مبارك الدويلة

جعلوني شريطياً!

كل الشعوب والحكومات تكرم الشهداء وترعى اسرهم وتقدم لهم كل ما يريدونه وتعطيهم الاولوية من دون منّة وتعالٍ إلا في الكويت.. وانا هنا اتحدث عن الشهداء «البدون» وليس الكويتيين، فمكتب الشهيد، الذي انشئ بهدف تكريم الشهداء واسرهم، كان عليهم اشد ممن قتل اباءهم، فمسؤولوه في ابراج عالية يعطون من يشاؤون ويمنعون عمن يشاؤون! والشهيد عندهم مجرد تصنيفات تبدأ بالجهاد وتنتهي بالواجب، ست مراتب ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
هذه رسالة وصلتني من المهندس الكيميائي عبدالعزيز الشمري، وانا اعرف ان له اختا طبيبة وعددا من الاخوة اقلهم يحمل شهادة جامعية، يقول عبدالعزيز‍: «انا ابن شهيد واجب من شهداء وزارة الداخلية، قضى نحبه اثناء ادائه الواجب في حادث دورية عسكرية في أمن المنشآت، وهو يحمل الكويت في قلبه وعلى صدره، واسمه معتمد في مكتب الشهيد على الترميز السادس، اي انه شهيد بالاسم فقط، من دون خدمات، وان قدموا لنا الخدمات يقولوا لنا جملتهم المشهورة: «نحن يجب الا نقدم لكم هذه الخدمات ولكنها مساعدة منا لكم». مشكورين يا من تمنون علينا شهادة ابينا.
واما انا فابن شهيد «بدون» لم أرَ تكريما في حياتي من مسؤول او من شرطي مرور، فالكل يعاملني كمتهم، لاني «بدون»، وانا احمل شهادة الهندسة الكيميائية من جامعة الكويت منذ اربعة عشر عاما، ولم اعمل يوما كمهندس، بل حاليا ادرس الماجستير في حراج السيارات، فهو المكان الوحيد الذي يحترم «البدون» ويراعي ظروفه، وهكذا جعلوني شريطيا.
ملاحظة مهمة: انا «بدون» من عرب احصاء 65، ووالدي شهيد معتمد في مكتب الشهيد، اريد وظيفة كريمة تناسب مؤهلاتي، اسد بها جوع اطفالي، واريد وطنا يكرم ابي، واريد مسؤولا يخاف من الله اكثر من خوفه من الفئة التي تحارب «البدون»، يسمح لي بمقابلته وشرح معاناتي امامه».. انتهى.
ومنا الى الشيخ جابر المبارك الصباح، صاحب القلب الكبير، والاب الرحوم، الذي عليه يعقد الامل بعد الله عز وجل في تخفيف معاناة عبدالعزيز هذا وأمثاله.
أذكر بعد التحرير، اي قبل عشرين عاما، كانوا يقولون «لا تعطون «البدون» خدمات بل ضيقوا عليهم علشان يطلعون جوازاتهم او يرحلون»! واليوم بعد كل هذه المدة يطلع علينا من يتكلم عن الحقوق المدنية لـ«البدون» وما هي الا إبر تخدير لمزيد من المعاناة.. واتمنى من احد النواب ان يوجه سؤالا عن عدد شهادات الميلاد التي صدرت لـ«البدون» بعد هذا الاعلان!.. وعن عقود الزواج التي تم توثيقها، لنعرف مدى التضليل الذي يمارس ضد هذه الفئة! انه الحسد والنظرة الضيقة للحياة التي يحتضنها هذا البعض.. انه الخوف من ان يشاطرنا لقمتنا اناس غرباء لم نعرفهم الا منذ اربعين او خمسين سنة فقط! انه والله المرض الذي اعمى قلوبنا واصابها في مقتل.. نسأل الله العفو والمغفرة.

احمد الصراف

قصة نجاح كويتية

بعد ان فشل في الحصول على شهادة الثانوية العامة، قرر أن يحمل نجوما على كتفيه واستغلال ذلك في الحصول على ما يريد، ولكنه فشل في الشرطة فاتجه للجيش، ومع الأقدمية ترقى، وحقق حلمه واصبح ضابطا، ولكن قصة نجاحه كانت قصيرة، حيث اتهم بسرقة قطع سجاد من أحد الاحتفالات، ووقتها قرر الوزير المعني الموافقة على التوصية بتسريحه. عاد للدراسة وحصل على الثانوية، والتحق بالجامعة وحصل على شهادة حقوق بتقدير متواضع، وأصبح محاميا ثم أستاذا ثم مستشارا قانونيا يشار اليه بالبنان!
أثناء فترة الاحتلال العراقي اتهمه جيرانه في الحي بسرقة سياراتهم، ورفعت قضايا ضده بعد التحرير، وصدر عليه حكم قاس، ولظروف رأها القاضي تقرر عدم النطق بالعقوبة.
قام في مرحلة لاحقة، وبعد التحرير، بالترشح للانتخابات النيابية، ولكنه اضطر للانسحاب من السباق بعد أن فشل في الحصول على شهادة «لا حكم عليه»، ولكنه نجح مع الوقت في تكوين ثروة كبيرة من الاتجار بالبشر من خلال شركة مقاولات نظافة تخصصت في الحصول على عقود تنظيف بأسعار متهاودة، وجلب عمال التنظيف مقابل مبالغ كبيرة، وعدم دفع رواتبهم والطلب منهم «تدبير معيشتهم»، بالعمل بعد انتهاء دوام الوزارة بأي وسيلة ممكنة، ولم تكن صعبة مشاهدة عماله، بــ«أزيائهم الصفراء» اللافتة وهم «يسرحون» في أسواق السمك والخضار من دون عمل، أو غالبا يتسولون!
حالف الحظ الكبير صاحبنا عندما التقى باحدى القيادات العربية الفاسدة، وما اكثرها، ودخل معه في كل عمل غير مشروع وحقق من ذلك ثروة هائلة…. فهل عرفتموه؟
انظروا حولكم فستجدوا أن الكثير مما ذكر أعلاه ينطبق على عدد لا بأس به من كبار مسؤولينا ومشرعينا!

