في رد الراحل الموسوعي لويس عوض على محمود شاكر وجلال كشك وغيرهما حين هاجموا وانتقدوا كتابه "على هامش الغفران" كتب لويس عوض تلك الكلمات في مقدمة كتابه رداً عليهم، ولعلها- بعد نصف قرن- تصير إبرة في عضل الأولياء الصالحين على معرض الهباب الكويتي القادم، فكتب لويس "… بقي أمامنا شيء واحد جدير بأن ينظر فيه: وهو أن المنهج الذي التزمته في هذه الدراسة عن أدب الآخرة بصفة عامة وعن رسالة الغفران بصفة خاصة، وهو من أولويات الأدب المقارن، هو في ذاته مصدر إزعاج للمحافظين من الأدباء والعلماء، لأن معناه فتح باب الاجتهاد من جديد في دراسة تراثنا، وهو ما لا يطيقه المحافظون لأنه قمين بأن يخلخل كثيراً من آرائنا، ومعتقداتنا الخاطئة الثابتة عن التراث. وهم ينسون أن الازدهار الأكبر في الفكر العربي إنما اقترن بفتح باب الاجتهاد على مصراعيه أيام مجد العرب في الدولة العربية الكبرى خلال القرون الأربعة الأولى للهجرة، وأن انتكاسة العرب بعد الدولة العباسية الثانية لم تقترن بتفككهم السياسي فحسب، بل اقترنت أيضاً بإغلاق باب الاجتهاد منذ آل السلطان إلى المماليك والأتراك، لا ريب بسبب هذا الضعف السياسي ذاته: فالضعيف في ميكانيكية الدفاع عن النفس، وحده هو الذي يخشى الفكر الحر والبحث الحر ويرتعد أمام العلم والعقل والتجدد بوثبات الخلق وبالرؤيا الرحيبة الآفاق. والضعيف وحده، في جزعه على ذاته، هو الذي يخشى محاكمة النفس ومواجهة النفس ونقد النفس، وإحصاء ما يملك حقاً من عدة وعتاد، ويؤثر أن يعيش في عالم من أوهام الكمال وأكاذيب الفردانية المأثورة عن جنة المجانين…".
إذن، الضعفاء المفتقدون الثقة بالذات عند لويس عوض هم الذين يخشون ويهابون الرأي الآخر، والفكر الآخر. يخافون أن يخطوا ولو خطوة واحدة خارجين من سجون ثوابت يقينهم المطلق الذي أملي وفرض عليهم، ثم قاموا بدورهم، بإملائه وفرضه على الأجيال التي تليهم، وأخذوا يراوحون في مكانهم، يدورون كمعتوهين في دائرة التخلف والجمود. فالجديد يهز قناعتهم الراسخة، والجديد يزلزل الأساطير التي تضج في وجدانهم. الآخر، والإبداع، والتجديد، كلها تنقلهم من عالم الوهم والخرافة إلى عوالم البحث عن الحقيقة، والقلق الإنساني الكبير، وهو قلق الوجود الذي يخافونه وترتعد فرائضهم من نبشه… فليبقوا في مستنقعاتهم الآسنة، فولاتهم كذبوا عليهم وقالوا لهم إن مستنقعهم هو قصر السعادة بداية ونهاية… وصدق العبيط حدوتة "كان ويا ما كان".
الهيلق والفكر الخرب (1 – 2)
الهيلق كلمة محلية كويتية، تطلق أحيانا على نوعية المساكين والجياع، كما تطلق على السنوات العجاف التي مرت على الكويت والمناطق المحيطة بها في عام 1867، والتي قاسى منها الجميع لفترة طويلة، وكان الكويتيون يؤرخون أحداث يومهم ومواليدهم بما قبل أو بعد سنة الهيلق. وبالرغم من أهمية الحدث فإن مراجع تاريخية مهمة لم تتطرق اليه، كما نجد تضاربا واضحا في مراجع أخرى. ففي كتاب «تاريخ الكويت» لأحمد أبو حاكمة، لم يرد للحادثة ذكر، بالرغم من أهميتها. وكذلك الأمر في رد المؤرخ حمد الجاسر على أبو حاكمة. ولكن المؤرخ عبدالعزيز الرشيد ذكر الهيلق في كتابه «تاريخ الكويت» ص 95 في معرض حديثه عن الحوادث الشهيرة. وفي «الويكيبيديا»، أو الموسوعة الحرة، نجد ان سنة «الهيلق» هي التي حلت فيها على الكويت مجاعة، وكان ذلك في عهد الشيخ عبدالله بن صباح الصباح سنة 1867. وتعني الكلمة الهلاك أو الهلك. وفي تلك السنة وما تلاها تعرضت الأقاليم المجاورة لإمارة الكويت لجفاف هائل لم يكن بالحسبان. وكانت الكويت متحصنة ولديها إمكانية العيش ومقاومة الجفاف فأصبحت قبلة هؤلاء المنكوبين. وكانت يد الخير تنتظرهم حيث أمدّ الخيّرون الجياع بالمال والطعام والمأوى، وبقي بعض هؤلاء في الكويت طوال فترة المجاعة، واستقروا بها وعاد البقية الى أوطانهم. وقد أرّخ الكويتيون تلك المجاعة التي عمت المنطقة ثلاث سنوات عجاف، من 1868 حتى 1871، وبلغت فارس التي هاجر الكثير من أبنائها إلى الكويت، وقام المحسنون هنا بنثر الطعام في الاسواق والطرقات، وقد اشتهر منهم عبداللطيف العتيقي، يوسف البدر، يوسف الصبيح، سالم بن سلطان وبيت ابن ابراهيم.
