حسن العيسى

كلمة لحزب الشيوخ أبخص

إذا حلت السلطة مجلس ٢٠٠٩، ودعت إلى انتخابات جديدة وفق الدوائر الخمس، وصحت من أحلام اليقظة عن مراسيم الضرورة أو ترتيب وضع مجلس الأمة القادم ليكون في قفص التدجين السياسي بمعارضة صوتية وشكلية لا تخرج عن طوع الولاة، لو حدث كل ذلك، فهل المطلوب بعدها أن تتوقف تجمعات ساحة الإرادة وينتهي الصخب السياسي مرة واحدة وللأبد؟ فالسلطة، كما يقول اتباعها ومريدوها، قدمت كل ما يمكنها حسب رغبات المعارضين، وسارت على الخط المستقيم، فلماذا إذن تلك التجمعات والندوات السياسية المفترضة، وماذا يريد أهلها من مثيري الشغب وأصحاب التطلعات السياسية اللامنتهية؟! هذا ما يحلم به ويتمناه منظرو حزب الشيوخ أبخص، وهذا ما سيرددونه بأصوات عالية ضد المعارضة الشرسة التي يمثلها التكتل الشعبي والإسلاميون، مثل جماعة حدس أو غيرهم من المستقلين! سيتهم “عقلاء” حزب الشيوخ أبخص المعارضين بأنهم “أصحاب طلايب”، وسيقولون لهم، إذا أردتم الاعتراض فلديكم قاعة عبدالله السالم حسب الأصول الديمقراطية، أما الخروج للشارع فهذا حكم الغوغاء والفوضى، وهو مستنقع رمال متحركة ستغطس فيه الدولة اقتصادياً وسياسياً، وكأن السلطة لم تكن يوماً مسؤولة، والسبب الأول والأخير لمعظم خرابنا الحالي بداية من فوضى المرور إلى التقنين الرسمي لحالة “احترامي للحرامي، صاحب المجد العصامي” وكأنها لم تكن يوماً موضع شك في قضايا الفساد المالي والسياسي والمحاباة لجماعات دون أخرى في التوظيف أو توزيع كعك خير الفوائض المالية للمؤلفة قلوبهم. هل المطلوب منا أن نصدق شعارات أصحاب هذا الحزب السائر بخير عطايا السلطة وبركاتها، أو البشر المساكين الذين صدقوا كلامهم، ووضعوا المعارضة في قفص الاتهام بالمسؤولية، ونسوا السبب الأصيل لحالة الضياع الكبير لمعظم قضايانا؟. يجب ألا يكون هناك أي سقف للمطالبات الإصلاحية، فحق تشكيل الأحزاب (سموها هيئات أو لعنات لا يهم)، وإعادة تقسيم الدوائر لدائرة واحدة، والأخذ بنظام التمثيل النسبي، كلها كمحاولات جادة لتحقيق ديمقراطية صحيحة ودولة دستورية شكلاً ومضموناً هي قضايا يجب ألا تكون لها حدود وأسقف، ولا يصح حصرها بقاعة عبدالله السالم، ولو حدث أن عاد أكثر نواب مجلس 2012 إلى مكانهم في المجلس القادم، وحاول بعضهم أن يفرض رؤيته ونهجه بقبر ما تبقى من الحريات الشخصية في الدولة، أو أراد فرض المذهبية الطائفية بحجة أن هذا صوت الشعب وحكم الأغلبية (وهو جوهر الفكر الفاشي)، عندها لابد أن تخلق معارضة للمعارضة، ونقض الأخيرة من أساسها، ولا يعني ذلك الاصطفاف خلف حزب الشيوخ أبخص، باعتباره “أهون الشرين”، فهنا مكمن قصر النظر والسذاجة التي يروج لها الكثيرون بحسن نية أو ربما بسوئها. ساحة الإرادة ليست حكراً على معارضة اليوم، وليس لنا أن نقبل حصرها في “مكان ما مقابل المجلس”. لتكن هذه الساحة وعياً بالحريات الإنسانية، وليكن اسمها “إرادة التغيير” التي يجب ألا تتوقف وتجمد على حال، والقول بغير ذلك لا يعني غير الموت. ملاحظة: ليت وزارة الداخلية توسع صدرها وتتذكر أن اليوم هو يوم مهاتما غاندي، ومارتين لوثر كنج، ومانديلا… وليتها تتذكر، أيضاً، أن “البدون” بشر لا يحملون كرت الجنسية، إنما فقط كروت ملونة… هذا الفرق بيننا وبينهم.

