لا يمكن وصف قرار الحكومة بالذهاب إلى المحكمة الدستورية بغير العنجهية والعناد السلطوي، وكان أولى للسلطة أن تبادر من ذاتها بقراءة الواقع السياسي والتغيرات التي تعصف بالمنطقة، والتي ترشح الكويت على أنها الأقرب لتحقيق “الإمارة الدستورية” أو الملكية الدستورية من بقية دول الملكيات العربية في منطقة الخليج، والمقصود بالملكية الدستورية تفعيل المادة السادسة من الدستور بأن الأمة مصدر السلطات كواقع حقيقي وليس كلاماً على الورق وجدلاً فارغاً بأن الكويت فعلاً إمارة دستورية… فعلى من نضحك…!
كان أولى للسلطة أن تستمع لصوت العقل وتغلق أبواب الأزمة السياسية منذ لحظة حكم المحكمة الدستورية ببطلان المجلس الأخير، وأن تأخذ خطاب أغلبية نواب ذلك المجلس على محمل الجد، رغم أن المواطنة الحقة القائمة على مبدأ المساواة واحترام كرامة البشر ترفض الطرح الديني المذهبي المتشنج للقوى النافذة من المجلس السابق، الذي قنن حالة قديمة من بداية الثمانينيات بإعادة خلق الدولة كمثلث للكآبة والملل وأرض خصبة للنعرات المذهبية، تغطيها سماء من الفشل الاقتصادي والفراغ الاجتماعي والسياسي، لكن ما العمل اليوم وقد أضحينا نجني حصاد الأمس المر الذي بذرته السلطة بقصر نظر. ومهما رفضنا ممارسات عدد من نواب الأغلبية اليوم حين ذروا الملح على الجرح الكويتي في المسألة الطائفية فإنه من الواجب أن نرفض قبل ذلك ما حدث من تصرفات سلطوية سابقة متخلفة في “دهان سير” بعض نواب مجلس ٢٠٠٩ مع ما رافقها من سياسة “الجيب المفتوح” من المال العام لإسكات الجمهور وتخدير وعيه السياسي وصرف نظره عما يحدث في الأمة العربية.
ليس هناك من يريد الخروج إلى ساحة الإرادة لممارسة اعتصام شعبي ضد قرار الإحالة إلى “الدستورية”، وليس هناك من يريد للدولة أن تغرق في قضايا هامشية ونتناسى الإجابة عن سؤال فحواه، ماذا خططنا لما بعد حقبة “البندروسا” النفطية؟، وهل استثمرنا بشكل صحيح في الإنسان أم في شراء ذمة هذا الإنسان؟! إلا أن السلطة هي الآن من تفتح الأبواب للتجمعات والاعتصامات حين “ركبت رأسها” واستمعت لنصائح “وعاظ السلاطين” بطرق أبواب المحكمة الدستورية كي تحدد المحكمة مفهوم “العدالة” في توزيع الدوائر الخمس! هل فكرت السلطة عام ٢٠٠٦ في العدالة حين شرع نظام الدوائر الخمس؟، وهل نظرت هذه السلطة في ميزان العدالة حين كانت الأغلبية في جيبها بمجلس ٢٠٠٩؟! سبحان الله… كيف خطرت العدالة على بالها اليوم وكانت بالأمس نسياً منسياً… سبحان مغير الأحوال… هي الأحوال التي تتغير برضانا ورغم أنوفنا، ومع ذلك مازالت السلطة والكثيرون منا للأسف يصرون على بقاء ما كان على ما كان… هم يعاندون قدر الزمن… والخاسر الكبير هم أبناؤنا في النهاية، أما نحن فلم يعد لدينا ما نرتجيه لا من السلطة الحاكمة ولا من يطرح نفسه كبديل عنها.
من أمستردام وإلى ماربيا 2-2
حطت بنا الطائرة في مطار ملقه Malaga قادمين من أمستردام، ومنها ذهبنا الى بيت صديق عزيز يقع على بعد بضعة أميال فقط من جبل طارق ومن السهول، التي دارت فيها أولى معارك المسلمين مع القوط Gothics. وهنا تتأمل الوجوه وتقارن عادات الأكل والتصرف والأخلاق ونبرة الكلام والثقافة واسماء المدن والثغور فتجد نفسك أقرب للمغرب منك لأوروبا، خاصة شمالها. كما تجد بونا واسعا، ولا يزال يتسع، مع ازدياد مشاكل اسبانيا، بين المنطقتين، فهنا لا يبدو أن أحدا على عجلة من أمره، وقد يكون هذا مقبولا لو لم تصاحب ذلك عادات الكسل وقلة النظام والمواعيد «الخرطي»، بحيث ترى ما لا تتوقع رؤيته في دولة «أوروبية»! وتشعر أنك لا تزال في بلادنا!
ومع هذا لا يزال الفرق بيننا وبين من استعمرناهم لـ 800 عام، يبلغ 800 سنة أخرى ولكن ضوئية! وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلها الاسبان للتخلص من التركة الإسلامية، فإن الأثر الذي تركه هؤلاء خلفهم كان طاغيا، بحيث صعب تجاهله! كما ساهمت البرغماتية الغربية في دفعهم للحفاظ على الكثير من الآثار والأطلال، وحتى الأسماء العربية للمدن والملابس والمأكولات وغيرها.