وفي الشبكة الوطنية على الإنترنت ورد أن الهيلك (بالكاف) جزء من تاريخ الكويت، وهي سنوات عجاف، وفي نجد أطلقوا عليها سنوات «المسغبة»، وأن المجاعة ضربت مناطق من إيران بعد أن انحبس المطر عنها سنوات، وأن المجاعة ضربت الكويتيين واضطرتهم الى أكل(!) دماء البهائم التي تذبح ابتداء من سنة 1285، ولم تنته المجاعة الا في سنة 1288، وكان لرجلين من أفاضل الكويتيين والاثرياء يد بيضاء في تلك الازمة الشديدة، وهما يوسف البدر ويوسف الصبيح، اما الاول فكان يفرج كربات المعوزين والمحتاجين بما يبذله لهم من المال، واما الثاني فاتخذ له بيتين احدهما في الكويت والثاني في الزبير يأوي اليهما الفقراء، وكان يقوم في كليهما بمد ما يحتاجه الاحياء من طعام وكسوة وتجهيز من يتوفى منهم. وكتب الشاعر الاخرس قصيدة في هذين الرجلين بعث بها الى احد من آل المخيزيم قال فيها:
«ان الكويت حماها الله قد بلغت باليوسفين مكان السبعة الشهب
تالله ما سمعت أذني ولا بصرت عيني بعزهما في سائر العرب
فيوسف بن صبيح طيب عنصره اذكى من المسك ان يعبق وان يطب
ويوسف البدر في سعد وفي شرف بدر الأماجد لم يغرب ولم يغب».
أحمد الصراف
حكومة الوحدة
«وحدة وطنية» هي شعار المرحلة، ومعظم رافعيها هم ممن مزقوا الوحدة أصلا، ولكي نلعب «عالمكشوف» ونكشف جميع الأوراق لنجيب عن التساؤلات الآتية ونعرف من مزّق الوحدة: من المسؤول عن بعثرة الوحدة الوطنية بالتجنيس العشوائي في العقود الماضية لغاية سمجة كريهة، وهي ترجيح موازين القوى السياسية لمصلحتها لبرهة من الزمن؟ ومن الذي منح العشوائيين الضوء الأخضر لتجاوز أي نص قانوني سارت عليه الكويت، فتمخضت تلك عن ثقافة اللا قانون والكثرة والاحتماء وراء القبيلة والعائلة والطائفة؟ ومن الذي قرر أن يقسم الكويت إلى خمس وعشرين دائرة قوامها التكدس المذهبي والقبلي والعائلي فجعلوا من الدسمة والرميثية وكيفان وخيطان دوائر مستقلة قائمة بذاتها؟ ومن الذي فتح الباب على مصراعيه للتيارات السياسية القائمة على المذهب الواحد وأغلقها أمام كل تيار شمولي؟ ومن الذي أغلق كل جمعيات النفع العام وحل إداراتها إلا جمعية الإصلاح الاجتماعي في فترة سابقة؟ ومن الذي أقر مناهج للأطفال تقر قتل المشرك وتنص في درسها التالي على أن من يجلس بجانبه من ملّة المشركين؟ ومن الذي يرفض ويأبى أن تتصدر أسماء الشهداء شوارع الكويت لتحكي للتاريخ عن اللحمة الوطنية الحقة في فترة الغزو؟ ومن الذي قسم الكويت طائفيا وعائليا وقبليا رغم محاولة الإصلاح في الدوائر الانتخابية الخمس، فجعل دائرة للمطران والرشايدة وأخرى للعجمان والعوازم وواحدة للشيعة وثانية للسنّة؟ ومن الذي يمد الجهلة والمفرقين من أبناء المجتمع بكل المواد الإعلامية لتعزيز وسائلهم الإعلامية وقنواتهم؟ ومن الذي «يتشاطر» على أن يبقى المعرض دون كتاب ويحجر الفكر وفي الوقت ذاته يقف متفرجا على كل رسائل نصية بغيضة تملأ القنوات الفضائية؟ بإمكاني أن أكمل التساؤلات إلى آخر الصفحة، وبإمكان غيري إضافة أكثر من ذلك، والسبب واحد ومعروف ومحدد، فإن كنا نريد الإصلاح فالمصارحة قبل المصالحة كما قال المرحوم الفذ أحمد الربعي، اعترفوا بأخطائكم قبل أن تهددونا بنفاد صبركم، قوّموا اعوجاجكم قبل أن تدعوا إلى الضرب بيد من حديد. لن نقبل منكم أي كلمة إصلاح مادمتم وعلى مدار خمسين عاما ترسخون الانقسام ولم تتغيروا بعد، ولن تنطلي علينا أي حيلة مسكنة وآنية، اعترفوا أولا وسيفتح باب الإصلاح تلقائيا بعدها. خارج نطاق التغطية: افتتح استاد جابر بكيفه، يريد تغيير مقر الاتحاد الكويتي لكرة القدم بكيفه، يشارك بالبطولات ويتخذ القرارات بكيفه، يعاقب ويكرم ويسلم أملاك الدولة ويوزعها بكيفه، كل هذا وهو غير شرعي بالنسبة للحكومة كما تدعي، فماذا لو كنت شرعيا يا طلال؟
الرجل الذي فقد عقله
انتقم أدباء وصحافيو مصر من قيادة عبدالناصر السلطوية عبر رواية الأديب ثروت أباظة الشهيرة «شيء من الخوف» التي تحولت إلى فيلم سينمائي يستحق المشاهدة حيث أسقطوا عليه شخصية الطاغية عتريس وعلى مصر شخصية فؤادة، وردّد الناس آنذاك العبارة الشهيرة «زواج عتريس من فؤادة باطل».. للدلالة على أن حكم عبدالناصر لمصر غير شرعي كونه أتى بالانقلاب لا بالانتخاب الشرعي.
