سامي النصف

حماقة أم وراء الأكمة ما وراءها؟!

الكلام المفيد هو نتاج معلومة مؤكدة يبنى عليها رأي سديد، في عام 1986 ـ والمخاطر تحيط بالكويت من كل جانب كحالنا هذه الايام ـ اعلن نائب دكتور ان الظروف المحيطة لا تسمح بإعادة تجربة حل مجلس عام 1976، وقد اخذ بعض النواب الآخرين ذلك الرأي، شديد الخطأ بمحمل الجد وبالغوا في الشطط السياسي وبعدد الاستجوابات المقدمة، مما ادى الى حل عام 1986 الذي يحاسب عنه دائما من قام «برد الفعل» ولا يحاسب من قام بـ «الفعل ذاته» كحال ذلك النائب الدكتور.. المختص!

في لقاء اخير لذلك الدكتور على فضائية اجنبية تجاوز خلاله كل حدود المعقول واصول النقد البناء الذي يخدم المصلحة العامة، وبدأ بالتحريض غير المسؤول على وحدتنا الوطنية وهيبة السلطة في البلد التي ان ضاعت ضاعت الكويت معها، ومعروف انه حتى الانبياء والرسل يختلف الناس عليهم وان الحس السياسي السليم ـ لا المحرض والمخرب والعقيم ـ يوجب ان يحظى من يتم اختياره لرئاسة الوزراء دائما بالدعم والمساندة حتى تصح محاسبته بعد ذلك، فنجاحه نجاح للكويت كلها واخفاقه هو اضرار بنا جميعا، فنحن في النهاية ركاب سفينة واحدة ان غرقت غرقنا جميعا.. سفهاؤنا قبل عقلائنا!

وكان الدكتور قد ظهر قبل ذلك على قناة فضائية محلية، واللقاء موجود كحال سابقه على اليوتيوب، ومما قاله فيه على سبيل المثال لا الحصر انه نشر عام 1978 كتابه «الكويت الرأي الآخر» ردا على حل مجلس 1976 وانه خط في صفحة 149 من ذلك الكتاب رسالة للامير آنذاك الشيخ صباح السالم رحمه الله قال له فيها انه اخطأ بذلك الحل الذي لا يملكه، وعاد بعد ذلك لتكرار المقولة «الغوبلزية» من ان مندوب بريطاني اسمه جورج ميدلتون زار الكويت عام 1961 «ليفرض» على شيخها الجليل الاخذ بالمسار الديموقراطي واطلاق الحريات الاعلامية منعا، حسب قوله، لوصول نيران ثورتي ظفار وعدن القائمتين آنذاك للكويت، وان ذلك المندوب خرج من بلدنا للخليج وقام بتغيير الانظمة التي رفضت طلبه في قطر وعمان وابوظبي، فأين الحقيقة؟ وهل يستطيع احد ان يكذب من يستشهد بكتاب هو كاتبه؟!

كتاب «الكويت الرأي الآخر» ذو الطبعة الواحدة موجود واتحدى ان يجد احد كلمة واحدة تتعرض فيه لحل عام 1976، او رسالة من كاتب الكتاب للامير انذاك الشيخ صباح السالم، فصفحة 149 تتحدث عن قانون الجنسية، اي ان هناك من يتخيل امورا ثم يصدق تخيلاته! وللمعلومة ثورة ظفار قامت عام 1962 وثورة عدن عام 1965، اي ان المندوب حذر الشيخ من ثورات لم تحدث بعد! وللمعلومة ايضا تغيير الانظمة حدث في الاعوام التالية: ابوظبي عام 1966 وعمان عام 1970 وقطر عام 1972، اي ان ذلك المندوب بقي في الخليج 11 عاما ليقوم بتلك التغييرات! والتي لم ينتج عنها فرض الديموقراطية او الحريات الصحافية في تلك البلدان!

ان اول المكذبين لمقولة فرض الانجليز للديموقراطية والحريات الاعلامية على الشيخ عبدالله السالم التي تجانب الحقيقة وتضيع جهد شعب وتفهم قائد تاريخي هو القائل نفسه، ففي الكتاب نفسه الذي لم يقرأه على الارجح من كتبه عدّد 6 اسباب لاخذ الكويت بالمسار الديموقراطي ليس بينها فرض الانجليز لها ممن لم يعرف عنهم قط تشجيع الحريات في البلدان التي يستعمرونها، كما لا توجد وثيقة واحدة من وثائق الخارجية البريطانية او الاميركية تثبت تلك المقولة ويمتد التكذيب لمقولته الاخرى ان وزيرة الخارجية الاميركية ذكرت في جلسة استماع بالكونغرس انها تنوي استبدال الانظمة التقليدية الصديقة بأنظمة اخرى، فمحاضر الكونغرس موجودة ولا يوجد بها شيء حتى قريب من ذلك «التهيؤ»، وتلك الامور للمعلومة «تفعل» ولا تقال في جلسات استماع، كما ان السياسة الخارجية الاميركية مناطة برئيس الجمهورية لا بوزير الخارجية كما يعلم اي مبتدئ علوم سياسية!

آخر محطة:

1 ـ من محاولة هدم رموزنا السياسية الى محاولة هدم رموزنا الاقتصادية ومقال لكاتب كويتي في صحيفة مصرية ينتقد فيه اعمال الراحل الكبير ناصر الخرافي بشدة ويدعو لإيداعه سجن طره! ومعروف ان هناك دعوة مصرية وعربية دائمة لاستثمار الخليجيين اموالهم في بلدان العرب لا الغرب، وهذا ما قام به الوطني الكبير ابومرزوق حيث احال صحاري مصر الصفراء الى جنات خضراء يعمل بها عشرات الآلاف من المصريين وتستقطب ملايين السائحين، فأين الخطأ في هذا؟ وهل من مصلحة مصر 25 يناير تطفيش المستثمرين الخليجيين والعرب والاجانب؟! الاجابة واضحة، ومرحبا بالدكتور عصام شرف في زيارته غدا للكويت وللدول الخليجية لاستقطاب الاستثمارات لا لمحاربتها.

