احمد الصراف

التطعيم وجريدة الخروف

واخيرا، وبعد انتظار دام عشرات السنين، تحركت جرافات النظام، لتزيل واحداً من اكثر التعديات شيوعا، واصعبها على الازالة، وهو الديوانيات المخالفة. وفي اليوم نفسه، تحركت فرق الازالة التابعة لهيئة الزراعة لتزيل عددا كبيرا آخر من تجاوزات الزرائب والمزارع في كبد والصليبية وغيرهما.
وسبق ان ورد في الصحف ان هيئة الزراعة احالت الى النيابة العامة 4 موظفين يعملون لديها اثر اكتشاف حالات تزوير في شهادات تحصين الاغنام! لو ورد مثل هذا الخبر في اية وسيلة اعلام غير كويتية لاعتقد القارئ ان الاحالة الى النيابة جاءت على خلفية الاهتمام بصحة مواطني الدولة وضيوفها وزائريها، الا ان الخبر في الكويت يعني شيئا آخر تماما!
فهؤلاء الموظفون قاموا باستخراج شهادات رسمية تثبت تطعيم عدد من الاغنام تطعيماً وقائياً ضد امراض وبائية تصيب الحيوان، وقد تنتقل امراضه للانسان، وحيث ان شهادات التطعيم المزورة تتعلق باغنام غير موجودة، فلم الاحالة إلى النيابة اذاً؟
القصة ببساطة تتعلق بعملية اثراء غير مشروع برع فيها الكثيرون وساعدتهم الحكومة علنا وجهرا في ذلك وتحت سمع وبصر جميع اعضاء مجلس الامة منذ منتصف الثمانينات وحتى الامس القريب من دون ان يحاول احد منهم وقف هذه السرقات العلنية، لا بل استمروا جميعا اثناءها في اداء كل واجباتهم الدينية من دون تردد او تأنيب ضمير، وكأن المال العام مال خاص بكافر!
شهادات التحصين هذه سمحت لفئة من المواطنين «الشرفاء» تجديد عقود استئجار، او حقيقةً تملك، زرائبهم من الدولة، وبالتالي اصبح في امكانهم الحصول على كميات كبيرة من الاعلاف المدعومة وبيعها بربح جزيل في السوق السوداء. كما ان الشهادات «التافهة القيمة» هذه ساعدتهم على تأجير زرائبهم للغير بمبالغ تزيد على 12 الف دينار سنويا للالف متر، مقابل دفع مائة دينار للحكومة، علما بأن مساحة غالبية الزرائب لا تقل عن 5 آلاف متر!!
كما سهلت شهادات التطعيم هذه لحامليها جلب ما لا يقل عن عشرة «بنغلادشيين» ورميهم في الشارع من دون عمل، ليعيثوا في الكويت فسادا، مقابل مبالغ تتراوح بين 600 والف دينار للرأس الواحد!! هذا غيض من فيض مما يمكن لمثل هذه الشهادات المزورة دره على اصحابها، فهل ستنتهي هذه القصة على خير؟ اشك في ذلك!

ملاحظة(1): وبمناسبة الحديث عن الخراف، وعلى ذمة الزميلة ليلى العثمان، انها استمعت إلى فتوى رجل دين حرم فيها لحم خروف شاهده صاحبه يأكل جريدة تحمل كلمات دينية!!
ونقول ان الشرهة (الحق) ليس على المفتي ولا طالب الفتوى ولا حتى على الخروف المسكين، بل على نظامنا التعليمي.

• ملاحظة(2): سنتغيب عن الرطوبة السياسية والغبار النفسي عشرة أيام خارج الكويت، بعد ان قمنا بتزويد الزاوية بما يكفي من مؤونة.

أحمد الصراف
[email protected]

