احمد الصراف

في رثاء الجهراوي عبدالله العجمي

سأرثيك يا عبدالله كما لم ارث احدا من قبلك ولن ارثي احدا مثلك، ومن بعدك. سأرثيك لأنك تركت وراءك اما ثكلى وابا مفجوعا، وارملة باكية ورضيعة يتيمة! وسأرثي فيك من مات من رفاقك قبلك ومعك ومن بعدك، سأرثيك بالرغم من انني لم التق بك ولا اعرف من تكون، سأرثيك لأنك قتلت وغادرت هذه الدنيا دون ان تعرف حقيقة الذين زينوا لك تفجير نفسك، لقد ارسلوك للموصل ليذهبوا هم الى الانتخابات وليتصدروا المجالس.
قتلت غيرك وقتلت، وكان من الممكن ان تكون انسانا آخر، محبا للحياة كمواطنك الجهراوي الاخر وابن قبيلتك الذي اختار ان يكون طبيبا بدلا من ان يكون ارهابيا، ان يكون واهبا للحياة بدلا من ان يكون سالبا لها.
اني ارثيك يا عبدالله لانني اود ان ارثي قلة الحيلة والعقل بيننا، فقد مت لان احدهم اراد لك ذلك، فالقرار لم يكن قراراك، وبالتالي لا ألومك على ما فعلت بالرغم من شر افعالك التي تسببت في فواجع وآلام لا تنسى لاهلك وبيتك ووطنك، واهل ووطن من قتلت.. انني لا الومك، بل الوم من يلومك، فما انت الا ضحية مجتمع أهّلك لهذا الهدف ودفع بك الى طريق الارهاب من خلال كل تلك الجمعيات التخريبية ومدارس التحفيظ التي انتشرت كالفطر البري في بيئتك، بعد ان غيبوا مدارس الفهم ومعاهد الفكر من حولك.
نعم ان مجتمعك هو المجرم الحقيقي، وهو الذي شيد بيني وبينك، انا الشرقاوي وانت الجهراوي، ذلك الجدار العازل لكي لا نلتقي، وانا الذي حذرك رجال الدين من شرور أفكاري، وحذرني منك ومن تخلف مواقفك وسوء افعالك، نعم اني ادين هذا المجتمع الذي ملأ مدينتك بالحفر، وتناساك لعقود طويلة وتركك فريسة سهلة للخطير من الآراء والقاتل من الافكار والبائس من المواقف، فاصبحت طوع بنان مدعي التدين والصلاح والاصلاح والسلف والتراث، وبالتالي أنسوك مستقبلك ووطنك وتقدمك وتطورك، فتركت كل ذلك من اجل اوهام لو كانت حقيقية لسبقوك للفوز بها.
نعم ادين هذا المجتمع، وحكوماته المتعاقبة، عدم اهتمامهم بك وبصحتك وتعليمك وسلامة عقلك، بحيث اقنعتك اقوالهم ان بإمكان جسدك الضئيل محاربة «اعداء الله» والفوز بحور العين من خلال التصدي لاعتى ترسانات اسلحة العالم في افغانستان والشيشان، وانت الذي ربما لم تسمع بأفغانستان من قبل، ولم تعرف يوما اين تقع الشيشان.
ارثيك يا عبدالله لأنهم اختاروا ان يصوروا عودتك من سجنك البغيض كعودة الابطال من معركة عظيمة، ارثيك يا عبدالله لانهم اعادوك لوطن انسوك حقه عليك ووفروا لك طائرة خاصة لكي يبقوا على «ايمانك» بأن ما قمت به كان صوابا وحقا وشرفا لا يضاهى!
نعم اعادوا تشكيلك بطلا منافحا عن قيمهم وافكارهم ومعتقداتهم، التي تتفق تماما مع مصالحهم المادية والدنيوية، ولو كانوا يؤمنون حقا بأن الآخرة خير وابقى لما وجدتهم من حولك، وهم الذين بلغوا ارذل العمر!
نعم ارثيك يا عبدالله، لان الوطن فقد فيك وفي زملائك، مواطنين كانوا من الممكن ان يكونوا اصدقاء لي ومحبين لابنائي وقريبين من اهلي، كما هي حال الكثير من اهل منطقتك وقبيلتك.
لقد فقدت فيك جارا محتملا وشريكا في مصلحة وقارئا لزاوية لولا غلبة آراء ذلك المتشح بعباءة الدين، ذلك المتخلف الحقود، الذي زين لك كرهي ورفضي وحتى طلب فنائي، ودفعك لأن تموت رخيصا من اجل هدف لا يعرف احد اوله ولا آخره.
نعم ارثيك يا عبدالله كما لم ارث احدا قبلك، ولن ارثي احدا بعدك، لكونك ضحية قبل ان تكون مجرما، ومواطنا قبل ان تكون ارهابيا وزوجا صالحا قبل ان تكون قاتلا وابا حنونا قبل ان تكون سفاحا.
انني ارثيك لأن موتك بيّـن مدى ضحالة فكرنا، وهوان حالنا وقلة حيلتنا عندما نقف عاجزين عن تطويع نصوصنا واقوال حكمائنا لأن تكون في خدمتنا كبشر عليين، بدلا من تسخيرها لكي تكون سببا في شقائنا وشقاء الآخرين.
انني ارثيكم جميعا لأن لا احد تعلم او يود ان يتعلم من درس موتكم شيئا، فقد متم ومات قبلك الكثيرون وسيموت من بعدكم الاكثر، وسيستمر المصنع الذي شكل فكركم في الانتاج ما بقي التخلف بيننا، فمتى يتوقف كل هذا الضلال في الموقف والقول؟ ومتى يضمحل الكره ويختفي الحقد من حياتنا؟ لست ادري.
لدي الكثير لأقوله في رثاء عبدالله العجمي ورفاقه، ولكن للاكتفاء ايضا فضائله.

