احمد الصراف

من وحي محاضرة جون

أحمد الصراف
«جون كونكغوي» اسم يعرفه الفلبينيون جيدا فهو واحد من كبار أثريائهم. يقول «جون» انه ولد في «سيبو» في الفلبين، ومنها بنى امبراطورية واسعة الانتشار في مجال الطيران واتصالات الهواتف المتنقلة والمرطبات والاطعمة. وقال في محاضرة ألقيت في أميركا قبل بضعة أشهر، انه عرف الفقر مبكرا بعد وفاة والده الثري فجأة، لتكتشف العائلة الكبيرة التي تركها وراءه ان ديونه تزيد على ما تركه من ثروة، وانه بالتالي بدأ من الصفر في سن 13 يعمل ويدرس ليلا، ونجح بتأمين لقمة شريفة لوالدته واخوته الذين أرسلوا للصين للعيش هناك.
نهاية الحرب العالمية الثانية كانت سعيدة بالنسبة اليه، وكان وقتها يبلغ العشرين، حيث تاجر بمخلفات الجيش الأميركي، واستورد البصل والطحين والملابس المستعملة وورق الصحف والمجلات المستعملة من أميركا، ومن تجارتها انطلق ليصبح أحد اثرياء العالم في قصة نجاح مثيرة بكل تفاصيلها.
يقول «جون» ان قصص النجاح الباهرة تصلح للأفراد وللشركات ايضاً وهي بالتالي لاشك تصلح للأمم. وهذا ما كان مصدر تساؤله الدائم عن سبب عجز الفلبين عن بلوغ ما تصبو اليه. ففي الفلبين قصص نجاح عدديدة سواء في الرياضة أو الغناء أو في تصاميم الملابس، وهذه جميعها اشتهرت بسبب الاعلام، فلا شك ان هناك حتما قصص نجاح عديدة اخرى ولكن غير معروفة. ولكن الفلبين تفتقر لعلامة تجارية عالمية معروفة، وهذه بامكانها خلق فرص عمل كثيرة وسترفع من مستوى معيشة الجميع، وهذا ليس بالأمر الصعب، فقد نجح في ذلك جيران الفلبين. ففي 54 سنة الماضية نجحت كوريا الجنويبة، بالعمل الدائب والجاد، في بناء نفسها بعد كل ما أصابها من دمار نتيجة الحرب العالمية الثانية، وما تبعها بعد سنوات من حرب أهلية طاحنة نتج عنها تقسيم البلاد الى دولتين!! ،نجحت كوريا خلال هذه الفترة من التحول من دولة زراعية في 1945 الى دولة متعددة المنتجات الخفيفة في ثمانينات القرن 20، ولتصبح مع بداية القرن الحالي من اوائل الدول في صناعة شبه الموصلات واجهزة الروبوت وتقنية البيولوجي، هذا بخلاف مئات المنتجات العالية الجودة الاخرى. وقد نجحت علامتها التجارية المعروفة «سامسونغ» في ان تصبح واحدة في قائمة العلامات المائة الاهم في العالم، كما تبعتها «ال جي» لتصبح الثانية.
وماذا عن الصين التي اصبحت خلال الثلاثين عاما الاخيرة رابع اكبر اقتصاد في العالم! اما قصة سنغافورة بأعراقها المتعددة فقد حولها «لي كوان يو» خلال اقل من 40 عاما الى واحدة من اغنى اقتصاديات آسيا وليصبح شعبها الأكبر دخلا في شرق آسيا!!
ويستطرد «جون» في القول اننا وبعد 50 عاما من الاستقلال لا نزال نسعى الى خلق علامة تجارية عالمية نفتخر بها، وهنا لا نستطيع التحجج بقلة عددنا فنحن شعب يتجاوز عدده 86 مليونا، علمابأن سويسرا التي يبلغ تعدادها 9 ملايين لديها «نستله». والسويد بسكانها الـ 9 ملايين ايضا لديهم «اريكسون» وفنلندا بخمسة ملايينها لديها «نوكيا» وجميعها ماركات عالمية معروفة. نعم نستطيع القول ان شعبنا مصدر كبير للعمالة الماهرة، ونأتي بعد الهند عالميا في مجال توفير الخبرات والتقنيات الادارية للشركات الكبرى، ولكننا لا نزال نفتقر لعلامة تجارية عالمية، ويجب الا نهتم ان ضحك الآخرون من احلامنا، فقد كانت السيارات اليابانية مصدر ضحك الكثيرين قبل فترة سنوات قليلة، وهي الان الافضل عالميا.
نعم لدينا منتجات فلبينية واطعمة ومجوهرات وحقائب يد تخترق الكثير من اسواق اوروبا وأميركا، وبالذات آسيا، وعليكم التفكير بعدم الاكتفاء بسوق لا يتعدى عدده 86 مليونا والتفكير بسوق آسيا الذي يبلغ اربعة مليارات نسمة، وان بامكانكم خلق شيء ما تفتخر به الفلبين. أنا على يقين ان بامكان الكثيرين منكم القيام بذلك، فقد بدأت امبراطوريتي ببيع حبات الفول امام منزلنا المتواضع ووصلت لما انا عليه من ثراء.

فكرت كثيرا في قصة نجاح «جون» وقلت في نفسي ان منتجا فلبينيا ما سيصل يوما الى قائمة المائة الاكثر شهرة في العالم. ولكن اشك في ان بامكان منتج عربي او خليجي الوصول لشيء ما دامت المقابر هي المتحكمة بنا. ولنتوقف، ولو ليوم واحد عن القاء اللوم على الاستعمار والصهيونية، فقد عانت سنغافورة والفلبين وكوريا، وحتى الصين من مختلف انواع الغزو والاحتلال الذي لم يختلف كثيرا عما أصابنا، ان لم يكن اكثر قسوة وبطشا!!

