الله يشهد أنني والتفاؤل كهاتين، الوسطى والسبابة، «إخوان دنيا»، نشأنا معاً، التحقنا بالمدرسة معاً، أدخلنا السجائر إلى الفصل معاً، شدّنا مدرس الجغرافيا من ياقات قمصاننا معاً، تصعلكنا وتلكّعنا معاً، غازلنا الصبايا وناغشناهن معاً، قرأنا رسائلهن وكتبنا إليهن معاً، تشكلت ثقافاتنا معاً، قرأنا أن كبار أثرياء العالم أثناء اجتماعاتهم يتسلّون بتناول الكستناء المشوية في الشتاء، فأشفقنا عليهم وتهامسنا ضاحكين: «مساكين، لم يتذوقوا المرقوقة (1) في الشتاء»، كبرنا ودرسنا في مصر معاً، ودخلنا السجن العسكري في قاهرة المعز كطلبة في الكلية العسكرية مع بداية الغزو العراقي، بتهمة تهديد حياة الطلبة العراقيين، وكدنا نضيع في الرِّجلين معاً، نقلنا معاً «دانات المدافع» أثناء فترة السجن من موقع إلى آخر سيراً على الأقدام عقاباً لنا، وتساقطنا منهكين غير عابئين بصرخات ضباط السجن وتهديداتهم، وكنا نضحك بكل بلاهة التعب… كنا نضحك بصدق، كنا نعاني تخمة في القهقهة، وكلما ارتفع منسوب الكوارث على رؤوسنا ارتفعت معه قهقهاتنا المخلوطة باستهتار. لم تفرقنا مشاغل الحياة، التفاؤل وأنا، كنا نلصق الكتف بالكتف كي لا يتسلل أحد بيننا. تعاهدنا على البقاء على قيد الصداقة.
وجاءت السنوات الخمس الأخيرة، لا حيّاها الله ولا بيّاها، و»سرى بي الجاثوم»(2) وقادني إلى مدينة السياسة، فاستيقظت فإذا بي بين تيارات سياسية كاسدة وتيارات مائية «فاسدة»، لعنة الله على السياسة في هذا الشهر المبارك، وعلى كاتبها وناقلها وبائعها وشاريها. تلفّتّ أبحث عن صديقي التفاؤل فلم أجده، اختفى في بحور الزحام، تباعدَت أكتافنا بعد التصاقها، صرخت بأعلى حنجرتي أناديه بهلع، فطغت أصوات الضجيج على صوتي. تفرقنا، واختفى صديقي «التفاؤل».
رحت أبحث عنه وأمشي وأنا أرفع طرف دشداشتي عن الوحل وأسأل الجموع: «ما كل هذه المياه الآسنة؟»، فبشروني: «هطلت أمطار الطائفية علينا بغزارة أمس»، فغمغمتُ: «اللهم حوالينا لا علينا»، وواصلت مسيري، وأعياني التعب، فتركت دشداشتي «على راحتها» تغوص في الطين، وجلست منهكاً على الرصيف، كل شيء فيَّ كان منهكاً، حتى دموعي لم تقوَ على الهطول فأقعت في مكانها، الغصة وحدها كانت في أوج نشاطها… وفجأة رأيته!
كان يجر أقدامه حافياً، يمشي متثاقلاً… جريت إليه واحتضنته معاتباً: «أين اختفيت سحقاً لك ولعشيرتك الأقربين؟ ما كل هذا اليأس والبؤس على وجهك؟ ما هذه اللحية العابثة بلا تهذيب والشعر المنكوش بلا ترتيب؟ هل غرقت مراكبك؟»، فأجابني وهو يمسح شعر رأسه: «هرمنا يا صديقي… هرمنا». «يااااه يا «أبو فولة» (3)، من كان يصدق أنك ستنكسر؟ ما الذي كسر عظمك؟» سألته فتمتم وهو ينظر إلى لا شيء: «الطائفية… الطائفية يا صديقي تفرق بين المرء وزوجه، والخليل وخليله» وواصل حديثه وهو ينتزع كلماته من بين تنهيداته: «ثمة معركة اسمها معركة الجمل، حدثت قبل نحو أربعة عشر قرناً، يعاد الآن التحقيق فيها»، سألته: «وماذا عن اللحوم الفاسدة التي أغرقت البلد؟»، فشوّح بيده: «كل شيء متوقف الآن إلى أن تنتهي لجنة تحقيق الجمل». قلت: «وماذا عن التشكيل الوزاري ومصالح البلاد والعباد؟»، قال: «مرتبط بنتيجة التحقيق التي لن تظهر، يجب أن يتقاسمها الطرفان»، وأضاف: «على كل حال، ستتشكل الوزارة من العطشى الباحثين عن عصير الفراولة، وسينضب مخزون الفراولة في البلاد، وسيُطبق على هذا البلد جَبَلان من الشرق والغرب، للمساهمة في لجنة التحقيق»! «طيب، والحل؟»، أجاب وهو يرفع شعرات لحيته إلى شفاهه: «أغلق نوافذك واحتضن أطفالك»… قال ذلك وابتعَد.