2 ـ في اقل من ثلاثة اعوام، تفقد الكويت اربعة من اكبر رجال الاعمال والاقتصاد فيها، فمن جاسم البحر الى سامي البدر الى خالد المرزوق الى ناصر الخرافي، لهم جميعا الرحمة والمغفرة ولبلدهم الكويت الصبر والسلوان.

سامي النصف

خلعهم من أوصلهم

مع نهاية الحرب العالمية الثانية وتجربة الغرب المريرة مع النازية التي سمح بوصولها وتسليحها ثم دفعت البشرية 50 مليون ضحية لخلعها، قرر قادة العالم الحر عدم السماح للتوجهات السياسية المتأزمة والمتطرفة والعدوانية بالوصول لسدة الحكم في العالم، وتم بناء عليه «طبخ» انقلابات عسكرية في منطقة الشرق الأوسط، كما أتى في كتاب مايلز كوبلاند الشهير «لعبة الأمم»، الهدف منها محاربة الشيوعية في أقصى اليسار والتوجهات الدينية في أقصى اليمين.

كانت باكورة تلك الأفكار انجاح انقلاب يوليو 1952 على الملك فاروق، حيث وُجد ان الأنظمة الملكية إنسانية ولا تتميز بالعنف المطلوب لمواجهة تلك التيارات المؤدلجة القوية، لذا كان العمل الأول لذلك الانقلاب هو إعدام العمال الشيوعيين في كفر الدوار أغسطس 1952 ثم تلا ذلك سريعا أحكام الإعدام التي صدرت عام 1954 بحق الإخوان المسلمين، واستمر تصدي النظام العسكري الناصري للشيوعيين والإخوان المسلمين وعمليات قتلهم وإعدامهم (قتل الشيوعي شهدي عطية وسجن صحبه، وإعدام الإسلامي سيد قطب وجمعه) حتى نهاية حكم عبدالناصر عام 70.

تكررت تجربة إعداد وإنجاح الانقلابات العسكرية التي يوصل من خلالها العالم الحر الى لحكم أنظمة عسكرية في منطقتنا، فنجحت انقلابات حزب البعث في العراق وسورية (68 – 70) وتلاها محاربتهم الشديدة للشيوعيين في البلدين والتيارات الإسلامية الشيعية في العراق كحزب الدعوة، والسنية في سورية كحزب الإخوان المسلمين وهو أمر أقر به البعثي العراقي الكبير حردان التكريتي قبل مقتله في الكويت، والبعثي السوري الكبير صلاح البيطار قبل مقتله في باريس.

واستمرت تلك التجربة الناجحة في دول عربية أخرى مثل انقلاب النميري مايو 69 الذي تلاه ضرب الإسلاميين بالطائرات في جزيرة ابا عام 70 وإعدام القادة الشيوعيين ومنهم هاشم عطا وبابكر النور صيف 71 والذي ساعده فيه العقيد القذافي بعد نجاح انقلابه العسكري في سبتمبر 69 عندما أنزل الطائرة التي تقل القادة الشيوعيين بالقوة في ليبيا، ولم تكن اليمن بعيدة عن ذلك المسار ولم يتوقف الرئيس صالح عن محاربة الإسلاميين السنة والشيعة (القاعدة والحوثيين) والحال كذلك مع الحكم العسكري للرئيسين مبارك وزين العابدين واستمرارهم حتى النهاية في محاربة القوى الإسلامية ومن تبقى من القوى اليسارية والقومية.

لقد تسبب سقوط الشيوعية في عدم حاجة العالم الحر لأنظمة قمعية في منطقتنا فتركها تتساقط.

تقرير «النيويورك تايمز» أقر بقيام مؤسسات أميركية ضخمة بدعم عمليات إسقاط الأنظمة في منطقة الشرق الأوسط وهو أمر استمعنا لمثله من قيادات خليجية بارزة كان اعتقادهم أن ما يشاهد من تحركات تقوم على التكنولوجيا المتطورة وأعمال لوجستية غير مسبوقة، لا يمكن أن يكون عمل مجاميع شبابية صغيرة السن، لذا فإن خلاصة المشهد السياسي بالمنطقة هي ان من عيّن وأعان تلك القيادات العسكرية في السابق يقوم بخلعها هذه الأيام ومن ثم أصبح كشف حساب المجتمع الدولي نظيفا أمام شعوبنا التي أصبح بإمكانها أن تقرر مستقبلها، فإما التحول إلى الأسوأ متى ما اختارت الجهلاء – وما أكثرهم – وإما الى الأفضل متى ما وصل العقلاء… ويا لندرتهم في منطقتنا.

آخر محطة:

بكل واقعية، هناك حرب أهلية قائمة في ليبيا وتوازن قوى خطير ومدمر بين بنغازي وطرابلس لا يسمح بانتصار سريع لإحداهما على الأخرى، لذا فإما أن يسمح العرب بحرب أهلية طويلة تتحول الى حالة «صوملة» كما تنبأ بذلك موسى كوسا، وإما ان تلجأ ليبيا بدعم عربي وغربي لأبغض الحلال وتنقسم الى ليبيا شرقية وليبيا غربية وتتوقف الحرب الأهلية سريعا كما حدث في قبرص أوائل السبعينيات ويتم توفير الدماء والأموال انتظارا لفرصة وحدوية أخرى في المستقبل بعد ان دمر وحدتها الحالية.. الوحدوي معمر القذافي.

سامي النصف

مصر الطلابية ومصر الطلبانية!

