محمد الوشيحي

بين السامسونايت والشرشف

خلونا نتفق من الآن أن على كل من يقدّم استقالته من النواب أو الوزراء أن يدفع «عربون»، أو «رعبون» كما يقول اللبنانيون، ويتسلم إيصالاً بذلك، يحتفظ هو بالنسخة الصفراء وتبقى البيضاء عندنا. إذ ليس من المعقول أن يحرر الصحافيون الخبر، ويكتب الكتّاب، وتتحدث الفضائيات، ثم بعد ذلك يخرج لنا المستقيل من خلف الجدار «بخ»! خلاص، من اليوم ورايح إيدك على جيبتك وهات عربونك واثنين شهود قبل أن تتقدم باستقالتك.

لكن بعيداً عن هذا، دعني «أنظّر» قليلاً و»أتفلسف» على مخك الكريم، وألتفت إلى الوطن العربي وأقول إن «الديمقراطية مثل حقيبة السامسونايت»، وإذا أعطيت طفلاً هدومك وطلبت منه أن يضعها في الحقيبة، فسيكدسها كيفما اتفق، وسيعجز عن إغلاق الحقيبة وسيتذمر من الحقيبة وصناعتها، في حين سترتّب أنت الملابس وتوزعها بذكاء في مساحات الحقيبة، فتتمكن من إغلاقها بسهولة، وهنا الفرق، فالحكومة البريطانية، مثلاً، استطاعت طيّ الهدوم وترتيب الحقيبة، في حين تشتكي حكومتنا ومستشاروها وكتّابها من الحقيبة، ويطالبون بإلغائها والعودة إلى زمن «شرشف المَهَرَة» (المَهَرة، ومفردهم مهري، هم فئة من الشعب اليمني، معروفون بالأمانة والصدق والبعد عن المشاكل، تخصصوا في بيع الملابس الشعبية التي كانوا يحملونها على ظهورهم في شراشف، ويدورون بها على مناطق ذوي الدخل المحدود).

والشعوب العربية صبرها من الطراز الأيوبي الفاخر، وحكوماتنا ترتدي عباءة الديمقراطية أمام الغرب وأمام عدسات المصورين، وما إن ينفض المصورون وينام الغرب، حتى تُخرج أسلحة الحكم الشمولي من تحت عباءتها وتطلق نيرانها على شعوبها، فتزور الانتخابات وتساعد هذا وتحارب ذاك، وتتلاعب بالقضاء، وتتعسف مع خصومها، وتغسل أيدي اللصوص وأبناء علي بابا، ووو، وإذا سألتها قالت لك: «كله بالقانون»، فتصبر الشعوب، وتحتمل وهي تمسح دموعها، فتتمادى الحكومات وتتجاوز الحدود الدنيا، فيثور الناس لكراماتهم، فتبدأ الحكومات الاستجداء.

والحكم في مصر الآن يتدلى من أعلى البناية، ويتمسك بالجدار بأطراف أصابعه، ويخفي ملامح الألم بابتسامة مزوّرة تظهره بمظهر «الواثق بأمر الله»، وفي كل خمس دقائق يرمي إحدى أوراقه، ويعزل هذا ويقرّب ذاك، إرضاءً للشعب، وهو ما يدل على أنه كان يعرف ما يرضي الشعب وما يغيظه، لكنه كان سادراً في غيّه.

على أن اللافت هو تشكيل الحكومة المصرية الجديدة من البقية الأحياء من «قوم نوح» الذين شاركوه، عليه السلام، في بناء سفينته، واستعان بهم الحكم الحالي ليعالجوا مشاكل الشباب، وليبنوا له سفينة تنقذه من الغرق في طوفانهم الغاضب… لكن معلش الطوفان قادم.

وقد أدرك طبّالو الحكومة هناك وراقصاتها أنها غارقة لا محالة، فأخذوا يتقافزون من المركب، كلٌّ بطريقته، فقد ظهر علينا أمس الأول أحد طبالي السلطة من الصحافيين، يزايد ويشتم العابثين بأراضي الدولة وأملاكها، وينتقد نظام «بي أو تي» ويطالب بإلغائه، وهو الذي كان يردح له قبل أيام! يا للهول، وخمسين يا للهول.

وحكاية نظام «بي أو تي» ذكرتني بالأراضي الممتدة التي استحوذ عليها ملياردير السلطة المعروف «هشام طلعت مصطفى»، المسجون بتهمة قتل الفنانة «سوزان تميم»، وأظنه الآن قد غادر مصر بعد أن تم تهريبه من السجن، كذلك ذكرتني حكاية «بي أو تي» بالعبث الذي يحدث، أو كان يحدث، عندنا في الكويت، قبل أن يتقدم الرئيس أحمد السعدون وكتلة العمل الشعبي بقانون يحلق شوارب اللصوص ويفسح المجال أمام المستثمرين الصادقين.

