احمد الصراف

الطائفية.. والطوفان

من الواضح أن هناك مشكلة طائفية في كثير من الدول العربية والإسلامية، ومصدر ذلك يعود بصورة أساسية لغموض النصوص الدينية من جهة، ولجهل أطراف الصراع بمصالحهم، ومن جهة أخرى لوجود مصلحة للحكومات والأنظمة الحاكمة في بقاء الخلاف والاختلاف قائما، لتسهل السيطرة على شعوبها، ولكي تلعب دور الحكم، أو الأب، إن تطلب الأمر ذلك.
بدأ الإصلاح الديني في أوروبا على يد القس المجدد مارتن لوثر، وكان الحدث الأبرز في تاريخ أوروبا في القرن السادس عشر، وعصر النهضة بالتالي. وتعتبر إصلاحاته، أو ثورته، الحدث الذي شكل – بنظر الكثير من المؤرخين – هوية أوروبا الحديثة، وذلك عندما نجحت تلك الثورة في القضاء على التسلط الكنسي، الأمر الذي فجر النزعات القومية لدى كبريات الدول الأوروبية بعد أن كانت مسحوقة في ظل الكنيسة المتسلطة، عندما كانت دول مثل فرنسا والمانيا وإنكلترا تصبغ نفسها بصبغتها الدينية وليس بصبغتها القومية، وكان الدين هوية، وبالتالي من لم يكن مسيحيا كان معرّضا بصورة تلقائية للاضطهاد، وهذا لم يقتصر على غير المسيحيين، بل امتد حتى للمسيحيين المنتمين لغير الكاثوليكية، أو كل من اتهم بالزندقة. وقد قضى موتا عشرات الآلاف على يد «جنود الله» البابويين، بحجج واهية، وخاصة في مذبحة «سانت بارثلميو» الشهيرة. وقد دفعت كل هذه الأحداث الرهيبة بمارتن لوثر، القس الألماني، ليعلن معارضته الشديدة لتصرفات البابا، التي غالبا ما تكون – حسب وصفه – مدفوعة برغبات انتقام شخصية. وقد أدى موقفه الى إيقاظ الشعوب الأوروبية من سباتها، بعد أن كشف لوثر حياة البذخ التي يعيشها رجال الإكليروس وفسادهم، وما كانوا يستولون عليه من أموال الفقراء ببيعهم «صكوك الغفران» التي ستدخلهم الجنة، والتي تشبهها في أيامنا هذه مفاتيح الجنة التي وجدت معلقة في رقاب كثير من الجنود الذين ماتوا في الحروب المذهبية في المنطقة، أو الأحلام والأماني التي «باعوها» للانتحاريين، لدفعهم الى قتل انفسهم للفوز بالجنة وبالحور العين! ففي القرون الوسطى كانت الجنة تشترى بصك، فأصبحت الآن تشترى بحزام ناسف!
ومن اقوى ما قاله لوثر، مخاطبا الألمان انهم بغير حاجة لرجال الدين لفهم الكتاب المقدس، وانهم وهبوا العقول لكي يشغلوها لا لكي يلغوها، وان المؤمن علاقته مباشرة بربه وليس بحاجة لمن يفسر له الدين. ثم ضرب لوثر ضربته، كاسرا احتكار الكنيسة لشرح الكتاب المقدس، من خلال قيامه بترجمته للالمانية، بعد أن كانت نسخه لا تكتب بغير اللاتينية، التي لم يكن يفهمها أحد غير رجال الكنيسة! وهذا فتح آفاق معرفة الدين، من غير وسيط كنسي، امام المواطن العادي، وبالتالي تضاءلت أهمية رجل الدين. وقد كرس التاريخ مارتن لوثر تاليا كأبرز مصلح ديني وكأب روحي للغة الألمانية الحديثة.
ما نحن بحاجة ماسة له في مجتمعاتنا هو زيادة الوعي، وحصر خلافاتنا المذهبية ضمن أضيق الحدود، وهذا لا يمكن الوصول اليه بغير «تحييد» دور رجل الدين، وحصره في المعاملات الرسمية. فالواقع أن اي تقارب مذهبي ليس في مصلحة غالبية رجال الدين المتكسبين من اختلافات المجتمع المذهبية أو الدينية.