احمد الصراف

معذرة.. ابن خلدون

هاجرت أسرة صاحبنا في بدايات القرن الثامن الميلادي من حضرموت (اليمن)، الى الأندلس، في فترة احتلال المسلمين لشبه الجزيرة الايبيرية. وهناك استقرت الحال بها في منطقة اشبيلية Seville، حيث سعت لتقلد مناصب سياسية قيادية.
مع بدء انحدار الدولة الاسلامية في الاندلس نزحت الاسرة مرة اخرى الى منطقة شمال افريقيا، حيث كانت لهم روابط قوية مع حكام المنطقة من الحفصيين، وكان ذلك في عام 1284م.
كونه ينحدر من اسرة من العلماء ورجال الدولة، فإن ذلك اتاح له فرصة تلقي العلم في ميادين عدة من والده ومن مجموعة من علماء شمال افريقيا.
بعد انتهائه من تلقي علومه تولى مناصب قيادية مهمة في تونس وفي فاس. قام، بعد فترة سجن سياسي دامت سنتين، بزيارة غرناطة حيث تم الاحتفاء به بما يليق بمقامه، وهناك اتيحت له فرصة زيارة مقام اسرته السابق.
تقلبت به الاحوال كثيرا، وكان للسياسة دورها في عدم استقرار وضعه، وهذا ما دفعه في نهاية الامر للاحتماء بقبيلة «اولاد عارف» التي منحته حق الاقامة في «قلعة ابن سلامة»، وهي قلعة تقع في منطقة وهران (الجزائر) حاليا.
سلام القلعة وهدوءها اتاحا له فرصة التفرغ لكتابة اشهر كتبه وابلغها اثرا، وكان ذلك في عام 1377.
غادر بعدها بعام القلعة واستقر في تونس واصبح يعطي دروسا في جامعها الشهير «الزيتونة».
في عام 1382م قرر السفر للحج عن طريق مصر، لكن في القاهرة غيّر رأيه وقرر الاستقرار فيها، واصبح يعطي دروسا في جامع الازهر الشهير. وعيّنه السلطان المملوكي «برقوق» بعدها في منصب كبير القضاة.
توفي في عام 1384م عن 74 عاما. وفي 27 مايو القادم سيكون قد مر على مولده 676 عاما بالتمام والكمال.
قالت فيه نشرة جامعة «ييل» الاميركية: سبق بنظرياته علماء اجتماع وفلاسفة العصر الحديث واقتصادييهم ومؤرخيهم ايضا من امثال ماكيافيللي ومونتسكيو وكوميه ودوركهايم وحتى كارل ماركس!
هذا هو ابن خلدون، عبدالرحمن بن محمد الحضرمي الاشبيلي، صاحب كتاب «العبر» ومقدمته المشهورة، والذي يكاد يكون العالم العربي القح الوحيد في مستواه العالمي، والذي لا نرى لاسمه اثرا او ذكرا في اكثر من 18 عاصمة عربية، في الوقت الذي نقشنا فيه اسماء كبار ارهابيينا ودكتاتوريينا والمفسدين منا على شوارعنا ومعاهدنا وجامعاتنا ومدننا وكأنهم آخر ابطال الارض! معذرة لك يا سيدي «ابن خلدون».
للاطلاع على المزيد من آثار الرجل واعماله وما كتب عنه يمكن الرجوع الى موقع Yale University Library, Near East collection على الانترنت.

• ملاحظة:
تحفظت الكويت والسعودية فقط، من اصل 45 دولة اسلامية، عن التوقيع على الاتفاقية الدولية الخاصة بالمعاقين. وقال احد مسؤولي الوزارة ان تحفظ الكويت نابع من معارضة الدولتين لبعض بنود الاتفاقية الخاصة بالتبني لمعارضة ذلك للشريعة!
وهكذا نجد اننا لم نكتف بكون المعاق معاقا، بل حرمنا عليه حتى فرصة تبنيه؟

أحمد الصراف
[email protected]

احمد الصراف

كرامتهم من كرامتنا

