احمد الصراف

لا ثمن للحب

تزايد عدد الجراء عند مزارع فقرر بيع البعض منها، ومن أجل ذلك قرر وضع لوحة إعلان بيع على سور مزرعته، وعندما كان يدق آخر مسمار فيها شعر بيد تسحب طرف معطفه، فنظر إلى الأسفل فرأى طفلا يقول له: يا سيدي، أريد شراء أحد كلابك. فقال له المزارع، وهو يمسح العرق عن جبينه: إن هذه الجراء ذات أصل طيب، وقد تكلفت الكثير في تربيتها! فطأطأ الصبي برأسه، والحزن باد عليه، ثم وضع يده في جيبه وأخرجها وبها بضع قطع نقدية، وقال: إن لدي 39 سنتا، فهل يكفي ذلك لكي ألعب قليلا معها؟ فقال المزارع بالتأكيد، وهنا أصدر صفيرا من فمه ونادى على كلب منها، فخرج كلب كبير تتبعه أربعة جراء صغيرة، فألصق الصبي وجهه على السياج الحديدي والفرحة تغطي محياه وانتبه، والكلاب تقترب منه، أن في القفص جرواً آخر يحاول بصعوبة الخروج، ولاحظ أنه يعاني من صعوبة في المشي نتيجة تشوّه واضح في احدى قدميه، ولكنه، وبجهد واضح، تمكّن من اللحاق بالبقية، وعندما اقترب من السور تبين واضحا صغر حجمه مقارنة بالبقية، وهنا قال الطفل للمزارع، وهو يشير إلى ذلك الجرو ذي القدم المعيبة: أريد شراء ذلك الجرو، فكم ثمنه؟ فانحنى المزارع نحو الطفل، وقال له: يا بني، لا أعتقد أنك جاد في رغبتك في شراء ذلك الجرو، فهو عاجز عن الجري واللعب معك، كالجراء الأخرى!
وهنا ابتعد الطفل عن السور، وشرع في رفع البنطال عن قدمه اليمنى وكشف عن رجل مصنوعة من قضيب من الحديد مرتبطة بطريقة خاصة بحذاء من الجلد، وقال: انظر يا سيدي، أنا أيضا لا أستطيع الجري بطريقة جيدة، فهذا الجرو بحاجة لمن هو في مثل حالتي ليتفهمه! وهنا قام المزارع، والدموع تملأ مقلتيه، برفع ذلك الجرو الصغير عن الأرض وأعطاه، عبر السور بكل عناية، للصبي الصغير الذي سأله باستغراب، كم ثمنه: فقال المزارع: إنه لك مجانا، فليس للحب ثمن!
إن العالم مليء بمن يريد أن يتفهمه الآخرون بطريقة أفضل.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

