علي محمود خاجه

لا تكسرون فيني

أعتبر هذا المقال من أكثر مقالاتي صعوبة في الصياغة فألتمس منكم العذر إن تشتتم قليلاً، ولكن لقفزات المقال مغزاها فتحملوها.
يحكم ايران نظام ديني سياسي، وقبل الخوض في التفاصيل أقول لا أؤمن بأي نظام ديني سياسي معاصر، وأعتقد أن الدين بضاعة لا تبور وهو سبب استمرار معظم الأنظمة الدينية السياسية، وكذلك أعتقد أن فصل الدين عن الدولة هو الطريق الأمثل لقيام الدول اليوم، فلا يوجد سياسي من التيارات الدينية يطبق ما أنزل فعلاً من ديانات، وعليه فإن الأنظمة السياسية الدينية القائمة هي أنظمة مصالح تطوِّع الدين وفق أهوائها وللتفرد بالسلطة.
النظام الإيراني، كما ذكرت يحكمه نظام ديني سياسي، والطائفة المسلمة الشيعية في شتى بقاع العالم يجب أن يكون لها مرجع ديني على درجة من العلم يرجعون له في مسائلهم الدينية ويأخذون بأحكامه في تلك المسائل، وشيعة الكويت يتبعون مراجع دينية متعددة كالسيد السيستاني والسيد الشيرازي والميرزا الإحقاقي والسيد الخامنئي، والأخير تحديداً هو يعتلي قمة هرم النظام السياسي الإيراني بالإضافة إلى كونه مرجعاً دينياً يتبعه في مسائل الدين الكثيرون من الشيعة في إيران وخارجها.
في الكويت مثلاً، فإن من أبرز من يتبع مرجعية السيد الخامنئي من سياسيين، النواب عدنان عبدالصمد وفيصل الدويسان والنائب السابق أحمد لاري، وطبعاً هناك عدد كبير من المسلمين الشيعة في الكويت يتبعونه دينياً كذلك.
لتبسيط الفكرة أكثر فإن مكانة السيد الخامنئي للكثير من الشيعة بالكويت تعادل مكانة المرحوم بن باز بالنسبة لكثير من السنّة في الكويت، فهو مرجعهم في أمور الدين وصاحب الرأي الأهم في شؤون عقيدتهم.
فرحت كثيراً عندما بادر شباب حوارات التغيير بتوقيع وثيقة نبذ خطاب الكراهية، وعلى الرغم من عدم تمكني من الحضور للتوقيع حينها فإني حرصت أن يُضَم اسمي إليها، وكما علمت فإن نواب كتلة العمل الشعبي قد وقعوا عليها كذلك، وقد نص المبدأ الأساسي في الوثيقة على ما يلي: “أتعهد أنا الموقع أدناه بالعمل قولاً وعملاً على تعزيز الوحدة الوطنية والتصدي علناً لكل من يشق النسيج الاجتماعي ويثير النعرات الطائفية والقبلية والعنصرية والله على ما أقول شهيد”، أكثر ما أفرحني هو النص المتعهد بالتصدي العلني لمثيري الفتن.
بعد هذه الوثيقة مباشرة صرح النائب جمعان الحربش بما يلي: “أن الإشاعات حول الجيش السوري الحر نابعة ممن يريد بقاء المد المجوسي في الشام”.
يصف الحربش النظام الإيراني بالمجوسي أي أنه نظام كافر، وكما ذكرت لكم سابقا بأن من يعتلي هرم النظام الإيراني هو السيد الخامنئي المرجع الديني لكثير من شيعة الكويت، وهو ما يعني بأن الحربش يصف المرجع الديني لكثير من المسلمين الشيعة بالكويت بالمجوسي.
واليوم الاثنين يحتشد البعض بساحة الإرادة ومن بينهم نواب “الشعبي” وبعض شباب حوارات التغيير بمعية النائب جمعان الحربش، وكلي أمل أن يلتزموا بما وقعوا عليه ويتصدوا علناً لتكفير المسلمين الشيعة في الكويت من خلال تكفير مرجعهم الديني، فإن لم يفعلوا فلا جدوى أصلاً من وجود الوثيقة.

ضمن نطاق التغطية:
لم أتكلم عن تصريحات النائب وليد الطبطبائي العنصرية قبل يومين، لأنني وبكل أمانة أجد أنه يفتقد لأبسط أساسيات التفكير السليم.

سامي النصف

الانقلاب على الدستور والشرعية!

  أعرف الكثير عن أحوال الأمم والبلدان، وأعلم متى يتحول الدم إلى ماء والتباين إلى صراع، والخلاف الى فراق والحب الى حقد والود الى كراهية، ويبدأ الانحدار ويتغير حال الناس من أمن إلى خوف ومن رفاه إلى عوز، إن النزول الى ساحة الارادة هذه الأيام هو بكل بساطة دعم وتأييد لمشروع الانقلاب على الدستور والانقضاض على الشرعية وبدء الفوضى ودخول مشروع الخريف الخليجي المدمر، فهدف الحراك لا الدستور ومحاربة الفساد بل.. السلطة والمال ولا شيء غير ذلك.