وإذا كان أدباء مصر قد انتقموا مرة من عبدالناصر فقد انتقموا من هيكل عشرات المرات في كتبهم ورواياتهم التي تحولت إلى أفلام سينمائية والتي صورته بصورة الصحافي الانتهازي وغير الأخلاقي في تعامله مع الآخرين، فهو محور قصة فتحي غانم «الرجل الذي فقد ظله» وهو «محفوظ عجب» في رواية موسى صبري «دموع صاحبة الجلالة»، وهو «خالد عزوز» في «ثرثرة فوق النيل» و«عامر بك» في «ميرامار» و«رؤوف علوان» في «اللص والكلاب».
ولم يكن أدباء وصحافيو مصر بعيدين عن الواقع فيما ذكروه وصوروه، فقد تبنت السيدة روز اليوسف الأستاذ هيكل في بداياته فأمم لها المجلة المسماة باسمها، وعينه صحافي مصر الأول محمد التابعي مديرا لتحرير مجلته «آخر ساعة» فأفلسها وتحول التابعي لصحافي صغير في دار أخبار اليوم، وفي ذلك يروي ناصر الدين النشاشيبي أنه رأى التابعي الكبير يجلس ينتظر هيكل مع حارس عمارته تذللا له، كما رآه يُلطع عند سكرتيرة هيكل لساعات وساعات، أما الأخوان أمين اللذان بنى خيره من لحم أكتافهما حتى أنه سمى ابنه عليا على اسم علي أمين، فقد تفنن في إيذائهما حتى أخرج أحدهما مطرودا من مصر ورمى الثاني في سجونها بأبشع تهمة.
وبعد منع هيكل من الكتابة في صحافة مصر فتحت له الصحف الكويتية أبوابها لينشر مقالاته وكتبه في حقبتي السبعينيات والثمانينيات في حين لم يثق به صدام قط، إلا أنه غدر بنا إبان الغزو الغاشم وتبنى وجهة نظر الطاغية كاملة حتى عاب عليه مؤرخ مصر العظيم «عبدالعظيم رمضان» ذلك الأمر وقال ان هيكل يرى الأحداث بعين صدام ويسمعها بأذن طارق عزيز، كما رد عليه عدد كبير من كبار كتّاب مصر أمثال د.عبدالمنعم السعيد ود.جلال كشك وحنفي المحلاوي، ومعهم المؤرخ العراقي المعروف د.سيار الجميل الذي قال ان هيكل «يتوهّم» حدوث الأشياء فيصدّقها ويكتبها خاصة إذا كان شهودها أمواتا، فهو يذهب إلى فرنسا فيتصوّر أنه التقى رئيسها ويذهب إلى اسبانيا فيتخيّل أنه التقى ملكها.. الخ، أما كشك فقد قارن بين ما يكتبه هيكل في كتابه المطبوع بالإنجليزي وكتابه المطبوع بالعربي واكتشف أنه وبالقرائن والأدلة، يكذب كثيرا في كتبه الموجهة للقارئ العربي.
وضمن كتاب لهيكل «حرب الخليج» يتبنى بالكامل دعاوى المؤرخ الصدامي وليد الأعظمي كما يتبنى الوثيقة التي أعلنها إعلام لطيف نصيف لإثبات تواطؤ الكويت مع المخابرات الأميركية عبر الرسالة المفبركة من مدير عام أمن الدولة آنذاك اللواء فهد الفهد لوزير الداخلية الشيخ سالم الصباح، وقد التقيت قبل مدة قصيرة باللواء المتقاعد الفهد وذكّرته بتلك الرسالة فكذّبها بالكامل، وقال انه لم يكن فعلا موجودا في الكويت بتاريخ إرسالها كما عُرف عنه أنه لا يستخدم أسلوب الرسائل في القضايا الهامة بل يتحدث بها شفاهة، وأضاف أنه لم يجر، عرفا، في الكويت مخاطبة الوزير بـ «سمو» كما أتى في الرسالة المزعومة مما يدل على كذبها كما انها نصت على انني اصطحبت معي للقاء السلطات الأميركية ضابط مباحث الأحمدي وهو أمر مستهجن حيث ان إدارة أمن الدولة مليئة بالضباط المختصين الأكفاء فما الحاجة لضابط غير مختص من خارج الدائرة؟!
آخر محطة:
(1) أقر هيكل – وللمرة الأولى – إبان شهادته في محكمة تعذيب مصطفى أمين عام 76 وردا على سؤال المحامي شوكت التوني، بأنه تعرض لمحاولة اغتيال في زمن عبدالناصر عندما أطلقت عليه جهة «أمنية»، حسب قوله، رصاصتين أثناء خروجه من جريدة الأهرام مع مرافق له مما قد يعني أن هيكل قرر أن يتغدى بعبدالناصر قبل أن يتعشى به، وفي أربعينية عبدالناصر كتب مقاله الشهير «عبدالناصر ليس أسطورة» الذي كان بمثابة السكين الأولى في جثمان عبدالناصر ثم وقف مع الرئيس السادات في صراعه مع القيادة الناصرية آنذاك، فإذا كانت هذه أفعال من يدعي ود وحب عبدالناصر فماذا ترك لأعدائه أن يفعلوا؟!
