سامي النصف

أعداؤهم أعداؤنا.. وأعداؤنا أصدقاؤهم!

في عام 1954 عقد في مصيف «سرسنك» شمال العراق اجتماع مهم بين احد اكبر دهاة العرب ونعني السياسي المخضرم نوري السعيد وأحد اكثرهم «عبطا» وحمقا ونعني الضابط الثوري صلاح سالم الذي سلمه عبدالناصر السودان فأضاعها أسهل من اضاعة طفل رضيع لورقة نقدية في يوم عاصف، ودار بين الاثنين «حوار طرشان» حاول فيه الباشا المحنك ان يقنع الضابط المبتدئ بأن لكل دولة عربية ان تحدد طبقا لمصلحتها وموقعها والاخطار المحيطة بها من هو صديقها ومن هو عدوها، فاسرائيل قد تكون الخطر الاول على مصر آنذاك الا انها لا تمثل ذلك الخطر بالنسبة للعراق الذي لا يفصله عن الاتحاد السوفييتي الا 20 كم من الاراضي الايرانية.

وبين ابوصباح ان الخطر الشيوعي اكبر واعتى واقرب واكثر تدخلا في الشأن العراقي والعربي من الخطر الاسرائيلي الذي يمكن احتواؤه والحد من خطره عبر الانضمام لحلف بغداد الذي يضم تركيا وايران وباكستان وبريطانيا والذي لا قدرة لاسرائيل على مواجهته، وانتهى اللقاء بعد ان حاول الضابط الذي اشتهر بنوبات الصرع التي تنتابه ان يفرض منطقا عجيبا هو ان على العراق ان يعادي من يعاديه النظام الثوري في مصر في مقابل ان تصادق مصر الاتحاد السوفييتي عدو العراق الاول!

مثل ذلك المنطق العجيب والغريب غير المعمول به في اي منطقة اخرى في العالم لم ينته آنذاك بل تكرر معنا ومع دول الخليج عام 1990 عندما ارادت القيادة الفلسطينية ممثلة في ياسر عرفات ان نعادي من تعاديهم ـ اي اسرائيل ـ بتهمة احتلالها لـ «بعض» الاراضي الفلسطينية في مقابل صداقة أبوعمار الحميمة للنظام الصدامي المحتل وبقسوة اكبر لـ «كامل» الاراضي الكويتية والمهدد باحتلال 5 دول خليجية اخرى تباعا.

هذا المنطق الفريد يتكرر مرة ثالثة هذه الايام حين يسود مفهوم سياسي مضمونه ان على دولنا الخليجية ان تسخر مواردها وتظهر العداء الشديد لاسرائيل بسبب احتلالها لبعض الاراضي العربية في مقابل الصداقة الوطيدة لبعض الانظمة العربية للدول التي تحتل الاراضي الخليجية وتهدد كيانها بين حين وآخر.

ان هناك خيارين واقعيين وعادلين امام العرب: الاول ان يتم الوقوف بشكل «موحد» ضد كل من يحتل الاراضي العربية كائنا من كان حتى يحل الاشكال ولا يجوز في هذا السياق تكرار ما فعله عرفات من الطلب منا ان نعادي اعداءه في مقابل ان يصادق اعداءنا، او بالمقابل ان يعذر كل طرف منا الآخر فيحدد طبقا لمصلحة وطنه وموقعه الجغرافي ومتطلباته القطرية الاستراتيجية من هو عدوه ومن هو صديقه دون ان يفرض احدنا وبمنطق الاخ الاكبر لائحة اعدائه واصدقائه على اشقائه مما يمس بسيادتهم وكرامتهم.

آخر محطة:

 1 – انسحبت اسرائيل دون حرب من قرية الغجر، عقبال الجزر!

2 – للحقيقة وللتاريخ، لم تحاول اسرائيل قط انشاء مستوطنات في جنوب لبنان او تغيير هويتها العربية او التدخل في تسمية ابنائها او فرض اللغة العبرية على اهلها كما لم تمنع اقامة دور العبادة المختلفة على اراضيها.

3 – اسئلة تحتاج الى اجابة عنها بعقل بارد والاخطار تحيط هذه الايام بشعوبنا الخليجية من كل جانب، نطرحها للعصف الذهني وهي: هل اسرائيل عدوة للخليجيين؟! وما الذي فعلته لتبرير ذلك العداء؟ وكم من الدول الثماني المطلة على الخليج في حالة عداء «حقيقي» معها؟!

سامي النصف

بطولة نرجو ألا نستضيفها!

تتنافس دول العالم كل عام على استضافة البطولات الرياضية والمحلية والإقليمية والدولية ويتم اختيار دولة من الدول التي تتقدم بطلب الاستضافة كي تلعب الفرق الزائرة المباريات على أرضها، وتفرح بالعادة شعوب البلدان التي يقع عليها الاختيار، للفوائد الجمة التي ستجنيها من تلك المنافسات الرياضية الممتعة وعمليات البناء والتعمير والسياحة والاستثمار المصاحب لها.

 

في المقابل تقوم دول العالم المتناحرة سياسيا وأمنيا باختيار بلد من البلدان دون استشارته كي تلعب مبارياتها ومنافساتها السياسية والأمنية المرعبة على أرضه، ولا تفرح عادة شعوب البلدان المستضيفة لقيام مثل تلك المباريات على أرضها نظرا لكم الدماء المستباحة والدمار المصاحب لمثل تلك المباريات والتي سبق للبنان الشقيق ان استضافها لمدة 17 عاما متواصلة على ملعبه، اضافة بالطبع الى بقية الملاعب الأخرى في المنطقة كالعراق واليمن وفلسطين والصومال (استضافة دائمة) والسودان المرشح الأول لبطولة عام 2011 وما بعده.