ليدز آند جنتلمن

حفظ الله فضائيات أميركا وأوروبا وصحفهما، وحمى الله «رويترز» وأخواتها وكالات الأنباء الغربية من كل مكروه، وجزى وسائل إعلام الغرب عن العربان كل خير، وسقى المنظمات العالمية ومجلس الأمن ماءً زلالاً طيباً مباركاً فيه… ليش؟ لأنه لولا الخوف من أن تفضحهم هذه المؤسسات لتعامل حكام العربان مع شعوبهم كما تتعامل أمهاتنا مع الهريس.
فالمواطن العربي في عين الحاكم أقل من سعر التكلفة، أقصد تكلفة رصاصة، والحاكم العربي ينظر إلى شعبه كالزوجة الأولى الدميمة، بشحومها المكتظة، ومنظرها الذي يجلب الخضة، وحضنها الذي يصيب الصدر بالرضة، في حين يرى الأميركان والأوروبيين كزوجته الجديدة الغضة، ذات الأصابع البضة، والأسنان الفضة، والشفاه التي تستحق العضة… لذا يتعامل مع زوجته الأولى بالكف على الوجه كلما نطقت، ويترك ثلاجتها خالية إلا من الخبز اليابس الذي يضمن بقاءها على قيد الحزن، ويتعامل مع الثانية بالتودد والتمحلس المبين، ويتحول أمامها إلى مارد الإبريق الأمين.
ويتساءل البسطاء والسذج أثناء ثورتي تونس ومصر وبعدهما: «لماذا لا يلقي الرؤساء خطاباتهم إلا بعد منتصف الليل؟»، هم لا يعرفون أن الرؤساء في خطاباتهم إنما يتحدثون إلى وسائل إعلام الغرب وحكام الغرب ومنظمات الغرب ولكن بصورة غير مباشرة، «قال يعني بدون قصد، هم الذين تجسسوا عليه واستمعوا إليه»، بل لولا اللغة والخشية من انكشاف الخطة بصورة فجة لبدأ حكامنا خطاباتهم بـ «ليدز آند جنتلمن».
حتى في اللقاءات التلفزيونية والمؤتمرات الصحافية، لا «ينجّس» زعماؤنا أيديهم بلقاءات مع قنواتنا الفضائية ولا صحفنا، لكن ما إن تطأ أقدامهم المباركة أرض «القِبلة السياسية» أميركا، حتى يستسلموا لأسئلة الصحافيين ومقدمي البرامج وهم يفشخون «شدوقهم» بضحكة تتضاءل معها ضحكة المطربة أحلام، ويجيبون عنها بكلمات تسيل الدمع من المدمع، «كلمات فازلينية»، من النوع الذي يردده السفراء العربان: «العلاقات متينة ومتجذرة، والشعبان الشقيقان تربطهما روابط عدة، والأمور مستقرة» وما شابه من الكلمات المنومة، ينطقونها بدلع وغنج، وما إن ينهي أحدهم خطابه وتنطفئ الأضواء حتى تتحرك دباباته وقواته الخاصة لدهس شعبه.
وهذا هو السبب الذي جعل شعوب الأرض تحترم نفسها، وشعوب العربان تتسابق للفوز بشرف إلقاء القصائد بين أيادي حكامها. بل إننا تفوقنا على غيرنا من العربان وأسميناهم حكامنا «المعازيب»، أي أننا خدم بينما هم سادتنا، لهم الحق في تصفيتنا والتصرف بأموالنا ونفطنا ومداخيلنا كما في العصر الأموي والعباسي: «يا غلام اقطع رقبة هذا، وأعط ذاك ألف ألف قنطار من الحنطة»… «سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين».
فيا أيها السيدات والسادة، يا أيها الليدز والجنتلمن، علي النعمة لولا خوف حكامنا من وسائل إعلام الغرب لكان وكان، فردوا الجميل وحجوا إلى بيت الله الحرام حجة عن رويترز والأسوشييتدبرس وسي أن أن وبي بي سي ووكالة الأنباء الفرنسية ومثيلاتها، واعتمروا من أجل منظمات حقوق الإنسان الغربية، وادعوا لها في ظهر الغيب… ولا أظنكم ستوفونها حقها، حتى لو حملتموها على ظهوركم.
وتعالوا ندشن حملة «شكراً… ويست ميديا» باسم الشعوب العربية، نقولها لـ: «رويترز، أسوشييتدس برس، سي أن أن، سكاي نيوز، وكالة الأنباء الفرنسية، بي بي سي، وغيرها»، ولنبدأها برويترز.