(2) وددنا حقا من هيكل، وقد بلغ أرذل العمر، أن يراجع مسيرته وأن يكفّر عن أفعاله وأكاذيبه تجاه الآخرين لا أن يتمادى فيها ويضيف لها ادعاءات زائفة وكاذبة أخرى.
صحافيو الكوافير
الله يرحم تلك الأزمنة السحيقة، قبل أربع سنوات أو خمس، عندما كنا نقصف معالي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك، براً وبحراً وجواً، ونركز على منشآته العسكرية ونتحاشى المدنية، فيتصل بنا مدير مكتبه الفريق صالح الحميضي، وأنعم به من رجل، ليردّ ويشرح ويوضّح، ونلتقي "أبا صباح" مصادفةً في مناسبة احتفالية، فإذا هو شيخ، وإذا هو كبير، وإذا هو يتبسم بثقة ويدردش عن الموضوع ويبيّن وجهة نظره، ويمضي كلّ إلى غايته، والقلوب صحاح.
الله يذكر بالخير تلك الأزمنة السحيقة، عندما كنا نحمّل كل مشاكلنا على بعير الشيخ أحمد الفهد فيحتملها، ونضع أقلامنا في النار قبل كتابة مقال يهجوه، ونستنجد بالشياطين، ونلتهم "تمرة الحرب" ونشرب فنجانها، وننثر الحروف الأبجدية على السجادة أمامنا لننتقي منها أشرسها ونختار أعنفها، فيظهر المقال على صفحة الجريدة شاهراً سيفه، يستعرض على حصانه أمام الجند، محمّلاً بكل مفردات التحدي، فنلتقي أحمد الفهد مساءً في مناسبة اجتماعية، عرس مثلاً، فيبتسم متحدّياً وهو يخفي موقع طعناتنا: "الوعد يوم الاستجواب، هاهاها، ما تقدرون على الوزير". وتنتهي القصة بلا نيابة ولا محكمة ولا هم يحزنون.
الله يمسيها بالخير تلك الأزمنة، عندما كان أحدنا لا يتقدم لخطبة امرأة إلا واشترط أبوها "رأس" قيادي من قادة "حدس"، فتنطلق خيلنا – نحن أعداء التدين السياسي – فنقتل منهم من نقتل، ونأسر من نأسر، فيكرّون علينا – عادة أثناء نومنا – ويخطفون من يخطفون ويلوذون بالفرار، وفي الصباح يسننون افتراءاتهم علينا، لكنها افتراءات داخل حدود الحوش، لا هم نزعوا عنا وطنيتنا ولا نحن نزعنا عنهم وطنيتهم، ولا هم تحدثوا عن أعراقنا ولا نحن تحدثنا عن أعراقهم، ولا هم دخلوا غرف نومنا ولا نحن اقتربنا من صالات بيوتهم الداخلية. كانت حرباً بالأسلحة التقليدية. ثم نتبادل معهم الزيارات والورد المغشوش.
الله يسقي تلك الأزمنة ديمة، عندما كان خصومنا بنقاء أمين سر جمعية الصحافيين الزميل فيصل القناعي… آخ، اشتقت لخصومتك الراقية أبا غازي، خصوصاً بعد أن نشرت صحافة مصر خبراً مضحكاً ذكّرني بجمعية الصحافيين "راقصات وسباكون وسائقو ميكروباص وتاكسي وبائعو كبده من ضمن كشوف النقابة".
قرأت ذلك وتخيّلت أننا فتحنا كشوفات جمعية الصحافيين، عليّ النعمة لنجدن فيها من الكراكيب و"القواطي" وممالك النمل والزيت الناشف ما يشيب له ريش الغراب وهو في ريعان شبابه.
على أن شيئاً لا يهمني بقدر ما يهمني عدد "الكوافيرات" الزميلات. "وهيهات يا بو الزلوف عيني يا موليّا، محلى الوما بالوما ومحلى العزوبيّا".
هل قتل هيكل ناصر والسادات معاً؟ (2 ـ 2)
من يعتقد أننا أتينا باطلا بإلقاء الشكوك حول تورط الأستاذ هيكل في وفاة الرئيسين ناصر والسادات كونهما من مقربيه، أو اننا نسدد دين موقفه الشائن من الكويت إبان محنتها، فعليه أن يقرأ لقاء الأستاذ إبراهيم الويشي ضمن كتابه «خريف هيكل» الصادر عام 83 مع الحاج حافظ حلمي الشلقامي عمدة قرية هيكــل «باسوس» حيث يذكر العمدة أن زوجة والــد الأستاذ محمد وتدعــى صالحــة قد توفيت هي وأبناؤها أحمد ومجاهــد وحامد ونعيمة خلال شهر واحد بظرف غامض (حادث تسمم؟) ويضيف الكاتب أنه تصور في الحال أن هناك شبهة جنائية وراء وفاة أربعة إخوة للأستاذ حتى بقي الابن «الوحيد» لأبيه كحال بقائه الصحافي «الأوحد» في مصر فيما بعد، وتساءلت في نفسي ـ والقول للأستاذ إبراهيم ـ إن كان يمكن التحقيق في قضية مضى على وقوعها كل هذه الأعوام؟
ويذكر د.فؤاد زكريا في كتابه «كم عمر الغضب» انه من الاستحالة ان يكون ارشيف هيكل من صنع رجل واحد او حتى منظومة اجهزة العالم الثالث، اما الكاتب الشهير محمد جلال كشك فيتهم بشكل مباشر هيكل بالعمالــة ويدينه من فمه فهيكل يدعي ان المخابرات الغربية هي التي انشأت دار اخبار اليوم عام 46 على يد الاخوين امين ولا يذكر هيكل انه كان ثالثهم حيث عمل معهم حتى عام 52، كما يدعي هيكل انه من قال لعبدالناصر ان الانجليز لن يتدخلوا فيما لو قام بانقلابه، وقد اثبتت الوثائق اللاحقة ان الرئيس الاميركي ورئيس مخابراتــه وممثلهما في مصر قد قاموا بالفعل بالضغط على الانجليز لوقف تدخلهم وقد كانت لديهم في مصر قوات تكفي لإجهاض ذلك الانقلاب، كما اعترف هيكل قبل مدة قصيرة بأن القيادة السوفييتية اتهمته بالعمالة للغرب ورفضت حضوره اجتماعات القيادتين المصرية والسوفييتية مما اضطره للعودة في اليوم التالي للقاهرة.