أحمد الصراف

سامي النصف

ما لا يجوز الاختلاف حوله!

يمكن لمن يريد أن يختلف سياسيا حول ما جرى ويجرى في سورية وان يتخذ هذا الموقف أو ذاك، ومع هذه الجماعة أو تلك إلا أن ما لا يجوز الاختلاف حوله إنسانيا وإسلاميا هو الحاجة لأن تتوحد الجهود لتوفير الدعم المعيشي واللوجستي للاجئين السوريين وأغلبهم من النساء والأطفال الموجودين في لبنان والأردن لإيصالهم للحدود الدنيا من استحقاقات العيش الكريم كالسكن والإعاشة والتعليم والصحة.

***

ذهبنا بالأمس إلى الأردن الشقيق للمساهمة في إيصال الدعم للاجئين السوريين في فعالية أصبحت معتادة من أهل الكويت والخليج وكنا برفقة سفيرنا النشط والمتميز بالأردن د.حمد الدعيج، وسفير الأعمال الإنسانية في المشرق والمغرب عبدالعزيز البابطين وسفير الخير د.عصام الفليج إضافة إلى القائمين على الأنشطة الإغاثية والمتكفلين بإيصال الدعم إلى مستحقيه.

***

وقد التقينا في مستشفى المقاصد الذي يعج بالجرحى السوريين بجمع من الأطباء والجراحين الكويتيين الشباب من رجال ونساء وهم يقومون بعملهم التطوعي بهمة وجد وقد أحضروا معهم عبر المعرفة الشخصية والتواصل مع المنظمات الدولية المختصة كبار المختصين من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا ممن تركوا أعمالهم وعياداتهم في بلدانهم وقدموا من منظور إنساني للمساهمة في التخفيف عن المصابين الأبرياء مع غياب مؤسف لا يعرف سببه للأطباء العرب، ما نرجوه أن يزداد الدعم فالأردن الشقيق بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني لا يألو جهدا في الدعم والمساندة إلا أن هناك محدودية في القدرات مع تكاثر طردي لأعداد اللاجئين مع استمرار الحرب.

***

آخر محطة: 1 – التقيت ليلا بجراح كويتي شاب كان قد انتهى للتو من علاج طفل سوري عمره سبع سنوات قام بقتل والده بالخطأ عندما أوصل إليه قنبلة عنقودية انفجرت فقتلت الأب وقطعت يدي الابن.

2 – «يزن» طفل سوري اضطر لترك الدراسة مع قدومه للأردن كي يعيل عائلته، وقد تم خلق «مركز يزن» لتعليم أطفال اللاجئين السوريين وهي قضية مهمة لمستقبل سورية فالجهل لا ينتج عنه إلا التطرف والتشدد والإرهاب، واشكالات الإجرام والإدمان، وأجيال سورية قلب العروبة النابض تستحق أفضل من ذلك.

  

 