احمد الصراف

القومي الوطني الليبرالي

قام سائق شاحنة بتوصيل بضاعة لأحد مستشفيات الأمراض العقلية، وعندما عاد لمركبته وجد أن إحدى عجلاتها قد فرغت من الهواء، فقام بفك براغيها بغية استبدالها بالاحتياطية، وأثناء عملية التبديل سقطت البراغي من خلال فتحة مجرى مياه الأمطار، فاحتار في كيفية استعادتها والغطاء لا يمكن رفعه، وهنا أحسّ أنه تورط، وسيدفع ثمن خطئه، لأنه سيتأخر في تسليم الشحنة التالية، هنا مرّ به أحد مرضى المستشفى وسأله عن مشكلته، فقال في نفسه ما الذي يعرف هذا المعتوه، ولكن ما الذي يضيرني لو شرحت له المشكلة، وهنا ضحك المريض وقال له، بعد أن استمع له: لا عجب في أنك أصبحت سائق شاحنة، لأنك أعجز من أن تحل مشكلة مثل هذه، كل ما عليك القيام به هو أخذ برغي واحد من كل دولاب وستحصل على ما يكفي منها لتثبيت الدولاب الاحتياطي، وسيمكنك ذلك من الوصول إلى أقرب ورشة! فأبهرت السائق الفكرة وذكاء المريض، فقال له: إذا كنت بكل هذا الذكاء، ل.مَ أنت في هذا المستشفى؟ فردّ هذا قائلا: أنا هنا لأنني مجنون وليس لأنني غبي!
تذكرت هذه النكتة، وأنا أستمع إلى من وجّه لي رسالة ضمّنها كلاماً مقذعاً، وطالبني بإثبات وطنيتي وعروبتي، وربما من خلال حرق أصابعي، والرد على تصريحات إيران المعادية، وبخلاف ذلك فأنا كذا وكذا! وتلك لم تكن رسالته الأولى، بل ربما الخامسة، وكانت جميعها مغفلة من أي لقب او حتى اسم «مزيف»! وعندما اتهمته بالجبن لأنه يشتم الناس ويخفي اسمه، اتصل معترضاً على وصفي، فقلت له إنني قد لا أكون «وطنياً ولا عروبياً ولا حتى خليجياً أو ليبرالياً» مثله، كما يدعي، إلا أنني لست بالغبي لأنساق لمطالبه وأثبت أي تهمة عليّ! طبعاً، زعل الأخ واتهمني بأنني لا أتقبّل النقد، غير عالم بأنني أردّ يومياً على أكثر من 5 رسائل «مؤدبة» تتضمن شديد النقد لما أكتب.   
وهنا، أتمنى من الراغبين في قيامي بالرد على تعليقاتهم وتعقيباتهم على ما أكتب، إرسال تلك التعقيبات أو الأسئلة إلى بريدي الإلكتروني أدناه، وليس إلى موقع الجريدة، الذي عادة ما لا أقرأ تعليقات القارئ من خلاله.

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

عملة واحدة

وحدهم أصحاب المبدأ، أيا كانوا يرفضون الإقصاء ويقفون مع الحق أينما كان، وسالكوه قلة اليوم للأسف، لكنهم لم يستوحشوه، فابحثوا عنهم تجدوهم يقفون ضد أحداث ديوان الحربش ومع حق الحكومة باللجوء إلى «الدستورية» وضد وأد الاستجوابات، ومع الإبقاء على شكل الدوائر الحالي في الانتخابات المقبلة حتى إن ضرّتهم نتائجها.

ها نحن عدنا من جديد إلى ترهات أغلبية 2009 النيابية، فبعدما عشنا كابوس أغلبية 2012 منذ فبراير الماضي وما حملته نفوسهم من إقصاء وتعدٍّ على الحريات وانتهاكات متعددة للدستور، وصفقات يتم فيها تعيين هذا الصهر كمستشار والصهر الآخر كوكيل مساعد، ويقبل ابن هذا في كلية الضباط، ويسحب ابن الآخر من متهمي الاقتحام.
بعد هذا الكابوس نعود مجددا إلى كابوس أغلبية 2009 والمتمثل بنوابه ومناصريهم، فكما هو واضح بأنهم لم يستفيدوا من الدرس مطلقا، نراهم اليوم يحاولون إحياء مجلس تعيس ملؤه الفساد وانتهاك الدستور من أجل تكييف الدوائر كما يشتهون ويريدون، يحسبون بذلك أننا نسينا ما فعلوا عندما خرست ألسنتهم عند ضرب الناس جهرا في ديوان الحربش، أو كما همشوا الدستور فحولوا رغبات رئيس الوزراء السابق لأوامر، فهذا استجواب يقام بسرية وآخر يؤجل وثالث يلغى، وهم أنفسهم من تعمد الغياب عن الجلسات لتسقط الحصانة عن زميلهم ضاربين بواجبهم تجاه الأمة وتمثيلها عرض الحائط.
هم أيضاً يتقاضون رواتب مجلس 2009 دون حضور، هم أيضاً تضخمت حسابات كثير منهم دون تبرير وجيه، هم أيضاً تغيبوا عن قسم الحكومة في جلستين متتاليتين ومنعوها من استكمال شكلها القانوني كعضو في مجلس الأمة.
واليوم يعلنون أنهم يرغبون في تعديل الدوائر من خلال مجلس 2009 رغم تحصين المحكمة الدستورية للدوائر الانتخابية بشكلها القائم.
يمارسون نفس الإقصاء الذي ذاقوا مره بمجلس 2012 ولم يتعظوا ولن يتعظوا، وهي الحال نفسها مع أغلبية 2012 وتشويههم للديمقراطية رغم سوء الحال التي مروا بها، ولم يتعظوا ولن يتعظوا، وما يجمع الأغلبيتين هو مهادنتها للحكومة وإن كانت سيئة في سبيل بقائهم كأعضاء أو رؤساء للمجلس، ولنا في إفشال استجوابات ناصر المحمد وإرغام الوسمي على تأجيل استجواب جابر المبارك خير دليل.
وحدهم أصحاب المبدأ، أيا كانوا يرفضون الإقصاء ويقفون مع الحق أينما كان، وسالكوه قلة اليوم للأسف، لكنهم لم يستوحشوه، فابحثوا عنهم تجدوهم يقفون ضد أحداث ديوان الحربش ومع حق الحكومة باللجوء إلى “الدستورية” وضد وأد الاستجوابات، ومع الإبقاء على شكل الدوائر الحالي في الانتخابات المقبلة حتى إن ضرّتهم نتائجها.