احمد الصراف

لربات البيوت فقط

أحمد الصراف
تقدمت شركة مايكروسوفت بعرض لشراء «ياهو» بمبلغ 45 مليار دولار، وهو مبلغ يزيد على اجمالي الدخل السنوي من البترول لقطر والبحرين مجتمعتين، ويقترب كثيرا من دخل الكويت!!
ولكن، وبالرغم من اعتقاد الكثيرين ان العرض اكثر من مغر فان «ياهو» رفضته ولم تتقدم حتى بطلب مبلغ اكبر، فاذا كانت القيمة الفعلية لياهو بحدود 50 مليارا، فهذا يعني ان قيمة منافستها الاكبر «غوغل»، تزيد على 150 مليار دولار، ويعني ايضا ان قيمة مايكروسوفت ربما تكون بحدود 500 مليار (!!).
الغريب في الامر ان «ياهو وغوغل»، وعددا آخر من الشركات الاصغر حجما في مجالهما، لا تمتلك عقارات او مصانع او اسهم وسندات ولا تتاجر بسلع ملموسة بالمعنى الحقيقي وليس لها اي انشطة زراعية او نقل او ما شابه ذلك، فكل ما تمتلكه هو عقول مؤسسيها والعاملين فيها وقدرتهم على الاستفادة من الاعلان على الانترنت وتوفير وسائل اتصال وبحث سهلة عن مئات مليارات المواد العلمية والطبية والتجارية وغيرها الكثير الكثير، من خلال الضغط على بضعة ارقام على لوحة كمبيوتر، وهذا جعلها اليوم اكبر مصدر للمعلومات، واسرع وسيلة اتصال وتواصل عرفتها البشرية في تاريخها، من حيث اتساع ما هو متوافر في ذاكرتها الافتراضية وفي فضائها العنكبوتي من مواد، والكم الهائل من الرسائل الالكترونية التي تمر عبر انظمتها في كل ثانية حول العالم اجمع، فعصر المعلومات الذي نعيش فيه اصبح طوع بنان من يستخدم طرق البحث والاتصال السريعة التي تقوم هذه الشركات بتوفيرها!!.
الحديث عن هاتين الشركتين طويل، وسنتناوله في مقالات قادمة بتفصيل اكثر. ولكن اليوم سنتطرق للكيفية التي يحاول فيها البعض من جماعتنا اساءة استخدام الانترنت، بوعي او دون وعي، لتحقيق غير المجزي من الربح.
فقد قامت جهة غير معروفة، وربما غير مسجلة رسميا، بنشر اعلان موجه لـ «ربات البيوت فقط»، طلبت فيه الاتصال بها ان كان لديهن طبخات او اصناف حلويات مميزة يرغبن في بيعها عن طريق الانترنت!! وورد في الاعلان ان تلك الجهة على استعداد لتصوير المنتج مجانا، وعرضه على شبكة الانترنت ومن ثم تلقي طلبات الزبائن والاتصال بصاحبة الاكلة المختارة لتحضيرها ومن ثم استلام الطلب وايصاله للزبون وتحويل قيمة الطبق للحساب المصرفي الخاص بربة البيت!!
من الواضح ان محدودية السوق وما تتطلبه العملية من خدمة لوجستية معقدة ومرهقة فان ما سيتحقق منها من فائدة مادية في نهاية الامر لاصحاب الفكرة لن يكون كبيرا او مجديا، هذا مع الافتراض ان المشروع سليم، وهو ليس كذلك، فقد قمت بالاتصال بالشخص المسؤول وبينت له ان شراء وبيع مواد غذائية يحتاج الى ترخيص تجاري وصحي وعمالة خالية من الامراض، وهذا ما لا يمكن التأكد منه في بيت كل ربة بيت تشارك في المشروع، كما ان العملية قد ينتج عنها تسمم طرف ما نتيجة سوء التحضير او التخزين فمن الذي سيتحمل مسؤولية ذلك، ومن الذي يتحمل مسؤولية عدم موافقة المشتري على الطبخة، وكيف تعالج المرتجعات؟ الى آخر ذلك من الاسئلة التي لم يستطع المسؤول الاجابة عنها وقال انه سيخبر اصحاب المشروع ليتم الاتصال بي.
بعد انتظار طال لايام قررت كتابة هذا المقال ووضع الامر بتصرف الجهات المختصة في وزارتي الصحة والتجارة، ولنطلب من الجميع توخي الحذر في التعامل مع مثل هذه الاعلانات الغريبة!

 