أحمد الصراف
[email protected]

محمد الوشيحي

أعمامنا

الكاتب الفرنسي الخالد «بلزاك»، وهو بلزاك على سن ورمح، كان يُتهم في حياته بتشويه الثقافة الفرنسية والدعوة إلى الإلحاد ومعاداة الكنيسة ووو، إذ كانت رواياته تتحدث عن فساد بعض الرهبان والراهبات، عن مجونهم ومجونهن، عن تكسبهم وتكسبهن، عما يدور في غرف النوم… وكذلك حال مواطنه «سارتر»، وحال الأميركي «همنغواي» الذي سل سيفه وسنّ سكينه ضد العادات الغبية في المجتمع الأميركي، فسنّ المجتمع مقصلته لهمنغواي، ونصب له أعواد المشانق بعد كل عمل أدبي يكتبه هذا العظيم الخالد… هؤلاء وغيرهم كانوا يتعرضون لقذائف المجتمع الخارقة الحارقة، لكنهم تجاهلوها ولم يتوقفوا عندها، فأثروا الأدب العالمي.

وفي مصر، أرسل عبدالناصر أفّاقه الأكبر ودجّاله الأعظم محمد حسنين هيكل إلى كل من إحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم يبلغهم «غَضَبَ الرئيسِ بسبب المجون في رواياتكم»، فخضع الحكيم وأذعن محفوظ ورفض عبدالقدوس الانصياع للأوامر، وكتب رسالة وجهها إلى الرئيس من خمس عشرة صفحة يعلن فيها أن رواياته هي مرآة للمجتمع تعكس ما يدور فيه بكل صدق، فذاق عبدالقدوس الأمرّين، ولعن الساعة التي رفض فيها إملاءات المتدين الأكبر عبد الناصر (كان من ضمن أوامر عبدالناصر لعبدالقدوس إيقاف مقالات مصطفى محمود في مجلة روز اليوسف «لأنها تدعو إلى الإلحاد»، وكان عبدالقدوس قد سمح لمصطفى محمود بالكتابة «الإلحادية» بعد أن دعا كبار رجال الدين للرد عليه ما أثرى النقاش وفتح الآفاق).

واليوم، يحتفل الفرنسيون بيوم ميلاد «بلزاك» ويوم مماته، وكذلك يفعل الأميركان بصاحبهم «همنغواي»، والمصريون بعبدالقدوس، وبَقِيَت أسماؤهم خالدة، وتلاشت أسماء منتقديهم دعاة المحافظة المزعومة وتطايرت كالدخان أسماء دعاة التدين المزعوم غير الحقيقي… فلا تهن ولا تحزن يا صديقي، فلن يصيبك ربع ما أصاب أعمامنا كبار الأدباء والكتّاب.

قلت هذا الكلام لزميل هاجم تجار الدين والعادات الكاذبة، فثارت عليه جموع من النوع الذي يصنفك بناء على المقالة التي أمامه، فأنت اليوم قبليّ ولا عامر بن الطفيل، وأنت غداً منسلخ عن القبيلة وأعرافها وأميرها ولا عروة بن الورد، وبعد غد أنت مع رئيس الحكومة، وبعده أنت مع الشيخ أحمد الفهد، واليوم الذي يليه أنت ضد الدين، والذي يليه أنت متدين طائفي، وهكذا… هؤلاء القراء لا يتذكرون كل ما كتبته، ولا يقيمون وزناً لكل الحبر الذي سكبه قلمك في مقالاتك السابقة، هم «عيال اليوم» فذاكرتهم لا تتسع إلا للمقالة المنظورة أمامهم.

