سامي النصف

قوانين نيوتن السياسية

حديث القيادة السياسية عن ضرورة الحرص على ان يكمل مجلس الأمة مدته أمر طبيعي ومنطقي، فالدستور ينص على ان مدة المجالس اربع سنوات كاملة خاصة ان هناك كلفة كبيرة على المال العام عند كل حل تتمثل في توقف اعمال الدولة انتظارا لنتائج الانتخابات ودخول وجوه جديدة تحتاج الى الخبرة والتجربة، اضافة الى الرواتب التقاعدية المجزية وغير المسبوقة في العالم أجمع التي تمنح لمن لا ينجح في تلك الانتخابات من النواب دون النظر لسنوات الخدمة! للتذكير.. نصوص الدستور المتباكى عليها أناطت كذلك حل البرلمان بيد سمو الأمير لا بيد من يرغب من أعضائه.

لكل فعل رد فعل، وما نراه هذه الأيام من تأجيج وتحريض وفوضى بهدف حل مجلس الأمة يفتح أمام المؤرخين والشباب الكويتي الغض أبواب إعادة النظر فيما حدث عامي 76 و86 وهل كان الحل الذي تم آنذاك فعلا بذاته ام «رد فعل» لأعمال من ساسة ونواب تمادوا في الخطأ ودفعوا البلاد الى حافة الهاوية فأتى القرار لمنع سقوط البلاد فيها؟

فلو رأيت شخصيا شخصا يدفع شخصا آخر أمامك فحكمك على الظاهر يقتضي ان تخطّئ من قام بالدفع، اما لو تمعنت بالصورة ووجدت ان الشخص المدفوع هو من تعدى وقام بالدوس برجله الثقيلة على قدم الأول مما خلق حالة فعل خاطئ استوجب ردة الفعل تلك لتصحيح ذلك الوضع غير المحتمل، لتغير بالتبعية تقييمك للأوضاع تماما.

ان على المؤرخين الجادين والمتابعين السياسيين غير المؤدلجين ان يعودوا لوقائع وأحداث وصحف تلك الحقب يوما بيوم لمعرفة هل استيقظ المسؤول في الدولة ذات صباح ولم يجد ما يفعله فقرر حل المجالس النيابية وتعليق بعض مواد الدستور ام ان الأمر أتى بعد تكرار ارتكاب الأخطاء الكبرى والتحذير المتكرر بقصد وقفها حتى لا يتم اللجوء «للكي» وما يلحقه من لوم من دفع لا من داس على القدم.

ان التاريخ يعيد نفسه هذه الأيام ومن قبل نفس الأشخاص الذين قال عنهم الزميل العزيز فيصل الزامل في مقاله قبل أيام ان عدم محاسبتهم على ما فعلوه في عام الغزو وما قبله جعلهم يكررونه بعد الغزو وفي أحداثنا الحاضرة دون ان يسأل احد عن دوافعهم «الحقيقية» لتلك الأفعال التي تهدف لاستجلاب ردود الأفعال.. غير الدستورية!

وقد أصبحنا في الكويت وبحق «بلد شهادات» اي بلد لا يعتمد على الثقافة العامة والاحتراف المهني والتحصيل المعرفي بل يعتمد على الحصول على الشهادات وتطريز الأسماء بها دون مضمون، والا كيف نفسر عدم معرفة من يحمل شهادة المحاماة أن إلقاء التهم جزافا ودون إثبات يعرّض الانسان للمساءلة القانونية والأمر كذلك مع من يحملون الشهادات العليا في القانون وعدم معرفتهم بأبسط مسؤوليات الإنسان فيما يخص تحمله تبعة ما يتلفظ به من أقوال بالعلن، فماذا تركوا للكاتب غير المختص بالقانون والإنسان العادي البسيط؟!

آخر محطة:

عودة الوعي أخيـــرا، للمعلومة العم الفاضل جاسم القطامي لم يولد بالأمس حتى يكتشف اليوم، والنائبة الفاضلة د.أسيل العوضي لم يجف حبر من قال فيها ما لم يقله مالك في الخمر. الحمد لله على السلامة ومبروك الاكتشاف المذهل!

سامي النصف

من رأى منكراً.. فليسكت!

يلقي القادة والساسة في كل البلدان خطبهم التي تتضمن أوامر وإرشادات وقرارات شفاهةً ولا يرفض أحد تنفيذها كفتاوى بعض جهابذتنا كونها لم تصدر كقرارات من دواوينهم الملكية أو الأميرية أو الجمهورية، إن حجة الديوان الأميري التي طرحها البعض هي حجة عليه لا له، فلو ان تصريح رئيس مجلس الأمة افتقد الدقة لصححه الديوان الأميري على الفور، لذا فإن صمت الديوان دلالة على دقة النقل ومن ثم يصبح ما صدر أمرا نافذا من «أبو السلطات».

أصبحت مقاعد مجلس الأمة الخضراء وغنائمها الضخمة من جمع رواتب وظيفية ورواتب تقاعدية وحصانة برلمانية ومكاسبها الأخرى مطمحا ومطمعا تتساقط أمامه القيم الأخلاقية والحصافة الإنسانية والشهادات الأكاديمية والحفاظ على الوحدة الوطنية فكل الأمور مقبولة بما في ذلك الشتائم اللفظية لادعاء البطولات الفارغة ودغدغة المشاعر لدى البسطاء للوصول في النهاية للكراسي الخضراء.