 

وضمن آلية اختيار الدول المستضيفة للبطولات الرياضية يتم وضع لائحة «CHECK LIST» لدى الجهات المنظمة العليا التي تزور الدول المرشحة للاستضافة للتأكد من وجود متطلبات واستحقاقات تلك اللائحة المعدة سلفا ولا تتم الاستضافة ولا تبدأ المباريات الرياضية بين الفرق إلا بعد التأكد من توافر تلك المتطلبات المستحقة واحدة واحدة.

 

في المقابل تضم لائحة أو «تشيكلست» متطلبات مباريات الدول السياسية والأمنية ضمن لعبة الأمم المدمرة أمورا يجب توافرها في الدولة المعنية كي يتم فرض استضافتها لتلك المباريات الدموية ومن تلك المتطلبات التي يجب ان تعيها الدول كي تصححها وتبعد عنها خطر الاستضافة ما يلي:

ـ وعي عام متدن ومستوى ثقافي هزيل يسهل من خلاله قيادة الشعوب كالقطيع الى حتفها عبر طغيان العاطفة على العقل والانفعال على الحكمة.

ـ شعوب تقدم انتماءها الطائفي والعرقي والفئوي على مصلحة الأوطان، فتلك الانتماءات البديلة هي في المقام الأول،، والوطن بالمقام الثاني أو الثاني.. بعد المائة.

ـ ديموقراطية منفلتة ومشرعون مستعدون لأن تباع ضمائرهم في أسواق النخاسة الدولية. مادام السعر مناسبا.

ـ إعلام غير منضبط يمكن شراؤه بأبخس الأثمان، ومنتديات تبث الفتن في عقول الشباب وتثير غضبهم وحنقهم بشكل متواصل.

ـ أقلام وإعلام لا يعي بسبب طغيان الهواية على الاحتراف أضرار ما يكتب ويبث على مستقبل الوطن ووحدة أبنائه.

ـ حالة شعور عام بالفساد والغبن والظلم (حتى لو كانت مشاعر كاذبة أو مبالغا فيها) وما ينتج عنه من غضب وحنق دائمين.

ـ سياسات عامة تحاول إرضاء كل الأطراف المتناحرة، ما يؤدي في النهاية الى خسارتهم جميعا والبقاء دون صديق.

ـ تربص الطوائف بالطوائف والأعراق بالأعراق والفئات بالفئات والمناطق بالمناطق دون النظر الى مصلحة الوطن.

 

آخر محطة: (1) اللائحة السابقة ليست محددة ببلد معين بل تحتاج الى فهمها ثم العمل على تفتيتها وإصلاح الخاطئ منها عبر وضع علامة ✔ أو X على كل محور من محاورها الثمانية والتعامل معه بجدية.

(2) ليس مهما على الإطلاق في نظري قراءة سطور تقارير الدول الأخرى في حقنا وخلق ردود فعل عاطفية غاضبة مضادة لها كما حدث، المهم ان نقرأ ما بين السطور ونفهم ما وراء الكلمات، فسياسات ومخططات الدول المؤثرة لا تعلن بالتصريح بل يكتفى بالتلميح.. والله من وراء القصد.

سامي النصف

خير ديموقراطية أخرجت للناس

ينتقد البعض بجهل فاضح الممارسة الديموقراطية الراقية القائمة في البلد دون ان يعرف انها خير ديموقراطية أخرجت للبشرية في تاريخها الطويل، حيث تصدر قوانين وتشريعات ليس لها مثيل قط، ويمكن إثبات تلك الأفضلية عبر حقائق لا يختلف عليها اثنان ولا تتناطح عليها عنزتان، وذلك بمقارنة ديموقراطيتنا الفتية بالديموقراطية الأميركية التي يتفق المراقبون والمحللون على انها أعظم ديموقراطية في التاريخ، فإذا ما أثبتنا اننا أفضل منهم توقف الجدل وحسم النقاش حول أفضلية ديموقراطيتنا.

يتوجه الفائزون في الانتخابات الأميركية الأخيرة وجميعهم ساسة محترفون منهم حكام ولايات ومدعون عامون ومحامون ونواب في برلمانات ولاياتهم المحلية الى الصفوف الدراسية، حيث يدرسون لمدة أسبوعين كيفية العمل في الكونغرس وما يجوز أو لا يجوز عمله او قوله، في المقابل أثبت مشرعونا انهم أكثر حنكة وخبرة وقدرة واحترافا ودهاء من أشقائهم الأميركان حيث يرفضون بشدة حضور مثل تلك الكورسات عديمة الفائدة، فهم يدَرسون ولا يدرُسون بل يمكن للقائمين على كونغرسهم ان يدعو بعض نوابنا المحترمين والمحترفين لإعطاء محاضرات لأشقائهم الأميركان، فنوابنا كما هو معروف أفضل علما واحترافا من نوابهم تماما مثلما ان شوارزكوفاتنا أفضل علما واحترافا من شوارزكوفاتهم، وهذه قضية محسومة لا جدل فيها.