احمد الصراف

وجهة نظر الشيخ محمد

ورد في أواخر ابريل في القبس، على لسان الشيخ محمد سالم الصباح، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية السابق، الذي أكنّ له تقديرا خاصا، ان الخلافات بين دول مجلس التعاون، في ظل وجود ملفات خطيرة مثل خلل التركيبة السكانية، تمثل تهديدا لوجودها. وأن لا حل أمامها بغير التضامن. وقال في مؤتمر «الأمن الوطني والإقليمي لدول مجلس التعاون» إن هذه الدول تواجه «رغبات» قوى إقليمية في أن تكون راعية وحامية لطائفة معينة، واعتبارها من رعاياها، بغض النظر عن انتماءاتها الوطنية! وهو هنا يشير الى إيران ورغبتها في بسط «حمايتها» على شيعة دول المجلس. وحذر الشيخ في كلمته من أن ثمة درسا يجب ان نستخلصه (أو يستخلصه شيعة الخليج) من الحرب العالمية الثانية، وهو أن الاحتماء بالأجنبي والاستقواء به، والبحث عن قوى خارجية لدعم موقف محلي هو خطر ونتائجه كارثية، ويشكل تحديا!
كلام الأكاديمي المعروف الشيخ محمد الصباح واقعي ومنطقي، وهو موجه لكل الأطراف داخل منظومة دول مجلس التعاون، وبالذات لأقلياتها! ولكن السؤال: ما الذي يدفع مواطني اي دولة لأن يستقووا بقوى خارجية، أو يطلبوا حمايتها؟ والجواب: جهتان، جهة ترغب في كسب سياسي أو انتخابي، من خلال الاستقواء بالقوى الكبرى، وهذا ما نجده متبعا في أكثر من دولة صغيرة تعتمد في وجودها على قوى خارجية أقوى منها ولها تأثيرها السياسي أو الاقتصادي عليها، كوضع لبنان وغيره. والجهة الأخرى الباحثة عن حماية خارجية لها لشعورها بالغبن في أوطانها، وأن حقوقها منقوصة، ولا تعامل بعدالة، وبالتالي تكون أكثر ميلا من غيرها الى الانحراف، او حتى لخيانة أوطانها التي لم تعاملها كالآخرين. وبالتالي لكي تضمن اية دولة ولاء مواطنيها لها، وعدم لجوئهم للاحتماء أو الاستقواء بالقوى الخارجية، فإن عليها معاملة الجميع على القدر نفسه من المساواة، وأن تعطي الجميع الحقوق نفسها وتفرض عليهم الالتزامات نفسها، وسؤالنا، الذي يتطلب قدرا من الشجاعة من السيد النائب السابق لرئيس الوزراء، الشيخ محمد الصباح، والذي لا نعتقد أنها تنقصه ابدا: هل يعامل جميع مواطني دول مجلس التعاون، والكويت بالذات، بالقدر نفسه من المساواة والعدالة؟
يقول المثل الإنكليزي: It takes two to Tango أي أن رقصة التانغو يتطلب أداؤها وجود اثنين، أو بمعنى آخر فإن الخيانة تتطلب جهتين، الدولة الراغبة في بسط الحماية، والمواطن الذي يشعر بالغبن! وفهمكم كاف!.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

تزوير هوية رجل محترم

تذكرت مشهداً في فيلم أجنبي، عندما مات قائد المجموعة، المحبوب المحترم، فتولاها قائد لا تحترمه المجموعة ولا تحبه. فحاول فرض احترامه بالقوة، فلم ينجح، فقرر شراء ودهم بالمال، ولم يوفق، فحاول وحاول وحاول، إلى أن نصحه صديقه: “يجب أن ترتدي ثياب البطل الميت وتعتمر قبعته، كي لا يشعر الناس بالفرق”.
فعل ما نصحه به صديقه، ولا فائدة. تتبع تفاصيل البطل الميت، مشى مشيته، وتحدث بطريقة كلامه ونبرة صوته وحركة يديه (بعد تمرين طويل مضنٍ)، تصنّع التسامح مثله، تغاضى عن انفلات البعض ليرسم صورة “القائد الأب”، ولا جدوى.
وبعد أن فاض سيله، وفقد سيطرته على أعصابه، راح يسعى إلى استعادة هيبته بالقوة والبطش العشوائي، لكن الأوان قد فات. فلا هو المحترم المحبوب، ولا هو المَهيب.
المشهد يتكرر اليوم على الأرض… بعد أن ارتدى “مجلس الصوت الواحد” ملابس برلمان المعارضة المُبطل، واعتمر قبعته، وقلّد مشيته، ونبرة صوته، وطريقته في الحديث، لكن الناس لم تستسغه، ولم تتقبله، ولم تصدقه… فعل الأعاجيب لإقناع الناس بأنه برلمان بهيبة؛ مشى في الشوارع بـ”الساطور”، صرخ في وجوه المارة، أطلق النار عشوائياً… لكن أحداً لم يلتفت إليه ولم يعره جزءاً من الانتباه، ولم يقتنع بـ”فتوّته”! فما زال الناس، سامحهم الله، على يقين بأنه برلمان “ديمو” أو دمية تشبه البشر، وليست منهم.
وجاءت الكارثة الكبرى؛ “استقال خمسة من أعضائه احتجاجاً على ضعفه”. فاهتزت أقدامه، وفكر ثم قرر: “تُجرى انتخابات تكميلية لسد النقص”. ومن المتوقع أن يزداد المشهد كارثية بنجاح مجموعة تجعل الناس تترحم على من فيه حالياً.
وأقسم أنه لو قرر (فرضية من الخيال) أحد من المعارضة خوض الانتخابات، لهرول هذا المجلس إلى حيث يسكن المرشح المعارض، ولقبّل رأسه، وبكى على حجره، وتكفل بحملته الانتخابية، وبتفصيل “بشته”، ولتولى تنظيف كرسيه ومكتبه في مبنى البرلمان.
إنه البحث عن الاحترام أيها السادة.
أما في حال نجاح بعض المشبوهين، كما هو متوقع، فلا فائدة ولا حل إلا أن يقوم هذا المجلس بتزوير هوية رجل محترم، ويضع صورته على اسم الرجل المحترم. ويدعو ربه ألا يكشف أمره أحد.