احمد الصراف

الحضارة الغربية وتحرير الكويت

أحمد الصراف
يعتقد الكثيرون ان المجتمع الأميركي، والغربيون بشكل عام، مجتمعات منحلة، وأن المشاكل العنصرية تفتك بها، وأن الإجرام وحوادث السلب والقتل قد بلغت معدلات غير مسبوقة فيها، وأن عصابات المافيا تسيطر على كل ركن ونشاط هناك، وأن المخدرات لم تترك بيتاً دون أن تحطم أعمدته، وأن الفساد الإداري والسياسي لا حل له وأن عمليات النصب فاقت كل توقع، وأن ما يقع في أميركا يومياً من حوادث دمار وحريق وصراع شوارع بازدياد، وأن كل هذا سيعجل بانحلالها وانهيارها والدول الغربية الأخرى، كما انهارت قبلها امبراطوريات كثيرة. هذا على الأقل ما تصوره بعض شاشات شبكات التلفزيون الأميركية، وما تنتشي نفوس الكثيرين منا لسماعه أو تصور حدوثه!
قد يكون الكثير من ذلك صحيحاً، بالمطلق، ولكن الأمور دائماً نسبية! فإن كانت صحيحة فلم زعل البعض وغضبه من أميركا وهي التي ستنتهي وتنهار في نهاية المطاف؟ أليس من الأفضل والأسهل لكارهي أميركا ومنتقديها من الزملاء الجلوس على جانب الطريق وانتظار تحلل أميركا وشقيقاتها الغربيات؟ هل يعتقد هؤلاء بأن الساذج من كتاباتهم الحاقدة سيعجل بانهيار تلك الدول مثلاً؟ لا شك ان بعضهم يعتقد ذلك!!
سنجاري كل هؤلاء في أحلامهم ونفترض ان المجتمع الأميركي مجتمع فاسد حقاً، ومنحل ومخدر ولا أخلاق لديه وأن نهايته باتت قريبة، ولكن لنفترض أيضاً ان حكومة الولايات المتحدة أعلنت فجأة عن فتح باب التجنيس لفترة محدودة ولمواطني دول مجلس التعاون بالذات، فكم من كارهي أميركا ومن الحاقدين عليها سيطلب قربها ورضاها على الرغم من فسادها ولا أخلاقيتها؟ وهنا نتكلم عن مواطني دول مجلس التعاون، فما بالك بمواطني بقية الدول العربية، التي إن فتح باب الهجرة أمامها، فلن يتخلف غير المضطر، ولو كان في تلك الهجرة بئس المصير.
لا نقول ذلك من باب الشماتة ولا في معرض الدفاع عن أميركا التي لا تعرف أصلاً عنا أو عن أراضينا شيئاً، ولكننا نود أن نبين هذه الدولة التي يصفها هؤلاء بكل هذه الصفات البائسة والمنحطة والدونية، هي الأحسن في العالم بكل المقاييس. فلا تزال جامعات أميركا الأكثر رقياً وتقدماً بين جميع جامعات العالم. ولا تزال معاهدها العلمية ومراكزها البحثية الأكثر إنتاجاً وتطوراً. ولا تزال مخرجات مطابعها من روايات ودراسات وسير الأكثر رواجاً، ولا تزال صناعتها السينمائية الأكثر مشاهدة ولا تزال صناعاتها الطبية وأدويتها وأمصالها الأكثر طلباً. كما انها الأحسن والأقوى في الطيران والزراعة والاكتشافات البترولية والمعدنية الأخرى. وهي بين جميع دول العالم الأكثر تطوراً في وسائل المواصلات، وهي الأم والأب لعالم الإنترنت والكمبيوتر، وهي الأقوى على الإطلاق في عالم وعصر المعلومات الذي نعيشه، ولا توجد جهة أو دولة تمتلك عشر ما تمتلكه المؤسسات الأميركية من معلومات!!
فكيف يمكن أن نصدق انها على مشارف الانحلال والانهيار، وانها مجتمع الفساد والمخدرات والعصابات والقتل والحرائق إذا كانت لا تزال مصدر إلهام وأمل حتى لدول أوروبا الغربية واستراليا واليابان وكندا وغيرها؟!
لو كنا، أو كانت أي أمة، في مكانها، أما كنا سنتصرف، كقوة عظمى، بمثل ما تتصرف به حكومتها الآن؟ ألا تأتي مصالح ورفاه وعزة شعب الولايات المتحدة، بنظر إدارتها، فوق أي اعتبار آخر؟ ألا يبرر ذلك كل تصرفات أميركا العسكرية داخلياً وخارجياً، إن كانت ستصبح نتائجها في نهاية الأمر في مصلحة شعبها؟ وهل فكر أي كويتي مثلاً أثناء حرب تحرير الكويت فيما سيصيب الشعب العراقي من قتل، أو ما سيصيب العراق من دمار وانهيار في سبيل تحرير الكويت؟ ألم نكن جميعاً نريد عودة وطننا لنا «بأي ثمن»؟
فلم نرفض للغير ما نقبله لأنفسنا؟ ولماذا نعارض ذهاب أميركا وأوروبا للحرب في العراق وأفغانستان إذا كانت تعتقد حقاً ان في ذلك حماية لوجودها ورفاهية وحرية شعوبها من شرور تخلفنا؟
بأي مقياس يمكن النظر لزيارة الرئيس الإيراني للعراق، وهي الأولى في تاريخ البلدين، والعراق واقع تحت الاحتلال الأميركي، وخروجه سالماً معافى؟ ألا يحسب ذلك لمصلحة الحضارة الأميركية، والغربية عموماً، التي لولا إيمان نجاد بها لما قبل بوضع رأسه بين فكي الأسد!!