وقد أدانت قبل أيام «لجنة القيم» في الكونغرس الأميركي بمجمل أصواتها الممثلة من ديموقراطيين وجمهوريين النائب الديموقراطي المخضرم شارلز لنغلر ذا الـ 80 عاما الذي بكى كالطفل عند النطق بقرار إدانته، مرة اخرى تثبت ديموقراطيتنا انها أفضل من ديموقراطيتهم، حيث ان ضمائر نوابنا ولله الحمد والمنة مطهرة بالديتول ومعطرة بماء الورد، حيث يحاسبون ويستجوبون ولا يحاسبهم أحد، كما انهم سادة الفزعة والنخوة، فلا يجوز للنائب ان يدين نائبا من جماعته كحال الديموقراطيين الأميركان الذين لا نخوة ولا فزعة لديهم مع صاحبهم لنغلر، ومعلوم ان النائب المبتدئ، ناهيك عن المخضرم لدينا، لا يخطئ قط، مهما أخطأ، فكيف يحاسب ويسأل؟

ورغم إصابة ولاياتهم الشرقية بالعواصف والزوابع والفيضانات المتكررة كل عام من قبل «كاترينا» وأخواتها التي تقتل المئات وتشرد الملايين إلا ان النواب الأميركان وبجهل فاضح مقارنة بنوابنا الأفاضل لم يقترحوا «تثمين» بيوت المواطنين في تلك الولايات وإغداق الأموال عليهم وإسكانهم في الأرض الأميركية الواسعة او حتى ترك المجال لهم حتى يشتروا بيوتا لهم في المكسيك وهو ما يدل بالطبع على جهلهم و.. علمنا!

وما يزيد الطين بلّة ويثبت أن جهلهم مركب وعلم بعض نوابنا محيط، هو ان نوابهم لا يقيمون كحال نوابنا الطبيب في عمله والطيار في قراره والمهندس في حرفته والمحامي في مهنته ولا يكتفي البعض من نوابنا بمعرفة كل علوم الدنيا ـ ما شاء الله عليهم ـ بل يمتد علمهم إلى أمور الآخرة فيقومون بدور خازن النار فيتوعدون من لا ينتخبهم بالنار الموقدة ثم لا يتركون ذلك الناخب الخائف على مصيره في حاله بل يمطرونه دون رحمه برسائلهم النصية كل صباح ومساء وهو أمر لم تسمح بمثله ديموقراطيتهم الأميركية الهزيلة والمبتدئة.

آخر محطة:

(1) وبعكس أشقائهم الصغار الأميركان، تمتد حركة ورقابة مشرعينا ـ ما شاء الله عليهم ـ الى خارج قبة البرلمان فهم المضربون مع النقابات والملغون لصفة تحديث الطائرات، والصافعون بيدهم الكريمة وجنات الشباب المخالفين لقوانين «المروريات» والفاعلون في تجمعات التشاوريات والفرعيات.

(2) رغم ان الرئيس الديموقراطي الأميركي أوباما من أصول أفريقية ومتجنس حديثا ولديه كثير من الخصوم السياسيين من الحزب الآخر إلا اننا لم نسمع منهم من عاب قط في أصله وفصله أو من يهتم بعض زملائه بلون دمائهم ما يدل على ان ديموقراطيتهم خايبة ونايمة وديموقراطيتنا.. ذكية وصاحية.. ما شاء الله عليها!

سامي النصف

الرجوع عن الخطأ فضيلة!

لأسباب يصعب حصرها كثر الخطأ وندر الصح في كثير من التشريعات الصادرة من تحت قبة البرلمان والتي تمتاز بشكل متكرر بعدم مشاورة أهل الاختصاص وقصر النظر وطغيان قضايا العاطفة والدغدغة دون النظر لمصلحة الوطن والمواطنين، إضافة الى إصدار تشريعات فريدة لا مثيل لها في تاريخ الدول الأخرى الأكثر منا ذكاء وحصافة وحكمة، لذا فالأفضل لنا هذه الأيام ولأجل الكويت العودة عن تلك التشريعات المدمرة.

ثروة الكويت وبعكس دول العالم الأخرى قائمة على مورد وحيد ناضب، فكل قطرة بترول نبيعها ونحصد ثمنها لا يمكن تعويضها، لذا يفترض ان يرتكز الصرف في أعوامنا المقبلة لا على عمليات الإرضاء السياسي واستخدام ثروتنا الناضبة لحل اشكالات الإسكان والصحة والتعليم.. الخ، بدلا من صرفها على إيجاد موارد للنفط عبر إنشاء المصانع والمزارع وتنمية الثروة السمكية والتحول للمركز المالي والتجاري المستقطب للمستثمرين والسائحين قولا وعملا.

.. وأرض الكويت ليست خضراء ذات أنهر ومياه كي نبخل بها على المطورين والمستثمرين الذين لا يمكن ان يقيموا مشاريعهم في الهواء بل هي صحراء قاحلة فائدتها الوحيدة في تطويرها وجعلها مدنا خضراء دون كلفة إضافية على الدولة عبر تسليمها ـ بعد تعديل التشريعات المقيدة الخاطئة ـ للشركات المساهمة العقارية وللمطورين ودون ذلك ستستنزف ثروتنا الناضبة على بنى ومبان ومدارس ومستشفيات نصرف عليها بدلا من ان تصرف علينا، كما اننا سنورث لمن بعدنا وبسبب تشريعات مجلس الأمة رمالا متحركة يصعب على غير الزواحف العيش فيها.

