سامي النصف

كي لا نفقد مصر كما فقدنا العراق

مع سقوط نظام صدام عام 2003 كان العراق الجديد في مرحلة التكوين وقد كان بإمكان الدول العربية عبر جامعتها العتيدة او الدول الخليجية عبر مجلسها ان تدخل العراق من بوابته الشرعية لخلق مشروع مارشال عربي ـ خليجي لتنمية العراق دون تمييز بين شماله ووسطه وجنوبه.

مشروع عربي يقوم بكفكفة دمع اليتيم العراقي ومواساة الثكلى والأرملة ويفتح أبواب الرزق والعمل لرجال العراق، فالعراق الآمن المرفه هو اضافة لأمتنا العربية ودعم لدول خليجنا، وبعد ان تأخذ دولنا دور الريادة والقيادة في مشروع انقاذ العراق يمكن لأي دولة أخرى تريد مساعدته كالدول الغربية وايران وغيرها ان تدخل وتساهم، وبمثل هذا فليتنافس المتنافسون.

أمر كهذا لم يحدث لأن البعض منا انشغل بالخوف من «ديموقراطية» العراق، والبعض الآخر من «مذهبية» عرب العراق وثالث بالخلط بين الاستعمار التقليدي الدائم للدول الذي رحل دون عودة من العالم، وبين التواجد العسكري الأميركي المؤقت الذي سيرحل هذا العام ولم يكن احد يحتاج لتدمير العراق للوصول الى هذا الهدف.. السهل!

مصر الكبيرة والعظيمة في حالة مخاض شديد هذه الأيام ويمكن لنا كعرب لو تعلمنا من درس عراق 2003 ان نجعلها تخرج أجمل ما لديها ومن ثم تصبح مصر «الجديدة» ذات دور تاريخي مستقبلي مؤثر ـ افتقدناه لسنوات طويلة ـ فاعل وداعم لقضايا العرب، ويمكن بالمقابل لو أهملنا مصر ان نجعلها تخرج أسوأ ما فيها فتنشغل عن قضايا الأمة بمشاكلها الداخلية وان ينتهي الأمر بتشرذمات سياسية ودينية ومناطقية تعيد تشكيل خرائط المنطقة وحينها سنصيح جميعا بالمقولة الخالدة «انما أُكلنا يوم أُكل الثور الأبيض» او حين سمحنا بابتلاع ارض السواد وتقسيم ارض السودان!

آخر محطة: أمضي اجازة هذه الأيام في مزرعة الصديق العزيز عبدالعزيز البابطين الرائعة في السعودية التي تمتلئ بالأشجار والحيوانات المختلفة ومنها طائر النعام، واول ما تلحظه في ذلك الطائر انه لا يخبئ رأسه في الرمال كما يقال عند الخطر بل ينظم صفوفه لرد الاعتداء برجليه ومنقاره، أرجو الا نجعل كعرب النعام يضحك علينا عندما يرانا نخبئ رؤوسنا في رمال صحارينا عند ظهور الفتن والأخطار.. وما أكثرها هذه الأيام!

سامي النصف

ليبيا بلد غني وشعب فقير

هناك من يخشى ان تتكرر في ليبيا سيناريوهات الرعب والقمع والقتل التي تعرض لها الشعب العراقي في انتفاضة 91 والتي تسببت في بقاء النظام لعشرة اعوام، فالرعب هو من ابقى ستالين في الحكم ما يقارب الاربعين عاما وما ان اعلنت وفاته حتى اصطف الملايين لزيارة جثمانه لا ترحما عليه بل للتأكد من موته.

ليبيا بلد نفط وغاز ومساحتها تفوق مساحة العراق 4 مرات وتركيا 3 مرات ومصر بما يقارب الضعف ولا يزيد عدد سكانها على 6 ملايين وتملك اطول ساحل على البحر الابيض المتوسط مقارنة بالدول الاخرى حيث يزيد طوله على 2000كم2، كما تملك اكبر كمية اثار رومانية خارج ايطاليا ولها علم فريد لا مثيل له في العالم عبارة عن لون واحد ودون كلام او رموز، كل تلك الخيرات ومع ذلك لا يجد الشعب الليبي المظلوم قوت يومه.

قامت «الكويتية» بنقل مدير محطتها الكويتي من القاهرة الى طرابلس الغرب فأعلن بعد اسبوع تقديم استقالته، ولما سألناه عن السبب اجاب: ذهبت من بلد الخيرات مصر الى بلد يضطر اهلي فيه لارسال متطلبات الحياة من زيت وخبز وبصل وطماط ورز من الكويت وهو امر تقبلته على مضض الا ان الامر الذي لم أتقبله هو انني عندما اتوجه لمقر عملي في الصباح اجد دائما شباب اللجان الثورية يتظاهرون ويبدأون بالضرب على سيارتي، عند عودتي في المساء اجد نفس الشباب مستمرين في تظاهرهم اليومي مدفوع الثمن ويضربون كذلك على مقدمة سيارتي، اصل الى البيت وأفتح التلفزيون على القناة الحكومية الوحيدة المسموح برؤيتها فأجد مظاهرات النهار قد سجلت وبثت في المساء لاشاهد نفس الوجوه الكالحة والصيحات المنفرة.

حضرت ذات مرة حفل عشاء في الجزائر لاتحاد النقل العربي على شرف شركات الطيران العربية، بدأ الحفل الذي اقيم بمطعم في الجبل وضمنه اغاني لمطربين عرب فبدأ شباب اللجان الثورية الليبية ممن لا تزيد اعمارهم على العشرين بـ«التنقيط» ورمي آلاف الدولارات بجنون على المطربين، دمعت عين مدير عمليات «الليبية» الجالس بجانبي وهمس في اذني انه وزوجته وابناءه ووالديه يسكنون شقة صغيرة بسبب العوز وقلة الدخل ولا يجدون الخبز في كثير من الاحيان رغم منصبه الرفيع في وقت تستباح فيه ثروة البلاد على الجلاد القذافي واولاده ولجانه الشعبية، ولا حول ولا قوة الا بالله.