احمد الصراف

الفريق والفريق الأول

كان السيد جاسم القطامي، أول مدير عام للإدارة العامة للأمن العام، التي أصبحت بعد ذلك وزارة الداخلية، أكثر «وكلاء الداخلية» وضوحاً وحزماً، وصاحب موقف. وكذلك السيد عبداللطيف الثويني، أطول من خدم في تلك الوظيفة الحساسة، وكان ذكياً وصاحب ذاكرة قوية. أما السيد يوسف الخرافي فقد كان الأكثر غموضاً وقوة خفية. أما الأقل كفاءة فقد كان، برأينا، الوكيل السابق، الفريق الأول ناصر العثمان، الذي تقاعد قبل أيام. ففي عهده لم يتقدم أداء وزارة الداخلية كثيراً، إن لم يتقدم كثيراً على الرغم من كل ما صرف على الأمن والأجهزة الأمنية من مال، وعلى الرغم من كل ما طرأ على الوسائل والطرق الأمنية من تطور كبير. ولو نظرنا مثلاً الى خدمة النجدة أو الثلاث سبعات، وهي الأكثر أهمية والأكثر قابلية وسهولة للتطوير، لوجدنا أن لا شيء تحسن في هذه الخدمة خلال عهد الوكيل السابق على الرغم من كم الشكاوى التي وردت على تلك الخدمة. ولو نظرنا للمشكلة المرورية كمثال آخر، وهي أكثر تعقيداً، لوجدنا أن وضع المرور في الكويت أصبح مأساوياً وفي تردٍ مستمر.
ومسؤولية المرور ليست فقط من اختصاص مدير عام الإدارة العامة للمرور، بقدر ما هي مسؤولية رئيس المجلس الأعلى للمرور، الذي شغله لسنوات عدة الوكيل السابق، الفريق الأول المتقاعد العثمان.
في الكلمة التي ألقاها الفريق «أحمد الرجيب» وكيل وزارة الداخلية الجديد، عقب توليه مهام منصبه، في أول لقاء له بقيادات الوزارة والمديرين العامين ومساعديهم، أكد ضرورة عودة هيبة رجل الأمن التي تأثرت كثيراً لأسباب عدة (!!). وقال إن التسيب والإحباط لهما أسبابهما أيضاً ويجب معرفة ذلك ووضع الحلول المناسبة للقضاء على التسيب (!!) وقال إن من الضروري تكريم المجد، وعدم تأجيل ذلك (!!) وانه ليس هناك مكان للمتقاعسين في الوزارة (!!).
وعلى الرغم من إشادة الوكيل الجديد بسلفه، فان من الواضح والمنطقي الاستنتاج، أن ما أصبحت تتصف به إدارات عمل وزارة الداخلية من تسيب وما أصاب العاملين المخلصين فيها من إحباط للوكيل السابق دور سلبي فيه. ففي عهده الوظيفي، الطويل نسبياً، تخلفت أجهزة وزارة الداخلية بشكل كبير. كما لا يمكن إخلاء مسؤوليته، كما قلنا، عما يعانيه الكثير من إدارات الوزارة من تخلف واضح.
لنا أمل كبير أن تتقدم أوضاع وزارة الداخلية في عهد الوكيل الجديد إلى الأحسن، وقد رأينا أول الغيث قبل أيام عندما قام مدير عام الإدارة العامة للتحقيقات بزيارة مفاجئة لعدة مخافر في منطقة الجهراء، ليكتشف هناك غياب كامل طاقم التحقيق من ثلاثة مخافر، الأمر الذي دعاه لتحويل المحققين الغائبين لـ «التحقيق»!!
كما نتمنى للوكيل، الذي لم يسبق أن التقينا به، التوفيق في عمله وجعل الكويت بلداً آمناً، أو قريباً من ذلك. ونشكره على قراره الأخير المتعلق بمنع رجال الأمن من ارتداء ملابسهم الرسمية خارج أوقات الدوام!! نقول ذلك ولا نعلم الآلية التي سيتم بها تنفيذ هذا القرار، مع غياب الشرطة العسكرية. فهل مطلوب من موظفي الدولة مثلاً الامتناع عن خدمة ضابط، أو عسكري يقوم بتخليص معاملته وهو بزيه الرسمي؟ وما دورنا نحن كمواطنين لو شاهدنا عسكرياً يقوم بإيقاف سيارة الدورية في مكان مخالف لشراء سندويشة فلافل؟ وهل مطلوب منا الإبلاغ عمن يقوم بارتداء ملابس العسكرية الرسمية خارج أوقات الدوام الرسمي، وكيف يتم ذلك؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

لنصبح أحسن منهم

كل مرة أعتقد فيها أنني أصبحت أقرب لإنسانيتي وأكثر تسامحاً ومحبة للآخر، اكتشف بعدها بلحظات مدى بعدي عن هذا الهدف، وحاجتي لأن أتعلم أكثر!

يقول جون (نقلا بتصرف عن الإنترنت) عندما كنت في سنتي الجامعية الثانية أعطانا الأستاذ المحاضر امتحاناً فجائياً احتوى على أسئلة عامة.
استعرضت ورقة الأسئلة فوجدت انها سهلة في غالبيتها، ولكن السؤال الأخير كان غريباً، لا بل ومضحكاً، فقد تعلق بالاسم الأول للسيدة التي تقوم بتنظيف المدرسة بعد خروجنا منها في نهاية اليوم!
لم أعر السؤال أهمية كبيرة، فقد سبق أن شاهدت تلك السيدة مرات عدة وهي تقوم بعملها. كانت طويلة ذات شعر أسود، وربما في الخمسين من عمرها، ولكني لم أكترث قط لمعرفة اسمها، وبالتالي تركت السؤال الأخير دون إجابة، قبل الخروج من القاعة سأل أحد الطلبة الأستاذ المحاضر عن مدى همية الإجابة عن ذلك السؤال الغريب فأجابه: انه حيوي وعلامته ستكون مؤثرة، وأهميته تنبع من أننا في حياتنا نقابل الكثير من البشر، ولجميع هؤلاء أهميتهم، ولكن لا نعير أيا منهم ما يستحقه من اهتمام أو احترام حتى ولو كان من خلال ابتسامة أو هزة رأس، أو حتى تحية «هللو»!
وختم «جون» قصته بالقول انه لم يأسف كثيراً لعدم نيله العلامة الكاملة التي كانت ستؤثر في معدله العام وتجلب له المنحة الدراسية المجانية، لأنه تعلم في ذلك اليوم درساً في الحياة والإنسانية لن ينساه أبداً!

أكتب هذه القصة القصيرة لأقول إن زوجتي وأنا، ومنذ أكثر من 30 عاماً، نستعين بمربية أو أكثر في المنزل. وكان غالبية من عملوا لدينا من الفلبينيين، حيث كان هؤلاء، من واقع تجربتنا الطويلة، أكثر أمانة في عملهم، وأكثر حرصاً في قضايا النظافة. كما أن سهولة التواصل معهم لغوياً، بسبب نظامهم التعليمي المميز نسبياً، رجحت كفتهم على غيرهم.
ولكن على الرغم من طول عملهم معنا، فإن أحداً منا لم يحاول يوماً أن يهتم، طوال هذه السنوات بتعلم شيء عن حياتهم أو ثقافتهم، أو حتى بضع كلمات من لغتهم الـ «تغالوغ»!! وقد شعرت بما يشبه الصدمة عندما اكتشفت ان شكراً تقال في لغتهم «سلامات»! فما أجمل هذه الكلمة وما أسهل حفظها، وما أغلظ قلبنا لعدم محاولتنا حتى معرفتها، وهذه خطيئة في حق هؤلاء!
دفعني هذا الجهل لتعلم بضع جمل أخرى شائعة الاستخدام كصباح الخير مثلاً، وكان لاستخدامي لها في البيت والنادي وأماكن أخرى الوقع الجميل على جميع من سمعها منهم، وكنت أرى ذلك من الابتسامات وعلامات الدهشة المرتسمة على وجوههم، وامتنانهم لقيامي بتحيتهم بلغتهم المحببة على قلوبهم.
للعلم: «ماغندانغ أوماغا» تعني صباح الخير. ومساء الخير تقال «ماغندان غابي»، وبعد ظهر سعيد تقال «ماغندانغ هابون» وكيف حالك تقال «كوموستاكا»، بالإضافة طبعاً إلى «سلامات» التي تعني شكراً.
ابدأ من اليوم في تعلم شيء عن حياة من يعملون معك أو لديك من هؤلاء، فلهم حق عليك، إنسانياً وثقافياً، ولنصبح ولو لمرة واحدة.. أحسن منهم!
أحمد الصراف