ولو كنا مكانهم لكانت كل هذه «الروائع» اثرا بعد عين.
رد فعل الاسبان على الحكم الإسلامي تجده ظاهرا في العدد الكبير للكنائس، الذي يزيد نسبيا عن اي دولة اوروبية اخرى. وعلى الرغم من ليبرالية اسبانيا، التي يعيش فيها أكثر من مليون مسلم، غالبيتهم من شمال افريقيا والشرق الأوسط والبعض من جنوب شرق آسيا، إضافة الى أكثر من 20 ألف مسلم اسباني، إلا أنهم، كـ «متشددينا»، لا يميلون للتساهل في قضايا الحريات الدينية، وبالذات مع المسلمين!
وبالتالي لا نجد مثلا مساجد مرخصة رسميا في أنحاء كثيرة من اسبانيا، غير تلك التي بناها اثرياء أو ملوك عرب، والتي بنيت بنفوذهم، وليس برضا اصحاب البلاد!
ففي الوجدان الاسباني يمثل بناء مكان للعبادة مؤشرا على القوة، وإلى ما قام به المسلمون من تحويل الكنائس والأديرة الى مساجد، وبالتالي لا يريدون للتاريخ أن يتكرر. وفي تقرير لإذاعة الـ «بي بي سي» ورد فيه أن الأسباب الكامنة وراء رفض بلديات المدن الاسبانية السماح للجاليات المسلمة ببناء مساجد فيها، على الرغم من كبر عددهم، هو الخوف المتأصل في النفوس، وإلى الكثير من الممارسات الخاطئة للمسلمين فيها، إضافة الى تشددنا الديني مع الغير في بلداننا، وهنا مكمن المشكلة.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
رمضانيات (4): الاحتقان الطائفي
أليس من العجب العجاب أن يـُظهر البعض خوفه وهلعه الشديدين من (الاحتقان الطائفي) في المجتمع البحريني، ويشتد عليه الوجد والألم وهو يزايد ويضاعف من عواقب ذلك (الاحتقان) المزعوم كمصيبة نازلة ما مثلها مصيبة… دون أن يطرح بعد كل تلك (الهستيريا الذميمة) تصوراته في شأن مسببات الاحتقان وكيفية التصدي له؟
أليس من المعيب والمنكر، أن يبالغ ذلك النفر في إظهار وجعه من الاحتقان الطائفي ويتناسى أنه كان ولا يزال طرفاً رئيسياً في إشعال نفوس «الطائفيين» ممن هم على شاكلته ليطول طابور جوقة (تجار الطائفية)، ويستعر أوارهم ونيرانهم التفكيكية كلما عمل المخصلون على إنهاء الأزمة في البلد؟ هل يعقل أن يركن أولئك إلى القول بأن الأزمة في البلد يمكن حلها، فيما الاحتقان الطائفي لا يمكن حله؟ حبذا لو ألقم ذلك النفر نفسه حجراً ليصمت ويصبح المجتمع البحريني بخير بعيداً عن تأجيجهم الطائفي المستمر.
قد تكون قائمة الأسئلة المشروعة طويلة! فمن الذي شجع وأوسع دائرة الطرح الطائفي في البلد على مستوى الإعلام؟ ومن الذي فتح المجال للخطب الطائفية التي استهدفت تفتيت علاقات أبناء الطائفتين في منابر تتحرك بالريموت كونترول؟ ومن الذي حول المعارض إلى خائن والموالي إلى صاحب وطنية وإخلاص بالمطلق؟ ومن الذي تعمد استهداف الضرب في (المعتقدات الدينية) وزجها زجاً مقصوداً لتصبح الوجه الآخر (للمواقف السياسية)؟ ومن الذي خصص الأموال لمجموعة من المتاجرين بحب الوطن المزعوم كذباً ليتقافزوا في وسائل الإعلام ويبثوا سمومهم دون أدنى إدراك بعواقب ذلك الخطاب الإجرامي في حق الوطن؟
نعم، قد تكون الأسئلة عديدة الأوجه، غير أن ما يهمنا هنا هو بروز ذلك النفر الذي لا يمكن أن يشعر بالراحة وهو يرى العلاقات بين أبناء الطائفتين طبيعية قائمة على المواطنة والتواصل والتفريق بين الموقف السياسي والانتماء المذهبي… وقائمة أيضاً على الأخوة الدينية التي يحاولون دائماً هدمها بأسطوانات بالية من قبيل:»هم أعداؤنا وليسوا أخوتنا… هم يشتمون الصحابة وأمهات المؤمنين… هم مجوس وأذناب للفرس… كيف نآخي من يريد قتلنا؟ لن نقبل بأن يكون في بلادنا طائفة مشركة يعبدون غير الله! وهكذا تتوالى فذلكات الساقطين أخلاقياً وفكرياً.