خارج نطاق التغطية:
شباب حوارات التغيير، خاب ظني بكم جداً للأسف، فلم تتصدوا علنا لخطاب الكراهية والناعقين به كما وعدتم.

احمد الصراف

الجنرال هستد

تطرقت في مقال سابق، وبعجالة، لتاريخ ودور الجنرال البريطاني «وليام هستد William Hasted، في تخطيط وتنظيم مدينة الكويت قبل 60 عاما، في عهد الشيخ عبدالله السالم، حاكم الكويت المستنير، وربما بتوصية أو باختيار من المقيم السياسي البريطاني وقتها. ويقال إن لهستد الفضل الأكبر في جعل الكويت مدينة عصرية بمعنى الكلمة، سواء من خلال توزيع الضواحي أو المرافق العامة، او مواقع محطات تقطير المياه وتوليد الكهرباء. وقد بين اتصال من الصديق والباحث يعقوب الإبراهيم ان من المهم البحث أكثر في سيرة الرجل والكتابة عنه ثانية.
ولد هستد سنة 1898،ومات في 1977وهو في الثمانين تقريبا. وتلقى دراسته العسكرية والهندسية في بريطانيا، على الرغم من انه ولد في الهند، إبان احتلال بريطانيا لها. شارك هستد في الحرب العالمية الأولى، ونال وساما لخدماته، قبل ان يرسل للهند عام 1936، حيث ابلى بلاء حسنا في منطقتي بشاور ووزيرستان، واستحق أكثر من وسام شرف لانجازاته، التي تركزت على المشاريع الهندسية، وتخطيط وبناء المطارات. كما عمل رئيسا للمهندسين في بورما مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وأنهى حياته العسكرية مع الحكومة بعد ان أصبح رئيسا لمهندسي السلطة في عموم الهند عام 1946، وبعد خدمة قصيرة في لندن قدم استقالته وطلق العسكرية إلى الأبد.
دوره الحيوي والحاسم بدأ في الكويت عام 1950، وكان اتصاله مباشرة مع الشيخ عبدالله السالم، حيث وضع تصورا لما يجب ان تكون عليه الكويت من سكن ومدارس وضواح ومعسكرات جيش وصناعة وتخزين وغير ذلك الكثير الذي أخذت به الجهات الاستشارية التي جاءت بعده. ولكن عمله في الكويت لم يستمر طويلا، فقد واجه ضغوطا كبيرة من متنفذين كبار للتأثير في قراراته وتوجيهها لمصلحتهم، خصوصا بعد تدفق عائدات النفط على البلاد وزيادة ثرائها وحاجتها لكل شيء، وبالتالي استقال من عمله بعد سنتين بقليل، ويقال إنه اجبر على ترك عمله. والطريف ان «خصومه» عينوا معه شخصية سورية معروفة لتكون بديلا عنه، أو مرافقا له،ان فكر في ترك عمله فجأة، ولكن حتى هذا الأخير لم يطل به المقام وقرر بعد فترة قصيرة من استقالة هستد ترك عمله!
تاريخ هستد في الكويت لا يود الكثيرون التطرق اليه، على الرغم من أهميته القصوى، وبالتالي لم تفكر أي جهة في اطلاق اسمه على اي مرفق، والسبب أن تاريخه ارتبط بخلافات شديدة بين مراكز قوى تلك المرحلة، وربما لا تزال آثارها ماثلة حتى اليوم. والطريف في سيرة هستد أنه عاد الى وطنه وفتح مزرعة تربية ابقار وإنتاج حليب، ولكن سرعان ما تخلى عنها وهاجر الى أستراليا، وقام بعدة أعمال ومنها قيادة سيارة اجرة لفترة عام، ولكن لم يعجبه العمل فعاد الى الوطن! وعمله على سيارة أجرة خير دليل أنه ترك الكويت دون ان «ينهب» شيئا!
والآن هل بإمكان اي جهة الاهتمام بسيرة هذا الرجل ودوره في الكويت، خصوصا أن بعض من عاصروه، من أمثال العم خالد عيسى الصالح، مازالوا على قيد الحياة، وبإمكانهم إثراء النقاش؟