احمد الصراف

أنا أمكم وطفلتكم

لقد كنت جميلة! البعض يقول إنني لا أزال كذلك، ولكني لا أحب نفسي كثيراً هذه الأيام، فقد اصبحت أخيف أبنائي، وأتسبب في قتل أهلي من غير قصد بتجويعهم حتى الموت، كما أقوم أحيانا بتحويل أكثر أيامهم إشراقا، وفي لمح البصر، إلى موت ودمار.
عندما أقف كل يوم هناك وأحرك يدي لوداع كل أولئك الشباب وهم يستقلون تلك الطيور الحديدية الضخمة، أشعر بالغيرة لعلمي بأنهم سيذهبون للتسوق في شوارع لم أسمع بها، مبتسمين لغرباء لا يعرفون حتى من أين أتوا وليعملوا وينجحوا.. آه كم أتمنى أن يكونوا معي الآن ليعملوا في كنفي، فأنا اشعر بالعجز من غيرهم، فآلاف وآلاف تركوني الى الابد، ومن عاد منهم لم يتجاوز المئات وانا هنا في الانتظار.. وفي انتظار عودتهم.
جاءت الصبية في ذلك اليوم، وكانت كالملاك بفستانها الأبيض ووقفت على الشاطئ وفنجان القهوة بيدها، وهي تنظر إلى البحر والكلمات تخرج من بين «عينيها»: آه كم اشتاق إليك.. كم أحن اليك ولطقسك ونسمات بحرك، كم أشتاق للتطلع من خلال نافذة غرفتي إلى النجوم وهي تملأ سماءك، عندما يكون الكون نائما وليس هناك غيرك.. آه كم اشتاق إليك!! إنني افتقد انتمائي لك، افتقد الأمان، انك لا تعرفين مدى قسوة أن يقوم أحدنا من النوم كل صباح، وهو يتساءل عما اذا كان أهلي وأصحابي بخير. ولا يشعر أحدنا بالاطمئنان حتى يقرأ صحف الصباح ويجري بضع مكالمات هاتفية إذا كان هناك خبر انفجار هنا أو قنبلة هناك.
سمعت كلام ذلك الملاك الجميل، وامتلأت مقلتاي بالدموع، وملأ الغضب قلبي، ولم اعرف كيف يمكنني مواساتها، فجسمي ثقيل ومتناثر وارضي أصبحت تستمتع بدمويتها، وبين كل لحظة وأخرى ينفجر احد شراييني ويموت من جراء ذلك بعض أطفالي الأبرياء وليس بمقدوري فعل شيء.. ولكني أحاول.
وعاد صوت الملاك، وسمعتها تقول: إنني أود أن أعود لك وأموت على أرضك بين أهلي، بين أبي وأخي، فأنا أريد أن أربي أبنائي معك كما سبق أن تربيت عندك.. عندما لم نكن نعرف الفرق بين المسلم والمسيحي وحتى اليهودي.. ولم اسمع أبداً عن ارهاب، فأنا أريد أن يتربى أبنائي على النظام والاحترام والحرية، والأهم من ذلك على الكرامة، فماذا حدث لك فأنت لم تعودي كما كنت؟
وهنا شحت بوجهي ومضيت فلم اعد قادرة على سماع المزيد، ولكنها لم تتوقف عن مناداتي، ولم أجب فقد حطّمت قلبي، فقط لأنها كانت تقول الحقيقة، فأنا لم أعد إلى ما كنت عليه من سحر وجمال، فقد سلب «الزعران» مني كل ذلك.
أشعر بالخجل فقد تسببت في مجاعة شعبي، وليس لدي سقف يظلهم ولا أمان وحب يلفهم، وأشعر بالألم، فأنا أود ان اقاوم وأتحمل أكثر فربما، ربما، يعرف أهلي ويشعرون بآلامي ويحاولون مساعدتي في الوقوف بدلا من السير فوقي، ولكني لا ألومهم فهم جياع وفقراء!!
وتركتني فتاتي الملاك بعدها بأيام قليلة على احد تلك الطيور المعدنية الضخمة، ونظرت خلفها وهي تصعد سلم الطائرة وهي تتأمل أن تعود وتراني، على الاقل، كما أنا عليه الان، ولكننا نعرف ان المسألة ستكون خلاف ذلك!!
صرخت عليها، صرخت عاليا لعلها تسمعني طالبا منها العودة فليس بمقدوري ان اضمن لها الأمان، ولكن بامكاني ان اعدها انني واياها بإمكاننا فعل شيء! عودي واعيدي معك كل اولئك الذين تركوني، فأنا مشتاقة لكم كثيرا، وافتقد وجوهكم وضحكاتكم وآهاتكم.. عودوا وقاتلوا من أجلي، نظفوا ما تراكم علي من أوساخ وما علق بي من مخلوقات فاسدة غيرت معالمي.. ساعدوني لكي أقف فليس بامكاني أن اقول بذلك وحيدة:
فأنا مدينتكم، وأنا أمكم، وأنا طفلتكم.. أنا بيروت!!!
* * *
• ملاحظة:
ترى هل سيتعلم الكويتيون شيئا من قصة بيروت؟ أشك في ذلك!!
مترجمة بتصرف عن كاتب مجهول.