في مقال الأسبوع الماضي، أوردت نصاً أعجبني للروائي المصري علاء الأسواني تحت عنوان: «كيف تقضي على الثورة»، طرح فيه أفكاراً ساخرة لكيفية نجاح الحكومات المستبدة في القضاء على مطالب شعوبها، ومن بينها تلك النصيحة المفجعة: «اترك أحوال البلد تتدهور حتى تصل إلى الحضيض»، ويمكنني أن أضيف إلى ذلك الحضيض ما يسعى تجار الطائفية إلى نشره كسمٍ في المجتمع بإبقاء أكذوبة (الاحتقان الطائفي)… فهذا بالنسبة لهم (مسمار جحا)!
لكن، هل يمكن أن يبقى ما يسمى (احتقان طائفي) في مجتمع تسوده العدالة والمساواة والديمقراطية الحقيقية وضمان حقوق جميع المواطنين من كل الديانات والمذاهب؟ وهل هناك من مانع في أن تشارك التيارات السياسية في تحقيق مطالب الناس؟ هل يمكن، في ظل (افتراض) وجود تحولات إصلاحية حقيقية، أن يبقى مجال لتجار الطائفية حين ينقطع عنهم الدعم والمدد؟ العجيب، أن الروائي علاء الأسواني ينهي خطواته التهكمية بالقول: «(ملحوظة: خطرت لي فكرة هذا المقال وأنا أقرأ عن تاريخ الثورات في جمهورية جزر القمر، وبالتالي لا علاقة للمقال بما يحدث الآن فى مصر بتاتاً).. ويختم الأسواني بالقول: الديمقراطية هي الحل!
على أية حال، أود أن أطرح سؤالاً على مروجي أكذوبة (الاحتقان الطائفي) وهو: «ماذا يضيركم إن وضعت الحلول للأزمة في البلاد ونال الجميع حقوقهم وساد صوت العدالة والقانون على الجميع؟ ترى، من الذي سيبقى بعد ذلك في دائرة (الاحتقان الطائفي) غيركم؟
قد يسأل سائل: «لماذا تنكر الاحتقان الطائفي الذي نعيشه في بيتنا البحريني ويعرفه الجميع؟»، وأقول مكرراً: «نعم، هو احتقان قائم بين أهل الطائفية وتجارها ومروجوها وليس بين السواد الأعظم من أبناء البلد سنة وشيعة، إنما هم تجار الطائفية الذين يعشقون تدمير المجتمع من الداخل.. هم منزعجون كثيراً من عودة المياه إلى مجاريها بين الكثير من أبناء الطائفتين.. هم يموتون غيظاً من تعالي الأصوات المخلصة لترسيخ مبدأ المواطنة المتساوية للجميع دون استثناء مذهبي أو سياسي.. هم يعلمون أن للناس عقولاً تميز بين الغث والسمين.. يدركون جيداً أن رواج تجارتهم مرهون ببقاء ممارسات الطأفنة وإخافة الناس من بعضهم البعض.. لهذا أجد الشيطان الرجيم عليه اللعنة مستغرباً من كونه واتباعه (مصفدين) في شهر رمضان المبارك، فيما شياطين الطائفية عندنا يمارسون طقوس «الاحتقان الطائفي».. فشكراً لأبناء البلد المخلصين الذين جعلوا شياطين الطائفية تحت طائلة المقولة الشعبية: «دودهو.. من دودهك.. من طقك».
دماء على أرض الفيروز
ختمت مقالي الأخير الذي نشرته «المصري اليوم» بتاريخ 23/6/2012 والذي كان عنوانه «أيها السادة سيناء أمانة في أعناقكم»، بالقول إن الأطماع في سيناء قائمة على قدم وساق فالحكمة الحكمة فالثالثة ثابتة وقصدت بالثالثة ان تهيأ الظروف وردود الأفعال لاحتلال سيناء مرة ثالثة.
زرت خلال السنوات الخمس الماضية سيناء الساحرة عدة مرات وجلست مع شيوخ قبائلها وأطلعوني على الأنفاق التي تربط رفح بغزة والمباني التي تقام فوقها للتمويه والمكائن التي تشترى من تركيا للقيام بعمليات الحفر، وما يهرب عبر تلك الأنفاق.. كما زرت خلال تلك المدة قطاع غزة أثناء الحصار أكثر من مرة ضمن وفد إعلامي كويتي ولعدة أيام للزيارة الواحدة وجلسنا لساعات طوال مع القيادة السياسية هناك ممثلة بالدكتور اسماعيل هنية ومحمود الزهار وسعيد صيام واستمعنا منهم لشكاوى من المنظمات الإسلامية الفلسطينية غير المنضبطة التي كانت تقذف إسرائيل بما أسموه «صواريخ الألعاب النارية» دون عقل أو تروِ مما يسمح لإسرائيل بردود فعل تدميرية على القطاع.
وفي الطريق من وإلى غزة عبر العريش ورفح كنت أشاهد المركبات التي تحمل المؤن والأغذية والبضائع والوقود التي تهرّب عبر الأنفاق الى غزة وهي تمر على الحواجز الأمنية المصرية العديدة شمال سيناء دون ان يتم توقيفها رغم وضوح حقيقة ان حمولتها متجهة للأنفاق كونها تغلف عادة بالبلاستيك والنايلون الشفاف منعا لها من التلف وكنت أراها بعد ذلك في أسواق ومخازن غزة.