حسن العيسى

ديمقراطية العوران واستقلال القضاء

سألت النائبة معصومة المبارك وزير العدل عن أسماء ودرجات القضاة الذين تم تقديم شكوى تأديب بحقهم في السنوات الثلاث الماضية، واللجان والانتدابات والمناصب التي أسندت إليهم وشغلها كل منهم، وإجراءات التحقيق ونتائجه والعقوبات المتخذة… إلخ.
حسن النية مفترض في النائبة معصومة حين وجهت مثل ذلك السؤال اللادستوري، وقد يكون لديها خبر صادق أو ربما وشاية بأن بعض القضاة والمستشارين قدمت ضدهم شكاوى تأديب، ومع ذلك تم تعيينهم في لجان أو انتدابات أو غير ذلك، وليس هذا بالغريب والشاذ في عالم المحسوبيات الكويتي، ولا يستبعد مثل تلك الأمور في كل شؤون دولة ترسم السلطة الحاكمة على جفونها حكمتنا الأثيرة: «إن حبتك عيني ما ضامك الدهر» وليس هذا بيت القصيد الآن.
النائبة معصومة تقدمت بهذا السؤال، الذي يشكل اعتداء واضحاً على مبدأ الفصل بين السلطات، كما جاء في المادة الخمسين من دستور الدولة، وأيضاً يعد افتئاتاً جلياً على الفصل الخامس من الدستور المتعلق بأحكام السلطة القضائية وتأكيد استقلالها، إلا أن تجميل عبارات الدستور بعبارات مختلسة من دساتير حية نصاً وروحاً مسألة، وواقع الممارسة السياسية الكويتية مسألة أخرى، فتلك الممارسة تفرض علينا الإقرار بأن النظريات الحالمة في نصوص الدستور لها واقع بشع هو نتيجة حتمية لرفض السلطة الحاكمة إعمال مبدأ الفصل بين السلطات، سواء كان هذا الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية (الحاكمة بالأمر الواقع) أو بين السلطتين السابقتين والسلطة القضائية، فالنائبة استندت في سؤالها أساساً إلى نص المادة 35 من قانون تنظيم القضاء التي خولت وزير العدل سلطة الإشراف على أعمال القضاء، ومفهوم الإشراف هنا يتعدى النطاق «الإداري أو المالي» ليمس في الصميم حرية واستقلال القضاء الكويتي، فما مناسبة هذه المادة…؟! ولماذا صمت ويصمت عنها نواب الأمة كل السنوات الماضية حتى اليوم و(ربما) حتى الغد.
قبل عامين تقريباً جرت محاولات جدية من قبل بعض رجال القضاء، حين وجدوا أنفسهم في حالات كثيرة لا تقتصر على المادة ٣٥ اللادستورية (برأيي) من قانون تنظيم القضاء بلا حول ولا قوة في قضية الاستقلال الحقيقي للقضاء، الذي يجب أن يتمثل في استقلال مالي وإداري كاملين، دون وصاية السلطة الحاكمة والواهبة، وقدم هؤلاء القضاة عدة أمثلة عن الواقع المزري لإدارة شؤون العدل في الدولة وحالة اللامبالاة التي تقابل بها من قبل السلطة الحاكمة، وأبسطها اللامبالاة للحالة المضحكة والمبكية لمباني العدالة، كأن يكون قصر العدل في العاصمة «علبة سردين» أوقات الدوام أو وضع المجمعات «الشعبية» لمحاكم الرقعي!
وأرفق هؤلاء القضاة المجتهدون رؤية تقدمية بقانون مخاصمة القضاء، مع طرحهم لنيل الاستقلال القضائي الحقيقي. مشروع مخاصمة القضاء كما نجد صورته الفذة في التشريعات المصرية يبيح مخاصمة القاضي (باختصار) في حالات الغش أو الخطأ الجسيم، ويعد بهذا دعامة قوية لحقوق الأفراد وحرياتهم، وكانت هناك تصورات مكملة تفعل نصوص التفتيش القضائي، إلا أن كل هذا ذهب أدراج الرياح أو تم تناسيه مع سبق الإصرار المتخلف، أو ربما تم طيه في أدراج اللااكتراث السياسي من قبل السلطتين التشريعية (التابعة) والتنفيذية الحاكمة (المتبوعة)، وانتهى حلم قانون استقلال القضاء بعبارة قوية وقاسية وصلت آذان أهل الشأن تقول: «ماذا يريد هؤلاء القضاة، لهم أن يطالبوا بما يشاؤون في زيادة الرواتب أو غير ذلك من مزايا مالية… أما أحلامهم (وأحلامنا قبلهم) في غير ذلك فانسوها تماماً…!!».
وانتصرت القوة السياسية على القانون في صراع أبدي ندرك نتائجه مسبقاً في دولتنا وغيرها من الدول التي هي على شاكلتنا الهزيلة من دول بقايا الاستبداد «القروسطي» أي أمم تاريخ قبل التنوير في أوروبا وقبل هوبز الإنكليزي ومونتسيكو الفرنسي، وبقينا هنا يراوح نوابنا في مكانهم مرددين عبارات مملة لا تسمن ولا تغني من جوع، مثل «نفخر بقضائنا الشامخ، والعادل»! فماذا فعلتم لهذا القضاء، ألا يكفيه هذا السؤال «الفذ» لحضرة النائبة معصومة، فلنهلل لديمقراطية «العوران» القاصرة على صناديق الانتخابات، وحين تكحل تلك الصناديق بجملة «من دفع وصل»!