والمصيبة الكبرى عندما يرتدي أحدهم جبة لقمان الحكيم وهو يحدثك بعد أن كتبت مقالة انتقدت فيها تجار الدين، أكرر، تجار الدين لا الدين: «لا تقترب من حمى الدين وأنت ابن تلك الحمولة التي والتي… إني لك من الناصحين»، فتجيبه بحروف الحزن: «أخشى أن ينفر الناس من الدين ويكرهوا الحمايل بسببك وأمثالك»، وتتمتم بصوت لا يسمعه إلا قلبك: «ملعون أبو الحمايل، أنصاف الليال وأطراف القوايل».

يا صديقي الكاتب… ليس أسهل من تكديس الرمل تحت السجادة كي يرضى عنك مجتمع الحمايل، لكن الصعوبة يعرفها من يرفع السجادة ويضربها بعصاه ليتطاير غبارها… فاغمض عينيك عن غبار سجادهم.

***

كتلة العمل الوطني تلعب بالطريقة البرازيلية، هات وخذ، وتتفاوض مع «الحَكَم»، وتتفاهم مع حاملي الراية، وتنسّق مع لجنة البطولة، فتفوز بدرع الدوري وكأس اللعب النظيف، قبل أن ترفع شعار «الرياضة… أخلاق».

احمد الصراف

نصيحة سفير

«..نعم، إن العالم كبير، إن العالم ضخم، وهو كذلك في النهار أيضاً ، حين يشتعل وادي فيشيغراد بالحرارة، وحين يكاد يسمع المرء صوت نضج سنابل القمح التي تغطي الوادي، وحين تتراءى المدينة بيضاء ناصعة منتشرة حول النهر الأخضر، مسدودة بالروابي السوداء، وبذلك الخط المستقيم، الجس. ولكن في الليل، في الليل وحده، حين تحيا السماوات مرة أخرى وتتوهج، إنما تنكشف اللانهاية والقوة الجبارة في هذا العالم، الذي يضيع فيه الإنسان الحي، ولا يستطيع أن يدرك نفسه ولا المكان الذي يمضي إليه، ولا ما يريد ولا ما الذي يجب عليه أن يفعله، في الليل وحده إنما يحيا المرء حقاً، حياة هادئة طويلة: في الليل، ما من كلمات تربط الإنسان ربطاً ثقيلاً مدى الحياة، ما من وعود قاتلة، ما من ظروف لا مخرج منها، ما من مهلة قصيرة تجري وتنقضي بغير رحمة، من دون أن تفضي إلى غير الموت أو العار مخرجاً، أجل ليست حياة الليل كحياة النهار، ففي الليل كل شيء حر لا نهائي غفل أخرس». فقرة جميلة، بنظري، من رواية «جسر على نهر الدرينا» لليوغوسلافي إيفو أندريتش، الحائز على «نوبل للأدب»1961، وهي الرائعة التي سبق أن قرأتها عام 1958 ، ولكن السفير، المتعدد المهارات والمواهب، محمد خلف نصحني بإعادة قراءتها بطبعتها الجديدة الصادرة عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، وكانت نصيحة في محلها، فقد استمتعت بالرواية بشكل غير عادي، وعرفتني أكثر بخلفية ما يدور في تلك المنطقة من صراع قاس وطويل، الذي سوف يستمر طالما بقي التعصب الديني الأحمق هو المسيطر على أفكار الكثيرين منا!

أحمد الصراف
[email protected]