رحت أجري خلفه وأشده من كتفه: «لحظة لحظة، لم تخبرني… هل وجدوا شهود عيان لمعركة الجمل؟ هل وجدوا بصمات المجرمين وطابقوها؟ هل عاينوا مسرح الجريمة؟ هل…»، فتمتم: «متى ما وصلوا إلى نتيجة فستتوقف نبضات قلوبهم… لذا لن يصلوا أبداً… كل شيء سيتوقف إلى أن…»، واختفى واختفيت.
* * *
(1) المرقوقة: أكلة خليجية تعمل عمل الأسمنت المسلح في المعدة. تأكلها فتفقد الذاكرة وتشخر قبل أن تنام بنصف ساعة.
(2) سرى بي الجاثوم: لا أعرف ترجمتها. تصرفوا.
(3) أبو فولة: اسم الدلع لصديقي التفاؤل.
رئيس وزراء كل الكويت
ضمن مفاهيم المرحلة القادمة، نرجو ان يتوقف بعض النواب عن الاساءة للآخرين بأقبح الألفاظ ثم ختم كلامهم بالثناء على سمو الشيخ ناصر المحمد متخذين إياه ساترا لهم في تخندقاتهم وحروبهم التي لا تنتهي مع الآخرين فناصر المحمد رئيس لمجلس وزراء كل الكويت وليس لهم فقط.
لقد تمت تجربة ذلك النهج الخاطئ في الحكومات السابقة فانتهى بالكوارث والأزمات المتلاحقة وإلى زيادة مطردة في عدد الخصوم، والواجب على من يقوم بذلك الفعل كائنا من كان ان يعي اضرار ما يعمل وان يتم الفصل التام بين حروبه الشخصية وبين المكانة السامية والأخلاق العالية التي عرفت عن الشيخ ناصر المحمد وحقيقة انه يقف دائما على مسافة واحدة من الجميع.
من يتحدث عن إلغاء المحاصصة بالتشكيل الحكومي هو أشبه بمن يطلب المستحيل فقد جرب ذلك الأمر في السابق فثار عليه اول من دعا له، المحاصصة مقبولة مادام انه تم اختيار الأفضل والأكفأ من الشريحة السياسية او الاجتماعية المراد تمثيلها في مجلس الوزراء مع ضرورة محاسبة اي وزير يقدم الولاء لشريحته على حساب أنظمة الدولة خاصة فيما يتعلق بالعدالة في التعيينات والترقيات التي لا محاصصة فيها.
مقال الزميل أمين معرفي في جريدة «القبس» عدد الجمعة يستحق ان يكتب بماء الذهب كونه يمثل بحق توجه كل شيعة الكويت كما نعرفهم، فما تمارسه ايران من عدائية سافرة ضد دولنا حسب قوله «سيواجه بسور حديدي من أبناء الطائفة الشيعية التي ستقف بصدورها العارية الى جانب اخوانها من الطائفة السنية»، ويضيف «ان حكامنا هم رموزنا ودولنا الخليجية هي وجودنا فلا نرضى بغيرهم حكاما ولا بغيرها أوطانا».
أعتقد ان الزميلة د.ابتهال الخطيب ابنة الصديق المثقف عبدالعزيز الخطيب قد أساءت فهم رد الجار الشيخ احمد الحمود وزير الداخلية على جريدة «الحياة» السعودية، حيث لم يكن يقصد التنابز بالأصول بل اطفاء نار ملف «الازدواجية» الملتهب الذي يعالج بالحكمة وفي الغرف المغلقة لا بالدغدغة الاعلامية كما كان يحدث سابقا، أرجو ان تعود الزميلة للابتسام في وجه زوجها فالابتسام في هذه الأيام المكفهرة صدقة وان تواصل مد يدها خارج النافذة و«زف» مدبرة منزلها «صفية» وان تسأل والدها عن حكاية خناقته في الاسكندرية وعمها عن كيفية تحمل مشط رجله عبور سيارة فوقه؟!
آخر محطة: ذكرت الزميلة «الوطن» ان وزير المالية مصطفى الشمالي أبدى رغبته في عدم اعادة توزيره، ان صح الخبر فإننا نقول له: بيّض الله وجهك يا بومشعل على دفاعك عن حرمة الأموال العامة ونظرتك كرجل دولة لمستقبل الأجيال المقبلة، وأكثر الله من أمثالك.
الأخ الأكبر إلى متى؟
قلع «الأخ الأكبر العربي» من عرشه في تونس، وفي مصر، لكنه يتشبث ويعض على كرسي الحكم بالنواجذ في ليبيا وفي اليمن، ولو نزف الشعبان الليبي واليمني حتى آخر طفل متظاهر. بقية الدول العربية مازال «الأخ الاكبر» فيها يحيا متربعاً على العرش بأمان تحت حراب مصالح استراتيجية نفطية وأمنية للدول الكبار، فهي– تلك الدول الغربية- تفتح عيناً على بعضنا وتغمض الأخرى عن أخينا الأكبر مع بعضنا الآخر، لكننا إن لم نجد لها عذراً «في غض الطرف» فقد نجد لها التفسير وبعضاً من التبرير، فعالم السياسة هو علم الواقع والممكن بفلسفة «هوبز»، والمثاليات تترك للثوار الواهمين والحالمين والذين سينقلبون إلى واقعيين حين ترتخي عضلات مؤخراتهم على وسائد الحكم أو تختطف ثورتهم ليحل «الإخوان» الكبار على عروش الأخ الأكبر الوحيد.