وصلت الى مطار القاهرة وقد لاحظت ان قلة السائحين قد تسببت في وفرة المهللين من رافعي الشعار الشهير «السائح العبيط اهوه» فقد تناوب 8 اشخاص بالتمام والكمال على حمل شنطتي اليتيمة الخفيفة التي لم اطلب من احد حملها، بل خُطفت خطفاً من يدي، وقد التقطت صورة طريفة لأربعة رجال طوال ملتفين حول السيارة وأربعة آخرين ملتمين حول الشنطة احدهم يرفعها من الارض الى ارتفاع 10سم، والثاني من 10 الى 20 وهكذا حتى تستقر الشنطة المدللة في العربية، ارجو عودة السائحين والمغتربين سريعا كي يتوزع حمل السياحة على القبائل ولا ينفرد به شخص واحد.

ركبت الليموزين وقد اعتقد البعض بسبب الزحام الشديد حولي انني المبعوث الدولي القادم بالمليارات المسروقة، تحركت السيارة وسألت السائق كعادة كل اعلامي عن الاحوال فأجاب الحمد لله نعمة فلم يعد شرطي المطار يأخذ مني 5 جنيهات عمولة، قلت لقد حُلت مشكلتك وبدأت في الوقت ذاته.. مشكلة شرطي المطار!

الزميل د.مأمون فندي كتب قبل مدة مقالا رائعا كعادته قال فيه: ان ما حدث في مصر اشبه بمن استبدل سائق سيارة تاكسي عطلانة ومهلهلة ثم اعتقد ان ذلك الاستبدال السهل سيحل المشكلة في وقت يحتاج الامر فيه لأعمال واصلاحات مضنية وجادة في السيارة ذاتها (مصر) كي تبدأ بالعمل وتوفير الموارد المالية التي توفر الحياة الكريمة لاصحابها، ولا يُكتفى باستبدال السواق في كل مرة والذي ثبت انه لا يحل شيئا.

رحب رجل الدين المصري المعروف محمد حسان بالسياحة الاجنبية والعربية الا انه اصر على التحول بمصر للدولة الدينية ومنع المسارح والسينمات والمايوهات والمشروبات الروحية على الاجانب والاقباط وليس على المسلمين فقط (خووش تسامح وخووش سياحة)، الغريب ان الاخوان الذين كانوا قبل الثورة يتحدثون عن التسامح والاقتداء بالمثال التركي، قرروا بالامس في اجتماع حاشد عقدوه في امبابة تحدث فيه د.محمود عزت نائب المرشد العام وم.سعد الحسيني عن السعي لاقامة دولة دينية وتطبيق «الحدود» ورفض الدولة المدنية ما يبشر حال حدوثه، لا سمح الله، بانضمام مصر مستقبلا للخراب القائم في افغانستان وايران والسودان تحت مسمى مصرستان او خرابستان أو بؤسستان ومن ثم تحويل حالة مصر الطلابية القائمة الى مصر الطلبانية القادمة.

أصطحب بشكل دائم الاصدقاء الى المطاعم القائمة على بحيرات «السليمانية» ذلك المنتجع المليء بالناس وملاعب الغولف، ذهبت بالامس بصحبة مدير كونا في القاهرة محمد البحر الى السليمانية فإذا بالمطاعم قد اغلقت والاعمال والمكاتب قد توقفت بسبب القضايا التي رفعت على صاحب المشروع وعلى المئات من اصحاب المشاريع الكبرى ممن جل ذنبهم انهم حولوا الصحاري الصفراء الى جنات خضراء استقطبت ملايين المصريين والسائحين عبر استثمار اموالهم في بلدهم لا خارجها، وفي مشاريع لا يستطيع احد ان يأخذها معه عبر المطار أو يودعها في بنوك سويسرا.. وعجبي!

اصدر المدعي العام المصري قرارا بمنع السفر لرئيس الوزراء السابق عاطف عبيد ولرجل الاعمال الملياردير احمد محمد حسنين هيكل شقيق الملياردير الآخر حسن هيكل ابني الكاتب الثوري المعروف محمد حسنين هيكل الذي طالب عام 90 بتوزيع اموال الخليج على الفقراء العرب.

مجلة «ارابيان بيزنس» الاقتصادية المختصة نشرت قبل مدة قائمة بأسماء اغنى 50 مليارديرا عربيا ضمت اسماء الاخوين احمد وحسن هيكل أصحاب شركتي القلعة وهيرميس، فهل سيقوم والدهما بإثبات مصداقيته عبر توزيع جانب من ثروته الفاحشة وثروات ابنائه على ابناء قريته «البسوس» الذين شبعوا شتما فيه كونه لم يساعدهم ماليا قط، كما اتى في كتاب الباحث مرسي النويشي، ولم يقم بأعمال خير كالتي كان يقوم بها غريمه الفقير مصطفى امين؟!

اشارت بعض التقارير الى ان الاخوين هيكل كانا شريكين بالخفاء للأخوين مبارك وكانا يحصلان عن طريق نفوذ جمال مبارك تحديدا على شركات القطاع العام بالملاليم لبيعها للاجانب بالمليارات، ونفوذ هيكل سيجعلهما يخرجان من تلك التهم كخروج الشعرة من العجين والأيام بيننا..!

آخر محطة:

العزاء الحار لآل الخرافي وآل الرفاعي الكرام وللكويت قاطبة في وفاة الراحل الكبير ناصر محمد الخرافي.

للفقيد الرحمة والمغفرة ولأهله وذويه الصبر والسلوان.

«إنا لله وإنا إليه راجعون»

سامي النصف

حكومة التحديات غير المسبوقة

قام انجاز الستينيات والسبعينيات الكويتي على نظرة سياسية وإستراتيجية ثاقبة بعيدة النظر تم من خلالها الاستعانة بالأكفاء ورجال الدولة لتولي المناصب القيادية، وقام هؤلاء بالتبعية باختيار أفضل وأذكى العقول العربية والأجنبية لمساعدتهم في عملهم، فظهر للعيان الانجاز الكويتي الكبير في جميع القطاعات والأنشطة الاقتصادية والعلمية والأدبية والفنية والإعلامية والسياسية والرياضية.. الخ.