وقد سمعت ما طرحه بالعلن بعض الأكاديميين في ندوة «إلا الدستور» الأخيرة وصعقت وخجلت بحقٍ مما قيل، فهل يعقل ان يسمي من يفترض ان يكون أكاديميا محترما مخالفيه في الرأي بـ «الكلاب من أهل الكويت»، وهو للعلم تكرار لما قال به مرشح سابق ونائب لاحق في إحدى ندواته الانتخابية من وصف حضوره بـ «الأسود» وأبناء بعض المناطق الأخرى بـ «الكلاب» أجلّكم الله؟! وهل يجوز لمن يفترض ان يكون مختصا بالقانون أن يحرض العامة على مخالفة القانون حصننا جميعا بدلا من الحرص على التقيد به لمنع المساءلة القضائية؟! أمر يحدث فقط في الكويت دون البلدان..!

وتمتلئ السجون بأصحاب الأفعال الشائنة والخاطئة ولا يحسب من قام بها على عائلاتهم أو قبائلهم أو طوائفهم، فالجريمة فردية ومسؤول عنها من يرتكبها، هذا الأمر المنطقي والبديهي يحاول بعض المحرضين والمؤججين إخفاءه عبر الادعاء الزائف أن محاسبة من يدعو للفوضى والعصيان والفلتان بالبلد ويخطئ بحق الآخرين هي محاسبة لقبيلته الكريمة، فأين دعاوى الحفاظ على الدستور من مثل هذه الأقاويل المسيئة؟ وأين الحفاظ على الدستور من الطعن في النيابة العامة ومرفق القضاء الشامخ؟!

آخر محطة:

(1) بنظرة سريعة على أحد محاور الاستجواب القادم نعجب من لوم الحكومة التي حضرت الجلسات الـ 3 المختصة بمناقشة رفع الحصانة عن احد النواب الأفاضل وعدم لوم زملائهم الآخرين ممن تسبب تخلفهم لأسباب يرونها صائبة في عدم اكتمال النصاب، اي اذا كان غياب تلك الجلسات جريمة ـ وهو غير ذلك ـ فلماذا يحاسب من حضر ولا يحاسب من غاب من زملائهم؟!

(2) سؤال يطرح كل يوم: من يقف خلف الأزمات المتلاحقة التي تسببت في عزلنا وتخلفنا وتدمير مؤسساتنا وهجرة أموالنا؟! الجواب اثنان ـ كما يرى متابعون ومراقبون ـ أولهما أطراف تدعي الوطنية والمعارضة، الا انها تخدم أجندات خارجية مدفوعة الأثمان تهدف الى تحويلنا لساحة صراع أخرى تضرب بها الرقاب وينعدم بها الأمن وتهجر خلالها الناس على الهوية، والثاني: أتباع طيبون يتم دغدغة مشاعرهم وتحريضهم وطلب «فزعتهم» عبر دعاوى حق يراد بها باطل.

(3) يريد البعض في سبيل مخططه التدميري ان يقمع الناس باسم الدستور والديموقراطية وان يفرض عليهم السكوت عند رؤية منكره وألا يتم تخوينه وطنيا، وللحديث بقية.

سامي النصف

إلا العبث بالدستور

بدأ العبث بالدستور عندما أوشكنا على تأليه النائب وجعله بمنزلة من لا يسأل عن أعماله قط.

وبدأ العبث بالدستور عبر الرفض المتكرر لإنشاء لجنة قيم، كحال جميع الديموقراطيات الأخرى، تحاسب وتعاقب مخالفي القوانين من النواب، وهم من يفترض قسمهم وأبجديات عملهم أن يكونوا على رأس حماته.

وبدأ العبث بالدستور عندما استخدم كوسيلة للتأجيج والتحريض وترك العمل تحت قبة البرلمان للتجمع خارجه.

وبدأ العبث بالدستور عندما خالفنا نصوصه وتوصيات آبائه المؤسسين ورفضنا تعديله وتطويره ليواكب متغيرات العصر فأوشكنا على قتله بحجة حمايته.

وبدأ العبث بالدستور عندما جعلناه وسيلة لتدمير الهيكلية الوظيفية العامة للدولة، عندما ترك النائب كرسي التشريع والرقابة واستبدل به كرسي الوساطة والمحسوبية.

بدأ العبث بالدستور عندما دمرنا الأسرار الوظيفية الواجبة عبر عقد يقوم بين النائب والموظف على مبدأ «سرب لي وأرقيك»، فأصبحت الوزارات والمؤسسات والشركات الحكومية أقرب لبيوت الزجاج التي يرى المارون عورات أهلها مكشوفة.

والعبث بالدستور بدأ عندما خلقت علاقة مصلحية بين بعض النواب وبعض العاملين في الأجهزة الرقابية بالدولة، فيسلط النائب الجهاز الرقابي على هذا الوزير الذي لا يحبه أو ذاك المسؤول الذي لا يريده فـ «يطيره» ويحصد الموظف في المقابل المكاسب والترقيات.

والعبث بالدستور بدأ عندما تمت مخالفة مواده الصريحة التي تدعو لعدم التفريق بين الناس بسبب معتقدهم (المادة 29) فتم حرمان المسيحي وغيره من أصحاب الديانات الأخرى من حق الحصول على حق المواطنة حتى لو بقي هو وأحفاده ألف عام أو يزيد.