كما أن على مجلس الأمة العودة عن التشريعات التي أوقفت مشاريع B.O.T منذ صدورها وهجرت الأموال الكويتية لتعمر بلدان الآخرين ومعها إعطاء الشركات العقارية والاستثمارية حق تطوير الأراضي وإنشاء المساكن وبيعها بالأقساط طويلة الأمد على الشباب وهو ما يحتاج الى إلغاء شرط تحديد مدة القروض بـ 15 عاما وهو ما ألغى نظام «المورغج» المعمول به في جميع الدول الأخرى، إن تجربة المدن الجديدة في مصر الواقعة شرق القاهرة وفي محافظة 6 أكتوبر جديرة بزيارتها ودراستها وتقليدها وإلغاء أي تشريعات تقيد وتكبل مساهمة القطاع الخاص في حل مشاكل الإسكان والتعليم والصحة.. الخ.

كررنا في أكثر من مقال ومنذ عام 2007 حقيقة الخطأ الفادح والجسيم لخطأ مسار خصخصة «الكويتية» الذي رسمه وزير المواصلات الأسبق بدعم من بعض أعضاء مجلس الأمة وقلنا ان الخصخصة في العالم أجمع المقصود منها تخفيف العبء المالي عن الدولة لا زيادة الأعباء عليها، كما ان طريق الخصخصة في جميع التطبيقات الناجحة يمر بتحديث الأساطيل والتحول الى الربحية لا بإلغاء صفقة الطائرات ومضاعفة الخسائر كما جرت العادة ان تكون شركة الطيران هي آخر ما يتم خصخصته، هذا إذا خصص أصلا في وقت دفع بـ «الكويتية» لأن تكون أولى المؤسسات التي تجرى خصخصتها رغم حاجة مشروع كويت المركز المالي لشركة طيران وطنية تحقق أهدافه الإستراتيجية كحال جميع المراكز المالية في العالم عدانا (السنغافورية، الإماراتية، القطرية، الاتحاد، العربية، الميدل إيست، المصرية، الأردنية.. الخ).

آخر محطة:

بعد إسقاط لجنة القيم في الكونغرس الأميركي عضوية النائب الديموقراطي جيمس ترافكنت بتهمة التكسب غير المشروع، بدأت هذه الأيام اللجنة التحقيق على الهواء مع نائب ولاية نيويورك الشهير شارلز رانجلر الذي يبلغ من العمر 80 عاما والذي يكمل هذه الأيام 50 عاما من العمل النيابي المتصل ومع ذلك لم يشفع له ذلك التاريخ الطويل من المحاسبة على مخالفات تتصل باستخدام الأموال العامة لخدمة حملته الانتخابية ولا تتجاوز المبالغ المتجاوز عليها أو المستفاد منها الـ 50 ألف دولار أي 14 ألف دينار، وهو مبلغ فكه أو فراطة في جيب بعض المشرعين. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

سامي النصف

بذخ واستنزاف ثروة

ما ان يعطل البلد حتى لا يبقى فيه احد، وهذه ظاهرة تحتاج الى دراسة مختصة و«معالجة»، فالكويت ليست بذلك السوء انما هناك قصور واضح في تسويق ما هو موجود ومعه بيروقراطية عقيمة تمنع من يريد استثمار ماله في تطوير القطاع السياحي عبر انشاء القرى السياحية على البحر وفي المناطق الزراعية ووجود «تشريعات حسد وحقد» مضمونها «ان اراضينا العامة نورثها صفراء قاحلة ولا نسمح لاحد بأن يطورها»، ان الخروج او النزوح الجماعي الذي نشهده يكلف الخزينة العامة مليارات الدولارات من الثروة الضائعة.

البعض يسافر دون حاجة بسبب الاستخدام السيئ لـ «الكردت كارد» والذي نلحظه حتى في الجمعيات الاستهلاكية والاسواق العامة حتى اصبح شراء «العلك» يتم بـ «الكردت» والسلف، قبل ايام استخدم مليونير صيني من هونغ كونغ بطاقته الائتمانية لدفع اجرة تاكسي اقله من المطار الى قلب «منهاتن» والمبلغ لا يزيد عادة على 60 دولارا فأساء صاحب التاكسي استخدام معلومات البطاقة وحصد ما مجموعه 880 الف دولار من حساب الثري الصيني فيما اعتبرته جريدة «النيويورك بوست» اغلى مشوار تاكسي في التاريخ.

ومن اوجه البذخ غير المفهومة حقيقة ان الكويت بلد قصير المسافات لا توجد فيه جبال ومرتفعات تبرر الحاجة لشراء سيارات ذات سرعة عالية توفر الوقت او ذات مكائن ضخمة كـ «الثمانية سلندر» وحتى «الستة سلندر» للصعود وللنزول، ومع ذلك فالكويت تحوز اعلى النسب في العالم فيما يخص الضخامة غير المبررة لمكائن السيارات التي تستنزف الكثير من الوقود المدعوم الذي لا يمكن تعويضه.

وبلدنا لا انهار ولا امطار فيه ومع ذلك فنحن الاكثر استهلاكا للمياه العذبة في العالم وكأننا بلد استوائي تنهمر عليه الامطار طوال العام، لو قمنا بايقاف هدر المياه عندما «نفرّش» اسناننا وعند اخذنا «الدوش» وكذلك عند غسل السيارات وري الزرع لاستطعنا وبسهولة مطلقة توفير ما يقارب الـ 50 أو 70% من المياه المهدرة دون داعٍ كل صباح ومساء.