لقد قام صمود قطاع غزة بأكمله على ما يأتي لهم من غذاء ووقود مدعوم من مصر كونه يمثل بضائع رخيصة الثمن مقارنة بالبضائع الاسرائيلية، فليتر البنزين المصري يباع بشيكل بينما يباع ليتر البنزين الاسرائيلي بـ 6 شيكلات في بلد محدود الموارد والقدرات ويعاني أغلب مواطنيه من البطالة.
ان استخدام الأنفاق التي مكنت شعب القطاع من الصمود باتجاه معاكس من قبل المنظمات المتطرفة التي تشتكي منها حماس واسرائيل على حد سواء، وقيامهم بقتل جند مصر المذكورين في القرآن، صبرا وغدرا وهم يتناولون إفطارهم في رمضان المبارك عبر عملية إرهابية حمقاء يصعب فهم الفائدة منها، هي جريمة شنعاء وأفعال نكراء يجب ألا تمر دون عقاب بعد استكمال التحقيقات لا قبلها، مع ضرورة الحرص على عدم خلط الأوراق وتوزيع الاتهامات يمينا ويسارا، فلا مصلحة لحماس من تلك العملية، كما لا مصلحة لإسرائيل منها ولو خططت إسرائيل لها لما فضحت نفسها عبر تحذير مواطنيها قبل يومين من حدوثها.
في الختام، عودة للتحذير الذي أنهينا به مقالنا السابق في «المصري اليوم» وبدأنا به مقالنا الحالي، فهناك من يستغل الأحداث للدفع بطلب تعديل اتفاقية كامب ديفيد من طرف واحد وهو ما سيتيح الفرصة للطرف الآخر لإلغائها والتحلل من التزاماتها، ولا أرى مصلحة لمصر العزيزة في اعطاء الذرائع لإلغاء المعاهدة التي نجحت في وقف الحرب بين مصر واسرائيل لمدة 35 عاما بينما شهدت فترة الـ 25 عاما التي تلت قيام اسرائيل أربع حروب مدمرة بين البلدين هي: 56، 67، الاستنزاف، 73، فالحكمة الحكمة وحمى الله مصر وشعبها من شرور الفتن ما ظهر منها وما خفي.
تخاريف الربيع وهيكل
في مقابلة نشرتها الأهرام في يوليو الماضي، ذكر محمد حسنين هيكل أن ما يشهده العالم العربي اليوم ليس «ربيعا»، وانما «سايكس بيكو» جديد لتقسيمه وتقاسم موارده ومواقعه. وأن التقسيم سيكون ضمن 3 مشاريع، الأول: غربي، والثاني ايراني، والثالث تركي، فضلا عن نصف مشروع اسرائيلي لاجهاض القضية الفلسطينية! والحقيقة أن مثل هذا الكلام ردده هيكل ومعلقون «استراتيجيون» في كل مرة تنشب فيها حرب أو تشتعل ثورة او يحدث انقلاب! فعندما نشبت حرب الخليج الأولى بين ايران وصدام العراق، والحرب الثانية بين صدام وأميركا، ارتفعت اصوات هؤلاء محذرة من أن العراق سيقسم حتما، على الأقل لثلاث دول! وتكرر «الهرج» نفسه عندما بدأت الثورة الليبية، وكيف أن القوى الغربية، التي تساند الثوار، تهدف لتقسيمها لولايات! ويعود الحديث نفسه للتكرار الآن مع الثورة في سوريا، وأنها ستقسم حتما لدول عدة، احداها علوية! وقد تكرر هذا الحديث إلى درجة أنني كلما نويت شراء خريطة حائط أؤجل القرار لحين الانتهاء من تقسيم المنطقة بصورة نهائية، وشراء واحدة جديدة، ويبدو أنني سأنتظر لبعض الوقت قبل تحقيق شيء! ويقول هيكل ان سبب هذا الثورات هو تأديب المواقع، أو الدول، العصية، أو تأديبها واستعادتها لـ «حضن الغرب»، وكل ذلك تمهيدا لفصل جديد في شرق أوسط يعاد تخطيطه وترتيبه وتأمينه، حتى لا يفلت مرة أخرى، كما حدث عندما بدأ رواد العرب حلم مشروعهم القومي، الذي تبدى لسنوات كأنه هو شكل المستقبل! وهذا منطق ساذج فذلك الحلم، والذي لم يكن أكثر من حلم، الذي يتكلم عليه هيكل تهاوى كعلبة كرتون فارغة عند أول اختبار قوة مع اسرائيل، وبالتالي كان مشروعا فارغ المحتوى، ولم يكن يوما مصدر قلق لأحد اصلا غير شعوبها! وهنا من حقنا القول ان الربيع العربي، بصرف النظر عن صحة التسمية أو ما تمخض عنه حتى الآن، كان ولا يزال في مجمله، حركة أو ثورة صحية طال انتظارها، وكانت مستحقة منذ عقود، فالواقع ان كل الأنظمة العربية، من سقط منها ومن بقي، كانت ولاتزال تشكو من اختلالات سياسية واقتصادية وأخلاقية رهيبة، لا يمكن أن تبقى كما هي لمجرد أن المنطقة معرضة للتقسيم ولنهب ثرواتها، وكأن شعوب هذه الدول كانت تعرف أصلا ما تعنيه كلمة «ثروة»، فقد نهب بن علي والقذافي ومبارك وصالح وبطاناتهم ثروات شعوبهم وفشلوا، بقسوة مخيفة، في تحقيق شيء لهم، كما أهانوا كراماتهم لعقود طويلة، ولا يمكن قبول منطق أن ما سيأتي بعدهم سيكون أكثر سوءا، أو التخويف بالبعبع الديني، فالتغيرات الجديدة التي عمت العالم العربي، والتي وصلت تأثيراتها حتى إلى اسرائيل، لا يمكن أن تسمح، في مجملها، بالعودة إلى الوراء، فالشعوب تنفست الحرية وعرفت كيف تحصل على حقوقها! والغريب أيضا تباكي هيكل على ليبيا، وكيف خسرها العرب، وذهبت لقمة سائغة لدول الغرب، وكيف ان الذين لايزالون يقاومون حكومتها بالسلاح، هم وطنيون يدافعون عن أرض ليبيا ومصالحها القومية، وليس عن نظام القذافي!