والعبث بالدستور بدأ عندما سن البعض تشريعات ما أنزل الله بها من سلطان، ولم تشهد لها البشرية مثيلا في تاريخها يقصد منها الدغدغة وإعادة انتخاب النائب على حساب إفلاس الدولة وتدمير مستقبل أجيالها المقبلة.

والعبث بالدستور بدأ عندما أصبح وسيلة للاثراء الفاحش غير المشروع «وعلى عينك يا تاجر».

والعبث بالدستور بدأ عندما بدأت عمليات محاسبة المسؤولين على الهوية لا على القضية، فمن نوده، وكما حدث، لا يحاسب حتى لو سرق ميزانية وزارته في شنط كبيرة، ومن نستقصده إن لم نجد مأخذا عليه نحاسبه على ثقب الأوزون.

والعبث بالدستور بدأ عندما قامت علاقة انتهازية غير صحية بين بعض رجال السلطة الثانية وبعض رجال السلطة الرابعة.

والعبث بالدستور بدأ عندما تم القفز على مبدأ فصل السلطات الذي هو أحد أهم مواد وأعمدة الدستور.

والعبث بالدستور الذي تنص مواده على احترام القوانين والمساواة بين المواطنين بدأ عندما قبل بعض النواب أن يكون وصولهم الى المجلس عبر انتخابات فرعية محرمة شرعا ومجرّمة قانونا.

والعبث بالدستور بدأ عندما جعلناه، وبعد نصف قرن من مولده، هزيلا خائفا وكأنه لا يزال في الصف الأول حضانة ديموقراطية.

آخر محطة:

 (1) أحد مظاهر العبث بالدستور جعله وسيلة للأزمات المتلاحقة التي تعصف بالبلد.

(2) أحد مظاهر العبث بالدستور تحويله من التجربة القدوة في المنطقة الى القدوة السيئة.

(3) أحد مظاهر العبث بالدستور تخصيص 20 سكرتيرا للنائب الكويتي، بهذا المقياس: كم سكرتيرا يحتاج النائب الصيني؟!

سامي النصف

إلا التدمير

لم تحترق لبنان وتدخل في حرب اهلية دامت 17 عاما الا بعد ان ضربت هيبة الدولة ومنع الجيش وقوى الأمن من النزول الى الشارع لفرض الأمن، كما لم يبدأ القتل والتدمير في العراق الا بعد ان حل الجيش وضاعت هيبة الدولة، فهل هذا المطلوب عمله في الكويت كي تسيل الدماء انهارا؟!

ومن يحاول ترويج مبادئ التأجيج وبث الفوضى في البلاد هذه الايام سبق له الاضرار بالبلاد والعباد تحت دعاوى جميلة مدغدغة واحلام ليلية وردية تنتهي بنا بكوابيس نهارية مرعبة، فتجمعات الدواوين التي يراد لنا العودة السريعة لها لم تأت لنا بالديموقراطية آنذاك بل جلبت لنا جيش صدام، فهل هذا هو مطلب ومراد الشعب الكويتي؟!

وسافرت قبل مدة في جولة اعلامية استخدمت خلالها شركة الطيران المصرية للقاهرة ثم اللبنانية لبيروت والاردنية لعمان والكويت وفي جميع تلك الشركات الحكومية المدرجة على قائمة الخصخصة وجدت احدث انواع الطائرات واكثرها امنا وافضلها خدمة، فلم يقم احد لديهم بمثل ما قامت به جماعتنا من الغاء صفقة تحديث الطائرات بحجة الخصخصة المتباكى عليها متناسين ان الطائرات تشترى بالاقساط التي تدفع من مداخيلها وارباحها ومن سيشتري الشركة في حال خصخصتها سيتحمل تلك الاقساط فهل يريد من دمر «الكويتية» وجعلها أثرا بعد عين ان يدمر الكويت كذلك باجتهاداته الخاطئة؟!

وفي القاهرة دعاني الاصدقاء لجلسة جميلة في احدى فلل «مدينة الورود» بمحافظة 6 اكتوبر، وفي مقابلها قارب اكبر مول في الشرق الاوسط والمسمى بـ «ارابيا مول» على الانتهاء وفي ارجاء مصر آلاف المشاريع المماثلة التي قامت على معطى تسهيل الدولة حصول الشركات العقارية والمطورين على الاراضي العامة عبر انظمة عدة منها الـ «B.O.T» في وقت تم فيه قتل مشاريعنا الخاصة وخنق مشاريع السكن الاهلية بسبب قوانين اصدرها نفس التوجه السياسي، فهل نصدق اجتهادهم الخاطئ الآخر الذي قتل التنمية في بلدنا ام نصدق ما تراه اعيننا في البلدان الاخرى من جنات خلقتها المليارات الكويتية التي هاجرت إليهم بسبب التشريعات القاتلة التي صدرت؟!