في السبعينيات وما بعدها وبسبب الوفرة المالية والنزاعات السياسية، وكوسيلة للترضية تم الابتعاد عن نهج اختيار الأكفأ والأذكى وتم توزير خريجي معاهد قد يصلح أصحابها للوعظ والإرشاد الا انهم لم يكونوا على الإطلاق قادرين على الحفاظ على نهج الريادة الكويتي في القطاعات المختلفة كونهم لا يؤمنون بالكثير منها، في حين بدأ الجيران والأشقاء الخليجيون ينهضون ويأخذون بالليبرالية الاقتصادية والاجتماعية التي ابتعدنا عنها ويستعينون بأفضل العقول المحلية والعربية والأجنبية كحالنا قبل ذلك.

وامتد ترهلنا من العام إلى الخاص، خاصة بعد تحولنا الى نهج الدولة الريعية (المرض الهولندي)، واختفى بالتبعية الجيل الاقتصادي الذي تسببت شطارته المالية وروحه المبادرة الوثابة وقدرته الفائقة على اقتناص الفرص في السمعة الطيبة للتاجر الكويتي والتي كانت تخلق موارد بديلة للدولة، واستبدل ذلك كله بطبقة اقتصادية جديدة تعتمد على الربح السهل والسريع عبر المضاربات بالأسهم وعمليات الاحتيال على البسطاء من المساهمين والمتعاملين دون حسيب او رقيب حتى أضحت أسواقنا المالية الأكثر انهيارا في العالم.

ان الكويت بحاجة حقيقية لحكومة تضم أفضل وأكفأ وأذكى العقول الموجودة في البلد لمواجهة تحديات الأسابيع والأشهر والسنين القادمة، وهي تحديات غير مسبوقة في تاريخ البلد منذ نشأته الأولى حتى انه تصغر أمامها تهديدات قاسم وغزو صدام كونهما قاما على معطى أمور سهل اتخاذ القرار الصائب فيها، أما ما هو قادم فقضايا وأحداث كبرى شديدة التعقيد ترتبط بالداخل الكويتي والخارج والمنطقة والإقليم ولا تحتمل لجسامتها الخطأ في القراءة او القرار.

آخر محطة:

 (1) بودنا ان ترشح كتلة العمل الوطني وبقية الكتل البرلمانية والسياسية أسماء للوزارة ولبقية المؤسسات والشركات الحكومية تقوم على الكفاءة والاقتدار، فالانجاز والاخفاق هما في النهاية منتجان بشريان ولا يصح الانتظار حتى اختيار زيد أو عمرو ثم تضييع الوقت بمحاسبتهما، وقديما قيل: درهم وقاية خير من قنطار علاج.

(2) فاتنا ان نثني في معرض حديثنا عن اختيار الأطباء للوزارة والإدارة على اختيار الدكتور الطبيب عبدالرزاق النفيسي لادارة المعهد التطبيقي الذي يزيد عدد منضويه عن اعداد الكثير من الوزارات.

(3) ضمن حفل عشاء أقامه الزميل ماضي الخميس استمعت لأحد كبار المختصين في قطاع الاتصالات من غير الكويتيين يبدي استغرابه الشديد من دفع شركة كويتية لـ 23 مليار ريال للحصول فقط على «رخصة» شركة اتصالات تعمل في بلده، وتساءل: كيف يمكن لمن يدفع مثل هذا المبلغ ان يتوقع الربح؟!

(4) مثل هذا الكلام استمعت له من رجل اقتصاد كبير حول شراء شركة كويتية لوكالة سيارة فخمة خاسرة ويقول: إذا كان البائع وهو احدى كبرى شركات السيارات في العالم لم يستطع تسويق تلك السيارة وتحويلها من الخسارة الى الربح، فكيف يمكن لمسؤول الشركة الكويتية ان يفعل ذلك؟! أرجو ألا يكون السبب هو المقولة اللاذعة للوزير البحريني المرحوم يوسف الشيراوي حول حقيقة «غفلة أهل الكويت»!

سامي النصف

وزّروا الأطباء وزوّجوا الطبيبات

مبادرة طيبة وذكية من سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد بدعوة كتلة العمل الوطني للتشاور والوصول لوضع تصورات عمل مشتركة، ونرجو أن تمتد تلك المبادرة الى باقي الكتل والأعضاء، وقد يحتاج البعض منها الى عمل رحلات مكوكية تلين الأجواء قبل اللقاء وتسهل عملية الانفراج التي يأملها كل محب لهذا الوطن، ونرجو في هذا السياق ألا يرفض أحد ذلك التحرك الخير، فالديموقراطية ـ للتذكير ـ تقوم على مبدأ الرأي والرأي الآخر، والسياسة هي فن الممكن لا طلب المستحيل كما ان العمل السياسي يهدف في النهاية لخلق التوافقات لا اصطناع الأزمات ولا منتصر عندما تغرق المراكب..!

كل البضائع في الأسواق من سيارات وتلفزيونات وغيرها تتباين أسعارها بشكل كبير تبعا لجودتها وقدرتها على العمل ولو فرض سعر موحد لها لما اشترى احد الا الأفضل من تلك السلع وهذا أمر أقرب للبديهة.

الكويتيون من رجال ونساء هم كحال تلك البضائع تختلف قدراتهم وجودتهم بشكل كبير، فهناك مسؤول يمكن ان يوفر على الدولة بقدراته المميزة مليار دينار، وهناك مسؤول آخر يمكن ان يكلف الدولة بسبب محدودية القدرة مليار دينار، والجميل ان الاثنين كلفتهما على المال العام واحدة حيث تتساوى رواتب ومكافآت الوزراء، لذا نرجو الحرص على اختيار الأكفاء في الوزارة القادمة حتى تصبح وزارة كفاءات متفق عليها، والبعد عن محدودي القدرات مادام الثمن واحدا.