احمد الصراف

لا خصوصية بعد اليوم

في عالم اليوم، عالم الإنترنت والأقمار الاصطناعية، عالم أحلام الحرية والمخابرات والإرهاب وتبييض الأموال، والعصابات والطغاة المتشبثين بالحكم، لا توجد في الحقيقة خصوصية شخصية أو عامة، وكل ما يردده الجهلة من وجود خصوصية لمنطقة أو شخص أو مجتمع لا يزيد عن كونه هراء في هراء، فلكي تكون لك خصوصيتك فليس أمامك غير أن تنعزل عن العالم كليا، لا هاتف لا إنترنت لا تلفزيون حتى ولا خروج من البيت، وربما الانتقال للسكن في خيمة في وسط الصحراء، حيث لا أعمدة تحمل كاميرات مراقبة ولا أجهزة تنصت، ولا ارتباطات ولا علاقات بأفراد أو دول، الأهم من ذلك لا شيء لديك يستحق المراقبة والملاحقة، حينها فقط «ستحل» أجهزة التنصت والمراقبة عن ظهرك!
قمت قبل فترة باستبدال هاتفي النقال، وفوجئت بأن مئات الرسائل والصور، بكل خصوصيتها، والتي سبق أن وردتني على الإنترنت، هاتفيا أو على جهاز الكمبيوتر، من فايبر أو واتس آب أو انستغرام أو فيسبوك وغيرها من صور ورسائل نصية او افلام، لا تزال مخزنة في ذلك الهاتف اللعين، بالرغم من أنها ليست في صندوق البريد، وتطلب الأمر بالتالي قضائي ساعات وأنا ازيل تلك الصور والرسائل واحدة واحدة، وحتى الآن، لست على ثقة بأنني تخلصت من كل شيء، فمن الصعوبة بمكان إزالة كل شيء، بشكل مطلق، من «فضاء الإنترنت». والإزالة صالحة لتلك اللحظة فقط، فتخزين المشطوب سيبدأ بعدها مباشرة وهكذا!
ليس هذا مهما بالنسبة لي شخصيا، فليس لدي اسرار أخاف أن تنكشف، ولكني أكتب لمن يعتقد أن مجرد شطب صورة أو رسالة من الهاتف الذكي أو الكمبيوتر يعني أنها محيت تماما، فالحقيقة غير ذلك، وهواتفنا ذكية لأن جهلنا بكيفية استخدامها ومعرفة مدى خطورتها يجعلنا غير أذكياء، فول ستوب!

