احمد الصراف

الشيشكلي والعرب

يعتبر حسني الزعيم أول من قام بانقلاب عسكري في تاريخ سوريا، وربما العرب، ففي مارس 1949 قام باعتقال الرئيس شكري القوتلي وعين نفسه مكانه. وتبعه في مسلسل الانقلابات أديب الشيشكلي، الذي أصبح رئيسا في ديسمبر 1949، وهذا فتح شهية عسكر بقية الدول العربية، حيث توالت انقلاباتهم في مصر والعراق وليبيا والجزائر والسودان وموريتانيا وتونس، وحتى لبنان والأردن والمغرب، وإن من دون نجاح يذكر. وتكررت الانقلابات بشكل غريب قبل ان يتعلم العسكر الدرس ويمسكوا بزمام الأمور، وليصبح الانقلاب عليهم صعبا، بعد أن تسلمت طوائفهم وأسرهم، بالتعاون مع الأجهزة السرية، الحكم، وهكذا انتهت مرحلة الانقلابات لتبدأ مرحلة دكتاتوريات الأسر! وفجأة غيرت انتفاضة تونس الشعبية الوضع لتتبعها مصر، ولتدخل ليبيا واليمن مرحلة الحرب الأهلية وتلحق بهما سوريا، وهذا دفع الناس للانتقال من بيوتهم إلى الشارع مطالبين بحريات أكبر وإلغاء قوانين الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين من الأبرياء ومحاكمة المفسدين، وإجراء إصلاحات سياسية، وحتى الآن تبدو كل هذه الحركات وكأنها انتفاضات شابة وغير دينية نجحت في كسر حاجز الخوف وأظهرت، ولأول مرة، استعداد الكثيرين للتضحية بأرواحهم من أجل الكرامة والعزة (!!) وبالرغم من أن الغالبية مؤيدة لهذه الانتفاضات، قولا على الأقل، إلا أن بعض «المثقفين» شعروا أن الأمر ينطوي على مخاطر كبيرة، فهذه الانتفاضات ستصاحبها فوضى وعدم استقرار، قبل ان تستقر بشكل نهائي، ان استقرت أصلا! كما أن هناك احتمالا كبيرا في أن تنجح القوى الدينية، والإخوان بالذات، في تسلم الحكم في أكثر من دولة، وهذا أخاف المثقفين والليبراليين، إلا أننا، كما يبدو، بحاجة لأن «نجرب» حكم الإخوان، حيث يبدو أننا لم نتعلم من فشل تجربة الملالي في إيران، وبالتالي نحن بحاجة لفشل «عربي» لنثبت خواء فكر المسيسين دينيا، وميلهم المخيف نحو الدكتاتورية. كما من الضروري كشف أسطورة الدولة الدينية، فما يصدر عن أعضائها من ضجة، إضافة لتواضع لغتهم المحنطة التي تحاول ترويج سوء أفكارهم وخططهم، سرعان ما سيبين أن ما لديهم من حلول للمشاكل الاقتصادية والتربوية والسكنية ليست باحسن من غيرهم. كما أن عجزهم عن محاسبة زعمائهم ومرشديهم سيؤدي بهم في النهاية للدكتاتورية! إضافة إلى ان احتماءهم بمجموعة من النصوص العتيقة والهلامية الخاوية التي لا تصلح لقيادة دولة عصرية بكل تعقيداتها، سيعجل بنهايتهم إلى الأبد، وفوق كل ذلك ليس امامها غير الديموقراطية طريقا، مما يعني أن عليهم القبول بـ«الآخر المختلف»، إن كان قبطيا او كاثوليكيا، وأن لهم ما للأغبية من حقوق في الإدارة والحكم، فإن قبلوا بذلك فسينسف ذلك كل سابق ادعاءاتهم، وإن رفضوها فالنتيجة أكثر سوءا!

أحمد الصراف
[email protected]