لا شك في أن الخير قادم، وان ببطء، وهذا ما كان ليحدث لولا الربيع العربي!
ملاحظة: إجابة لغز اينشتاين، هو الالماني، ساكن البيت الاخضر، الذي يدخن سجائر برنس، ويشرب القهوة ولديه سمك!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
فرقة ناصر عايد..
لم تتعرض فئة من فئات المجتمع الكويتي للإساءة – كما تعرضت قبيلة مطير الكريمة، لا لشيء سوى لمواقف أبنائها المشرفة والساعية للإصلاح السياسي، لم يخرج المنتمون لها إلا للصالح العام وضمن الحراك الشعبي، ولم يعرف المطران بأن لهم مواقف عنصرية او قبيلة، بل كانوا دائما سباقين للدفاع عن المكتسبات الوطنية وتحت شعارات سياسية تجمعهم مع كل أطياف المجتمع..
نواب المطران كانوا ومازالوا نواب للأمة جميعها، وهم من رموز العمل البرلماني ويعملون من خلال تجمعاتهم السياسية لا القبلية، اما شباب مطير فهم وقود الحراك الشبابي ولا فخر.
ولكل ما سبق كانت قبيلة مطير هدفا لسهام الفاسدين والمتضررين من محاربة الفساد، استهدفوا بداية – نوابها في مجلس الأمة وأساؤوا لهم ولعوائلهم، فلجوا إلى القضاء ومازال المفسدون أحرارا ويمارسون قذارتهم ضد النواب الشرفاء، بل وتمادوا إلى قذف كل قبيلة مطير بكل ما فيها من أفراد بالرغم من أنهم لم يكونوا خصوما لهم.
اشتكت القبيلة عن طريق نوابها ووجهائها إلى السلطة أكثر من مرة، ومع ذلك لم يرتدع الفاسدون من الاستمرار من ضرب القبيلة وقذفها.
ولذلك وبعد فشل القانون والوساطات لحل الأزمة المستمرة لسنوات، فلا تلوموا شباب المطران في اجتماعهم الأخير في الفحيحيل «لحسم الأمور» ويبدو ان كل شباب القبيلة يدعمون «فرقة ناصر عايد» للمهام الخاصة.
فهم مجموعة غير سياسية البتة، وهي كما أشيع عنها من أخبار التجمع – أن أغلب الحاضرين هم «أناس عمليون وليس سياسيين»، فالمجتمعون في الفحيحيل تعمدوا استبعاد النواب والسياسيين حتى لا تكون القضية قابلة للتفاوض مع الآخرين على حساب كرامة القبيلة.
والله يستر على المجتمع الكويتي، ويجب حسم الامور وتوجيه تهم أمن دولة للمسيء للمجتمع وفئاته، وعدم الاكتفاء بتهم إساءة استخدام الهاتف!
