احمد الصراف

«كوكوش»

أخرج صابر آتشي يده من حزام بنطاله الفضفاض وبحركة سريعة أخرج يده وبها كرة قماش بيضاء اللون وضعها على رأسه وأخذ يدور على المسرح متباهيا بقدرته على إبقائها في مكانها. وفجأة أطلق صرخة وصاحبها بضربة خفيفة على بطنه بقبضة يده فانفتحت الكرة بما يشبه الانفجار وخرجت منها مئات أشرطة القماش الملونة التي غطت صابر آتشي من رأسه حتى أخمص قدميه، وهنا بدأ في الدوران حول نفسه والرقص مع إيقاع الموسيقى، ثم رفع ساقه الى الأمام، خارج الشرائط التي تغطيه، لتنزلق من داخل بنطاله فتاة صغيرة وتقف على قدميها جامدة ثم تبدأ بمشاركة الرجل في الرقص السريع والمرح وسط تصفيق الجمهور الذي تعجب من وجودها كل ذلك الوقت حول قدم الرجل دون أن يفطن أحد لذلك على الرغم من كل ما قام به من حركات ورقص. كان ذلك في ستينات القرن الماضي وفي «تياتر» متواضع في خيابان (شارع) «لاله زار» الذي كان يقع وسط العاصمة الإيرانية طهران، حيث كان صابر يؤدي وصلاته كل ليلة برفقة ابنته الصغيرة الموهوبة، وكانت تلك البدايات الأولى للمطربة كوكوش، التي نجحت خلال سنوات قلائل في أسر قلوب عشرات ملايين الإيرانيين وغيرهم ولعقود عدة.
وفجأة نجح آية الله الخميني في ثورته في نهاية السبعينات، ومثل أي شيء جميل آخر يمت للفن، انتهت حياة كوكوش الإبداعية في اليوم الأول لنجاح الثورة الخمينية، وانتهت معها عشرات آلاف المهن وما يتبعها من وظائف وأعمال بعد أن أقفلت جميع دور اللهو والمسرح وصالات السينما والملاهي الليلية. كما منع غناء الرجال والنساء في الأماكن العامة… وغطى الشادور والمنتو إيران من أقصاها إلى أقصاها.
كانت كوكوش متزوجة من محمود قرباني، وكان رجل أعمال معروفا، ولكن ربما تطلقت منه بعدها، حيث أشيع أنها اقترنت، أو أجبرت على الاقتران، بأحد رجال الدين (الملالي) المقربين من السلطة. كانت كوكوش، التي كانت في ثلاثيناتها في تلك الفترة، لا تزال تتمتع بالجمال والصوت الآسر، وكانت عصرية في كل أمور حياتها، وبالتالي لم يعرف أحد حتى اليوم السبب الذي دفعها للإقدام على تلك الزيجة، ولكن خروجها من إيران هربا بعدها بقليل لفضاء الحرية الرحب في أميركا أطلق مجموعة من الأقاويل التي كانت في مجملها في مصلحتها.
لم يمر وقت طويل على استقرار كوكوش في ولاية كاليفورنيا، حيث تقطن غالبية إيرانيي أميركا، حتى عادت لإحياء الحفلات الغنائية. كما ارتبطت بالغناء في «لاس فيغاس» لأكثر من مرة. كما كانت في «دبي» قبل فترة قصيرة، ويقول كل من شاهدها انها، وعلى الرغم من سنيها الستين فهي لا تزال محتفظة بنضارتها وحيويتها وقوة صوتها وجماله!
موضوع هذا المقال يتعلق بـ«فيديو كليب» جديد ومثير للجدل صورته الفنانة كوكوش أخيرا في أميركا بعنوان «شك ميكونم»، أي أنني أشك، من إخراج سيروس كردواني!! ووجه الإثارة فيه يتعلق بكونه أول أغنية مصورة بإتقان لمطربة بوزنها، وبخلفيتها الدينية والعرقية، تنتقد فيها الأنظمة الدينية، أيا كانت، وتحذر من الأوجه الشيطانية لبعض رجال الدين، وعدم ترددهم في ربط الأحزمة الناسفة حول أجساد الفتيات الصغيرات البريئات وإرسالهن للقيام بالعمليات الانتحارية بعد تعليق مفاتيح الجنة في رقابهن.
تقول الأغنية، والترجمة لصديق وبتصرف أعتقد أنه مخل: …طالما شككت بهؤلاء الدمى (تقصد رجال الدين)، وشككت في مقاصدهم. لقد اشمأزت نفسي من ملائكة الخداع، كم أتمنى أن أشي بهم لمن هو أعلى منهم، ولست بخائفة على فعل ذلك بعد أن فقدت كل شيء، والشيطان يقول ان الحاكم مدين لي بالكثير، وأنا سعيدة لأني قادرة على تقديم الخير الوفير.
رابط الأغنية على الإنترنت موجود لدينا لمن يود الاطلاع عليه.

أحمد الصراف

احمد الصراف

نظام الخمس.. ما له وما عليه!