احمد الصراف

المؤلف المجهول

كانت هناك جزيرة تقطنها مختلف المشاعر من حب وحزن وبغض وحسد وزهو وغيرها، وفي يوم علم الجميع ان الجزيرة ستغرق في المحيط لا محالة، وان عليهم مغادرتها للأبد، فانشغل الجميع بتجهيز قوارب الرحيل، إلا الحب، فقد قرر البقاء، قائلا بانه سيبقى لآخر لحظة ليطمئن بان الكل قد رحل في أمان، وعندما أصبحت الجزيرة على وشك الاختفاء تماماً تحت الماء قرر الحب تركها، وهنا بحث عمن يمد له يد العون، وصادف لحظتها مرور «الغنى» في قارب فخم وكبير فسأله ان كان بامكانه مساعدته وانقاذه من موت محقق، فقال الغنى: آسف، فقاربي يمتلئ بالذهب والفضة ولا مكان لدي لشيء آخر! وهنا قرر الحب طلب العون من الخيلاء، الذي كان يبحر في قارب جميل، فقال هذا: معذرة، فأنت تبدو في حالة يرثى لها، ولا أريد لقاربي الجميل ان يتسخ! وشاهد الحب قارب التعاسة يمر أمامه فطلب مساعدتها، فقالت: آه، لا أستطيع، ان كل ما أريده هو ان أترك لحالي، فيكفيني ما فيني! وهنا ظهر مركب السعادة فصاح الحب: أيتها السعادة، أرجوك خذيني معك، لكن السعادة كانت مبتهجة لدرجة لم تسمع فيها نداء الحب، وهنا شعر الحب باليأس وأغرقت الدموع عينيه، وفجأة سمع من يناديه: تعال أيها لحب أنا الذي سآخذك معي! ومن فرط شعور الحب بالفرح لنجاته من موت محقق نسي سؤال من تقدم لمساعدته عمن يكون، وهنا بحث عن «المعرفة» لسؤالها عن ذلك الذي انقذ حياته، فقالت له المعرفة: انه كان «الوقت»! فقال الحب ولكن لماذا تبرع «الوقت» بانقاذي عندما تقاعس الآخرون عن ذلك؟ فقالت المعرفة، وابتسامة حكيمة ترتسم على شفتيها: ليس بامكان أحد غير «الوقت» تقدير قيمة الحب الحقيقي، فكلنا مع الوقت نعرف قيمة الحب، والسعيد من يعرف ذلك قبل غيره!
***
(المؤلف غير معروف)

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

أمنيات لم تتحقق

تقول عمشة بنت مطلق، التي تعمل ممرضة في المستشفى الأميري، إنها دونت أمنيات بعض كبار السن الذين قامت بالإشراف على علاجهم أثناء تواجدهم في المستشفى، والذين تحسروا على انقضاء سنين العمر من دون تحقيقها، ومنها:
الأول.. تمنى لو انه استغل شبابه في عمل الخير ومساعدة المحتاجين والتطوع في الأعمال الخيرية التي تتيحها اليوم اللجان الخيرية المنتشرة في البلاد، حيث انه من جيل الثلاثينات، ولم يكن المجال متاحا كما هو اليوم، حيث كان البحث عن الرزق همّ الناس في ذلك الوقت.
الثاني.. تمنى لو انه استغل صحته وعافيته في طاعة الله والإكثار من الحج والعمرة والصلاة مع المسلمين في المساجد بدلا من الشعور بالكسل واهمال الجماعة وعدم دخول المسجد الا يوم الجمعة.
والثالث.. تمنى لو انه استغل الفراغ الكبير الذي كان يعانيه في قراءة الكتب الدينية ومعرفة أحكام الدين في شؤون الحياة بدلا من الاستماع الى آراء آثار الحكيم في الحجاب وفتاوى «الدين يسر ما هو عسر» التي ضللت الناس وجعلت الدين مائعا كميوعة اللبن الخاثر!
أما الرابع فتمنى لو انه استغل الوفرة المالية التي كانت متوافرة لديه قبل سنوات عدة قبل ان يخسرها في اللهو ويضيعها في العبث، وتمنى لو انه تصدق على الفقراء وطهرها بالزكاة ودعم بها المشاريع الإسلامية التي تنفذها الجمعيات الإسلامية الكويتية في مناطق فقراء المسلمين، يقول لو فعلت ذلك لوجدت كل ما أنفقت في ميزاني غدا عندما ألقى الله عز وجل عاريا، لكنني الآن لا أملك شيئا وقد اكتوي بتلك الأموال التي بعثرتها.
ويقول الخامس: أتمنى لو يمد الله في عمري لأصحح مسيرتي، فقد كنت أصدق ما يقولونه عن الجماعات الإسلامية من انهم يرتبطون بتنظيمات خارجية ويتم تمويلهم من هناك، وكنت أقرأ لكتاب كل همهم تشويه عمل الخير وتضليل الناس بكتاباتهم عن مسيرة المتدينين، حتى انني سرت معهم في النهج نفسه، وجاءهم من اذاي ما جاءهم، وساهمت في تشويه صورتهم مع انني كنت أعلم انهم غير ذلك، لكنه الحقد الذي أعمى البصر والبصيرة.
عزيزي القارئ، هذه أمنيات كهول وشيبان لم يتبق لهم من العمر الا القليل، اذا اراد الله، ان لم يكن معظمهم غادرنا الى لقاء ربه ليقف بين يديه متجردا من كل الأسلحة الا ما قدم «وان ليس للإنسان الا ما سعى وان سعيه سوف يرى». وقال صلى الله عليه وسلم «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل مماتك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك».
فهل من عاقل يتدارك الأمر اليوم قبل فوات الأوان «ان تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وان كنت لمن الساخرين» صدق الله العظيم.