خلاص، دارت عجلة الشعوب، بعد أن استطعمت نكهة الحرية، وعسى ألا تقوم ثورتان لشعبين عربيين في وقت واحد، كي لا تسحب إحداهما أضواء الإعلام من الأخرى، أو تتعثر إحداهما فتؤثر على شقيقتها. بالدور يا شباب، اسحب «رقم» من الماكينة وانتظر دورك.

***

سنبدأ في الأيام القليلة المقبلة حملة تدعو إلى «استقلال القضاء»… إيدكم معانا. يا معين.

حسن العيسى

ماذا تنتظر أنظمتنا؟

يتساءل اليوت ابرامز في «واشنطن بوست» معلقاً على ثورة الشباب في مصر: «… أي دروس يمكن أن تتعلمها الأنظمة العربية مما يحدث؟ هل ستبدأ تلك الأنظمة مشوار الإصلاح الثابت الذي يعني التغيير السلمي لهذه الأنظمة، أم أنهم سيصلون إلى قناعة بأن زين العابدين بن علي اخطأ حين لم يأمر بضرب المتظاهرين وينهي الثورة؟ وهل ستتعلم حكوماتنا أن الأنظمة الدكتاتورية لا يمكن أن تكون ثابتة؟! فهناك تحت السطح الهادئ لتلك الدول التي تجثم فوقه قوى الأمن غليان ينمو ويتصاعد وقد ينفجر في أي لحظة لأعمال عنف رهيبة متطرفة، وعندها ستوصد الأبواب عن أي نقاش عقلاني يحكم المنافسة السياسية».

صحيح ماذا ستختار الأنظمة العربية اليوم وغداً… فما يجري في مصر اليوم ستكون له نتائجه الخطيرة على هذه الأمة التي كانت ساكنة وصامتة صمت أهل الكهف ولم تعد كذلك… مشهد آلاف المتظاهرين وقد يرتفع العدد للملايين يتجمعون في القاهرة والإسكندرية ومعظم المناطق المصرية يرفعون شعاراً واحداً، يصرخون بنبرة واحدة تهز أركان الدولة بكلمة «كفاية» ليس بالمشهد العادي، فلأول مرة يرد الشعب العربي المصري لدول الغرب وللفقهاء المنظرين بأن للصمت نهاية ولصبرنا حدوداً، وإذا كنتم تقولون في الغرب إن شعوبنا هي آخر الشعوب التي تنتفض ضد الحكام وضد الإدارة الرديئة، فقد أخطأتم، وراهنتم على حصان خاسر. لأول مرة في تاريخنا الحديث ومنذ بداية عصر الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي شعوبنا هي التي تتحرك من ذاتها، تنتفض تنشد التغيير والتقدم والإصلاح… شبعت شعوبنا من أنظمة لا تتعدل ولا تتبدل، ولا تعرف قواميسها كلمات مثل «إصلاح وتغيير»! لأول مرة الشعوب هي التي تغير النظام بعد أن ذاقت مرارة الظلم، ولم تنتظر ضابطاً مغامراً فوق دبابة يستولي على الحكم ويصادر الدولة له لتصير مزرعة خاصة به وبجماعته… الشعب العربي اليوم لم يعد «مسطولاً» يهرول خلف لقمة العيش يوماً بعد يوم… اليوم يطالب بحقه بالوجود الإنساني وبالكرامة وبالديمقراطية التي عمت معظم مناطق العالم وتناست منطقتنا… فاليوم… في مصر حيث يقطن ثلث العرب، تبدأ موجة التغيير القادمة… مصر ليست مركز القومية العربية تاريخياً، لكنها مركز الثقل الثقافي والقوة للعرب، وما يحدث في مصر اليوم، سيمتد إلى شقيقاتها الصغيرات مهما حاولت أنظمتنا صد موجة التغيير فمصيرها الأكيد الفشل، فمصر ليست العراق، هنا الحديث يكون عن «الدولة» المتجانسة بتاريخ عريق يمتد إلى آلاف السنين، والبركان المصري مهما حاولت أنظمتنا كتم ذلك البركان بوعود الإصلاح وبالتغيرات الشكلية التي لا تقرب موضع الداء، والداء هو الاستبداد، والفقر، وهدر الكرامات وغياب العدالة الاجتماعية، فلن يجدي ذلك نفعاً.

الطوفان المصري قادم إلى المنطقة دون جدال، وليس على الأنظمة العربية سوى المبادرة بالإصلاح ببناء الدولة الدستورية الديمقراطية الحقيقية… لا وقت للانتظار… فكل لحظة تمر هي خسارة للنظام العربي المهترئ وكسب لروح الحرية والتقدم.