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

الموضة… معارضة المعارضة

الأيام دول، وموضات… والله يرحمك يا “شارلستون”. من هو شارلستون؟ علمي علمك، لكن اسمه كان يُطلق على البنطلونات الضيقة من الأعلى والواسعة من الأسفل، وكان هو الموضة أيام صبا سهير رمزي ونجلاء فتحي وسعاد حسني.
وكانت موضة الشباب في الكويت تلك الأيام “الآفرو”، ينفخ الواحد منهم شعره، ويركز المشط في وسط شعره، ويضع الغترة على كتفه، ويتمشى بغرور موسوليني وصلف ذكر الطاووس.
الأيام يا صاحبي دول، وموضات… راحت موضة القميص الرجالي الشفاف شفافية اقتصاد فنلندا، الذي كان يكشف شعر صدر الشاب، وتبعتها موضة القميص “المربعات” أو “الكاروهات” كما يسميه المصريون.
الأيام دول وموضات… راحت موضة الكاتب الصحافي الذي ينثر الأوراق والصحف أمامه على المكتب ويدخن السيجار، وموضة المسؤول الذي تستضيفه الصحيفة وتلتقط له صورة وهو يقرأ الصحيفة ذاتها، العدد القديم منها، لفرط غبائه وغباء أهله الكرام.
موضات كثيرة تلاشت وتطايرت كدخان السيجارة، أسقطها ربيع ثورات الأناقة… حتى في السياسة المحلية تلاشت موضات وسيطرت موضات أخرى، وكان النائب الحكومي يمشي بلا رقبة، وكانت عينه في صداقة حميمة وعشق مع الأرض، وكان يعرف “موقعه من الإعراب” ويُدرك أنه “مجرور بحرف الجر”، وهو لهذا قانع وبهذا راضٍ، ولن تجده يدعي “الضمة” ولا يزعم أنه “فاعل”… راحت هذه الموضة، وجاءت موضة النائب الحكومي البجح ذي الوجه البلاستيكي، الخالي من كريات الدم الحمراء.
على أن الموضة الأشهر هذه الأيام هي “معارضة المعارضة”، فأخونا الحكومي لم يجد من أفعال الحكومة ما يدافع به عنها، فلجأ إلى ضرب المعارضة، وكلّه يكسّب… انتشرت هذه الموضة كانتشار الوباء المعدي، فهذا يضرب المعارضة ليتقرب من السلطة والحكومة والمشاريع، وذاك يقصفها بالمنجنيق لدواعي الطائفية أو السفر، وذاك يدك حصون المعارضة ليكتب اسمه “ع الحور العتيق” كما تقول فيروز، وذاك يسوطها بسوطه المسموم وهو يدعي انتماءه إليها، ووو…، وقلة قليلة، لا تكاد تُرى بالتلسكوب المجرد، تهاجم المعارضة لتقويمها وتقويم اعوجاج أسنانها.
الأيام دول وموضات… والموضة المقبلة هي “زرع” أحد السياسيين في جسم المعارضة، ليتمكن من خلخلة برامجها وأولوياتها والعبث في جهازها التنفسي من الداخل… انتظروا التفتيحة الجديدة.

سامي النصف

ظاهرة.. موتى دون جثامين!

في تشريعات أغلب الدول المتقدمة لا يحكم بالموت على قاتل حتى يتم الوصول إلى جثة الضحية خوفا من ان يكون المجني عليه حيا يرزق، كما يتم في بعض الحالات ادعاء موت الشهود عبر عمليات قتل زائفة ثم يتم إعطاؤهم أوراقا ثبوتية جديدة وأحيانا يتم القيام بعمليات تجميلية لهم ويتم نقلهم على اثرها الى مناطق جديدة حيث لا يعلم حتى جيرانهم حقيقة شخوصهم.

في 340 صفحة يأتي كتاب «الذئب الرمادي، هروب أدولف هتلر» للباحثين سمبسون دانتستان وجيرار ويليامز والمليء بأقوال الشهود والوثائق السرية والتي يظهر او يدعي ان ما قيل انه جثة لهتلر، أثبت الحمض النووي انه جثة لامرأة شابة وان طيار هتلر أقر بأنه نقله من برلين الى الدنمارك ثم اسبانيا التي يحكمها حليفه الفاشي الجنرال فرانكو ومنها بالغواصة الى الأرجنتين التي كان يحكمها عميل نازي آخر هو خوان بيرون وزوجته الشهيرة ايفيتا وهو ما يطرح سؤالا منطقيا عمن أحضر هتلر ودعمه وأبقاه ثم أنقذه وأحياه؟!

بعد انتقال حقب الحروب من أوروبا الى منطقة الشرق الأوسط منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى يومنا هذا، تكررت ظاهرة «موتى دون جثامين» لدينا، فصدام حسين تم تصوير عملية إعدامه بكاميرا واحدة كأنها مربوطة بعنق قرد يتنطط بها بينما يفترض ان يعدم في النهار أمام الآلاف ومئات الكاميرات الثابتة، وهل يعقل ان جميع من يدعي وجوده إبان إعدام صدام لم يكونوا يحملون هواتف نقالة بها كاميرات وأين جثته؟ لماذا الربطة السوداء التي يمكن أن تحمي عنقه؟ ومن يقل ان الملثمين هم من جماعة الصدر لا من جماعته؟ وماذا عن جثث أزواج بناته التي لم يرها أحد؟ ولماذا لم تتزوج البنات؟ ولماذا لم يلتقط صور ما قيل انها جثث عدي وقصي إلا مصور واحد؟ أما حكاية تشوه الجثث والخيوط الظاهرة فيمكن رؤية أبشع منها في أفلام الرعب دون.. موت الممثلين، من يعقد صفقات لإنقاذ هتلر الذي تسبب في موت 50 مليون ضحية قادر على ان يعقد صفقات لإنقاذ الطغاة الصغار في المنطقة.