أحمد الصراف
يتمتع مواطنو عدد محدود من دول العالم بمستوى مرتفع من المعيشة مقارنة بغالبية دول العالم، وتمتاز اقتصاديات تلك الدول بقوتها وبانخفاض البطالة فيها، كما انها جميعا من الدول الغربية ذات الأنظمة الديموقراطية الحقيقية.
لأسباب معروفة، واهمها، حاجتنا لتلك الدول اكثر من حاجتهم لنا، قامت الحكومة، وفي خطوة ذكية، ولو انها جاءت متأخرة كثيرا، باعفاء مواطني تلك الدول من شرط الحصول المسبق على سمة الزيارة، او الفيزا، اللازمة لدخول البلاد.
اعتبرت هذه الخطوة في حينها تحية لرجال الاعمال وتسهيلا لأعمالهم مع الشركات الكبرى لتلك الدول الغربية، وتقديرا من الحكومة لحسن العلاقات مع دول العالم المتقدم.
لأسباب كثيرة لم تكن خدمة منح الفيزا في المطار بالمستوى المطلوب منذ يومها الأول. فتارة هناك نقص في عدد رجال الامن المناط بهم مهمة إصدار الفيز. وتارة اخرى تجد الكثيرين منهمكين غير مدربين ويتسببون في تأخير المعاملات. وتارة ثالثة يواجه الزائر مشكلة كبيرة في إيجاد أجهزة صرف العملة الأجنبية لتسهيل دفع رسوم الدخول التافهة والضرورية، وهكذا!
كان تذمر رجال الاعمال الزائرين او المستقبلين في البداية محدودا بسبب انشغال الجميع بخطوة الحكومة الجيدة، ولكن مع مرور الوقت، وعدم تطور الاداء، بل وتخلفه عن السابق في ايام كثيرة، اصبح الأمر مدعاة للقلق، وانقلب الامر لضده، حيث اصبحت الخدمة مصدرا للمعاناة والاهانة الواضحة، بعد ان بلغ التأخير قرابة الساعتين في الكثير من الحالات، الامر الذي دفع بالبعض لمحاولة الحصول على الفيزا من سفارات الكويت في بلادهم، ولكن بعضها لم يكن متعاونا كثيرا.
من الواضح ان الداخلية لديها عدد محدد من العسكريين للعمل في هذا المرفق المهم، وليس لدى هؤلاء اي تنسيق مع إدارة المطار المدني بما يتعلق بالرحلات القادمة، وخاصة القادمة من الدول الأوروبية واميركا واستراليا، والاستعداد المسبق لها، وبالتالي نجد ان عدد هؤلاء لا يتغير في ساعات الذروة عنه في الساعات الاخرى.
من المؤلم ان نرى الجهود الكبيرة التي تبذلها الإدارة الجديدة للمطار لرفع مستوى ادائها تضيع سدى بسبب سوء اداء او تصرف رجال الامن في هذا المرفق الحيوي.
نتمنى على وكيل الداخلية الجديد، الفريق أحمد الرجيب، الاهتمام بالمطار من ناحية رفع عدد ومستوى العاملين في قسم منح الفيزا، حيث أن غالبيتهم، من واقع مراقبتي لهم ومما أصبحت أسمعه من عدد متزايد من رجال الاعمال الغربيين، لا يصلحون لمثل ذلك العمل الحساس.
كما ان السماح لسيدات «منقبات» من دون هوية واضحة او اسم معروف في العمل على حاجز المغادرة، وخاصة في حاجز الدرجة الأولى، امر غير مقبول! هذا بخلاف وجود ثغرات عديدة في المراقبة الأمنية، فغالبية مراقبي اجهزة الاشعة الكاشفة للمعادن لا يكترثون بتفتيش الركاب المغادرين ان صدر من تلك الاجهزة ما ينبئ بوجود آلات معدنية معهم او بحقائبهم مثلا.
زيارة متنكرة واحدة لمسؤول كبير كافية لكشف الخلل، اما معالجته فهذا امر آخر!!