صبر أينشتاين
ولد ألبرت أينشتاين، أعظم عقل أنجبته البشرية، في مارس 1879، وهو الأب الشرعي لعلم الفيزياء الحديث. كان في زيارة لأميركا عندما استولى هتلر على الحكم في وطنه، فلم يعد، وبقي في أميركا وحصل على الجنسية عام 1940، وكان له دور في حث الرئيس روزفلت على منع المانيا من صنع قنبلة نووية، وأن تكون أميركا الأولى في صنعها، ولكن موقفه كان واضحا من استخدام هذا السلاح لحل النزاعات. توفي أينشتاين عام 1955 بعد أن ترك أكثر من 300 بحث علمي، و150 عملا غير ذلك، ورفض في مرحلة أن يصبح رئيسا لإسرائيل، وكانت له آراء واضحة بشأنها، إضافة لآرائه شبه المتقلبة فيما يتعلق بالوجود والكون! وقد وضع أينشتاين في مرحلة مبكرة من حياته لغزا قال ان %8 من البشر فقط يعرفون حله. وتقول تلك الأحجية اننا لو افترضنا أن هناك 5 منازل تقع على خط واحد، ولكل منزل لون مختلف عن المنزل الآخر، ويقتني صاحب كل منزل حيوانا اليفا مختلفا عن بقية جيرانه، ويتناول كل واحد شرابا مختلفا عن الآخرين، ويدخن سجائر مختلفة أيضا عن البقية! والسؤال هو بينهم الذي يتخذ السمك كحيوان أليف؟ وللمساعدة في الإجابة يعطي أينشتاين التلميحات المساعدة التالية: يعيش البريطاني في البيت الأحمر. ويقتني السويدي كلبا، كحيوان أليف. أما الدانمركي فإنه يفضل تناول الشاي. ويقع البيت الأخضر من البيوت الخمسة على يسار البيت الأبيض. ومالك البيت الأخضر يفضل شرب القهوة. أما الذي يقتني طيرا كحيوان أليف فإنه يدخن سجائر «بولمال». ويدخن مالك البيت الأصفر سجائر «دنهل». أما مالك البيت الذي يقع في وسط البيوت الخمسة فإنه يفضل شرب الحليب دائما. والذي يسكن البيت الأول من البيوت الخمسة نرويجي الجنسية. والذي يفضل تدخين سجائر «بلند» يسكن بجوار صاحب البيت الذي يربي القطط. أما الذي يمتلك حصانا، كحيوان أليف، فإنه يسكن بجوار الذي يدخن سجائر «دنهل». والذي يدخن سجائر «بلوماستر» يتخذ البيرة شرابا، ومالك البيت الألماني الجنسية يدخن سجائر «برنس»، ويعيش النرويجي في البيت الملاصق للبيت الأزرق، وأخيرا: فإن الذي يدخن سجائر «بلند» هو جار الذي يتخذ الماء شرابا!
وهنا يتطلب الأمر رسم جدول من مربعات وتعبئة- الفراغات، بينها للوصول لمالك البيت الذي يربي السمك، وسنورد الإجابة في مقال الغد، وهي، كما يقول أينشتاين، ليست صعبة ولكنها تتطلب الكثير من الصبر، ولكن للصبر حدود.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
مشروع جمهورية اللاذقية المستقلة!
كانت بغداد ودمشق تاريخيا هما قلب العروبة النابض والداعم دائما للوحدة العربية حتى تولى مقاليد الحكم فيهما نظام حزب البعث بجناحيه المدعي كذبا وزورا دعمه للوحدة العربية، بينما يعمل في الخفاء ضدها، حيث الحزبية الطائفية والفئوية والشعبوية والقمع والقتل في البلدين حتى كفرت شعوبهما بالوحدة العربية وأصبحت دولهم مهددتين بالانقسام والتفتيت، وبتنا على شفا مشاهدة جمهوريات شمال ووسط وجنوب العراق ومثلها ولادة جمهورية اللاذقية وحدودها الجبلية والساحلية التي يقوم النظام البعثي السوري (الوحدوي!) بتحديدها هذه الأيام عبر عمليات القتل والقمع والتهجير حتى تأتي القوات الدولية لاحقا لتثبيت الأمر الواقع القائم. والغريب ان سيرة البعث السوري ومثله العراقي لا يوجد بها قط ما يدل على انهم سعوا لمصلحة شعوبهم او مصلحة القضية الفلسطينية او العربية بل كان عملهم الوحيد يتلخص في قمع وقتل في الداخل وإشعال وإطالة أمد الحروب الأهلية والخارجية في الدول الأخرى، ومن ذلك:
٭ في عام 67 نصب البعث السوري كمينا للقضية الفلسطينية وللأمة العربية نتجت عنه هزيمة عام 67 وضياع القدس والضفة وغزة وسيناء ومزارع شبعا، وقد رفض وزير الدفاع حافظ الأسد في تلك الحرب ضرب الطائرات الإسرائيلية العائدة من ضرب المطارات المصرية دون وقود أو سلاح، كما تم في 9/6/67 تسليم الجولان دون حرب لإسرائيل، ولم تطلق بها رصاصة واحدة منذ ذلك اليوم المشؤوم الذي شهد ضرب الطيران الإسرائيلي لسفينة التجسس الأميركية «ليبرتي» في عز الظهر وعلمها يرفرف فوقها وقتل العشرات من بحارتها كونها سجلت إشارة تسليم الجولان دون حرب.
٭ في عام 70 ورط حزب البعث السوري ووزير دفاعه ومعه حزب البعث العراقي وقيادة منظمة التحرير ممثلة بعرفات المنظمات الفلسطينية في مواجهة دموية مع الجيش الأردني ثم تركوا لمصيرهم الأسود ثم كوفئ وزير الدفاع الأسد بتسليمه حكم سورية بعد شهرين من تلك الجريمة.
٭ في عام 76 دخل الجيش السوري لبنان بحجة وقف الحرب الأهلية التي كان هو احد أسباب إشعالها فأبقاها مشتعلة لمدة 17 عاما تم خلالها اغتيال القيادات الوطنية اللبنانية وتدمير المخيمات الفلسطينية ولم تقف تلك الحرب إلا بجهد السعودية وعقد مؤتمر الطائف.