آخر محطة:

1 – مقابل آلاف الضحايا من الشعب الليبي هذه الايام، لم يحكم بالاعدام خلال حكم الملك الانسان ادريس السنوسي على مواطن ليبي قط، وحكم الاعدام الوحيد الذي صدر ونفذ كان بحق احد افراد الاسرة المالكة لقتله احد افراد الشعب.

2 – علم ليبيا الملكية الذي يرفع هذه الايام له دلالات عديدة.

3 – المملكة الليبية هي اول دولة فيدرالية عربية ديموقراطية.

سامي النصف

الشعب الليبي باقٍ وعمر الطغاة قصير

السكوت الدولي المريب عن حرب الابادة التي يشنها النظام الدموي في ليبيا على شعبه الأعزل يثبت صحة ما ذكرناه في مقال الاحد الماضي عن ازدواجية المعايير في التعامل العالمي مع ثورات الشعوب الحالية، فالسماح للقذافي باستخدام الطائرات في ابادة شعبه هو تكرار سيئ للسماح لنظام صدام بقمع انتفاضة

الـ 14 محافظة من الجو في ربيع عام 91 وهو ما أبقى حكمه البغيض لاثني عشر عاما لاحقة، وهو ما قد يحدث لنظام الحكم الليبي بعد اجهاض الثورة الشعبية القائمة.

في يوم أغبر وليل أظلم قام انقلاب مشبوه على حكم الملك العادل محمد ادريس السنوسي ورئيس حكومته ونيس القذافي بتاريخ 1/9/1969، وقد استدعى رأس النظام الجديد على وجه السرعة شخصيتين لهما ارتباطات غامضة ليدرباه على عمليات القمع والخداع والكذب والزيف هما د.سعدون حمادي الذي أرسله صدام من العراق ومحمد حسنين هيكل الذي حضر من مصر، وقد ابتدأ النظام الثوري ومنذ أعوامه الاولى بعمليات القتل والقمع الوحشي، حيث أعدم الطلبة في الجامعات والمصلين في المساجد والمحجوزين في السجون وتم تسميم المعارضة في الخارج بشكل فريد وغير مسبوق بالتاريخ.

ويتهم بعض المطلعين على خفايا الامور القذافي بدس السم البطيء للرئيس عبدالناصر إبان زيارته لطرابلس صيف عام 70 حيث توفي بعدها بأيام قليلة، كما قام النظام نفسه باختطاف الامام موسى الصدر وصحبه بإيعاز كما يقال من أحد الزعامات اللبنانية (!) واستمر مسلسل الجرائم التي شوهت سمعة العرب وصورة المسلمين أمام العالم أجمع حتى يومنا هذا.

ففي ديسمبر 88 قام النظام الليبي بتفجير طائرة البان ام الاميركية 103، وفي العام الذي يليه فجّر الطائرة الفرنسية «أوتا» فوق النيجر، وقد اعترف لاحقا بتلك الجرائم وعوض الضحايا بالمليارات عام 2003. وفي ديسمبر 1992 قام بتغيير رقم الرحلة الليبية المتجهة من بنغازي الى طرابلس من 403 الى 1103 (نفس رقم البان ام) وقام بتفجيرها في وضح النهار وقتل 160 من ركابها بعد أن تم انزال رجال الأمن منها وملئها بالطيارين المدنيين المعارضين وعلى رأسهم قائد الطائرة الصديق الكابتن علي الفقيه الذي أرغم على أخذ الرحلة بعد أن سحب منها قائدها الاصلي الكابتن حمد بوخشيم، وقد تمت ازالة ركام الطائرة في اليوم التالي دون تحقيق أو حتى تعويض ركابها وملاحيها.

وقد اعلنت هذه الايام قبائل ليبيا وحاضرتها رفضها استمرار حكم صاحب الكتاب الاخضر الذي تحول الى الاحمر القاني من كثرة دماء الابرياء التي أوغل فيها بمساعدة مرتزقته من ذوي القبعات الصفراء الذين أحضرهم «أمين» القومية العربية من 6 دول غير عربية لقتل أبناء شعبه العرب. لقد ابتدأت الشرارة في بنغازي البطلة وتجاوبت معها طرابلس العزيزة التي رفع أهلها شعار «بنغازي مش بروحك نحن ضمادين جروحك»… إن‍ الشعب الليبي باق وعمر الطغاة قصير!

آخر محطة:

(1) يتساءل الشعب الليبي عن الصفة التي تحدث بها ابن القذافي في تلفزيون الدولة والذي مثل «التوريث» بأجل صوره، كما ردوا على دعاويه باحتمال قيام حرب أهلية بأن هذا الاحتمال لم يسمع به ابان الحكم الملكي ومن ثم فهو نتاج حكمهم الابادي الكريه.

(2) تتجاوز ثروة القذافي التي ترفض صحيفة «الغارديان» الحديث عنها 200 مليار دولار الناتجة عن استيلائه على مداخيل النفط لمدة 42 عاما متواصلة دون حسيب أو رقيب مما جعل رئيس وزراء ايطاليا يقبل يده طمعا في عطاياه ورشاويه!

(3) صرح الزعيم الثوري الآخر عمر البشير بأنه لن يترشح لدورة رئاسية جديدة بعد أن أضاع الجنوب بسبب تشبثه بالحكم ورفضه ترشيح حزبه لجنوبي لرئاسة السودان في الانتخابات السابقة كوسيلة لطمأنة الجنوبيين وابقائهم ضمن مشروع الدولة الواحدة، بالطبع هناك 9 مليارات وهي سبب وجيه لذلك الاعتزال الذي دافعه الاول هو الاستمتاع بصرف تلك المليارات.. وعاشت الثوريات العربية من قومية وإسلامية!