آخر محطة:

سأل وزير الخارجية البريطاني انتوني ايدن عام 39 وابان مؤتمر لندن، الامير فيصل بن عبدالعزيز وزير الخارجية السعودي آنذاك عما يمكن لبلديهما ان يتبادلاه، ولم تكن السعودية قد بدأت بانتاج وتصدير النفط، فأجاب على البديهة «يمكن لنا ان نصدر لكم شمسنا ويمكن لكم ان تصدروا لنا امطاركم».

سامي النصف

من قتل أول عالم ذرة عربي؟!

كرر قبل مدة الزميل أحمد المسلماني في برنامجه الشائق «الطبعة الأولى» ما كتبه عدد من كبار الكتاب المصريين كالأستاذ عادل حمود وغيره من أن عالم الذرة المصري يحيى المشد الذي اغتيل في باريس عام 1980 لم يكن أول عالم ذرة عربي يتم اغتياله بل سبقته عالمة الذرة المصرية سميرة موسى التي توفيت في حادث سيارة بالولايات المتحدة عام 52 وتم الادعاء بأن للموساد يدا في قتلها.

والحقيقة أن سميرة موسى لم تكن عالمة ذرة بل كانت رغم تفوقها مختصة بالأشعة السينية في مستشفى القصر العيني، أما عالم الذرة المصري والعربي «الأول» والذي يحتاج الى إعادة النظر في أسباب وفاته الغامضة وهو لم يتجاوز الـ 29 من عمره فهو د.إسماعيل أحمد أدهم المولود عام 1911 من أب مصري ذي أصول تركية وأم ألمانية والذي حاز عام 1931 وهو في العشرين من عمره الدكتوراه في الفيزياء الذرية من موسكو وقام بالتدريس في جامعاتها وكان عضوا في مجمع علومها ثم مدرسا في جامعة أتاتورك التركية قبل أن يستقر في مصر منتصف الثلاثينيات ويعرفه الناس عبر العديد من مؤلفاته الأدبية والعلمية.

وفي عام 1940 بدأ جمع كبار علماء الذرة في العالم للبدء في مشروع «منهاتن» الأميركي لصنع القنبلة النووية وفي نفس العام كانت طائرات هتلر تغزو بريطانيا وقوات رومل تكتسح شمال افريقيا وتدق أبواب الاسكندرية التي هجرها أهلها وانتقل اليها بالمقابل الدكتور الشاب إسماعيل أدهم ليستقبل كما قيل الجنرال رومل حال وصوله وينتقل من هناك إلى برلين التي كان على تواصل معها للمشاركة في المشروع النووي النازي.

وفي العدد 366 من مجلة «الرسالة» المصرية الشهيرة الصادر في 8/7/1940 ينتقل د.أدهم من الكتابة الأدبية المعتادة الى مقال احتل 4 صفحات مليء بالمعادلات الفيزيائية المعقدة والمعلومات العلمية أسماه «الذرة وبناؤها الكهربائي» وقد كتبه الدكتور ـ لسوء حظه لربما ـ بالإنجليزي كذلك THE ELECTRICAL STRACTURE OF THE ATOM ذكر ضمنه أن ما وصل إليه العالم الألماني «هينزنبرغ» قد أثبته هو في معامل البحث العلمي في موسكو قبله بسنوات، وأن ما أعلنه البروفيسور الروسي «سكوبلزن» عام 1938 ينسجم مع مبادئ الفيزياء الحديثة التي أثبتها د.أدهم عام 1933.

لم يمر على ذلك المقال «القاتل» إلا أيام قليلة حتى أعلن عن وفاة د.إسماعيل أحمد أدهم غرقا على ساحل «جليم» بالاسكندرية وهو لم يبلغ 29 عاما، وقيل انه وجدت في جيبه رسالة يعلن فيها انتحاره ويطلب حرق جثته وتشريح مخه، ومعروف أن دعوى الانتحار هي أقدم وأشهر وسائل الاغتيال المخابراتي وكان الغريب أن الرسالة لم يبللها ماء البحر وهي في جيب معطفه كما أن من يريد حرق جسده وتشريح دماغه لا يلقي نفسه في البحر حيث قد تختفي الجثة أو تأكلها الأسماك وقد أعلن شقيقه د.إبراهيم أدهم أن جميع أوراق وكتب وأبحاث د.إسماعيل ومنها 3 كتب في الفيزياء والذرة قد اختفت في ظروف غامضة ولا يعرف مكانها أحد.

إن عدم تسليط الضوء على مقتل أول عالم ذرة عربي قد تكون له أسباب عدة منها أن انتحاره أو قتله قد تم قبل 5 سنوات من إلقاء القنبلة الذرية على اليابان، لذا لم يعلم أحد في مصر أهمية علوم الذرة التي كتب عنها د.أدهم، كذلك كان د.أدهم قد أصدر كتابا أسماه «لماذا أنا ملحد» فيما بعد كتب الفيلسوف البريطاني برتراند رسل كتابا بنفس العنوان – مما جعل كثيرين يرون في فاجعته وهو شاب صغير عقابا ربانيا له لا يصح النقاش حوله..

آخر محطة:

 (1) المعلومات السابقة لم يتطرق إليها أحد في مصر من قبل، لذا نرجو أن يعاد فتح ذلك الملف للحقيقة وللتاريخ.