الخُمس نظام مالي إسلامي فرض للتعامل مع غنائم الغزوات في عهد الرسول، وقد توقف العمل به بعد وفاته، إلا ما كان يدفع إلى «بيت المال»، واحتساب الخُمس ليس سهلاً وتختلف التفسيرات بشأنه من جهة إلى أخرى، ولكن بشكل عام يقوم على أساس قيام المرء باحتساب 20% من مربحه السنوي أو غنمه وتسليمه إلى جهة ثقة وعادلة تمثل النبي أو من آل بيته، حسب التفسير الشيعي، ليتصرف به بالطريقة التي يراها مناسبة، وبسبب شك الشيعة التاريخي في توافر حكام ثقاة يمكن الوثوق بهم فقد أجمعوا على أفضلية دفع الخُمس إلى ولي الإمام أو نائبه، ولكن مع الوقت زاد عدد هؤلاء وتعددت المرجعيات مع زيادة أتباعهم، أو مقلديهم من دافعي الخُمس.
ويمكن القول إن نظام الخُمس الحالي لم يترسخ إلا مع إنشاء أول دولة شيعية اثني عشرية في التاريخ، فالدولة الفاطمية، على الرغم من تشيعها، لم تكن اثني عشرية ولا يوجد ما يثبت انها كانت تطبق نظام الخُمس.
وعلى الرغم من الاستقلالية العظيمة التي وفرها ويوفرها هذا النظام المالي للمؤسسة الدينية الشيعية، وهي الاستقلالية التي تفتقدها المؤسسة الدينية السنية، أياً كانت، أقول على الرغم من هذه الاستقلالية التي وفرتها لرجال الدين وقوت موقفهم من السلطة ومكنتهم من بقاء هياكلهم التنظيمية كما هي عليه لسنوات طويلة وأعطتهم القدرة على الوقوف في وجه أقوى الملوك وأعتى الطغاة، فان تطبيق النظام، بصورته الحالية، لم يخل من المثالب.
فلو نظرنا لما دفعه ويدفعه الشيعة، ومنذ خمسة قرون تقريباً، من أموال طائلة إلى رجال الدين في صورة «خمس» لوجدنا ان من الصعب تقديرها بصورة دقيقة بسبب ضخامتها.
ولو قامت أي جهة مستقلة بإجراء مسح ميداني لمنجزات المؤسسات الدينية في قم ومشهد والنجف وكربلاء، وهي المواقع التاريخية الدينية التي عادة ما تصب فيها غالبية أخماس الشيعة، والتي أصبح البعض منها يتجه للبنان في السنوات الأخيرة، لوجدنا أن الظاهرة الوحيدة الواضحة في هذه الأماكن، عدا لبنان، هو تعدد وكبر حجم المدارس الدينية، أو الحوزات فيها، والتي يتلقى بها عشرات الآلاف من الطلبة العلوم الدينية من دون مقابل مع توفير الغذاء والمسكن والملبس لهم مجاناً، ولا يوجد خلاف ذلك ما يمكن الاعتداد به بشكل واضح ومحسوس، فكل ما تم إنجازه من مؤسسات إنسانية في هذه المدينة أو تلك المنطقة لا يسد إلا جزءاً صغيراً من احتياجات المجتمعات الشيعية للمدارس الجيدة والجامعات المميزة والمشاريع الاقتصادية التي توفر العمل لمئات آلاف العاطلين وغير ذلك الكثير مما تعانيه مجتمعاتهم في العراق وإيران!
لا نريد هنا الدخول في تفاصيل أكثر، فهذا ما يدلنا عليه منطقنا وفهمنا الديني وقد نكون على خطأ في كل أو بعض ما ذكرناه، ولكن من الصعب مثلا معارضة قولنا ان طريقة دفع أو تحصيل الخُمس كان له أكبر الأثر في تفرق وتعدد المراجع الدينية وتنافرها وأحياناً تصارعها على كيكة الخُمس، فهذا النظام الضريبي الديني كان له أثر واضح في منع وحدة الصف الشيعي ووحدة قراره ومرجعيته، حتى في الوطن الواحد أو ضمن المدرسة أو الحوزة الدينية، فلو اتحدت هذه المراجع، وفي الاتحاد قوة، فإن الخُمس سيتجه لصندوق الجهة الموحدة وليس لحساب مرجع محدد، وفي ذلك تضعيف لدورالمرجع ومكانته السياسية والاجتماعية!
وأخيراً يمكن القول انه على الرغم من رسوخ نظام الخُمس، لكن هناك اتجاهاً متزايداً بين رجال الأعمال الشيعة، وفي الخليج بالذات، للقيام بعملية التصرف بالأخماس المستحقة عليهم في أوجه الخير التي يرونها مناسبة من دون المرور في قنوات «وكلاء المراجع»، خاصة بعد زيادة الأقاويل عن بعض تصرفات هؤلاء وزيادة أعدادهم في كل دولة.

ملاحظة: قام السيد محمد السداح، صاحب «المدرسة الانكليزية» بالاتصال بنا بخصوص مقال الأمس، ليؤكد لنا بأن ما كتبناه لم يكن دقيقاً وان الطالب الهندي لم يفصل، وقد عاد منذ فترة إلى الدراسة، وانه يدرس لديهم منذ سنوات، وولي أمره على علم بتعليمات المدرسة التي تمنع الطلبة من تربية اللحى، وسبق ان قام بتوقيع تعهد بهذا، وان إدارة المدرسة حريصة على حقوق الإنسان ومصلحة الطالب، وهنا نعتذر للمربي الفاضل محمد السداح عن أي اساءة قد تكون لحقت به أو بمدرسته التي كان لها دور مميز في رفع مستوى التعليم الخاص في الكويت.