وما لم يقله الاستاذ كشك هو ان هيكل كان في العشرينيات من عمره يذهب الى كوريا في عام 1950 ابان حربها فيرسل الى صحيفته بمصر ان الهجوم الاميركي المفاجئ لاختراق القوات الصينية والكورية الشمالية سيتم في 13/9/1950 في منطقة انتشون فتأتي الاحداث مطابقة تماما لما قال فمن أين حصل على تلك المعلومات الهامة التي ابرزته وجعلته يحصل على جائزة الملك فاروق الصحافية، ثم يزور في العام نفسه ايران التي تغلي فيمهد له عمل لقاءات مع شاه ايران وشقيقه اشرف والجنرال محمد مصدق والمرجع الكبير ابوالقاسم الكاشاني ليضع ذلك في كتابه الذي اصدره عام 51 وأسماه «ايران فوق فوهــة بركان» ولــم يعــد طبعــه قــط لتبني هيكــل فيــه وجهــة النظر الغربية بالكامل ضد المطالب الوطنية التي كــان يمثلهــا مصدق والتي مهدت للانقلاب عليه.
لقد نظّر الاستاذ هيكل لكل الهزائم والنكبات التي اصابت الامة العربية وأهدت الارض والموارد الى الاعداء بأرخص الأثمان أو حتى دون ثمن، كما تسبب تحويله الهزائم الى انتصارات زائفة في قيام انقلابات وانظمة عسكرية قمعية مدمرة في الوطن العربي، كما نتج عن مقالاته وخطبه التي يلقيها الرئيس عبدالناصر الإساءة للعلاقات العربية ـ العربية كما أسهمت مقالاته التي كان ينشرها كل جمعة بالاهرام وتذيعها «صوت العرب» في إفشال مشروع الوحدة الثلاثية عام 63 بين مصر وسورية والعراق ومرة اخرى الوحدة الرباعية عام 71 بين مصر وسورية وليبيا والسودان في عهد السادات، وقد حصد هيكل المليارات التي تجري بين يديه هذه الايام نتيجة لأعماله تلك حيث انه المالك الاكبر لأسهم أكبر شركتين ماليتين في الشرق الأوسط يديرهما أبناؤه وشقيق زوجته إضافة الى 5 ملايين دولار سنويا ـ كما ذكرت مجلة المصور ـ يحصدها من احدى الفضائيات لقاء القيام بدور الحكواتي!
آخر محطة:
رغم الاختلاف مع ما يقوله ويكتبه الاستاذ هيكل، الا اننا نرفض بشدة منع كتبه من دخول معرض الكتاب في الكويت والحال كذلك مع كتب المثقفين المصريين.
الله يذكرك بالخير يا شيخ سعود
"شوفوا لكم كلام غير هذا"، فالكتب الممنوعة حسب مصدر وزارة الإعلام هي في خانة "إما… أو" في بلاغة وزارة الإعلام!! فهي "إما تحتوي على مساس بالذات الإلهية أو الرسول صلى الله عليه وسلم أو الأنبياء أو الصحابة، وإما تكون متضمنة ما يثير الفتن الطائفية، أو فيها مساس أو افتراءات على الكويت…" حسب ما نشر في جريدة الوطن! رد الولي الفقيه في وزارة الإعلام يثير الضحك… ونحن في حاجة إلى الكثير من جرعات الفرح والضحك في دولة "بني تزمت وبني ملل"، وبعد أن سلمت الدولة مفاتيحها لأعداء العقل والبهجة. تصريح الولي ليس فيه جديد، ففي كل سنة تصدر أحكام الإعدام على الفكر في معرض "الهباب" الكويتي يعيد علينا الولاة القضاة أسباب الأحكام ذاتها التي تنحصر في "إما… أو"… وسؤالنا لعباقرة الرقابة المشكلة من العضو اسبينوزا في وزارة الأوقاف، والعضو "فولتير" في المجلس الوطني… والعضو "حسين بن عاقول" من فريح بني صامت… هم وحدهم لا غيرهم… من يقرر "إما… أو" وما يثير الفتن الطائفية أو يعد مساساً بالذات الإلهية… إلخ؟ هم من أهل الهم والغم يقررون المسموح وغير المسموح والحلال والحرام والممكن وغير الممكن، وطبعا لأن "هم" ولأن وزارة "هم" وحكومة "هم" يعملون ألف حساب لنواب التخلف… ورقابتهم اللاحقة ومشاريع الاستجوابات الفارغة، فلماذا كل هذا الصداع…؟ فالباب الذي يأتي منه الريح سده واستريح… والرياح التي تحرك الخلايا المتحجرة في عقول شعب "يارب لا تغير علينا" أغلقوا نوافذها وارتاحوا…
حين كان الشيخ سعود الناصر وزيراً للإعلام في الأيام الخوالي الجميلة، انتقدنا مع الزملاء الكتاب قرارات المنع والحظر في معرض الكتاب… ولم يمض يومان أو ثلاثة إلا ورن جرس هاتفي النقال لأسمع من "أبو فواز" ذاته وزير الإعلام قراره الشجاع بإلغاء كل قرارات الحظر على الكتب الممنوعة… لم يقل الشيخ سعود الناصر إن هناك لجنة تختص بالرقابة "وأنا مالي شغل فيها"، ولم يترك المجال لمصدر مسؤول في الوزارة ليصفعنا بتصريح "إما… أو"… تصرف الشيخ سعود كمواطن مسؤول يؤمن بحرية الإنسان وحقوق العقل الحر… ولم يكترث للنتائج.. وأعلنت الحرب عليه من نواب الحلال والحرام، وضغن عليه البعض في مجلس الوزراء… ومضت فترة وترك الوزارة… وخسرته الدولة.
