أحمد الصراف
«جون كونكغوي» اسم يعرفه الفلبينيون جيدا فهو واحد من كبار أثريائهم. يقول «جون» انه ولد في «سيبو» في الفلبين، ومنها بنى امبراطورية واسعة الانتشار في مجال الطيران واتصالات الهواتف المتنقلة والمرطبات والاطعمة. وقال في محاضرة ألقيت في أميركا قبل بضعة أشهر، انه عرف الفقر مبكرا بعد وفاة والده الثري فجأة، لتكتشف العائلة الكبيرة التي تركها وراءه ان ديونه تزيد على ما تركه من ثروة، وانه بالتالي بدأ من الصفر في سن 13 يعمل ويدرس ليلا، ونجح بتأمين لقمة شريفة لوالدته واخوته الذين أرسلوا للصين للعيش هناك.
نهاية الحرب العالمية الثانية كانت سعيدة بالنسبة اليه، وكان وقتها يبلغ العشرين، حيث تاجر بمخلفات الجيش الأميركي، واستورد البصل والطحين والملابس المستعملة وورق الصحف والمجلات المستعملة من أميركا، ومن تجارتها انطلق ليصبح أحد اثرياء العالم في قصة نجاح مثيرة بكل تفاصيلها.
يقول «جون» ان قصص النجاح الباهرة تصلح للأفراد وللشركات ايضاً وهي بالتالي لاشك تصلح للأمم. وهذا ما كان مصدر تساؤله الدائم عن سبب عجز الفلبين عن بلوغ ما تصبو اليه. ففي الفلبين قصص نجاح عدديدة سواء في الرياضة أو الغناء أو في تصاميم الملابس، وهذه جميعها اشتهرت بسبب الاعلام، فلا شك ان هناك حتما قصص نجاح عديدة اخرى ولكن غير معروفة. ولكن الفلبين تفتقر لعلامة تجارية عالمية معروفة، وهذه بامكانها خلق فرص عمل كثيرة وسترفع من مستوى معيشة الجميع، وهذا ليس بالأمر الصعب، فقد نجح في ذلك جيران الفلبين. ففي 54 سنة الماضية نجحت كوريا الجنويبة، بالعمل الدائب والجاد، في بناء نفسها بعد كل ما أصابها من دمار نتيجة الحرب العالمية الثانية، وما تبعها بعد سنوات من حرب أهلية طاحنة نتج عنها تقسيم البلاد الى دولتين!! ،نجحت كوريا خلال هذه الفترة من التحول من دولة زراعية في 1945 الى دولة متعددة المنتجات الخفيفة في ثمانينات القرن 20، ولتصبح مع بداية القرن الحالي من اوائل الدول في صناعة شبه الموصلات واجهزة الروبوت وتقنية البيولوجي، هذا بخلاف مئات المنتجات العالية الجودة الاخرى. وقد نجحت علامتها التجارية المعروفة «سامسونغ» في ان تصبح واحدة في قائمة العلامات المائة الاهم في العالم، كما تبعتها «ال جي» لتصبح الثانية.
وماذا عن الصين التي اصبحت خلال الثلاثين عاما الاخيرة رابع اكبر اقتصاد في العالم! اما قصة سنغافورة بأعراقها المتعددة فقد حولها «لي كوان يو» خلال اقل من 40 عاما الى واحدة من اغنى اقتصاديات آسيا وليصبح شعبها الأكبر دخلا في شرق آسيا!!
ويستطرد «جون» في القول اننا وبعد 50 عاما من الاستقلال لا نزال نسعى الى خلق علامة تجارية عالمية نفتخر بها، وهنا لا نستطيع التحجج بقلة عددنا فنحن شعب يتجاوز عدده 86 مليونا، علمابأن سويسرا التي يبلغ تعدادها 9 ملايين لديها «نستله». والسويد بسكانها الـ 9 ملايين ايضا لديهم «اريكسون» وفنلندا بخمسة ملايينها لديها «نوكيا» وجميعها ماركات عالمية معروفة. نعم نستطيع القول ان شعبنا مصدر كبير للعمالة الماهرة، ونأتي بعد الهند عالميا في مجال توفير الخبرات والتقنيات الادارية للشركات الكبرى، ولكننا لا نزال نفتقر لعلامة تجارية عالمية، ويجب الا نهتم ان ضحك الآخرون من احلامنا، فقد كانت السيارات اليابانية مصدر ضحك الكثيرين قبل فترة سنوات قليلة، وهي الان الافضل عالميا.
نعم لدينا منتجات فلبينية واطعمة ومجوهرات وحقائب يد تخترق الكثير من اسواق اوروبا وأميركا، وبالذات آسيا، وعليكم التفكير بعدم الاكتفاء بسوق لا يتعدى عدده 86 مليونا والتفكير بسوق آسيا الذي يبلغ اربعة مليارات نسمة، وان بامكانكم خلق شيء ما تفتخر به الفلبين. أنا على يقين ان بامكان الكثيرين منكم القيام بذلك، فقد بدأت امبراطوريتي ببيع حبات الفول امام منزلنا المتواضع ووصلت لما انا عليه من ثراء.
فكرت كثيرا في قصة نجاح «جون» وقلت في نفسي ان منتجا فلبينيا ما سيصل يوما الى قائمة المائة الاكثر شهرة في العالم. ولكن اشك في ان بامكان منتج عربي او خليجي الوصول لشيء ما دامت المقابر هي المتحكمة بنا. ولنتوقف، ولو ليوم واحد عن القاء اللوم على الاستعمار والصهيونية، فقد عانت سنغافورة والفلبين وكوريا، وحتى الصين من مختلف انواع الغزو والاحتلال الذي لم يختلف كثيرا عما أصابنا، ان لم يكن اكثر قسوة وبطشا!!