أحمد الصراف

احمد الصراف

لحية السيخي أناند.. ونورية الصبيح

تعرفت على صديقي الهندي فلادارس في منتصف ستينات القرن الماضي، واستمرت صداقتنا حتى اليوم دون انقطاع، الا ما فرضته الجغرافيا احيانا من تباعد مادي. وفي آخر لقاء لنا في الصيف الماضي قص عليّ فلادارس القصة التالية:
عندما كنت صغيرا كانت اسرتي تعيش في مدينة ممبي، او بومبي، حيث كان ابي يمارس الطب. وفي يوم استقللت واصدقائي سيارة اجرة متهالكة يقودها مواطن من السيخ، او سرداري!! لم نتوقف خلال رحلتنا القصيرة تلك عن اطلاق النكات على السيخ والسخرية منهم، ومن مركبة ذلك السائق العجوز، ولكن الرجل تجاهلنا تماما، الامر الذي دفعنا الى التمادي في غينا! عند بلوغ، وجهتنا ودفع الاجرة استوقفنا الرجل قائلا: لقد سمعت جميع نكاتكم وسخريتكم مني ومن افراد طائفتي. لن اطلب منكم التوقف عن فعل ذلك مستقبلا، فهذا لن يجدي نفعا، ولا اطلب الاعتذار، فهذا ايضا لا معنى له، ما اطلبه من كل واحد منكم هو ان تعطوا اول متسول سيخي تقابلوه النصف روبية هذا، وهنا ناول كل واحد نصف روبية وذهب الى حال سبيله!!
سخرنا من سذاجة ذلك السائق وضحكنا كثيرا من تصرفه الاحمق، ولكن بعد مرور سنوات طويلة من تلك الحادثة، وعلى الرغم من زياراتي المتكررة للهند، لم اصادف حتى يومنا هذا متسولا من السيخ، ولا ازال احتفظ بنصف الروبية ذلك منذ نصف قرن تقريبا، فقد تعلمت الكثير من ذلك السائق الحكيم، الذي اختار ذلك الطريقة المبدعة لاعطاء كل منا درسا لن ينسى في الحياة، وليقول لنا بطريقة غير مباشرة ان شعبه لا يتسول ولو جاع، وان المظهر الخارجي او العمل الذي يقوم به الانسان، مهما كان بسيطا، لا يعني شيئا، وان ما يشاع عن غباء البعض او سذاجة تصرفهم ليس هو المقياس الصحيح للحكم على الكل، وان السرداري هو الوحيد في العالم الذي لا يمكن ان يلجأ الى التسول، مهما قست عليه الظروف!
انتهت قصة فلادارس.
على الرغم من شعوري بصحة رواية صديقي الهندي، لكنني رغبت في التأكد من الموضوع بنفسي، وهكذا قمت بالسؤال هنا وهناك وتبينت لي حقيقة ان السرداري، او السيخي، أبيّ النفس يعتد كثيرا بكرامته ولا يمانع في القيام بأي عمل، ولكنه لا يلجأ الى التسول مطلقا!
تذكرت تلك القصة لدى سماعي بمشكلة الطالب اناند مع مدرسته الانكليزية في الكويت.
التحق اناند، الطالب السيخي، بمدرسة انكليزية خاصة في بداية العام الحالي. قبلت المدرسة التحاقه بها، بناء على علاماته المميزة وحسن سلوكه، بعد مرور فترة على بدء الدراسة، طلبت منه الادارة حلق ذقنه، بحجة ان الطلبة غير مسموح لهم بتربية لحاهم! رفض اناند تنفيذ الطلب، لان تعاليم دينه تحرم عليه ـ كسيخي ـ حلق شعر رأسه وذقنه. وهنا قررت ادارة المدرسة فصله ان رفض طلبها، فأصر اناند على موقفه، وهكذا حرم من الدراسة، علما بأنه في سنته الاخيرة تقريبا وسيغادر الكويت بعد عام للالتحاق بالجامعة في الخارج.
تقدم والد اناند بطلب لادارة المدرسة لاعادة النظر في قرارها وعدم التسبب في ضياع مستقبل ابنه، فهو لن يرضخ لطلبهم غير العادل من جهة، ومن جانب آخر ليس بإمكان والده ترك مصالحه والعودة الى الهند لكي يدرس هناك من دون قيود، خصوصا ان ادارة المدرسة قبلت به كما هو، بغطاء رأسه ولحيته عند مقابلته لاول مرة، ولم تشترط عليه ازالتهما في حينه. ولكن الادارة اصرت على موقفها، وعلى الرغم من العريضة التي تقدم بها الكثير من الطلبة واولياء امورهم تأييدا لموقف اناند! وهنا لجأ والده إلى سفارة بلاده لكي تنقذ مستقبل ابنه من الضياع، وقامت بالفعل بالاتصال على وزارة التربية ـ ادارة التعليم الخاص، ولكن يبدو ان الوزارة، اما انها ترفض التدخل او لا تود تغيير تعليماتها، وقد باءت كل محاولاتي للاتصال بمدير التعليم الخاص او بالقائم بالاعمال الهندي وحتى بصاحب المدرسة الانكليزية، لمعرفة الحقيقة، بالفشل، حيث كنت فقط ارغب في معرفة الجهة التي تقف وراء هذا القرار المجحف، قبل الكتابة عنه!!
نعتقد ان تدخل وزيرة التربية السيدة نورية الصبيح في الامر اصبح اكثر من ضروري، فالطالب اناند لا يزال يقبع في بيته، وستضيع عليه سنة دراسية على الاقل، ان لم يكن مستقبله الدراسي برمته، وكل ذلك بسبب تعنت طرف ما. والوضع بحق مسيء لنا، شعبا وحكومة، وانسانيتنا ترفض إجبار الناس على مخالفة شرائع دينهم، لا لشيء إلا لأننا نرفض من الآخرين هذا الموقف من معتقداتنا!!