احمد الصراف

رسالة «سعيد» اللبناني

«سعيد»، صديق عزيز يقيم في الكويت منذ عقود ويعرف كل شيء عن اهلها وشوارعها ولهجاتها وطرقها ومشاريعها وحتى الكثير من اسرارها وخباياها، قام بارسال رسالة حزينة لي قبل ايام، جعلت محتوياتها قلبي ينقبض لما احتوته من تساؤلات تصعب الاجابة عنها، وربما يكون هذا سبب تعاسة هذه الامة وتخلفها.
يقول «سعيد» في مقدمة رسالته اننا في حاجة الى من يتكلم بعقل وبمنطق وبأمانة وقبل ذلك بشجاعة، فما يحصل الآن على الساحة في ما يتعلق بالرسوم الدانمركية يسيء الينا جميعا، والشر القادم سيصيبنا كلنا، مسلمين ومسيحيين، عربا واجانب، هذا بخلاف ما سيصيب اكثر من عشرة ملايين مسلم يعيشون في كل دول اوروبا الغربية التي نحاول بكل اصرار وغباء كسب عداوتها جميعا.
ويتساءل «سعيد»: هل سيكون هناك سلام في منطقتنا يوما ما؟ وهل سينعم ابناؤنا واحفادنا بالعيش الكريم يوما في بيئة تقطعها الآن الاحقاد وتنهشها الضغائن؟ ويسأل بحرقة اكثر لماذا لا يكون لدينا غاندي او مانديلا في كل دولنا؟ الا يعود ذلك لقلة المبدعين لدينا؟ ويقول ان من الواضح ان جميع اطراف الصراع في المنطقة تنشد السلام في نهاية الامر، لكنها على عجلة ايضا للقيام بعدة عمليات قتل وتدمير هنا وهناك قبل ان يحل السلام بيننا كل على طريقته، هذا اذا حل السلام اصلا!
يبدأ «سعيد» رسالته بالقول بأنه معني حتى النخاع بما يحدث في المنطقة على الرغم من عدم انتمائه، دينيا، لأي طرف فيه، كما ان وضعه المالي المريح وما يحمله من جنسيات متعددة تسمح له بترك المنطقة والعيش في اي مكان في العالم بكرامته، ولكنه من هذه المنطقة ومن هذه البيئة خرج واليها ينتمي واليها يشتاق عندما يطول غيابه عنها، ولهذا له حق في ان يقول ما يجيش بصدره من احلام، وما يدور بعقله من آراء ممن يشكل مصدر خطر عليه وعلى عائلته ورفاهيته، وما يحب ولما ينتمي.
ويقول انه يجب ان نهدئ اللعب قليلا ونسيطر على ثورات الغضب العشوائية فينا على امل ان نتمكن من تشخيص مصدر الخلل! فهل يكمن الخلل فينا ام في غيرنا؟ وما هو الاولى بالمعالجة، ما لدينا من خلل او ما لدى الآخر؟ ان الرسوم الدانمركية مسيئة، وهذا ما هدف اليه من رسمها، ولكن لنسأل انفسنا: هل جاءت تلك الرسوم من فراغ؟ لا شك ان من رسمها لا يعرف ما يكفي عن الرسول، ولم يقرأ عنه ولم يفهم رسالته، وبالتالي فما رسمه كان انعكاسا للواقع الذي يعتقد ان مسلمي هذا العصر يعيشونه، فهذا التعطش الغريب لإراقة الدماء وقتل الآخر المخالف، ولو كان من صلبنا، امر لا يمكن ان يمر من دون تعليق ورسم وكلمة من الآخرين! فالجو العام الذي نعيش فيه يظهرنا بأعين المراقب الغربي اننا جميعا نكفّ.ر كل شيء، ونخطّ.ئ كل شيء! فاليهود اشرار كفار يجب قتلهم، والمسيحيون يجب كذلك القضاء عليهم، وسبي نسائهم وحرق زرعهم وتشريد اولادهم، وفوق ذلك فإن وضع ومكانة اليهود والمسيحيين عند السنة مثلا اهون من وضع اخوتهم في الدين واللغة والوطن من الشيعة، والامر ذاته ينطبق على الشيعة اتجاه إخوتهم من السنة، فهذا «رافضي» يستحق اللعن والقتل، وذلك «ناصبي» يستحق البصق والشنق.
ويتساءل «سعيد» الا نخجل من كل شرورنا وافعالنا وكراهيتنا بعضنا لبعض واستعدادنا شبه الفطري لقتل ابناء بعضنا البعض تحقيقا لاحقاد لا أساس لها مرت عليها قرون ولا يعرف احد كيف بدأت والى ماذا ستنتهي؟
نعم، لنبي الاسلام علينا حق ، لكن ما نفع اسلامنا ان اصبحنا جميعا عراة جياعا مشردين نتيجة تقاتلنا بعضنا مع بعض، ومع العالم اجمع!
لماذا نصرف مئات ملايين الدولارات على محاربة المسيئين ولا نصرف عشر ذلك على تهدئة نفوسنا وتجميع قوانا وتوحيد صفوفنا؟ الا تستحق اوطاننا وتراثنا وكرامتنا واهالينا منا شيئا من ذلك؟ ألم يحن الاوان لأن نخجل من كل افعالنا الشريرة بحق بعضنا البعض قبل الغضب من رسوم الآخرين التافهة؟ كيف يمكن ان اصدق ان الدانمرك تريد الاساءة لمحمد ودينه، وهي التي آوت واحتضنت مئات الآلاف من ابناء الاسلام واتباع محمد، وامنتهم من جوع ومن خوف ووفرت لهم المسكن والعلاج مجانا، والعمل الشريف وضمان الشيخوخة مدى الحياة على حساب دافع الضرائب الدانمركي! كيف يمكن ان اصدق ان هذه البلاد التي آوت مئات آلاف العرب والمسلمين المضطهدين من قبل انظمتهم ومواطنيهم كارهة للنبي وللاسلام، ونحن الذين اخرجنا ملايين المسلمين مطاردين من بيوتهم واحضان امهاتهم وخدور زوجاتهم اكثر رحمة ومحبة للنبي منهم؟ كيف يمكن ان تكون الدانمرك كارهة لنبي الاسلام وهي التي بنت على حسابها مساجد لمسلمين انكر عليهم بنو وطنهم بناءها؟! وكيف يمكن ان يكون من منع اخاه المسلم من بناء مسجده ودار عبادته محبا للرسول غيورا على سمعته وصورته؟ ألم يحدث ذلك في الكثير من الدول الاسلامية، دع عنك ما يلقاه اصحاب الديانات الاخرى من تضييق ومعارضة، وقضايا مسجد البهرة وكنائس اقباط مصر والجزيرة ومساجد سنة ايران لاتزال ماثلة في الاذهان، يبدو اننا لن نتعلم حتى تبدأ الدانمرك وغيرها من دول اوروبا الغربية بشحن مواطنيها المسلمين في سفن لتعيدهم من حيث أتوا، وسيكون مصير غالبية هؤلاء السجون التي سبق ان فروا منها الى جنة اوروبا التي حرمهم الغيورون من مواطنيهم من البقاء فيها والتمتع بخيراتها.. يا لها من مفارقة مضحكة ومبكية في الوقت نفسه!
ستبقى تساؤلات «سعيد» من غير جواب لأجيال طويلة قادمة!