لا تتصوروا أن «الأخ الأكبر» هو عنوان مسلسل أجنبي أو تركي تهفو إلى بطله الوسيم قلوب النساء، هو مصطلح ابتدعه الصحافي والروائي الراحل الإنكليزي جورج أورويل في رواية بعنوان 1984 نشرت قبل وفاته بعامين في نهاية أربعينيات القرن الماضي، وقد اختلفت ترجمة عنوانها في بعض اللغات. الأخ الأكبر يراقبك أينما تذهب كما كانت عيناه تلاحق بطل الرواية «ونستون» وهو يصعد سلم منزله في الدور السابع، وهو يئن من قرحة تنهش ركبته. يجلس ونستون وهو عضو عادي من الحزب القائد على كرسي ثقافة الحزب وعين الأخ الأكبر تراقب ليكرر مع رفاقه كلمة واحدة اسمها «كراهية» مرات ومرات دون تعب، كراهية لعدو الشعب، كراهية لامانويل غولدستين، وكان الأخير من قواد الثورة وأحد أعمدتها ثم اتهم بالخيانة من «الرفاق» ومن الأخ الأكبر واختفى عن الحياة، ربما قصد به العملاق أورويل المنشق تروتسكي، والدولة الشمولية هي روسيا سابقاً. إلا أن وصف عمليات غسل عقول أعضاء الحزب عبر البروباغندا الخاوية تملأ سطور الرواية، وتضج كلمات بها مثل «نيوزبيك» وتعني عند أورويل خطاب السلطة الخاوي الاستبدادي الخالي من المعنى والساذج في الفكر (صورته مطابقة لإعلامنا العربي الرسمي الحكومي وإعلامنا الخاص التابع)، ثم هناك الوزارات، مثل وزارة الحب المحصنة بأسوار عالية وهي المسؤولة عن الأمن، ووزارة الوفرة المسؤولة عن الاقتصاد… وتمضي الرواية في وصف حياة البائس ونستون في دولة «اوسنيا» العظمى، شعار «الأخ الأكبر يراقبك الآن» تجده في كل مكان، ينزل الرعب بقلبك إن أردت أن تعبر عن رأيك أو حتى تكتب بعض كلمات في السر، ونستون بدأ أول كلماته في دفتره الخاص بكلمة 1984.
نشرت الرواية بعد الحرب الكونية الثانية، وكان يقصد أورويل جل النظم الشمولية، لكنه حسب كلماته، وهو الاشتراكي الحر الذي حارب مع الاشتراكيين التروتسكيين في الحرب الأهلية الإسبانية، وأصابت رصاصة من فاشيستي فرانكو حنجرته، أراد بها روسيا الخارجة من الحرب، والتي كان ينظر إليها بقداسة من شيوعيي أوروبا وغير قابلة للنقد لا من هذه الأحزاب ولا من الدول المتحالفة معها في الحرب مثل إنكلترا، ورواية أورويل السابقة «مزرعة الحيوان» تنهض دليلاً على الخنق الفكري لها من وزارة الإعلام البريطانية لبعض من الوقت.
انتهى الأخ الأكبر تقريباً من أوروبا، إلا أن أشباحه المرعبة تهيم في سماء المنطقة تحمل صور صدام مرة والآن لها عدة أسماء وعدة أشكال تسعى، ليس حسني مبارك ولا زين العابدين آخرها، فالقائمة طويلة للأخ العربي الأكبر، فيها رؤساء وملوك وأمراء… وأخطرهم وأمضاهم اسمه التخلف الفكري والجهل الإنساني وغياب العقلانية… أحد إخواننا الكبار اسمه المجتمع الأبوي المتسلط، واسمه العادات والتقاليد المحنطة، واسمه الخرافات، واسمه الخوف من الجديد… أخوك الأكبر عدا أنظمة حكمنا الموميائية هو داخلك يحيا معك في أغوار جوفك واللاوعيك، ويكبر معك وأنت تهرم وتشيخ، أما هو فمثل صورة دوريان غراي لا يشيخ أبداً… هو يراقبك الآن فلا تتكلم ولا تكتب، عش بصمت في دول الصمت.
هذه المرة.. غير
نعم.. هذه الحكومة يجب ان تكون غير في تشكيلها، لانها تمر في ظروف غير..!
لا أحد ينكر حساسية الظرف السياسي الذي تمر به المنطقة وتتأثر به دول الخليج، لذلك يجب ان تأتي حكومة تستوعب هذا الظرف، وتدرك تداعياته على الداخل وتأثيره على أمن البلد واستقراره، حكومة تبني وتعرف كيف تهندس البناء وتحافظ عليه، حكومة تنشغل بتنفيذ برنامجها وتتعاون مؤسساتها لتحقيق ذلك، حكومة تعمل كفريق واحد برأس واحد وقلب واحد، فهل سمو الشيخ ناصر المحمد قادر على ان يأتي بمثل هذه الحكومة؟ ستواجه سموه مشاكل كثيرة قد تعرقل طموحاته في تشكيل حكومة قوية ومتجانسة، ولعل من أهمها:
ــــ انها الحكومة السابعة..! في أقل من ست سنوات، وهذه كافية لزعزعة الثقة في النوخذة الذي سيدير الفريق!