وضمن متابعتنا السياسية للديموقراطيات الاخرى التي دفعت بلدانهم الى التوجه سريعا للأمام في وقت تسببت تجربتنا الديموقراطية في التحرك سريعا الى الخلف وجدت فروق عدة تسبب فيها بعض اخطاء مجتهدينا، منها: 1 – تعديلهم وتطويرهم الدائم لدساتيرهم، 2 – وجود لجان قيم تحاسب وتعاقب النواب ولا تجعلهم فوق المحاسبة، 3 – استجواباتهم تتم في دقائق على القضية وتصيب المخطئين من المسؤولين بينما تصيب استجواباتنا التي تقوم على الهوية المصلحين منهم، 4 – استجواباتهم هادئة لا يعلم بها احد واستجواباتنا اقرب لعروض سيرك في يوم عيد، فهل عقلاء الديموقراطيات الاخرى على خطأ، رغم الانجاز، واجتهادات حكماء ديموقراطيتنا على صواب رغم الاخفاق؟!

آخر محطة:

واضح من الامثلة السابقة أنه ليس كل مجتهد مصيبا، واننا بحاجة للتواضع قليلا والاعتراف بالخطأ، فليس من العدل ان نحرق وطننا ونحيل امننا الى خوف ليثبت لنا مرة اخرى خطأ مسارنا هذه الايام.

سامي النصف

إلا التحريض والتأجيج والفوضى

عندما تكون على قمة جبل المسؤولية سترى بالقطع ما لا يراه الجالسون على السفح، لذا فقد كان تحذير والد الجميع وأبي السلطات صاحب السمو الأمير، المحذِّر من خروج الامور عن حدودها الطبيعية وتوجه البلاد بالتبعية الى ما لا تحمد عقباه، امرا ساميا واجب النفاذ من الشعب الكويتي وممثليه في مجلس الامة ممن اقسموا حسب المادة 91 على الاخلاص للوطن ولــ«الامير» ولـ«الدستور» و«قوانين الدولة».

ان عمليات التجمع والتجمهر لا تتم حتى في اكثر دول العالم تقدما وتمرسا بالديموقراطية والحرية دون اذن وموافقة السلطات المختصة، كما يحدد لتلك التجمعات السياسية ما يسمى بـ «Picket Line» اي خطوط واماكن ومسارات محددة يمنع منعا باتا الخروج عنها، ومن يخرج يتم التعامل معه بالقوة لاعادته ضمن تلك الخطوط كي لا تحدث الفوضى ويعم العنف وتتصادم الجموع ويهدر الدم وتدخل البلدان المعنية في دوامة الدمار والخراب والحروب الاهلية كما حدث في كثير من دول المنطقة.

لقد كشف مؤتمر قياديي وزارة الداخلية ان الفرص قد اعطيت لحل الاشكال عبر الالتزام بالقوانين التي يفترض بالنواب ان يكونوا احرص الناس على التقيد بها الا ان هناك من حاول التحايل والمراوغة فاضطر رجال الأمن للقيام بما لابد منه وقد اتضح ان رجال الداخلية لم يدخلوا المنزل المعني ومن ثم فالاصابات قد حدثت في الاماكن الممنوعة التي يفترض ان يتفاداها النواب والمواطنون.

ولا شك أنه لا أحد يرضى بأن يتعرض مواطن او نائب للضرب او اعمال عنف مادام قد تقيد بالانظمة والقوانين المرعية، الا انه من غير المقبول جعل النائب في مكانة اعلى من المواطن عبر الايحاء بأن التعدي يصبح مقبولا على المواطن ولكنه غير مقبول على النائب بسبب حصانته النيابية، وفي هذا السياق صدر قبل مدة قصيرة كتاب للقاضي الدولي د.فؤاد عبدالمنعم رياض الذي شارك في المحاكمات الدولية لمجرمي صربيا ويقول ضمنه في صفحة 59 وما بعدها عن الحصانة البرلمانية: «ان الحصانة وجدت لتمكين النائب من اداء وظيفته الاساسية ومن ثم فإنها لا تمتد الى افعال يجرمها القانون اذ ان ارتكاب مثل هذه الافعال لا يمكن ان يدخل ضمن اعمال وظيفته ومن ثم فالحصانة البرلمانية او الوظيفية هي لحماية الوظيفة وليس حماية الشخص ذاته من ان تصل اليه يد العدالة»، لقد حفظ بعض النواب كرامتهم وكرامتنا كمواطنين قبلهم عندما تركوا المكان دون إشكال او ضجة، وكان يفترض بالجميع القيام بنفس العمل فالقانون ملزم للكل وليس للبعض.

ان الديوانية الكويتية بشكلها التقليدي والتاريخي الذي يعرفه الجميع خلقت لـ«جمع» الناس ولمّ الشمل لا للتفريق بينهم، وللمصالحة بين من يدب الخلاف بينهم لا للتعدي عليهم، ولم يعرف عن الدواوين الكويتية انها مكان للثورات وملجأ للخارجين على النظام والقانون كحال الجبال والكهوف لدى بعض الامم الاخرى.

آخر محطة:

 1 – احترام وتوقير الامر السامي يوجب كذلك توقف التراشق اللفظي بين النواب وتحريض اتباعهم بعضهم على بعض.

2 – مخجل ومدمر ما نشر على بعض المنتديات الالكترونية من دعوات محرضة تدعو للفزعة الجاهلية متناسية أن رجال الأمن هم من كل شرائح المجتمع الكويتي وان الاسرة الحاكمة تنتمي لنفس اسرة النائب، الارجح ان المحرضين هم من شياطين الخارج ممن لا يعلمون عن المجتمع الكويتي شيئا.