أحمد الصراف
[email protected]

احمد الصراف

روكفلر والمرور

توقف الملياردير الأميركي ديفيد روكفلر عند مدخل بورصة نيويورك، عند ماسح أحذية ليزيل ما علق بحذائه من وحل. فسأله هذا عن حظ سهم معين في الارتفاع!! وعندما كشف ذلك السؤال لروكفلر ان مساح الاحذية ورفاقاً له يتعاملون بالأسهم، وكانت أسعارها في القمة يومها، قام ببيع كل ما يملك. وما لبث السوق ان انهار بعدها بأيام، وكان واحدا من القلة التي نفذت بجلدها. وعندما سئل عمن اوحى له بالخروج في الوقت المناسب اشار من نافذة مكتبه، الى ماسح الاحذية وقال: عندما يدخل هؤلاء، فعلينا نحن الخروج!!
ملاحظة روكفلر لم تكن طبقية بقدر ما كانت مهنية بحتة!!

بتشجيع من وكيل وزارة الداخلية المساعد لشؤون المرور قمت، وبعض الاصدقاء، وعلى مدى سنة تقريبا، بتصوير كم كبير من مخالفات المرور وطباعتها، وارسالها بالحفظ والصون، لأحد مساعديه ليقوم باتخاذ اللازم. تبين بعد فترة اننا كنا نحرث في البحر، فكمّ المخالفات كان يزداد، وفي الاماكن نفسها ومع الاطراف نفسها تقريباً، مما يعني ان الادارة المعنية إما لم تكن تأخذ عملنا في ضبط المخالفات مأخذ الجد، او ان الناس لم يعودوا يهتمون، وإما يخافون من الغرامات المالية!!
كما وجدنا ان نسبة من يستغل كتف الطريق، او حارة الطوارئ، من الوافدين هي الاعلى، ومن مستويات مادية بسيطة، مما يعني ان الكل اصبح يشعر بان القانون بشكل عام، وليس المرور فقط، لا يطبق بشكل كامل، وهنا مكمن الخطورة. فعندما يبدأ الضعيف والصغير بارتكاب المخالفات، ففي الامر ما يستحق التساؤل!
كما تبين لنا ايضاً ان «مبدأ التعاون» بين المواطن الذي يود ان يساهم في ترسيخ النظام والامن، وبين ضابط الشرطة معدوم تماما. وهذا يعود إما لاعتياد هؤلاء على التعامل مع طبقة معينة من المواطنين او المقيمين! وإما لنقص ثقافة الكثير من منفذي القانون والقائمين عليه، لكي لا نقول نقص تعليم غالبيتهم! ولا يعني هذا اننا اكثر ثقافة وعلما من احد.
فعندما يتجرأ هذا الوافد البسيط على مخالفة القانون جهارا، فهذا يعني ان في الامر خللاً خطيراً. وعندما تتكرر المخالفة نفسها وفي المكان نفسه المرة تلو الاخرى، فهذا يعني ان هناك من يقول «طز» لسبب او لآخر، وعندما يتجاهل رجل الامن ما يبديه المواطن من رغبة في حفظ الامن معه والمساعدة على تطبيق القانون، فكل هذا يعني ان قضية الدواوين المخالفة ستتكرر بأشكال واحجام مختلفة اخرى.
اما قرار وزارة الداخلية الاخير والمتعلق بانهاء اقامة الوافد في حال تكرر تجاوزه للاشارة الحمراء، فلا يمكن وصفه الا بالمجحف وعدم الانساني، وقد يفتح الباب لاستغلاله بطريقة غير قانونية من ضعاف النفوس في السلك الامني.
نحن لسنا بحاجة الى تشديد القوانين بقدر حاجتنا الى تطبيق الموجود منها.
كما ان الامر يتطلب قيام رجال الشرطة بعملهم بأمانة، وهذا غير متوافر الآن لدى نسبة لا بأس بها من المناط بهم تنظيم حركة السير، دع عنك الانشطة الامنية والتنظيمية الاخرى.
نأمل ان نرى تغييرات كبيرة على يد وكيل الوزارة الجديد.

أحمد الصراف

 

احمد الصراف

علاقة الموسيقى بالمرض (2 ــ 2)