أحمد الصراف

طارق العلوي

آل الصباح.. النداء الأخير

لدينا مشكلة، نحن الشعب الكويتي، وها نحن نعرضها أمام أسرة آل الصباح الكرام حتى يتفهموا موقفنا.
عند اختيار أي رئيس مجلس وزراء جديد للكويت، فإننا كمواطنين نفترض أنه كانت هناك عدة شخصيات قيادية من الأسرة مرشحة لهذا المنصب، وأن مشاورات مكثفة قد جرت داخل الأسرة حول كل مرشح، وأن الاختيار وقع في النهاية على.. الأكثر كفاءة.
وتتعزز القناعة عندنا بأن رئيس مجلس الوزراء، الذي تم اختياره، هو «أفضل الموجود» من وجهة نظر الأسرة، عندما يستمر في تشكيل سبع حكومات متتالية، دون أن تلوح في الأفق رغبة في تغييره. متابعة قراءة آل الصباح.. النداء الأخير

مبارك الدويلة

حاميها حراميها

أعلن عضو مجلس بوصوت أن بعض الأعضاء يستغل عضويته في لجان التحقيق البرلمانية، لابتزاز بعض المسؤولين في الجهات الخاضعة للتحقيق، حيث يعرض عليهم سكوته عن تجاوزاتهم التي كشفتها لجان التحقيق مقابل مبلغ من المال! ولعل هذا ما يبرر كثرة لجان التحقيق في هذا المجلس، والتي يحرص الكثير من الأعضاء على عضويتها! وإن كان ما ذكره هذا العضو صحيحا، فهذا يعني أن الهبش الكبير سيكون في آخر لجنة تحقيق تم تشكيلها، وهي التحقيق في الاستثمارات التي يديرها مكتب لندن، حيث تبلغ الاستثمارات عشرات المليارات! ولعل هذا ما يفسر الجدل الذي حصل أثناء الحديث عن تشكيل اللجنة وشدة التنافس على عضويتها، والذي لم يحسم إلا بالتصويت! متابعة قراءة حاميها حراميها

سامي النصف

الوحدويون العرب الحقيقيون والزائفون!

الشعور الوحدوي العربي ليس جديدا وقد حركه نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الظلم والاضطهاد الذي تعرضت له الشعوب العربية من الاستعمار العثماني والانجليزي والفرنسي والايطالي، مما خلق شعورا طاغيا لدى كثيرين بأن الوحدة العربية هي الحل وهو مسار كان بإمكانه بالفعل ان ينجح لو بقيت الفكرة محتضنة من الوحدويين الحقيقيين امثال الملك عبدالعزيز بن آل سعود، طيب الله ثراه، وبعده الشيخ زايد آل نهيان، رحمه الله، الا ان ما حدث هو ان شعارات الوحدة اضحت مختطفة من حكام الانقلابات العسكرية ممن كانوا يعملون تماما بعكس ما يدعون.

***

فقد تسلم قادة انقلاب 1952 الحكم وكانت السودان في حالة وحدة اندماجية مع مصر، وبدأ قادة الانقلاب منذ اليوم الاول وبشكل ممنهج ومنظم في قطع الوشائج التي تربط البلدين الشقيقين الواحدة تلو الاخرى مبتدئين بتصعيد حالة العداء مع الانجليز التي تكفلت اتفاقية صدقي بيفن العام 1946 بجلائهم عن مصر والذين لهم تأثير قوي بالسودان، مما جعلهم يعملون على فصله، ثم تسببت محاكمات عمال كفر الدوار في اغسطس 1952 واتهامهم بالشيوعية واعدام البعض  منهم في خسارة تأييد الحزب الشيوعي السوداني القوي، وفي العام 1953 بدأت محاكمات قيادات احزاب العهد الملكي (الوفد، السعديين، إلخ) مما خسر الوحدة امتداده السوداني، وتم استفزاز الحركة المهدية كما اخبرني د.الصادق المهدي عندما رفعت حركة الجيش شعار «بسط السيادة المصرية على السودان» بدلا من الاتحاد وتلاها التعسف في محاكمات الاخوان المسلمين بعد محاولة اغتيال عبدالناصر ومن ثم قطع وشائج اخرى تربط البلدين.

