انك قد فككت شفرة العمل السياسي الكويتي التي حيرت منذ عقود عقول المواطنين والمراقبين.

آخر محطة:

(1) لا يفترض بالتشريعات القائمة ان تتناقض مع الدستور أو تخرج عن مسطرته، ومن ذلك قانون منع تجنيس غير المسلم الذي يتناقض تماما مع نص الدستور وروحه، لذا نحتاج هذه الأيام لنائب منصف شجاع محب للدستور ولمصلحة بلده يتبنى إسقاط ذلك التشريع «الأكتع» وسيقف العالم ودوله المؤثرة ضد من يرفض ذلك التعديل المستحق ولن يسمح له بدخول دولهم مما سيزيد من فرصة نجاحه.

(2) وللحقيقة كم مسيحيا ضمن قائمة انتظار الحصول على الجنسية الكويتية؟! تقريبا لا أحد، فلماذا التمسك بقانون غير دستوري يضر ولا ينفع؟!

(3) وحقا، ماذا لو صدر تشريع في أوروبا أو أميركا يمنع تجنيس المسلم كمعاملة بالمثل؟!

حسن العيسى

قنديل أم صابر

غادر أبو صابر الدنيا قبل أربعة أشهر تقريباً، وترك وراءه أرملته أم صابر التي شقيت سنوات طويلة من أحوال البؤس وضيق الحال، وترك خلفه ثلاث بنات وولداً واحداً هو صابر، لم تجد أم صابر عوضاً في العالم غير صابر الذي التصق  بأمه، وهو الصغير عمراً الكبير في الفؤاد، كانت ترى فيه العوض الجميل وهدية الرحمن عن الأب الذي رحل مبكراً، وأراد صابر بدوره أن يكون لها فرحة ولمسة حنان لقلبها التعس من صروف الزمن. كان اسمه صابر، وهو حقيقة صابر على داء السكري وهو ينهش يوماً بعد يوم من جسده، كان صابر فرحتها وبهجتها حين يدخل عليها مقبلاً رأسها، سائلاً عن أحوالها، ساعياً إلى احتواء حزنها العميق في قلبه العليل، لكن للقدر أحكامه القاسية، فالقدر الإنساني لا يعرف معنى الرحمة في كثير من الأحيان، ويهشم من غير سبب أفئدة المساكين. وخطف الموت حياة صابر في ليلة كئيبة.
فجعت أم صابر بهول مصابها، كان فاجعتها الأخرى بعد فقدان أبي صابر. أصابها الاكتئاب المرضي، سقاها قسوة فقدان أقرب الناس إليها كأس "المناخوليا" المر، وهو الحزن العميق الدائم حين يلتصق بالنفس ويرفض المغادرة، عزفت أم صابر عن الأكل، غرقت في نهر الدموع، تناءت عن أسرتها وأغلقت على ذاتها  في زنزانة اجترار الذكريات، تحوم في خيالاتها أطياف الذكرى مكبلة بأغلال الألم.
شقيقها علي الطبيب والعالم بأحوال النفوس التعيسة زارها في يوم من أيام حزنها الممتد، مبشراً إياها…: أم صابر هل تعلمين أنني رأيت صابر البارحة في المنام وسألني عن أحوالك؟… فهو مشتاق إلى لقائك… وتمضي بضعة أيام ويعودها الطبيب الشقيق علي من جديد ليخبرها أنه مرة ثانية زاره صابر في المنام، وقال له إنه حزين على حال أمه، وطلب منه أن يخبرها أن حزنه سيزول متى رضيت بالقدر وقضائه، وأنه بقربها دائماً… ويتمنى عليها أن تهتم بحالها، ففي ذلك علاج لروحه في فضاء الموت اللامتناهي.
شيئاً فشيئاً… ومع تكرار زيارات الشقيق الوفي، وتكرار أشرطة أحلامه عن صابر، التي كانت من نسج فكره، ولم يكن لها أي ظل من الحقيقة، تحسنت أحوال أم صابر، وبدأت سلاسل الحزن تتفكك عن قلبها، وعادت لمحات البسمة إلى وجهها الكئيب بعد أن ظن الكثيرون أن الفرح غادرها بلا وعد بالرجوع.
هذه حكاية ليست من نسج خيالي، وإنما هي حقيقة أعرف بطلها الطبيب علي تماماً… عدلت من الأسماء، ولم أغير المعنى ولا المغزى… بمَ تذكر القارئ هذه الحكاية…؟ ألا تذكرنا برواية "قنديل أم هاشم" ليحيى حقي… فإسماعيل بطل الرواية طبيب العيون العائد من الغرب لم يستطع بعلمه أن يشفي عين خطيبته بسبب إصرار أهله على معجزات زيت القنديل، حارب د. إسماعيل خرافة زيت قنديل أم هاشم القابع في مسجد القرية، فخسر العلم معركته حين واجه المعتقدات الراسخة لأهل القرية من دون أن يحضر لمعركة العلم مع المعتقد الروحي، فلم يكن من المعقول أن تخاطب العقول البسيطة بما تعجز عن قبوله مرة واحدة… لابد من مسايرة الوهم… لابد أحياناً من التنازل قليلاً عن "حداثة" العلم… حين تواجه سطوة الإيمان بالوهم… كم نحتاج أحياناً إلى القليل من الخيال الخلاق كي تشفى النفوس المريضة.