***

إن الادعاء بأن حراك الشوارع أمر معمول به حتى في الديمقراطيات المتقدمة هو خطأ فادح ومقولة حق يراد بها باطل، والصحيح ان الحراك السياسي لديهم يتم داخل البرلمانات لا خارجها، كما هو الحال لدينا، واما احتجاجات الشوارع فتقوم بها مجاميع صغيرة ذات مطالب فئوية محدودة لا التكتلات السياسية الرئيسية كما هو الحال لدينا، وهل سمع احد بدعوة الحزب الجمهوري او الديموقراطي إلى النزول للشوارع احتجاجا على قرار ما للحكومة او المحكمة الدستورية، وارجعوا لأحداث الانتخابات الرئاسية عام 2000 بين بوش وآل غور، وكيف كان الالتزام بحكم المحكمة الدستورية آنذاك الذي سلم الحكم لبوش رغم أحقية منافسه.

***

وفي بداية هذا العام وتحديدا من 7 إلى 11 يناير قمت بإنزال أربعة مقالات كان عنوانها «الخطة الحقيقية لتدمير الكويت» ولم يكن الحكم الدستوري الذي حل مجلس 2012 قد صدر ومن ثم اتخاذه حجة وذريعة لرفض حكم المحكمة والدعوة إلى النزول للشوارع بسبق إصرار وترصد، ذكرت حينها ان مشروع تدمير الكويت يمر برفض احكام المحكمة الدستورية والدعوة إلى النزول للشوارع ومطالبات الحكومة الشعبية والحزبية والدائرة الواحدة وهو ما تحقق تماما، فمشروع التدمير قائم ومستمر وصندوق الذرائع والاعذار اكبر من المحيطين الهندي والهادي معا.

***

نعم كل الخيرين والصالحين في الكويت ضد الفساد بجميع أنواعه الذي هو المزعزع الأول لاستقرار الدول والأمم، هذا الأمر يجب ألا يعمي أعيننا عن حقيقة مهمة جدا هي ان من يدعي محاربة الفساد هم الفساد بعينه، وقبل ان نصدق أقوالهم علينا ان نرى احوالهم وأفعالهم والثراء الفاحش جدا الذي انتهوا اليه من عملهم السياسي مع العلم ب‍أنه إن كان هناك فساد فهم شركاء اساسيون فيه كونهم قد انتخبوا لمجلس الأمة لمحاربته وإلا فلماذا انتخبكم الناخبون المغلوبون على أمرهم؟ ولماذا لم تقترحوا لجان قيم وقوانين ذمة مالية و«من اين لك هذا؟» الا انكم كنتم تعلمون علم اليقين ان اول من تنطبق عليه تلك القوانين.. هم انتم!

***

آخر محطة:

 اشتكى لي العقيد حسين القحطاني من معاناة المخلصين من رجال الداخلية مما يحدث في ساحة الارادة حيث يتركون منازلهم صباحا للذهاب الى مكاتبهم وفي المساء يتجهون الى ساحة الارادة حتى ساعات الصباح الأولى، فمتى يتواجدون مع عائلاتهم؟!

ومنا الى دعاة التجمهر والفوضى نسألهم: هل يعتبرون رجال الداخلية غير كويتيين كونهم فقط.. لا يصوتون؟!

احمد الصراف

الخدعة الكبرى

في الخليج أنظمة هشة وبقاؤها كما هي في مصلحة المنطقة ومصلحة استقرار العالم بشكل واضح. والحقيقة الأخرى أنه على الرغم مما يحدث في دول مجلس التعاون من مخالفات وفساد مالي وإداري، فإن هذه الأنظمة تبقى، وإلى حد كبير، الأفضل لشعوبها، مقارنة بأنظمة بقية الدول العربية، وليس هناك ضمان بأن أوضاعها ستصبح أفضل، حتى بدرجة ضئيلة، لو استولت قوى أخرى على مقاليد الحكم فيها!
ما ورد في الصفحة الأولى من القبس يوم الجمعة من اعتراف نحو 60 إماراتيا معتقلا في أبوظبي بانتمائهم لتنظيم «سري» كان يهدف للاستيلاء على الحكم في دولة الإمارات بالقوة أمر مثير للهلع، وحتى للحزن الشديد! خصوصا عندما نعلم أن هؤلاء ينتمون لجمعية «الإصلاح» المرتبطة بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وأن لديهم أموالا واستثمارات وهياكل تنظيمية وفروعا وتراتبية ومنهجية عمل، وفروعا منتشرة في الإمارات السبع! وأنها، فوق هذا، تتلقى دعما ماديا ومعنويا من تنظيم مماثل في دولة خليجية، وقد تكون الكويت، خصوصا أن رسالة إنترنت تم تداولها بشكل واسع تحمل أسماء جهات وأفراد من الكويت، متورطين بإرسال أموال للتنظيم الإماراتي ومن بين هذه الجهات أفراد وشركات ومؤسسات دينية وشبه حكومية!
نحن لا نود هنا توجيه الاتهام لأحد طالما أن المسألة لم يحسمها القضاء، ولكن التعتيم الذي يلقاه خبر القبض على هذا التنظيم في وسائل الإعلام الخليجية، والكويتية بالذات، يبين بوضوح مدى نفوذ «تنظيم الإخوان» في الخليج وقدرتهم على التأثير في الصحافة وغيرها، على الرغم من خطورة الخبر الذي يرقى لمستوى الكارثة، خصوصا عندما نعلم أن نشاط الإخوان في الإمارات لا يتعدى عمره الثلاثين سنة بكثير، مقارنة بأكثر من ضعف ذلك في الكويت، وهذا يعني أن تجذرهم وتغلغلهم في مؤسسات الدولة هنا وقدراتهم التنظيمية والمالية أكبر بكثير من هناك، وهم بالتالي مؤهلون أكثر من غيرهم للسيطرة، متى تهيأت لهم الظروف المحلية والدولية!
لقد سبق أن حذرنا عشرات المرات من خطر الحركات الدينية المسيسة، وسنستمر في التحذير من خطورة تحركاتها وطموحاتها للوصول للحكم، خصوصا عندما نعلم أنها تدين بولائها لمرشد الأخوان في مصر وليس لقياداتها السياسية الشرعية، أو حتى «الروحية» المحلية! إن الحكومة مطالبة باجتثاث هذه التنظيمات، أو على الأقل الحد من أنشطتها وقدرتها على جمع الأموال، أو تعيين المنتمين لها في الوظائف الحساسة، فقد وصلوا للحكم في أكثر من دولة عربية وهم لن يرضوا بالوقوف عند حد معين، فكيدهم عظيم، وخداعهم أعظم.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