***

وسلم عبدالناصر ملف السودان بناء على نصيحة الانجليز لضابط أخرق يدعى صلاح سالم بقصد احراجه حتى ولو على حساب انفصال السودان، واعتمد سالم على منهاجية الرشاوى فلم يجرؤ حتى الحزب الاتحادي السوداني برئاسة اسماعيل الازهري الذي فاز بالانتخابات على معطى استمرار الوحدة ان يجاهر بدعم الوحدة كي لا يتهم بالارتشاء، واتت القشة التي قصمت ظهر بعير الوحدة عندما عزل وضرب الرئيس محمد نجيب الذي عاش ودرس في السودان، فلم يبق احد من السودانيين مع الوحدة كما تم لاحقا تكرار الفعل مع السوريين (1958 ـ 1961) وحتى اليمنيين حيث ما ان وصل الامير الوحدوي البدر للحكم حتى طبخت القاهرة انقلابا ضده.

***

والوحدة القومية تقوم على وحدة العرق وتتبناها في مختلف بلدان العالم الاحزاب «اليمينية» وتعارضها بالعادة الاحزاب «اليسارية» التي تؤمن بوحدة الطبقة العاملة، اي كانت اعراض منضويها، في منطقتنا ثم بشكل غريب وفريد مزج الماء والزيت فرفعت الاحزاب اليسارية كالناصرية والبعثية والقوميين العرب الذين تحولوا للماركسية شعارات الوحدة العربية وقاموا في المقابل بتقسيم شعوبهم على معطيات طائفية وعرقية، ما تسبب في تشرذم وتفتيت البلدان العربية بدلا من وحدتها.

***

آخر محطة: تعاطفت شعوب الخليج مبكرا مع قضايا العرب وشركائهم في الاوطان حتى ان الشاعر عبداللطيف النصف ارسل اوائل عشرينيات القرن الماضي من ضفاف الخليج قصائد نصرة لثورة الريف المغاربي بقيادة الامير عبدالكريم الخطابي الذي حقق انتصارات مذهلة على الاسبان ولم يقدروا عليه الا عندما ارسلت فرنسا مئات الآلاف من جندها واستخدم الاسبان الغازات السامة ضده، ومما جاء في القصيدة:

طلعت فظنوا في ثيابك طارقا

                      وذكرتهم ايام طارق فيهم

صدمتهم وسط الملاحم صدمة

                     فكم بعدها ثكلى ترن وترزم

اذا سددت فهي القضاء مسددا

                    وان اطلقت فهي البلاء المحتم

تدك الجبال الشم وهي منيعة

                   وتحصد جمع الجيش وهو عرمرم

سعيد محمد سعيد

لعبة «ساتاتونق» الحقيرة

 

من الصعب أن تجد أحداً يعرف معنى كلمة «ساتاتونق»! حتى قائلها لا يعرف معناها! فهو أطلقها بحرقة تلازم خفة دم إخواننا المصريين وهو يصف الإعلام العربي المتهاوي إلى أسفل سافلين.

ذلك الزميل الإعلامي المصري خفيف الظل، كان يعقب في مداخلة له ضمن ندوة إعلامية حضرتها في إحدى الدول العربية، خصص الزملاء جزءًا منها لتقييم أداء الإعلام العربي والإسلامي منذ انطلاق حركة المطالبة بالحقوق على مدى السنوات الثلاث الماضية، أو ما يفضل البعض تسميتها بـ «الربيع العربي».

على أية حال، لا تهمنا تلك الكلمة الفكاهية بقدر ما يلزم كل مواطن عربي أن يعرفه وهو يتابع اللعب الخطير للكثير من المؤسسات الإعلامية، صحافة، فضائيات، مواقع إلكترونية، حسابات تواصل اجتماعي وكل ما يدخل تحت عنوان «الإعلام الإلكتروني الجديد».

دعونا نتأمل بضع نماذج من سموم ذلك الإعلام الذي استطاع، مع شديد الأسف، أن يلقي بضاعته الرخيصة في عقول الكثير من الناس فاقدي الوعي، أو ذوي القابلية لتصديق كل شيء بدوافع طائفية، سياسية، تآمرية، عنصرية. سمها ما شئت، فمن بين ما كشفه أحد الزملاء، هو أن فضائية عربية شهيرة جداً جداً، أشعلت على شاشتها حرباً طائفيةً ضروساً انعكست نيرانها، كما هو مخطط لها، على شريحة كبيرة جداً جداً من الناس الـ «ساتاتونق»، عندما كثفت نشر الرسائل النصية التناحرية على شاشتها. فهذه الطائفة تكفر تلك الطائفة، والأخرى تتوعد بقطع الرؤوس وأخرى تهدد باستخدام السلاح في تصفية النصارى والروافض والكفار، وآخر يدعو أهل طائفة في تلك البلاد لاستهداف الكنائس، وواحد يوظف الآيات القرآنية الكريمة لمآرب شيطانية محشداً الأتباع والأنصار للدفاع عن أفكارهم بقتل المخالفين.