احمد الصراف

مقال شوفيني

لا أدري من كتب هذا النص على الإنترنت، ولكني وجدته يستحق النشر بتصرف. سألني صديقي ونحن على شاطئ البحر عند الغروب، لماذا تحب القهوة وتتذوقها بمتعة تُحسد عليها؟ أجبته: ربما لأن في القهوة الكثير من المرأة والحب، قال: كيف؟ قلت: تعال نستعرض الأمر واحدة واحدة، شفة شفة، فبعضنا يحبها حلوة، وبعضنا يحبها مُرّة، وبعضنا يحبها خفيفة وبعضنا يحبها ثقيلة، بعضنا يحبها وسطا، وبعضنا يحبها عالريحة، البعض يحبها مغلية والبعض يحبها «مزبوطة»، آخر يحبها رائقة، وآخر يحبها وعليها قشوة، وواحد يحبها ساخنة، والثاني يحبها فاترة، الثالث يشربها بجرعة، والرابع يشربها شفطا، والخامس يسمع صوته وهو يشفها. وناس يشربونها بفنجان كبير، وناس يشربونها بفنجان صغير، وناس يمسكون الفنجان من وسطه، وناس يمسكونه من أذنه، وناس يشربون الفنجان كاملاً، وناس لا يشربون إلاّ نصف الفنجان، وناس يشربون القهوة ويكتفون، وناس يحملونها معهم في «الترمس»، وناس يشربونها في كل مكان، وناس لا يشربونها إلاّ في بيوتهم، ورجل يحب القهوة افرنجية، وآخر يحبها عربية، وثالث نسكافيه، وآخر يحبها كافي وبس. واحد يحبها مع حب الهيل، وآخر يحبها كلها حب هيل، وغيرهم لا حب ولا هيل. البعض يحبها فرنسية وآخر تركية، الباقي يحبها عربية، فالدنيا أمزجة، فهناك من لا يشرب القهوة إلاّ إذا عرف نوع البن، وهناك من يشربها كيفما كان البن، وهناك من يبحث في البن عن ماركته، وهناك من لا يهمه من البن إلاّ نكهته الأصلية. هناك من يشتري البن ليحمصه على يده، وهناك من يشتريه مطحوناً خالصاً، وبعد أن يشربوا القهوة ينقسمون إلى قسمين، قسم يهوى قراءة الفنجان ليعرف الأسرار ويفك الرموز، وقسم يضحك على القارئين!
قاطعني وقال: ولكن هناك نساء يدّع.ين معرفتهن بقراءة الفنجان؟ قلت: طبعا، لأنه لا يفهم المرأة إلاّ المرأة، ولا تنس يا صديقي أنه وعلى الرغم من حبنا للقهوة فإن الإفراط فيها ضار، إلاّ في الحب، فالإنسان كلما أفرط فيه أحس بجمال الدنيا وروعة العمر وخفايا نفسه! وسألني: وأنت يا عاشق القهوة كيف تحب القهوة؟ قلت: أحبها «مزبوطة» لا حلوة كالقطر ولا مُرّة كالحنظل. سألني: مغلية أم عكرة؟ قلت: مغلية جداً. سألني: رائقة أم على وجهها قشوة؟ قلت: رائقة جدا. سألني: وإذا جاءتك وعلى وجهها قشوة؟ قلت: انفخ أو أمسح القشوة عنها حتى يعود إليها صفاؤها، وهل يسمع الناس صوتك وأنت ترشف القهوة؟ قلت: كانوا يسمعون صوتي عندما كنت صغيراً أما الآن فلا يسمع حفيف فمي إلاّ فنجاني وحده. سألني وأين تشرب قهوتك، أينما كان، أم تشربها في بيتك وحده؟ قلت: قد لا أشربها في بيتي وحده، ولكنني لا أشربها في كل مكان. قال: أين تشربها إذاً؟ قلت: حيث يكون فنجان. قال: وكيف تفضل القهوة: عربية أم افرنجية؟ قلت: أفضلها حيث أحبها، فالوطن هو الحبيب والحبيب هو الوطن! قال: ها وبعدين؟ قلت: القهوة هي المرأة والمرأة هي الحب والحب هو المرأة!!
أحمد الصراف
[email protected]

احمد الصراف

قصة وتعليق

القصة: كنا في حفل عشاء خصص لجمع التبرعات لمدرسة ذوي الإعاقة، عندما قام والد أحدهم وألقى كلمة قال فيها: مررت يوما بملعب بيسبول، وسألني ابني إن سيسمح له الأولاد باللعب معهم، وكنت أعلم أن غالبيتهم لا يرغبون في وجود معاق بينهم، وكأب شعرت بأنهم إن سمحوا له باللعب، فسيمنحه ذلك سعادة وثقة في أن الآخرين يتقبلونه كما هو، فاقتربت من أحدهم متردداً وسألته إن كان يمكن لبيتر أن يلعب معهم. ودار الولد ببصره وقال نحن نخسر بست جولات، واللعبة في دورتها الثامنة، يمكننا أن ندخله في التاسعة ونعطيه المضرب! تهادى ابني بمشيته المعوقة ولبس الفانيلة بابتسامة واسعة، وراقبته بدمعة وفرح، ولاحظ الأولاد ذلك. تحسنت فرصة فريق ابني خلال الجولة 8، ولكن بقي الخصم متفوقاً، ومع بدء الجولة التاسعة اعطوا ابني قفازاً ولعب على يمين الملعب، ورغم أن الكرة لم تأت عنده فإن سعادته وحماسه كانا واضحين لمجرد وجوده بينهم، واتسعت ابتسامته لأقصى حد وأنا ألوّح له، ثم أحرز فريقنا نقاطا إضافية وتقلص الفارق، مما جعل الفوز ممكنا، وكان الدور على ابني ليمسك بالمضرب، فهل سيعطونه إياه ويخسرون؟ لدهشتي حدث ذلك، رغم أن الكل يعرف أن من المستحيل أن يحرز أي نقاط، حيث لا يمكنه أن يمسك بشيء بصورة سليمة، ولكن مع تقدمه للدائرة وإدراك الخصم أن فريق ابني سيضحي بالفوز لهدف أسمى، هو إسعاد وإثراء حياة بيتر في لحظة قد لا تتكرر. حدثت المفاجأة، حيث تقدم اللاعب خطوات عدة وألقى الكرة برفق لابني حتى يتمكن من لمسها بمضربه، ولكن بيتر فشل، وخطا مدافع الخصم خطوات اضافية مقترباً من ابني أكثر ورمى الكرة له، وهنا ردها بيتر بضعف فتلقفها الخصم وتوقعنا أن هذه النهاية، ولكن المدافع تلقفها بحركة بطيئة، وكان يمكنه أن يمررها لزميله في النقطة الأولى، وكان ذلك سيجعل ابني يخرج من المباراة وتنتهي اللعبة بهزيمة فريقه، وبدلاً من ذلك رمى المدافع الكرة فوق رأس زميله بعيداً، وبدأ الكل يصيح مشجعاً: أجر يا بيتر، اجر إلى النقطة الاولى، وكانت هذه أبعد مسافة يجريها ابني، واستطاع أن يصل إليها، وترنح في طريقه، وعيناه واسعتان حماساً وارتباكاً، وصرخ كل من كان في الملعب: اجر إلى النقطة الثانية، ووصل إليها لأن لاعب الخصم بدلاً من أن يعيقه كان يعدل اتجاهه ويشجعه ليصل إلى النقطة الثانية، وهنا وصل إليها! وتعالى صراخ الجميع: اجر اجر يا بطل للنقطة الثالثة، والتقط ابني أنفاسه وجرى بترنح أكثر نحو الثالثة ووجهه يشع بأمل تحقيق فوز لفريقه، وحين اقترب من الثالثة كانت الكرة مع الخصم، ولديه فرصة الفوز بسهولة، ولكنه ألقى بالكرة لزميله، ففهم نواياه وقام بدوره بإلقاء الكرة عالياً بحيث تخطت المدافع عند النقطة الثالثة، وجرى ابني نحو الثالثة وهو مرتبك تماما، في حين أحاطه الآخرون راسمين له الطريق إلى نقطة الفوز، وكان الجميع يصرخ: اجر اجر يا بطل، فجرى للنقطة الرابعة التي بدأ منها وداس على الموقع المحدد ووقف الجميع مصفقا وصارخا لتحيته باعتباره البطل الذي أحرز النقطة الكبرى وحقق لفريقه الفوز!
في ذلك اليوم، أضاف الأب، والدموع تنساب على وجنتيه: ساعد فتيان كلا الفريقين في إضافة قبسة نور من الحب الصادق والإنسانية إلى هذا العالم. لم ير ابني الصيف التالي، حيث وافاه الأجل في ذلك الشتاء، ولكن لم ينس حتى آخر يوم في حياته أنه كان بطل المباراة.
***