أحمد الصراف
[email protected]

احمد الصراف

سويتنس إن ذي بللي

أحمد الصراف
«.. بالرغم من كل التعذيب الذي مورس بحقنا، فان الرغبة لاتزال كامنة بداخلنا في أن نكون مؤدبين مع الغرباء.
قد تكون اعيننا محاطة بدوائر سوداء، لكن لا يزال بمقدورنا تمشيط شعرنا، وقد تكون امشاط اقدامنا مشوهة بسبب قيام طفل مقاتل، لا يتعدى التاسعة من العمر، باطلاق النار عليها، لكننا لانزال نؤمن ببراءة الاطفال.
قد نكون تعرضنا للاغتصاب بشكل متكرر، في معسكر للاجئين في كينيا الا اننا لم نفقد شوقنا وودنا لمن نحب.
قد نكون فقدنا كل ما نملك، لكننا لا نزال نصر على ان نكون كرماء مع الآخرين وان نشاركهم في القليل الذي بقي معنا.. إننا لا نزال نحلم..».

هذا مقطع من الرواية الرائعة Sweetness in the Billy للكاتبة الكندية الشابة والمبدعة كاميلا جيب Camilla Gibb.
تدور احداث القصة بين المغرب واثيوبيا ولندن وتغطي السنوات من منتصف سبعينات القرن الماضي، وحتى بداية تسعيناته، وهي قصة فتاة ترافق والديها الانكليزيين من الهيبيز في زيارة إلى المغرب، وهناك يتركانها لبضعة ايام في عهدة صديق مغربي وآخر بريطاني مسلم ويسافران الى مدينة اخرى، لاسباب غير واضحة تماما، ولا يعود الوالدان لابنتهما بعدها، الامر الذي دفع المغربي والانكليزي المسلم لتبني الطفلة الصغيرة وتنشئتها كمسلمة.
لاسباب عدة يقرر البريطاني محمد بروس محمد ارسال الفتاة واخيها بالتبني «حسين»، الى امبراطور الحبشة هيلا سيلاسي للعناية بهما فيأمر هذا بارسالهما إلى مدينة هرار، ذات الغالبية المسلمة، لتلقي المعرفة باصول دينهما، وهناك تتعرف الفتاة على الطبيب الاثيوبي «عزيز» وتقع في حبه.
قصة ممتعة ذات احداث صاخبة تنقل القارئ من فصل في المغرب الى اخر في هرار ثم الى لندن، ثم تعود بك لتاريخ سابق في هرار وبعدها الى لندن مرة ثانية وثالثة. حيث تبين احداث الرواية قيام «ليلى»، بطلة القصة، التي استعادت جنسيتها البريطانية، بتأسيس مركز استعلام يهتم بلم شمل العائلات الاثيوبية التي هربت من اثيوبيا وتفرقت في الدول الاوروبية بالذات، إما بسبب الحرب الاهلية هناك او المجاعة او هربا من المذابح التي اقترفتها حكومة الدكتاتور منغستو هيلا ميريام زعيم الانقلابيين على هيلاسيلاسي الذي كان اقرب للشيوعيين منه لأي نظام آخر.
قصة مشوقة وجديرة بالقراءة يتخللها الكثير من الاحداث التاريخية لحقبة سوداء من تاريخ القارة السوداء، وبالذات «اثيوبيا» التي ضربتها في تلك المرحلة مجاعة لم يشهد التاريخ الحديث مثيلاً لها !
الرواية من منشورات دار Anchor Canada.

احمد الصراف

صدام الـ VIC

أحمد الصراف
بثت قناة «السي.إن.إن» فيلما وثائقيا عن زيارة قامت بها مراسلة المحطة لزنزانة صدام الانفرادية، وطريقة معيشته فيها وأحداث اللحظات الأخيرة التي سبقت إعدامه، وسبب تسميته بـ «فيك».
عاش صدام أيامه الأخيرة في سجن شيده بنفسه ليقيم فيه معارضوه. وكان حراسه يعتقدون أنه لم يكن يعرف مكان وجوده ولكنهم فوجئوا بأنه كان يعرف ذلك.
وبخلاف الطريقة المتوحشة التي كان يعامل بها معارضيه فقد وفرت له القوات الأميركية زنزانة نظيفة ومريحة نسبيا. احتوت زنزانته على حمام ومغسلة وفراش مرتفع وأجهزة رياضة وحوش صغير وأوان كبيرة لزرع النباتات التي كان يهواها وأدوات كتابة المذكرات وأجهزة طبية لقياس الضغط ودقات القلب والحرارة. كما وفرت كراسي وطاولات للكتابة والجلوس في الحديقة وتدخين سجائره المفضلة.
وفي اليوم الذي علم انه سيعدم فيه قام بالاستحمام بصورة طبيعية وارتدى ملابسه بما في ذلك معطفه الأسود، وودع الحراس، بعد أن سلمهم أوراق مذكراته ومتعلقاته الخاصة، طالبا منهم تسليمها لمحاميه. وطلب ان تبلغ ابنته (وربما يقصد رغد) أنه ذاهب للقاء ربه بضمير مرتاح (!!)
يقول الميجر جنرال ستون الذي رافق المراسلة ان الحراس كانوا في حيرة من الطريقة التي كان عليهم مخاطبة صدام بها، فهل ينادونه بالسيد الرئيس، أم بالرقم الذي يحمله أم باسمه المجرد؟ وعندما لاحظ صدام اتفاقهم على تسميته بـ«فيك» سألهم عن معنى التسمية، فقيل له ان الاسم مكون من الحروف الاستهلالية لـ Very Important Criminal، وتعني «مجرم فائق الأهمية»، فوافق صدام على التسمية!!
ويقول الميجر جنرال ستون أن صدام كان يكتب مذكراته ويصبغ الشعر. وكان حقا خائفا من أن لا ينقل التاريخ ما يعتبره هو حقيقة. وجاءت قصائده ونصوصه التي اطلعت عليها CNN ملأى بالألم والكراهية، ووصفت السماء في الليل و«غياب النجوم والأقمار»، زيادة على تأكيده على أنه رجل أمة، وانه كان يؤمن بما يكتب (!!).
وفي إحدى كتاباته، طالب صدام شعبه بنبذ الكراهية.. والبدء بحياة نظيفة جديدة بقلوب صافية(!!).
وأظهرت الصورة الرسمية الأخيرة التي التقطت لصدام قبل إعدامه أنه كان غاضبا تجاه أمر ما، فقد بدا في تلك الصورة بمعطفه الشهير، وعلى رأسه قبعة عراقية اشتهر أهالي بغداد بارتدائها، أن سبب حنقه يعود الى رغبة السجانين العراقيين على كتابة اسمه على لوحة خلفه عندما كانوا يلتقطون الصورة، لكنهم أخطأوا في كتابته، مما دعا صدام للالتفات نحوهم قائلا «أنا صدام حسين».
نشرت «إيلاف» الالكترونية نص المقابلة، وأوردت أقل من 60 تعليقا عليها، وكانت نسبة كبيرة منها ضد الرئيس العراقي السابق، وبين عدد الردود ونصوص بعضها مدى تدني شعبية الرئيس العراقي السابق. كما بينت مدى الجهل والتخلف والحقد الذي لا يزال يعيش في صدور البعض حتى اليوم، وأنها لا تزال بانتظار ظهور «صدام حسين» آخر!! فنحن أمة لا يمكنها العيش من غير قائد دكتاتوري مستبد ورمز يقود الأمة حتى ولو كان أحمق وجاهلا، وفوق كل ذلك نتوقع منه أن يكون عادلا وإماما!
للإطلاع على نص المقابلة وتعليقات القراء عليها يمكن الرجوع الى الموقع التالي: http://www.elaph.com/Elaphweb/Video/2008/3/316259.htm