احمد الصراف

نحن وجزيرة الغنى

وصلت قبل يومين لجزيرة «بورتوريكو» الخلابة في وسط البحر الكاريبي، ويعني اسمها بالعربية «ميناء الغنى او الثراء». اكتشف كريستوفر كولمبوس «بورتوريكو» عام 1493 وضمها إلى اسبانيا، وكان يقطنها شعب الأبوريجينيس الذين انقطع نسلهم تقريبا نتيجة التعذيب في أعمال السخرة والقتل والأمراض المعدية من الأوروبيين، ولكنهم تحرروا في عام 1520، وبقيت الجزيرة بأيدي الاسبان إلى أن غزتها أميركا في 1898، وهي السنة نفسها التي تخلت فيها اسبانيا عن استعمارها للفلبين وجزيرة كوام. أصبحت بعدها «بورتوريكو» مستعمرة أميركية قبل ان تنال الحكم الذاتي في 1947 وتنتخب حاكمها ومجلسي نوابها في انتخابات حرة مباشرة، مع بقائها ضمن الكومونولث الأميركي، ولتبقى الاسبانية لغتها الرئيسية، بجانب الإنكليزية التي تتقنها الغالبية. تبلغ مساحة الجزيرة 10 آلاف كيلومتر، ويقل عدد سكانها عن الأربعة ملايين، يوجد ما يماثلهم عددا في المهجر، وهي تعتمد في اقتصادها على مساعدات الحكومة الأميركية وما يرسله أهلها في الخارج.
بالرغم من بعد الجزيرة عن عالمنا وقلة اهتمام أهلها بأوضاعنا وقضايانا، إضافة إلى تدني عدد العرب والمسلمين فيها، فإن النشرة التي يقوم الفندق الذي اقيم فيه بإصدارها يوميا، والتي تتضمن ملخصا لأخبار العالم، تكاد تقتصر، في جانبها الدولي، على اخبار العرب والمسلمين ومشاكلهم وقضاياهم، وكأن «ليس في البلد غير هالولد»! ففي نشرة اليوم هناك خبر عن فشل عقد مؤتمر القاهرة الذي كان سيضم السلطة الفلسطينية و«حماس»، وخبر آخر عن ليبيا وموقف القذافي من قوى المعارضة، وثالث عن قيام بعض قادة فصائل «طالبان» في افغانستان بتغيير مواقفهم، والانضمام إلى الجانب الحكومي المدعوم من اميركا، وخبر رابع عن زيادة عدد اللاجئين السوريين إلى تركيا والهاربين من بطش السلطة، وآخر يتعلق بضغط العسكريين الأميركيين على حكومتهم للتفاوض مع حركة طالبان، وسادس عن استمرار عدم استقرار الأوضاع في اليمن الذي لم يكن سعيدا يوما، حسبما نتذكر، والخبر الأخير عن زيادة فرص حركة الإخوان المسلمين في حكم مصر في المرحلة المقبلة!
فمتى يستريح العالم من مشاكلنا وقضايانا؟

أحمد الصراف
[email protected]

مبارك الدويلة

حصاد السنين .. ويبقى الإسلام شامخاً

عظمة هذا الدين انه من عند الله..
وعظمة هذا الدين انه خاتم الأديان.. وأكملها.. وأتمها.. وأصلحها للعباد.
ودليل هذه العظمة انه منذ أربعة عشر قرناً.. وكل يوم تتأكد صلاحية هذه العقيدة وكمالها.. وكلما اكتشف العلم حقيقة قاطعة وجدناها في القرآن، منذ ذلك الوقت البعيد كانوا أعراباً.. حفاة عراة.. لا يعرفون غير السلب والنهب وتسود فيهم شريعة الغاب.. فأكرمهم الله بالإسلام.. وحدد الحقوق والواجبات الفردية والجماعية.. ونظم العلاقات الإنسانية والاجتماعية.. فأصبحوا بنعمة الله اخوانا.. فأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.
وكانوا ضعافا اذلاء.. تغزوهم الفرس وتسلبهم الروم وتذلهم.. حتى أصبح المناذرة حاشية للفرس والغساسنة حاشية وحماة للروم، وعندما انتصر العرب في ذي قار سجلها التاريخ لندرة المعارك التي ينتصر فيها العرب قبل الإسلام، ولما جاء الإسلام أعزهم الله.. وأصبح الروم إذا سمعوا بجيش المسلمين تحرك من المدينة يرتعبون ويعلنون استسلامهم قبل وصول الجيش لما رأوا من بأسه وقوته، («نصرت بالرعب مسيرة شهر» حديث شريف).
لقد أسس محمد ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ نظاما شرعيا قانونيا.. وحدد الأطر الرئيسية لنظام اقتصادي فريد.. وأعطى للنفس البشرية قيمتها («من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً».. صدق الله العظيم). وأصّل للعلاقات الاجتماعية («المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله»، «وبحسب امرئ من الشر ان يحقر أخاه المسلم»، «ليس المسلم بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء»). ولما استمر الخلفاء يحكمون بشرع الله ويطبقونه.. فتحت لهم الأمصار ودانت لهم الأرض بشرقها وغربها وتطور العلم والبحث العلمي بشكل كبير، لكنهم عندما تركوا ذلك وانغمسوا بالشهوات والملذات وأصبحوا (تأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) انطبق عليهم قوله تعالى «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، فصدوا عن الله.. وصد الله عنهم.. ورجعوا كما كانوا قبل أربعة عشر قرنا شتاتا هنا وهناك.. بعضهم ولاؤه للغرب.. وبعضهم ولاؤه للشرق.. وبعضهم ولاؤه لشهواته.. وأصبح الدين تهمة.. والتدين شبهة.. والعمل الخيري جناية.. فنشأ التطرف بكل اتجاهاته.. واختلط الحابل بالنابل.. والتبس الأمر على جيل هذا اليوم ولم يعد يعرف الحق من الباطل.. واستغل دعاة التطرف الليبرالي هذا الظرف فأخذوا يطعنون بأصول الدين ومفاهيمه، ولم يوضحوا للناس ان العلة ليست في الدين بل في ترك الناس لتعاليم الدين.. وكثرت الشبهات وانتشر عبدة الدينار في كل مجال وتشوه العمل الخيري وتشوه الدعاة وما زال البعض يحاول تشويه الدين.. لكن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.. والحمد لله انتبه الناس الى ما آلت اليه أحوالهم وهاهم يعودون الى الله من جديد وهاهم يرفعون الراية الإسلامية بعد ان هجروها.. وها هي «الجمعة» تحيي في النفوس معاني العزة وتعيد للعقل كرامته.