(4) حَكم القذافي إبان فترة حكم الرئيس نيكسون واستمر ابان حكم فورد وكارتر وريغان (دورتين) وبوش الاب وكلينتون (دورتين) وبوش الابن (دورتين) وأوباما، لذا فهو أحد أقدم الحكام في العالم كما ان فترة حكمه البغيض هي الاطول في تاريخ ليبيا منذ عام 1550.

سامي النصف

هل هم حقاً كويتيون؟!

السؤال ليس موجها قطعا للاخوة «البدون» بل لجمع من النواب والكتّاب ممن تتلخص مواقفهم منذ عرفناهم في عضّ الضرع الذي أشبعهم وأغناهم عبر تشويه سمعة بلدهم والوقوف ضده في كل ما يحدث، فهو في نظرهم أسوأ بلد في العالم ولا يزعجهم على الاطلاق ان يقذف ويجرح رجال الأمن من أبناء الكويت وهم يرتدون ملابسهم الرسمية، بل تنحصر مطالباتهم دائما وأبدا في إطلاق سراح المعتدين، قليل من الوطنية في أيامنا الوطنية يا كويتيون أو أشباه الكويتيين، ومنا لناخبيهم، وكم بودنا لو أعطينا جنسياتهم بعد ان أثروا ثراء فاحشا منها لبعض المخلصين من.. البدون!

ليس مستغربا تهجم بعض الحمقى والسفهاء ومتقلبي الآراء على الشرفاء القائمين على لجنة المقيمين بصورة غير مشروعة أمثال الأفاضل صالح الفضالة وأحمد المليفي وعبدالله الرومي ومحمد السبيعي وفيصل السنين ومن معهم من أصحاب «الدماء الحمراء» و«القلوب الخضراء» المحبة للكويت وللحق والعدل والخير، وسؤالنا لهؤلاء ماذا لو كنتم وضمائركم الفاسدة من اُؤتمن على هذا الواجب الوطني؟ وكم ستبلغ حينها ثرواتكم الشخصية من الرشاوى المحصلة؟ وكم سيبلغ عدد الكويتيين في نهاية مهمتكم غير المقدسة؟!

كلنا دون استثناء مع تجنيس المستحق من البدون ومع توفير الخدمات الانسانية من تعليم وصحة ووظيفة لهذه الفئة، الا اننا وبالمطلق ضد عمليات التجمهر والتظاهر واللجوء للشارع لما في ذلك من إضرار بأمن ومصالح الكويت، مذكرين بأن ما يحصل عليه «البدون» في الكويت لا يحلم بمثله «المواطنون» حتى في أغنى دول العالم وأكثرها تقدما، ممن يبيت الملايين من مواطنيها على الكراتين في الشوارع تحت الثلج والمطر.

فقد أتى في تقرير منظمة «هيومن ووتش» ان هناك 38 مليون مقيم بصورة غير شرعية في الولايات المتحدة ولا يحظى هؤلاء بأي خدمات انسانية، بل يتم تسفير من يقبض عليه بمعدل واحد كل 30 ثانية على مدار العام، كما أتى في التقرير، ولا يجرؤ أحد من نوابهم أو كتّابهم على المطالبة بتجنيس 38 مليونا (10% من السكان أي نفس نسبة البدون في الكويت)، وللمعلومة، المحرض الأكبر للاضطرابات في بلدنا هو بريطاني بعثي وهو أحد صنائع مخابرات صدام ممن يدّعون انهم «بدون» والذين خرجوا معه بعد هزيمته المروعة عام 1991، فهل يستحق مثل هذا العميل الاستماع لنصائحه؟!

لا يجوز حجز المدير الكويتي لشركة «لوتس للطيران» في مصر بالقوة من قبل العاملين بها، كما حدث طوال الأسبوع الماضي (جريدة «الراي» عدد أمس)، كما لا يجوز ان يحمّل المدير مسؤولية اي مطالبات مالية مبالغ فيها للعاملين كونه موظفا في الشركة كحال باقي الموظفين لا شريكا او مالكا لها، ولا يجوز كذلك تحميله مسؤولية ما قيل انه تهجم للبلطجية على الشركة كونه كان محتجزا لدى الموظفين طوال الوقت، فكيف يرتب لمثل ذلك الاعتداء عليهم؟! ومن الذي يقول ان متهميه لم يدبروا الاعتداء المصطنع الذي تم بسيارات شركة «لوتس» التي يسيطرون عليها كي تصبح لديهم ذريعة قانونية لاحتجازه غير القانوني ولحماية أنفسهم من رفعه الدعاوى القضائية ضدهم؟ السؤال الأهم عن تأثير مثل تلك الأمور على الدعوة للاستثمار في مصر «الجديدة» مادام الاستثمار سينتهي بقبول مبدأ أخذ المديرين كـ «رهائن بشرية» كونهم ينتمون فقط لبلد بعض الشركاء في الشركة الخسرانة؟ كما يجب ان يعطى كل ذي حق حقه دون مبالغة في المطالب او اللجوء للاحتجاز والخطف وغيرها من أمور غير مشروعة.

آخر محطة

(1): نبارك للشيخ أحمد الحمود تقلده منصبه المستحق في فترة حساسة من تاريخ البلد ونقول بعد التهنئة انك قدها وقدود يا بوحمود فلم نعهدك قط مجاملا في حقوق بلدك او متساهلا مع من يعتدي على رجالك، فهيبة اللباس الرسمي من هيبتنا جميعا ولا يخاف من رجال الأمن إلا.. المجرمون!

(2): احتفالية هذا العام لن تعود إلا بعد خمسين عاما وضيوف الكويت كثر ويجب ألا يسمح على الاطلاق لمن يحاول ان يحيل فرحنا الى حزن وسعادتنا الى تعاسة عبر التظاهر والتجمهر تلبية لمطالب تأتي من خارج الحدود.. وعيب!

سامي النصف

هل وصلت كرة النار للخليج؟!