أحمد الصراف
[email protected]
نستكمل اليوم حديثنا عن تأثير البيئة في ثقافة وفن وأدب أي أمة.
لم تأت شهرة العرب بقول الشعر وحفظه اعتباطاً، بل جاءت انسجاماً مع ظروف البيئة وفقرها بكل متطلبات اتقان، أو حتى أداء الفنون والآداب الأخرى.
فالرسم يحتاج للقماش والريشة واللون والإطار وأمور ضرورية كثيرة أخرى، والنحت يحتاج إلى الحجر والرخام وإلى أدوات محددة، كما ان الكتابة تتطلب وجود قلم ومداد وورق وطرق حفظ من التلف، وهكذا الحال مع كل أدب وفن، اما الشعر فلا يحتاج من الموهوب غير ملكة الحفظ وجزالة الإلقاء، فالشعر لم يكن فقط ديوان العرب وفي مقام الالياذة والأوديسة بالنسبة لهم، بل كان ايضاً سيد فنون المنطقة برمتها التي أبدعوا فيها ايما ابداع، خصوصا انه لا يحتاج إلا إلى عقل خلاق يؤلفه وذاكرة تحفظه ورأس يحمله من مكان الى آخر، فلا ريشة ولا ألوان ولا إطار ولا قماش ولا مطرقة ولا حامل ولا وتر ولا أي شيء مادي آخر يتطلب النقل والحفظ والعناية من عوامل البيئة.
من كل ذلك نجد ان للبيئة أعظم الأثر في تشكيل فكر الإنسان ومعتقده، فمسلمو الجزيرة مثلا أكثر ميلا إلى بساطة العيش وأكثر تقبلا للنوائب بسبب فقر البيئة ورتابة الحياة وشظفها الذي لا مجال فيه للرفاهية في العيش أو في العراء، من سكان المدن، لاسيما الزراعية منها الذين يكثر الوقت عندهم وتتسم حياتهم بالاستقرار وبتعدد ألوانها.
كما نرى في الجانب الآخر ان غنى البيئة الإسلامية خارج الجزيرة، وتعقد علاقات أهلها وتراثهم الحضاري الموغل في القدم قد ساهم في تشكيل التراث الإسلامي الجديد الخاص بهم والمختلف عن تراث الجزيرة، فقد بقيت جميع الدول التي دخلها الإسلام على عاداتها في ما يتعلق بالاهتمام بمناسباتها الدينية القديمة كعيد شم النسيم في مصر والنيروز لدى الفرس والتركمان والافغان والاكراد وعدد من جمهوريات الاتحاد السوفيتي الإسلامية السابقة، نعود ونؤكد ان الطبيعة هي التي كانت دائما تملي التطرف أو التسامح وليس العكس!!
نأتي لموضوع مقالنا هذا لنقول إن ايران، كمثال فقط، كانت طوال تاريخها، وحتى وقت قريب، من المصادر العظيمة لفن الغناء والعزف، وقد نهل الكثيرون من فنها الذي كان له الأثر الواضح على فنون المنطقة.
ولكن عندما جاء الخميني بثورته منع كل أشكال الطرب من عزف وغناء، ولكن توالي الضغوط عليه، وزيادة نسبة التجاوزات، دفعته في فترة لاحقة إلى تليين موقفه والسماح ببث أو الاستماع للبسيط وغير المثير من الموسيقى، ولكن من دون غناء، ثم سمح في مرحلة لاحقة للرجال بغناء أنواع محددة من الأغاني، ولم يسمح للنساء بالغناء لان اصواتهن «عورة»، وستبقى كذلك.
ونجد الأمر ذاته في انحاء كثيرة من الجزيرة العربية، حيث لا يزال الغناء، والعزف الموسيقي بجميع اشكاله، امراً مكروها وجالباً للشر، وهذه الحال مضت عليها اكثر من 14 قرنا، ولكن تخللتها فترات «انحلال» متقطعة.
وقد انحسرت دروس الموسيقى في السنوات الاخيرة في مدارس دول اسلامية كثيرة، ومنها الكويت، لمصلحة دروس تقوية دينية.
وفجأة اكتشف العلماء ان للموسيقى الكلاسيكية، ومقطوعات موزارات السيمفونية على وجه الخصوص، تأثيرا علاجيا ايجابيا على المرضى عموما والمرضى النفسيين والمصابين بالصرع بشكل خاص، فمقاطع قصيرة من سوناتا (ك 448) لموزارات مثلا يمكن ان تؤدي إلى الإقلال من حدوث نوبات المرض، ويقول البروفيسور جون جينكنز في هذا الصدد، وبعد مراجعته لنتائج البحوث الدولية التي اجريت في حقل الموسيقى العلاجية، انه من المحتمل جدا ان تكون لمؤلفات موسيقيين آخرين آثار ايجابية موازية لموسيقى موزارات، وورد في الـ«بي. بي. سي» على لسان البروفيسور نفسه ان مؤلفات باخ تشبه من الناحية التركيبية مؤلفات موزارات، واضاف ان البحوث دلت على ان تعريض المصابين بأمراض محددة إلى موسيقى موزارات لمدة عشر دقائق يوميا يؤدي إلى تحسن ملحوظ على قدراتهم الحركية كطي الورق وتقطيعه.
كما بينت بحوث مشابهة اجريت على الفئران ان الاستماع للموسيقى يجعلها اكثر قدرة على تجاوز العقبات.
وأظهرت تجارب دول اخرى ان الاطفال الذين يتمرسون على العزف على آلة موسيقية لمدة ستة أشهر يتفوقون على نظرائهم الذين يعملون على اجهزة الكمبيوتر، وعبر البروفيسور جينكنز المسؤول في كلية الأطباء الملكية بلندن، عن اعتقاده بأن نتائج هذه البحوث ستكون لها قيمة كبيرة وان التأثيرات الايجابية للموسيقى على مرضى الصرع أمر مشجع جداً، ومن الجدير بالذكر ان مناطق عديدة في المخ تشترك في عملية الاستمتاع بسماع الموسيقى ومنها الجهة اليسرى التي تختص بتحليل الايقاعات، بينما تتكفل الجهة اليمنى بتحليل اللحن، وان الاستمتاع بسماع الموسيقى من شأنه تحفيز تلك الاجزاء من المخ.
كما اكتشفت باحثون من هونغ كونغ ان الاطفال الذين تلقوا دروسا في الموسيقى لديهم ذاكرة لغوية أقوى من هؤلاء الذين لم يتلقوا هذه الدروس، وان الساعات التي يقضيها المرء في تعلم العزف على البيانو أو الكمان لا تضيع هدرا، فدروس الموسيقى تقوي من ذاكرة الاطفال، ويقول هؤلاء العلماء ان اكتشافهم سيساعد الذين أجروا جراحات في المخ على استعادة قوة ذاكرتهم، ومثلهم في ذلك مثل الاطفال الأصحاء.
وهكذا نرى ان تحريم الموسيقى الذي نادى به الكثير من رجال الدين (العلماء)، ولا يزالون، لا يفتقر فقط لأي سند ديني بل ولأي سند عقلي منطقي، فالمنع كان منشأه بيئيا وانطلق من فكر متأثر ببيئة جافة اكثر من أي شيء آخر، فمرحبا بالموسيقى.. ولكن مع من نتكلم نحن؟

احمد الصراف

علاقة الموسيقى بالمرض (1ــ2)