أحمد الصراف

احمد الصراف

يا وزير الأوقاف أين أنت؟

يقول محمود القمني: منذ دخل العلم الحديث، وظهرت طبقة المتعلم ، تراجع دور الشيخ المهيمن على شؤون البشر، وقد عرف الشيخ ان العلم الحديث هو ألد اعدائه، ومن ثم كانت سلسلة التكفيرات والتحريمات لمنجزات هذا العلم!
سبق ان كتبنا مقالات عدة عن فظائع وفضائح المركز العالمي لنشر الوسطية، الذي تسيطر عليه جمعية الاصلاح، فرع التنظيم العالمي للاخوان، وهي الفضائح التي ايدتها تقارير ديوان المحاسبة تاليا، كما كتبنا كذلك عن مشروع مركز الوسطية الاخير الخاص باعداد «علماء المستقبل»، وهو البرنامج الذي وصفه وكيل الاوقاف في حينه بانه علمي ورائد وبانه سيتخصص في تخريج علماء شريعة وسطيين في سلوكهم وفكرهم، وان اعمار المشاركين في البرنامج ستكون بين 13 و16 عاما، وستكون مخرجات البرنامج كافية لسد احتياجات البشرية من العلماء الربانيين! علما بان اعمار هؤلاء بعد تخرجهم سوف لن تتجاوز العشرين بكثير!
كتبنا كل ذلك واكثر منه، مع ايراد الاسماء وتفاصيل اكثر، ولكن لا احد من الوزارة اهتم بالامر، والسبب معروف بطبيعة الحال.
مرّ شهر ونصف الشهر تقريبا على آخر مرة كتبنا فيها عن ذلك الموضوع، واعتقدنا في حينه ان بعض الوقت سيمر قبل ان يرى مشروعهم النور، لكن فجأة طالعتنا الصحف بخبر الشروع في البرنامج بمحاضرة «احمد القطان»! والاسئلة التي تطرح نفسها هنا بإلحاح:
1 ـ كيف تمكن المشرفون على المركز العالمي لنشر الوسطية خلال اقل من شهرين من الانتهاء من وضع منهج «علماء المستقبل»، خصوصا ان هؤلاء سيكونون علماء ربانيين يفيدون البشرية بعلمهم بعد 3 سنوات دراسة، وهم لم يتجاوزوا العشرين ربيعا بكثير؟
2 ـ من اين حصل المركز على طلبته، والعام الدراسي في منتصفه؟ هل قام باخراجهم من مدارسهم العادية وحرمهم من تلقي العلم الصحيح في مثل هذه السن اليافعة، مقابل مكافآت مادية عالية، ام انهم من غير المنخرطين في الدراسة؟
3 ـ اين تم الاعلان عن حاجة البرنامج للطلبة، ام ان الموضوع تم حصره ضمن جدران جمعية الاصلاح؟
4 ـ لمَ الإصرار على قطع صلة دارس المواد الدينية بالمواد العلمية المهمة كالفيزياء والاحياء والاحصاء وغيرها؟
ان نتيجة هذا البرنامج ستكون في حكم الكارثة على المشاركين فيه، ولن تفيد غير المشرفين عليه والمحاضرين فيه. فليس هناك من بامكانه اقناع اي عاقل بأن اطفالا في الثالثة عشرة من العمر يمكن ان يخلق منهم علماء ربانيين بعد ثلاث، او عشر او حتى عشرين سنة من الدراسة ضمن منهج لم يستغرق اعداده اكثر من شهر، علما بأنني اشك في وجود منهج اصلا، فقد ورد في الصحف ان احمد القطان، صاحب النباطة الشهيرة، وعضو جمعية الاصلاح القى درساً على طلبة هذا البرنامج بين لهم فيه فوائد «التكرار»!! كما حذرهم من قراءة المجلات والجرائد «المشينة»!! ولم يحدد الاخ القطان للطلبة تعريف «المشينة»، وبالتالي فمنعه سيسري على جميع الصحف والمجلات، ومنها هذا المقال!
ان مشروع علماء المستقبل مشروع غامض وفضيحة علمية ومالية وحتى اخلاقية، كما انه خطر لأنه يدعو الى الترويج لفكر وعقيدة حزب سياسي ديني معين.
لا نتمنى على وزير الأوقاف أكثر من سؤال مدير مكتبه عن حقيقة هذا المشروع، وسيسمع العجب!!