احمد الصراف

أحلام لم تتحقق

تعمل بروني وير Bronnie Ware ممرضة في احد مصحات كبار السن. وخلال عملها قامت بتدوين مشاعر ورغبات أولئك الذين كانوا على فراش الموت، ووجدت أن غالبيتهم تحسروا على عدم فعل أو القيام بأمر من الأمور الخمسة التالية، والتي لسبب أو لآخر لم يستطيعوا تحقيقها: أولا: يا ليت كانت لدينا الشجاعة لأن نعيش الحياة التي كنا نرغب فيها ونحبها، وليست الحياة التي أرادها لنا الآخرون! وهذا صحيح إلى حد كبير، وربما ينطبق الأمر على النساء، في منطقتنا بالذات، أكثر منه على الرجال.
ثانيا: أتمنى لو أنني لم اعمل بكل تلك الجدية طوال حياتي! وهذه ربما تنطبق على الرجال أكثر، وليس في منطقتنا غالبا. ويقول هؤلاء ان انشغالهم بالعمل أفقدهم متعة الاستمتاع بطفولتهم، أو برفقة شركاء حياتهم من خلال قضاء وقت أقل في المكتب أو الورشة. وتحقيق هذه الأمنية ليس بالأمر الصعب متى ما علمنا أن المال الذي نتعب في الحصول عليه هو غالبا أكثر مما نحن بحاجة اليه! وثالث الأمنيات، التي فات الوقت لتحقيقها على من كانوا على فراش الموت: يا ليت كنت أمتلك الشجاعة في التعبير عن حقيقة مشاعري! وهذه تنطبق على الجنسين، وفي أي مجتمع كان. فنحن غالبا ما نلجأ لهذا الأسلوب لكي نحتفظ بعلاقتنا «الطيبة» مع الآخرين، ولكن لو علمنا بفوائد مصارحة الآخر بحقيقة مشاعرنا لما تردد الكثيرون منا في ذلك، وليزعل من يزعل!
ورابع الأمنيات: ياليتني احتفظت باتصالاتي وعلاقاتي مع اصدقائي! وهذه تصبح أكثر أهمية مع التقدم في العمر، فنحن عادة لا نقدر قيمة الأصدقاء إلا بعد فقدهم، بالبعد أو الموت أو الخلاف، فالحياة غالبا ما تجرفنا عنهم، وفي آخر ايامنا نصبح أحوج ما نكون للاصدقاء والمحبين. أما الأمنية الخامسة فهي: يا ليتني كنت أكثر مرحا في حياتي واقل جدية! وهذه عادة ما يكتشف أهميتها من قضى حياته متجهما، مقطب الجبين، دائم العبوس والجدية، ولم يكسب غير بعد الناس عنه.
والآن، طالما أن هناك متسعاً من الوقت لدينا، فهل لدينا الشجاعة لتقليل «آهات وحسرات» ما قبل الموت، ومحاولة الاستمتاع بملذات الحياة ومسراتها بقدر ما نستطيع، إن لم يكن بالإمكان، «حتى الثمالة»؟