سامي النصف

الفرحة الكويتية والاستضافة القطرية

المنحة السخية من سمو الأمير المفدى لأبنائه اللاعبين، والتبرعات التي تنهال من رجال الأعمال الأفاضل والشركات التجارية لفريقنا الفائز بدورة الخليج، والاستقبال الشعبي الرائع لا يقصد منها فقط المكافأة على تلك البطولة بل أن تصبح دافعا قويا للفوز بالبطولات القارية والدولية القادمة.

وإن كان من نصيحة أخوية نقدمها للاتحاد الكويتي لكرة القدم فهي استغلال المناسبة السعيدة للبدء في القيام بمبادرات ودية تجاه مخالفيهم في الرأي، فالمرحلة القادمة تحتاج إلى تضافر الجهود لا تشتتها والتركيز على الخارج لرفع الحظر وحصد البطولات لا الانشغال بالداخل في صراع لا ينتهي مع الأشقاء، فالفوز لنا جميعا والخسارة علينا جميعا، لا فرق بين هذا الطرف أو ذاك.

وبودنا من لاعبينا أن يحافظوا على لياقة بدنية عالية وروح قتالية متحفزة طوال المباراة كحال اللاعبين المحترفين في الدول المتقدمة الذين تشعر مع نهاية الـ 90 أو الـ 120 دقيقة وكأنهم يسخنون للبدء في المباراة لا في نهايتها، فلا تخاذل ولا تكاسل ولا تساقط على أرض المباراة أمام الجمهور ما يدل على ضعف اللياقة.

ومع تقديرنا الكبير لما عمله المدرب الصربي الشاب للفريق، بودنا أن يستعين الاتحاد بمدرب أوروبي عالمي يعمل معه مدربنا ويتعلم منه، حيث سنلاقي في المرحلة القادمة فرقا آسيوية ودولية تمتلك أفضل المدربين العالميين، والمباريات في نهاية الأمر ليست لاعبين فقط بل يضاف إليهم خطط وتكتيكات وعمليات تغيير ماهرة ومدروسة تؤدي إلى الفوز.

وبودنا كذلك أن يتعلم فريقنا الوطني لكرة القدم أن يستمتع كحال الفرق المحترفة باللعب، وأن يمتع الجماهير الحاضرة وأن يتوقف عن النهج الكويتي المعتاد الذي خسرنا بسببه عشرات البطولات ومئات المباريات، ونعني بذلك التحول بعد الدقيقة الأولى لإحراز الهدف الى التساقط الكاذب وإضاعة الوقت وتشتيت الكرة مما يؤدي إلى إفساد المباراة والانتهاء عادة بالهزيمة التي تسعد الجمهور المحبط الحاضر.

وبودنا من إدارة الاتحاد – أي إدارة.. حالية أو مستقبلية – أن تبتعد كليا عن التدخل في الأمور الفنية للفريق، فالمدربون العالميون المحترفون لا يقبلون بمثل هذا التدخل ولن نحصل على أحد منهم إذا ما استمر ذلك الحال، كما بودنا أن نقلل أو نوقف التصرفات الإعلامية التي تسبق البطولات وأن نحصرها «فيما بعدها» وخاصة بعد الفوز بها، فالتصريحات السابقة للبطولات قد تستفز الفرق الأخرى فيما لو زكينا فريقنا، وقد تحبط الروح المعنوية لفريقنا فيما لو زكينا أحد الفرق الأخرى، وما أجمل التصريحات التي تبدأ بعد حصد البطولات ومثلها الصمت قبلها.

آخر محطة:

أمران سيوفران الكثير من الجهد والمال على الشقيقة قطر إبان إقامتها مونديال 2022، وهما:

(1) الإصرار على مبدأ إقامة البطولات في أشهر الطقس الملائمة للدول المستضيفة، فكثير من دول العالم إما حارة أو ممطرة أو شديدة البرودة صيفا (جنوب الكرة الأرضية) ولا إشكال هذه الأيام في قلة الحضور كحال بدايات المونديال في الثلاثينيات بل بكثرتهم والنقل الفضائي يتكفل بالباقي.

(2) إقامة الفنادق والشقق الفندقية لاستضافة الملايين من المشاهدين تعني بقاءها خالية بعد انتهاء البطولة، وقد يكون مناسبا إشراك دولة الإمارات ونعني دبي بالتحديد وأبوظبي في استضافة جزء من تصفيات البطولة لوفرة الفنادق والشقق الفندقية بها والحياة الاجتماعية المفتوحة، وهو أحد مطالب الفيفا، ولقدرة شركات طيران الإماراتية والاتحاد والعربية على المساهمة في نقل الملايين، إضافة إلى سهولة التنقل من الإمارات إلى قطر بالجو والبر والبحر والسكك الحديدية المنتظرة.

سامي النصف

هل هي مشاريع لوردات حرب؟!

لا تمنع القوانين المرعية أحدا من حضور الندوات العامة التي تعقد، إلا ان الحصافة كانت تقتضي ان يبتعد السيد محمد جويهل عن ندوة يعقدها الخصوم، فالوعي السياسي في البلد لم يصل الى حدوده الدنيا، هذا الحضور لا يبرر على الإطلاق الاعتداء الذي تعرض له والذي أوصله للعناية المركزة وتعريض حياته للخطر.