احمد الصراف

توثيقات عبدالمحسن الخرافي

تتسم كتابات الزميل عبدالمحسن، خصوصا تلك التي تتعلق برثاء شخص معروف والكتابة عن مناقبه واعماله وخصاله، بقدر كبير من حسن النية والطيبة ودماثة الخلق إلى درجة المبالغة بمآثر الفقيد أو الفقيدة! ولا أتذكر أنني قرأت له أبدا رثاء يتضمن نقدا لصفة سلبية في الفقيد، أو حتى دفاعاً عما أشيع عن مثالبه، وكأننا جميعا لا نشكو من أي خصلة غير حسنة، وأننا نتساوى تقريبا في حسن الخلق والصبر والبشاشة والتسامح والطيبة، وأحيانا الكرم! ولم يكن بإمكاني لفت نظره الى هذه النقطة لعدم معرفتي الدقيقة بمن كان يكتب عنهم، ولكنه عندما قام قبل ايام برثاء المرحوم الأستاذ خميس نجم، ووصفه بأنه كان مثال النظام والمحافظة على المواعيد والتسامح والصبر والبشاشة، هنا رأيت، ومن واقع معرفتي الشخصية بالمرحوم الذي درسني اللغة الإنكليزية لسنوات في مدرسة الصديق في نهاية خمسينات القرن الماضي، والذي لا تزال ملامح وجهه المتجهمة راسخة في ذهني إضافة لخشونة تعامله «الفوقي» معنا ونقده المستمر لكل عاداتنا، وما أكثر السيئ منها، فإنني استطيع الادعاء، بدون تردد وبكل صدق، أنه كان ابعد ما يكون عن التسامح والصبر والبشاشة، مع عدم إنكار صفاته الطيبة الأخرى من النظام والمحافظة على المواعيد والجدية، فقد كان عصبيا شديدا في تعامله بغير معنى، ولم يكن يخفي كرهه للجميع، وسخريته طوال الوقت من قلة فهمنا لمادته، وكان كلامه محبطا، ولو لم ينقذني مدرس فلسطيني آخر مما رسخه في ذهني من كراهية للغة الإنكليزية لبقيت العقدة معي حتى اليوم. كما لم يكن يتصف بالتسامح ابدا وكان دائم الانتقاد لاوضاعنا المعيشية «وكسلنا واهمالنا وقذارتنا وعدم القيام بواجباتنا» وكان يتمنى لنا تغير الحال وان نعود فقراء لكي يرى ما سنقوم بفعله من غير مال.
لا أقصد هنا التهجم على من أصبح في ذمة التاريخ، ولكني اضطررت لكتابة هذا المثال لأبين أننا كشعب كويتي، والمرحوم خميس منا، لنا جميعا نقاط ضعفنا، وأن عملية التوثيق والتدوين لا تتم بالعاطفة والمحبة فحسب بل بسرد الحقيقة كما هي، وإن تعذر ذلك فعلى الأقل سرد شيء مقارب لها، وإن تعذر هذا أيضا فالأفضل عدم المبالغة في المدح.
لا نقصد هنا التدخل في حق الزميل في أن يرثي من يشاء كيفما يشاء، ولكن ما يكتبه يعاد طبعه في كتب توثق هذه المراثي وتصبح بعد فترة مراجع للبعض، وتضمين هذه المراجع مثل هذه المبالغات أمر لا يجوز بحق المؤلف ولا حتى بحق من تم رثاؤه، فالكتابة في مثل هذه المواضيع ليست تطييبا للخواطر، ولكنها توثيق وتأريخ وهي مسؤولية كبيرة، ونتمنى على الزميل الكريم أخذ ملاحظاتنا بسعة صدره، التي اشتهر بها.