«أذناب» إيران

 

هل تدرك حكومات دول المنطقة، بل قل الحكومات العربية والإسلامية قاطبة إن شئت، مخاطر «تكريس» تهمة انعدام ولاء الشيعة لأوطانهم واعتبارهم، ضمن اسطوانة مقيتة، بأنهم أذناب لإيران؟ وهل هناك «مكاسب محددة» من وراء الترويج لهذا الاتهام بأدلة واهية مكررة لا تكاد تصمد؟ وأيهما أفضل، تعزيز المواطنة الكاملة لجميع المواطنين، أم إبقاء التهمة قائمة دون نظر إلى انعكاساتها الخطيرة، والتي اعتمدتها الكثير من الوسائل الإعلامية والمواقع الإلكترونية وشخصيات خليجية وعربية وإسلامية؟

وهل يعقل أن يتم اعتماد حجج وبراهين للتشكيك في ولاء الشيعة بناءً على انتمائهم المذهبي، أو وفقاً لنشاطهم المعارض للحكومات، وكذلك اعتبار وجود مرجعية فقهية في إيران يقلدها ملايين الشيعة في العالم، على أنها شكل من أشكال الولاء المطلق إلى إيران؟ وتجاوزاً، هل يمكن قبول وجود مجموعات شيعية لها ولاء لإيران وتخابر وتنسيق، على أنها التهمة الشاملة الكاملة لكل الشيعة في العالم؟

قائمة التساؤلات المشروعة لا يمكن أن تكون محدودة… فيما في المقابل، يتوجب على الشيعة في دولهم أن يثبتوا دائماً أن ولاءهم لأوطانهم، وعلى كل مواطن شيعي متهم أن يقدم قرابين الولاء دائماً وأبداً… وفي الغالب تخضع تلك المواقف لعناوين التقية والكذب، وكذلك اعتماد «التشكيك لا محالة»! وهذا الوضع له تأثيره البالغ على استقرار النسيج الاجتماعي الوطني، وبدلاً من أن تتجه تلك الدول والحكومات لقطع الطريق على من يستهدف التشكيك في انتماء الشيعة، وإدماجهم، حالهم حال كل الطوائف، تحت إطار المواطنة الكاملة والحقوق السياسية والاجتماعية والدينية، تفسح المجال لخطاب إعلامي وديني متطرف ينال من المواطنين الشيعة… فهم «أذناب إيران» لا محالة. كل ذلك لا يحل المعضل الكبير بل يزيده تعقيداً، أما الحل، فهو من السهولة بمكان: يمنع التشكيك في انتماء أي مواطن، ويقدم إلى المساءلة القانونية كل من يتعمد التشكيك في ولاء وانتماء وحقوق أي مواطن.

الشيعة في الخليج، وفي كل الدول العربية والإسلامية، لهم وجودهم قطعاً، وربما اختلف الوضع في منطقة الخليج العربي ليتأسس على الوجود التاريخي، وفي مقابل هذه الحقيقة هناك تهمة أخرى أكبر… الشيعة على مر التاريخ أيضاً متآمرون وخونة، ويريدون بالأمة الإسلامية شراً، وهو كلام لا يعدو كونه شنشنة أخزم.

بأدنى مستوى من الجهد، يمكن رؤية المدى الشاسع لمراحل انتقال التهمة من على ألسنة البعض، ألا وهي (أذناب إيران)، إلى خطابات وشخصيات معتمدة في الكثير من وسائل الإعلام. نعم، لا يمكن اعتبار وسائل الإعلام في فضاء مفتوح بأنها ليست مسئولة، وفي ذات الوقت، لا يمكن القبول بالتمادي الواضح في وضع الشيعة تحت هذا الاتهام.

ويمكن أيضاً تحديد أكثر العبارات شيوعاً: «الشيعة هم أذناب إيران… ينفذون تعليمات ولاية الفقيه، فلا وطنية ولا انتماء لهم لأوطانهم… يخططون منذ عقود للنيل من أهل السنة… حقوقهم مصانة محفوظة من جانب حكوماتهم، لكنهم يتآمرون مع إيران من خلال شبكات تجسس وأعمال عنف وتخريب… الشيعة ينتظرون ساعة الصفر… هناك جيش شيعي على أهبة الاستعداد… خلايا نائمة موزعة في دول المنطقة، يسعون لتطبيق النموذج الإيراني في دولهم.. إيران هي التي تمول مؤامراتهم وأعمالهم التخريبية… لابد للحكومات من أن تكشف خطر الشيعة.. و..و..و..».