أحمد الصراف
[email protected]

احمد الصراف

واحيفاه.. ثانية!!

بيـّن تقرير صادر عن «الشفافية العالمية» وجود فساد كبير في جميع الدول العربية، التي حلت جميعها في ذيل قائمة الدول التي تتمتع بمؤشرات شفافية عالية.
لا تهمني، او ربما لا أعرف الكثير عن اوضاع الدول الاخرى، ولكني شعرت بحزن حقيقي عندما علمت أن الكويت حلت في المرتبة 65 من بين 180 دولة، وكانت السابعة على المستوى العربي، حيث سبقتنا قطر والبحرين والامارات وعمان وحتى الاردن وتونس!
كما اشار التقرير الصادر عن مؤسسة التمويل الدولية والبنك الدولي عن تراجع ترتيب الكويت الى المركز 52 بين 181 دولة في قائمة ممارسة نشاط الاعمال. ولكنها حصلت على المركز 134 في ما يتعلق بسهولة اجراءات بدء النشاط التجاري، متراجعة بحدة عن مركزها السابق، والمتخلف اصلا! كما شمل التراجع والموقع المتخلف كل الانشطة الاخرى!
السؤال هو: كيف لدولة غارقة حتى اذنيها في بحر العبادة والخشوع بكل مظاهره، من مساجد ولحى و«دشاديش» قصيرة وأغطية رأس بلا عقال ومعاهد تحفيظ وجمعيات بـ«الهبل» ومحاضرات تلذذ وتفسير احلام وقنوات بكاء ومغفرة وملايين تصرف على اعلانات التدين، ولها كل هذا العمق في العمل الخيري، الذي يسيطر المنتمون له من المتشددين على اكثر من نصف الوظائف الحكومية الحساسة، كيف يمكن ان تنزل الى هذا الدرك الاسفل اداريا وينتشر فيها فساد غريب لا يوجد ما يبرره، مع كل ما تبدو عليه قياداتنا الحكومية والادارية من امانة ونظافة يد وتدين وخشوع؟!
يقول احد المهندسين ان اي معاملة بناء يستغرق انجازها اكثر من ستة اشهر، وتصل الفترة الى سنة او اكثر احيانا، وتتغير خلال هذه الفترة الطويلة امور كثيرة، ولكن لا احد يود ان يفهم، او يغير الوضع، لأن فيه فائدة للجميع الا صاحب المعاملة، وهذا يسري على غالبية، ان لم يكن جميع الادارات الحكومية، ويقول انه اكتشف انه من الممكن تحديد مدى فساد اي ادارة تقريبا من عدد التواقيع التي تتطلبها اي معاملة، فكلما زادت زاد التأخير وزادت فرصة الحصول على رشوة هنا او هدية هناك، او حتى مكالمة هاتفية من صاحبها «يترجى» فيها من لا يساوي احيانا فلسا احمر ان يساعده في التوقيع عليها.
ويقول تاجر مواد غذائية ان عملية فحص مادة غذائية عادية، قبل السماح ببيعها، يستغرق احيانا ثلاثة اشهر، واسباب ذلك كثيرة، واهمها تخلف الاجراءات والمختبرات وقدم الاجهزة المستخدمة في فحص المواد الغذائية، ويؤكد التاجر ان هذا يزيد من تكلفة البيع بطبيعة الحال، علما بأن كل الذين تولوا مسؤولية البلدية، في السنوات العشر الاخيرة على الاقل، من وزراء ومديرين عامين او نوابهم تعهدوا المرة تلو الاخرى بفعل شيء لتعديل وضع مركز الفحص الخرب، ولكن لم يتحقق شيء، مع ان الكلفة الاجمالية تافهة والاجهزة متوافرة في الخارج والقرار سهل والاموال موجودة.. ولكن التسيب الاداري والفساد هما المسيطران! وعليه، لماذا ينتشر الفساد في الادارة الحكومية، واين تكمن المشكلة؟
هل في الحكومة، ام في الادارة العليا، ام في المتوسط أم في الطبقات الوظيفية الدنيا؟
هل هناك من يعتقد ان زيادة الرواتب ستقضي على الفساد والتسيب الاداري؟
ام ان اسقاط قروض موظفي الدولة للمؤسسات المالية هو الحل الناجع لجميع مشاكلنا؟!
لماذا ينخر سوس الفساد في الادارة الحكومية ولا نجد له وجوداً في المؤسسات الخاصة؟!
ما الفرق بين دفع رشوة للحصول على قرض مصرفي ودفع رشوة للحصول على رخصة فتح محل؟
لماذا أضطر شخصيا للتدخل احيانا، ومع رئيس مصلحة حكومية لتجنب دفع رشوة لحارس بوابة لتسهيل مرور شاحنة الشركة لداخل المخازن، ولم أضطر، حتى الآن، الى القيام بالشيء نفسه مع المؤسسات الخاصة، ومنذ التحرير حتى اليوم؟!
ماذا كان سيصبح عليه مركز الكويت في قائمة الشفافية لو كانت هناك ضرائب على الدخل؟ مع ما يعنيه ذلك من «اضطرار» للتلاعب في السجلات ورشوة الجُباة وتقديم اقرارات مزيفة وغير ذلك من صور الفساد.
القصة طويلة ومؤلمة ولا احد يود ان يضع يده على الجرح او يجيب عن سؤال طال طرحه: لماذا تغيرت نوايا الكويتي القديم، ولماذا انحدر مستوى الكثير من الكويتيين، ولا اقول المواطنين، الذين طالما اشتهروا بصدقهم ومصداقيتهم وامانتهم، الى هذا الدرك الاسفل من الفساد والحرمنة وسوء التصرف؟! هل كنا هكذا دائما، وسارعت الاحداث والازمات في كشف حقيقتنا؟ ام ان لاموال النفط دورا في ما اصابنا؟ ام ان التجنيس العشوائي هو الذي اثر في النسيج القديم وغيّر النفوس ودفع البعض للتكالب على الثروات فتبعهم الآخرون، بغية الحصول على شيء ما من كعكة الدولة بعد ان كانوا لسنوات قانعين بما لديهم حريصين على سمعتهم في «الفريج» وبين الاهل والاخوة؟ ام ان غياب المحاسبة الحكومية وتصدر السراق للمجالس وسياسة «الطبطبة» على ظهر المخطئ والجاني والاكتفاء بنقل المخطئ الى مكتب الوزير، ونقل العسكري الخرب الى ديوان الوكيل الى ان يأتي من يعيده بعد سنوات الى سلطته السابقة! قد يكمن السبب في بعضها او كلها، ولكن من الواضح ان نسبة من يعتقدون انها «خاربة خاربة» في ازدياد ان بلغ سيل الفساد الزبى؟
اعترف انني، وبعد كل هذه الاطالة، عاجز عن الاجابة عن كل الاسئلة اعلاه، على الرغم من انني املك بعضا منها، ولكن قانون المطبوعات يمنع التطرق لما اعرف، ولا اقول الا مرة اخرى.. واحيفاه!!
* * *
ملاحظة:
عقدت ندوة دينية متطرفة في مسجد يعود للدولة بمنطقة الشهداء، وألقى احد خطيبي الندوة، وهو محمد الثويني، الذي يعمل في مجال الدعوة والاعمال التجارية، كلمة هاجم فيا موقف الغرب من الاسلام، ومن انهم ضاعفوا نشاطهم في سبيل صد الناس عن الدخول في الاسلام!
الغريب ان الندوة اقيمت برعاية وزارة الاوقاف، التي رعى وكيلها لسنوات طويلة «مركز نشر الوسطية» وعمل في مختلف لجانه بأجر مجز، حتى جف الضرع! ولكن هولندا كذبت ادعاءات الندوة في اليوم نفسه بتعيينها لمهاجر مغربي مسلم عمدة لمدينة روتردام العظيمة!