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

ثورة الكويت

الكويت دائما متفرّدة في طبيعتها وطريقة عملها ونهج مجتمعها، فما يطالب به الأشقاء العرب في أقطارهم حاليا بالعنف من أجل تحقيق العدالة والمساواة والحرية والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي حققته الكويت بالتراضي بين الحاكم والمواطنين منذ خمسين عاما تقريبا، فقدموا دستورا جعل منا كشعب كويتي حكّاماً لوطننا وقادة له لا سلطان لأحد علينا في الكويت سوى الدستور والقانون.
لكن وعلى عكس كل الشعوب العربية التي تطالب بالتغيير، فإننا كشعب كويتي نطالب بإبقاء الوضع كما هو عليه بدستور وقوانين منظمة، ولكن ثوّار الكويت وهم حكوماتها المتعاقبة هم من يرغب في تغيير الوضع الدستوري العادل القائم.
فلو سألنا عشوائيا أيا من الشعوب العربية الشقيقة الثائرة حاليا عن مبتغاها لكانت الإجابة واحدة، وهي تغيير الحاكم والحكومة في سبيل الوصول للعيش الهانئ العادل الكريم، ولو سألنا أي كويتي قرأ الدستور لما حادت الإجابة عن درب الدستور وتطبيقه أبدا، والذي يحقق العيش الهانئ العادل الكريم.
جميعنا نرغب بدستورنا ومسطرتنا الواحدة إلا حكوماتنا المتعاقبة للأسف فهي من تسعى إلى نسف هذا الدستور قسرا، فهي لا تعترف لا بقوانين ولا أحكام إلا ما يناسب ميولها، ولا يمكن أبدا فهم سلوكها أو تعقب خطاها، فعندما نفرح بمعاقبة المخطئ مثلا نجد الحكومة تستبدل عقوبته، وعندما نستنكر من أهان الحكومة ونقف بصفها للاقتصاص من المُهين نجدها تقف في صفّه، وعندما يتوعّدها مخلوق ما «بتلسيب» موظفيها نجدها تقدم مقص افتتاح منشآتها لذلك المخلوق على وسادة مخملية… ولن تنتهي أسطر انتهاكها أبدا.
هم من يرفض الدستور وهم من رفض لمدة أربعين عاما وأكثر حتى أن تقدّم نصوصه للأبناء في المدارس كي يتعرفوا على حقوقهم وواجباتهم، هم أيضا من يغلق باب المحكمة الدستورية في وجه الشعب.
نعم للأسف الشديد فإن ثوّار الكويت والمطالبين بالتغيير للأسوأ قطعا هم سلطتنا التنفيذية، وإن طالبنا بإبقاء الوضع كما هو عليه نصبح مؤزمين ومعطلين لتنمية ورقية مزعومة لم نرَ منها سوى نسب مئوية يحددها وزير وفق ما يشتهي ويهوى.

خارج نطاق التغطية:
عندما يكون أداء فريق رياضي ما هزيلا جداً، ومن خسارة إلى خسارة، ومن نكبة إلى نكبة فهل سيكون الدخول المجاني إلى الملعب مع توفير المشروبات والأطعمة محفزا للجمهور لدخول الملعب وتشجيع هذا الفريق؟ قد يوجد الجمهور نعم، ولكنه سيرحل ويكون أول من ينتقد الفريق بعد أن يشبع.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

سامي النصف

العرب.. آخر الهنود الحمر!

جريدة «الديلي تلغراف» البريطانية الرصينة هي إحدى أهم صحف العالم، فمن ملاكها د.هنري كيسنغر ولورد كارينغتون صاحب قرار 242 الشهير، وتلك الجريدة، للمعلومة، هي التي انفردت في يوم الأحد 29/7/1990 وعبر تقرير لكبير مراسليها في الكويت باتريك بيشوب بالتنبؤ بحدوث غزو كامل للكويت لن يرده أحد يتلوه نزوح ضخم من الكويت للسعودية، وهو ما حدث.

نشرت جريدة «الديلي تلغراف» قبل يومين أن هناك ادارات ومخابرات غربية تقوم ومنذ ثلاث سنوات بدعم وتشجيع المعارضين بقصد إحداث تغيير في مصر والاكتفاء بالدعم الصوتي والمظهري للنظام القائم، وهو ما يعيد للأذهان ما حدث أواخر السبعينيات في إيران من عمل مخابراتي حيث توج بسقوط الشاه بعد حملة إعلامية غربية قوية ضده تزامنت مع أوامر صدرت لقادة الجيش بالتخلي عنه.

لا أحد يستطيع فهم ما جرى في الانتخابات المصرية الأخيرة من نتائج استفزت القوى السياسية الأخرى وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين عندما تم إسقاط «جميع» مرشحيهم مما جعلهم لا يملكون ما يخسرونه ويعملون جاهدين لإسقاط حكومة أحرقت جميع خطوط التواصل معهم ومع القوى الأخرى بشكل غير مسبوق.

ومن الأمور التي سُكت عنها وساعدت على تفاقم الأوضاع قضية «التوريث» و«الخلافة» حيث بقي ذلك الموضوع غامضا ونهبا للشائعات والأخبار المغرضة، وكان بالإمكان قفل ذلك الملف بشكل يمتص الغضب ويحسم الأمر إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث وبقي ذلك الموضوع كقميص عثمان يتاجر به من يشاء.