محمد الوشيحي

ختامها عبق

في رسالة أشبه بالنقطة آخر السطر، كتب الروائي الكبير فؤاد قنديل هذه المقالة ليختم بها سجالنا… وبعد أن أشكر أستاذي القنديل، أتمنى ألا يكون أحد منا قد تجنى على قبور الأموات.
وها هي المقالة المسك تعطروا بعبقها:
الكاتب القدير الأستاذ محمد، لك التحية القلبية، والأمنيات العطرة، والشكر الجزيل على تعليقاتك النبيلة، التي تبغي مخلصة بلوغ الحقيقة.
أما قبل – فإن العشاء يحق لك عليّ ليس لما تحسبه انتصاراً بلغته وأعلنته، بل لأسباب أخرى، منها:
أولاً: أن العشاء مستحق لك عليّ منذ سنوات تقديراً لمقالات مبدعة وفائقة الأدب، لها قدرة فريدة على تحليل المعاني والمباني… الألفاظ والمواقف، وقد اعتدت أن أتلقاها بتركيز ومحبة واستشراف للجمال الذي تشعه، وقد عبرت عن هذا في رسالة بعثت بها إليك قبل عام، ويبدو أنها لم تصل.
ثانياً: أنك استقبلت اختلافي معك استقبال الكريم الذي لا ينزعج من الآخر، ولا من رأيه، مهما بدا مناقضاً، أو على غير الهوى.
ثالثاً: أنك أقبلت تبحث وتنقب عن الأسانيد والأدلة التي ترجح رأيك وتؤكده، وهي سمات أثمنها غالياً، لأنها سمات العالم الجاد الذي لا يكتفي بتدبيج المقالات، وتسويد الصفحات، بقدر ما تعنيه دقة المعلومة، وصواب الرأي، متجنباً الظلم قدر الطاقة.
أما ردك الذي احتشدت له، فاسمح لي أن أعلق عليه بما يلي:
1 – ليكن ما ذكرته عن منح عبد الناصر أوسمة رفيعة للحكيم وإحسان وغيرهما جزءاً لا يتجزأ من محاولتنا المتواضعة لرصد موقفه من الأدباء.
2 – أنا لا أدافع عن عبد الناصر، ولكني لا أميل إلى إنكار حقائق ذات أهمية بالغة، ودور صعب تجاهله.
3 – كان عبد الناصر في عيد العلم يكرم عدداً من الأدباء، ويتم اختيار أحدهم ليلقي كلمة، ففي السنة الأولى ألقاها لطفي السيد، والتالية طه حسين، وكان عبد الناصر يقول ليوسف السباعي الذي يتولى المهمة بكاملها: ليتني أعرف أهم النقاط التي سيتناولها الكاتب لأعلق عليها، أو أبني عليها خطبتي. وفي العام الثالث اختير العقاد ليفوز ويلقي كلمة الكتاب، وطلب منه السباعي ملخصاً للكلمة فرفض العقاد، وقال السباعي ذلك للرئيس فضحك، وقال: إذا لم يفعل العقاد هذا فلن يكون العقاد.
4 – خاف ثروت عكاشة أن يعرف الرئيس بأمر فيلم «شيء من الخوف» الذي يصور عصابة تحكم قرية وتهدد أهلها، وطلب عدم عرض الفيلم من أساسه، وبلغ الأمر عبد الناصر فقال: أراه، وبعد أن شاهده صفق، وقال: هذا فيلم رائع، فقال له ثروت: يقال إنك أنت رئيس العصابة، فقال: وهل هذا يمنع عرض الفيلم، ولو كان الأمر كما يقال لحقّ للشعب إطلاق النار علينا جميعاً.
5 – خاف ثروت أيضا من فيلم «ميرامار» الذي يهاجم الاتحاد الاشتراكي والثورة والحراسات، وطلب وقف عرضه، ورآه عبد الناصر، وطلب عرضه لأن الأمور لا تستقيم بلا نقد، وحدث مثل ذلك مع مسرحية «الفتى مهران» للشرقاوي وغيرها.
6 – إذا سألنا النقاد والكتاب في كل أنحاء العالم العربي عن أزهى عصور الفن والأدب في مصر، فسوف يقول الجميع أو المنصفون على الأقل: إن عقديّ الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي لا نظير لهما في الإبداع الشعري والروائي، وكذلك في المسرحية والقصة القصيرة.
7 – تحدثت أستاذ محمد عن حاكم توقف عند كلمة هنا أو كلمة هناك، فهل لأنه قال تصبح على محبة بدلاً من تصبح على حب، يكون إحسان قد ذاق الأمرين علي يديه كما قلت في مقالك؟ وقال عبد الناصر لأنيس منصور: إن أسلوبك الصحافي بديع وجذاب، وفكرك متوقد، فلماذا تكتب عن تحضير الأرواح وعن أشياء خفيفة، مصر تحتاج منك إلى الكثير والأهم. فهل هو بهذا كان دكتاتوراً؟ وتحدثت عن تدخل عبد الناصر، هل التدخل يجعل الحاكم دكتاتوراً؟ فما هو موقف لينين وهتلر وستالين وخروشوف وصدام والقذافي وغيرهم.
8 – لا أنكر ولا أقبل ما حدث لبعض المفكرين الذين أمر عبد الناصر بسجنهم، وما زلت في غاية الدهشة من هذا السلوك، والأغرب أن كل من سجنهم تقريباً من مؤيدي فكره وتوجهاته.
9 – عبد الناصر زعيم كبير، ومن المؤثرين في التاريخ، ومن الإنصاف دراسته في إطار ما سبقه وفي إطار عصره، وهو في الوقت نفسه بشر له إيجابياته وسلبياته.
10 – أتذكر الآن رغماً عني حادثاً لا علاقة له بالموضوع، إنه موقف عبد الناصر من عبد الكريم قاسم الذي تأهب بجيشه عام 1963 ليحتل الكويت قائلاً إنها المحافظة العراقية رقم 19، وهنا أرسل إليه الزعيم برقية عاجلة يقول فيها: لو تحركت خطوة واحدة باتجاه الكويت فسوف أكون في مواجهتك بعد ساعات، ولن أسمح لك أن تلمس أرضها أبداً.