أحمد الصراف
[email protected]
لو نظرنا إلى طبيعة وظروف الحياة في الجزيرة العربية اليوم، لوجدنا انها في غالبيتها لم تختلف كثيرا عما كانت عليه قبل آلاف السنين، خصوصا اذا أزلنا ما جلبته اموال البترول من ادوات وآلات ومظاهر حضرية، كالمركبات والبنايات والمدارس والملاعب والمساكن الفخمة التي تتناثر هنا وهناك، فطبيعة المنطقة لا تزال بشكل عام تتسم بطابع شديد الرتابة والبساطة والتواضع الى درجة الخشونة القاسية، فحياة الحل والترحال التي اتسمت بها حياة الاعرابي من جهة، ورتابة حياة عرب المدن من جهة اخرى، وآلاف السنين، وجفاف البيئة الناتج عن شح المياه وقلة الموارد والمواد وخلوها من الباهر من الالوان والاطياف، كل ذلك اثر بطريقة او بأخرى على المسلك والمأكل والمشرب والمسكن ومختلف انشطة الحياة سواء المعيشية منها او الترفيهية.
فآلة الربابة ذات الوتر الواحد، هي الوحيدة التي عرفتها المنطقة منذ القدم ولا تزال تستعمل بوترها اليتيم المنسجم مع قلة ما في الطبيعة الصحراوية من اصوات اصلا.
في هذه البيئة القاسية والجافة نجد ان الموت مثلا لا يحظى بذلك الاهتمام الذي عادة ما يلقاه في اماكن اخرى، كما لا تتسم طقوس التعزية بأي مظاهر صارخة في وقارها وهيبتها، كما هي الحال عادة في البلاد والمناطق وحواضر المدن القديمة المجاورة لها ذات الانهار والشطوط، فحالة الموت المفاجئ التي تقع مثلا اثناء سير القافلة او ترحال القبيلة من مكان لآخر، بحثا عن الماء والكلأ او في طلب الغزو او التجارة، كان يتم التعامل معها بأقل ما يمكن من مراسم وطقوس، فالدفن يتم خلال لحظات وينتهي العزاء بكلمات مقتضبة ليستمر الركب في سيره ولتعود الحياة الى رتابتها المعتادة بعد دفن الميت في قبر لا يكاد يرى من فرط تساويه مع الارض، فلا شاهد يميزه ولا ألواح رخام تغلفه ولا ادوات ومواد حفر وبناء ترفعه، وكل هذا بسبب فقر البيئة وظروف الزمان والمكان التي لا تحتمل الترف او تأخر الركب.
وفي السياق نفسه، نجد ان الموت لا يتطلب التعامل معه في هذه البيئة بارتداء الداكن من الثياب، كما هو شائع في مناطق اخرى، ولا تقام للميت قبور كبيرة او عالية او أضرحة، كما انهم لا يعرفون شيئا عن اسبوع الميت واربعينيته وسنويته، فهذا الرفض لم ينطلق من واقع ديني بقدر تأثره بظروف البيئة وفقرها وقسوتها التي فرضت نفسها فرضا على تصرفات البشر في تلك البقعة من الارض، وفي كل المناطق المشابهة لها.
نجد الامر ذاته ينسحب على مختلف انشطة المنطقة الترفيهية، حيث تكاد تنعدم فنون العزف الموسيقي، غير دقات بسيطة وشبه بدائية علي الربابة او الدف! اما آلات العزف الاخرى، التي جلبت لاحقا للمنطقة في فترات لاحقة، فإنها لم تجد قبولا او رواجا خارج نطاق قصور الحكام والموسرين، وبالتالي كان من السهل على رجال الدين عدم تشجيع استخدامها او حضور مجالس عزفها والغناء معها، ووصل الامر في مرحلة ما الى تحريم استخدامها وتحريم الغناء بشكل تام.
كما نجد ايضا ان الفنون الاخرى، كالنحت والرسم والتمثيل المسرحي والحفلات الموسيقية لم يعرفها اهل المنطقة بشكل عام بسبب النقص الشديد في المواد والادوات التي يتطلبها اداء مثل هذه المهارات، اضافة الى شبه انعدام حالة الاستقرار السياسي او البيئي اللازمة لتطور اي فن او اي ثقافة.
ولو نظرنا للتعاليم الدينية بشكل عام لوجدناها انعكاسا للبيئة التي خرجت منها. فالبيئة الخشنة والبسيطة لا يمكن ان يخرج منها دين لا يتسم بهذه الصفات نفسها، كما نجد ان انتقال الدين، اي دين، لبيئة اخرى، تدخل عليه تحولات جذرية تجعله اكثر انسجاما مع البيئة الجديدة، فمهما كانت سطوة او قوة تعاليم اي معتقد في تشكيل الوعي والتصرف، فإننا نجده اكثر مرونة وتقبلا لعادات وتقاليد المكان الجديد، وبالتالي نجد طقوس الحياة اليومية، سواء ما تعلق منها بالولادة او الزواج او الموت او طرق الاحتفال بالاعياد والمواسم، تختلف من بيئة لاخرى، وعلى الرغم من وحدة الايمان بمعتقد واحد!
ففي المجتمعات التي دخلها الاسلام في مرحلة لاحقة نجد انه لا تزال للموت رهبته وطقوسه المعقدة التي لا فكاك من الالتزام بها على الرغم من مظاهرها الوثنية السابقة للاسلام، فالموت كارثة ويتم التعامل معه على هذا الاساس بكل ما يعنيه ذلك من بكاء ولطم وتعفير تراب وشق جيوب، مع تكرار استمرار العزاء لاسبوع او 40 يوما، والاحتفال به سنة بعد اخرى، كما تشيد للموتى قبور عالية وتغطى بقطع رخام، وتوضع لمقابر الاغنياء والكبار اسوار وتخصص لها مبان وقطع كبيرة من الاراضي، ويتطور الامر في بعض الدول ليصبح القبر مزارا تشد اليه الرحال بين الفترة والاخرى، كما هي الحال في مصر وايران والعراق وبلاد الشام ودول جنوب شرق آسيا وجمهوريات آسيا الاسلامية الاخرى!