لعل السؤال الذي يطرح نفسه :»ما هي الفائدة التي ترجوها الحكومات إن سعت لإبقاء تهمة «أذناب إيران» على الشيعة؟ ثم ما هي الفائدة التي يمكن أن تحققها لو ألغت هذه التهمة العقدة وأعادت بناء جسور الثقة بلا فواصل مع الكيانات الشيعية الدينية والسياسية والاجتماعية، ورفضت بحزم، أن يشكك أي طرف في انتماء الشيعة؟»، بلا شك، فإن إبقاء التهمة ينضوي تحت عنوان المخاطر المستمرة في تجزيء المجتمعات، فيما بناء الثقة سيعود قطعاً بالنفع على تلك الحكومات، وليس من المعقول أن تصب هذه الحكومة أو تلك جام غضبها وخلافاتها مع إيران على الشيعة، أو أن تلصق بهم التآمر والتخطيط والعمل على قلب الأنظمة وما إلى ذلك من اتهامات، دونما أن يكون هناك نهاية منطقية لمثل هذه التهم المتراكمة المؤثرة على الداخل الوطني في ظل وضع إقليمي مضطرب.

لكن، ماهي حقيقة الانتماء الوطني للمواطنين الشيعة في أوطانهم؟ الحقيقة الواحدة المطلقة التي تعرفها الحكومات المشككة في ولاء مواطنيها الشيعة، أو لنقل أقطاب قوى في تلك الحكومات، ويحاولون تدميرها وإحلال تهمة «أذناب إيران» محلها، هي أن الشيعة على مر التاريخ كانوا ولا يزالون ركنا رئيساً في الأمة، مهما كانت مستحدثات الاتهام الجيوسياسي إن جاز التعبير.

حسناً، سأعود بالقاريء الكريم إلى شهر أبريل/نيسان من العام 2006، لأقدم نموذجاً سيئاً للغاية، وهو الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك حينما أطلق اتهامه الشهير للشيعة بالولاء لإيران، وكانت ردود الفعل قوية دون شك، سواء اعتبرها البعض تقية أم كذباً أم خداعاً، لتتمحور على أنه لا مجال أبداً للتشكيك في ولاء الشيعة لأوطانهم وأن مثل هذه الاتهامات أن هي جزء من مخططات الفتنة، أليس كذلك؟

نعم هو كذلك، ومن أجمل وأعمق الآراء التي طرحتها الصحافة في رصدها لردود الأفعال آنذاك، ما نقل عن المفكر البحريني علي محمد فخرو الذي قدم توصيفاً عميقاً بقوله :»أنا أتمنى أن هناك سوء فهم كبيراً لهذا التصريح من قبل الذين أعلنوه، ولكن في جميع الأحوال أعتقد أنه من الضروري التذكير بأنه في العراق تأسس الحزب القومي العربي (حزب البعث) من قبل شيعة العراق أولاً، لتمسكهم بعروبتهم وأمتهم العربية، وفي الحرب العراقية الإيرانية مات عشرات الألوف من الشيعة، وهم يدافعون عن وطنهم وعن عروبتهم، وفي لبنان كان الشيعة هم الذين حرروا جنوب لبنان من دنس الصهيونية باسم عروبة لبنان وباسم الإسلام، وفي البحرين كان الشيعة أول من صوَّت لعروبة البحرين عند استقلالها من الاستعمار البريطاني، وأول من أسند بقاء الحكم العربي في هذه الجزيرة».

ولنركِّز على فقرة من قول المفكر فخرو لنطبقها على واقع اليوم، ولنعرف أبعاد تهمة «أذناب إيران» :»الأخوة الإيرانيون يلتزمون بوطنيتهم الإيرانية، والأخوة العرب يلتزمون بعروبتهم ووطنيتهم المحلية، ونحن سنة وشيعة نرفض أن ننجر في معركة هي أفضل ما تريده الولايات المتحدة الأميركية و»إسرائيل» في مشروعهما الاستعماري الجديد. إن مصر التي قادت النضال في الأمة العربية والأمة الإسلامية من أجل تحريرهما ونهضتهما لا يمكن أبداً أن تضع نفسها في خندق الآخرين، ومن هنا الرجاء التام أن يكون التصريح فهم بخطأ لا ترضاه مصر لنفسها».

للحديث صلة…

سامي النصف

أيها السادة.. السياسة هي فن الممكن!

أيها السادة.. مازالت الكويت تعاني وتقاسي من فهمكم الخاطئ لكثير من أصول وأعراف اللعبة السياسية الصحيحة حتى أصبحت لعبتنا السياسية من الأسوأ في العالم، حيث نتج عن ذلك الفهم العقيم للعمل السياسي أزمات تلد أزمات ومصائب تلد مصائب حتى استفردنا بالكوارث دون دول الجوار ممن يعيشون نفس ظروفنا إلا انهم لا يؤمنون بمفاهيمكم السياسية مما جعلهم يسبقوننا بأربعة عقود بعد أن كانوا لسنوات قليلة متخلفين عنا بنفس الحقبة الزمنية.. ألا تشعرون أيها السادة.. بكونه نوعا من التغيير.. انكم لربما مخطئون؟!

الديموقراطية أيها السادة هي الإيمان العميق بالرأي وهذا الأهم «بالرأي الآخر» فرأيك خطأ يحتمل الصواب ورأيي صواب يحتمل الخطأ، وليس كما ترون رأيكم صوابا لا يحتمل الخطأ أبدا، ورأينا خطأ لا يحتمل الصواب أبدا كذلك، الديموقراطية الصحيحة أيها السادة ان أخالفك الرأي على ان اكون على استعداد لأن ادفع حياتي ثمنا للسماح لك بإبداء رأيك لا كما ترون وتودون من رغبة بأن تدفع حياتك ـ وسمعتك ـ ثمنا لرأيك المخالف لرأيي!