السؤال الاهم الذي يطرحه كل خليجي هذه الايام هو: هل دول الخليج مستهدفة ومستقصدة فيما يجري من متغيرات بمنطقة الشرق الاوسط خاصة بعد احداث دوار اللؤلؤة في البحرين الشقيقة وهل وصلت كرة النار لملاعبنا الخليجية؟! الاجابة صعبة ومختلفة باختلاف مواقع تلك الملاعب سياسيا وجغرافيا ولكن يمكن الحديث عن بعض الرؤى الخليجية «القلقة» مما يجري، ومنها:

هناك من يرى ان المستهدف مما يحدث في منطقة الشرق الاوسط ليس الانظمة الاكثر قمعا وقهرا لشعوبها والاقل تنمية لبلدانها حيث لا تتعرض مثل تلك الانظمة للقلاقل وان تعرضت فهي تنتهي كزوبعة في فنجان، ولكن المستهدف الحقيقي هو الانظمة الاكثر «استقرارا وانجازا» في المنطقة، ويعتقد هؤلاء ان الثورات والاحتجاجات هي نوعان الاول فاعل ويحظى بتغطية اعلامية عالمية واسعة ويستهدف الانظمة المستقرة مما يتسبب في سقوطها او اضعافها، والثاني محدود التأثير ويغطى عادة بأقل كم من الاضواء ويوجه للانظمة الثورية مما يجعله لا يؤثر بها.

ويضيف اصحاب تلك الرؤية ان دلالات استهدافهم هي ما حدث في الاشهر القليلة من متغيرات ضخمة تسببت في ابعاد علاوي في العراق والحريري في لبنان واسقاط نظامي بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر وقيام قلاقل شديدة في البحرين واليمن والاردن المحيطة بإحدى دولنا الخليجية الرئيسية، وان الاحداث المتتالية في تلك الانظمة والدول الحليفة او القريبة يصعب تفسيرها او تبريرها بنظرية «الصدفة» الجغرافية او السياسية وان الثورات الحالية في الدول الثورية زادتها قوة بعدما استغلت الظرف وزجت بمعارضيها وخصومها في السجون امام العالم اجمع دون ان يحرك احد ساكنا.

ويسترسلون للقول بأن الدلالات الاولى لما حدث في مصر غير مشجعة على الاطلاق، فالاعلام المصري الذي يشكل الرأي العام في اكبر بلد عربي قد استدار بمقدار 180 درجة واصبح اكثر من يستضاف ويقول بترويج افكاره الثورية هذه الايام هم ساسة واعلاميون امثال هيكل وحمدين صباحي ومصطفى بكري وثلاثي قنديل «حمدي وعبدالحليم ووائل» وان لهؤلاء رؤى مشتركة معادية للانظمة المحافظة وقريبة من رؤى احد القيادات الثورية القريبة جغرافيا من مصر والذي قتل امس وبدم بارد 90 ضحية.

ويستغرب هؤلاء من ادوار الاعلام العالمي ذي الرؤى المزدوجة حيث ينقل ذلك الاعلام قصصا كالخيال تزيد النار اشتعالا كحكاية ثروة الرئيس المصري السابق التي جاوزت حسب زعمهم 70 مليار دولار، ثم اكتشف ان مصدر الخبر هو جريدة «الخبر» الجزائرية وقد نشرته تلك الصحيفة غير المعروفة ابان حرب الفجور الاعلامي بين مصر والجزائر على تداعيات المباراة الكروية بين فريقيهما والتي يعتقد البعض انها حرب كانت منسقة ومتفقا عليها بين الاجهزة الامنية في البلدين، ويتساءل هؤلاء عن سبب عدم تطرق الاعلام العالمي لثروات رجال الثورات والفساد ومنع المظاهرات في بلدانهم بالرصاص وهي امور لم يقم بمثلها النظامان السابقان في مصر وتونس.

آخر محطة:

1 ـ يخبرنا مسؤول خليجي رفيع المستوى ابان جولتنا الخليجية بأن اسقاط نظام صدام تم عبر استمالة وزير نفطه ممن كان يعطيه اخبارا كاذبة عن سرقة الكويت لنفط العراق مما ورطه في غزو الكويت واسقاطه في النهاية.

2 ـ هل تم اسقاط مبارك عبر استمالة وزير داخليته حبيب العادلي الذي افتعل حادثة كنيسة الاسكندرية لاثارة الاقباط ثم سمح بالمظاهرات وسحب رجال الأمن واطلق «البلطجية» وحث على التعدي على ممثلي الصحافة الاجنبية؟! وهل تورط العادلي في اسقاط النظام أمر يدعو للطمأنة؟! حفظ الله مصر وشعبها من كل مكروه.

سامي النصف

البحرين.. سنوات مضيئة ودموع حزينة

لا يمكن لنا في الكويت ان ننسى مواقف العز والشرف والأخوة الصادقة لمملكة البحرين قيادة وحكومة وشعبا عندما ارسلت سرايا دباباتها ومشاتها لتحرير الكويت عام 91 ومرة أخرى للدفاع عنها ضمن درع الجزيرة عام 2003، مستذكرين مشاركة سلاحها الجوي في مئات الطلعات إبان معارك التحرير وتسخيرها كافة مرافقها لخدمة الكويتيين إبان الغزو الغاشم، وقبل ذلك مشاركة بوارجها البحرية في إزالة الألغام التي كانت تعترض ناقلات النفط الكويتية إبان الحرب العراقية ـ الإيرانية 8(7)1988.

مع تولي جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم في 6/3/1999 اعلن انه يرغب في أن يحكم شعبا سعيدا لا ان يحكم شعبا مقهورا، وبدأ منذ اللحظة الأولى في العمل الجاد لتحويل ذلك الحلم الى حقيقة، فأصدر عفوا عاما عن كل المعتقلين والمبعدين واعاد الجنسية لمن اسقطت عنهم، كما سمح بتأسيس النقابات العمالية والجمعيات السياسية لتعزيز أسس المجتمع المدني وزيادة المشاركة الشعبية، وألغى قوانين ومحاكم أمن الدولة.