سعود الناصر والحرمي
تعني كلمة accountability مسؤولية محاسبة الجهة أو الفرد أثناء أو بعد قيامه بأداء عمل أو مشروع ما، حتى بعد مرور وقت على الانتهاء منه. فمكتب تدقيق الحسابات مثلا مسؤول عن ميزانية الشركات التي يقوم بتدقيق دفاترها، ويبقى «عرضة للمحاسبة»، ان تبين مستقبلا أنه لم يقم بواجبه كاملا! وفي لغتنا وأوطاننا العربية لا نشكو فقط من عدم وجود ترجمة دقيقة لهذه الكلمة المهمة بل وأيضا لا نعرف تطبيقها، ان عرفنا معناها، فــ«عفا الله عما سلف» أكثر اتباعا! ولو حاولنا سرد حالات الفشل المالي والاداري التي وقعت في السنوات العشر الأخيرة، والتي لم يخضع المسؤولون عنها لأي «محاسبة» لتطلب الأمر تخصيص مساحات شاسعة من صفحات الجريدة.
في 9/22 نشرت «الآن» الالكترونية مقالا للمحلل النفطي كامل الحرمي تطرق فيه الى الخبر الذي نشر على الصفحة الأولى من «الجريدة» (9/19)، على لسان مسؤول نفطي عال من أن شركة نفط الكويت أكدت أن الطاقة الانتاجية لحقول الشمال ستصل الى 850 الف برميل في اليوم بنهاية شهر ديسمبر القادم، ومع الوصول الى هذا الانتاج في الحقول الشمالية يكون قد انتفى الغرض من مشروع تطوير حقول تلك المنطقة والمسمى بــ«مشروع الكويت»! وأضاف أن هذا خبر سار جدا، خاصة أنه تم بامكانيات شركة نفط الكويت وبمساعدة شركات خدمات نفطية مثل شلمبورغ وهاليبورتون، وبالتالي لم تعد هناك حاجة لشركات نفطية عالمية! وقال انه يتمنى تأكيد هذه البشارة رسميا من الحكومة وان تحتفل الكويت بها!
وهنا يتساءل السيد الحرمي عن مسؤولية 6 وزراء نفطيين سابقين و3 رؤساء تنفيذيين في مؤسسة البترول الكويتية و3 من رؤساء شركة نفط الكويت ورؤساء شركة التنمية النفطية، التي تأسست خصيصا لتنفيذ مشروع الكويت، وكبار المسؤولين في شركة نفط الكويت – قطاع الاستكشافات النفطية، لعدم مصداقيتهم وسعيهم لخلق أزمة سياسية وعداء مستديم بين الحكومة ومجلس الأمة منذ عام 1991 حتى الآن؟ وكيف أن الأمر تسبب في تشويه سمعة مجلس الأمة في الداخل والخارج، وخلق مشاكل مع الشركات النفطية العالمية التي تأهلت وقدمت أكثر من مليوني دولار فقط لدخول غرفة المعلومات! كما تساءل عن الندوات التي أقيمت محليا وخارجيا لتسويق المشروع، وعن تضييع وقت اللجان المختلفة بمجلس الأمة، وكل ما قيل عن أهمية وضرورة الاستعانة بالشركات النفطية العالمية، ومسؤولية كل هؤلاء عن هدر المال العام والوقت الثمين، وشهادة الوزراء والرؤساء التنفيذيين أمام مجلس الأمة وأعضاء المجلس الأعلى للبترول واعضاء مجلس ادارة مؤسسة البترول والدواوين، وكيف كان الجميع يؤكد الحاجة الماسة للمشروع وضرورة الاستعانة بخبرات عالمية للتعامل مع حقول الشمال النفطية الصعبة، وان خبراتنا النفطية فقط في الحقول والمكامن السهلة، فماذا سيكون رد هؤلاء جميعا الآن، ان ثبتت صحة الخبر؟ وقال انه وغيره كانوا مع مشروع الاستعانة بالشركات العالمية وصرف مليارات الدولارات على تطوير حقول الشمال، والآن تأتي الشركة نفسها وتقول على لسان كبار مسؤوليها انتفاء الغرض من المشروع، وانها استطاعت ان تحقق الهدف نفسه دون ضجة اعلامية ولا تكاليف خرافية!