السياسة أيها السادة هي فن الممكن وسياستكم يقوم صلبها على طلب المستحيل، السياسة أيها السادة هي المغفرة والتسامح والنسيان، وسياستكم تقوم للأسف على الكراهية وإساءة الظن وتشويه سمعة الخصوم بالحق أحيانا وبالباطل أحيانا أكثر.

اللعبة السياسية أيها السادة هي أقرب للعبة الرياضية الجميلة التي يسعد بها الجمهور ولعبتنا السياسية التي تديرونها من خارج ملاعبها المقررة أبكت جمهورنا وطفشته وطمشت علينا جماهير الجيران، اللعبة السياسية بمفهومها الصحيح أيها السادة تفخر بقلة أزماتها وأنتم تفخرون بأنكم تخلقون مع تصريح تطلقونه.. أزمة وكارثة سياسية جديدة، فمن علمكم ان السياسة لا تمارس إلا من خلال صنع الأزمات بدلا من حلها؟!

وليس في اللعبة السياسية الصحيحة أيها السادة أعداء أو أصدقاء دائمين، أما أنتم فقد فهمتم السياسة على انهم أعداء دائمون يضاف لهم مع كل إشراقة شمس أعداء جدد كانوا حتى الأمس القريب أصدقاء حميمين، اللعبة السياسية عند الأمم المتقدمة أيها السادة هي استبدال حراك الشارع بحوار البرلمان الهادئ والجميل، وأنتم أيها السادة استبدلتم حوار البرلمان بحراك الشارع وأصبح الميدان لا قبة البرلمان المكان الذي تغير به الدساتير وتخط به القوانين، فمن أي قواميس السياسة في العالم أتيتم بتلك المفاهيم المدمرة، غفر الله لكم؟!

آخر محطة:

أين الحكمة في أن يجدع الرجل أنفه أو يفقأ عينه لإغاظة زوجته؟ في المقابل أين الحكمة في التهديد بالبقاء في الشوارع والميادين ونشر الفوضى إذا لم يتحقق هذا الأمر أو ذاك للإضرار بالبلد، أليس البلد الذي تهددونه بالضرر وإيقاف حاله.. بلدكم كذلك؟!

حسن العيسى

وهمنا الكبير

كتاب غربيون وعرب تساءلوا متعجبين عن المظاهرات العنيفة غير المعقولة التي خرجت للشوارع تحرق وتدمر وتقتل بعد نشر شريط اليوتيوب المسيء للرسول من أحد النكرات في أميركا… لماذا خرجت تلك الجماهير قبل ذلك احتجاجاً على صور كرتونية نشرت بمجلة دنماركية، ثم قتل أحد المهووسين المخرج “فان غوغ” لعمل سينمائي، وقبل ذلك بسنوات أهدر دم الكاتب سلمان رشدي بعد فتوى من الإمام الخميني.
ما حكاية هذه الشعوب العربية والإسلامية (بالتحديد باكستان، موطن الإسلام الجهادي منذ الثمانينيات)؟ ولماذا لا تعرف هذه الجماهير الفرق بين ممارسة الأفراد حرياتهم في التعبير مهما كانت مسيئة لمعتقد أو دين ما، وبين خطاب الكراهية المجرم في عدد من الدول الأوروبية (ليس في الولايات المتحدة) مثل إنكار محرقة اليهود في الحرب العالمية الثانية؟
لماذا لا تفصل تلك الجماهير بين الأمرين وتخلط الحابل بالنابل، و”يتشاطر” بعض أشباه المثقفين والكتاب بأن تلك الدول تكيل بمكيالين في حرية التعبير، فحلال عندهم الإساءة للمسلمين وحرام إنكار المحرقة الكبرى لليهود!
ويسأل هؤلاء الكتاب: لماذا لا تعرف تلك الجماهير معنى التعديل الأول للدستور الأميركي الذي يقدس ممارسة حرية التعبير، ويمنع كل عمل يحد منها، ولماذا لا تدرك تلك الجماهير الفرق بين عمل الدولة كذات سيادة حين تسيء لمعتقدات البشر، وبين عمل الأفراد مهما كانت عنصريتهم وتغطرسهم ضد المسلمين وغير المسلمين وكل غير المنتمين إلى العرق الأبيض الأوروبي!
هل كسب العرب من قتل السفير الأميركي في بنغازي؟ وهل انتصرنا حين رفع المتظاهرون في مصر والكويت وغيرهما أعلام القاعدة ورددوا شعارات التعظيم لأخطر مجرم عقائدي في العشرين سنة الماضية وهو أسامة بن لادن؟ هل ردود الفعل، مهما كانت أسبابها، تبرر مثل الشعارات! أليس هذا يؤكد نظرية مفكر متعال مثل “غوستاف لوبون” حين وصف سيكولوجية الجماهير بأنها غير عاقلة ومتطرفة؟ ثم لماذا نتهم الغربيين بالكيل بمكيالين بينما نحن نكيل بألف مكيال، فما أكثر الأفلام والأدبيات الكتابية التي أساءت للمسيح ولليهود، ولم تخرج جماهيرهم تقتل وتدمر هناك مثلما حدث في دولنا، هل السبب هو الفقر، فمتظاهرو العرب طالبوا (كما كتب كاتب إنكليزي متهكماً) بأن تصير حالهم مثل حال أهل النرويج في البحبوحة الاقتصادية…! مع أن دول الخليج أكثر بحبوحة من تلك الدولة الإسكندنافية.
أيضاً، لماذا صمت البوذيون وغير البوذيين عن تدمير تمثال بوذا (وهو من الآثار التاريخية التي هي ملك الإنسانية) في أفغانستان من السلفيين الجهاديين قبل سنوات بسيطة، واليوم يدمر رفاقهم مساجد الصوفيين التاريخية في الشمال الإفريقي، وهي كذلك ملك التاريخ الإنساني وليست خاصة بالصوفيين الذين يتعرضون هذه الأيام لحملة اضطهاد رهيبة من الجماعات التي تدعي أنها وحدها صاحبة الإسلام الصحيح! وكيف لنا أن ندين الغربيين وعندنا دعوات فاشية دينية تطالب بهدم كنائس المسيحيين في الدولة من ناحية، ومن ناحية أخرى تمارس كل صور الاضطهاد للشيعة في خطاباتها اليومية.
شارلس كرثمور في البوست – مهما اختلفنا على يمينيته – يقرر في مقال له سقوط مبدأ أوباما، الذى دعا إلى حريات وديمقراطية الشعوب العربية عام ٢٠٠٩ في جامعة القاهرة، ودعت إدارته إلى تكريس الديمقراطية في دولنا، ووقفت هذه الإدارة مع ثورة مصر وتونس، وساندت ثوار ليبيا، فردت تلك الجماهير التحية بأجمل منها كما حدث في بنغازي والقاهرة وعدد من العواصم العربية…! ألا يتحسر الأميركان اليوم على الأيام الذهبية للديكتاتوريات الفاسدة قبل الربيع العربي، ألا يوسوسون مع أنفسهم ويقولون: إن هذه الجماهير مازالت غير مستعدة لعصر الحريات ولاسيما مبدآ التسامح، وحرية الضمير.
لا يبدو اليوم أن حلولاً سحرية ستأتي في القريب لحالة “الخراب العربي” أمام التعصب الديني والمذهبي… ويبقى الأمل أن تتحرك القوى الإسلامية المعتدلة (والإخوان المسلمون هم خير من يمثلها بما يملكون من رصيد شعبي كبير في عالمنا المفتت) لنشر الوعي الإنساني في مسألة الحريات والديمقراطية، وأن يبادر العقلاء منهم لتصفية القوى المتطرفة المحسوبة عليهم، فأوروبا قبل الثورة الفرنسية مرت بما نمر به اليوم، وكانت بداية طريق التنوير هي شعلة أنارها جماعات وأفراد الإصلاح الديني، ولا حل بغير هذا… فليتحمل الإخوان عبء المسؤولية التاريخية، فالطريق طويل ونحن مازلنا في البداية… أما الرهان على أنظمتنا كما يتوهم الحالمون فهذا هو الوهم الكبير.