وضمن الأخطاء الجسيمة السكوت عن دعاوى الفساد الذي يثير حنق العامة دون معالجة، والسماح بحملات إعلامية يومية تشوه السمعة وتُسوّد صورة النظام الحاكم وحكومته، والغريب ان الإعلاميين المختصين بالتهجم على النظام في الصحف اليومية الخاصة وعلى الفضائيات التي أنشأها رجال الأعمال، هم في الأغلب من العاملين باقي الوقت في الصحف القومية والتلفزيون الحكومي، وكأن النظام يهاجم النظام.

آخر محطة:

(1): تحية من القلب للشباب والشابات ممن حافظوا على المتحف المصري والتراث الإنساني الموجود فيه، ولا عزاء لمن ترك المتحف دون حماية.

(2) يتنبأ مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق زبغنيو بريجنسكي في كتابه «الفوضى على أعتاب القرن الواحد والعشرين» الصادر أواخر التسعينيات، بأن تعم الفوضى منطقة الشرق الأوسط وان تستخدم الأسلحة النووية في بعض حروبها، الفوضى نراها هذه الأيام، وباق حرب قادمة (في الخليج!) تستخدم فيها تلك الأسلحة المدمرة.

احمد الصراف

قبل وقوع التهجير الكبير

تعرفت في منتصف السبعينات في لبنان الى الشيخ محمد مهدي شمس الدين، رئيس المجلس الشيعي الاسلامي الأعلى، وكان رجل الدين الوحيد الذي نال اعجابي لتقدمية افكاره ووضوحها، فقد انتقد وعارض، حتى وفاته في عام 2001، نظرية الخميني في موضوع «ولاية الفقيه»، وتوليه قيادة ايران. كما بذل جهدا في الحد من نفوذها في وطنه، وحذر الشيعة من الانجرار وراء الاغراءات المالية، وكان يردد أن الشيعي الحقيقي هو اللبناني الحقيقي، ومن لا خير فيه لبلده لا خير فيه لمذهبه! وما كان يردده ويدعمه الشيخ شمس الدين ينطبق اليوم الى حد كبير على الجاليات المسلمة في المهجر، فمع ازدياد أعدادهم وتورط بعضهم في أعمال ارهابية، اصبح الغرب أكثر ميلا للتشكيك في ولائهم. ففي دراسة شبه بدائية جرت في كندا، ردا على سؤال عما اذا كان هناك مواطن مسلم وكندي صالحا في الوقت نفسه، توصلوا الى أن الصعوبة تكمن أولا في الناحية العقائدية، فولاء المسلم هو لعقيدته، وليس لأي أمر آخر. كما أن لا خيار له، طبقا للنص، في ألا يكون مسلما. كما أن فؤاده، جغرافيا، يتجه نحو مكة في صلواته، كما تمنعه عقيدته من الوثوق بغير المسلم، أو أن يتخذهم أولياء. كما يتبع عادة تعليمات مرشده الديني أو الروحي. كما لا يستطيع التقيد بالنظم والقوانين الغربية في طريقة تعامله مع أهل بيته. ومن منطلق ثقافي بحت، لا يستطيع تقبل دستور الدولة الغربية التي يعيش في ظلها، وهي كندا هنا، والذي يعتمد في بعض مبادئه على تعاليم الانجيل، والذي يؤمن المسلم بأنه محرف! ولأنه، فلسفيا، غير مسموح له الايمان بحرية الفرد في الاعتقاد أو القول.
وخلاصة الدراسة أن المسلم لا يمكن الوثوق به، خصوصا أن الكثيرين من قادتهم سبق أن صرحوا بأنهم ينوون اختراق المجتمعات الغربية من الداخل، وبالتالي لا وجود لمسلم طيب، يكون في الوقت نفسه كنديا طيبا!
قد يكون هذا الكلام مبالغا، ولكنه أصبح يتداول بشكل واسع، وعدم التطرق له لا ينفي وجوده، فالعشرة أو الخمسة عشر مليون مسلم في أوروبا واميركا واستراليا وكندا يستحقون التفاتة منا، فلا يجب أن يتركوا نهبا لرجال الدين المتخلفين في نظراتهم وتفسيراتهم. ولكن ما الجهة التي يمكن ان تضطلع بهذه المهمة ومؤتمر العالم الاسلامي، ولجان وجمعيات الحوار الاسلامي المسيحي لا تستطيع حتى مساعدة نفسها، فهل التهجير الكبير المعاكس قادم لا محالة؟

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

غريضات أم مناحي

لا شيء أزعج الحكام العرب أكثر من عربة محمد بوعزيزي، الشاب التونسي الذي أحرق نفسه فتتابعت الأحداث إلى أن سقط الفرعون التونسي. ويبدو أن هذه العربة ماتزال تجوب شوارع الوطن العربي بعد أن أنهت مهمتها في تونس وانتقلت إلى مصر، في الوقت الذي تُعبّد لها بقية الشعوب العربية الطرق، وتستعد الحكومات العربية لمواجهتها بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي أحياناً والحيّ أحايين أخرى… وهي عربة تدفعها الشعوب المغلوبة، فإذا استوت على الطريق تشعبط بها قادة أحزاب «المعارضة الوردية»، أو اللصوص غير الرسميين.