ولا يمكن تصور أو قبول وبعد نصف قرن من العمل الديموقراطي الذي من أسسه احترام الرأي والرأي الآخر واللجوء لمبدأ «اللاعنف» والحوار والاحتكام للقضاء لحل الإشكالات التي تقوم بين الناس، ان يحدث ما حدث، فمع رفضنا الذي كررناه في أكثر من مقال لطرح السيد جويهل، إلا ان الواقع يظهر بشكل جلي ان هناك الكثيرين ومنهم مرشحون وأعضاء حاليون في مجلس الأمة، لا يختلف طرحهم عن طرحه سواء في الاتجاه نفسه أو في الاتجاه المضاد.

فهل سيسمح مستقبلا بأن يتعرض من نعترض على رأيه للاعتداء على رأسه لإظهار استنكارنا لما يحتويه رأسه من أفكار؟! ان ما حدث هو نتيجة طبيعية لعمليات التحريض والتأجيج المستمرة بين شرائح المجتمع الكويتي وطوائفه التي تسمم الأجواء العامة وتؤدي الى الفتن، والواجب على أعضاء مجلس الأمة إصدار تشريع يجرم ويغرم ويسجن الداعين قولا أو عملا لـ «جرائم الكراهية» أيا كان نوعها، ولو صدر مثل ذلك القانون لمنع وأوقف على الفور كثيرا مما نراه من مساس بالوحدة الوطنية وتجريح مؤسف للآخرين دون رادع أو عقاب.

ان وشائج الود والحب والقربى التي تربط الشعب الكويتي، والتي عشنا في ظلها قرونا عدة، تمزق كل صباح ومساء بتخندقات ما أنزل الله بها من سلطان كمسميات البدو والحضر والسنة والشيعة والدماء الحمراء والدماء الزرقاء والأغنياء والفقراء والتجار والموظفين وغيرها من مصطلحات وكلمات لم تحل في بلد إلا حلت الفرقة والتناحر والخراب في ربوعه.

إننا بحاجة لعقد اجتماعي بين شرائح المجتمع الكويتي، وسياسي بين كتله لا يأتي بجديد بل يجدد ما عشنا في كنفه منذ بدء خلق كيان الدولة، ننصرف ونبتعد من خلال ذلك العقد عن تحريض الناس على الناس والتفريق بينهم واللجوء للشارع عند كل تباين في وجهات النظر، فالمتربصون بالبلد كثيرون وما نفعله بأنفسنا ـ بغفلة أو دونها ـ يفوق كثيرا ما يدبره لنا أسوأ أعدائنا، وكفى تحريضا، فقد سالت الدماء، وقانا الله شرور مثل تلك الدماء مستقبلا، فلن تسلم الجرة في كل مرة.

آخر محطة:

(1) رفضنا الاعتداء على السيد جويهل يتوازى مع رفضنا ما نسب إليه من فعل ـ ان صدقت بعض الروايات ـ فنواب الأمة هم اختيار الشعب ويستحقون الاحترام الواجب، وكان واجبا في هذا السياق ان تبادر الجهة المنظمة برد الاعتداء عليه حتى لا تتفاقم القضية.

(2) في الديموقراطيات المتقدمة، لا يعقد اجتماع عام أو تجمع شعبي إلا بعد إخطار الوزارة المعنية كي يتم توفير رجال الأمن لمنع الشغب وحماية الأرواح.

(3) نرجو ألا يكون فيما نرى ونسمع، مشاريع صناعة «لوردات حرب» تثري جيوبها وتزدهر أعمالها على حساب دماء مواطنيها وخراب أوطانها.

سامي النصف

حوبة الكويت

الأعمام والاخوة عبدالعزيز العدساني وصالح الفضالة وبرجس حمود البرجس وأحمد باقر هم شخصيات وطنية لا تجامل في قول الحق وقد وفقت الدولة بوضعهم في الأماكن المناسبة لهم، ونرجوا استكمال مثل تلك الخيارات الموفقة طبقا لمبدأ «الرجل المناسب في المكان المناسب».

الوزير هلال الساير ومدير العلاج بالخارج د.محمد المشعان وكبار رجال وزارة الصحة يستحقون التهنئة لمحافظتهم على أموال الكويت العامة المهدورة سابقا على الرحلات السياحية المسماة بالعلاج في الخارج، كما يستحق الوزير فاضل صفر ومدير عام البلدية م.أحمد الصبيح تهنئة مماثلة لحفاظهم على صحة المواطنين التي استبيحت لدهر من الزمن، ولتصبغ حمرة الخجل وجنات من ينتقدون من يواصل الليل بالنهار للحفاظ على صحة وأموال المواطنين.

تحسرنا في مقال سابق على عدم تجنيس الكويت لشخصيات مبدعة أمثال الشاعر الكبير خلف هذال العتيبي وسليمان الفليح ومحمد الرطيان وفهد عافت وغيرهم وذكرنا ان من غير الإنصاف ألا نجنس أحدا أونجنس الجميع اي من يستحق ومن لا يستحق، هذه الأيام يستحق اللاعب المبدع فهد العنزي الذي خدم والده في الجيش 40 عاما الجنسية الكويتية، كما يستحق لفتة كريمة تبقيهم في منزلهم لمدة طويلة كي يحظوا بالأمان الدافع للإبداع.