 

احمد الصراف

أنا وعادل والرعب

اختلفت والزميل عادل القصار الكريم في نسبه المئوية، على نسبة الشواذ جنسيا بين الاميركيين، فهو ذكر في مقال له ان نسبتهم 51% في بعض الولايات، وعاد وصحح النسبة وقال انها 15% في اميركا وليس في بعض الولايات الاميركية، والنصان موجودان لدينا وفي «القبس»!!
قلنا في ردنا عليه ان نسبة 15% لا يمكن ان تكون حقيقة في اي مجتمع، مهما كان تحرره، وانها حسب المصدرين الاميركيين المعتمدين اللذين قمنا بايرادهما في آخر مقال لنا، ومن واقع مصدر انترنت ثالث يختص بشؤون المثليين انفسهم، فان النسبة هي بحدود 1% في مصدرين و6% في المتوسط في المصدر الثالث، وهو الاقرب للصحة، وبالتالي لا يمكن ان تكون 15% في اميركا او في غيرها، وربما كانت في قوم لوط، ولكنها انتهت معهم!
رد الزميل علينا جاء مليئا بالتهكم والسخرية وجعلني اشعر بالرعب حقا!! فقد قال انه اصيب بخيبة امل لعدم تمكني من العثور على موقع الانترنت الذي سبق ان استقى منه نسبته!! وكأن هذا الموقع هو عنوان خباز او حلاق!
حيث استطرد قائلاً «كنت اعتقد انني سأستفيد من امكانات زميلنا (أي انا) لو تركت له حرية البحث قبل ان احدد له مصدر المعلومات.. اما وان الزميل قد اعياه البحث ولم يتمكن من العثور على مراده فاستطيع القول انه www.islamonline.net !!.
وهكذا نجد ان الزميل عادل اعتقد، صادقا، انني ساحر واعرف الغيب وان بامكاني معرفة موقع الانترنت الذي استقى منه معلوماته من اصل ستة مليارات موقع في فضاء الشبكة العنكبوتية!! وكان الامر سيهون لو كان الموقع «الاسلامي» الذي اخذ معلوماته منه محايدا ومعروفا بنزاهته، ولا ادري كيف سمح لنفسه الاستشهاد بموقع واحد مقابل ثلاثة مواقع اوردتها، وكيف قبل ان تكون طبيعة الموقع الدينية المتعصبة تسمح بالاستشهاد به اصلا عن نسب الشواذ في مجتمع تكن له العداء والكراهية؟!
نعود لعنوان المقال ونقول إنني شعرت بالرعب حقا عند قراءة رده علينا.
فالزميل يعتبر من «مفكري» الجماعات الدينية ومن المدافعين عنهم في الصحافة المحلية، وهو فوق هذا وذلك من شارحي ومفسري وجهات نظرهم.
ولو علمنا ان هذه الجماعات قد اصبحت هي المسيطرة على اكثر من 65% من اقتصاد الدولة، و90% من مراكز التربية والتعليم فيها، سواء حكومية او خاصة، ولو علمنا فوق كل ذلك انهم نجحوا في التغلغل في كل نشاط وادارة وهيئة، وانهم قاب قوسين او ادنى من الامساك بعصب الدولة، واذ كان هذا حال المعتدلين والاذكياء منهم، فكيف حال المتطرفين؟! كل هذا يجعلني اشعر بالرعب على مصيري ومستقبل عائلتي واحبابي، وقبل كل هذا وطني، من ان يقعوا جميعا تحت رحمة او قسوة، الجماعات الدينية التي يبدو واضحا مستوى افكار قادتها، وهذا ما بدا واضحا في لغة بيانهم الشهير المتعلق بمنع الاختلاط!
ملاحظة: عندما يعتقد البعض ان نسبة الشواذ جنسيا في اي مجتمع هي المقياس للحكم على مدى صلاحه، وعندما نسخر من ارتفاع النسبة في مجتمع ما، فهذا يعني بصورة تلقائية انها اقل بكثير لدينا! ولو افترضنا صحة ذلك بالرغم من شكنا في الامر، لكن العبرة بالنتائج!! فماذا اعطى ذلك المجتمع، المليء بالشواذ البشرية، وماذا اعطاه الاسوياء من امثالنا؟! نترك الجواب للقراء.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الشاعرة والطبيبة