القضية الفلسطينية ابتليت كذلك بزعامات مدمرة أمثال عرفات وأبونضال وأبوالعباس وهؤلاء الثلاثة يدور لغط كبير حول موتهم وجثثهم فتابوت عرفات يقول احد مقربيه انه لم يكن يحمل جثمانه خوفا من ان تسرقه الجموع(!)، وأبونضال ومثله ابوالعباس تم ادعاء موتهما أو قتلهما في بغداد ـ عاصمة الغموض ـ دون ان يرى جثتيهما أحد، بل ان احدا لا يعلم ان كان الملثمون وغير الملثمين المحيطون بالقذافي والذين ادعوا قتله هم من الأعداء أم من الأصدقاء ثم اين جثمانه ومثله اين جثمان ابن لادن مادام النظام القضائي في الدول المتقدمة لا يعترف بموت أحد دون جثمان؟!

آخر محطة:

ظاهرة الموت دون جثامين ومثلها ظاهرة زعامات السجن الانفرادي التي لا يعلم احد ان كان السجين السياسي الذي يراد إعطاؤه صفة البطولة مقيما فيها أم يتمتع بالصحبة الطيبة مع أهله خارجها؟! هما من الخدع البصرية التي تفوت على الجموع التي يتمركز عقلها في.. أذنيها.. حيث تصدق ما تسمع ولا تتحقق مما ترى!

حسن العيسى

نهاية دور أحمد رمزي

مات النجم السينمائي أحمد رمزي، أحد كبار فتيان الشاشة العربية، من أنور وجدي إلى عماد حمدي ورشدي أباظة وكمال الشناوي وغيرهم، رحلوا من المكان وليس الزمان، وتركوا للناس أفلاماً تسحب ذكريات الخلق إلى زمن الأمس، وحفروا لمن هم في منتصف العمر، أو أكثر قليلاً، صور الجمال “بأيامنا الحلوة”، هي أيام الشباب في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. شباب الأمس ويسميهم الغربيون “بيبي بومرز”، وهم الذين ولدوا بعد الحرب الثانية، عاشوا (بصفة عامة) حياة جميلة، في بحبوحة اقتصادية كانت تنمو وتجري لبناء أوروبا بعد خراب الحرب، صاحبتها حركة فكر وفن تتوهج وترفض مسلمات القديم التي قادت إلى كارثة الحربين الكونيتين، وكانت حركة “بيتس” في الخمسينيات، ومن أشهر رموزها الشاعر الأميركي غينزبيرغ، بشذوذه الجنسي، وغزارة شعره مع ثقافة عميقة في البوذية، التي تصور الحياة على أنها شقاء دائم ونهر جارف لا يثبت على حال، ولا حل للإنسان الشقي بعبثية الوجود بغير “التأمل الوجداني” (meditation) حين تجلس القرفصاء مستقيم الظهر، وتخلي ذاتك من كل ما يجري حولك، لتغوص في أعماق نفسك البشرية لتصل إلى مرحلة “النرفانا”؛ أي البهجة السامية الخالية من الرغبات والطموحات المادية الزائلة… ثم كان تمرد “الهيبيز”، و”ثورة الشباب” أو الثورة الجنسية كما سماها البعض، وتجلت في الدول الأوروبية، وفي باريس تحديداً (موطن المثقفين الكبير) أطاحت في ما بعد ببطل الدولة الجنرال ديغول، وفي الولايات المتحدة تمثلت صورتها الفنية، بصخب حفلات “وود ستوك” في نيويورك، وصوت فنان البيتلز السابق جون لينون يصدح بأغنية مثل “تخيل” (imagine)، أما صورتها السياسية فقد تمثلت بمظاهرات عنيفة ضد حرب فيتنام في الخارج، وحركة رفض التمييز العنصري في الداخل الأميركي… في الكويت وصلت إلينا “ثورة الشباب” متأخرة زمنياً سنة كاملة، حين خرجت المظاهرات الطلابية من مبنى الجامعة في الخالدية باتجاه مجلس الأمة تطالب بحرية الاختلاط في الجامعة الوليدة، لم تخرج مظاهرات على ما أتذكر ترفض مجلس الأمة المزور!
انتهت تلك الأيام، مات “مكانها” وليس زمانها، ومات كبار كثيرون، ومن بقي منهم اليوم ينتظر لحظة فراق الدنيا، وهي دنيا كرب وسأم من عالم الشيخوخة، تضرب بمثلها أربع أو ألف مرة بشكلها الكويتي بسماجة البلد وسخف الحياة الثقافية والاجتماعية.
مات أحمد رمزي مرتاحاً بعد أن تهاوى وسقط في شقته، ولم يتجرع عذاب مرض الموت من سرطان أو أمراض كبد أو قلب، تجعلك تموت مئات المرات في أسرة المستشفيات والعلاج الكيماوي أو عمليات غسل الكلى أو نقل الأعضاء… منتظراً زيارة عزرائيل الأولى والأخيرة، فهذا يزورك مرة واحدة، مثلما تولد مرة واحدة، وبين اللحظتين الولادة والموت تحيا “المكان” الذي يتغير دائماً، أما الزمن فيظل مطلقاً بلا بداية ولا نهاية، وبينهما يبقى شريط سينما تدور بكرته بلا توقف في سجل الزمن، يعرض فيلماً بعنوان “الذكريات” ونجومه أنت وغيرك من الفانين، وتدور بكرة الشريط 24 ساعة باليوم، في دار سينما الوجود، سينما لا تخضع لرقابة وزارة الإعلام، ولا لحرس عاداتنا وتقاليدنا. وفي “النهاية”، آسف، لا توجد نهاية للشريط، بل هي نهاية دورك فقط بالفيلم، سواء كنت “كومبارساً” ثانوياً أو نجماً عظيماً.