احمد الصراف

طموحات الشيخ أحمد

ترشح حميد فرنجية في عام 1952 لرئاسة الجمهورية اللبنانية، وكان حظه كبيرا، ولكن البرلمان، وخوفا من أن يستغل شقيقه سليمان، المتهم بقتل مجموعة من خصومه في إحدى الكنائس، منصب أخيه، اختار كميل شمعون للرئاسة. وتمر الايام وينتخب البرلمان اللبناني، ما غيره، الشقيق سليمان، ما غيره، لرئاسة الجمهورية اللبنانية!
***
لا يختلف اثنان على أن خروج الشيخ أحمد الفهد من الحكومة ليس إلا مقدمة لعودته لها بطريقة او بأخرى، فكما قال تشرشل: البشر يموتون مرة واحدة، أما السياسي فيموت عدة مرات، وأحمد الفهد لم يحن اوان موته، سياسيا – على الأقل – وهو سيكون عبئا على رئيس الوزراء، داخل الحكومة وخارجها.
يمتلك الشيخ الوزير السابق، أحمد الفهد، مؤهلات عدة يفتقد لها قطاع كبير من ابناء السلطة، ومنها كاريزما قيادية لافتة، وإن بسبب تواضع قدرات المجتمع الذي يعمل ضمنه! لكن بالرغم من كل هذه القدرات فإنه يشكو من نقاط ضعف أساسية ثلاث، على الأقل: منها طموحات أشقائه، وهذا موضوع مقال منفصل، وقلة المادة تحت يديه، وهو يعلم أن تحقيق مشروعه السياسي يتطلب الكثير منه لكسب الولاءات، وهذا أصبح اكثر صعوبة، وبالتالي تطلب الأمر اللجوء الى مصادر كسب مبتكرة كمشروع المجلس الأولمبي الآسيوي، الذي يمثل الدجاجة التي تبيض، او ستبيض ذهبا، ان مرت بسلام، وهو مشروع مخالف من العيار الثقيل، ما كان يجب أن يمر على ما يسمى المجلس البلدي واملاك الدولة وديوان المحاسبة. وبالتالي، فإن أي افشال للمشروع، وهذا ما سيدفع به معارضوه، داخل الأسرة والمجلس والحكومة وخارجهم، سيعني في النهاية تضعيفا لقدراته المادية وتأخيرا لتحقيق طموحاته السياسية!
أما مشكلته الثالثة، فتكمن في حلقة «المستشارين» التي تحيط به، والتي يعود تاريخ غالبيتها – كما يقال – الى أيام انغماسه في الرياضة! كما لم يعرف عنه تقريبه لأي من أصحاب الرأي أو الفكر!
وعلى الرغم مما يحاول البعض الترويج له من مميزات الرجل الشخصية من «طيبة قلب مع الجميع»، وانه «راعي نخوة وفزعة»، فان هذه ليست صفات السياسي العصري، فمثلها ينفع في مجالات أخرى كثيرة، فمن يحاول كسب الجميع يخسر عادة الجميع، او الأغلبية على الأقل، في نهاية الأمر، وأعتقد – بكل تواضع – أن المطلوب منه مراجعة كامل حساباته، وتغيير استراتيجياته، فهل يمتلك القدرة؟ لا شك لدي في ذلك!