التعليق: لو علمنا أن تحضّر اي مجتمع يقاس بمدى الرقي في تعامله مع الأقل حظا من أبنائه، وليس في اسلوب التحفيظ والدعاء والبكاء المستمر في مناهجنا وعاداتنا والبالي من تقاليدنا، لعلمنا بأن علينا التخلي عن كل ذلك إلى الأبد، فهل سنفعل ذلك يوما؟

أحمد الصراف
[email protected]

علي محمود خاجه

دستور الشعبي غير

   أعلم أنه إلى حين نشر هذا المقال سيهلل ويطبل الكثيرون حول الوثيقة التي بادر بها عضو كتلة العمل الشعبي مسلم البراك في “جمعة الرد” التي طالب بها بأن يرحل سمو رئيس الحكومة ونائبه، على أن تجهز “وثيقة الزنقة” كما أسماها البراك يوم الأحد؛ ليتم تمريرها على النواب لكشف من سيوافق ومن سيرفض أمام الشعب على حد تعبيره.
وقبل البدء لا بد أن أشير إلى أني من الموقعين على عريضة عدم تكليف الشيخ ناصر المحمد قبل شهر تقريبا كي لا يفسر ما سأكتبه بنحو غير صحيح، فما أكثر التخوين هذه الأيام!
وقبل البدء أيضا أقول إنه لو أوتيت أنا كمواطن الآن بوثيقة رحيل سمو الرئيس ونائبه فسأوقع وأختم وأبصم عليها فورا.
طيب، نتجه الآن للكلام الدستوري المنطقي البعيد عن العاطفة والتشنج، “الشعبي” يريد من النواب، ونضع عشرين خطاً تحت النواب، أن يوقعوا على وثيقة تطالب برحيل رئيس الحكومة ونائبه، على أي أساس؟ يقول قائل على أساس أنهم لا يصلحون وفشلوا في إدارة الحكومة أو الحكومات المتعاقبة… وأقول صحيح، وهذا رأيي أيضا.
لكن من أي منطلق دستوري قانوني نبرر هذه الوثيقة؟ فالنواب لهم أدواتهم الرقابية التي خصص لها الدستور فصلا كاملا من الشرح والتفصيل والتحليل، وإن كنا نريد الدستور واحترامه فعلينا تطبيقه دون الالتفاف عليه؛ حتى إن كان الغرض سليما والنوايا طيبة.
ثم لنفرض جدلا أن الوثيقة تم توقيعها من النواب، فأين تذهب الوثيقة حينها؟ إلى رئيس الوزراء أم الأمة أم إلى سمو الأمير؟ أعتقد أنه في حال تسليمها إلى أحدهم فإن الرد الطبيعي والمنطقي والمعقول هو أنكم أنتم ممثلو الأمة، وإن كنتم تريدون إقرار أمر ما فعليكم إقراره بالسبل الدستورية والقانونية، ووثيقتكم هذه لا تمثل شيئا أبدا، بل هي خلق عرف جديد فيه التفاف على الدستور والأدوات الدستورية.
هذا عطف على أن هذه الوثيقة يمكن أن تستغل كممسك للوقوف ضد الرئيس أو نائبه حتى إن كانت القضايا غير عادلة، بمعنى أنه من الممكن أن يوجه استجواب إلى الرئيس على خلفية فصل طالب من مدرسة، وإن لم يقف من وقع على الوثيقة من النواب مع مقدمي هذا الاستجواب غير المنطقي فإنه سيوصم بالتحالف والخيانة العظمى من قبل بقية فرقة الوثيقة.
لو رجعنا إلى الماضي القريب أو البعيد نيابيا فإننا لن نجد وثيقة كتلك أبدا، فلا المطالبون من النواب بالتعليم المشترك أو حق المرأة أو الدوائر الخمس قاموا بتوقيع وثيقة؛ لأن العقل هو المتسيد، فلا يجوز لنائب أن يستحدث أمرا غير دستوري لتحقيق هدف دستوري.
اختيار الوزارة وحل المجلس هما قراران للأمير فقط دستوريا، وتقديم النصح والمشورة هما الأمران الوحيدان اللذان من الممكن عملهما اليوم من قبل النواب في سبيل التغيير أو الحل؛ بالإضافة طبعا إلى تحقيق عدم التعاون أو طرح الثقة داخل قبة البرلمان.
لذا دعونا لا نستحدث أي أمر يخالف الدستور وقواعده العامة وقوانينه المنظمة في سبيل الوصول إلى أهدافنا، خصوصا ممن يمتلك الأدوات الكافية لصنع مصير الدولة وأعني هنا النواب، فإن لم يتحقق ذلك فعلينا أن نحترم الأغلبية، وإن عارضت أفكارنا ومعتقداتنا، وأن نحسن اختيارنا فعلا في المرة المقبلة.
آخر جملة: لقد تلطخت أيدينا بدم الدستور مرارا وتكرارا بتصفيقنا وتهليلنا لمنتهكيه وكارهيه فمتى تصحو العقول؟