(2) أتى في نفس عدد مجلة الرسالة الصادر عام 1940 مقال مترجم لمستشرق بريطاني تحدث فيه عن وحدة أمة العرب التي لم يبلغ عدد سكانها آنذاك 54.5 مليونا مقسمة كالآتي ولاحظ نسبة عدد سكان الكويت على سبيل المثال مقارنة مع البحرين وقطر وعمان: مصر (15 مليونا)، السعودية (5 ملايين)، العراق (3.5 ملايين)، سورية (3 ملايين)، لبنان (900 ألف)، الكويت (50 ألفا)، البحرين (120 ألفا)، قطر (150 ألفا)، عمان (500 ألف)، الأردن (300 ألف)، فلسطين (1.5 مليون).. الخ

سامي النصف

مصر حلواني.. الكويت نفساني

يقال إن مصر بناها حلواني، لذا فدم شعبها شربات، الكويت على الأرجح بناها طبيب نفساني لكثرة العقد النفسية المتفشية فيها والتي تعكس ظواهر عدة منها كثرة المشاكل في العمل وتفشي حالات الطلاق وسرعة الغضب والأزمات السياسية التي لا تنتهي.

أصدرت جمعية الأطباء النفسيين في الولايات المتحدة نتائج دراسة قامت بها الجمعية أثبتت خلالها أن الأزمة الاقتصادية زادت من تفشي الأمراض النفسية وأن النساء أكثر انفتاحا وبنسبة 28% من الرجال بالإشكالات النفسية التي يتعرضن لها مما يساعد على معالجتها، بينما يسود على الرجال ظاهرة الإنكار والمكابرة فيبقى المرض دون علاج حتى يقع الفاس بالراس.

وهناك في منطقتنا خلط واضح وفاضح بين المرض النفسي الذي يحتاج إلى علاج من قبل دكاترة مختصين يتضمن جلسات علاج هادئة وأدوية طبية مجربة، والاعتقاد بالمقابل بتلبس المريض النفسي بالجن والعفاريت التي يتم إخراجها بالتف والصراخ الهستيري واستخدام العصي التي تنتهي في بعض الأحيان بموت المريض من شدة الضرب كما حدث مؤخرا في السعودية حيث يعتقد المعالج الجاهل ـ الذي قد تكون له أساسا ميول سادية تجعله يسعد بالأذى والتعذيب ـ أن من يتلقى الضرب هو الجني وليس الضحية الجالس أمامه.

ولو أدخلت كلمة JINN على «اليوتيوب» لرأيت بعض الممارسات العجيبة لإخراج الجن من مرضى مسلمين ومسيحيين واتباع العديد من الديانات القديمة الأخرى مما يدل على ان الأمراض النفسية التي ينكرها البعض قديمة قدم التاريخ وأن تغيير الصوت والهيئة والشكل دلالة على المرض النفسي لا على العفريت اللاإنسي.

آخر محطة:

في العام 1949 عقد في لندن مؤتمر فلسطين الذي رعته الحكومة البريطانية وحضرته 3 دول عربية منها المتوكلية اليمنية التي مثلها الأمير سيف الإسلام وكان المترجم الدكتور المصري أحمد فريد الرفاعي، أتى الدور على الأمير سيف الاسلام فقال إن سبب مشكلة فلسطين هو العفاريت المسلطة عليهم، فترجمها المترجم الحصيف للغة الإنجليزية بأن سيف الإسلام يقول إن سبب الإشكال هو قلة الانفتاح والتواصل بين الأطراف المعنية، ثم أضاف سيف الإسلام أن الحل هو بالبخور وإحضار المختصين لإخراج العفاريت حتى يتصالح أهل فلسطين واليهود، فترجمها المترجم بأن حل الإشكال هو بخلق فرص عمل والاهتمام بالتعليم ومحاربة البطالة، ثم التفت المترجم الى الأمير المصري محمد عبدالمنعم طالبا منه ان يسكت سيف الإسلام كونه لا يستطيع مواصلة الترجمة الكاذبة، انتهى الإشكال بزعل سيف الإسلام وتركه لندن الى باريس، وعندما سأل مندوبو الصحافة البريطانية د.الرفاعي عن سبب غضب الأمير وتركه الاجتماع أجابهم بأن سموه يرفض أن يساوم على حقوق العرب، وصدرت الصحف الإنجليزية في اليوم التالي على صدر صفحاتها «أمير اليمن لا يقبل التفاوض في حقوق العرب» ويبقى من يسأل: كيف ضاعت فلسطين؟!

سامي النصف

تحت ظلال الدستور

كان تخوّف الآباء المؤسسين كبيرا من الزلات والهنات والثغرات في الدستور الذي يقومون بخلقه حتى ان أحدهم خاطب، حسبما أتى في المحاضر، الخبير الدستوري د.عثمان خليل عثمان قائلا له: انه وبلده (مصر) يتحملون أي مسؤولية مستقبلية عن اي ثغرات او اخطاء في الدستور بحكم اختصاص د.عثمان الخبير الدستوري الوحيد في لجنة الدستور.