أحمد الصراف
[email protected]

علي محمود خاجه

مع الرئيس وأمرنا لله

  لا أرغب في استمرار سمو الرئيس، ولا أعتقد أن مشاكل البلد ستحل بطريقة إدارته التي ترضخ، وأحيانا تقترح من نفسها، صرف الأموال في كل جهة دون حل جذري منطقي وموضوعي.
فغلاء الأسعار لا يحل بزيادة الرواتب بل بتقنين الأسعار، وارتفاع أسعار العقار لا يحل بزيادة البدلات بل بتحرير المزيد من أراضي الدولة، وزيادة الأمراض لا تحل برحلات العلاج إلى الخارج بل بتوفير العلاج المناسب في البلد، وتردي الخدمات التعليمية لا يحل بالبعثات الخارجية أو الداخلية في المؤسسات التعليمية الخاصة بل من خلال تطوير المدارس والجامعات والهيئات التعليمية الحكومية، وهلم جرا على كل القطاعات المتردية وهي كل القطاعات تقريبا.
وكل الأمور السابق ذكرها لم تُعالج بل استمر نهج المحاصصة والمجاملة وأحيانا التخوف من بعض الحناجر النيابية من قبل الحكومات المتعاقبة، فكان الضحية المجتمع بشكل عام، والمستفيد بعض الأفراد من هنا وهناك، ولا ألتمس إلى اليوم أي خطوة تجعلنا نتفاءل بالمستقبل الإداري للحكومة الجديدة القديمة، وعليه فأنا لا أرغب في استمرار سموه كرئيس للسلطة التنفيذية.
لكن دعونا نتوقف قليلا، ونفكر كيف لنا أن نبعد تلك الإدارة بالأطر الدستورية، أو على الأقل نحاول أن نقومها في عمر المجلس المتبقي قبل أن نعود إلى الاختيار على أمل أن نحسنه فعلا.
فالحل المنتهج اليوم من قبل بعض النواب، وهو تقديم استجواب تلو الآخر إلى سمو الرئيس حل خاوٍ فارغ ضعيف لا داعي له أبدا، فالمجلس كما هو واضح للجميع لا يملك من أمره شيئا، والأصوات محسومة مهما عظم الفساد وكبر وأحسن الظروف، أقول أحسنها، لن تحقق أكثر من 22 صوتا نيابيا لعدم التعاون، وكل جلسة استجواب تتحول إلى سرية بإرادة مجلسنا المنتخب منا، وهو ما يعني أننا لا نتمكن حتى من سماع المرافعات كي نشكل الضغط الكافي للتغيير.
وهذا ما ينتج البطالة المقنعة للمجلس حتما، فالاستجوابات المتتالية التي لا فائدة منها حسبما أرى تأخذ جلسات كاملة من عمر مجلس الأمة، وبالتالي فإن الدور التشريعي يختفي لأن الاستجواب يسبق كل بنود جدول الأعمال، ويلغيها من جلساتها المخصصة.
لقد أسأنا الاختيار، وعلينا أن نسلم بهذا الواقع، فلا «جمعة وثيقة» ولا « جمعة غضب» ولا «جمعة رحيل» ستجدي نفعا أبدا، وسيطرة الحكومة على المجلس هي صنيعة أيدينا، وسمو الأمير صاحب الحق الدستوري الوحيد بحل مجلس الأمة، فدعونا نستثمر ما يمكن استثماره من هذا المجلس بدلا من تكرار الأسطوانة دون جدوى أبدا، وعندما يحين الاختيار مجددا سيكون لنا كلمة أخرى ستجعل سمو الرئيس يرحل إن رغبنا فعلا في ذلك، وانعكست رغبتنا على اختيارنا.
بقاء سمو الرئيس مدة سنتين لحين الانتخابات المقبلة واقع صنعناه بأيدينا واختيارنا، وليس من المنطقي أن نحاسب سموه على كعكة الاستسلام النيابي للحكومة التي قدمناها له على طبق من ذهب، ونلوم الحكومة على التهامها تلك الكعكة!!

ضمن نطاق التغطية:

من خلال متابعتي لنوّاب الحكومة لاحظت أن أغلبيتهم العظمى هي ممن فازوا بسبب الفرز القبلي «الفرعيات» أو الفرز الطائفي «الدائرة الأولى» أو من التيارات الدينية… والقبيلة والعائلة والطائفة والدين تأتي في أعلى سلم أولويات الكثير من أبناء المجتمع، وبالتالي لن يتغير أو تنصلح الحال ما دامت الأولويات بهذا الشكل.