ــــ الظرف السياسي للمنطقة يجعل مسؤولية النواب كبيرة في تقدير هذا الظرف ومراعاة تداعياته، وبما ان النواب بادروا منذ اليوم الأول للتكليف الى اطلاق قذائفهم الصاروخية تجاه شخص الرئيس المكلف، لذلك نحن على اعتاب بوادر أزمة في نسختها السابعة قد تعجل في عمر هذه الحكومة ان لم يكن المجلس كذلك، لذلك لن تجد متحمسا للمشاركة هذه المرة.
ــــ لا يبدو في الافق اي حل للمشاكل الداخلية لأسرة الحكم، وبالتالي قد يستمر انعكاس آثارها على اداء هذه الحكومة، وبالنظر الى هذه الآثار على الحكومات السابقة نجد انها عوامل قاتلة وكافية لجعل الحكومة مهترئة من الداخل وتنشغل بنفسها عن البناء والتنمية.
ــــ النظرة للديموقراطية على انها مكسب للشعب والدولة يجب ان تسود بدلاً من التعامل مع هذه الممارسة الديموقراطية على انها نقمة ورطهم بها الشيخ عبدالله السالم، هذه النظرة جعلت مبدأ التعاون بين السلطتين مفقوداً وحبراً على ورق، لذلك شاهدنا كيف كانت الحكومة تتمنى فشل المجلس في تحقيق اهدافه وتسعى لافشال كل مشاريعه.
لهذه الأسباب سنجد الاعتذارات عن المشاركة كثيرة، وستكون حال الحكومة مثل راية الشر التي رفعت فانبرى لها اشرارها وابتعد عنها اخيارها، مع اني لا أتمنى ان نصل الى هذه الدرجة، بل أتمنى ان تنزل السكينة على سمو الرئيس ويهديه الله الى تحجيم تدخلات الآخرين من ابناء عمومته، وفي المقابل يتوقف هو عن التدخل في شؤون الوزراء في وزاراتهم، وأتمنى ان يختار الوزير النظيف في سمعته والمشرق في تاريخه والكفوء في تفكيره وادائه، عندها سنقول نحن لنوابنا: كفى.. كفى.. اعطوا هذه الحكومة فرصتها التي نتمنى ألا تكون كسابقتها.
توظيف القضايا المذهبية في الصراع السياسي (1)
على مدى السنوات العشرين الماضية، ولنقل منذ مطلع التسعينيات حتى اليوم، باعتبار أنها مرحلة شهدت تنامياً مقلقاً على صعيد الصدامات المذهبية في العالم الإسلامي، باءت كل محاولات وجهود علماء الأمة (المعتدلين) في صد مخاطر تلك الصدامات بالفشل!
لكن، على أي أساس حكمت عليها بالفشل؟ ولماذا باءت بالفشل؟ والإجابة ترتكز على أن كل المؤتمرات التي عقدت في عواصم عربية وإسلامية للحفاظ على ما تبقى من احترام للمذاهب والأديان بين أبناء الأمة، حطمها تحطيماً ذلك المد المتنامي من قبل جماعات متشددة تؤمن بالفكر المتطرف والتي سعت بشكل احترافي الى توظيف القضايا المذهبية في الصراعات والخلافات السياسية والعكس صحيح، فيما كان بعضها ولا يزال مدعوماً من حكومات وجماعات نفوذ وتمويل داخلي وخارجي… قانوني وغير قانوني.
وتحضرني بضع مقاطع من الداخل البحريني حذرت من هذا الصدام، فوكيل الشئون الإسلامية وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فريد المفتاح هو واحد من العلماء الذي حمل على عاتقه مسئولية الدعوة الى تجديد الخطاب الديني، وعدم الاحتكام الى كتب التاريخ وغيرها، باعتبار أن ذلك هو السبيل لنبذ الفرقة بين المسلمين وتوحيدهم ونشر الإسلام وقيمه، وكذلك، ولأهمية ترميم العلاقات وردم الهوة بين أتباع المذاهب الإسلامية في البلاد العربية والإسلامية بخطاب إسلامي معتدل، كان خطيب جامع عالي الكبير فضيلة الشيخ ناصر العصفور يحذر بصورة أخرى من تضرر العلاقات بين أبناء الأمة جراء تصاعد موجة الصراع والفتنة الطائفية، إذ تم استغلال القضايا المذهبية وتوظيفها في الصراع السياسي والتجاذبات المحمومة، وخصوصاً بعد الحرب على العراق.
ومع ذلك، وهذه هي النقطة الجوهرية، فإن هناك الكثير من أبناء الأمة، ومنهم من هو على مستوى من التعليم، يحصر نفسه في اتباع فتاوى (الشياطين الخرس)، كما أسماهم الباحث الكويتي الدكتور عبدالله النفيسي في محاضرة قدمها لهيئة التدريس بجامعة الكويت قبل أيام قليلة مضت… بل وزاد قوله إن أولئك (لا يباعون ولا بفلس) ولا يجب أن نأخذ منهم فتوى! وهو محق في طرحه! ذلك أن الأمة الإسلامية ابتليت بشخصيات تلصق أنفسها بالعلم والفقه والدين، من كل الطوائف والمذاهب، وعلى الخصوص أصحاب الفكر المتشدد، ليبثون سمومهم الفتاكة في جسد الأمة، ومع شديد الأسف، فإن الكثير من الحكومات في العالم العربي والإسلامي، تكشر وجوهها رافضةً هذا السلوك المدمر أمام مرأى الرأي العام من جهة، وتظهر سرورها ورضاها بما يحدث في الخفاء من جهة أخرى.