مبارك الدويلة

وزير.. وتعليم.. وليبرال

سيطرة التيار الليبرالي على وزارة التربية في الكويت منذ إنشائها ذكرناها بالأدلة وبالأسماء في مقالات سابقة، وحتى عندما يأتي وزير محافظ أو ذو توجهات محافظة يتدخل هذا التيار في الشأن التربوي للمحافظة على استمرارية الروح الليبرالية في التوجهات التربوية.
الوزير الحالي.. وان كان بالوكالة.. الا انه وزير وسطي.. معتدل.. ومن أسرة محافظة ومتدينة.. ومع هذا بدأ في اصلاحاته بالوزارة بقوة.. وخطا خطوات اثنى عليها الجميع.. ولانها وزارة التربية.. فلم يسلم من النقد والعتب.. فهي وزارة مثل البلدية.. مقبرة للوزراء..! الا ان خطواته حتى اللحظة ثابتة مع انها اليوم «بالوكالة»!
التيار الليبرالي يضع يده على قلبه منذ ان جاء هذا الوزير إلى هذه الوزارة.. ليس لانه وزير محافظ.. فهو معروف عندهم انه وزير منفتح ويتعاطف مع الطرح الليبرالي.. لكن لانه وزير لا يوجه من الخارج! نعم.. حاولوا كثيراً التأثير فيه في مناصب شغرت أخيراً مثل وكيل وزارة التربية ووكيل وزارة التعليم العالي وبعض المناصب في التعليم التطبيقي.. وعندما عجزوا عن ثنيه وتليين رأسه لجأوا للوسيلة الأسهل لهم.. وهي الضغط عليه! فطرحوا اسماءهم الليبرالية لهذه المناصب.. حتى يطمئنوا الى استمرار سيطرتهم على التعليم في الكويت.. وبدأ الضغط على الوزير، لكن هيهات.. فالاسم الذي لا تنطبق عليه المعايير لا يدخل في قائمة المرشحين عند الوزير.
أنا أعلم ان الضغط كبير.. وسيكبر بكل الوسائل لتمرير هذه الاسماء.. فالسيطرة على التربية في الكويت أولوية عندهم.. ولن يقبلوا بالتغيير مهما كلف الأمر، ولو استدعى ذلك تغيير الوزير نفسه! مع ان سيطرتهم طوال العقود السابقة تسببت في فشل العملية التربوية والتعليمية، لكن المشكلة اننا آخر من يتعظ بتجاربه!
* * *
> الأغلبية البرلمانية.. أعلم انكم تناطحون جبلاً.. وان المسؤولية عليكم كبيرة.. وانكم في الميدان تقاتلون من أجل مستقبل أفضل للديموقراطية.. وممارسة أنجع، لكن هذا لا يمنع من ان تعيدوا النظر في الخطاب الإعلامي للشارع، هذا الخطاب ينطبق عليه المثل «محام فاشل لقضية ناجحة»، لذلك حان الوقت للتقليل من أساليب الاستفزاز والتحدي، فالخصم مكشوف ومعروف عند أهل الكويت مهما علا صوته وطال لسانه.. ومؤيدوكم يتمنون عليكم تهدئة الصوت، وليس تهدئة الموقف حتى يستمروا في دعمكم.