في 14/2/2001 وافق الشعب البحريني الشقيق بنسبة 98.4% على ميثاق العمل الوطني وبدأت حياة سياسية وديموقراطية حرة في المملكة يحسدهم عليها الكثيرون، كما تم إنشاء معهد «التنمية السياسية» الأول من نوعه في الخليج بقصد تنمية الوعي السياسي بين المواطنين، كما فتح الباب لأي مواطن بحريني لأن يطعن امام المحكمة الدستورية في أي تشريع يشعر بعدم دستوريته حتى لو اقر التشريع المعني من قبل الحكومة والمجلس البرلماني.

كما صدر الأمر الملكي بإنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان وفازت البحرين وبأغلبية ساحقة بعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعد التحقق من سجلها، وأصبحت المملكة تتصدر المؤشرات العالمية في الحريات السياسية والاعلامية والشفافية الاقتصادية، وزاد معدل الدخل تباعا ما بين 2002 و2008 الى ما يقارب الضعف (من 4708 دنانير للفرد الى 7527) كما زاد الناتج القومي من 3.1 مليارات دينار عام 2006 الى 7.2 مليارات دينار عام 2009 وهي ارقام ونسب اقرب للإعجاز في الانجاز ولم تتحقق لأغلب دول العالم الأخرى.

وطالت النهضة وبرامج الاصلاح جميع أوجه الحياة ضمن برنامج رؤية البحرين 2030 القائمة على ترسيخ اسس العدالة والتنافسية والتنمية المستدامة، كما عممت تجربة مدارس المستقبل والتعليم الالكتروني وتوسعت اعمال التدريب المهني (البوليتكنيك) ضمن اصلاح المسار التعليمي، وأنشئ المجلس الأعلى للمرأة وعزز دور ديوان الرقابة المالية وأقيمت عشرات آلاف الوحدات السكنية كما خضعت الخدمة الصحية لرقابة البورد الكندي، كما اقيمت العديد من مشاريع التنمية الضخمة على اراض مسترد اغلبها من البحر مثل ميناء خليفة ومدينة سلمان الصناعية وحلبة البحرين وجسر سترة وغيرها من انجازات كبرى عززت من وجه البحرين الحضاري ودعمت بشكل كبير الدور المالي والمصرفي للمملكة بهدف زيادة الدخل وتحقيق الرفاه وتقليل الاعتماد على النفط.

أخيرا.. إن آخر ما تحتاجه مملكة البحرين الشقيقة ضمن مسار العشر سنوات المضيئة الماضية هو ادوار خفية حالية تستهدف استقرارها السياسي وامنها الوطني، ان المطالب الوطنية في الانظمة الديموقراطية تمر عبر الحوار الجاد تحت قبة البرلمان لا خارجه، فكتلة الوفاق تحتل ما يقارب نصف مقاعده اي انها ليست كتلة مهمشة ولا تحتاج للجوء للشارع وهو امر يضر بالاقتصاد الوطني ويضرب كل انجازات الماضي ويرجع الجميع الى المربع الأول اي مرحلة ما قبل الميثاق، فهل هذا هو القصد والطلب؟!

آخر محطة:

(1) تعاملت هيئة الاعلام البحرينية بقيادة شيخها الشاب فواز بن محمد بشكل محترف مع الاحداث الجارية.

(2) افضل ما يقدم لمملكة البحرين هذه الايام هو دعوات التهدئة والمصالحة بين الاطياف السياسية للحفاظ على المكتسبات الضخمة التي تحققت خلال العقد الماضي، واسوأ ما يقدم هو دعوات التأجيج وتحريض البحريني على البحريني.

(3) العزاء الحار لمملكة البحرين قيادة وشعبا بالشهداء الذين سقطوا في أحداث دوار اللؤلؤة، راجين العودة للحوار لتعزيز السلم الأهلي، فما يضر البحرين يضرنا وما يصيبهم يصيبنا والحكمة الحكمة، فالمتربصون كثر.

سامي النصف

مصر والعرب إلى أين؟!

قبيل الانتخابات الاميركية الاخيرة، استضافنا الزميل د.عبدالله الشايجي ضمن برنامجه الشائق «الطريق الى البيت الابيض» للحديث حول تلك الانتخابات المرتقبة، ومما قلناه ان كتاب الباحث وبستر غرفن تاربلي المعنون بـ «السيرة غير الرسمية لاوباما» يوضح ان مستشار الامن القومي الاسبق د.زبنغيو بريجنسكي سيكون عراب المرحلة، ومن ثم فإن معرفة المستقبل تقتضي منا العودة إلى الماضي وقراءة ما كتبه وما فعله الداهية بريجنسكي.

 

وقد تنبأنا في ذلك الوقت المبكر بتساقط الانظمة الموالية للولايات المتحدة كما حدث في فترة هيمنة بريجنسكي السابقة ابان حكم الرئيس كارتر (1977 ـ 1981) ومعها على الارجح حدوث فوضى عارمة في منطقتي الشرق الاوسط واوراسيا كما ذكر المستشار ضمن مجموعة كتبه واهمها كتاب «الفوضى على اعتاب القرن الواحد والعشرين»، لذا يمكنني القول ان المنطقة ستشهد تساقط المزيد من الانظمة والمزيد من الفوضى السياسية والامنية العارمة.

 

واذا بدأنا بمصر، فإن السيناتور التفاؤلي الذي يظهر ان ارض الكنانة ستصبح الدولة القدوة في المنطقة بالممارسة الديموقراطية والحرية والحراك الاقتصادي (تعيد إلى الاذهان مقولة العراق الدولة القدوة عام 2003) هو احتمال لاتزيد نسبته بنظري عن 10 الى 15%، اما باقي النسبة فستذهب الى سيناريوهات مرعبة او غير طيبة في حدها الادنى لها اسبابها ومبرراتها، فالحالة المالية في مصر هذه الايام ـ ولأجل غير معلوم ـ تشهد رحيل السائحين والمستثمرين ومحاكمة رجال الأعمال المصريين وتوقف المصانع ووسائل الانتاج وتدهور اسعار البورصة مع مطالب جميع القطاعات بزيادات تصل في حدها الأدنى الى 100%.. و«منين يا حسرة»؟!