الذكاء هو اهم الفوارق بين المقتدرين وغير المقتدرين، وأغلب الأذكياء، كما هو معروف، هم من العاملين في مجال الطب، لذا نود ان نرى الكثير منهم في الوزارة المقبلة بعد ان نحافظ على وزراء أمثال د.هلال الساير ونضيف له من تلك العينة على ان يكونوا من المتميزين كحال د.ابراهيم الرشدان ود.خالد الصبيح والعشرات غيرهما ولا يهم التخصص، حيث ان الوزارة في النهاية هي منصب سياسي، كما يجب عدم الاقتصار بالطبع على الطب فهناك مميزون في مجالات الحياة الأخرى والمقتدر يمكن ان يدير بكفاءة شديدة اي وزارة يتحمل مسؤوليتها، كما انه قادر على إقناع الناس بشكل أفضل من غيره.

آخر محطة:

 (1) في كتاب «من الثالث الى الأول» لرئيس وزراء سنغافورة الأسبق لي كوان يقول اننا كشرقيين نود دائما ان تكون الزوجة أقل مكانة من الزوج، لذا تبقى كثير من الطبيبات في بلده ـ وفي بلدنا ـ دون زواج، ما يجعل جينات الذكاء والعبقرية التي يملكنها لا تورث منهن لأجيال لاحقة، لذا كان يحث الدولة على تشجيع مثل تلك الزيجات وهو أمر يجب ان يعمل به في الكويت التي تحتاج بشدة لرفع مستويات الذكاء فيها.

(2) من يتزوج لجمال فالجمال قابل للذبول السريع، ومن يتزوج لمال فصفقة تجارية واحدة تحيل الأثرياء الى فقراء، اما من يتزوج لذكاء فالذكاء باق بل ويورث فاحرص على ذات الذكاء.

سامي النصف

لماذا ساذجة؟!

 رغم دخولنا سنة انتخاب الرئاسة في أهم دول المنطقة، الا ان الادارة المصرية السابقة وبغرابة شديدة لم تعلن حتى بداية هذا العام ان كان مرشح الحزب الحاكم هو مبارك أم جمال أم سليمان، فهل كان احد منهم يتوقع قيام ثورة ستمنع في النهاية قيام تلك الانتخابات الرئاسية؟!

اتضح ان احد اكثر الامور التي اثارت الشعب المصري ودفعته للثورة ضد الحكم هو قضية التوريث، فلماذا لم يتم نفي ذلك الامر بشكل واضح وصريح، ومن ثم ترك عائما يثير غضب وحنق الناس بشكل يومي دون فائدة أو رد؟!

لماذا أبدى امين عام الجامعة العربية عمرو موسى عام 2010 رغبته في عدم التجديد له، وهو أمر مفهوم لو كان يعتزم الراحة واعتزال العمل العام، الا ان المستغرب ترشحه هذه الايام لرئاسة مصر شبه المضمونة فهل كان يعلم او يتوقع في ذلك الوقت المبكر بالثورة القادمة؟ وهذا التساؤل ينطبق كذلك على المرشح الآخر د.محمد البرادعي!

لماذا زوّر أحمد عز وحبيب العادلي الانتخابات الاخيرة بشكل صارخ وفاضح استفز القوى الاخرى ودفعها للثورة؟!

لماذا سخّر كبار رجال الاعمال والاعلام المستفيدين بشدة من الوضع السابق قنواتهم وبرامجهم وصحفهم بل وحتى بعض برامج القنوات الرسمية لسنوات طوال لا للدفاع عن النظام بل لشتمه وتسويد صورته؟! ولماذا قام صنائع وحلفاء صفوت الشريف وأحمد عز وجمال مبارك أمثال مصطفى بكري وعمرو أديب بتسويد صورة النظام وتشجيع الناس على الثورة؟!

اذا كان وزير الداخلية قمعيا وقاتلا، فلماذا صمت ولم يفعل شيئا عن الكتب والافلام والمقالات التي كانت تحرض الشعب المصري بشكل فاضح على الثورة (كحال ابراهيم عيسى وعبدالحليم قنديل وكتب علاء الأسواني وافلام عماد الدين أديب وغيرهم)؟

لماذا شهدت مصر عودة لكثير من المغتربين ممن كان عملهم الوحيد بعد عودتهم تثوير الشعب المصري عبر الصحف التي اصدروها والبرامج الحوارية التي قدموها والافلام التي انتجوها؟!

لماذا وقد بات واضحا بعد خروج الملايين للشوارع ان النظام أصبح ساقطا لا محالة كحال النظام التونسي ألا يهرب الرئيس وكبار الوزراء ورجال الاعمال رغم سهولة ذلك الامر لوجود عشرات المطارات في مصر ولدى هؤلاء الثروات اللازمة لتأمين ذلك الخروج والعيش الكريم في الخارج؟ فلماذا بقوا ولماذا لا يحاكمون؟!

لماذا تبقى الساحة المصرية ساخنة بشكل دائم هذه الايام؟ ولماذا يسمح بإعادة تكرار مسار الانتقام والاجتثاث الذي دمر العراق والذي يجعل قطاعا كبيرا من رجال الامن والاعمال والاعلام المعزولين يسعى لخراب مصر وضرب استقراره بدلا من جعلهم ترساً في مشروع الاعمار والأمن؟!

وهل يراد من تغيير الواقع السيئ خير مصر ام التحول لأوضاع اسوأ منه تجعل الناس تترحم عليه كما حدث سابقا مع صدام وعرفات؟!