ما يهمنا هو الوضع في بلادنا، والذي يمكن أن نصفه، بأنه وعلى الرغم من وجود خطاب ديني ناشز قبيح فتنوي، إلا أن من الواجب على الدولة وعلى كل المواطنين، عدم السماح لأي خطاب تفوح منه روائح الموت والتفتيت والتشفي والانتقام، ووفقاً لمتطلبات المرحلة الحساسة التي تمر بها بلادنا، فالجميع في حاجة الى أن يجتمع أهل البلاد تحت مظلة التسامح والمحبة والتآخي، وخصوصاً أن جلالة العاهل الملك حمد بن عيسى آل خليفة، الراعي الأول لهذا التوجه من خلال اللقاءات المستمرة مع علماء الدين الأفاضل كما يعلم الجميع… لكن، ما الذي سيحدث لو استمر وجود نفر من ذوي الخطاب المتشدد في بث سمومهم القاتلة؟
للحديث صلة
التاريخ صدفة
نشرت مجلة «التايم» الأميركية في عددها الأخير تحقيقا مثيرا اثبتت خلاله تطابق ما حدث في العالم العربي عام 2011 مع ما حدث في أوروبا عام 1848، ففي تونس بدأت الثورة وهرب الرئيس الى الخارج ثم انتشرت سريعا عبر التكنولوجيا الحديثة الى ثماني دول عربية وهو ما حدث تماما في باريس 1848 عندما ثارت الجماهير فهرب الملك لويس فيليب الى الخارج وانتقلت الثورة سريعا عبر التكنولوجيا الحديثة (التلغراف) الى ثماني دول أوروبية فثارت شعوبها وتغيرت بعض أنظمتها وحكوماتها، وقد أظهر التحقيق 12 قاسما مشتركا بين الحالتين الأوروبية والعربية، ثم انتهى ما كتبته المجلة بحقيقة تظهر ان الأمور عادت سريعا الى سابق عهدها في الدول الأوروبية خلال أقل من عامين بعد ان لاحظت الشعوب ان الأمور زادت سوءا بدلا من ان تتحسن أحوالها الاقتصادية.
لي ان أضيف لذلك التحقيق المهم، وإيمانا منا بأن التاريخ تحركه الصدف لا المؤامرات، تطابقا آخر بين ما حدث في مصر مبارك 2011 واندونيسيا سوهارتو 1998 وإيران الشاه 1979 فالحكام الثلاثة وصلوا لسدة الرئاسة بعد انقلابات وأعمال دموية قتلت أو عزلت من كان قبلهم، واتهم بها الغرب، واستمر حكمهم ثلاثة عقود ثم تساقطوا ابان تسلم الديموقراطيين مقاليد الحكم في أميركا (كارتر وكلينتون واوباما).
وقد استطاع الثلاثة وبمساعدة من الولايات المتحدة والغرب ان يقوموا في السنوات الأولى لحكمهم بإنجازات ضخمة فيما يخص الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي وتطوير وتمدين دولهم واستقرار عملتهم مما أثار إعجاب شعوبهم بهم، إلا ان طول المدة وفساد الأبناء والأقرباء (أشرف وتومي وجمال) اثار حنق العامة عليهم، وزاد النار اشتعالا الحملات الإعلامية الدولية ضدهم، كما أساء إليهم العنف غير المبرر الذي استخدم ضد المحتجين، فتحول المتظاهرون من آلاف إلى ملايين في الحالات الثلاث.
وقد سقط الشاه 1979 بثورة دينية تقنية (الكاسيت) غير مسبوقة في التاريخ، كما سقط سوهارتو 1998 بثورة بنكية اقتصادية وثورة طلابية غير مسبوقة في التاريخ كذلك، والحال ذاته مع مبارك 2011 الذي أسقطته ثورة سياسية شعبية غير مسبوقة في تاريخ مصر، شاه إيران وسوهارتو أعلن عن مرضهما بعد عزلهما ولم يسجنا حتى موتهما وقد أعلن عن مرض الرئيس مبارك وقد يبقى لأسباب عدة بعيدا عن الاعتقال والمحاكمة حتى رحيله.
وضمن الحملة الإعلامية على الثلاثة انهم اتهموا باختلاس مليارات الدولارات «شاه 25 مليارا»، «سوهارتو 35 مليارا»، «مبارك 70 مليارا» ولم تثبت القرائن والأدلة تلك الدعاوى، ولم يسترد في النهاية شيء من تلك الثروات المدعى اختلاسها، بل ان سوهارتو كسب قضية تعويض في سبتمبر 2007 (عام قبل وفاته) على مجلة «تايم آسيا» بـ 125 مليون دولار بسبب الدعاوى الزائفة المبالغ فيها عن ثروته، وقام على اثرها برفع دعوى بـ 27 مليار دولار على مجلة «التايم» الأميركية بسبب مئات المقالات التي اتهمته باختلاس المليارات، وفي النهاية اتهم الثلاثة حلفاءهم لا أعداءهم بالتسبب في إسقاطهم.. والله أعلم!