 

مصر ام الامة العربية بحاجة ماسة الى مشروع مارشال عربي ينشئ مئات معاهد التدريب والتأهيل لشبابها ورجالها ونسائها وقيام مصانع ومراكز سياحة وخدمات كما حدث في الصين، ودون ذلك ستفقد الامة العربية رجالها في مصر كما فقدت اراضيها في السودان وستصبح رغم فرحة هذه الايام امة تعيسة لا بواكي لها.

 

فمعروف تاريخيا ان الثورات تبدأ بشكل جيد ومفرح وموحد ضد الخصم الواحد الذي ما ان يزاح حتى تبدأ الخلافات والصراعات تتزايد بين الكتل والتوجهات السياسية والاجتماعية والدينية والمناطقية، وحتى بين الشعب والجيش، فيما يسمى مرحلة اكل الثورة لابنائها، ويزيد الطين بلة خيبة امل 90% من الناس ممن سيصدمون بحقيقة ان رحيل الرئيس السابق لم يحل شيئا من مشاكلهم المعيشية، بل قد تتفاقم بإحجام السائحين وهروب المستثمرين المصريين والخليجيين والعرب والاجانب بسبب عمليات الحجز والسجن والمصادرة التي يتعرض لها هذه الايام من جل ذنبهم انهم استثمروا أموالهم في بلدهم في تكرار لما حدث بعد ثورة 1952.

 

الدول الخليجية والعربية ستواجهه مشكلة اخرى هي احتمال الانخفاض المستمر لاسعار النفط في المرحلة المقبلة، وهو ما سيصيب بالضرر المباشر المجتمعات النفطية وغير المباشر المجتمعات العربية التي تعتمد بشكل كبير على «البترودولار»، تلك المصاعب الاقتصادية ستفتح الباب واسعا لمرحلة عدم الاستقرار السياسي والامني الذي سيدخل منه تنظيم القاعدة والتنظيمات المتطرفة الاخرى كما حدث في العراق ولن تنجون كثير من دول المنطقة من الحروب والاضطرابات والتشطير والتفتيت وقانا الله جميعا شر تلك المخاطر التي من اولى دلالاتها بدء الانخفاض المستمر لاسعار النفط.

 

آخر محطة: خير ألف مرة ان تحتاط لأسوأ السيناريوهات ويحدث أحسنها بدلا من العكس.

سامي النصف

لماذا حدث ما حدث في مصر؟!

الجماهير الملايينية التي خرجت تطالب مبارك بالرحيل تعادل في عددها الجماهير الملايينية التي خرجت إما لتطالب عبد الناصر بالعدول عن استقالته (يونيو 1967)، او لتودعه عند رحيله (سبتمبر 1970)، الغريب ان المعادلة الصحيحة والمنطقية كانت تقتضي العكس، فقد خسر ناصر السودان وبعدها سورية وسيناء وغزة مرتين، وأدخل مصر في سلسلة حروب وهزائم عسكرية وقمع وزوار فجر، وكان مستوى العيش لـ 20 مليون مصري يقل كثيرا عن مستوى عيش 84 مليون مصري إبان حكم مبارك الذي حرر الأرض وأوقف الحروب وأدار عجلة التنمية والاستثمار بأقصى سرعتها وزاد عدد السائحين من عشرات الألوف إبان عهد ناصر الى عشرات الملايين في عهده.فما سبب نجاح الأول وفشل الثاني؟! (واضح ان الانجاز ومنح الحريات لا يكسب بذاته قلوب شعوبنا التي تحركها العاطفة لا العقل).

أول أسباب ما حدث مؤخرا هو «متوازية الفساد وحرية الإعلام» ففي عهد عبدالناصر كان فساد المشير عامر وصلاح نصر وزمرة ضباطه أكثر استشراء واتساعا دون مردود على الدولة، الا ان الشعب لم يغضب او يثر، كونه لا يعلم عنه شيئا لسيطرة النظام على الإعلام، بينما سمح عهد مبارك بالحريات الإعلامية من صحف وفضائيات التي تابعت كشف ـ بحق او باطل ـ قضايا الفساد دون رد من النظام بتصحيح المسار او بتفنيد الادعاءات، حتى تكونت صورة شديدة القتامة والسواد عن العهد، اختفت داخلها انجازاته ولم يسمع احد صوت وزير الإعلام أنس الفقي قط حتى سقوط النظام إلا عندما اتصل بالأمس ليرد على د.مصطفى الفقي.

(تجارب الشاه وبن علي ومبارك تدل على ان دعاوى الفساد هي الأكثر اثارة لمشاعر وغضب العامة حتى مع وفرة الانجاز حيث يصدق الناس أحيانا ما يسمعون ويكذبون ما يرون).

سبب آخر هو عدم استخدام العقلاء والحكماء والأذكياء للقراءة الصحيحة للأحداث وخلق ما هو أشبه برادارات الانذار المبكر، مما نتج عنه قراءات خاطئة تماما لأحداث تونس التي لو بدأ الاصلاح مبكرا ومتوازيا معها لتغيرت الأوضاع بشكل جذري، ومثل تلك القراءات الخاطئة لتداعيات تزوير نتائج الانتخابات الأخيرة والحصول على 100% من الكراسي النيابية مما أثار ضيق وغضب الشارع وقواه السياسية، وفي مرحلة لاحقة خطأ ارسال البلطجية والخيول والجمال الى ساحة التحرير، وسحب رجال الأمن من الشوارع، وخطب الرئيس الخاطئة في المضمون والتوقيت وأفضل منها لو انه تنحى ـ كما كتبنا في مقال سابق ـ في وقت مبكر وخرج محافظا على سمعته وكرامته وانجازاته.