لماذا كتب د.عبدالحليم قنديل مقالا قبل سنوات قليلة أسماه «سقوط مبارك في ميدان التحرير» بعد ان ترك مهنة الطب لكتابة المقالات؟ ولماذا اصدر الطبيب الآخر الذي تحول للكتابة د.علاء الأسواني قبل عام كتاب «لماذا لا يثور المصريون؟».. ولماذا انتج قبل حوالي عام فيلم «هي فوضى» الذي ينتهي بخروج الجماهير المصرية في ثورة عارمة للشوارع لتسقط خلالها النظام وتخرج المساجين من الزنزانات؟!

آخر محطة:

 1 – خطاب خاطئ آخر لمبارك دفع الناس للمطالبة باحضاره ومحاكمته، لا اعتقد بحدوث تلك المحاكمة ولا اعلم ان كان مبارك سيبقى في شرم الشيخ أم سيتجه لخارجها؟!

2 – يعكس الوضع الجغرافي لمصر الحقائق التالية: الى الشرق منها تم تقسيم فلسطين الى دولة علمانية في رام الله وامارة إسلامية في غزة، الى الجنوب انفصل السودان بفضل البشير الى امارة إسلامية في الشمال ودولة علمانية في الجنوب، الى الغرب انقسمت ليبيا العظمى بفضل القذافي الى امارة إسلامية في شرق ليبيا وجماهيرية علمانية في غرب ليبيا وحمى الله مصر من اصدقائها واعدائها على حد سواء وحماها قبل ذلك من مشاريع الامارة والدولة المختبئة تحت الرماد.

3 – سؤال ساذج أخير، اذا كان العهد السيئ في مصر اصبح من الماضي، والعهد المشرق ما هو قادم، فلماذا تهرب الاموال والاستثمارات الاجنبية من مصر هروب الغزلان من هجمة الاسد؟!

سامي النصف

العنصرية الفئوية والعنصرية الطائفية

التعامل مع الآخرين يأخذ إحدى صورتين، أولاهما تعامل إنساني لا يجد صاحبه فرقا أو تمييزا بينه وبين الآخر، بل يجد في تنوع الاطياف إضافة للمجتمعات، وان خليطنا المذهبي والفئوي هو أمر أشبه بالمزهرية التي يزيدها جمالا تنوع ألوان الورد والزهر فيها، وان التعايش لا الإلغاء هو ما يضمن ديمومة المجتمعات ورقيها وتقدمها.

الصورة الأخرى في التعامل مع الآخر هي النهج العنصري سواء كان قائما على معطى المذهب السني ـ الشيعي أو الفئوي القبلي ـ الحضري، أو حتى التفرعات الأخرى من تباينات سياسية دينية ـ ليبرالية أو اقتصادية أو غيرهما، وضمن ذلك النهج القميء يتم بث روح الكراهية الشديدة لغير المنتمي للجماعة ويأخذ الطرح العنصري طريقا ذا اتجاهين، فعنصرية باتجاه لا يقابلها تصحيح ورفض لتلك العنصرية، بل بعنصرية مضادة لا تقل كراهية مدمرة عنها، وهو أمر خطير ينخر في أساس المجتمع الكويتي ويحتاج الى معالجة تشريعية ومؤسساتية تنزعه من جذوره.

لقد أصبحنا في الكويت أشبه بشخص طوله متران ولديه ثوب «وحدة وطنية» طوله متر واحد اذا غطى به طرفه الأعلى (الفتنة والعنصرية الشيعية ـ السنية) انكشف طرفه الاسفل (الفتنة والعنصرية الحضرية ـ القبلية) والعكس صحيح، وان الحل يكمن إما في تقليل وتقصير العنصريات والفتن حتى يكفيها ويغطيها ثوب الوحدة الوطنية الحالي، أو بتطويل ذلك الثوب عبر العمل الدؤوب (مناهج مدرسية وتشريعات رادعة وتجمعات اخاء وطني.. إلخ) كي يغطي الفتن مهما زادت وتكررت.

لقد أصبحنا أسوأ عنصرية حتى من ألمانيا النازية، فقد كان لهتلر ورهطه عنصرية واحدة تجاه الآخرين ممن لم يقابلوا عنصريته بعنصرية مضادة، أما لدينا فقد أصبحت العنصرية طريقا متعدد الاتجاهات يضم ضمن ما يضم عنصريات مقيتة تجاه الجوار والإقليم والمحيط العربي ويمتد لاخوتنا في الانسانية من ضيوف ووافدين.

آخر محطة:

(1) التقيت بالسيد محمود حيدر مرات قليلة في أحد الدواوين وقد لاحظت عليه الأدب الجم في أقواله وتصرفاته، وقد تكون ردود الفعل الغاضبة ضده قائمة على ما يأتي في وسائل إعلامه التي لا يديرها هو بشكل مباشر. نقد السيد حيدر أو أي شخصية عامة أخرى أمر مقبول مادام لم يتجاوز حدود النقد الهادف، أما النقد القائم على العنصر والمذهب والانتماء، فهو نقد مرفوض بالمطلق.

(2) وإحدى الأطروحات العنصرية المرفوضة تماما هي تقسيم المجتمع الكويتي الى دماء زرقاء ودماء حمراء ومسميات أخرى ما أنزل الله بها من سلطان لتبرير ترويج وإفشاء الحقد والعنصرية والكراهية في مجتمع يفرض عليه دينه وعرفه وإنسانيته ومستلزمات وحدته الوطنية أن يكون الناس فيه متساوين كأسنان المشط، ولا قطرة أقل من ذلك.

سامي النصف

رئيس وزراء كل الكويت

ضمن مفاهيم المرحلة القادمة، نرجو ان يتوقف بعض النواب عن الاساءة للآخرين بأقبح الألفاظ ثم ختم كلامهم بالثناء على سمو الشيخ ناصر المحمد متخذين إياه ساترا لهم في تخندقاتهم وحروبهم التي لا تنتهي مع الآخرين فناصر المحمد رئيس لمجلس وزراء كل الكويت وليس لهم فقط.