احمد الصراف

الشرف والسلف والطبطبائي

أقرأ يومياً ما لا يقل عن 6 صحف، ما يرد فيها يصلح زاداً لكتابة عشر مقالات يومياً، ولكن ليس بإمكاني نشر أكثر من 5 مقالات أسبوعياً، وأحياناً 4 فقط. لذا سأحاول، بين الفترة والأخرى الإكثار من تغطية أكثر من موضوع في المقال الواحد: 1- ورد في قبس الخميس ان شقيقين سوريين قتلا شقيقتهما ليس لشكهما في أخلاقها فقط، بل ليقينهما انها حامل في شهرها السابع (!!)، وحدثت الجريمة قبل موعد زفافها بفترة قصيرة. تبين لاحقاً، وكالعادة، ومن واقع التحقيق في عشرات حالات القتل دفاعاً عن «الشرف» المماثلة، ان الضحية بريئة، و….عذراء (!!) يحدث ذلك في جميع دولنا العربية والحرة والأبية، ونعتقد بعدها أننا أعطينا المرأة حقوقها، ونسينا أو تناسينا عمداً أن قوانين الأحوال الشخصية وعقوبات جرائم الشرف لا تزال تكبل حريتها بألف قيد وقيد! آه كم أتمنى لو تنجح المرشحة طيبة الإبراهيم في الانتخابات القادمة! 2- أكد وكيل وزارة الأوقاف المساعد، وهذه المرة ليس القراوي، بل إبراهيم الصالح، أكد ان جمعية إحياء التراث (السلف) أخذت على عاتقها تصفية الدين الإسلامي من الخرافات والبدع (!!)، ووردت كلمته بمناسبة افتتاح المقر الجديد للجمعية في العمرية. كنا نود تصديق ذلك ولكنها يا أخ إبراهيم قوية وايد!! فلو أجلت بصرك في وجوه المشاركين في ذلك الحفل العظيم، ولو أمعنت النظر في صحف اليوم التالي لوجدت أن أكثر المشتغلين بأمور قراءة الطالع والشعوذة والعلاج بكاسات الهواء والرقية و«كت الفال» وتفسير الأحلام وفك السحر وأسر المسحور لوجدت أن غالبيتهم من السلف! فإذا كان هذا حالنا بعد كل ما أخذته الجمعية السلفية على عاتقها من تصفية الدين من خرافات وبدع فما الذي كان من الممكن أن تكون عليه أحوالنا من تخلف لولا كريم جهودهم؟ 3- أرسلت عزة توفيق محامية سامي الطراح، مدير الإدارة الهندسية في الصحة رسالة لـ «القبس» «30-4» بينت فيها أن القضية المرفوعة من موكلها على النائب السابق وليد الطبطبائي على ضوء اتهامات الأخير بأنه موظف غير كفء وان وزارة الصحة قد أسندت مهمة بناء 15 مستشفى جديدا للإدارة التي يرأسها موكلها، وما يشكله ذلك من هدر للمال العام، هي اتهامات غير صحيحة، فموكلها الصالح حصل طوال سنوات عمله التي بلغت الأربعين على تقدير امتياز، وكرم من قبل معظم وزراء الصحة السابقين. وان الجهة المناط بها بناء المستشفيات الـ 15 هي وزارة الأشغال، وان إدارة الهندسة التي يديرها موكلها لا علاقة لها بالأمر. وورد في كتاب المحامية أن المرشح الطبطبائي نفى أمام المحكمة وجود أي مستندات لديه تثبت صحة أقواله أو تؤيد اتهاماته الخطيرة بحق السيد سامي الطراح!! لا نعرف المحامية عزة ولا السيد الطراح ولم يسبق لنا الالتقاء أو التحدث مع أي منهما، ولا نود التدخل بطبيعة الحال بسير قضية منظورة أمام القضاء، بل كل ما نود ذكره ان اللحية ليست دليلاً على التقوى والصدق، وان كثيراً من الاتهامات الشخصية التي صدرتبحق الكثير من الأبرياء تحت قبة البرلمان كانت مغطاة بالحصانة البرلمانية أكثر من تضمنها حقائق دامغة! نضع هذه القضية بتصرف ناخبي المنطقة الثالثة ونحن، وآل بيتنا، جزء منهم. ومن محاسن الصدف ان نظام الدوائر الانتخابية الخمس أذن بوضع مصير المرشح الطبطبائي السياسي، ولو جزئياً بين أيدينا! • ملاحظة: قامت جهات تابعة للحركة الدستورية، الفرع المحلي لتنظيم الإخوان المسلمين العالمي، بتوزيع الآية التالية من خلال الرسائل الهاتفية القصيرة: «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون»! وورد فيها كذلك ان الآية تنطبق على مستلمها إن لم يبادر بنصرة «حدس» وعموم الإسلاميين (!) إن هذا إرهاب حزبي واضح واستغلال غير كريم لنصوص دينية في حملة سياسية لا تخلو من الدسائس، كما أنها تتضمن طعناً في نوايا الآخرين وتتهم المرشح والناخب بالفسق فقط لكونهم من غير المنتمين لأحزابهم الدينية! أحمد الصراف [email protected]