ومن الأمثلة الصارخة على نجاح عمليات تسويد الصورة بشكل غير معقول، تصديق الشعب المصري لاكذوبة جريدة «الغارديان» الغوبلزية التي يقصد منها زيادة النار اشتعالا بأن الرئيس مبارك اختلس 70 مليار دولار (420 مليار جنيه مصري) علما بأن الميزانية المصرية تدقق من قبل 6 جهات رقابية يرأسها الشريف جودت الملط، بينما لم تثر للمعلومة الشعوب على حكومات «ثورية» في المنطقة يستولي بعضها على دخل النفط بأكمله وبعضها الآخر على ميزانية الدولة بأكملها، كما ان مشاريع الوزراء أحمد المغربي وزهير جرانة هي في الأعم اقامة مدن اسكانية خاسرة في الأغلب فكيف لهم ان يكوّنوا المليارات المدعاة؟ (ان الأنظمة لا تنهار فجأة بل تتآكل تدريجيا مع كل دعوى فساد او اخفاق لا تحارب او ترد او تصحح).

وقد استطاع عبدالناصر بالأمس وإيران اليوم تعويض اخفاقات الداخل بنجاحات السياسة الخارجية، لذا كان ناصر والثورة الايرانية مؤثرين بشكل مباشر في أوضاع العراق وسورية ولبنان وفلسطين واليمن وباقي دول المنطقة، في وقت اختفى فيه دور مصر الخارجي في أفريقيا والمنطقة العربية في السنوات الأخيرة حتى أصبح لا يزيد عن دور دول عربية صغيرة كجيبوتي وغيرها (الشعوب لا تمانع أحيانا ان تبيت جائعة لو وعدتها الأنظمة بالكرامة والأحلام الوردية المستقبلية).

آخر محطة

(1): أظهر مؤشر عدم الاستقرار لدول المنطقة في عدد مجلة الايكونومست الانجليزية الرصينة ان اليمن (88%) وليبيا (72%) يأتيان في مقدمة البلدان المرشحة لعدم الاستقرار القادم وقطر والكويت في آخرها بنسب تقارب (20%) (طبق الأصل).

(2) مع سقوط دولة الوزير حبيب العادلي نرجو ان يماط اللثام عن مصير زميلنا في «الأنباء» والأهرام الصحافي الميت الحي رضا هلال فلم يعد هناك سر في مصر.

(3) صدر عن الاخوان المسلمين بيان رائع أكدوا فيه دعوتهم للدولة المدنية وان الدولة الدينية ضد الإسلام فكيف يقفون معها؟ أفلحوا ان صدقوا.

(4) من الدروس المستفادة حاجة الدول المنجزة المستقرة الى عمل اعلامي مدروس ومنظم لتحسين الصورة، فالانجاز وحده لا يكفي.. والحديث ذو شجون!

سامي النصف

الليلة الكبيرة

في التراث والموروث المصري هناك ما يسمى باحتفالية المولد أو «الليلة الكبيرة» وهي ليلة تحتشد فيها الجموع وتمتلئ بالحركة والأنوار والأصوات وتسعد بها الجموع، إشكالية تلك الليلة تأتي عادة في صباح اليوم الذي يليها عندما يكتشف بعض المشاركين فيها انه صرف كل ما يملك ولم يعد لديه ما يكفيه لنهاية الشهر، ويكتشف آخر انه سُرق أو نُشل إبان نشوته أو فرحته وتذهب حقائق وأرقام اليوم التالي بسعادة وفرحة تلك الليلة.. الكبيرة!

في عام 1882 فرح الشعب المصري بالليلة الكبيرة التي أقامها أحمد عرابي وفي اليوم التالي اكتشفت الجموع ضمن كشف حساب الصباح ان الاسكندرية قد احرقت ونهبت وان الجيش المصري قد دمر في معركة التل الكبير أمام الجيش البريطاني بقيادة «ولسلي» الذي أسرى بجنده ليلا من الغرب إلى الشرق بتعاون وتخاذل من القائد «خنفس» في جيش عرابي وبدأ هجومه فجرا من حيث لا يحتسبون وبدأ مع الانتصار الاحتلال الانجليزي الذي دام سبعين عاما، لذا ما ان عاد عرابي لمصر عام 1901 حتى سمع قصائد الهجاء من شوقي والتخوين من الزعيم مصطفى كامل فدخل بيته ولم يخرج حتى مماته.

في 28 مارس 1954 وبعد «الليلة الكبيرة» التي حدثت في يوليو 1952 انقسم مجلس قيادة الثورة الى من يدعو لعودة الجيش للثكنات وعودة الديموقراطية والعمل بدستور 1923 الذي أوقفه وزير الداخلية سليمان حافظ بمعاونة محسن حافظ رئيس الفتوى والتشريع لاحقا بالكويت، ومن يدعو الى إيقاف الديموقراطية، وخرجت أغرب مظاهرات ملايينية في التاريخ تدعو لسقوط الديموقراطية وإيقاف الحرية وإبقاء الجيش الذي لم يعد لثكناته بعد ذلك وتعرضت مصر في حساب اليوم التالي الى القمع وزوار الفجر وفتح المعتقلات وتتالي الهزائم العسكرية والنكبات.

في 15 مايو 1971 أطلق الرئيس محمد أنور السادات ليلته الكبيرة أو ما أسماه بثورة مايو التصحيحية استبدل خلالها الأنظمة والقوانين القمعية بقوانين أكثر قمعا منها ابتدأها بإصدار أحكام بالإعدام والحبس المؤبد على من أسماهم حليفه هيكل بـ «مراكز القوى» كونهم فقط تقدموا باستقالاتهم من مناصبهم (!) وكرت السبحة بقوانين العيب وقمع مظاهرات الخبز وانتهت بسجنه لقيادات التوجهات السياسية المختلفة والمخالفة لنهجه، ما أدى الى اغتياله في 6 أكتوبر 1981 وتولي الرئيس «السابق» حسني مبارك لمقاليد الحكم وتعهده بأن يترك الحكم بعد دورة رئاسية واحدة (استمرت 31 عاما!).