والحكومات العربية الغبية هي التي ستتفرغ منذ اللحظة، قبل وصول عربة بوعزيزي، لسحب «مصروف عيالها» لتدعيم ميزانيات الشرطة والجيش و»قوات مكافحة الشغب» أو «قوات مكافحة الشعب» كما تسميها الشعوب العربية، أما الحكومات التي مايزال لديها قليل من «المخ» فستبادر إلى «الطبطبة» على أكتاف الناس وتسريح شعرهم. وقد أمر القذافي (بالإذن من عائلة «القحوص» الكريمة) قبل يومين بتخصيص 24 مليار دولار لتوفير السكن للشباب، و»إذا حلقوا ذقن جارك فبلل ذقنك».

وكنت طوال الأيام الفائتة أجلس «متربعاً» أمام الفضائيات، أتنقل بينها كما يتنقل النحل بين الأزهار قبل أن يستقر على إحداها، فوقعت عيناي على «الفضائية المصرية»، واستمعت إلى ما يقوله المحافظون (قادة المحافظات) وما يقوله ضيوف البرامج، فعادت بي الذاكرة إلى ما كان يقوله المذيع العربي المعروف «أحمد سعيد» إبان حرب 67، الذي أذاع للناس خبر «سقوط الجيش الإسرائيلي» في الوقت الذي تتساقط فيه المدن العربية، الواحدة تلو الأخرى، و»كل واحدة تقول أنا أسقط أولاً». ولم يكن ينقص محللي الفضائية المصرية سوى جملتين: «أسقطنا سبع طائرات للشعب» و»سنقدم قتلاهم طعاماً للنسور والضباع» كما كان يقول سعيد عن الإسرائيليين (أحمد سعيد هزأ بوزير الإعلام العراقي السابق «محمد الصحاف» وكذبه المكشوف. تخيل). ومن شاهد الفضائية المصرية فسيصعقه انتقادها قناة «بي بي سي» واتهامها بعدم المهنية، وهي التي (الفضائية المصرية) يعجز مذيعوها عن تركيب «المبتدأ» قبل «الخبر» من دون خطأ. وهذا درس لكل حكومة تعتمد على مذيعين وسياسيين من فئة «غريضات أم مناحي» التي تلتقط من الأرض كل ما تقع عينها عليه من دون انتقاء، وتظن أنها امتلكت عرش كسرى وتاج قيصر.

وأظن أن الشعوب الثائرة ستقبض، أول ما تقبض، على «راقصات السلطات وطباليها»، كي تعزف على ظهورهم ألحان الانتقام. وعلى الحكام ورؤساء الحكومات العرب أن يردوا على الهاتف بأنفسهم، ويستمعوا من دون وسيط إلى مطالب الناس وتظلماتهم، قبل أن يضطروا إلى التصريح «أنا فهمتكم» بعد غروب الشمس. ويا ويل مخترعي «فيس بوك» و»تويتر» من دعوات حكام العرب عليهم في الثلث الأخير من الليل، ويا ويل الحكومات التي تستفز شعوبها وتستهين بها، خصوصاً إذا كان الشعب معتاداً تناول الحرية مع إفطاره الصباحي.

ورددوا معي: «اللهم ارحم بوعزيزي واحفظ عربته الحرة».

***

النيران المشتعلة في الغابات المجاورة لن تنسينا د. عبيد الوسمي ولا دم محمد غزاي هليل الميموني. وإذا كانت رقابنا التفتت إلى مصر، فسرعان ما ستعاود التفاتها إلى قبر محمد غزاي.

سامي النصف

ما أسباب ما يحدث في المنطقة؟

شاهدت في احدى الصحف المصرية صورة قديمة نشرت عام 1954 للرئيس الراحل جمال عبدالناصر وهو يفتتح مبنى سينما صيفي، مما يدل على ندرة الإنجاز، في حينها كنا نعبر جسر مبارك فوق قناة السويس متجهين للعريش عبر طرق سريعة تضاهي مثيلاتها في أرقى الدول الأوروبية والأجنبية ولم يكن أعضاء الوفد ومثلهم أغلب المصريين يعلمون بذلك الجسر أو تلك الطرق أو حتى بعملية النهضة التنموية الضخمة التي تمر بها البلاد المصرية بسبب الإيمان الخاطئ بأن الإنجاز يعلن عن نفسه دون حاجة لإعلام، وقد يكون هذا هو سبب الإشكال القائم في تونس ومصر والأردن ولبنان والضفة وحتى اليمن وجميعها تنتمي لما يسمى بمعسكر الاعتدال الأكثر إنجازا في المنطقة مقارنة بغيرهم.