وقد اعتقد الآباء جازمين ان الأبناء والأحفاد سيكملون المسيرة ويصححون اي زلات في الدستور لا ان يخدعوا بمن أعطى الدستور القدسية والعصمة الكاذبة كي يستغله ويستفيد منه ويسيء بالتبعية لآبائه المؤسسين، ان هناك امورا نعتقد ان في تطبيقها تحقيقا لرغبة الآباء العظام من مؤسسي الدستور الذي نحتفل هذه الأيام بالعام الـ 48 لبدئه، ومن تلك الأمور: ـ ادخال الدستور في المناهج المدرسية وخلق من محــاضر مجلسه التأسيسي ولجنة الدستور تمثيليات وحوارات يمثل فيها الطلاب شخصيات الآباء المؤسسين كوسيلة لفهم الدستور وتحبيب النشء فيه. ـ جعل عدد النواب ومعهم عدد الوزراء مفتوحا لمتطلبات الزيادة السكانية مع الحفاظ على النسبة الثابتة بينهم. ـ النظر في تعديل الفترة المتاحة لتشكيل الحكومة وإعداد برنامجها حيث ثبت من التجربة العملية ضرورة اطالتها. ـ خلق دورات تدريبية ملزمة للوزراء والنواب الجدد قبل ممارستهم لعملهم السياسي، فضمن متطلبات الدولة الحديثة لا مجال لمنهاج التجربة والخطأ. ـ خلق لجان قيم لمحاسبة النواب على الاثراء غير المشروع والاساءة اللفظية او العملية لسمعة المجلس (في بعض البرلمانات الأخرى يتخانق النواب الا ان هناك محاسبة لاحقة تصل الى حد الفصل من البرلمان). ـ منع عمليات تدمير الجهاز الحكومي عبر التدخل السافر في أعماله كما يحدث الآن كي تصبح الكفاءة لا الواسطة مقياس الترقي. ـ منع الجمع بين النيابة والعمل التجاري خاصة بعد ان اصبح راتب النائب يعادل راتب الوزير مع فارق كم العمل بينهما. ـ اصدار قوانين شفافية ومكافحة الفساد وتطبيق قوانين من اين لك هذا بعد ان اصبحت المجاهرة بأموال الفساد ظاهرة وعلنية دون وجل او خجل. ـ تفعيل دور المحكمة الدستورية حتى يمكن لجوء الناس لها وإسقاط اي تشريعات تخالف الدستور. ـ التقيد بضوابط الاستجواب كما أتى في حكم المحكمة الدستورية التاريخي قبل 5 اعوام كي لا يخرج الاستجواب عن الأهداف الخيرة المرسومة له.

آخر محطة:

يرى احد الزملاء ان دستور 62 كان أقل ديموقراطية من دستور 38، وان صحت تلك المقولة فقد يكون سببها الظروف المحيطة فقد كانــت الكويت تتأثر تاريخيا بما يجري بالعراق ومصر بالدرجة الأولى وبلاد الشام بالدرجة الثانية، وواضح ان في عــام 38 كانت العراق ومصر والشام رغم الاستعمار تتمتع بأنظمة شديدة الديموقراطية، اما في عام 61 فقد قضى الحلم الوطني في البلدان الثلاثة على الديموقراطية وزرع بدلا منها الديكتاتوريات العسكرية لذا يحسب للشيخ عبدالله السالم وللآباء المؤسسين أخذهم بالمسار الديموقراطي الفريد آنذاك بالمنطقة والعالم.

سامي النصف

ويل للدستور من حماته

الدستور الكويتي ليس كائنا ميتا ولد في أوائل الستينيات وقتل في منتصف التسعينيات عند بدء أول عمليات إجهاضه وإخراجه عن مقاصده الخيرة تحت شعار زائف هو «الحفاظ» عليه، وما نتج عنه من تحويله إلى بقرة مقدسة لا مثيل لها في العالم أجمع. إن ذكرى الآباء المؤسسين تستوجب منا الحفاظ على دستورهم الرائع وبث الحياة فيه عبر تفهم الحقائق التالية:

 

 أولا: من الخطأ الجسيم إعطاء القدسية للدستور وتخوين من يريد تطويره وجعله متغيرا ومواكبا لمتطلبات العصر، حاله كحال من يصر على التنقل هذه الأيام بالبغال والجمال بدلا من السيارة بحجة أن هذا ما كان يفعله الآباء الأولون.

 

ثانيا: إن ذلك التخوين يصيب الآباء المؤسسين قبل غيرهم حيث إنهم أول من طالب بتنقيح الدستور وتعديل مواده بعد مرور خمس سنوات على تطبيقه كونه لم يجرب من قبل في بلد آخر، بل فصل بأكمله في الكويت، هذا إضافة إلى مرور نصف قرن على تجربته تغيرت خلاله الأخلاق وباتت تجربتنا السياسية القدوة السيئة في المنطقة بعد أن كانت القدوة الحسنة إبان عهد الآباء المؤسسين.

 

ثالثا: التعديلات المطلوبة على الدستور قد تختلف من طرف إلى آخر، لذا يجب ألا يرفض مبدأ التعديل المحق كوننا نرفض ما تم اقتراحه أو أن لدينا إشكالا شخصيا مع مقدم التعديل، مع الانتباه لحقيقتين هامتين أولاهما أن كثيرا من التعديلات قد لا تمس على الإطلاق الحريات سلبا أو إيجابا، فما دخل الحريات على سبيل المثال بزيادة عدد النواب أو الوزراء؟ كذلك فإن الحريات التي نص عليها الدستور تتعلق بـ «الحريات العامة» للناس وللشعب وليس «الحريات الشخصية» للنائب، فخلق لجان قيم وقوانين «من أين لك هذا؟» وتعديل استحقاقات الاستجواب بعد أن أصبح أهم وسائل الإثراء غير المشروع والفساد التشريعي لا تمس الحريات العامة وأن مست الحريات الشخصية لبعض النواب ومنعتهم من التكسب الشخصي.