أحمد الصراف

احمد الصراف

أندرسون والبغلي والأقباط

شاهد رجل امرأة كبيرة في السن وقد تعطلت بها سيارتها الأنيقة على جانب الطريق، وكان اليوم يشرف علي نهايته، وتبين له أنها بحاجة للمساعدة. أوقف سيارته المتهالكة أمام سيارتها وتقدم منها، ولكن ابتسامته لم تتغلب على خشيتها منه، فقد كانت إمارات الفقر والجوع بادية عليه. لاحظ الرجل خوفها منه وارتباكها فقال لها بلطف: أنا هنا لمساعدتك. ابقي في دفء سيارتك، فالجو بارد وسأصلح لك الإطار المعطوب، بالمناسبة اسمي «بريان أندرسون».
استلقى بريان على الأرض الباردة تحت السيارة للبحث عن مكان وضع الرافعة، وعندما وجدها شعر بأنه غير قادر على الحركة فقد كان يومه شاقاً، ولكن بعد جهد كبير تمكن من تغيير الإطار وإمارات التعب بادية عليه ويداه متسختان بشكل واضح.
شكرته السيدة بحرارة على مساعدته العظيمة لها وعرفته بنفسها، وقالت إن لولاه لما عرفت ما كان سيصيبها في تلك المنطقة شبه المهجورة، وفي تلك الساعة المتأخرة، رد بريان عليها باقتضاب وهو يغلق غطاء حقيبة السيارة، متمنياً لها سفراً سعيداً، فسألته السيدة عما يطلبه مقابل ما قام به، وانها على استعداد لدفع ما يطلب، فقال لها: عندما عرضت مساعدتك لم أفكر في أي مقابل، بل وجدت أن هناك من هو بحاجة إلي، ولم يكن بامكاني التفكير بأي طريقة أخرى. وإزاء اصرارها قال بريان: اذا كنت حقاً تتمنين فعل ذلك فما عليك سوى عدم التردد في المرة القادمة من مد يد المساعدة لمن ترين أنه بحاجة لها.
بعد عدة أميال من ذلك المكان توقفت السيدة عند مقهى لتناول وجبة خفيفة قبل مواصلة طريقها لمدينتها. فوجئت ببساطة المقهى وتهالك أثاثه المتقادم واضاءته المعتمة، ولكن ابتسامة النادلة خففت كثيراً من عدم اطمئنانها للمكان ومن فيه. لاحظت السيدة ان النادلة تعمل بنشاط مع أنها تبدو حاملاً في شهرها الأخير، وأنها تقوم بعملها والابتسامة لا تفارق وجهها، بالرغم من إمارات الجهد والفقر البادية عليها، وتساءلت بينها وبين نفسها كيف يمكن لمن لا يملك الكثير أن يعطي بكل هذا السخاء خدمة وتميزاً وابتسامة.. وهنا تذكرت «بريان اندرسون»!
بعد أن أنهت السيدة تناول وجبتها أعطت النادلة ورقة من فئة المائة دولار، فغادرت هذه لتحضر الفرق من المكتب الخلفي وعندما عادت لم تجد للسيدة أثراً، واعتقدت أنها ربما ذهبت لقضاء حاجة ولكنها فوجئت بوجود قصاصة ورق حيث كانت تجلس السيدة مدون عليها العبارات التالية، والتي قرأتها والدموع تملأ مآقيها: أنت لست مدينة لي بالفرق يا عزيزتي، فقد مررت بالتجربة نفسها قبل ساعات، عندما ساعدني شخص من دون مقابل، كما أقوم بتقديم المساعدة لك الآن. أتمنى ألا تكسري سلسلة الحب هذه، وتستمري في عطائك! ووجدت النادلة تحت القصاصة مبلغ أربعمائة دولار.
أكملت النادلة عملها وأنهت ما هو مطلوب منها وعندما عادت ذلك المساء إلى بيتها وجلست في سريرها مستذكرة ما مر بها، وكلمات تلك السيدة وكيف عرفت مدى حاجتها وأسرتها لذلك المبلغ، وخاصة أن الأمور ستكون أكثر صعوبة مع قدوم المولود الجديد، وكانت تعرف مدى قلق زوجها من المستقبل والمسؤولية الكبيرة التي عليه حملها في القادم من الأيام، وهنا استدارت نحوه وقبلته بلطف وقال بصوت خافت «أنا أحبك يا بريان أندرسون»!
أسرد هذه القصة المترجمة بتصرف من رسالة انترنت بمناسبة المقال الذي سبقني الزميل علي البغلي إلى كتابته قبل يومين عن الموقف المشرف لصاحب السمو الأمير والحكومة من الكنيسة القبطية، وكيف توفر لرعاة الكنيسة الموقع الجديد المقر المؤقت، بعد هدم مبناهم السابق.
وتمنى الزميل في نهاية مقاله على الحكومة التبرع بمبلغ من المال الذي تعوزه الكنيسة لاكمال مبناها(!!) وهنا اعتقد ان الحكومة ما قصرت، وتقديمها المال اللازم سوف يكون بلا شك محل ترحيب من «الإنسانيين» جميعاً، ولكن ما سيكون له الأثر الأكبر محلياً وعالمياً، ليس الدفع الحكومي، بل أن نقوم، كأفراد احرار ومتسامحين، بأخذ زمام المبادرة والمشاركة في تقديم يد المساعدة المالية للكنيسة. وبالرغم من كبر خسائري في البورصة فانني على استعداد لأن أكون أول المتبرعين. وهنا أدعو «جمعية حقوق الإنسان»، أو أي جمعية أهلية حرة أخرى إلى أخذ زمام المبادرة في هذا الشأن والتصدي لعملية الجمع!!
* * *