لقد تمت تجربة ذلك النهج الخاطئ في الحكومات السابقة فانتهى بالكوارث والأزمات المتلاحقة وإلى زيادة مطردة في عدد الخصوم، والواجب على من يقوم بذلك الفعل كائنا من كان ان يعي اضرار ما يعمل وان يتم الفصل التام بين حروبه الشخصية وبين المكانة السامية والأخلاق العالية التي عرفت عن الشيخ ناصر المحمد وحقيقة انه يقف دائما على مسافة واحدة من الجميع.

من يتحدث عن إلغاء المحاصصة بالتشكيل الحكومي هو أشبه بمن يطلب المستحيل فقد جرب ذلك الأمر في السابق فثار عليه اول من دعا له، المحاصصة مقبولة مادام انه تم اختيار الأفضل والأكفأ من الشريحة السياسية او الاجتماعية المراد تمثيلها في مجلس الوزراء مع ضرورة محاسبة اي وزير يقدم الولاء لشريحته على حساب أنظمة الدولة خاصة فيما يتعلق بالعدالة في التعيينات والترقيات التي لا محاصصة فيها.

مقال الزميل أمين معرفي في جريدة «القبس» عدد الجمعة يستحق ان يكتب بماء الذهب كونه يمثل بحق توجه كل شيعة الكويت كما نعرفهم، فما تمارسه ايران من عدائية سافرة ضد دولنا حسب قوله «سيواجه بسور حديدي من أبناء الطائفة الشيعية التي ستقف بصدورها العارية الى جانب اخوانها من الطائفة السنية»، ويضيف «ان حكامنا هم رموزنا ودولنا الخليجية هي وجودنا فلا نرضى بغيرهم حكاما ولا بغيرها أوطانا».

أعتقد ان الزميلة د.ابتهال الخطيب ابنة الصديق المثقف عبدالعزيز الخطيب قد أساءت فهم رد الجار الشيخ احمد الحمود وزير الداخلية على جريدة «الحياة» السعودية، حيث لم يكن يقصد التنابز بالأصول بل اطفاء نار ملف «الازدواجية» الملتهب الذي يعالج بالحكمة وفي الغرف المغلقة لا بالدغدغة الاعلامية كما كان يحدث سابقا، أرجو ان تعود الزميلة للابتسام في وجه زوجها فالابتسام في هذه الأيام المكفهرة صدقة وان تواصل مد يدها خارج النافذة و«زف» مدبرة منزلها «صفية» وان تسأل والدها عن حكاية خناقته في الاسكندرية وعمها عن كيفية تحمل مشط رجله عبور سيارة فوقه؟!

آخر محطة: ذكرت الزميلة «الوطن» ان وزير المالية مصطفى الشمالي أبدى رغبته في عدم اعادة توزيره، ان صح الخبر فإننا نقول له: بيّض الله وجهك يا بومشعل على دفاعك عن حرمة الأموال العامة ونظرتك كرجل دولة لمستقبل الأجيال المقبلة، وأكثر الله من أمثالك.

سامي النصف

التاريخ صدفة

نشرت مجلة «التايم» الأميركية في عددها الأخير تحقيقا مثيرا اثبتت خلاله تطابق ما حدث في العالم العربي عام 2011 مع ما حدث في أوروبا عام 1848، ففي تونس بدأت الثورة وهرب الرئيس الى الخارج ثم انتشرت سريعا عبر التكنولوجيا الحديثة الى ثماني دول عربية وهو ما حدث تماما في باريس 1848 عندما ثارت الجماهير فهرب الملك لويس فيليب الى الخارج وانتقلت الثورة سريعا عبر التكنولوجيا الحديثة (التلغراف) الى ثماني دول أوروبية فثارت شعوبها وتغيرت بعض أنظمتها وحكوماتها، وقد أظهر التحقيق 12 قاسما مشتركا بين الحالتين الأوروبية والعربية، ثم انتهى ما كتبته المجلة بحقيقة تظهر ان الأمور عادت سريعا الى سابق عهدها في الدول الأوروبية خلال أقل من عامين بعد ان لاحظت الشعوب ان الأمور زادت سوءا بدلا من ان تتحسن أحوالها الاقتصادية.

لي ان أضيف لذلك التحقيق المهم، وإيمانا منا بأن التاريخ تحركه الصدف لا المؤامرات، تطابقا آخر بين ما حدث في مصر مبارك 2011 واندونيسيا سوهارتو 1998 وإيران الشاه 1979 فالحكام الثلاثة وصلوا لسدة الرئاسة بعد انقلابات وأعمال دموية قتلت أو عزلت من كان قبلهم، واتهم بها الغرب، واستمر حكمهم ثلاثة عقود ثم تساقطوا ابان تسلم الديموقراطيين مقاليد الحكم في أميركا (كارتر وكلينتون واوباما).

وقد استطاع الثلاثة وبمساعدة من الولايات المتحدة والغرب ان يقوموا في السنوات الأولى لحكمهم بإنجازات ضخمة فيما يخص الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي وتطوير وتمدين دولهم واستقرار عملتهم مما أثار إعجاب شعوبهم بهم، إلا ان طول المدة وفساد الأبناء والأقرباء (أشرف وتومي وجمال) اثار حنق العامة عليهم، وزاد النار اشتعالا الحملات الإعلامية الدولية ضدهم، كما أساء إليهم العنف غير المبرر الذي استخدم ضد المحتجين، فتحول المتظاهرون من آلاف إلى ملايين في الحالات الثلاث.

وقد سقط الشاه 1979 بثورة دينية تقنية (الكاسيت) غير مسبوقة في التاريخ، كما سقط سوهارتو 1998 بثورة بنكية اقتصادية وثورة طلابية غير مسبوقة في التاريخ كذلك، والحال ذاته مع مبارك 2011 الذي أسقطته ثورة سياسية شعبية غير مسبوقة في تاريخ مصر، شاه إيران وسوهارتو أعلن عن مرضهما بعد عزلهما ولم يسجنا حتى موتهما وقد أعلن عن مرض الرئيس مبارك وقد يبقى لأسباب عدة بعيدا عن الاعتقال والمحاكمة حتى رحيله.