لا تهدف الديموقراطية لأن يسود لون او لونان فقط على الحياة السياسية في الدول بسبب الكثرة العددية لهذا اللون او اللونين، الديموقراطية في صلبها هي رفع الظلم والقهر عن جميع شرائح المجتمع عبر إيجاد تمثيل عادل لها في البرلمانات التي تمثل الشعب ومن ذلك وجدنا في الانتخابات المصرية الاخيرة نظام الكوتة وإغلاق بعض الدوائر على النساء، كذلك وجدنا تباينا في عدد أصوات الناخبين المسجلين في المحافظة الواحدة او بين المحافظات دون ان يدعو احد لنظام الدائرة الواحدة غير المعمول به في العالم.

فعلى سبيل المثال وضمن محافظة القاهرة نجد ان عدد ناخبي الدائرة الاولى قسم شرطة الساحل هم 15800 ناخب وأحد فائزيها هو المستقل سعيد بكر بـ 1490 صوتا بينما بلغ عدد ناخبي الدائرة الأولى قسم شرطة مدينة نصر 1910541 وأحد فائزيها زينب رضوان بـ 108032، ويبلغ عدد ناخبي احدى دوائر محافظة سوهاج 491563 مقابل 22 ألفا لمحافظة البحر الأحمر و30 ألفا لمحافظة جنوب سيناء وهو امر قائم في اغلب الدول اذا لم نقل جميعها مثل اميركا وبريطانييا ولبنان والأردن دون ان يروج احد من نوابهم الأشاوس لشعور كاذب بالظلم كما يحدث لدينا، ما يؤدي إلى تفتيت الشعب وضرب وحدته الوطنية وجعله عرضة لأمراض السكر والضغط والقلب.

آخر محطة:

سقط المرشح المخادع مصطفى بكري في الانتخابات الاخيرة بعد ان فضحه بيان «تجمع الصحافيين الشرفاء من أهالي حلوان» الذي أظهر كيف ان ارتزاقه وبيع ذمته للخارج قد حوله من أصحاب الملاليم الى صاحب ملايين.. حوبة الكويت وعقبال بعض من لدينا.

سامي النصف

قليلا من الحياء يا مؤزمون!

المباركة القلبية لدولة قطر الشقيقة على ثقة العالم بها وفوزها غير المسبوق باستضافة كأس العالم، حيث تعتبر أصغر دولة في التاريخ تستضيف المونديال وهو ما يمنح كثيرا من الدول الصغيرة الأمل في استضافة تلك البطولة العالمية الهامة.

وقد سبق لقطر ان بهرت العالم إبان اقامة مسابقات الآسياد في الدوحة مما عزز فرص فوزها أمام المنافسين الآخرين وعلى رأسهم الولايات المتحدة التي لم تتقبل الخسارة بروح رياضية كما يفترض واحتجت دون داع على ذلك الانجاز القطري الكبير، وتعلم الشقيقة قطر ان الكويت وكل شقيقاتها الخليجيات يضعون مواردهم وخبرتهم لدعم قطر وإنجاح البطولة التي ستقام على أرضها.

والشيء بالشيء يذكر، ألا يخجل بعض مؤزمينا الدائمين من خلق المشاكل والأزمات السياسية المتتالية التي تشغل البلد عن التفرغ للانجاز، فما نلحظه بحسرة هو انتقالنا من أزمة الى أخرى دون ان يفهم أحد سبب تلك المشاكل التي يشتكي منها ـ يا للعجب ـ من يفتعلها؟!

فاللجوء للمحاكم على سبيل المثال هو حق أصيل كفله الدستور للجميع دون استثناء، كما ان احترام الأحكام القضائية أمر واجب على الجميع في الدول الدستورية، وفي هذا السياق فإنه قد ساد في الحياة السياسية الكويتية فهم خاطئ يتلخص في ان النجاح في الانتخابات النيابية لا يقوم على الطرح العاقل والمتفائل الذي يقدم الحلول للمشاكل التي تعاني منها الدولة والمواطنون، بل يتم النجاح لمن يزايد في شتم حكومة لم تتشكل بعد! وقد يكون فيما حدث درس بليغ للمدغدغين والمتلاعبين بمشاعر البسطاء حيث سيدفع الثمن مستقبلا من ينتهج ذلك المسار الخاطئ ومن ثم سنرى تسابقا على الطرح الايجابي المفيد.

وقد ذكرنا مرارا وتكرارا ان حسن النوايا هو السبيل الأمثل للعلاقة الصحية بين السلطتين، وان من يتقصد خلق المشاكل عبر محاكمة النوايا وتتبع السقطات والهفوات عليه ان يتقبل المعاملة بالمثل عبر لجوء الطرف الآخر كذلك لتحقيق أهدافه عبر التكتيكات السياسية المشروعة، وألا يجزع من أداة اعتاد هو تكرار استخدامها.

آخر محطة:

نحن ضد سجن الإعلاميين على ألا يتعدوا على كرامات الآخرين، والإشكال هو ان استبدال السجن بالعقوبات المالية المغلظة قد يخرب البيوت ويضر بعائلات الإعلاميين بأكثر من أحكام السجن.