أحمد الصراف

احمد الصراف

ثلاثة تجعل الكويت الأولى

الأولى: قامت وزارة الداخلية، وبجهود طيبة من المقدم عادل الحشاش، مدير ادارة العلاقات العامة في وزارة الداخلية، بالانتهاء من طبع كتاب «المرشد القانوني للوافدين»، الذي طبع، في المرحلة الاولى، بأربع لغات، هي: العربية والانكليزية والفارسية والاوردو، وبمنحة مقدمة من البنك الوطني.
تضمن الكتاب ملخصا شاملا ووافيا بالمواد القانونية المعمول بها في البلاد، في ما يتعلق بالهجرة والامن العام ومعلومات مهمة اخرى.
الكتاب لا غنى عنه لكل راغب في معرفة القواعد والقوانين التي تكفل له اقامة مريحة بعيدا عن اي مخالفات.
تعميم هذا الكتاب على الجاليات الناطقة بلغاته سيكون ذا مردود عال على الجميع، كما انه سيجعل من الكويت رائدة، حتى مقارنة بالدول الغربية، بما في ذلك كندا، في ما يتعلق بحق الوافد في معرفة الكثير من القضايا والاحكام القانونية المتعلقة باقامته في البلاد وبلغته الاصلية، علما بأن الطبعة التالية ستتضمن لغات عدة اخرى كالفلبينية والبنغالية وغيرهما.
المسألة الثانية التي ستجعل الكويت في صدارة دول العالم الاخرى ترتبط بما سينتهي اليه عمل لجان ازالة التعديات على املاك الدولة! فنجاح جهود اللجنة الحكومية في ازالة جميع التجاوزات، خصوصا المتعلق منها بافراد الاسرة الحاكمة، وهي الاقل، حسب معرفتنا، او مخالفات نواب مجلس الامة، وهي الاكثر ومن في حكمهم، نفوذا، من وزراء ووجهاء، سيجعل الكويت الدولة الوحيدة في العالم التي لا توجد فيها تجاوزات خطيرة وواضحة على املاك الدولة، فهذا مرض موجود، بنسب متفاوتة في جميع دول العالم من دون استثناء!
نتمنى رؤية المزيد من مثل هذه القرارات الاصلاحية.
المسألة الثالثة تتعلق بقرار وزارة الداخلية الاخير الخاص بتوقيع العقوبة على جميع واضعي الملصقات الطائفية على مركباتهم، علما بأننا سبق وان طالبنا بذلك من خلال اكثر من مقال، وقيل لنا في حينه ان الوكيل السابق لم يبت في الامر عند عرضه للنقاش في احد الاجتماعات.
نتمنى ان يكون القرار من منجزات وكيل الداخلية الجديد، كما نتمنى تطبيقه على جميع الملصقات والكتابات الدينية والعاطفية الاخرى واشعار الغزل التي تكتب على اغطية اطارات سيارات الدفع الرباعي المثبتة في الخلف.
وان تم ذلك، فسيجعل من الكويت، للمرة الثالثة، الدولة الوحيدة، بين دول العالمين الثاني والثالث على الاقل، التي تخلو سياراتها من اي كتابات، غير ما يرخص به القانون.
* * *
• ملاحظة:
لا يتطلب الامر الكثير من الفطنة والذكاء، لكي نعرف من يقف مع التاريخ ومن يقف ضده. علينا اولا ان نعرف اننا نعيش في عالم سكانه اكثر من 6،5 مليارات نسمة، وهو يموج بالحركة والتطور المحموم، ونحن الوحيدين فيه الذين لا يوجد لدينا ما يشغلنا غير استهلاك ما انتجه الغير لنا.. ومنع الاختلاط! بعدها عليكم باستعراض وجود وقراءة اسماء معارضي الغاء قانون منع الاختلاط. وفعل الشيء نفسه مع معارضيهم، وستجدون اننا نقف خارج التاريخ تماما، وسنبقى هناك لفترة طويلة قادمة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

برلمانيات يمنية وكويتية

1 – طالب البرلماني اليمني فؤاد دحباس، والمنتمي الى التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ــ فرع اليمن، بمنع اقامة حفل فني كان المقرر ان تحييه المطربة السورية أصالة في مدينة عدن. وقال ان اقامة الحفل بمنزلة دعوة للمجون، وانه يمثل مخالفة شرعية و.. دستورية!
من حق النائب وصف الحفل بأنه دعوة للمجون أو الجنون، ولكن ما علاقة الأمر بالدستور، وهل دستور اليمن يتطرق الى مواضيع إقامة الحفلات الغنائية مثلا؟
سنتجاوز هذا الأمر، ونفترض ان اقامة حفل غنائي هي فعلا دعوة للمجون، ولكن ما رأي النائب الإخوانجي بجلسات القات في اليمن؟ هل يعلم مثلا ان 20% من دخل الدولة ينفق على شراء القات، الذي يستورد معظمه من افريقيا، وهل يعلم مثلا ان جلسات القات تضيع فيها مئات ملايين ساعات العمل سنويا من دون فائدة؟!
ان كان لا يعلم فتلك مصيبة، وان كان يعلم فلمَ لم يصف تلك الجلسات بأنها دعوة للتخدير وتضييع المال والجهد والوقت وحتى العقل؟ فكيف اصبح غناء لا يتجاوز بضع ساعات دعوة للمجون.. وفعل تخدير يهدر ملايين الساعات غير ذلك؟ ألا يعني هذا أننا فقدنا بوصلة المنطق منذ قرون طويلة؟

2 – كتعبير عن استياء خالد العدوة، النائب في البرلمان الكويتي، من موقف الدول الأوروبية وأميركا مما يحدث في فلسطين، ومع حركة حماس، فقد قام في فورة حماس غريبة، ولكن غير مستهجنة من خطيب مسجد سابق، وفي جلسة برلمانية علنية في الثاني والعشرين من الشهر الماضي بوصف من لهم الفضل الاول والاخير في تحرير وطنه واعادة كرامته له وتسهيل امره ليصبح نائبا في البرلمان ليشتم الآخرين وينعتهم بما شاء من ألقاب مستنكرة ومستهجنة، قام بوصف اصحاب الفضل من اميركيين وأوروبيين بـ«الأوباش وأولاد الكلب»! وهنا أيضا وأيضا سنفترض أن وصفه صحيح ودقيق! ولكن لو علمنا أننا كمسلمين، وكعرب بالذات، نعيش في غالبيتنا، عالة على العالم وعلى الأوروبيين والاميركيين بالذات، وبما أنهم، حسب قول النائب الكويتي، اولاد كلب واوباش فبماذا يجب ان نصف انفسنا ونحن نعيش تحت رحمتهم؟ وما هو الوصف الذي يود اطلاقه على أوباش حركتي فتح وحماس الذين قتل كل طرف منهم ابناء وأخوات الطرف الآخر في سبيل كرسي حكم تتحكم في أرجله إسرائيل؟ لا نود ترك الجواب للسيد النائب ليجيب عنه.. فالإجابة معروفة سلفا!
• ملاحظة: مساحة الكويت 18000 كلم المستغل لا يتعدى 10%، والسكان 2،5 مليون، ونعيش في القرن الــ 21، والدولة غنية، ويفترض وجود نظام تعليم متطور وتوعية مستمرة. كما يفترض توافر جميع متطلبات الامن والسلامة في مرافق الدولة، ولكن على الرغم من ذلك فقد وقع في الكويت العام الماضي اكثر من 13 الف حريق، اي 36 حريقا كل يوم، وألحقت خسائر بمئات ملايين الدنانير، وفقد 185 شخصا ارواحهم، واصيب 1538 باصابات مختلفة، ويعتبر هذا بحكم الكارثة، ويعني احد امرين، او كليهما: اما ان الامة جاهلة بشكل عام، ولا تعرف كيف تحتاط وتتقي حوادث الحريق، او ان هناك تقاعسا شديدا من قبل الادارة العامة للاطفاء في القيام بواجبها سواء من ناحية توعية المواطنين بمخاطر وقوع الحرائق، او في عدم قيامها بمهام الرقابة الفعالة!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الاتجاه الخاطئ الآخر