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

السرقوا الخط

يأتيه وهو نائم ويضربه على أنفه، فيستيقظ المضروب ويأتيني مهرولاً شاكياً باكياً والدماء تنهمر من أنفه بسخاء: «طقني»، أي ضربني، فأستدعي الضارب فيقسم لي أنه هو المضروب، رغم أن الدماء شاهد عيان ودليل إثبات لا يحتاج إلى تحريات، فأحسم الأمر بكل مخزوني من الجدية: «سنشكل لجنة تحقيق في الموضوع»، ويتكرر الأمر، ويتكرر إعلاني: «سأشكل لجنة تحقيق في الموضوع».
المضروب هو «بو عنتر»، ابني سلمان ذو السنوات التسع العجاف، قضى الثلاث الأخيرة منها وهو ينتظر نتائج لجان تحقيقي، والضارب هو «بو عزوز»، ابني سعود ذو السنوات الثلاث المملوءة بالشر وذو الجبهة الممطوطة نتيجة تكرار الكر والفر.
وفي ليلة لا قمر فيها، ارتفع صراخ ذي الجبهة الممطوطة «بو عزوز» فهرولت مسرعاً لأستطلع الأمر، فإذا شقيقه الأكبر «بو عنتر» باركاً فوقه يخنقه، وما إن رآني «البارك» حتى صرخ: «شكل لجنة تحقيق»، فضحكت إلى أن شارفت على الموت بعد أن اكتشف خطتي وتحيزي لشقيقه الأصغر.
وفي السودان استيقظ الشعب على خبر طريف «سرقة خط الطيران بين الخرطوم وهيثرو»، أعقبه خبر أكثر طرافة «الحكومة ستشكل لجنة تحقيق في الموضوع»، فتندر السودانيون، وعلق أحدهم: «هوه الخت (الخط) كان لابس شنو آخر مرة شفتوهو فيها؟»، وعلق آخر: «الواد عبدالباري يسرق الكحل من العين.. هيا نفتش بيتو ابن الكلب»، وسخر ثالث: «يا جماعة انتبهوا لخط الاستواء قبل ما يشحلطوه هوه التاني»، وتندر رابع: «ما يهم عندنا ختوت غيرو.. عندنا خت الرقعة بالحفظ والصون»، وقهقه خامس بما معناه: «الحرامية ولاد الكلب سيفككونه ويبيعون قطعه في السكراب»…
وفي اليمن قبل سنوات سُرِقَ مخزون البلاد الاستراتيجي من القمح، وتم تشكيل لجنة تحقيق من المشتبه فيه الأول وبقية المشتبه فيهم، فسخر كاتب: «الحمد لله جات على القمح ما جات على القات»، وتهكم آخر: «لجنة التحقيق مشكلة من المشتبه فيهم بالسرقة، أظن اللجنة ستتفرغ لتقسيم السرقة بين أعضائها»، وعلق ثالث ورابع وخامس.
وفي الكويت، كشف ديوان المحاسبة عن بلاوي زرقاء في العقد الموقع بين شركتي «ِشل» ومؤسسة البترول الوطنية، فقرر البرلمان تشكيل لجنة تحقيق، وقررت الحكومة أيضاً تشكيل لجنة تحقيق، والسن بالسن واللجنة باللجنة والبادئ أظلم.
ومنذ أن علِمتُ بقرارَي تشكيل اللجنتين تمتمت: «بالهناء والشفاء»، لكنني بعد أن قرأت أسماء رئيسي اللجنتين وأعضائهما حمدت الله بكرة وأصيلاً، فمن جانبٍ ترأس وزير النفط د. محمد البصيري اللجنة الحكومية، ومن الجانب الآخر ترأس د. علي العمير اللجنة البرلمانية، واختيرت د. معصومة مبارك مقررة للجنة.
والدكاترة الثلاثة، كما تعلمون، من قبيلة النزاهة فخذ الحقانية، خصوصاً أن العمير والبصيري من رجال الدين الأنقياء الأتقياء الورعين… فابشروا بالخير، واحرصوا على خط الاستواء.