آخر محطة:
1 ـ زرت مصر قبل مدة، وهي آمنة تماما، وأدعو الناس لزيارتها، وان كان اعلامها غير المحترف يدمرها عبر تكبيره وتضخيمه لأمور أمنية تحدث في العالم أجمع، مما يخيف السائحين والمستثمرين، إضافة الى تحريضه الناس على الانتقام واجتثاث الآخرين، وهو أمر مجرب تسبب في تدمير العراق.
2 ـ نشرت مجلة «اليوم السابع» المصرية على صدر صفحتها الأولى ان نصيب كل فرد مصري من الثروات المسروقة والمتأمل استردادها هو 187 ألف جنيه، أي ان نصيب الأسرة المعتادة المكونة من 10 أشخاص هو 1.8 مليون جنيه، خبير اقتصادي ذكر على احدى الفضائيات ان ذلك المبلغ خطأ وان الرقم الصحيح للثروات التي سيتم استردادها هو 300 ألف جنيه للفرد صغيرا كان أو كبيرا، ولا حول ولا قوة الا بالله.
فاطمة توباز.. رائدة تركية
في آخر زيارة لتركيا لفت نظري أن أكبر عملاتها الورقية تحمل صورة امرأة، وهو الأمر غير المعتاد في دولنا النص خربانة.
أثار الأمر فضولي، وبالبحث تبين أنها لأول روائية تركية في التاريخ، وكاتبة العمود والناشطة في مجال حقوق المرأة والقضايا الإنسانية، فاطمه علي توباز.
ولدت فاطمة ضمن أسرة ميسورة ومتعلمة، فوالدها أحمد باشا كان مؤرخا معروفا وواليا على أكثر من مدينة تركية وعربية. كما كانت والدتها من وجيهات اسطنبول. وبسبب ظروف والدها فقد عاشت في أكثر من دولة وتعلمت الكثير ولكن في البيت وليس من خلال التعليم التقليدي، وأتقنت التحدث والكتابة بالعربية والفرنسية إضافة إلى التركية.
تزوجت بطريقة تقليدية وهي في السابعة عشرة وأنجبت 4 بنات، وكان زوجها محافظا وكان يمنعها من قراءة الكتب الأجنبية.
كتبت أول أعمالها الأدبية في 1889، وكان عبارة عن ترجمة متقنة الى التركية لرواية فرنسية للقاص Georges Ohnet، ووجدت انتشارا مقبولا. ومن ثم توالت بعدها أعمالها الأدبية مع آخرين أو بصورة منفردة، كما كتبت لسنوات باسم مستعار، وروايتها «أعمال مفيدة»، 1892 كانت الأولى التي حملت اسمها الصريح، وقد استمرت كتاباتها في التطور هادفة نصرة المرأة وتحررها واعطاءها الحق في اختيار الزوج والاعتماد على نفسها ماديا، وان يكون لها احترامها في المجتمع، وقد بلغت شهرتها عاليا مع كتابها «ميلاد كاتبة عثمانية انثى»، الذي احتوى مجموعة رسائل تتعلق بعشقها الأبدي للتعلم، والذي ترجم للغات عدة ونال اعجاب الكثيرين. كما لم تتوقف في السنوات 1864 حتى ما قبل وفاتها بقليل، عن كتابة عمودها الصحفي، الذي خصصته للدفاع عن حقوق المرأة. كما كان لفاطمة أنشطتها الإنسانية أثناء الحرب التركية اليونانية، واسست جمعيات لتقديم العون للمحتاجين واسر الجنود، ومنحها السلطان عبدالحميد وساما تقديرا لجهودها. كما أصبحت أول امرأة عضو في «الهلال الأحمر» العثماني.
وعندما اسس الزعيم التركي العظيم مصطفى كمال أتاتورك تركيا الحديثة اصدر في عام 1934 قراراً بضرورة أن يكون لكل تركي لقب، وهنا اختارت لقب «توباز» كاسم لعائلتها، وتوفيت فاطمة في 1936 بعد تدهور صحتها. وتقديرا لسيرتها وضعت الحكومة التركية صورتها على أكبر فئات عملتها النقدية.