سامي النصف

الممثل جمال والصحافي دياب

اعجب من مصر الكبيرة التي استبدلت في غفلة من الزمن رجالا وساسة عظاما شديدي الكفاءة والنزاهة والوطنية والثقافة أمثال الأبطال مصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول وعبدالعزيز فهمي واسماعيل صدقي وحمد الباسل ومصطفى النحاس ومكرم عبيد واحمد ماهر ومحمود النقراشي ومحمد محمود وفؤاد سراج الدين ود.محمد حسين هيكل، بالمضلل محمد حسنين هيكل والممثل جمال عبدالناصر وغائب الفكر عبدالحكيم عامر وزائر الفجر صلاح نصر ومن سار على نهجهم وتغطى بلحافهم.

 

وتبقى مصر الولادة بالرجال والقيادات السياسية والفكرية البارزة كالرئيس حسني مبارك وصاحب مقال اليوم رجل الأعمال والاعلام صديقنا وصديق الكويت صلاح دياب الذي أوصلني ذات مرة لمدير قناة «المحور» لأبدي اعتراضي على تعامل احد مذيعيه السيئ مع ضيف البرنامج ليخبرني ابن الزميل صلاح ان ذلك الضيف هو من أساء لوالده ذات مرة أشد الإساءة عندما ذهبوا إليه لمناقشة تمويل أحد مشاريعهم.

 

وسألني الاستاذ صلاح ونحن جالسان على الغداء في بيته العامر عن السياسي الابرز في نظري في مرحلة ما قبل 52، فقلت: رئيس الوزراء السابق اسماعيل صدقي باشا لعبقريته السياسية وكفاءته الشديدة وأفكاره العظيمة حيث انشأ كورنيش الاسكندرية وأقام السدود والبنوك الزراعية وغيرها من مشاريع كبرى، وقد عقب السائل بالثناء على ما قلت وأضاف ان التاريخ لم ينصف ذلك السياسي المحنك، وانتهى حديثنا عند هذا الحد دون زيادة.

 

فيما بعد وأثناء بحثي في تاريخ مصر الحديث وجدت حقيقة صدمتني وأعلت بالمقابل من مكانة الاستاذ المنصف صلاح حيث اكتشفت كم التنكيل والتعذيب الذي قام به اسماعيل صدقي باشا عندما كان رئيسا للوزراء عام 1933 بوالده الصحافي اللامع والخطيب المفوه محمد توفيق دياب صاحب جريدة «الجهاد» واسعة الانتشار والتي كان من كتابها د.طه حسين وعباس العقاد والتي اهدى أمير الشعراء أحمد شوقي صاحبها بيت الشعر الشهير «قف دون رأيك في الحياة مجاهدا، إن الحياة عقيدة وجهاد»، فوضعها كترويسة تحت مسمى الجريدة ـ وفيما بعد استعارها المرحوم كامل مروة لجريدته «الحياة» ومازالت تشتهر بها ـ فقد سجنه لأشهر عدة وعذبه أشد التعذيب في السجن وهو أمر لم يكن مقبولا في مصر ما قبل ثورة 52 وإن أصبح اجراء معتادا بعد قيامها فقد استخدم التعذيب المهين ضد الملكيين والشيوعيين والاسلاميين والاعلاميين و.. كل المصريين والسوريين واليمنيين الذين قال احد ثوارهم بعد ان سجن وعذب في القاهرة ومنع من الذهاب للحمام في تلك الفترة «كنا نطالب بحرية القول واصبحنا نطالب بحرية البول.. يا غمال».

 

 آخر محطة: (1) جريدة «الجهاد» هي أول صحيفة أتى بها ذكر الرئيس جمال عبدالناصر مرتين: الأولى عندما كان طالبا في مدرسة النهضة الثانوية ولجأ لدار الصحيفة إبان اشتراكه في مظاهرات ضد صدقي باشا في الثلاثينيات خوفا من ملاحقة رجال الامن، والثانية عندما نشرت اعلانا في يوم السبت 19 يناير 1935 عن رعاية احمد نجيب الهلالي باشا وزير المعارف لعرض مسرحية يوليوس قيصر في تياترو (مسرح) برنتانيا والتي تقيمها مدرسة النهضة ويقوم ببطولتها ـ كما اتى في الاعلان ـ جمال عبدالناصر بدور يوليوس قيصر وصبحي صالح بدور اكتافيوس ومحمد المراغي بدور انتوني وابراهيم العقاد بدور الخائن بروتوس، وكان المفترض ان يمثله الصحافي محمد حسنين هيكل الذي انقلب فيما بعد على صاحبه ورئيسه يوليوس عبدالناصر عندما كتب عنه مقال «عبدالناصر ليس أسطورة» فاتحا الباب لمهاجمته والنيل منه.

(2) في موضوع آخر، الولايات المتحدة اكثر الدول تشددا في سرية اوراقها كما ان قوانينها هي الأعنف فيما يخص عقوبات التسريب حيث اعدم في 16/6/1953م الزوجان اليهوديان يوليوس واثيل روزنبرغ بتهمة تسريب «قلة» من الوثائق الاميركية للروس، لا مئات آلاف الوثائق للعالم اجمع كما قام بذلك هذه الايام المحلل العسكري برادلي مانينغ عبر موقع «ويكيليكس»، برادلي مقبوض عليه ومسجون في الكويت ويخشى البعض ان يهرب خارجها كما هرب وكيل الوزارة وعضو مجلس الأمة فأبوابنا كحال قلوبنا مفتوحة للجميع.. والله من وراء القصد.