٭ في عام 80 تدخل النظام السوري ومعه الليبي لإطالة عمر الحرب العراقية ـ الإيرانية التي أشعلها المجرم البعثي صدام عبر خلق توازن قوى مما تسبب بالنهاية في خسارة إيران الحرب وتجرع السم عام 88 ولو لم يتم ذلك التدخل المدمر لانتهت الحرب عام 82 بعد هزيمة صدام المدوية.
٭ قبل ذلك في عام 78 ساهم النظامان البعثيان في بغداد ودمشق في عزل مصر ربع الأمة العربية، وبعد ذلك دعم النظام السوري العمليات الإرهابية في دول الخليج وقد تسببت تلك العمليات في قتل وزراء وديبلوماسيين ومواطنين أبرياء في الإمارات والكويت.
٭ عام 82 غزا ودمر النظام السوري مدينة حماة السورية وأباد 30 ألفا من مواطنيها ثم قام بمذبحة سجن تدمر التي ذهب ضحيتها 3 آلاف بريء.
٭ عام 2003 بدأ تدخل النظام البعثي السوري ومثله البعثي العراقي في الشأن العراقي عبر التفجيرات والاغتيالات التي أشعلت الحرب الأهلية العراقية المستمرة حتى اليوم وكان جميع الضحايا من العراقيين لا من قوات الاحتلال.
٭ عام 2005 اغتال النظام السوري الشهيد رفيق الحريري الذي أوقف الحرب الأهلية اللبنانية في السابق ثم تبعته سلسلة اغتيالات وغزوات جعلت لبنان يقترب مرة اخرى من اشتعال الحرب الأهلية فيه.
٭ عام 2007 شهد تدخل النظام السوري السافر في الشأن الفلسطيني عبر قيادة حماس المستقرة في دمشق، مما نتج عنه حرب أهلية فلسطينية للمرة الأولى في تاريخهم نتج عنها قيام دولتين فلسطينيتين متناحرتين في غزة والضفة.
٭ عام 2011 حتى اليوم شن النظام السوري حربا إبادية على شعبه يهدف من خلالها الى خلق حالة بلقنة وحرب أهلية دائمة بين مكونات الشعب السوري سينتج عنها على الأرجح خلق عدة دويلات طائفية أولاها جمهورية اللاذقية العلوية وبعدها جمهورية سنية في دمشق وما تبقى من حمص وحلب ولربما تتلوها دولة درزية في السويداء وإسماعيلية في السلمية وهلم جرا..
***
٭ آخر محطة: حقيقة.. هل في سيرة ذلك النظام الدموي الذي ورط العرب في حروب خاسرة أفقدتهم أراضيهم وسلم خلالها أرضه دون حرب (عام 67) ولم يحاول قط استعادتها سلما او حربا، ثم أشعل الحرب الأهلية في الأردن (عام 70) ولبنان (عام 75) والعراق (عام 2003) وفلسطين عام (2007) وسورية (2011) وأطال عمر الحرب الأهلية اللبنانية وأمد الحرب العراقية ـ الإيرانية وتسبب في هزيمة إيران وتقوية صدام ثم هدد أمن الخليج بإرهابه وتحالفاته، ما يستحق الشكر والثناء من أي عربي او مسلم؟!
قنديل محمد المنسي
كدت أن اختار «علي»، و«نور الله» عنوانا لهذا المقال، ولكن الأول غلب! القنديل هنا هو الذي يحمله الروائي محمد المنسي بيد، ممسكا بيده الأخرى قارئ روايته «قمر على سمرقند»، مستهدياً بنور القنديل في تعريفه بأحداث روايته الرائعة التي تقع غالبية أحداثها في منطقة شاسعة من وسط آسيا، وهي منطقة قلما اهتممنا بها وبشعوبها وبثقافاتهم وأصولهم ومدنهم وتقاليدهم، واكتفينا بكونهم مسلمين، وأنهم سيبقون هكذا، وبالتالي كفينا أنفسنا والآخرين شر القتال والمعرفة.
محمد المنسي ينقل قارئ روايته بين دروب وحواري طشقند وعشق آباد المتربة ومدن وقرى دوشنبه وبخارى المتعبة، وطرقات ومساجد وأضرحة سمرقند، و«ألماأتا» وخوارزم المقدسة، ويدفع القارئ إلى أن يلهث خلفه يريد معرفة مصير بطل روايته الدكتور «علي»، وشخصية الرواية الأسطورية، طالب المدرسة الدينية والمفتي بعدها والعاشق أبداً، «نور الله»، وصديقه الثائر «لطف الله»، ثم ينتقل بالقارئ بعدها إلى القاهرة، لنعرف سبب رغبة «علي» الملحة في زيارة تلك المنطقة الساحرة والمجهولة من عالمنا، وكل ذلك يجري بدقة وجمال أسلوب محمد المنسي، ووصفه الحي بحيث تشعر وكأنك تشاهد عرضاً حياً لأحداث سابقة، وليس حروفاً جامدة على الورق، فالرواية برمتها رحلة عبر زمن ومكان لا نعرف عنهما الكثير، وفي منطقة مرت بإرهاصات وضغوطات لا تحصى، بحيث مسحت هويتها القديمة وجعلت من ثقافات شعوبها خليطا غريبا حائرا بين إسلاميته القديمة، وشيوعيته الغابرة، ودكتاتوريته البائسة الحالية!