تعتبر «زافر هانم»، أو السيدة ظافر، أول روائية تركية، إلا أنها لم تدخل التاريخ بتلك الصفة لأنها كتبت رواية واحدة فقط! والسؤال: أين رائدات النهضة بيننا، ولماذا لا نرى تكريما يليق بمكانة أي منهن؟
أحمد الصراف
أراجوزات شكوكو
وجدت الجماعات الأصولية في قضية شبكة التجسس الإيرانية جنازة ليشبعوا فيها لطماً، ولو أنهم يلطمون أنفسهم لكنا انتهينا منهم، لكنهم يلطمون الآن كرامة إخوانهم في المواطنة، ويشككون في ولائهم للدولة. حكم المحكمة الابتدائي بتهم شبكة التجسس لإيران شرع لهم الأبواب كي تطفح من مجاريها العفنة أرثوذكسيتهم المتطرفة تجاه الآخر، أحدهم لمز بمقال له قبل يومين يطالب الدولة بالتأسي بإسرائيل في معاملتها لمواطنيها العرب حين أقصتهم عن بعض الوظائف الأمنية والحساسة، وعلينا كما كتب ذلك الفذ معاملة بعض الكويتيين مثل معاملة إسرائيل لعربها! طبعاً المقصود بعرب إسرائيل عند ذلك الكاهن «المتسامح» هم شيعة الكويت، فهم في عرف هذا الكاتب ومشايخ فكره مفترض فيهم ومحكوم عليهم مسبقاً بالولاء لإيران حتى يثبت العكس، شيعتنا هنا أو ربما في أي جزء من بلدان الثقافات الأصولية الحاكمة في مجتمعاتنا لا هوية قومية لهم غير هوية الانتماء إلى الثورة الإيرانية، فهم «فرس» يحلمون بعودة الأمجاد الساسانية، ولو كانوا من أعرق القبائل العربية، فالكويتي والخليجي الحقيقي عند هؤلاء الإقصائيين لابد أن يكون مسلماً عربياً سنياً، وإلا فلا مكان لهم تحت قباب المواطنة.
نواب السلفية الجديدة بدورهم يطالبون بمعاملة أشد مع إيران غير مكتفين بما اتخذته الخارجية الكويتية بعد حكم المحكمة، ويكادون يطالبون بإعلان الحرب على إيران متخيلين أن الكويت حقيقة دولة عظمى يمكن لها أن تثير عرب الأهواز- وليس كل العرب الأهواز بل سنتهم فقط عند أئمة السلفية- ضد دولتهم، وأن بإمكان الأساطيل الكويتية أن تحرر سنة إيران من حكم الملالي، وتخلص جزر الإمارات العربية من الاحتلال الإيراني…! ومن جوف تصريحاتهم وعرضاتهم بسيوف الحرب نلمس لمس اليد الروح الفاشية ليس ضد إيران، كما يروجون، بل ضد المواطنين الشيعة في الكويت، فالكلام عن إيران شكلاً والمقصود شيعة الكويت مفهوماً ومضموناً… ففي ثقافة نواب البؤس هؤلاء لابد أن يبقى شيعة الكويت تحت المراقبة الأمنية الدائمة، ومن قرصته حية البحرين فعليه أن يخشى حبل الكويت (الحبل الجعفري).
ليحذر مشايخ الكراهية وأتباعهم ومريدوهم فيما يقولون ويصرحون به، فما يفعلونه الآن هو الدخيل البشع على «عاداتنا وتقاليدنا»، وهذه اسطوانتهم التي يرقصون مشاعر الناس عليها. فالكويت وغيرها من دول الخليج بحكم موقعها الجغرافي موانئ بحرية تجارية، وكانت ملتقى لثقافات شتى من دول مجاورة تنصهر فيها أعراق مختلفة، مما خلق طابعاً «ليبرالياً» متواضعاً في ثقافتنا الشعبية… وما يطالب به عتاة السلفية المنغلقة اليوم هو دعوة صريحة إلى تفتيت الوطن لتنهض مكانه خيم الطائفيات والقبليات المتناحرة… وكي تعود علينا حروب داحس والغبراء، فلنغلق ستائر مسارح الزير سالم والمهلهل وجساس فأبطالها اليوم في حقيقتهم هم أراجوزات ودمى شكوكو.
كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
العوضي أسطورة البيئة الإقليمية
اشتكى وانتقد الكثيرون بقاء زعامات سياسية كثيرة في مناصبها لفترات طويلة بعد الوصول اليها بالانتخاب أو الانقلاب(!) ولكن لو نظرنا حولنا لوجدنا أن عادة التمسك بالكرسي متأصلة لدى الكثير من الاداريين ورؤساء جمعيات وغيرهم، فشؤون بيئة الكويت مثلا تسلم أمرها عام 1980 د. عبدالرحمن العوضي عندما كان وزيرا للصحة، ليصبح رئيسا للمجلس الأعلى للبيئة، وهو في قمة «عطائه»، وبعدها بسنة، وحتى استقالته من الصحة وتسلمه حقائب وزارية أخرى وخروجه من الوزارة، اصبح، بحكم علاقاته ومناصبه، في عام 1981 سكرتيرا تنفيذيا للمنظمة الاقليمية للبيئة، ولا يزال، وبعد بلوغه تقريبا الخامسة والسبعين من العمر، على رأس المنظمة لثلاثين سنة متواصلة، فهل نلوم بعدها بن علي وأبو علاء؟.