خارج نطاق التغطية:
قد يكون الوزير الفهد مستقيلا حين نشر هذا المقال، وإن كان ذلك فهذا لا يعني انتهاء قضايا استجوابه، بل تجب ملاحقته قضائيا على ما طرح في محاور الاستجواب، أما إن لم يستقل فلا مناص من المنصة.

احمد الصراف

نوابنا والعراق

كتب يونس حنون مقالا في الحوار المتمدن تعلق ببعض الظواهر السلبية في وطنه العراق، وقال انه يتذكر عندما قاد صدام حسين حملة إيمانية، بعد ان سرق هو وابناؤه وعشيرته بلدا باكمله من اهله، بعد أن تحول فجأة لواعظ يتحف شعبه يوميا بنصائح الايمان والتقوى، ولم يتورع عن الاستمرار في تمثيله البائس بعد سقوطه، عندما كان يدخل قاعة المحاكمة متأبطاً مصحفا، وانتهى صدام وظن الكثيرون ان جرائمه ومذابحه لاكثر من ربع قرن يمكن أن تمحى، لأنه قال «الله اكبر» عند سماعه الحكم باعدامه. وانتهى زمنه الرديء، واعقبه اردأ منه، زمن الضحك على الذقون بالديموقراطية والانتخابات والاصابع البنفسجية، وبقيت صورة المحتال ماثلة امامنا نراها بشكل اوضح لكن في سيماء العشرات ممن اصبحوا سياسيين ومجاهدين رمدت عيوننا برؤية سحنهم التي تملأ شاشة الفضائيات والاخبار، وغيرهم من أفواج المنافقين من اصحاب السماحة والفضيلة الذين يتسابقون في اعلان ايمانهم وتقواهم وتمسكهم باهداب الدين واحكامه، وتيارات وأحزاب وحركات تدعي انها الاقرب الى الله من غيرها، وعمائم ومسابح ولحى وجباه مسودة تتصدر المشهد السياسي وتدعي انها مدعومة من المرجعيات والأنبياء والسماء، وصراخهم يعلو كل يوم بالدعاء الى الله ان يحفظ البلد ويحميه، نشاهدهم على رأس مواكب الزيارات متصدرين لصفوف المصلين وهم دائما اول الناس في الحث على الاعتصام بحبل الله والدعوة الى مكارم الاخلاق رغم انهم اكثر من مزق هذا الشعب وفرق ابناءه! وكيف أصبح إصلاح حال البلد الممزق، المنهك والجائع قضية ثانوية بجانب ضرورة بدء كل جلسة من جلسات مجلس النواب بتلاوة من القرآن، وبأن تتوقف الجلسات في مواعيد الصلاة، وان يذهبوا للحج جماعة! ورأيناهم ومن جاء بعدهم وهم يمارسون الركوع امام الكاميرات، ويكون صوتهم الاعلى وهم يتباكون على حقوق الشعب المظلوم لزوم خداع المغفلين ورفع العتب بعد ان حملوا الامانة في جيوبهم بدلا من اعناقهم، ومع كل هؤلاء المؤمنين من سياسيينا ونوابنا فإن البلد يمتلئ بالقتلة والسراق وكواتم الصوت والمفخخات والعبوات الناسفة. وينط دعاة ابليس ليتحفونا بين الفترة والاخرى بتفاهة يجعلون منها قضية كبرى عسى ان ينسى الناس بعدها الكهرباء والامن والتموين، فهذا مجلس محافظة البصرة يصدر قرارا بمنع بيع الخمور، ويتبعه مجلس بغداد، ويستمر القتل والاختطاف والارهاب وسرقة النفط، وكأن من يرتكب هذه الأمور هم من خريجي البارات، وكأن مشاكل الاسكان والمزابل والخراب والمشردين لا تحل إلا بغلق محلات بيع الخمور، ليصبح بعدها العراق جنة الله على الارض، أو كأن الذين فجروا انفسهم طمعا في الجنة كانوا يتعاطون الخمور، وأن فساد الحكومة ونهب ثروات الشعب والمشاريع الكاذبة والصفقات المشبوهة لم يقم بها سوى «العركجية»! وتبقى الحيرة مرتسمة والتساؤل قائما، من اين يأتي هؤلاء بكل هذا النفاق؟
ولو نظرنا لحال نوابنا في الكويت، وما ظهر على المعدمين منهم من مظاهر ثراء فاحشة، وكيف تقلبت مواقفهم، وانتقلت اصواتهم ذات اليمين وذات الشمال، خلال الاستجوابات الأخيرة، وقارناها بشديد تصلبهم في القضايا الدينية في الوقت نفسه، لعلمنا بأننا لسنا بأحسن منهم بكثير، فكلنا في الهم سواء!!
يقول غاندي: إن اعظم نجاحات الشيطان تحصل عندما يظهر وكلمة الله على شفتيه!