احمد الصراف

مخاطر تشغيل المخ

ردا على مقالاتنا الثلاثة عن اليابان، ودور الأخلاق في تربية الفرد، كتب لي الصديق العراقي الكندي ياملوكي، بـأن أخلاق اليابانيين تأثرت بأنظمة وقواعد «البوشيدو» الصارمة، وأنه كان لتعاليم كونفشيوس دور في صقل الشخصية اليابانية وتهذيبها. وقال انه اكتشف، من خلال تجربة طريفة، كيف تعتمد مدارس الشرق على التلقين، ولا تسمح لا للمناهج ولا لهيئة التدريس بتربية الطفل على النقد الحر، ولهذا نربى لنكون مطيعين خانعين في تصرفاتنا، وقال انه كان يقوم يوما بمساعدة اسرة عراقية مهاجرة على التأقلم مع بيئتها الجديدة، وكان مطلوبا منه اصطحاب مريم الصغيرة إلى مدرستها في يومها الأول. وهناك طلب أن يتحدث مع مدرستها، بعد أن وصل متأخرا لبضع دقائق، فطلبت منه المدرّسة إدخال الطفلة والانتظار قليلا، وانها لا تمانع ان أنصت لدرسها! ويقول ياملوكي انه جلس مصغيا كالطفل في فصل به نحو 20 فتى وفتاة، وهناك اعطت المدرّسة كل واحد منهم تفاحة تختلف عن التي عند غيره، شكلا وحجما ولونا ورائحة، وطلبت من كل واحد أن يصف تفاحته بطريقته الخاصة. وأن يقوموا بشقها إلى نصفين، أو إلى قطع صغيرة، ووصف شكلها من الداخل ورائحتها، وبما تذكرهم، ومقارنة لونها باشياء أخرى، ومن ثم تذوقها ووصف طعمها، ومقارنة ذلك مع ما سبق ان تناولوه من تفاح، وهي حلوة أم حامضة الطعم أم من غير طعم. وعندما انشغل الجميع بالكتابة توجهت المدرّسة صوبه، وسألته عن الكيفية التي يمكن ان تساعده بها، فشكرها، وقال انه جاء ليساعد مريم على التأقلم مع بيئتها الجديدة، ويعتقد بأنه سيصعب عليها في يومها الأول الكتابة، أو حتى التحدث عن لون التفاحة وطعمها وشكلها، وان الدرس صعب عليها! وهنا فاجأته المدرسة بابتسامة رقيقة، وقالت له بلباقة: يا سيد ياملوكي، هؤلاء جميعا طلبة وطالبات قدموا إلى كندا من أنحاء مختلفة من العالم، ومن خلفيات دينية وعرقية متعددة، والدراسات التربوية التي أجريناها أثبتت أن الطفل الشرقي بالذات يأتينا مسلوب الإرادة، يردد ما يلقن له، وليس لديه ادنى قدرة على النقد أو التفكير الخلاق، أو ان يكون صاحب مبادرة أو فكرة أو حتى رأي! بل يعتمد على حفظ الدرس وتكراره، وهذا يحرمهم من ملكية الرؤية النقدية ومن القدرة على اتخاذ القرار في الحياة تاليا، وهذا سبب جمود المجتمعات التقليدية، والعربية الشرقية بالذات! وقالت ان من واجبنا كمدرسين فتح أذهان الطلبة للمعرفة، ودفعهم لاستخدام عقولهم إلى أقصى درجة، والتخلي عما ورثوه من اساليب قديمة! ويقول ياملوكي انه بعد اتفاقه على صحة ما ذكرته المدرسة، طلبت هذه منه أن يشرح الوضع لأسرتها، بلغتهم، لكي يستوعبوا أكثر طريقة التدريس الحديثة، والتي تختلف عما اعتادوا عليه سابقا.
ذكرتني قصة الصديق ياملوكي بحادثة جرت لي في منتصف الستينات، عندما كنت أعمل نهارا وأدرس ليلا في ثانوية كيفان، فقد تبين لي وجود تناقض واضح بين مادتين من المقرر، فإحداها تقول ان الفضل في أمور كثيرة يعود إلى الحضارة اليونانية القديمة، والأخرى تقول ان الفضل يعود إلى علماء المسلمين. وقد جادلت مدرسيّ المادتين في هذه النقطة، وكيف ان علينا أن نشغل عقولنا، من خلال ورشة عمل، لمعرفة أي الجهتين لها الفضل، وأن نتوصل إلى الحقيقة من دون إخلال بمادة المقرر، بل لكي نرضي فضولنا فقط! لم تعجب فكرتي أيا من المدرسَين واعتبرا الأمر تدخلا في أسلوب التدريس، وفوجئت في اليوم التالي، باستدعائي إلى مكتب الناظر لمقابلة اثنين من رجال المباحث، أو أمن الدولة، لسؤالي عن الهدف من أسئلتي! فشرحت لهما الأمر، وبينت التناقض بين الكتابين، فهزّا راسيهما وتركاني! وعلمت بعدها أن العميد المرحوم محمد الحمد، الذي كان يعرفني جيدا، تدخل وامر بحفظ القضية! وعرفت يومها أن من يشغل مخه يستدعى لأمن الدولة! حدث ذلك في الكويت في عز انفتاحها، والأبعد ما تكون عن الأنظمة البوليسية، فما بالك بما يحدث فيها اليوم ولا يزال يحدث في الدول «الغلبانة»؟