احمد الصراف

أبو جاسم ورامشندرا

تقول فاطمة انها التقت في مقهى يتبع فندقاً نيويوركياً صغيراً بشخص عرف نفسه بأنه «رامشندرا»، وهو صاحب المقهى والفندق، وقال انه من الهند، وأنه لاحظ من لهجتهم أنهم من الكويت، وكان يتمنى منذ فترة اللقاء بأحد من مدينة عاش فيها وأحبها، ليظهر امتنانه وتقديره للسنوات التي قضاها فيها. وهنا طلبت منه فاطمة أن يشاركهم الجلسة ويخبرهم بقصته، فقال انه ذهب الى الكويت في منتصف الثمانينات ليعمل في شركة تنظيف كويتية أوروبية، وكان المشرف على العمال فيها كويتياً يدعى «أبوجاسم» وكان رجلا حازما وأمينا وصاحب ضمير في عمله، ولم يكن يترك موقع عمل من دون ان يتأكد بنفسه من أن المهمة تم أداؤها بصورة مثالية، وعندما كان لا يرضى كان يجبرهم على إعادة تنظيف المكان لمرات عدة قبل أن يوافق عليه. وقد علمهم الكثير، وبيّن لهم دقائق جمع القمامة وتنظيف الأرضيات والأسطح، وتدربوا على أن يتقنوا كل عمل يؤدونه، وانه شخصيا استفاد منه كثيرا، وقال رمشندرا ان اخلاصه في عمله شجع شركة التنظيف التي يعمل بها، وبتوصية من «أبو جاسم» لأن ترسله، وبعض زملائه، لدورة تدريبية في الخارج لبضعة أسابيع، وهناك تعلم فنون التنظيف الدقيق والسريع، وأنواع مواد التنظيف وغرض كل منها، وبالذات الكيماوية، والكميات المناسبة لكل غرض وأماكن استخدامها وشروط التنظيف وطرقه، وكيفية تحضير قوائم التدقيق واستخدامها Check list، وغير ذلك الكثير، وقال انه لم يكن يعتقد أن هناك كل هذا الكم الذي لم يكن يعرف عنه شيئا، ومن هنا بدأ احترامه لعمله، وأصبح يتقنه، وتوقف عن الشعور بانه يؤدي مهنة متواضعة، وبعد فترة أصبح مشرفا على عدد من العمال وكان يمكن ان يصبح مشرفا عاما، ويحل محل أبو جاسم، لولا أن وقع الغزو، فاضطر لترك الكويت التي احبها، والعودة لوطنه، وهناك وجد طريقة وصل فيها لنيويورك، ومن واقع سابق خبرته في التنظيف وما كونه من مال، حصل على عقد تنظيف صغير، وتطور مع الوقت واصبحت عقوده اكبر، وكون ثروة مكنته من شراء فندقه والمقهى الملحق به. وقال انه سيحاول يوما زيارة الكويت، وشكر أهلها، وابو جاسم بالذات، على معروفه وحسن تعامله واخلاصه، وما تعلمه منه من تفان وصبر! وهنا قالت له فاطمة ان «ابو جاسم» قد توفي! فقفز رامشندرا من مكانه كالملدوغ وسألها فزعا: هل تعرفينه؟ فقالت له: ليس حقيقة، ولكن ابو جاسم الذي كنت تعرفه قبل أكثر من عشرين عاما قد توفي، واخذ معه الاخلاص في العمل والوفاء والدقة والأمانة، بعد أن خربت «الإدارة» من تبقى بالزيادات والعلاوات، ونفخت في كوادره، وأن الإخلاص في العمل أصبح عملة نادرة.