ذلك الزميل الذي كان يعمل في تلك الفضائية، كشف أن وراء تلك الحرب المخيفة والمدمرة للمجتمعات العربية والإسلامية كان وراءها شخص واحد… واحد فقط! موظف (كونترول الـ sms) المؤهل الخطير والمحترف بلا نظير يكسب رزقه من خداع الناس والضحك على ذقونهم وتأجيج ذوي العقول الصغيرة التي تتمتع بقابلية كبيرة لتصديق كل ما يرميه ذلك الإعلام من زبالات أعز الله السامع.

خطاب الكراهية… البطولة للثور الهائج: في أغلب الأحيان، يُمنح دور البطولة في اللقاءات الحوارية الطائفية، عبر الهاتف في أغلب الأحيان، للثور الهائج الذي يكون في العادة نكرة. يمثل انتسابه لهذه الطائفة ليضرب ويهاجم ويشتم الطائفة الأخرى والعكس. وفي بعض الأحيان، يكون ذلك الثور الهائج (شاهد عيان) تم تفصيل النص الذي سيتحدث فيه تفصيلاً لا يخلو من الهفوات والأكاذيب المفضوحة، ليهرج على خلق الله مؤججاً تارةً ومستغيثاً تارةً، وباكياً تارةً أخرى، ولربما بكى معه العشرات من خلف الشاشة وهم يتمايلون جزعاً ولوعةً وغضباً دون أن يكلفوا أنفسهم عناء تشغيل «عقولهم» ليركزوا في بطولة الثور الهائج.

بالطبع، تدعم مجموعات من «الثيران» بطلهم عبر نشر مذهل لروابط الكترونية عبر شبكات التواصل الاجتماعي منها ما هو متصل باليوتيوب ومنها ما هو متصل بمواقع مجهولة وكل شيء بحسابه. أما الفعل الرخيص في أوضح صوره يظهر عندما يتم إعداد الثور للتسلح بعبارات الاستغفار والآيات القرآنية الكريمة وتكرار بعض الأذكار بين حين وآخر، ليضفي حالة «أيديولوجية دينية» أفيونية، بإمكانها اختراق مشاعر من لديه القابلية أصلاً لقبول الفاحش من القول، والوضيع من الافتراءات والاتهامات.

والأرخص من كل ذلك، أن يظهر بعض الداعمين من «مشايخ الطين» أو ممن يطلقون على أنفسهم «باحثون في التاريخ الإسلامي» أو «ناشطون في الدفاع عن قيم الأمة»، ولا بأس إن ظهر بين هؤلاء أيضاً، من الجنسين، الأسود والفرسان والأبطال والقامات! كل أولئك لا يمكن أن يقوموا بذلك العمل الخبيث دون أن يستلموا – مقدماً – الأعطيات القذرة التي تملأ كروشهم.

بالطبع، كان الكثيرون يرفضون تصديق مثل هذه الممارسات العفنة، حتى انكشفت هذه الفضائية في مقطع مسرب قبل أو بين الحلقة بين المقدم الشهير والضيف السياسي الكبير وهما يتحدثان عن إجادة الدور. وانكشفت تلك الصحيفة بفضيحة ردود النفي، وأزيح الستار عن أولئك الشيوخ الذين يدعون أولاد الناس للموت، فيما هم يصيّفون في بعض العواصم الباردة المنعشة.