أحمد الصراف

عادل عبدالله المطيري

جبهة حماية الدستور القديم

دستورنا قديم قدم الاستقلال، كان يعد إنجازا حضاريا في وقت المؤسسين الأوائل، وكان كل ما استطاعوا أن يحصلوا عليه بالتوافق مع السلطة آنذاك، وكانوا يأملون أن تأتي أجيال تستطيع ان تحصل على المزيد من المكتسبات الشعبية، لذلك وضعوا الآلية التي تحدد كيفية تطوير الدستور وشكل ونوعية التغيير، ولكن ترك الدستور دون تطوير، بل جمد العمل به سنين عديدة، حتى أصبح مع مرور الزمن وتعقد الحياة السياسية عبئا ثقيلا على كاهل الجميع، بل لا أبالغ ان قلت انه عبارة عن كتاب مليء بالرموز التي يصعب فهمها او ادعاء عدم فهمها، وبالتالي كثرت طلبات التفسير لنصوص الدستور.

بنود الدستور تناقض بعضها البعض، والصلاحيات فيه متناثرة بين أكثر من جهة ومتداخلة، تخيل ان الحكومة ومع نواب الأقلية يستطيعون شطب أو تأجيل الاستجواب (اي تعطيل مواد الدستور وعن طريق الدستور نفسه)!

السلطة التشريعية في الدستور هي أضعف السلطات على الرغم من انها تشكل عن طريق الشعب مباشرة، والذي هو مصدر السلطات واقعيا ودستوريا، حتى ان مشاريع القوانين التي يقرها مجلس الأمة تردها الحكومة ووفقا للدستور، وإذا طلب مجلس الأمة عدم التعاون مع رئيس الحكومة فسيحل البرلمان وفق الدستور أيضا، ويعاد رئيس الحكومة مرات عديدة!

دستورنا لا يستحق جبهة لحمايته بل لتطويره، إلى مزيد من الحريات والمكتسبات الشعبية، وإعطاء الكثير من الصلاحيات للسلطة التشريعية الممثلة له.

سامي النصف

الخيارات الأربعة للمحكمة الدستورية

  الكويت أمام مفترق طرق حيث ينتظر الجميع كما ذكرنا سابقا حكم المحكمة الدستورية الذي يعكس ما تمليه ضمائر قضاتها الأفاضل من أبناء الكويت البررة الذين لا يقبل الشعب الكويتي الإساءة اليهم عبر التشكيك في أحكامهم التي هي عنوان الحقيقة، كما لن يؤثر فيهم ـ قطعا ـ أي حشد مهما كبر أو خطاب مهما علا.

***

الخيارات الأربعة على الأرجح لحكم المحكمة الدستورية القادم هي:

الأول: أن تحكم المحكمة بعدم الاختصاص وان هذا عمل تشريعي وتنفيذي لا يرغب القضاء في أن يدخل نفسه فيه وبالتالي ينأى بنفسه عن الأمور السياسية وحكما سيعني حل مجلس 2009 وقيام انتخابات تشريعية بعد شهرين على معطى الدوائر الخمس والأصوات الأربعة تنتهي بنتائج قريبة من نتائج تحالفات مجلس 2012.

الثاني: ألا ترى المحكمة ان هناك نزاعا قائما بين الحكومة والمجلس يوجب الحكم فيه ويرى بعض المختصين في المقابل ان القضية لا تحتاج الى خصومة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، بل ان المختصم هو النص الدستوري بذاته.

الاحتمال الثالث: ان تصدر المحكمة حكمها بعدم عدالة نظام الدوائر الخمس القائم لعدم تساوي أعداد الناخبين بين الدوائر، ومن ثم ترسم خارطة طريق جديدة للدوائر تصدر بعدها الحكومة مراسيم للدوائر الانتخابية، وقانون الانتخاب يأتي عاكسا لذلك الحكم الذي قد يحتوي أو لا يحتوي على عدد المرشحين الذي يحق للناخب التصويت له (أربعة، اثنان، واحد).

الاحتمال الرابع: ان تتصدى المحكمة للموضوع برمته أمام خلاف وعجز السلطتين الأولى والثانية عن حله فتتصدى لموضوع الدوائر ولعدد من يحق للناخب التصويت لهم وبذلك تطفئ النار المستعرة وتحافظ على أمن الكويت خاصة وقد تصدت المحاكم الدستورية في كثير من البلدان لكثير من القضايا الخلافية المزمنة وحسمتها، وما وضعت المحاكم في الأساس إلا لإنهاء الخلافات لا بقائها عالقة، وحفظ الله الكويت وشعبها مما يخطط لها من أمور.. وما أكثرها!

***

آخر محطة:

(1) ضمن الفهم العقيم والقمعي للأمور ما يقوله بعض المختصين وغير المختصين من ان الحكم يجب ان يتم بهذا الشكل أو ذاك، مستشهدين بنصوص يرون انها تدعم ما يطرحونه دون ان يوضحوا ان نفس النصوص يراها خصومهم انها تدعم منطلقاتهم.

(2) الدساتير والقوانين نصوصها ثابتة، ويقوم الخلاف والتنازع على تفاسير النصوص التي يختص بها القضاة الأجلاء لا ممثلو الأطراف المتنازعة، وعليه فجميع الأحكام الأربعة المحتملة وغيرها هي أحكام صحيحة كون الحكم بذاته هو عنوان الحقيقة، وكل شيء عدا ذلك.. زيف وبهتان.