أحمد الصراف
[email protected]

محمد الوشيحي

المجد للقلم والموت للدفتر

هكذا هي قوانين الحياة… يضغط الشاعر بقوة على أعصابه ومشاعره وأحاسيسه ويستعين بكل معارفه من الجن لينظم قصيدة محبوكة مسبوكة، ويعاني الملحن ما يعاني ليخرج بلحن «يركب على» القصيدة، ويلامس ذائقة الجمهور، وبعد كل هذا العرق والتعب والأعصاب، يتقاضى كلّ منهما مبلغاً لا يكفي «الباب الأول» من احتياجاتهما، ليأتي بعد ذلك المطرب الذي وُلِدَ وفي فمه حنجرة جميلة، جاءت من دون أي مجهود منه، فيغني، فيكسب الملايين والشهرة والمكانة.
الشاعر السعودي العميق «نايف صقر» اختصر لنا المسألة عندما قال: «الموت حظ القلم والمجد للدفتر»، فعلاً… يشقى القلم وينزف، في حين يستلقي الكتاب على ظهره فيُمتدح، ويقال: «كتاب فلان الفلاني في غاية الجمال»، ولا يتطرق إلى سيرة قلمه.
ونتمايل طرباً ونمتدح عبدالمجيد عبدالله في أغنية «يا طائر الأشجان»، مثلاً، ولا نعرف شاعرها ولا ملحنها (الشعر ليحيى حداف والألحان للنجم الذي انطفأ، أو أطفأ نفسه، خالد الشيخ، صاحب أغنية «يا عبيد» الخالدة)، وسنعتبر المطرب كريماً متواضعاً إذا ذكر اسميهما في لقاء تلفزيوني أو صحافي.
هكذا هي قوانين العصر، فبعد أن كان المجد في الجاهلية للشعراء، ولا مجد للمطربين والمطربات، رغم إتقانهم الشعر وامتلاكهم الذائقة، جاء عصرنا هذا ليفرض قبحه وظلمه، فتسيّد عبدالمجيد عبدالله وراشد الماجد ونبيل شعيل وغيرهم ممن لا يمتلكون أدنى ذائقة شعرية، ولا يعرفون من المحسنات اللفظية حتى اسمها، فلا وجود في قواميسهم لمصطلحات «الكناية والتشبيه والتورية والاستعارة والمجاز…»، ولا يفهمون الوزن الشعري، ولا يفرقون بين قصيدة وأخرى إلا بحسب اسم قائلها ومكانته الاجتماعية، والمالية أحياناً.
تأملوا كلمات بعض أغاني راشد الماجد. وخذوا هذه على سبيل الحزن والقهر ليس إلا:
«بيني وبينك شي أكثر من الأحلام، حقيقة حبي لك ما هو حكي وأوهام، تسهر مع أشواقي تحت الرموش تنام، ومنك أقل كلمة تخفف الآلام، زاد الوله فيني قلبي في حبك هام، واللي يحب مثلي ما تغيره الأيام»، إنا لله وإنا إليه راجعون. ولو أننا طلبنا من الشاعر إضافة بيتين لقال: «تعالي نروح للسينما نشوف آخر الأفلام، شدعوه ما تردين شدعوه صاكة الجام»، لكن الحمد لله أنه توقف قبل وقوع الكارثة بقليل… وها هو «السندباد» كما يحلو لمريديه تسميته، راشد الماجد، بجلالة سطحيته وقماءة ذائقته الشعرية يحتار في ثروته وشهرته ومعجبيه ومعجباته.
وتأملوا كلمات بعض أغاني زميله في السطحية نبيل شعيل، وخذوا هذه على سبيل البكاء:
«حالتي حالة من يوم تركوني وحيد، الله لو يرجعون أسعد إنسان أكون / بالوصل فرحتي وبالهجر ماني سعيد»! ألا لعنة الله على الشعر بأوزانه وسحره وقوافيه وكل ما يمت إليه بصلة نسب أو قرابة إن كان هذا شعراً… ومع ذا ورغم ذا ها هو نبيل على سنام المجد محتاراً في أعداد معجبيه ومعجباته.
واسألوا عن نايف صقر وعن شعره وستجدون أن شهرته لا تصل إلى واحد في المئة من شهرة الإخوة السطحيين… تعالوا اسمعوا نايف واغسلوا زجاج ذائقتكم بكلماته لتروا الجمال بوضوح:
«الموت حظ القلم والمجد للدفتر، حبر القلم غلطتي وايامي أوراقي / الخوف يجتاحني.. وجه الطريق أسمر، راح أكثر العمر يا خوفي على الباقي / يا صوت لا تلتحف صمتي ولا تصبر، قل ما تبي واترك الهقوة على الهاقي / ثراي ما ينشد الغيمة متى تمطر، مدامها في سماي تحن لاغراقي»…الله الله الله يا نايف. أين أنت يا عظيم؟ تعال فالقلم يستجديك وأمثالك للانتقام ممن استهانوا به، تعال يا نايف لتقف أنت وأمثالك العظماء على أبواب المكتبات دروعاً بشرية كي تمنعوا المستشعرين من الإساءة لتاريخ الأقلام، تعال يا نايف فالبعض يتعامل مع الشعر كما يتعامل مع القمصان التي لا تحتاج إلى كيّ… اغسل والبس.