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

المطلوب الآن قرار حكيم

سيظل مجلس 2012 افضل مجلس في الحياة البرلمانية!! وسيظل المجلس الوحيد الذي استطاع أن ينظم الكتل البرلمانية فيه لتشكيل أغلبية فاعلة! بل ويعتبر أكثر المجالس إنجازا خلال فترة قياسية وجيزة!!
وبالمقابل، سيظل مجلس 2009 أسوأ مجلس مر على الحياة البرلمانية! وأول مجلس يحال أكثر من ربع نوابه للنيابة بتهمة الرشوة، وتقوم النيابة بعد التحقيق معهم بالإفراج عنهم بكفالة خمسة آلاف دينار!! بل وتقوم بعد ذلك بإحالة الملف إلى المحكمة!
وكلنا تابع باهتمام وقلق الأزمة الدستورية التي أدخلنا في نفقها بعض المطبلين للحكومة والمرجفين في المدينة خوفا من عودة مجلس 2012 إلى الواجهة وما آلت اليه الأمور من حكم تاريخي للمحكمة الدستورية تحصن بسببه قانون الدوائر الخمس وأعطى شرعية للأصوات الأربعة، هدأت بعدها الأمور وتنفس الناس الصعداء بحثا عن الاستقرار والتفرغ للتنمية والعمل الجاد بعد تعطل قسري لم يكن له داعٍ.
اليوم نتوقع من السلطة أن تبادر لإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي ووضع العربة على السكة وذلك بحل برلمان 2009 والدعوة لانتخابات جديدة وفقا للنظام السابق، ها هم بدأوا من جديد ببث الفتنة نفسها والسوء وتشغيل أقلامهم وازلامهم وصحفهم للايحاء بانه بوسعهم اللعب من جديد ببعض هذه الأوراق!
لذلك اعتقد انه قد حان الوقت لإنهاء هذا الجدل وقطع الطريق على أهل الفتنة الذين لا يتركون شاردة ولا واردة إلا وأرجفوا من خلالها!! نتوقع صدور القرار الحكيم في اقرب فرصة ويا ليت اليوم قبل غد!! صحيح أننا غير راضين عن بعض الممارسات والتجارب التي شابت بعض المجالس السابقة، وأيضاً صحيح أن بعض القوانين والنظم تحتاج إلى إعادة نظر ومراجعة لكن كل ذلك ممكن أن يتم من خلال توافق السلطتين مجتمعتين وليس من خلال تفرد سلطة عن أخرى.
نظرة سريعة لأسماء من كانوا ولا يزالون يطبلون للحكومة بالخير والشر، تدرك حتما أن هذا الفريق على الباطل!! وأنا اجزم جيدا أن الحكومة «ابتلشت» بهم وتريد الخلاص من الارتباط بالكثير منهم لأنهم تسببوا في تشويه موقفها.
• • •

• انتهى بفضل الله مؤتمر رابطة عبس العالمية الثاني كما خطط له وكما تمنينا، ونعتقد بانه حقق الهدف الذي عقد من اجله وتم تأصيل وتوجيه مفهوم العصبية القبلية من خلال الكلمات والمحاضرات والامسية الشعرية بما يخدم مفهوم أن الولاء للوطن قبل الولاء للقبيلة، فشكرا لكل من شارك أو ساهم أو اكتفى بالدعاء لنا من دون تحديد، والحمد لله رب العالمين.

سعيد محمد سعيد

أذناب «إيران» (2)

 

اختتمت المقال السابق بكلام للمفكر البحريني علي محمد فخرو، وأعيد نصه هنا للانطلاق إلى محاور أخرى في إلقاء الضوء على التهمة «العبيطة»:

«أذناب إيران»، وهي قول فخرو: «الاخوة الإيرانيون يلتزمون بوطنيتهم الإيرانية، والاخوة العرب يلتزمون بعروبتهم ووطنيتهم المحلية، ونحن سنة وشيعة نرفض أن ننجر في معركة هي أفضل ما تريده الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل في مشروعهما الاستعماري الجديد. إن مصر التي قادت النضال في الأمة العربية والأمة الإسلامية من أجل تحريرهما ونهضتهما لا يمكن أبداً أن تضع نفسها في خندق الآخرين، ومن هنا الرجاء التام أن يكون التصريح فهم بخطأ لا ترضاه مصر لنفسها». (انتهى الاقتباس).

والسؤال: هل يمكن تتبع منشأ هذه التهمة؟ وفي أي ظروف ولدت؟ هل هي من نتائج الثورة الإيرانية أم قبلها؟ إن معرفة منشأ التهمة أمرٌ في غاية الأهمية، ذلك أن انتشارها بالشكل الذي نراه اليوم، لا يمكن أن يكون محصلة طبيعية – فقط – لعنوان «تصدير الثورة الإيرانية». ولست مراوغاً هنا في القول أن كل جماعة، أياًً كان انتماؤها المذهبي والسياسي، تتصل فكرياً وسياسياً وثقافياً بمشروع ثورة في أي مكان في العالم ويثبت عليها ذلك فهي من توابع تلك الثورة، أذناباً أم أنصاراً أم خلايا نائمة، لكن أن تلصق بها التهم هكذا جزافاً فهذا من باب «الاستحمار» دون شك.