ملاحظة:
تقيم الفنانة سكينة الكوت معرضاً لرسوماتها في لبنان اليوم ويستمر حتى 28 اكتوبر، تحت عنوان «لبنان بعيون كويتية». وسيفتتح وزير الإعلام اللبناني المعرض بحضور سفير الكويت.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الفيل الأبيض والطلب السخيف

ماذا تفعل لو ورثت، او اعطاك صاحب مقام عال فيلا ابيض كهدية؟ لا شك انك ستتورط به وبسكنه وحراسته والعناية به وتغذيته بأطنان من الطعام يوميا، وما يتبع ذلك من مشقة تجميع اطنان اخرى من فضلاته!
ستسعد به في الايام الاولى، وسيكون قبلة الحي والوطن بسبب ندرة نوعه الابيض وضخامته وغرابة شكله، وسيركب الاطفال على ظهره وتدور به في الشوارع متباهيا، ولكن بعد فترة قصيرة سيتعبك وستزهق منه ومن شكله ووجوده برمته.
الجسور الحديدية التي أقامتها، او زرعتها، الادارة العامة للمرور على مختلف الطرق السريعة، والتي تحتوي على علامات مرور في جهة، وشاشة صغيرة نسبيا لكتابة التعليمات في الجهة الاخرى، تشبه الى حد كبير مجموعة من الفيلة البيضاء الضخمة الكلفة، التي تورطت بها الادارة العامة للمرور!
صراع عدد من الجهات في وزارة الداخلية على طبيعة ونوعية ما يمكن كتابته من تعليمات وارشادات، وحتى اعلانات، على شاشات تلك الجسور، والذي ادى في نهاية الامر الى صرف النظر عن تدوين اي شيء عليها لما يتسبب ذلك من ارباك لحركة المرور وصرف نظر سائقي المركبات عن اخطار الطريق، هذا الصراع جعل مهمة هذه اللوحات مقتصرا على بيان حدود السرعة القصوى، هذه معروفة تقريبا للكافة، اضافة الى انها مدونة على لوحات معدنية بجانب الطريق، وتحت تلك الجسور، وتكلفة الواحدة منها لم تزد على 50 دينارا، وهو مبلغ لا يقارن بالملايين التي صرفت، وستصرف، على استيراد وتركيب وادارة لوحات الجسور الحديدية. علما بأن هذه الجسور لا تستخدم اصلا الا على الطرق السريعة والطويلة في الدول ذات الاجواء المتقلبة، وتخصص شاشاتها الكبيرة لارشاد سائقي المركبات عن الاخطار التي عليهم توقعها وتقلبات الطقس وتغيير المسار، وغير ذلك من تعليمات حيوية، خاصة لسائقي عشرات آلاف مركبات الشحن، وهذه كلها لا تنطبق على اوضاع الطرق السريعة في الكويت، مما يعني ان ما صرف على هذه الجسور لم يضع هباء فقط بل ستبقى بشكلها الضخم شاهدا يوميا امامنا، ولفترة طويلة، على الطريقة المتواضعة جدا التي يدار بها الكثير من الامور في وطننا السليب.. من العقل والمنطق.
* * *

ملاحظة:
وفي هذا الوطن نفسه يقوم موظف حكومي متواضع في وزارة المواصلات بإصدار امر كتابي لشركات تقديم خدمة الانترنت يطلب منهم فيها حجب موقع بحجم «اليوتويب»، الذي تبلغ قيمة الشركة التي تديره 45 مليار دولار، والذي يطلع عليه اكثر من 450 مليون شخص في اي ساعة من اليوم! ولكن ما تبقى لدينا من عقل منع الحكومة من تنفيذ هذا الطلب السخيف بحقنا كمواطنين وكوطن!