حسن العيسى

إدارة دولة أم إدارة فريج

ما شأننا بخلافات الشيوخ وصراعاتهم؟ وكيف تدار هذه الدولة؟ وكيف سننظر إلى المستقبل وتحدياته الأمنية والاقتصادية مادام كل شيخ «كبير، ويحكم» لا عمل ولا هدف له غير نصب الفخاخ للشيخ الآخر الكبير والمرشح للحكم، لأنه أيضاً من «ذرية مبارك» وله أحلامه العريضة بالسلطة والتفرد بها مع حاشيته التي تحمل المباخر، وتهرول خلف بشت الشيخ المعزب لتعطيره؟.
قضية الصراع القديم بين رئيس الحكومة سمو الشيخ ناصر المحمد ونائبه للشؤون الاقتصادية الشيخ أحمد الفهد قبيحة وخطيرة من ناحيتين، فخلاف الشيخين لا يجب النظر إليه على أنه محصور في حشد وتجييش هذا النائب أو ذاك «ويالله تزيد النعمة على تلك الشاكلة من النواب الهباب»، بل يجب قراءتها على أنها صراع من أجل التوحد بالسلطة وعزل الآخر، وأسلحة أطراف النزاع هي ذمم خراب لها سعرها وثمنها في أسواق النخاسة السياسية، الوجه الآخر من قباحة هذا الصراع أنه بعد نصف قرن من الحكم «شبه الدستوري» نجد أنه لم يعد كافياً لبعض الشيوخ الامتيازات «المشيخية» التي شرعها لهم القانون، وغيرها التي شرعوها لأنفسهم من غير حكم القانون، وأضحوا عبرها شيوخاً فوق حكم القانون، وكرسوا ودونوا أعراف الفساد في الدولة، فلم يعد مهماً أن نعرف أن هناك فساداً في شراء رخص قيادة المرور أو رخص بناء مخالف في بلدية الكويت، بل أصبحت هناك أسعار «شبه رسمية» لبعض نواب الأمة، أثمان نواب البؤس هي إما «كاش» أو تمرير معاملات غير جائزة أو الاثنان معاً، وفي كلتا الحالتين نجد أنفسنا أمام جرائم مشهودة نعرف الفاعلين وندرك تماماً حجم جرائمهم بحق الوطن ومستقبله، ورغم ذلك لا تتم مساءلتهم حسب القانون! لأنهم وضعوا أنفسهم فوق المساءلة القانونية، وسكتنا عنهم حين سلمنا أمورنا لقدر الفساد وأحكامه. مللنا يا سادة من الشكل الدستوري والدمية «الديمقراطية» فتحت جلبابها هناك فضائح تجري كل يوم، ويتم حرق أرصدة الغد وضمان حلم الجيل القادم من أجل أن يسعد البعض بكراسي السلطة منفردين، كل هذا يجري وهناك من يقف متفرجاً ضاحكاً، وكأنه أمام مسرحية هزلية هو مخرجها ومبدعها بداية ونهاية.