ويتساءل السيد الحرمي قائلا: هل كانت خدعة من القطاع النفطي ومن العاملين أم جهلا مطلقا أم ضجة اعلامية من أجل المصالح والتربح السريع والحصول على الوكالات التجارية؟ ويقول ان الجواب يبقى عند القطاع النفطي، ولكن ليس هناك شيء مؤكد!
وكمواطن لا يهمني ما كتبه السيد الحرمي أكثر مما يهم أي مواطن آخر حريص على مصلحة وطنه، ولكني أخشى أن تساؤلاته ستبقى من دون توضيح من اي جهة، فلن ترتفع درجة «المحاسبة» لدينا على ما هي عليه الآن، بالرغم من أن المال العام كاد يخسر سبعة مليارات دولار لتطوير حقول نفطية لا تحتاج الى تطوير كبير، ولكني هنا معني بصورة خاصة برد الشيخ سعود الناصر الصباح على هذه التساؤلات، فقد كان وزيرا للنفط في مرحلة حاسمة من تاريخ «مشروع الكويت»، واهتم به وروج له وأيده بقوة، ومن منطق احترامي وتقديري له اتمنى أن اسمع رأيه هنا، لنرتفع بمستوى المحاسبة لدينا، ولكي تبقى صورته في ذهني وذهن الكثيرين جميلة، لتميز مكانته بين بقية أفراد الأسرة.
أحمد الصراف
هل قتل هيكل ناصر والسادات معاً؟ (1ـ2)
روى مؤخرا الاستاذ هيكل ما جرى إبان قمة عام 70 في القاهرة، ومما ذكره انه كان في جناح الرئيس عبدالناصر مع عرفات والسادات عندما قام نائب الرئيس وأخرج الطباخ النوبي وعمل بنفسه قهوة مسمومة لعبدالناصر توفي على اثرها بعد ثلاثة ايام وهي رواية يقولها للمرة الأولى الاستاذ هيكل الذي يحتفل هذه الأيام بعيد ميلاده الـ 87 وكالعادة جميع شهود تلك القضية من الأموات الذين لا يتكلمون!
بعكس معارضي رواية الاستاذ، أنا أول المصدقين بما قاله من موت الرئيس المستهدف عبدالناصر بالسم، حيث توفي بشكل مفاجئ وهو في الثانية والخمسين من عمره وكان يخضع للفحوصات الطبية بشكل منتظم. ان المنطق يشير الى ان الفاعل المرجح هو هيكل لا السادات ومن ثم فما نشهده هو صحوة ضمير متأخرة وان حاول عبر الطريقة المخابراتية المعروفة بـ Dis-information اي قول جزء من الحقيقة ثم تحريفها عن مقاصدها لإلصاق تلك الجريمة بالرئيس السادات تصفية لحسابه معه وقد قارب الاستاذ التسعين من عمره ولم تخمد براكين حقده التي تثور بين وقت وآخر وقد كتبت قبل أشهر قليلة مقالا أسميته «أحقد من هيكل».
فهل يعقل أن يقوم نائب الرئيس بعمل قهوة في وجود شخص اقل منه رتبة ونعني السيد هيكل دون ان يفرض البروتوكول والذوق السليم تطوعه بعملها بدلا منه؟ وللمعلومة لم يكن لنائب الرئيس السادات آنذاك اي خلافات ومشاكل مع عبدالناصر تدفعه لارتكاب الجريمة بعكس هيكل الذي كانت علاقته وباعترافه تمر بأسوأ ظروفها مع الرئيس ناصر الذي قرر اخيرا التخلص منه عبر ترفيعه الى رتبة وزير تمهيدا لإخراجه من الحياة السياسية المصرية في اول تعديل وزاري، لذا فهم هيكل القصد ورفض بشدة ذلك التعيين واعتكف في عزبته.
وأوعز هيكل آنذاك لتوفيق الحكيم ان يكتب رسالة لعبدالناصر كي يثنيه عن قرار التوزير مما جعله يحال للتحقيق وتزداد العلاقة سوءا بين ناصر وهيكل، وبعد تعيين هيكل وزيرا في صيف عام 70 قبضت المخابرات على سكرتيرته الخاصة نوال المحلاوي وزوجها وصديقه لطفي الخولي وزوجته وتوفيق الحكيم في قضية تظهر شك عبدالناصر في صديقه ووزير اعلامه، حيث تم زرع اجهزة تنصت في بيته ومكتبه وحتى بيت صديقه الذي تحدثوا فيه وقد ظهر للعلن في ذلك الصيف ان عبدالناصر قد رفع غطاء الحماية عن العاملين في جريدة الاهرام ولم يمض شهر ونيف على تفجر الخلاف بعد عملية التخلص الى الأعلى حتى توفي أو قتل الرئيس حسب رواية هيكل الاخيرة في ظروف غامضة يشكك فيها حتى اهل بيته ومنهم ابنتاه هدى التي نرجو ان تقرأ هذا المقال حتى تعرف ان هناك لربما «يهوذا» أو «بروتوس» آخر.
وقد تكرر هذا الأمر مع الرئيس السادات الذي شعر في عام 81 بان هناك قوى متنفذة دولية تحاول التخلص منه بنفس طريقة تخلصها من شاه إيران آنذاك وذلك عبر شن حملة اعلامية عالمية عليه وتحريض الجماعات الاسلامية ضده لذا قام الرئيس السادات فور عودته من واشنطن بحملة اعتقالات في 3 سبتمبر 81 شملت الاستاذ هيكل ومرة اخرى لا يمهل القدر من يسيء للأستاذ ففي اقل من شهر يقتل الرئيس السادات في ظروف غامضة مازالت تثير كثيرا من التساؤلات خاصة لدى ارملته جيهان السادات،. لقد بقي الرئيس ناصر آمنا في موقعه لمدة 16 عاما حتى أغضب هيكل فقتل كما بقي الرئيس السادات آمنا لمدة 11 عاما حتى أغضب هيكل فقتل، ألا تشير تلك الحوادث الغامضة الشكوك في هيكل، أكثر منها في السادات المراد قتله حيا وميتا.