احمد الصراف

أميركا الأجنبية

نادرا ما اكتب عن وزارة الخارجية، واشعر بتردد كلما انتابتني الرغبة في الكتابة عنها، سلبا، وسبب ذلك يعود لما اكنه من ود لوزيرها الشيخ محمد الصباح الدمث والخلوق، ولما بيننا من لقاءات، قبل الاحتلال وبعد التحرير، والتي تخلل بعضها «عشوات» عامرة.
لكن تصريحه الاخير الذي اعلن فيه: «.. اننا لسنا بحاجة لاجنبي ليبلغنا اهمية فتح سفارة في بغداد»! خرج عن كل مألوف، واحتاج الى الدبلوماسية التي يتحلى الوزير الشيخ بها، وبالتالي خيب كلامه امل الكثيرين منا!
يطلق لفظ «اجنبي» عادة، وفي اي لغة او لهجة، على الغريب او غير المألوف من الامور او الافراد غير المنتمين للبيئة او الخارجين عنها.
والاجنبي اما ان يكون شخصا غير مرغوب فيه، او يكون وجوده، مقبولا ولكن على مضض لحاجة ما!، وبذلك يصبح للكلمة معنى سلبي لا يمكن اخفاؤه، ويطلق عادة على ما نود التقليل من شأنه او التعريض به!
ولو علمنا ان الاجنبي الذي قصده وزير الخارجية وعناه في تصريحه، وترفع حتى عن ذكر اسمه، هي حكومة الولايات المتحدة الاميركية، بكل ما لها من دين في اعناقنا، وما بيننا وبينها من مودة لكل ما قدمته للكويت، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، من امن وسلام وكرامة، والتي «لاتزال» تربطنا بها اتفاقيات ومعاهدات تتعهد فيها الحكومة الاميركية، الممثلة الشرعية للشعب الاميركي، بالتدخل عسكريا للحفاظ على استقلال وطننا وكرامتنا وشرعية حكمنا، حتى ولو تطلب ذلك التضحية بارواح شبابهم والمخاطرة بصرف اموال دافعي ضرائبهم من اجل الذود عنا وعن استقلال وطننا وحرية وكرامة الشعب والاسرة الحاكمة!
لسنا على اطلاع كاف على مجريات السياسة وخفاياها، وقد تكون للدبلوماسية الكويتية اسبابها التي تجعلها تتريث في مسألة فتح سفارة للكويت في بغداد.
فالوزير والوكيل ليسا اقل حرصا على مصلحة الكويت من اي مواطن غيور آخر، وبالتالي، لسنا في معرض المزايدة على احد ومطالبة الحكومة بضرورة فتح سفارة لنا في بغداد او في غيرها، فكبار الخارجية اعلم بذلك، ولكننا لا نعتقد في الوقت نفسه ان اطلاق صفة «اجنبي» على الحكومة الاميركية كان حصيفا.. وكل ما نتمناه ألا يكون ذلك وصف «الاجنبي»، الذي لا استسيغ شخصيا استخدامه، كتابة او قولا، في الاشارة الى المقيمين بيننا من غير المواطنين، نتمنى ألا يكون اكثر من زلة لسان من شيخ الدبلوماسية الجديد، الذي نتوقع منه كل خير مستقبلا، فأميركا اكثر من صديق واكبر من حليف، ووجودنا برمته يعتمد عليها وحدها، ان حاول اي طرف الاعتداء علينا.. ولا اعتقد اننا نريد من «اجنبي» ان يحمينا مرة ثانية.

أحمد الصراف
habibi [email protected]

احمد الصراف

وصولية الجماعة ومصداقيتها

1 ــ في الوصولية: أجرى مقدم البرامج التلفزيونية، الزميل الكريم عبدالرحمن النجار، لقاء مع النائب، وقتها، ناصر الصانع، وذلك قبيل تصويت مجلس الامة على قانون منح المرأة حقوقها السياسية.
جرى الحوار التالي بين المقدم والضيف على خلفية مقترح القانون:
النجار: ناصر الصانع، ما موقفك من حقوق المرأة السياسية؟
الصانع: أنا أنتمي الى الحركة الدستورية الاسلامية، واعتقد انني سأقف ضد القانون الذي قدمته الحكومة!!
النجار: يعني أنت ضد الحقوق السياسية للمرأة؟
الصانع: أنا مو (لست) ضد الحقوق السياسية للمرأة، احنا نسميها بالضبط: ضد المشاركة السياسية للمرأة في مؤسسات القرار السياسي، شوف يا عبدالرحمن كيف حددتها؟ وهنا ارتسمت ابتسامة على وجه الصانع تبين مدى سعادته في التوصل الى تلك «التخريجة العجيبة»!
انتهى الجزء الذي يعنينا من الحوار ومنه نرى مدى وصولية الجماعة وشغفهم بالتلاعب بالالفاظ، فإن نجح القانون، فإنهم سيعلنون انهم لم يكونوا ضده، وان سقط فسيعزز هذا موقفهم السياسي!
ان القول انهم مع اعطاء المرأة حقوقها السياسية، ولكنهم في الوقت نفسه ضد مشاركتها في مؤسسات القرار السياسي، يشبه القول انهم على استعداد لاعطاء المزارع بذورا وماء وسمادا، وتوقع الانتاج منه، ولكن ليس من حقه استخدام اي ارض!
طالما اشتهر سياسيو الديموقراطيات العربية بهذا النوع من «الحربقة» السياسية واللف والدوران في القول، والامر (كان) يهون لو كان هؤلاء من المنتمين لاحزاب علمانية صهيونية ليبرالية ماركسية تغريبية فاسدة، ولكن ان يكونوا من غلاة المنادين بالاصلاح الاجتماعي وبالعفاف والطهر في القول والتعامل، فهنا العجب!
بعد هذا، نترك قرار اعادة انتخاب الصانع لناخبي منطقته، ونحن احدهم!
2 ــ في المصداقية: قام موقع «بدر الكويت» بتاريخ 9ــ1ــ2005 بنشر مقاطع كاملة من مقالات سبق ان نشرها النائب السابق وليد الطبطبائي في جريدة الوطن، تبين من الحالة الاولى ان مقاطع كاملة من احد مقالات النائب المنتمي الى التيار السلفي والمنافح الاكبر عن مكارم الاخلاق، قد اخذت من مقال فهمي هويدي، الكاتب الآخر في الجريدة نفسها، ومن مقال نشره الاخير بتاريخ 8 ــ 12 ــ 2004.
كما بيّن الموقع «نقلة كاملة» اخرى قام بها نائب الفضيلة السابق في مقال يوم 17 ــ 1 ــ 2005 من كتاب «مراجعات في الدعوة»، لعمر عبيد حسنة.
وفي مقال ثالث، قام النائب السابق بنقل فقرات طويلة حرفيا في مقال يوم 28 ــ 7 ــ 2001 من كتاب «التشريع الجنائي في الاسلام» لعبدالقادر عودة.
نترك قرار اعادة انتخاب السيد وليد الطبطبائي لعضوية مجلس الامة القادم لناخبي دائرته، ولسنا احدهم.
ملاحظة: شريط المقابلة ونصوص المقالات المشتبه بها موجودة لدينا لمن يرغب في الاطلاع او الحصول عليها.