 

رابعا: واضح لمن يقرأ محاضر لجنة الدستور والمجلس التأسيسي أن الآباء المؤسسين لو كانوا يعلمون أن الدستور الذي وضعوه وطالبوا بتعديله بعد تجربته سينتهي بتحوله إلى نصوص مقدسة لا تمس لصاغوه بشكل مختلف تماما عن دستورنا الحالي، فلم يتشدد هذا الطرف أو ذاك إبان الصياغة لاعتقادهم أن هناك تعديلات كثيرة قادمة ستسد الثغرات وتجعله دستورا مواكبا للحياة وصالحا لكل مكان وزمان وليس مخلوقا محبوسا في حقبة بداية الستينيات.

 

خامسا: معروف أن خطائين لا يعملون صحا واحدا، فإذا كانت بعض المجالس السابقة قد زورت نتائجها أو علقت أعمالها، فالحل لا يكمن إطلاقا في مبادلة الخطأ بالخطأ والإصرار على نصوص دستورية اثبت التطبيق العملي عدم ملاءمتها وانها أصبحت تستغل للإساءة إلى الحريات العامة والشخصية وللدستور قبل غيره، حتى لم نسمع من الجيران والإخوة من يريد تجربته على بلده.

 

آخر محطة: نرجو من العم علي الرضوان سكرتير لجنة الدستور أن يكتب مذكراته عن خلفيات ما جرى آنذاك للحقيقة وللتاريخ.

 

سامي النصف

نفحات من لجنة الدستور

المذكرة التفسيرية لدستور دولة الكويت ـ التصوير العام لنظام الحكم.. العمود الفقري لهذا الدستور هو الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره، وقد اقتضى الحرص على وحدة الوطن واستقرار الحكم ..الخ، ان يكون صلب الدستور هو وحدة الوطن لا تفتيته.

سعادة وزير العدل حمود الخالد: «لماذا قيدنا الدستور بمضي خمس سنوات حتى يمكن تعديله؟!» سعادة رئيس المجلس عبداللطيف الثنيان: «المقصود ان يطبق الدستور وتبان نقاط ضعفه حتى تأتي التعديلات على ضوء التجربة العملية لا قبلها»، الآباء المؤسسون بحكمتهم يدعون لتعديل الدستور بعد مرور 5 سنوات على تطبيقه ومن يدعي أبوة الدستور دون حق هذه الأيام يكفر من يدعون لتنقيحه وتعديله ليواكب العصر بعد مرور نصف قرن على تجربته في وضع مزرٍ وفريد في العالم.

وزير الداخلية الشيخ سعد العبدالله تعقيبا على من طالب بجعل حرية الاعتقاد مقصورة على الأديان السماوية الثلاثة: من الأحسن ألا يقتصر معنى حرية المعتقد على الأديان السماوية فقد سمحت الحكومة للوثنيين الهنود بحرق جثث موتاهم فهل سيحرمون من هذا الحق؟! تقلّص مفهوم حرية المعتقد هذه الأيام حتى شمل الأديان الانسانية والسماوية الأخرى التي حرم منضووها من حق التجنس وبناء دور العبادة فهل في مثل هذه القرارات فهم لمقاصد آباء الدستور الخيرة؟

وزير العدل: «يجب ان تختار بين العمل في تجارتك أو المجيء الى المجلس، وإذا كنت تفضل تجارتك فلماذا تأتي للمجلس؟!» د.عثمان خليل «نعم قد تستغل عضوية الشركات في تعيين أعضاء مجلس الأمة في ادارتها حتى تضمن الحماية لنفسها وتستغل نفوذهم في المجلس وخارجه»، الممارسة هذه الأيام وأرواح الآباء المؤسسين تطلب تشريعا يمنع الجمع بين النيابة والتجارة بعد ان تفشت ظاهرة الإثراء غير المشروع في المجلس دون حياء أو خجل.

الخبير محسن عبدالحافظ «الحصانة لمنع خوف الأعضاء من اتخاذ السلطة اجراءات ضدهم وبالمقابل يجب ان يطمئن الشعب كذلك بتأمين عدم إساءة استخدام الحصانة الممنوحة لهم»، الحصانة تستخدم هذه الأيام لحماية نواب الشعب من دعاوى أبناء الشعب ضدهم.

د.عثمان خليل عثمان «طلب وزير الداخلية اضافة فقرة جديدة تنص على الا يجوز لعضو مجلس الأمة ان يتدخل في اعمال السلطتين القضائية والتنفيذية، وأعتقد ان ذلك شيء محق ولا مانع من اضافته حتى لا تفتح الأبواب للوساطات واستغلال النفوذ»، التدخل في اعمال السلطتين القضائية والتنفيذية اصبح من صميم العمل اليومي لبعض النواب الأشاوس.. وعفيه!

آخر محطة: وزير الداخلية «أنا لم أطالب بتشكيل الوزارة الآن من عشرين وزيرا، أنا قلت ان ظروفا مستقبلية قد تستوجب تأليف الحكومة من عشرين وزيرا لذا فليكن التحديد بهذا الرقم»، هذه الأيام هناك حاجة لـ 60 وزيرا ويا الله يلحقوا على الطلبات والواسطات والاستجوابات!