وفي الغد الحديث عن الحادث الغامض في حياة الأستاذ هيكل، والذي تسبب في وفاة زوجة أبيه صالحة وأبنائها (إخوته غير الأشقاء) أحمد ومجاهد وحامد ونعيمة في شهر واحد حتى أصبح هو الابن الوحيد لوالده، فهل كانت وفاتهم بالسم، وهل هناك شبهة جنائية كما تساءل الأستاذ إبراهيم الويشي عام 83؟!
آخر محطة:
لماذا لا تطالب عائلة عبدالناصر ومثلها عائلة عرفات بتشريح الجثمان من قبل اطباء شرعيين للتحقق من اسباب الوفاة الحقيقية وحسم الجدل حول هذا الموضوع فالسموم تبقى في الشعر والاظافر والعظام ولا تزول مع مرور السنين؟
لماذا تعمر النساء؟
كان والداي جالسين أمام التلفزيون في مساء ذلك اليوم، ولسبب ما قررت مراقبة سلوك والدتي في تلك الليلة وتدوين كل حركة تقوم بها قبل خلودها للنوم، لأفاجئها بما كتبت في يوم ما.
ما ان نهضت من مكانها بجانب أبي حتى سمعتها تقول ان الوقت قد تأخر عليها وهي تعبة وتريد الخلود للنوم! في طريقها ذهبت إلى المطبخ، وهناك قامت بتحضير عدد من السندويشات لليوم التالي لنأخذها معنا إلى المدرسة. كما قامت بغسل حلة البوبكورن، وأزالت قطعة من اللحم المجلد من الثلاجة لكي تكون جاهزة للطبخ في اليوم التالي، وأضافت بعض النخالة في حاويات خاصة، وجهزت إبريق القهوة لصباح اليوم التالي، ونقلت الملابس الرطبة من الغسالة إلى النشافة وقامت بتشغيلها، وكوت قميص المدرسة الخاص بأخي، وسكبت بعض الماء على مزروعات المطبخ، وانتقلت للصالة والتقطت الألعاب المتناثرة على الأرض ووضعتها في صناديقها الخاصة، ونقلت دليل الهاتف لمكانه، وهنا وضعت يدا على فمها وتثاءبت ووضعت الأخرى على خاصرتها وكأنها تشكو من الإجهاد ومشت بخطوات بطيئة لغرفة النوم، ولكنها توقفت في طريقها أمام المكتب ودونت بعض الملاحظات لمعلمة المدرسة ووضعت بعض النقود على الورقة لتغطية مصاريف رحلة الغد المدرسية لأختي الصغيرة، وأزالت كتابا كان مخفيا خلف المقعد، ووقعت بطاقة معايدة لصديقة لها وجهزتها لبريد اليوم التالي، ولم تنس تحضير قائمة المشتريات من السوبرماركت، ثم ذهبت للحمام وهناك استخدمت ثلاثة أنواع من مستحضرات التنظيف لوجهها وعنقها، ومسحت مناطق حول عينيها بكريمات مقاومة التجاعيد وانتهت في دقائق من فرش أسنانها واستخدام الخيط لإزالة أية آثار بين الأسنان، ثم مررت المبرد سريعا على أظافرها وغسلت يديها، وهنا سمعت أبي وهو يقول بأنه خالها قد أوت للنوم، فقالت انها ستأوي حالا، وطلبت منه قبل أن ينام ألا ينسى وضع ماء في وعاء القطة. وهنا تذكرت أمي أنها لم تطفئ إضاءة الفناء الخارجي، ولم تتأكد من أن باب البيت قد اقفل بإحكام، وفي طريقها للقيام بذلك عرجت على غرف نومنا وتأكدت أننا جميعا بخير، وأطفأت الإضاءة والراديو والتلفزيون في غرفنا، وشاهدتها من تحت الغطاء وهي تلتقط جواربنا وملابسنا الداخلية المستعملة المرمية على الأرض وتضعها في سلة الحمام، وعندما أصبحت في غرفتها قامت بوضع المنبه على ساعة محددة، ورتبت رف الأحذية والتقطت بعض الملابس التي رماها أبي على الأريكة وطوتها ووضعتها في خزانة ملابسه، وما ان استلقت أخيرا على الفراش حتى سمعت خطوات أبي وهو يكلم نفسه: أنا ذاهب للنوم! وهذا ما فعله بالضبط من دون أن يحرك إصبعا أو يقوم بشيء، بل اتجه لجانبه من الفراش ورمى بنفسه عليه وأدار ظهره لأمي وسرعان ما ارتفع شخيره للسماء!
تسللت لغرفتي وأنا أقول لنفسي: هل هناك أمر غير عادي هنا؟ وهل يجب أن نتساءل عن سبب تمتع النساء بعمر أطول من الرجال؟ وجواب ذلك يكمن في ما رأيته ودونته في هذه الليلة، لأن النساء وجدن لقطع الرحلات الطويلة، وهن بالتالي على غير استعداد للموت مبكرا، لأن لديهن دائما الكثير للقيام به في اليوم التالي!
***
(من الإنترنت بتصرف كبير)
أحمد الصراف