ولكن، بالرغم من طوال فترة حكم وتحكم د. العوضي بالبيئة، محليا واقليميا، فانني شخصيا لم اسمع بأي دور له في كل المشاكل والكوارث البيئية التي واجهت الكويت والمنطقة في الثلاثين سنة الماضية، سواء ما تعلق باحتراق آبار النفط أثناء فترة الغزو العراقي وبعد التحرير، أو ما تشكل من بحيرات نفطية، اضافة لكارثة مشرف، مرورا بمشاكل مدافن القمامة في الكويت، هذا غير مشاكل دول المنطقة الأخرى التي تقع ضمن نطاق مسؤوليته، أو في حادثة تسرب الغاز في منطقة الظهر السكنية نتيجة بناء بيوتها على قواعد مدافن نفايات قديمة، أو حتى حادثة تسرب الغاز الأخيرة في منازل مدينة الأحمدي. وأعتقد بالتالي انه آن الأوان لأن يطالب الدكتور، وبكل قوة واخلاص، الأمم المتحدة باعفائه من منصبه، فقد أعطى الرجل ما عنده منذ فترة طويلة واستحق أن يتقاعد، فهل يفعلها ويقص الحق من نفسه ويستقيل؟
أحمد الصراف
النوايا صادقة… فليكن العزم صادقاً!
لا شك في أن الزملاء الأفاضل من الكتاب الصحافيين والإعلاميين الذين كتبوا المقالات أو تحدثوا في المنابر الإعلامية أو المجالس محذرين من مخاطر تشطير المجتمع في مرحلة من أكثر مراحل بلادنا حساسية…لا شك في أنهم صادقون فيما يقولون، وخصوصاً أن ارتفاع أصوات الانتقام الناشزة وتلك التي تدعو الى التخوين واشعال البغضاء بين أبناء المجتمع، تستوجب من جميع المخلصين أن يقفوا وقفة أمانة للوطن وللمواطنين، فهذه الوقفة، التي تعكس نفسية الخير والصلاح والإصلاح وحماية النسيج الاجتماعي، هي التي تعكس صدق الولاء للقيادة وللوطن ولأبناء الوطن.
هناك نوايا صادقة، وهذا هو المحور الذي أود أن أتناوله اليوم للتحذير من سلاح الطائفية الذي لا يمكن أن يكون مدمراً لوطن دون آخر، أو طائفة دون أخرى، فمتى ما أشهر هذا السلاح واستخدمت طلقاته المميتة، فإن التدمير يكون شاملاً لعيناً بغيضاً، ولهذا، فإنني من الناس الذين حرصوا على التواجد في مختلف المحافل واللقاءات التي تجمع مختلف فئات المجتمع وشرائحه… تواجدت في الدوار، وحضرت لقاءات تجمع الوحدة الوطنية بل وتوليت مسئولية تغطية بعضها وتواصلت مع أعضائه، وحضرت اللقاءات الأهلية، وشاركت في بعض الاجتماعات التي هدفت الى رأب الصدع بين أبناء المجتمع، وبالفعل، وجدت أن هناك خلافات في الأفكار والتوجهات والمطالب سياسياً، لكن على المستوى الوطني الاجتماعي، فإن الوطنية والإنسانية والأصالة البحرينية هي التي تشرك الجميع في اتجاه واحد… يختلف تماماً عن التشعبات والاختلافات في المواقف السياسية والمطالب والشعارات والفعاليات.
لكن مع شديد الأسف، وليسمح لي الاخوة، دون ذكر أسماء، ممن استضافوا اللقاءات الأولى لانطلاق هذا الجهد الكريم الهادف الى التصدي لأخطر ما يهدد السلم والاستقرار في مجالسهم، والأهالي يثقون في صدق نواياهم، لم يثبتوا أن العزم قوي في هذا الاتجاه وليس هناك ما يمنع وخصوصاً أن الأهداف أهلية إنسانية وطنية صادقة ولا علاقة لها بالسياسة… وليسمح لي القارئ الكريم أن ألفت نظره إلى نقطة مهمة… وهي أن تلك المجالس استضافت شخصيات من الطائفتين الكريمتين، وعلى رغم أن هناك خلافات في المواقف السياسية بينهم تجاه قضايا وملفات مختلفة، لكنهم تجاوزوا ذلك ونحوه جانباً وركزوا على (سلامة البيت البحريني)، لأنهم يعلمون جيداً أن الحراك السياسي قد يثمر يوماً ما على توافق بين الدولة ومختلف المكونات من موالاة ومعارضة ومنظمات مجتمع مدني ولابد من تجاوز كل الخلافات والأزمات، ويعلمون، في الوقت ذاته، أن الشق والخلاف والتناحر بين أبناء الوطن، إن زادت هوته، وتحول الى سلوك وممارسة وقناعات ومواقف متشددة، فإن البلوى لا تماثلها بلوى، ولن تنفع الحلول كيفما كانت في جمع الأهل تحت سقف واحد والقلوب ملأى بما فيها مما لا يعلمه الا الله سبحانه وتعالى، والتي لا نتمنى مكانها الا الخير والمحبة.
ما لا يمكن أن نتغافل عنه أبداً، وفي شدة الشدة التي تمر بها بلادنا والتي نسأل الله جل وعلا أن تزول قريباً ليحل محلها النور والضياء والمواطنة والتلاقي بين القيادة والشعب بكل مكوناته… ما لا يمكن أن نتغافل عنه هو أن القلوب البحرينية الصادقة في حمل مسئوليتها الشرعية والوطنية في الدفاع عن النسيج الاجتماعي، لم تلقِ هذه المسئولية أو تتجاهلها، بل هي التي حملتها أمس وتحملها اليوم وستحملها غداً…لأنها تدرك بأن تفتيت المجتمع البحريني هو الطامة الكبرى