إن جزءا كبيرا من الإشكال القائم يقوم على معطى عدم استخدام بعض الدول والأنظمة المنجزة للإعلام بطريقة صحيحة مما يجعل شعوبها تصدق ما تسمع من أقاويل وأكاذيب، وتكذب ما ترى من إنجاز أو على الأقل لا تشعر به وهو ما يولد في النهاية الإحباط والقلاقل والاضطرابات في بعض دول المنطقة.

ومن الأمور الخاطئة المعتادة ترك الساحة للخطاب الغوغائي والتحريضي والتأجيجي لمدد طويلة دون رد المسؤولين المعنيين عليه مما يحول الانطباعات والأكاذيب السالبة «المؤقتة» إلى حقائق «دائمة» تترسخ في وجدان العامة ولا تقبل النقاش ثم تتم محاسبة الأنظمة المعنية على تلك الانطباعات ـ لا الحقائق ـ عبر الثورات والنزول للشوارع.

والدلالة الجلية والواضحة على ذلك الأمر، المظاهرات المؤيدة للأنظمة التي تهزم بالحروب وتضيع الأرض وتستبيح العرض، وكلما أوغلت في دماء الأمة زاد عشق الجماهير لها بينما تتساقط منذ الخمسينيات وحتى الآن الأنظمة العاقلة الحكيمة ثم تترحم الجماهير فيما بعد «في السر» عليها حيث ان الترحم في العلن يعني السجن أو الإعدام.

آخر محطة:

 1 ـ للصحف الصفراء والبرامج المدغدغة على الفضائيات التي انتشرت في مرحلة الإعلام الحر في مصر وغيرها من الدول، دور كبير فيما جرى ويجري هذه الأيام من قلاقل سياسية واضطرابات فالموضوعية والتعقل أصبحا عملة نادرة في هذا الزمن.

2 ـ للمعلومة، التغيير نوعان: أحدهما للأفضل وهو أمر نادر إذا لم نقل مستحيل الحدوث في منطقتنا، والآخر للأسوأ وهو المتوافر بوفرة حاليا، وكم من شعوب تضحك هذه الأيام ستبكي دما في الغد!

3 ـ نصحنا في مقال سابق السيد سعد الحريري بألا يترأس الوزارة كي لا يصبح هدفا سهلا لخصومه ولم يفعل فحدث ما حدث، نرجو من السيد سعد أن يقرأ المتغيرات بشكل صحيح بعيدا عما يراه عدلا أو ظلما، فعدالة القضية لا تعني الكسب والربح، والأفضل، في نصيحتنا الثانية له، أن يقبل بتشكيل نجيب ميقاتي للحكومة وأن يطلب الثلث المعطل ثم يترك لتلك الحكومة أن تحل الإشكال مع المجتمع الدولي ومعها إشكالات الخدمات الأساسية في البلد وسيكون هو قطعا الرابح في النهاية فيما لو استمع لهذه النصيحة.

حسن العيسى

الدرس التونسي

لا يحلم عاقل بأن عدوى الثورات الشعبية ستنتشر من تونس إلى بقية دولنا العربية التي تمتطي أنظمتها رقاب الشعوب إلى أن يحدث الله أمراً كان مكتوباً، والمكتوب أن يطرق عزرائيل باب النظام ليذهب قائد ويأتي من سلالته قائد آخر، وليس بجديد مقولة جريدة «هارتس» الإسرائيلية إن من يتوقع «وباء الثورات» في الشرق الأوسط أو في شمال إفريقيا سيضطر إلى الانتظار في هذه الأثناء، وإذا كانت تونس بسبب وعي شعبها وارتفاع معدل التعليم والثقافة فيها تشكل استثناء من عالمنا العربي قد لا يتكرر، فالمؤكد أن الشعب التونسي ألقى حجراً في مياهنا الراكدة، وأن الشعوب بدأت تدرك تماماً معنى «إرادة الحياة».