نعود للسؤال: هل يمكن تتبع منشأ تهمة «أذناب إيران» المفروضة على المسلمين الشيعة في عالم اليوم؟ هنا، يجدر بنا أن نشير إلى سلسلة أبحاث طرحها الكاتب العراقي عبدالخالق حسين تحت عنوان «الطائفية السياسية ومشكلة الحكم في العراق»، تناول فيها جانباً تاريخياً مهماً إبان احتلال العراق من قبل الجيش البريطاني في الحرب العالمية الأولى (1914-1918) وفيه شكل واضح من أشكال نشأة التهمة، فقد قاوم أبناء العشائر الشيعية، وبفتاوى علماء الدين، الإنجليز في حرب الجهاد، ومن ثم ثورة العشرين، الأمر الذي دفع الإنجليز ومن ناصرهم من العراقيين الذين حكموا العراق، إلى معاداة الشيعة وحرمانهم من المشاركة في السلطة.

ويستطرد الكاتب بالقول: «ولذلك عندما أصدرت الحكومة العراقية (والتي ترأسها آنذاك أناس ممن خدموا في الدولة العثمانية)، قانون الجنسية العراقية في العام 1924، قسمت العراقيين آنذاك إلى قسمين: تبعية عثمانية وتبعية إيرانية، واعتبرت التبعية العثمانية مواطنين من الدرجة الأولى، والتبعية الإيرانية مواطنين من الدرجة الثانية، وهم الشيعة وبالأخص من سكان الجنوب والوسط الذين كانوا يعانون الأمرين في الحصول على الجنسية والوظائف في مؤسسات الدولة، وليأتي بعد نحو خمسين سنة نظام فاشي يستغل هذا القانون المفرّق فيتخذه ذريعةً للتعبير عن حقده الطائفي، فيهجِّر مئات الألوف من الشيعة من العرب والأكراد الفيلية بحجة التبعية الإيرانية، ويلقيهم على الحدود الإيرانية الملغومة أثناء الحرب بعد مصادرة أملاكهم المنقولة وغير المنقولة، وحتى وثائقهم الرسمية من شهادات دراسية وغيرها التي تثبت عراقيتهم، ويحجز عشرات الألوف من شبابهم، وخاصة الكرد الفيلية، ليعدمهم فيما بعد بالجملة ويدفنهم في مقابر جماعية، بينما لم يتم تهجير مواطن واحد من أصل تركي أو هندي أو أفغاني أو باكستاني، مما يدل على أن سبب التهجير كان طائفياً دون أي شك، الغرض منه تغيير ديموغرافية العراق، حيث رافق تلك الحملة استيراد نحو أربعة ملايين من البلاد العربية».

وما جرى بعد ثورة 14 تموز/يوليو 1958 من حملات هستيرية، ومؤامرات ضد الشعب العراقي وحكومته الوطنية، تكررت الحملة ذاتها بعد سقوط حكم البعث الفاشي في العراق في العام 2003، حيث تصاعدت تهمة الشعوبية والحملة الطائفية ضد الشيعة، وجن جنون الطائفيين العرب ووسائل إعلامهم، بمن فيهم زعماء دول عربية كبرى، حيث راحوا يثيرون مخاوف العرب من بعبع «الهلال الشيعي»، و»الدولة الشيعية»، و»الهيمنة الإيرانية على العراق»! بينما الذي يجري في العراق هو السعي الحثيث لبناء نظام ديمقراطي حقيقي، على أساس دولة المواطنة، يتمتع فيها جميع أبناء الشعب بالمساواة في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص، دون أي تمييز عرقي أو ديني أو مذهبي.

كما وتصاعدت حملة الطعن بعراقية ووطنية السياسيين الشيعة وحدهم، واعتبر كل سياسي شيعي هو طائفي ما لم يساهم في اتهام الشيعة بالطائفية، ولم يتركوا سياسياً شيعياً إلا ونسبوا له لقباً إيرانياً، وطعنوا حتى في شهاداتهم الأكاديمية.

في كتابه «أبحاث مختارة في القومية العربية»، وتحديداً في جزئه الأول صفحة 95، كتب ساطع الحصري «إن كل شعب يتكلم العربية هو شعب عربي، ومن ينتسب إلى شعب من هذه الشعوب العربية، هو عربي…الخ»، ولكن المشكلة عند الحصري أنه عندما تعود المسألة للشيعة العرب في العراق، فيصفهم بالعجمة ويعاملهم كعجمٍ معادين للعرب وليسوا من بلاد الرافدين!» (الفصل السادس من هذا الكتاب).

ختاماً.. فإن الإطالة في استحضار المزيد من القراءات والآراء والأبحاث في منشأ التهمة السخيفة لربما يأخذ صفة التشعيب والتعقيد الذي لا طائل من ورائه طالما أن هناك عقولاً قبلت التهمة بوصفها «ثابتة بالمطلق»!

لا بأس.. فحين يتم ضبط خلايا شيعية هنا، أو مجموعة شيعية هناك في أي قطر، بالأدلة الدامغة على تآمرها مع إيران، فلهم أن يسموهم بما شاءوا من تسميات «أذناب إيران، فئران إيران، روافض إيران»، أما أن تلتصق تلك التهمة بتمامها وكمالها على كل مسلم شيعي في أي مكان في العالم، فذلك من قبيل «قمة الاستحمار السياسي الطائفي»، وذلك أيضاً أفضل ما تريده الولايات المتحدة الأميركية و«إسرائيل» في مشروعهما الاستعماري الجديد، وهو درسٌ قدّمه المفكر البحريني علي محمد فخرو لكل عقل يرفض «الاستحمار».