أحمد الصراف
habibi [email protected]

احمد الصراف

.. وتفضلوا بقبول فائق الشكر

يمكن القول إن مجلس الأمة القادم سيكون، لأسباب غاية في الأهمية والخطورة، مجلسا استثنائيا في تاريخ الكويت السياسي الحديث، وبالتالي من المهم جدا قيام المواطن بأداء واجبه الانتخابي بطريقة رشيدة وسليمة.
من الصعب على الناخبين، وأنا أحدهم، الإلمام الكامل بمدى كفاءة مرشحي المنطقة الانتخابية التي ينتمون اليها. كما ان قلة تعرف جيدا نقاط قوة وضعف هؤلاء المرشحين، وبالتالي من الضروري مساعدة بعضنا لبعض في اختيار أحسن من يمثلنا في المجلس النيابي القادم، أو على الأقل، أقلهم سوءا!!
وهنا، ككاتب عمود، أجد لزاما عليّ المساهمة في تسليط الضوء على العناصر التي أرى انها ستكون الأصلح لتمثيلنا، وأن مصير الوطن ومستقبل أبنائنا وأحفادنا سيكون بخير بين أيديهم.
على الرغم من ان للسياسة متطلباتها، فإن عضو مجلس الأمة يفترض به ان يتسم بقدر عال من الوضوح والشفافية والأمانة (!!). كما يفترض بنا ــ نحن الناخبين ــ ان نكون صادقين، معه ونبتعد عن تمني النجاح للجميع، فالقلة فقط هي التي ستفوز في نهاية الأمر، وهذا يعني ضرورة ابتعادنا عن ابداء المديح الفارغ او المغالاة في المجاملة، الأمر الذي قد يفيد الكثيرين، ويوفر وقتهم ومالهم!
نشر الزميل خالد العبيدي في جريدة «الشاهد» (23-4) مقالا تعلق بقرار مجلس الوزراء الصادر في 15-10-2006، الخاص بمنح «معاشات تقاعدية استثنائية» لعدد من نواب المجلس السابق!
من المعروف ان من يعطي يملك حق وقف ما أعطى في أي لحظة. والمنح بغير شرط سيف مصلت على رأس الممنوح له يمكن ان يشهره المانح ساعة شاء. وبالتالي لا يمكن فهم موقف النائب البرلماني الذي قبل من الحكومة مبلغ 2000 دينار شهريا كـ«عطية»، في الوقت الذي يتطلب منه الواجب مراقبة أعمال هذه الحكومة ومحاسبتها وحتى مساءلتها، إذا تطلب الأمر ذلك.
فهذه المعاشات الشهرية الضخمة، وبعد اعتياد النواب على ما توفره من رغد عيش لهم، يصعب عليهم توقف دفعها، وبالتالي يكونون عرضة للابتزاز الحكومي، وتصبح المسألة مدعاة أكثر للحيرة عندما نكتشف ان غالبية، ان لم يكن جميع، أولئك الذين وردت اسماؤهم في مقال الزميل العبيدي هم من غلاة المنتمين لأحزاب دينية سلفية أو من الحركة الدستورية!
لقد سبق ان طالبنا بالتوقف عن تمني النجاح للجميع، لاستحالة ذلك، ولمخالفته لطبيعة البشر اصلا. وهنا نحن لا نكتفي فقط بعدم تمني النجاح لهؤلاء النواب السابقين، بل نطالب من رشحوا أنفسهم بتفسير سكوتهم لأكثر من سنتين على قبض هذه العطايا الحكومية من دون وجه حق من المال العام (!!!) خاصة انهم كانوا في غالبيتهم من الذين سبق أن «طوشونا» بصلاحهم واستقامتهم وتدينهم!
وليتفضل ناخبو وناخبات المناطق التي ترشح فيها هؤلاء بقبول فائق الشكر والاحترام.

• ملاحظة ورد في مقال الأمس عن موضوع قضية «هاليبرتون» أن قرار حفظ القضية بصورة نهائية قد صدر عن مجلس الوزراء.. والصحيح أن قرار الحفظ صدر عن المحكمة المختصة بالنظر في القضية، وهي محكمة الوزراء.
نعتذر عن هذا اللبس ونشكر من لفت نظرنا إلى الخطأ.

أحمد الصراف
habibi [email protected]

احمد الصراف

هاليبرتون.. المشهد الأخير

ربما يكون المقال الذي كتبته قبل 4 سنوات تقريبا، والذي دافعت فيه عن الطريقة التي تصرف بها الجانب الكويتي في صفقة تزويد الجيش الاميركي بالمشتقات البترولية، ابان حرب تحرير العراق من حكم صدام، عن طريق شركة كي بي آر، الذراع التنفيذية لهاليبرتون العالمية، والتي سميت بعدها بقضية او فضيحة «هاليبرتون»، ربما يكون ذلك المقال الاكثر اثارة للجدل والاعتراض من الكثيرين، واذكر وقتها ان رجل الاعمال المعروف، الاخ فؤاد ثنيان، الذي التقيت به في ديوان «الهارون» في الضاحية، يوم كنت ارتادها، كان الوحيد الذي ايد وجهة نظري التي بينتها في المقال، وذكر امام رواد الديوان، ومنهم نواب ووزراء، أن «كي بي آر» قامت بالاتصال به، ليقوم بمهمة تزويد الاميركيين بالوقود الضروري لآلياتهم، لكنه رفض المخاطرة بشاحنات وقوده وزجها في اتون الفوضى التي كانت تعم العراق في تلك المرحلة بعد تزايد حوادث السلب والنهب والاعتداء على صهاريج الوقود وتفجيرها وقتل سائقيها، وقال ان جماعة «الحميضي والرومي» الذين حصلوا على الصفقة وحققوا من ورائها ارباحاً مجزية يستحقون الربح بجدارة، فحجم مخاطرتهم كانت مخيفة، وقد رهنوا مستقبلهم المالي بكامله لاتمام الصفقة بالطريقة المناسبة.
قرار مجلس الوزراء الاخير الذي تم فيه حفظ البلاغ المقدم من وزير النفط محمد العليم ضد الشيخ احمد الفهد، وزير الطاقة السابق، في ما يتعلق بدوره في قضية «هاليبرتون» لا اعتبره مؤيدا لوجهة نظري، او متعارضا معها! فقد كان للسياسة وصراع مراكز القوى دور في تقديم البلاغ ضد الوزير السابق، ودور في صدور قرار مجلس الوزراء بالحفظ.
اما ما كتبته عن الصفقة وقتها، فقد كان من واقع تجربتي الشخصية ومعايشتي لها يوما بيوم بحكم الصداقة التي كانت، ولا تزال تربطني باحد اطراف العقد.
فلم يكن لي وقتها ولا اليوم اي مصلحة مادية او معنوية من وراء الموضوع برمته، وسبق ان تحدثت مع رئيس لجنة التحقيق البرلمانية وقتها، النائب السابق والمميز الاخ علي الراشد، الذي نتمنى عودته بقوة الى المجلس النيابي، والذي التقيت به في مناسبة اجتماعية، وشرحت له ما اعرف عن القضية وابديت استعدادي للمثول امام لجنته للادلاء باقوالي!
يمكنني القول ان ما اثير حول قضية هاليبرتون يعود في جزء منه الى «الحسد الكويتي» المعروف، والى تصفية حسابات سياسية مع الوزير السابق احمد الفهد، كما يمكنني الجزم بأن اصحاب الصفقة خاطروا بالكثير وقتها، وكان لهم قصب السبق، فصحتين على قلبهم، اما عن حقيقة دور الوزير السابق الشيخ احمد الفهد، فلا اعلم عنه شيئاً!