رواية «قمر على سمرقند» رواية غير عادية في قالب وزمن غير عاديين، وبالرغم من أنها صدرت قبل أكثر من سنتين، فإنها مازالت تلقى الرواج نفسه تقريباً، وتقع في أكثر من 500 صفحة، لا تود أن تنتهي من قراءتها، ولكن تشوقك لمعرفة مجرياتها تدفعك، رغماً عنك، إلى أن تقلب صفحاتها الواحدة بعد الأخرى بلهفة لكي تنهيها، وقد تكون هذه الرواية الأولى من نوعها في الأدب المصري، وربما العربي، بتميزها بكل ذلك العمق التاريخي والسرد القصصي من دون إنهاك القارئ بتفاصيل كثيرة ومملة، وأحداثها تغطي الحقبة السوفيتية لبلاد ما وراء النهرين من آسيا الوسطى، وما بعد تلك الحقبة، واستقلال دولها، ولو صوريا، بعد أن سيطر رجال مخابرات العهد السابق على مقاليد الحكم في غالبيتها.
رواية ننصح بقوة بقراءتها، وهي متوافرة في مكتبات بيروت والقاهرة، وسبق أن فازت بأكثر من جائزة أدبية مرموقة، وطبعت لأكثر من مرة، ولدينا نسخة «إلكترونية» لمن يريد.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
اسأل أتاتورك وصحبه
مصادفة الجوع قادته وقادتني إلى الالتقاء في مطعم، فانهمرت أسئلته، بسرعة سبعين سؤالاً في الدقيقة، يطرح سؤاله الثاني قبل أن يُنهي سؤاله الأول، والثالث قبل أن يشرح الثاني، والعاشر قبل أن يجف دم التاسع، وكلها تحت مظلة واحدة وإن تعددت أشكالها وأحجامها: “وين رايحين؟”، فأجبته مشفقاً على حنجرته وعروق رقبته: قبل كل شيء، نحن توقفنا فلا تخف، بل عدنا إلى عام 2009 كما تعرف، وسأدع المجال لكتب التاريخ لتجيب عن أسئلتك. قلت له، وأضفت: تعال نسترجع التاريخ، العسكري تحديداً، فالسياسة حروب ومعارك كما تعرف، لنستشرف النتائج… وفي التاريخ العسكري، وفي حروب الأزمنة القديمة والمتوسطة، يحدثنا الرواة في كتبهم عن تكتيكات استخدمها ثلاثة من أشهر القادة العسكريين كانت من أسباب تفوقهم، الأول هو السلجوقي المفترس “ألب أرسلان” الذي أسقط بيزنطة بجلالة جيشها وعتادها (كان قائداً للجيش وأصبح واحداً من أعظم سلاطين الإمبراطورية)، والثاني، ابن عمه، التركي أيضاً، مصطفى كمال أتاتورك (أصبح رئيساً)، الذي حرر بلاده من احتلال دول ست، قبل أن يؤسس تركيا الحديثة لتنافس أعظم الدول في عصره، والثالث هو الثعلب الألماني روميل (بطل الحرب العالمية الثانية، وإن هُزم فيها لأسباب يعرفها الرضيع قبل المسن… ولا أدري لمَ لُقب بالثعلب وليس الذئب)، هؤلاء الثلاثة لوّحوا بيد الوداع للدنيا، لكن بطولاتهم مازالت تُقرأ وخططهم تُشرح وعقائدهم العسكرية تُدرَّس… الثلاثة اتفقوا، من دون أن يتفقوا، على أساسيات أهمها أن احترافية الجيش تظهر في أوقات ضعفه لا تفوقه، وأن دهاء القادة يظهر في وقت الانسحاب لا الهجوم! واتفقوا على أن التقدم يجب أن يكون بطيئاً سُلَحْفِيّاً قدر الإمكان، لأسباب نفسية وتكتيكية، إلا في الحالات الاستثنائية… إضافة إلى جزئية هامة، اتفق عليها الثلاثة، وأجاب عنها أرسلان عندما سُئل عن سر تفوقه المبهر في ظرف سنوات قلائل، فأجاب: “أتقنت اختيار قادة جيشي، واستعنت بالمخلصين الدهاة ذوي الصبر والجلَد”. والآن دعنا نقارن بين فريقي الحرب السياسية، السلطة والمعارضة، وتعال نسأل أنفسنا: أيّ الفريقين يتقدم صفوفه المخلصون الدهاة من ذوي الصبر والجلد، وأيهما يتكدس في صفوفه الأولى غثاء السيل؟ وأي الفريقين يجيد التقدم والانسحاب؟ وأيهما يُبدي احترافية وتماسكاً حتى في لحظات ضعفه؟ إذا أجبت عن هذه الأسئلة، قلت له، فستعرف لمن ستكون الغلبة في النهاية، وإلى أين نحن ذاهبون.