احمد الصراف

… أهلاً بك في هولندا*

لكي أساعد غيري في تقبل الأمر والتعامل مع المشكلة بروح جديدة، فقد طلب مني الكثيرون أن أصف خبرتي في تربية طفل ذي اعاقة. فعندما نقرر انجاب طفل فاننا في الحقيقة «نخطط» للأمر بعناية فائقة وكأننا نخطط للقيام برحلة جميلة رائعة لربوع ايطاليا للاستمتاع بدفء شمسها وحيوية شعبها. من أجل ذلك، نقوم بقراءة كل ما تطاله ايدينا من معلومات عن ايطاليا، وتاريخها وآثارها، ونمني النفس برؤية روائع مايكل انجلو، وكوليزيوم روما، وركوب جندول فينيسيا، ونشعر بالبهجة ونحن نتعلم «بونجوري، ومولتوبيني، وكرازياس» وغيرها. وبعد اشهر من الانتظار المثير يأتي يوم السفر فنقوم بتحضير أنفسنا، وبعد ساعات تحط الطائرة على الأرض وترحب بنا المضيفة قائلة: أهلا بك في هولندا! ونرد باستغراب: هولندا؟ ماذا تعنين بذلك، لقد خططنا للسفر الى ايطاليا، وهذا هو المفترض، وهذا ما حلمنا به طوال حياتنا! فترد المضيفة قائلة: أعتذر عن ذلك، فقد اضطررنا لاجراء بعض التغيرات، والهبوط في هولندا، وعليكم تقبل ذلك!
علينا هنا أن ندرك أن الطائرة لم تأخذنا إلى مكان مرعب ومثير للاشمئزاز أو القرف ويمتلئ بالحشرات والجوع والمرض، بل فقط لمكان مختلف عما حلمنا به طوال حياتنا، وما علينا هنا سوى الذهاب للتعلم عن جغرافية هولندا وتاريخها وحفظ كلمات جديدة، لأننا سنقابل هنا أناساً مختلفين تماما عما سبق ان خططنا. كما أن حركة الهولنديين وردود أفعالهم أكثر بطئا من الايطاليين، وتصرفاتهم اقل بهرجة وصخبا! وما ان تستقر الأمور ونتمعن في ما حولنا، بعد التقاط أنفاسنا، سنكتشف أن في هولندا طواحين هواء رائعة وزهور توليب جميلة وأن هناك رامبرانت! ولكن مع هذا فجميع من نعرف مشغول بالذهاب إلى إيطاليا أو القدوم منها، والكل يتحدث عن مدى روعتها وجمالها، وهذا سيجعلنا نقضي بقية عمرنا نقول لهم: نعم، نعم، كان من المفترض أن نسافر الى ايطاليا، فتلك كانت خطتنا.
ان ألم فقد ذلك الحلم لن يذهب ويمحى أبدا أبدا أبدا، وستبقى الحقيقة المؤلمة ماثلة أمام أعيننا مدى الحياة، ولكن ان اضعنا وقتنا ونحن نتألم ونتحسر لعدم السفر الى ايطاليا، فسيحرمنا هذا من روعة التمتع بما في هولندا من اشياء وأماكن خلابة وتجارب جميلة.
فاذا كنت من اولئك الذين حطت طائرتهم في هولندا، وقررتم المعيشة فيها، بدلا من ايطاليا، وتشعرون بالحيرة والارتباك، فما عليكم، للتغلب على شعور الوحدة، سوى زيارة موقع Emily Perl Kingsley.

ترجمة عن مقال كتبته اميلي كنزلي، 1987.

أحمد الصراف
[email protected]