احمد الصراف

اختبار الوزير النومس

منذ أكثر من عشر سنوات وبرنامج مركز الوسطية يستنزف ملايين الدنانير من المال العام سنوياً دون فائدة أو جدوى او هدف، ومع كل ذلك لم يحاسب أحد على هذا التسيب، ولم يرتفع صراخ نائب ليسأل عن سبب كل هذا العبث! وفي هذا الصدد وصلتني رسالة ممن يقول إنه «باحث دكتور» في مركز الوسطية، التابع لوزارة الأوقاف، والذي اخترع فكرته الوكيل الفلاح، يقول فيها: أرجو التكرم بنشر مقالي هذا في عمودكم. لقد تم إنشاء المركز العالمي للوسطية قبل سنوات، ومنذ ذلك الحين يا معالي وزير الأوقاف ونحن نعاني من امور عدة. فحتى كتابة هذه السطور لا يوجد هيكل تنظيمي للمركز، وكل وزير يأتي يعدنا خيرا ولكن لا نرى شيئا. كما أن هناك تأخرا شديدا في صرف رواتبنا، فحتى كتابة هذه السطور لم نتسلم رواتب آخر ثلاثة اشهر، بالرغم من أننا نعمل بصفة حقيقية وعلى فترتين، مع العلم أن الأخوة الذين يعملون في الفترة المسائية لدينا لديهم رواتب من جهات اخرى يتسلمونها بانتظام. وعليه يا معالي الوزير النومس، نرجو منكم إيجاد الحلول لأوضاعنا، خاصة ونحن نعيل أسرا وتم التعاقد معنا من خارج بلدنا وعلينا التزامات كثيرة ونحن مقبلون على شهر رمضان، ولا نطالب معاليكم بأكثر من حقوقنا، والعقد، لا يخفى على معاليكم، شريعة المتعاقدين! انتهى.
وهنا نطالب السيد وزير الأوقاف الجديد بالنظر ليس فقط في إنهاء معاناة هؤلاء، بل وإنهاء معاناة الوطن من مركز وبرنامج لم «يخترع» إلا ليكون وسيلة حلب للمستفيدين من مشاريعه واجتماعاته وبرامجه الوهمية، ومن ثم النظر بجدية في تصفية المركز، بعد إعطاء العاملين فيه كامل حقوقهم ومحاسبة الوكلاء المعنيين، الذين لوحظ في الفترة الأخيرة اختفاء صورهم وأخبارهم من الصحف، وعسى ألا يكون في الأمر خير لمن أضر بالكويت كل هذا الضرر غير المبرر. 

أحمد الصراف

احمد الصراف

الجذور الأرمنية

في بادرة غير مسبوقة أصدر مشرعو ولاية «رود أيلاند» RhodeIsland الأميركية قانونا بإلزام تدريس تاريخ «الإبادات الجماعية» التي تعرض لها اليهود والأرمن وأكراد العراق والكمبوديون والروانديون وأهالي دارفور وغيرهم عبر التاريخ. وهدف المشرعون من ذلك إلى بيان مدى خطورة هذه الجرائم وما تمثله من بشاعة، ولحث المجتمع الدولي على منع تعرض أي شعب لها. وفي هذا الصدد تقول باحثة وطبيبة كويتية، من اصل ارمني، ان أبحاثها المختبرية أثبتت أن أفراد قبائل عربية عدة كعنزة وشمر والظفير، وبالذات ممن عاشوا لفترة في سهول سوريا والعراق، لديهم جينات وراثية أرمنية، وأن هؤلاء ليسوا إلا أحفاد أولئك الأرمن الذين تعرض آباؤهم للإبادة في بداية القرن الماضي على ايدي الأتراك، والذين تم سبي نسائهم وبيعهن في اسواق النخاسة على أنهن أتراك.
وفي «كتاب جدتي»، الذي صدر في تركيا عام 2004، كشفت المحامية فتحية تشيتين، السر، لأول مرة، عن أمر طالما اعتبره الأتراك محظورا، وذلك بحديثها عن أصول جدّتها هيرانوش، وكيف أن أهلها غيروا اسمها إلى سحر، وأنها كانت في الحقيقة أرمنية الأصل وتم خطفها، وأُجبرت على اعتناق الإسلام بعد المجزرة التي ارتكبت عام 1915 بحقهم.
وقد تبنت صحيفة «اللوموند» الفرنسية قضية حفيدة هيرانوش، أي فتحية تشيتين، ووصفتها بأنها من المطالبات علناً بالاعتراف بالجذور الأرمنية للكثيرين في المجتمع التركي، الذي تقيّده محظورات وممنوعات عدة في هذا الخصوص. وقالت الصحيفة إن جهودها ساهمت في إماطة اللثام عن مئات القصص المشابهة والتي بينت واقعاً حاول البعض نسيانه عمدا، وكيف أن هناك في تركيا، كما في غيرها من الدول العربية والإسلامية، من يتحدرون باصولهم من أولئك الذين نجوا من مذابح الأرمن، ومن النساء والفتيات بالذات، أجبرن على تغيير ديانتهن وتبنّي هوية من استعبدهن. وتقول الباحثة إن هؤلاء الأرمن كان يشار إليهم بأنهم «بقايا السيف»!
اعتقد أن قصة هؤلاء تستحق تفرغ كاتب أو باحث أرمني للكتابة عنها، كما فعل الكاتب الأميركي اليكس هيلي مع جذور زنوج أميركا.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