أحمد الصراف

احمد الصراف

قصة استريد مع المستشفى

كتبت “استريد” تقول: اضطررت في يوم الى اصطحاب صديق الى مستشفى يقع جنوب البلاد. وعلى الرغم من عدم ثقتنا جميعا بأي خدمة طبية تقدم جنوبا، بعد هبوط مستوى مستشفى الـ KOC، فان تجربتي مساء ذلك اليوم كانت “غير شكل”. كان لا بد من الاتصال هاتفيا لتحديد موعد. فوجئت بالرد السريع وطلب اختيار اللغة العربية او الانكليزية، وبعكس كل مؤسسات الدولة تقريبا، رد الموظف فور التحويل عارضا المساعدة، ولم تمر دقائق حتى انتهينا من تحديد الموعد وتدوين البيانات الضرورية!
وصلت الى مواقف سيارات المستشفى فوجدته مظللا بكامله، وقد دونت العلامات الارشادية فيه بلغتين، وهذا يدل على حس انساني عظيم، فأكثر من نصف سكان الكويت لا يعرفون العربية.
لاحظت من نظرة سريعة ان الزرع والاشجار مشذبة بشكل جميل ولا توجد مزروعات بلاستيكية او ميتة في أصص مكسورة. كما لا توجد سلاسل صدئة تحجز المواقف القريبة. كما كانت الساحة والممرات نظيفة من أي قمامة، ولا توجد حفر في المواقف وبلاط مكسور او كربستون مهشم من ضربات اصحاب السوبربانات الذين يصرون على ايقاف مركباتهم على الارصفة. كما ان سيارة اسعاف المستشفى تقف في مكانها المخصص وهي، على غير المعتاد، نظيفة ومن غير صدمات!
مسلسل المفاجآت يستمر معك في الداخل، حيث تلاحظ ان النظافة تبدو واضحة على العاملين وعلى تصرفاتهم المهذبة واصرارهم على التحدث معك بلطف، وقدرتهم في الوقت نفسه, على العمل على جهاز الكمبيوتر الموجود امام كل واحد، او واحدة منهم. وبخلاف ما تعودت اعيننا عليه في المستشفيات الاخرى، والحكومية بالذات، فلا تجد هنا موظفين بلا عمل ومرضى يتوسدون كراسي رخيصة ومهترئة، وقطع البلاستك التي كانت تغطيها من المصنع لاتزال معلقة فيها بعد كل تلك السنوات حاملة كل جراثيم العالم. كما لا توجد ملصقات متآكلة لجمعية اعانة المرضى او ملصق لتاكسي او بائع فلافل، حتى سلال القمامة تلمع من الداخل والخارج.
دخلت غرفة الانتظار فوجدت هناك من سبقني. لاحظت ان ليس هناك تجاوزات ولا واسطات ولا تأفف أو تذمر، والجميع تقريبا مشغول بالقراءة، عدا همس مشترك هنا، ومكالمة هاتفية ضرورية هناك.
اضطررت للذهاب الى الحمام فوجدته لا يقارن بحمامات مستشفيات شمال الكويت، فورق التواليت والصابون السائل وورق تنشيف الايدي موجود بوفرة. كما ان فتحة مجاري الحمام لها غطاء وللباب ايضا قفل يحميه، ولا توجد بلاطات مكسورة او دش يدوي مرمي على الارض القذرة ينزف ماء، بل نظافة بمستوى 5 نجوم!
جاء دوري لمقابلة الطبيبة، وتم اجراء العملية بحضوري، ورأيت كيف ان احدا لم يطرق الباب طالبا الدخول، متحديا أي ملصق يمنع ذلك. خرجت بعد ساعتين من المستشفى من دون أن أشاهد أحدا يدخن سيجارة، أو يقع نظري على منافض قذرة مليئة بأعقاب السجائر او بصاق ملوث. كما لم أشاهد في ذلك المستشفى منظر العمالة الرثة السيئة الحظ وهي تتهادى بملابسها القذرة في الممرات تفكر في الكيفية التي ستتمكن فيها من اكمال اشهر بفتات ما يأتيها من راتب!
وقبل ان أخرج اكتشفت أن هناك حديقة صغيرة رائعة التنسيق يمكن لموظفي المستشفى وزواره قضاء وقتهم فيها بعيدا عن ماكدونالد والدونتس.
اعلم جيدا ان ما اقوله يبدو عجيبا، ولا يمكن تخيل وجوده في الكويت، ويا حبذا لو قام وزير الصحة بزيارة المستشفى معي مستقبلا، مع الاعتذار لعدم وجود “شيشة” فيه، ليقوم بتطبيق بعض ما فيه على مستشفيات الدولة!
لا أتكلم هنا عن خيال فالمستشفى موجود ولأي كان حق زيارته، ولكنه مستشفى بيطري خاص.