محمد الوشيحي

العشاء أيها القنديل

تلك منازلهم وتلك رسومهم…
كنت قد تطرقت في مقالة سابقة إلى ما فعله عبدالناصر في بعض الأدباء، ومنهم إحسان عبدالقدوس، فكتب الأديب العربي فؤاد قنديل مقالة تدافع عن عبدالناصر وتنكر عليّ، مختصرها: «قل هاتوا برهانكم»، فاتصلت بمحمد إحسان عبدالقدوس أسأله فأجابني: «نعم، عبدالناصر هو من سجن والدي لا مجلس قيادة الثورة، وكان ذلك في عام 1954»… إذاً هذه واحدة يا قنديلنا الذي ينكر أن عبدالناصر دكتاتور تعسف مع الأدباء.
ثم استنجدت بمقاتلي «تويتر» ليعينوني في بحثي عن رسالة عبدالقدوس إلى عبدالناصر، التي لا أتذكر أين قرأتها، فدلوني على الرسالة الكنز، فوضعت الحبل في عنقها والقيد في يديها وأتيت بها هنا، لعلها تكون قنديلاً لقنديلنا فؤاد وبقية عشاق عبدالناصر. على أن أضع كلام عبدالقدوس بين مزدوجين، وأضع هلالين وبينهما نقاطاً – هكذا (…) – للجمل التي لا تعني موضوعنا، أما ما سأكتبه بين هلالين فهو تعليقي. وهاكم بعض ما كتبه إحسان في شرحه لرسالته:
«… لأن الثورة كانت تخطو خطوات ناجحة قوية وكان عبدالناصر في أزهى انتصاراته بعد تأميم القناة وفشل العدوان الثلاثي، حتى أصبح الكثيرون منا يعطونه الحق في كل شيء حتى في فرض الرقابة العنيفة (يقصد الرقابة على الصحف بحسب ما ساقه في الفقرات التي سبقت هذه)… إن النجاح يبرر كل الأخطاء».
وتعالوا نكمل القراءة: «وأصبحت آراؤه الخاصة (يتحدث عن عبدالناصر) في ما ينشر في روز اليوسف تصلني إما عن طريق الرقابة وإما عن طريق أصدقاء مشتركين»… لاحظ كلمتي «رقابة وآراؤه الخاصة»، ونكمل: «وعندما تعمدت إهمال السياسة والتفرغ للأدب لم أسلم من تزمت عبدالناصر»! هل قال «تزمت»؟… ثم تحدث عن أن عبدالناصر أراد منه أن يستبدل جملة «تصبحوا على حب» التي كان يختم بها برنامجه الإذاعي إلى «تصبحوا على محبة»، ويعلق إحسان: «فتوقفت أيامها عن حديث الإذاعة وإلى اليوم»… بالله عليكم كيف يكون التدخل إذا لم يكن هذا تدخلاً؟
وخذوا هذه الفقرة التي اقتطعتها من رسالته للزعيم: «أبلغني صديقي الأستاذ هيكل رأي سيادتكم في مجموعة القصص التي نشرتها أخيراً بعنوان «البنات والصيف»، وقد سبق أن أبلغني نفس الرأي السيد حسن صبري مدير الرقابة واتفقت معه على تعديل الاتجاه الذي تسير فيه قصصي»… سأعيد كتابة الفقرة «اتفقت معه على تعديل الاتجاه الذي تسير فيه قصصي».
وتفضلوا وتفضل يا قنديلنا ما كتبه القنديل الأكبر إحسان عبدالقدوس في رسالته تلك دفاعاً عن نفسه: «يبقى بعد هذا ما حدثني به الزميل هيكل عن دعوة الإلحاد في صحف روز اليوسف والمقالات التي ينشرها مصطفى محمود… وقد أوقفتُ نشر مقالات مصطفى محمود الخاصة ببحث فلسفة الدين (طبعاً بناء على ضغوط من عبدالناصر) ولكنني أحب أن أرفع إلى سيادتكم رأيي في هذا الموضوع (…) إني مؤمن بالله يا سيدي (كتب هذا بعد أن بيّن أنه كان متهماً بالجنس والإلحاد)… لست ملحداً… ولعلك لا تعرف أني أصلي… ولا أصلي تظاهراً ولا نفاقاً، فإن جميع مظاهر حياتي لا تدل على أني أصلي… ولكني أصلي لأني أشعر بارتياح نفسي عندما أصلي، ورغم ذلك فإني أعتقد أن ديننا قد طغت عليه كثير من الخزعبلات والأتربة والتفسيرات السخيفة، التي يقصد بها رجال الدين إبقاء الناس في ظلام عقلي، حتى يسهل عليهم استغلالهم والسيطرة عليهم».
ويعلق إحسان على رسالته التي لا يتذكر هل بعثها إلى الزعيم أم لا: «هذه هي الرسالة التي كتبتها عام 55 لجمال عبدالناصر، وبين كلماتها ما يعبر عن مدى ثقتنا به وحبنا له في هذه الفترة (…) قبل أن تبدأ فترة الستينيات (…) التي أخذت منا كثيراً من الحب الذي كان يجمعنا بعدالناصر».
تلك منازلهم وتلك رسومهم أيها القنديل، لم نزيفها، وما حدث لعبدالقدوس ينسحب على غيره بالطبع ويؤكد تسلط «الزعيم». هذا بخلاف ما فعله مدير مخابرات عبدالناصر «صلاح نصر» في أهل الفن… أقول قولي هذا وأنا أنتظر رد أستاذي القنديل أو دعوته على العشاء البحري – كما نص الرهان – وهو يرفع راية بيضاء فاقعاً لونها تسر الناظرين، بعد أن ثبتت رؤية الهلال. وعهد ووعد بأن أتناول العشاء والرسالة في جيبي، وإذا أراد قنديلنا نسخة من الرسالة فستصله قبل أن يرتد إليه طرفه.
واللهم اسقِ قبور الأدباء القناديل، وارمِ عروش الطغاة بالطير الأبابيل… آمين.