وضمن الحملة الإعلامية على الثلاثة انهم اتهموا باختلاس مليارات الدولارات «شاه 25 مليارا»، «سوهارتو 35 مليارا»، «مبارك 70 مليارا» ولم تثبت القرائن والأدلة تلك الدعاوى، ولم يسترد في النهاية شيء من تلك الثروات المدعى اختلاسها، بل ان سوهارتو كسب قضية تعويض في سبتمبر 2007 (عام قبل وفاته) على مجلة «تايم آسيا» بـ 125 مليون دولار بسبب الدعاوى الزائفة المبالغ فيها عن ثروته، وقام على اثرها برفع دعوى بـ 27 مليار دولار على مجلة «التايم» الأميركية بسبب مئات المقالات التي اتهمته باختلاس المليارات، وفي النهاية اتهم الثلاثة حلفاءهم لا أعداءهم بالتسبب في إسقاطهم.. والله أعلم!

آخر محطة:

1 ـ زرت مصر قبل مدة، وهي آمنة تماما، وأدعو الناس لزيارتها، وان كان اعلامها غير المحترف يدمرها عبر تكبيره وتضخيمه لأمور أمنية تحدث في العالم أجمع، مما يخيف السائحين والمستثمرين، إضافة الى تحريضه الناس على الانتقام واجتثاث الآخرين، وهو أمر مجرب تسبب في تدمير العراق.

2 ـ نشرت مجلة «اليوم السابع» المصرية على صدر صفحتها الأولى ان نصيب كل فرد مصري من الثروات المسروقة والمتأمل استردادها هو 187 ألف جنيه، أي ان نصيب الأسرة المعتادة المكونة من 10 أشخاص هو 1.8 مليون جنيه، خبير اقتصادي ذكر على احدى الفضائيات ان ذلك المبلغ خطأ وان الرقم الصحيح للثروات التي سيتم استردادها هو 300 ألف جنيه للفرد صغيرا كان أو كبيرا، ولا حول ولا قوة الا بالله.

سامي النصف

النهج الجديد ومراسي سفينة الوطن

الدستور نص متكامل لا يجوز الايمان ببعضه والكفر ببعضه الآخر ونصوصه نصت بشكل حاسم وواضح على أن اختيار من يكلف بتشكيل الوزارة هو حق صاحب السمو الأمير حيث تتجمع لديه معلومات ورؤى لا تتوافر لغيره، يضاف لها هذه الايام خبرة مسؤول محنك له تجارب أربعين عاما في العمل الديبلوماسي والسياسي الدولي تؤهله لمعرفة المتطلبات والاستحقاقات الاقليمية والعربية والدولية اللازمة لذلك التشكيل بما لا يعرفها غيره.

النهج الجديد المطلوب للمرحلة المقبلة لا يقتصر على الأداء الحكومي، بل يجب أن يمتد الأمر للمواطن والناخب الذي عليه أن ينظر الى ما هو أبعد من الرغبات الذاتية والانانية المدغدغة، الى حث وحض نوابه الافاضل على تقديم المقترحات والتشريعات التي تفيد الوطن ككل لا قطاعا منه.

كما يجب أن يمتد مفهوم النهج الجديد الى النواب الافاضل، فالدعم والتأييد يجب أن يوفر للحكومة الجديدة أيا كان رئيسها وأيا كان أعضاؤها فهم في النهاية جميعا أبناء الكويت حالهم حال النواب الافاضل، وسفينة الوطن تمر هذه الايام بأوقات صعبة وحرجة فرضتها المتغيرات الدولية والاقليمية، مما يستوجب على الجميع تسخير الجهود لا لعرقلة بعضنا البعض، بل للتأكد من أن المسار متجه بنا الى الموانئ الآمنة والمستقبل المشرق.

ويحتاج الاعلام المحلي أن يتجاوب مع النهج الجديد، فلا يجوز التضحية والتفريط في المصالح العليا للأوطان لأجل مصالح ضيقة قد لا تزيد عن الرغبة في كسب حفنة من المشاهدين أو القراء، ان التهدئة في السفينة التي تمخر عباب البحر وسط العواصف والاعاصير هي متطلب يجب أن يلتف حوله رجال الاعلام، فالوطن وطنهم والحفاظ عليه مقدم على الحفاظ على أي أمور أخرى.

أخيرا، الكويت بلد صغير لا مصلحة له ع‍لى الاطلاق في معاداة أحد، لذا نرجو الحرص على ألا ندخل في تخندقات معادية للمجتمع الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الدولة الصديقة والحليفة التي ندين لها بالكثير الكثير، والحال كذلك مع الاشقاء من دول الخليج ممن لا نستطيع أن نوفيهم حقهم من الشكر والامتنان والثناء، هذه الرغبة في تحسين العلاقات والبحث عن الاصدقاء لا الاعداء، يجب أن تمتد للجارين الكبيرين العراق وايران اللذين يجب عدم تصعيد المواقف ضدهما، بل يجب أن نكون الارض التي يلتقي عليها الجميع لبحث مشاكلهم وطرق حلها، ان غريزة البقاء تفرض علينا ذلك الدور المشابه لأدوار سويسرا وسنغافورة والسويد وغيرهم.

آخر محطة:

وسط الامواج العالية والعواصف الرملية الكثيفة التي تحجب الرؤية، تشكلت في دار معرفي مجموعة «للاخاء الوطني»، تضم رجالا ونساء من كل ألوان الطيف الكويتي، ويأمل منضوو المجموعة أن تصبح بمنزلة منار مضيء للوحدة الوطنية يلتف الجميع حوله ويساعد السفن وقباطنتها على البعد عن الصخور الظاهرة والخافية التي تتسبب في غرقها.