أمام ذلك الإعلام الحقير في خطابه وأتباعه، هناك مفكرون وإعلاميون وناشطون وكتاب وعلماء دين معتدلون يفضحون تلك الممارسات. لقد أجاد المفكر البحريني علي محمد فخرو لدى مداخلته في منتدى الدوحة الرابع عشر المنعقد في الفترة من 12 حتى 14 مايو/ آيار 2014 تحت شعار: «إثراء المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط»، حيث حذّر من فضائيات الطائفية والفتنة والتناحر كسبب من أسباب الأزمات بالتساوي مع الفكر المحارب للديمقراطية والأنظمة المستبدة.

كل الحكومات في استطاعتها لجم وإيقاف خطاب الكراهية المدمر لو أرادت، لكن حتى لو كانت هي ذاتها معجبة بذلك الخطاب، يلزم على المتلقي أن يحترم عقله ويرفض من يعبث به ويضع لنفسه مصفاة (فلتراً)، لكي لا يصبح مكباً للنفايات.

عادل عبدالله المطيري

الحكومة الحارقة

لا يمكننا أن نتصور ان كل البرلمانات السابقة كانت على خطأ بينما وحدها الحكومة هي التي على حق منذ مجلس الأمة المبطل الأول حيث كانت المعارضة تسيطر على أغلبية مقاعد البرلمان وكانت متعاونة إلى أقصى مدى مع الحكومة بل منسجمة تماما معها ـ حيث كانت الأغلبية توفر الحماية للحكومة وخصوصا رئيسها مقابل تحقيق برنامج عمل الأغلبية الإصلاحي على حد وصفهم. ماذا حدث للأغلبية بعد بضعة اشهر؟ تم ابطال البرلمان وتغير قانون الانتخابات وخسرت الحكومة الأغلبية البرلمانية التي تحولت إلى معارضة شرسة خارج البرلمان بعد مقاطعتها للانتخابات.

جاء المجلس المبطل الثاني بعد الانتخابات الجديدة التي جرت على أساس الصوت الواحد ـ نجحت كتلة شيعية كبيرة مكونة من 17 نائبا بعد مقاطعة أغلب الكتلة السياسية والاجتماعية للانتخابات ـ وكانت الكتلة الشيعية سعيدة بهذا العدد الهائل من النواب، ودعمت الحكومة من أجل بقاء البرلمان مدة طويلة لتحقيق مكاسب للكتلة ـ وكذلك فعل النائب علي الراشد حين دافع عن الحكومة في أضعف حالتها عندما واجه معارضة شعبية هائلة لقانون الصوت الواحد، ماذا فعلت الحكومة بحلفائها الجدد ـ تم حل البرلمان الجديد ايضا بعد بضعة اشهر وتقلصت الكتلة الشيعية بشكل كبير جدا ـ وخسر النائب علي الراشد مقعد رئاسة مجلس الأمة التي كافأته الحكومة فيه مؤقتا.

من الواضح جدا أن الحكومة وبسياساتها المتغيرة جدا ـ سرعان ما تنقلب على حلفائها وبدون أسباب مقنعة، حتى في مجلس الأمة الحالي خسرت الحكومة فيه مجموعة كانت إلى وقت قريب تدافع عنها ـ مثل النائب صفاء الهاشم التي فضلت هي ورهط من النواب الاستقالة من البرلمان وربما يستمر مسلسل الاستقالات النيابية.

ختاما ـ من الصعب جدا على أي حكومة في العالم أن تتحمل نتائج 3 انتخابات برلمانية في عام واحد ـ نتج عنها 3 مجالس مختلفة من حيث التركيبة السياسية ـ مما اظهر الحكومة بتعاملها مع البرلمانات الثلاثة بمظهر المتناقض ـ فلكل برلمان تحالفاته وظروفه ولكل انتخابات ضحاياها ـ كما ان قصر عمر البرلمانات لم يعط مجالا للحكومة لتوطيد علاقاتها مع النواب ـ كل ما سبق أنتج حالة من عدم الاستقرار السياسي بدت فيه الحكومة وكأنها «الشمس» تحرق كل من يقترب منها دون تمييز بين موال او معارض.

الخلاصة: الخطأ ليس من الحكومة الحالية ولا من المعارضة وحتما ليس من الموالاة، فالجميع وضعوا في مأزق لا يستطيعون ان ينجحوا فيه.