آخر محطة:

(1) تسبب تعليق الدساتير والقوانين في سجن سليمان حافظ وهيكل من قبل نفس الأنظمة التي طبلا وهللا لها عند استباحتها للتشريعات.

(2) طالب هيكل في لقائه مع الإعلامية الجميلة منى الشاذلي بأن يكون رئيس الجمهورية كملكة بريطانيا لا يتدخل في شؤون البلاد ولا يرسم سياستها بل يتم الرجوع له عند الخلاف.. لماذا يطبل هيكل لعبدالناصر الذي قام بعكس ذلك تماما؟! ولماذا لا يعتذر عن ذلك الخطأ الفادح من قبله؟! وما أكثر تنظيرات هيكل الخاطئة التي لا يعتذر عنها قط!

سامي النصف

الانسداد السياسي

لو أحضرت أنبوبا وسكبت فيه ماء من طرفه الأيمن لخرج الماء سلسا وسهلا من طرفه الأيسر، أما لو سكبت ماء من الطرف الأيمن ومعه ماء من الطرف الايسر لتصادمت المياه ولحدث انسداد قد يتضخم حتى ينفجر الانبوب وتتناثر المياه في كل اتجاه، إلا أن الاشكال يحل في النهاية.

في غرب الخليج وبعد الغزو الصدامي الغاشم للكويت، رأت أغلب دوله ان أمنها القومي يستوجب وجود قواعد عسكرية على أرضها، بينما يرى شرق الخليج ان على تلك الدول ان تخرج الأميركان كي يمكن التفاهم مع ايران، وتقول الدول الخليجية في المقابل ان اخراج الحلفاء يجعلنا مكشوفين أمام الاعداء ومن ثم لا يبقى ما نتفاوض حوله، وبين هذا وذاك يحدث انسداد سياسي في الخليج.

في العراق يرى جنوبه وشماله مشروعية حدوث انتخابات وحراك سياسي بوجود الأميركان بينما يرى وسطه وغربه ان الحراك الوحيد المسموح به هو المقاومة المسلحة، كذلك يرى طرف ان الحكومة هي استحقاق داخلي تشكلها القائمة الفائزة بأكثرية مقاعد البرلمان بينما يرى طرف آخر ان الظروف تستوجب أن تكون الحكومة استحقاقا اقليميا يشكلها من يستطيع أن يرضي ويغري الآخرين للاصطفاف معه، وبين هذا وذاك يحدث انسداد سياسي في العراق.

في فلسطين ترى حركة حماس ان حل القضية الفلسطينية يكمن في المقاومة والكفاح المسلح وأنه لا تفاوض أو اعتراف بإسرائيل، بينما ترى السلطة العكس من ذلك تماما، وان تلك الاجندات الثورية قد جربت في السابق وتسببت في النكسات وفي فقدان الأرض التي تغيرت معالمها من قبل المستوطنات مع كل يوم يمر، وان حالة اللاحرب واللاسلم لا تخدم القضية بينما ترى اسرائيل ان السلطة غير قادرة على السلم كونها لا تقدم الأمن بوجود حماس، وان حماس غير قادرة على الحرب لضعف الامكانيات والقدرات، وبين هذا وذاك يحدث انسداد فلسطيني ـ فلسطيني لأجل غير مسمى.

في لبنان ترى قوى 14 آذار ان المحكمة الدولية هي «الخير» كله كونها السبيل لمعرفة من يقف خلف اغتيال الشهيد رفيق الحريري والاغتيالات اللاحقة، وان الديموقراطية «التوافقية» تجعلهم الطرف الوحيد المستحق لتشكيل الحكومة كونهم من يمثل الاغلبية الساحقة من طائفة السنّة، بينما ترى قوى 8 آذار ان المحكمة الدولية هي «الشر» كله وان قراراتها الظنية مسيسة ومعروفة سلفا، وان من يملك الاغلبية يشكل الحكومة، وبين هذا وذاك يحدث انسداد سياسي في لبنان.

بين المغرب والجزائر عملية انسداد سياسي مزمن حول قضية الصحراء، وفي مصر يصر الشباب المحتشدون في ميدان التحرير على ضرورة أن يتنحى الرئيس في التو واللحظة وبأي ثمن بينما يرى كثير من الدستوريين والسياسيين المخضرمين ضرورة الانتظار كي يمكن الالتزام بمتطلبات الدستور المصري لإجراء تلك التعديلات التي تحتاج الى أشهر وان الغاء الدستور أو السماح بالعمل خارجه هو الذي فتح أبواب الظلم والقهر وزوار الفجر بعد ثورة يوليو 1952، وبين الفهمين والمتطلبين يحدث انسداد سياسي خطير في مصر.

في السودان كان الحكم في الخرطوم تقوده الجبهة القومية (العربية) الاسلامية بينما يرى الجنوبيون أنهم ليسوا عربا وليسوا مسلمين، لذا فمن الضرورة بمكان أن يتحول الحكم في الشمال الى ليبرالي علماني حتى يقبل الجنوب بالبقاء ضمن حدود الدولة الواحدة، وعليه فقد حدث انسداد سياسي لعقود لم يفكه الا انفصال الجنوب، فهل ستطبق الروشتة الانفصالية على الانسدادات الاخرى كي تحل الاشكالات؟!

آخر محطة:

(1) ما بناه الرئيس مبارك في 30 عاما بدأ يمحى سريعا في أيام.. خطاب الرئيس ليلة قبل الأمس زاد الوضع السياسي المصري انسدادا.

(2) الجيش كالتنين قد يلتهم من يوقظه!