كتبت قبل أيام مقالا عن كيفية التعامل مع العاملين معنا في بيوتنا من مربين ومساعدين. حركت كلمات ذلك المقال قريحة الشاعرة والطبيبة سيلفا بورتويان شحيبر، (اختصاصية أمراض أطفال والكويتية من أصل أرمني)، فصاغت بعض أبيات الشعر باللغة الانكليزية التي سأحاول الاحتفاظ بها في الوقت الحاضر. وقامت بارسال النص التالي الذي سبق ان كتبته في اغسطس 2006، وسأحاول، قدر الامكان، ترجمته بتصرف، علما بانه سبق ان صدر للدكتورة سيلفا كتاب شعر بعنوان: Lance my heart at a glance (الصدق، الأمانة والإخلاص.. كلها لي):
«أنا واقعة في الحب، مولودة من الحب
لا حياة لي غير تلك الشجرة فوقي
أنا في حب مع الصدق
في صيفي وقمري الواقعي
أنا في حب مع الإخلاص
كالنجوم التي تضي الصفاء الروحي
أنا في حب مع الصدق
كضوء الشمس التي تشعل الطريق للعظمة
أنا في حب مع كل روح
تتكلم الحقيقة وتشعر بالإخلاص والأمانة بكل بساطة
جميعها تتنفس حبا
الصدق الأمانة والإخلاص
وجميعها حياتي
القمر والنجوم والشمس
المكان الذي به شجرتهم المقدسة
والتي ستبقى مضيئة للأبد
ذلك سيكون اليوم
اليوم الذي يتكلم فيه كل منا بعضنا لبعض
عن الحقيقة والصراحة وبكل إخلاص
ويتحدث لكل إنسان
فجميعهم فرد واحد
أنا مغرمة وواقعة في حب الثلاثة
وثلاثتهم يتنفسون من خلالي
وثلاثتهم تقول واحد
ولحسن الحظ جميعهم لي»

أحمد الصراف
[email protected]

احمد الصراف

جواز السفر.. وذيل الثلعب

تقول النكتة ان احد الجمال المشاركة في سباق للهجن في دولة خليجية ضرب بذيله وجه احد كبار الوجهاء، فأمر هذا، وهو في قمة غضبه، بقص ذيل كل بعير وناقة في البلد. علمت الجمال بأمر القص والقطع فهرب من استطاع منها بذيله الى الصحراء الواسعة. واثناء جري مجموعة منها لاحظت وجود ثعلب صغير يتراكض بينها، فتوقف ركب الجمال لتسأل الثعلب عن سبب انضمامه اليها، وهو غير المعني بالامر، فأمر القص صدر بحق اذناب الجمال وليس الثعالب، فقال الثعلب لقد هربت خوفا، ففي اللحظة التي سيكتشف فيها رجال تنفيذ القانون انني ثعلب ولست بجمل يكون ذيلي قد اصبح في خبر كان! تذكرت الطرفة اعلاه وانا اقرأ التحذير الذي صدر عن وزارة الداخلية للمواطنين بضرورة توخي الحذر من فقد جوازات سفرهم في بلد عربي محدد، وذلك بعد قيام وزارة داخلية تلك الدولة بابلاغها نظيرتها الكويتية بأن فقد جواز السفر فيها لن يعامل بخفة.. فعلى صاحب الجواز المفقود القيام بالامور التالية وتوقع «امور اخرى»:
1 ــ تقديم طلب لوزارة الداخلية يفيد بفقد جواز السفر.
2 ــ تقوم الادارة المعنية بعدها باحالة صاحب الطلب شخصيا الى قسم الشرطة «لتنظيم» عمليا الضبط اللازم بالفقدان.
3 ــ سيتم بعدها، وهذا من واقع نص القرار، موافاة ادارة الهجرة والجوازات بنسخ من الضبوط المنظمة بفقدان الجواز خلال 96 ساعة لاذاعة البحث عن الجواز المفقود اصولا والطلب من المراكز الحدودية التأكد من صحة عائدية الجواز المفقود وبيان ما ان كان قد استخدم من قبل الغير.
4 ــ في حال ثبوت ذلك، يتم توقيف صاحب الجواز المفقود ومستعمله، ويحالان الى شعبة «الامن السياسي»، لتدقيق اوضاعهما واعادتهما الى الادارة لاتخاذ الاجراءات القانونية بحقهما!
5 ــ بعد اتخاذ الاجراءات السابقة تزود ادارة الهجرة صاحب العلاقة بكتاب لتقديمه لسلطات بلاده بعد التأكد من عدم وجود سوء نية لديه.
لم يتطرق بيان الداخلية الى ما سينتهي عليه وضع ذلك المواطن بعدها، وعما اذا كان قد فقد صوابه، ولكن من المهم الاشارة هنا الى ان تلك الدولة العربية، على الرغم من تعسفها في التعامل مع حادثة الفقد، فإنها لا تزال احسن من غيرها، فربما تتبع جميع دولنا «الشقيقة» مثل هذه الاجراءات التعسفية ولكن ايا منها لم يحذرنا مسبقا بنتائج الفقد!

ملاحظة: اثناء سفري مع صديق كندي، من اصل لبناني، الى باريس ولندن سرقت منه حقيبة يده وفي داخلها جواز سفره، ابلغنا الشرطة بالامر فطلبوا منا الاتصال بسفارة كندا، وهناك حصل على جواز جديد بعد 24 ساعة واكملنا بعدها رحلتنا الى لندن!