«يعتبر دواء الانسولين المصنوع في الدانمرك الاكثر استخداما في العالم لاعتدال ثمنه وقوة مفعوله»!
* * *
كتبنا قبل ايام مقال: «الاتجاه الخاطئ» وتعلق موضوعه بعملية القاء القبض على عدد من الاشخاص في الدانمرك بتهمة «التخطيط» لقتل احد رسامي الكاريكاتيرات المسيئة، وبينت فيه ردود الفعل العنيفة لمحاولة القتل هذه التي دفعت عشرات الصحف الاوروبية، وليس الدانمرك فقط، لاعادة نشر غالبية تلك الرسوم في تحد واضح لمحاولة الاغتيال، ولتأكيد مبادئ حرية القول والنشر التي تؤمن بها تلك الشعوب الاوروبية، وقلنا ان من السهل الدفاع عن صور نبي الاسلام بالطرق السلبية المتمثلة بقتل من يسيء لتلك الصورة، وان الصعوبة تكمن في نصرته بالفعل الايجابي المتمثل في رفع شأن المسلمين وتقوية اقتصادهم وتشجيعهم على البحث والاختراع ليعرف الجميع مدى قوة وتقدم ورقي اتباعه، وبالتالي يأتي الاحترام من تلقاء نفسه، فقتل المناوئين او ناقدي رموزنا الدينية العالية قد يمنعهم من التعبير علنا عن مشاعرهم، ولكن هذا لا يمكن ان يغير حقيقة ما بأنفسهم نحونا.
وفي الكويت، يبدو ان بعض اعضاء مجلس الامة في طريقهم للسير في الاتجاه الخاطئ نفسه الذي سبق ان كتبنا عنه، وذلك بالدعوة لاتباع الطرق السلبية في الرد على محاولات الاساءة لنبي الاسلام العظيم!! وهنا نعود ونقول ان قتل كل من يسيء لنا ليس حلا، وسحل من يشتمنا ليس مقبولا، وانهاء وجود من يسخر منا ليس مخرجا، فما نحن بحاجة اليه يختلف عن ذلك كثيرا، فهؤلاء لم يسخروا منا الا لضعفنا وهو، ان حالنا، علميا وثقافيا وصناعيا وغير ذلك، وبالتالي فان الاحترام لا يمكن ان يستعاد بالسيف والخنجر والرصاصة، بل بالتصرف الاخلاقي الحميد وبالتقدم الصناعي والتطور الزراعي، وهذه جميعها امور لا تطعم خبزا ولا تكسب صوتا انتخابيا للسياسيين الذين يسعون الى كسب عواطف الغوغاء ونيل اصوات الدهماء، وبالتالي نراهم يتجنبون السير في الصعب من الطرق ويفضلون، بدلا من ذلك، اثارة الغرائز واللعب على العواطف لتبقى الشعوب اسيرة البائس من طروحاتهم.
ان اللجنة البرلمانية الدائمة التي يطالب النائب وليد الطبطبائي بتشكيلها لنصرة نبي الاسلام سوف لن يتمخض عنها ما سيفيد الاسلام والمسلمين وأعز رموزهم. فهذا الرمز عاش عظيما لاكثر من 1400 عام وبقي وانتشر في العالم اجمع وكان للبحاثة والمستشرقين الغربيين، والدانمركيين بالذات، دور عظيم في ترسيخ الصورة والرسالة، فمايكل هارت وآن ماري شيميل وجوديث ميلر وكارين آرمسترونغ وتيودور نولكه غيرهم العشرات ممن لا تحضرني اسماؤهم، كان لهم الفضل الاكبر في ما نعرفه الآن عن ايام الاسلام الاولى ونبيه.
لا مصالح تجارية لدي مع الدانمرك ولا يعنيني كثيرا امر مقاطعة منتجاتهم او منتجات غيرهم، فسرعان ما سنكتشف خطأنا ونتراجع عنه، ولا اعتقد ان هذه هي الطريقة السليمة للرد على المسيئين لنا، وما نحن بحاجة اليه حقا، والذي سيكون اكثر فاعلية في الرد على المسيئين لنا هو في اتفاق المسلمين، او العرب او حتى الخليجيين، في اسوأ الاحوال، على انشاء مصنع عالمي لانتاج الانسولين مثلا، وهو الدواء الذي يحتاجه مئات الملايين من مرضى السكر في العالم، والذي يعني لهم الفرق بين الموت والحياة، ومن ثم بيعه بسعر التكلفة للمحتاجين له في العالم باسم نبي الاسلام!!
هل فكر هذا النائب في تقديم مثل هذا الاقتراح البناء لحكومته ونوابه، ومصارف المنطقة، والاسلامية منها بالذات، المتخمة بمئات مليارات الدولارات التي لا تعرف كيف تستغلها بطريقة يكون فيها عز الاسلام ورفعته؟ ام ان الهدم والقتل والتدمير وتأليب العالم علينا اكثر سهولة وانجع في دغدغة الرخيص من مشاعر النواب والناخبين؟

أحمد الصراف