احمد الصراف

القرب والبعد عن العقيدة

يقول صديقي الكاتب المصري غير الشهير انه كان ولا يزال مسلما مؤمنا، ولكن إسلامه معتدل ومحدّث يركز على الشعائر والعبادات وما يوافق مبادئ المحبة والرّفق والإحسان وحسن الخلق، وهو ما علمته إياه المناهج التعليمية. وقال انه كان في نعمة، وكان هذا قبل زيادة التعليم والسفر والاختلاط بالشعوب الأخرى، ومن بعدها ظهور الانترنت والمحطات الفضائية التي جعلت المعلومات والأخبار تنساب بين الناس بسرعة وغزارة غير مسبوقة، مبرزة بشكل فج الإنجازات العلمية لسكان دار الكفر وتحويل العالم لقرية صغيرة.
قبل هذه الثورة العلمية التي لا ناقة لدار الإسلام فيها ولا جمل، كان صديقي فرحا بدينه مباهيا به باقي الشعوب والأمم، فحتى الثمانينات تمّ تطعيم المناهج التعليمية بإسلام غير متطرف، وكان حتى أئمة المساجد يلقون خطبا تأتيهم من الوزارة، وحسب سياسات معينة. ويقول كنا فضلا عن ذلك شبه معزولين عن العالم ولم تكن للكثير من دولنا علاقات دينية عقائدية مع مراكز التشدد الديني، وإن كانت الشرارات الأولى لفكر الإخوان وليدة السلفية الوهابيّة، التي بدأت تقدح هنا وهناك مشعلة نيران صحوة مزعومة لم يكن يعلم أنها صحوة للتخريب والفوضى والكراهية والرعب والبشاعة ولإقامة مملكة الشَّعر (بالفتحة فوق حرف الشين) وليسود ذوو الوجوه العابسة المتجهّمة المرعبة، وأنها صحوة لإحياء فريضة الجهاد الغائبة بين المواطنين، بعد تقسيمهم لفئة ناجية وأخرى ضائعة يتطلب الأمر قتالها فهي موعودة بالنار! وهكذا انطلقت الحرب المقدّسة وظهرت فرق الموت والمفجّرين والانتحاريين وقاطعي الرؤوس في كل مكان، في الوقت الذي كانت البلاد تشهد مدّا جارفا لا مثيل له راح يجرف في طريقه كل ما عرفه وما انتقاه ونقحه من دين، وهو المدّ الذي تمثّل أساسا في كمّ هائل من دوريات وكتيبات وشرائط سمعية بدأت تصل الناس عبر البريد مجّانا لتعيد غربلة أفكارهم وتعليمهم على نهج السّلف الصّالح! ولعب البترودولار دوره في نشر المطبوعات وتجييش الدعاة والرّعاة الأجلاف بغير جهد بفضل منتجات شركات الكفر، وانتهى الحال بإغراق الأمّة من أقصاها إلى أقصاها بقنوات فضائيّة تمارس التجهيل والتّنويم والمتاجرة بالدّين عن طريق أرمادة من الجهّال والتّيوس والدجالين والمنافقين الذين لا يعنيهم غير حساباتهم البنكيّة وبطونهم وغيرها من متعهم. ويقول بأنه الآن، وبعد أن أتاح له غوغل ومكّنه من الإبحار بيسر وأمان كيفما شاء في التّراث ومصادره المختلفة والمتنوّعة واجتهادات مشايخه وتأويلاتهم أدرك أن الغالبية، العظمى، بعيدة جدا عن… الحقيقة!
أحمد الصراف
[email protected]

مبارك الدويلة

هل يكون الوزير مظلوماً؟

أحالت لجنة التحقيق في مشاريع طوارئ الكهرباء ثلاثة وزراء الى المحكمة الخاصة بالوزراء، هذا إجراء طبيعي ما دام اتبعت فيه وسائل طبيعية وإجراءات عادية، لكن ما يهمني في هذه المقالة هو إحالة المهندس محمد العليم وزير النفط وزير الكهرباء السابق الى هذه المحكمة من قبل تلك اللجنة البرلمانية، التي شكلها مجلس الأمة للبحث عن الحقيقة في اتهامات بشراء مولدات كهرباء سكراب وتحت ذريعة خطة الطوارئ لصيف 2007!
فكيف للجنة تحقيق تبحث عن الحقيقة وتتحراها توجه اتهاما لشخص من دون أن تطلبه أو تسمع منه وجهة نظره في ما توافر للجنة من معلومات؟!
أنا شخصيا استنكرت هذه الإحالة العرجاء، وبحثت شخصيا في الموضوع علّ وعسى أن أصل الى شيء، ويا لهول ما توصلت اليه! معلومات كثيرة لم تصل الى اللجنة لأنها لو وصلت وأصدرت اللجنة حكمها بإحالة الوزير العليم للمحكمة فستكون مصداقية اللجنة تحت المحك!
جاء محمد العليم الى الوزارة في نهاية مارس 2007، وكانت الوزارة قد انتهت في 2006 من وضع آلية لاعتماد مشاريع الطوارئ، وهذه الآلية تم اعتمادها من جميع الجهات الرقابية. وقد تم توقيع معظم مشاريع الطوارئ قبل مجيء العليم الذي أدرك فقط ثلاثة مشاريع (عقود) تم توقيعها وفقا للآلية خلال الستين يوما الأولى من توليه الوزارة. ولكن السؤال ماذا حدث خلال هذه الفترة التي سبقت اعتماد عقود طوارئ 2007؟! لقد تم بالضبط ما يلي:
ــ وافق القطاع الفني على العروض الفنية المقدمة وأصدر توصياته.
ــ وافق القطاع المالي بعد التدقيق على التوصيات.
ــ أحيلت العروض للجنة المناقصات للتدقيق واعتماد الممارسة المطابقة للمواصفات والشروط.
ــ تحال الممارسة المعتمدة من لجنة المناقصات الى ديوان المحاسبة للتدقيق والاعتماد والموافقة.
ــ بعد موافقة هذه الجهات يحال العقد بصيغته الى ادارة الفتوى والتشريع لاعتماده بشكل نهائي.
ــ بعد كل هذه الموافقات واعتمادها من وكيل الوزارة يعتمدها الوزير.
السؤال الآن: إذا كان الوزير نفذ فعليا كل هذه الإجراءات قبل الموافقة، فهل تلحقه ملامة أو مساءلة؟
للعلم، فقد تبين لي أن هذه المولدات الكهربائية تعمل اليوم بكل طاقتها الانتاجية وليس كما ادّعى البعض بانها سكراب!
ختاماً، أرجو أن اسمع نقاشا ونقدا موضوعيين لما كتبته، وألا نركز على انتماء الوزير المعني وكاتب المقال الى التنظيم السياسي نفسه، ونعلق عليه تاركين العقل والضمير يطرقان الأبواب فلا يفتح لهما.