كثير من المعلقين رأوا أن المظاهرات الشعبية في مصر لن تنتهي بما انتهت إليه في تونس حين أزاحت النظام، فجهاز الأمن المصري ليس مثل نظيره التونسي، وهناك الكثير من الفروق بين تونس ومصر في تركيبة الطبقة الوسطى التي تقود عادة النضال الشعبي، وما يقال عن مصر يمكن تعميمه على معظم دولنا العربية، وكل بلد وله ظرفه التاريخي وحيل نظامه لإطالة عمره إلى ما شاء الله. المؤكد الآن أن هناك تغيرات تحدث نتيجة هذا الغليان الشعبي، فالرئيس مبارك في مصر وعد بإصلاحات وتغيير وزاري، وكذلك الأمر في الأردن، والمؤكد أن «عدوى» الحذر والانتباه والوعود بالإصلاحات السياسية ستسري في الوطن العربي الكبير، وإذا لم تتعلم أنظمتنا الدرس التونسي اليوم بأنه ليس الفساد والفقر والبطالة وهدر حقوق الإنسان في التعبير وبقية حريات الضمير والمشاركة في الحكم المسؤولة عن هز أركان النظام، وإنما وعي الناس بها وإدراكهم بأن أنظمتهم هي المسؤولة بداية ونهاية، وأنه اليوم ليس بإمكان هذه الأنظمة أن تضع السواتر والحواجز على التواصل الفكري ونقل المعلومات فـ»أنوار» الإنترنت وعوالم فيس بوك وتويتر اليوم تقوم بدور فلاسفة التنوير الأوروبي في نهاية العصور الوسطى، التي مهدت بظهور الطبقة البرجوازية إلى عصر الحداثة، أما دول الغرب فقد تصحو اليوم وتدرك أن «بعبع الحركات الإسلامية» لم يعد مبرراً كافياً لقيامها بالتنفس الصناعي في الرئة المهترئة للحلفاء من الأنظمة العربية، وليس بالضرورة أن تنتهي الحكاية العربية بمثل ما انتهت إليه المأساة الصومالية، فتحت أضعف الإيمان، سيبقى الدرس التونسي منارة كي تسترشد بها دولنا العربية وأنظمتها ذات الأعمار المئوية.

احمد الصراف

أين القرار يا صاحب القرار؟

سبق ان كتبنا أكثر من مرة عن المشكلة البيئية والصحية الخطرة التي تتعرض لها البلاد نتيجة التقاعس الحكومي المخجل وغير المبرر في معالجة مشكلة مرادم النفايات، والتي بينت عجز حكومتنا وأجهزة البلدية عن اتخاذ قرار سهل ومتوافر في ما يتعلق بحلها. ففي أواخر ديسمبر الماضي أرسل مدير ادارة شؤون البيئة في البلدية خطابا لنائب المدير العام يخبره بأن جميع المرادم الحالية لا يوجد بها قرارات تخصيص، أي أن مواقع النفايات الحالية غير قانونية وغير مخصصة أصلا لهذا الغرض، والمجلس البلدي وكل سلطات الدولة التنفيذية لم تقر وضعها! كما ورد في كتاب المدير أن هذه المرادم لا توجد عليها اي رقابة من اي جهة، يعني أن ما يرمى فيها يختلط بعضه ببعض، وترد وتدفن دون أي قواعد أو شروط بيئية! ونعتقد أن هيئة البيئة، النائمة، لا تعرف عنها شيئا، وقد لا يعنيها الأمر حتى. كما أن من غير المستبعد اعادة تخصيص هذه المرادم مستقبلا لتكون مناطق سكن «نموذجية»!!
أريد شخصاً واحداً ليقنعني بأن للحكومة عذرها في عدم التحرك ووضع حد لهذه المشكلة الخطرة التي سبق ان تسببت في انهيارات مبان وبيوت نتيجة بنائها في مناطق سبق أن كانت مرادم نفايات غير قانونية، فالخطر البيئي والصحي موجود والتحذيرات تتوالى كل يوم، والأموال موجودة والمجلس البلدي موجود والأراضي المناسبة موجودة وشروط الردم والكب معروفة، والشركات المعالجة موجودة، ولا ينقص الأمر شيء غير القرار، فأين القرار يا صاحب القرار؟ ويا سمو الرئيس نرجو تحرك حكومتكم، فالأمر معيب والوضع مخجل، وقبل كل ذلك خطر جدا على البيئة وصحة الجميع، والأمر لا يحتاج الى عبقرية ولا الى اختراع ليس بمقدور حكومتك الوصول اليه، فمكالمة هاتفية منك وينتهي الأمر في ساعات، كما فعلت في موضوع الشركات المخالفة في المنطقة الحرة، مع الفارق الكبير في خطورة الوضعين!
ومن المهم أن نشير هنا الى أن القبس سبق ان استضافت خبير البيئة، رجل الأعمال، سعود العرفج، الذي كرر تحذيراته للحكومة من خطورة وضع المكبات، وطريقة دفنها الحالية ومناطق تخصيصها وشروط منظمة الصحة العالمية في ما يتعلق بدفنها، ولكن كالعادة لم يلتفت أحد لتحذيراته!

أحمد الصراف