أحمد الصراف

 

احمد الصراف

لماذا لم أرث. أحمد الربعي؟

تساءل البعض عن سبب عدم كتابتي لأي كلمة تأبينية في الصديق والزميل الفقيد احمد الربعي! وانهم كانوا يتوقعون ذلك بحكم العلاقة التي كانت تربطني به منذ ما قبل الغزو والاحتلال وحتى ساعة رحيله!
لا اعتقد ان الكثيرين قد لاحظوا هذا التأخير، بخلاف من اخبرني به وعددهم لم يتجاوز اصابع اليد الواحدة، ولكن من لاحظ ذلك كان محقا، فقد كانت لي، ولا تزال، اسبابي الخاصة، وستبقى كذلك.
لا شك ان الفقيد كان ظاهرة مميزة وكان صاحب ذهن وقاد وذاكرة عظيمة، ولو كان في مجتمع آخر يحترم العقل والمنطق لكان حاله ووضعه شيئا آخر.
اخبرني صديق حضر جنازته انه لم ير قط مثل تلك الجموع التي جاءت من مختلف المناطق والمشارب للتعزية في فقيد الكويت بحيث غصت بهم المقبرة، وانه لم يشاهد مثلها في غير جنازات حكام الكويت السابقين.
ولكن ما ان لمح طرف ابتسامة على وجهي حتى سألني عن السبب فقلت له: اذا كانت له كل تلك المكانة والشعبية والمحبة وهذه الجماهيرية، وهذا ما لا اشك فيه، فلم اذا «سقط» في الانتخابات، ولم يكن يتوقع له النجاح في اي انتخابات قادمة؟ هز صديقي رأسه ولم يجب على تساؤلي!
ألم أقل انه «كان» في بيئة لم تعرف كيف تستفيد من شخصيته ومواهبه؟!
احمد الربعي كان كبيرا وكان مميزا وكان شيئا آخر، وكان سيبقى كذلك واكثر، الى ان قرر ان يصبح سياسيا، ومن بعد ذلك وزيرا للتربية! كانت تلك سقطته الكبرى التي توّجها بسكوته المخيف والمريب على قانون منع الاختلاط في الجامعة، ذلك القانون الذي سنبقى ندفع ثمنه المر والحارق والمكلف جدا لأجيال قادمة.
نعم، اعترف بأنني لم اكن اود ان اكتب عن المرحوم، لولا ذلك الرثاء الذي كتبه احد الزملاء عن الفقيد الذي ساواه فيه «بنسلون مانديلا»!.
هنا وجدت ان التاريخ سينقل كل ما كتب في رثائه كحقائق مسلم بها وسيضعه في مكانه، ربما كان هو سيبتسم ساخرا لسماعها، فقد كان متواضعا عالي الخلق!
نعم، احمد الربعي كان من الممكن ان يكون معلما كبيرا واكاديميا مميزا ولكنه لم يواصل ذلك.
نعم، احمد الربعي كان من الممكن ان يكونو فيلسوفا كبيرا وشاعرا مميزا، ولكنه لم يكمل ذلك.
نعم، احمد الربعي كان من الممكن ان يكون شيئا كبيرا وعظيما، لكنه اختار ان يكون سياسيا يبحث عن النجاح الانتخابي في بيئة ليس للعقل فيها مكان مميز ولا للمنطق مكانته، وكان حريا به معرفة ذلك.
احمد الربعي، المجاز في الفلسفة الاسلامية من اعرق الجامعات الاميركية كان من الممكن ان يكون شيئا آخر، شيئا اكبر بكثير مما كان عليه لولا انشغاله بالسياسة.
لو كان قرار احمد الربعي في حينها بيدي لاقنعته بترك السياسة واوحالها، وهذا ما طالبته به مرة فرفض ذلك بلباقته المعهودة.
لو كان قراره بيدي لجعلت منه سفيرا متنقلا لدى كل دول العالم ممثلا للوطن الذي احبه وبادله الحب، ولعينته المتحدث الرسمي والشعبي في قضايا الوطن ولكان صوت الكويت العاقل والرزين في كل ميدان وحفل، فقد كان مؤهلا لكل هذه المهام بصوته الواضح وحضوره المميز وبديهته السريعة ونكتته الجاهزة، مع كل الخبرة والعلم والثقافة العريضة التي جمعها في حياته، ولكن السياسة، بكل مساوئها، لم ترحمه وهي، ولا شيء غيرها، التي اتعبته في نهاية المطاف وهي التي قضت، منذ سنوات، على براءته الثورية وصفائه الروحي.
لقد فقدنا جميعا احمد الربعي، ولكننا جميعا مسؤولون عن فقده، وبسنوات طويلة قبل رحيله! فنفاقنا الاجتماعي، او ما نحب ان نسميه بـ«مجاملاتنا»، كانت تعطيه الصوت والوعد بيد وكانت تأخذ كل ذلك، عند صناديق الاقتراع، باليد الاخرى!
احمد الربعي كان اكبر مكانة واكثر فهما وثقافة وعلما من الكثيرين الذين بلغوا ما لم يستطع بلوغه، وهذا ما قضى عليه في نهاية الامر، فهل نتعلم من هذا الدرس القاسي ونخفف من نفاقنا الاجتماعي الذي نفضل تغليفه بسلوفان المجاملات لكي لا نفتقد احمد ربعي آخر، هذا اذا كان هناك من يستطيع ملء الفراغ الذي تركه بيننا!

أحمد الصراف