مو مني كل الصوج

قبل يومين انطلقت من «تويتر» حملة «اقلب الصورة» للتضامن مع حقوق «البدون» الإنسانية، وما أكثر الحملات التي تنطلق وتتلاشى كدخان سيجارة، بلا تأثير، لكن الحملة هذه لها استثناء إنساني يلوّنها بلون مختلف عن غيرها.
وبعيداً عن موضوع التجنيس… ما بال إخوتنا من البدون تفرغوا للبكاء واختفوا بين حشائش كثيفة من الحزن فلم نعد نرى إلا دموعهم ولا نسمع إلا أنينهم؟ ما بالهم نذروا أنفسهم لجلسة القرفصاء وأسندوا ظهورهم إلى حائط الهم؟ ما بالهم يغنّون المواويل الحزينة ويرددون «مو مني كل الصوج»؟
متألمون هم؟ الجواب «نعم» بحجم السماء وأكبر… أعرف مقدار الألم، أو أزعم أنني أتخيل ذلك، وأعرف أن شيئاً لا يؤلمهم كما يؤلمهم الضحك على جراحهم والاستهزاء بها عندما تخرج من أفواه قليلي المروءة، رغم أن من البدون من يعدل قبيلة المستهزئ به كاملة ومنهم من تعدل عائلة بأكملها، لكنها الدنيا والحظوظ (بالطبع أتحدث عن البدون المستحقين لا المزورين الذين نثروا الملح على جراح المستحقين). ومع ذا، دعوني أعتب على البدون عتب محب…
يقول المؤرخون: «محنة الأديب منحة الأدب»، فأين الإنتاج الأدبي بين جموع البدون الذين يعيشون في محنة؟ أين الشعر العظيم؟ أين أدب الرواية؟ أين العملقة في التلحين؟ أين الفن التشكيلي؟ أين النحت والرسم؟ أين الاختراعات العلمية؟ أين وأين وأين كل ما له علاقة بالإبداع الناتج من الآلام؟
غالبية أدباء العالم كانوا لا يجدون قوت يومهم، كانت الهموم تعتصرهم فأنتجوا لنا عصيراً أدبياً بقي خالداً… تمعنوا في سِيرهم، فها هو الأديب العالمي «فيكتور هوغو» ابن القصور، يقدم أفضل إنتاجه وهو في فترة الاغتراب والمنفى، والشاعر العظيم بندر بن سرور اعتلى في الحالق الشاهق عندما كان «مشحتراً» لا يجد ما يدفئ عظامه من زمهرير الشتاء، وأعظم قصائده ظهرت للناس وهو يرتجف برداً ويعالج تشققات كفه، وها هو امرؤ القيس، أشهر من يملك قلباً أخضر من بين الرجال في التاريخ، يطلق حممه الشعرية وهو بين الصعاليك المعتّرين، وهي حمم تتفوق بفراسخ على حممه عندما كان يعيش في قصر أبيه ويحمل رتبة «ابن الملك».
هنا أيضا، من بين «بدون الكويت» سنجد الأديبة سعدية مفرح، الكاتبة، الروائية، ذات الذائقة الشعرية الفاخرة، والرائع علي المسعودي الذي كلما قرأت له تخيلته يجلس تحت ظل شجرة وحيداً يعزف بالناي، وغيرهما قلة، فأين الآخرون؟
أنا لا أدعو إلى الدروشة الفنية، ونسيان ما خلا ذلك، لا… أنا أقول احملوا التفاحتين، كل تفاحة في يد، تفاحة المطالبة بالحقوق وتفاحة الإبداع، فإذا سقطت الأولى من اليد بقيت الأخرى تسد الجوع.
دعوا الدموع للعين تتكفل بها، وليحمل كلّ منكم نايه ويبحث عن شجرة تظلله، ولينطلق، فالسماء لا يحكمها رجال المرور الكويتيون، وكم بين النجوم من مقاعد شاغرة، فحلقوا كي نراكم حين نراكم ونحن ننظر إلى الأعلى لا إلى الأسفل… حلِّقوا واعصروا الغيوم ليتساقط المطر، لا تنتظروا المطر… حلقوا وشكِّلوا من طين آلامكم ما يبهرنا ويسحرنا.
وكان الله في العون…