أحمد الصراف
[email protected]

احمد الصراف

عندما رفضت الجامعة زيارة البابا

مجموعة من علماء الفيزياء في جامعة «لاسابيانزا La Sapienza الشهيرة في روما، خلقوا في يناير الماضي ضجة كبيرة عندما رفضوا قيام بابا الفاتيكان، الاكثر احتراما وقدسية لدى مليار كاثوليكي، بإلقاء كلمة في الجامعة بمناسبة بدء السنة الدراسية، وتسبب الرفض بالتالي في الغاء البابا لزيارته!!
تزعم حركة الرفض كارلو برنارديني، مدرس الفيزياء في الجامعة، الذي اجرت معه صحيفة ايطالية مقابلة اثارت ردود فعل مؤيدة اكثر من معارضة. يقول البروفيسور «برنارديني»، في رد على سؤال عن سبب اتخاذه وزملائه ذلك الموقف الحاد من الحبر الاعظم، قال ان السبب يكمن في موقف الكنيسة من قضايا التخصيب وطرق العلاج المؤلمة التي يضطر الطب الحديث إلى اللجوء إليها للتعامل مع المصابين بالامراض المستعصية. وان الجامعة تقوم بتدريس طلبتها كيفية النظر للامور بشكل استقرائي والتشكيك في ما تعلموه من خلال تجاربهم الشخصية ورفض الانحياز لرأي معين، وهذا عكس ما هو شائع في الكنيسة الكاثوليكية.
ويستطرد برنارديني، وهو الذي قارب الثمانين من العمر، في القول انه لا يعتقد ان بالامكان الوصول الى حل وسط بين طريقة التفكير العقدية الحازمة للكنيسة والدراسة الفلسفية لتطور العقل التي بنيت عليها الابحاث العلمية. وان ما ذكره البابا، في كلمته التي القيت نيابة عنه، من ان العلم لا يمكن ان يتقدم من دون ايمان، خير دليل على صحة موقفهم من الكنيسة.
وعندما قيل للبروفيسور انه كان من المفترض ترك المجال للبابا ليلقي كلمته ومن ثم مناقشته فيها، رد قائلا: ان المسألة ليست سؤالا وجوابا مع البابا الذي لا يقبل تعريض مكانته للتشكيك بسؤال غير متوقع.
وعند سؤاله عن رأيه فيما اذا كان للكنيسة الكاثوليكية تأثير سلبي على البحث العلمي في ايطاليا بشكل عام، قال انه لا شك في هذا. فالاختلافات مع الكنيسة في مسائل استخدام الخلايا الجذعية في العلاج وموانع الحمل واستخدام المؤلم من طرق العلاج مع الامراض المستعصية والايدز والاستنساخ تسببت في شلل الابحاث في ايطاليا بشكل عام، بالرغم من اهمية وحساسية هذه القضايا التي ستعتمد طريقة التعاطي معها في شكل مجتمعاتنا مستقبلا، علما بأن العالمين المتقدم والنامي يبذلان جهودا كبيرة للتصدي لهذه القضايا وايجاد الحلول لها! وقال البروفيسور ان تقريرا نشر في صحيفة «لا ريبوبليكا» بيّن ان الكنيسة الكاثوليكية تكلف الدولة اربعة مليارات دولار سنويا، وان هناك، على سبيل المثال، اكثر من 25 الف مدرس لمادة الدين فقط. ويتم اختيار هؤلاء عن طريق قساوسة وليس من خلال اختبارات اداء تقليدية.
وبالرغم من عدم تابعية هؤلاء المدرسين للكنيسة مباشرة فان التعامل معهم يتم بصرامة تامة، فلو تزوج احدهم مثلا واضطر لتطليق زوجته والزواج مرة ثانية فانه يجبر على ترك وظيفة التدريس، وهكذا!!
هل قرأتم شيئا بين السطور؟

• ملاحظة: اعلن وكيل التربية عن تشكيل لجان لاعادة النظر في مادة الموسيقى!! واستطيع الجزم مسبقا بأن هذا يعني ان ساعات تدريس هذه المادة لن تزاد ومستوى من يقوم بتقديمها حاليا لن يرفع، وموازنتها لن تتضاعف، وآلاتها الموسيقية لن تجدد!! وكل ما سيتمخض عن اللجنة سيكون سلبيا!! نقول ذلك ونتمنى ان نكون على خطأ مبين، وستتضح الحقيقة بعد اشهر قليلة.
وقتها، اما، ان نؤكد شكوكنا او ان نعتذر للوكيل!!
ولكن كم مرة يجب ان نلدغ من الجحر نفسه؟

أحمد الصراف
[email protected]