أحمد الصراف

احمد الصراف

إيفانجليست التعاون

اكتسحت الساحة الاعلامية في اميركا في السنوات الثلاثين الماضية ظاهرة الدعاة الجدد الذين تحولوا مع الوقت الى «نجوم»، ولكن لاسباب معروفة لم ينبهر احد لمشهدهم في الاماكن العامة، كما الحال مع نجوم السينما. ويسمى نجوم الدعوة هؤلاء بـ Evangelists، وكانت التسمية تطلق اساسا على رجال الدين من المبشرين الانجيليين البروتستانت، ولكن مع انتشار التلفزيون في اميركا وضخامة عدد مشاهديه، وخاصة من قبل ربات البيوت وكبار السن، الاقرب للقبر منهم للحياة، فقد استغل عدد من الدعاة المفوهين ذوي الكاريزما الموهوبين، وان لم يكونوا جميعا من المتخصصين في العلوم الكنسية، او اللاهوت، استغلوا هذه الوسيلة في الدعوة للكنائس التي ينتمون لها او لكنائس جديدة قاموا بتأسيسها، ونجح البعض منهم في خلق هالة عظيمة حوله مكنته من التأثير في حياة الكثير من المشاهير والسياسيين المعروفين، كما قام البعض بتحقيق ثروات خيالية نتج عنها فساد وفضائح كبيرة.
مثل كل بدعة نأخذها من الغرب ونضيف إليها ما يشوهها من واقع بيئتنا، قام البعض من المقلدين الجيدين والمتحدثين المميزين باتباع اساليب الايفانجليست الاميركيين نفسها في الدعوة للدين، وخاصة بعد زيادة ما اصبح يصرف من اموال البترودولار على القنوات الدينية، حيث شاهدنا ظهور طبقة «الدعاة الجدد» او «نجوم الدعوة» من غير مرتدي الجبة والقفطان والعمة والجلباب، ومن غير خريجي المعاهد الدينية، بل كانوا خليطا من المتحذلقين البارعين في صف الكلام ورصه، من مهندسين ومدرسين وكتبة. وتمكن البعض منهم، وفي وقت قياسي، من اثبات وجودهم بجدارة عن طريق ملء ساعات البث المملة والطويلة في المحطات الدعوية بأحاديثهم وفتاواهم وارشاداتهم الدينية التي لا تنتهي، وقد ساعدهم في الانتشار كسل، او بساطة علم، غالبية مشاهدي هذه القنوات وتسليمهم بكل ما يقال من خلالها من دون نقاش، والامثلة اكثر من يسعها اي كتاب، وسبق ان تطرقنا الى البعض منها قبل فترة.
وكمثال على ما يقال من قبل البعض من هؤلاء الدعاة، او نجوم الدعوة في القنوات الفضائية نورد حادثتين: الاولى كانت مع النجم محمود الجندي في برنامج عمرو اديب، وحيث قام طفل لا يتجاوز عمره السنوات الثماني بسؤال الداعية النجم عن حرمة هدايا الكريسماس فأفتى الجندي بأنها حرام، وان على يوسف ان يستبدل ببابا نويل «بابا ثانياً»!
اما الحادثة الثانية فهي لرئيس قناة «اقرأ» ورئيس مكتبة «عالمي الممتع» ورئيس مجلس ادارة «الريادة الدولية» والمشرف العام على موقع الاسرة السعيدة، حيث جاء على لسانه التالي على قناة «اقرأ»:
«.. بحثت في بعض المواقع على الانترنت عن العلاقة الجنسية بين الحيوانات(!!) واكتشفت ان الكثير من الحيوانات اذا اراد الذكر منها ان يجامع الانثى فإنه يتجنب المكان، يعني لا يكون مع المجموعة الحيوانية في الغالب.. والقصة التالية وردت في نصوص دينية معترف بها عن مجتمع القرود، حيث ان قردة جامعها قرد ليس هو القرد الذي دائما يجامعها، او المعتادة عليه، فاجتمع مجتمع القرود وقرر ضرب هذه القردة بالحجارة عندما شاهدوها تجامع قردا غير الذي يجامعها عادة..».
هل فهمتم العلاقة بين الستر في الجماع بين الحيوانات والغيرة الجنسية عند القرود؟ انا شخصيا لم افهم شيئا، ولكن وقت البرنامج الديني ضاع على قصص فارغة المعنى والهدف، تضر اكثر مما تنفع. فالداعية «الكبير» اكد في قصته الخرافية وغير الحقيقية تلك ان الأنثى، حتى في عالم الحيوان، هي التي تعاقب وترجم ويعتدى عليها بالضرب عند وقوع الزنى، اما الذكر فله المتعة والامان، هذا اذا صدقنا ملاحظة صاحبنا عن طريقة الحيوانات في الجماع، ومدى مناسبة الحديث في قناة فضائية.
رابط الانترنت الذي يحتوي على الحديث موجود لدينا لمن يود الاطلاع عليه.

أحمد الصراف

احمد الصراف

مساوئ القراءة و”فيري شب”

مثل كل الجهات الأخرى في العالم، قامت الحركات والشخصيات الإسلامية بالدخول إلى عالم «الإنترنت»، كما دخلت من قبل عالم القنوات الفضائية التي كانت لسنوات طويلة محل بغضها وكراهيتها. كما أصبح للكثيرين من رجال الدين عناوين ومواقع الكترونية يتسلمون من خلالها رسائل مريديهم والمعجبين بهم أو بآرائهم، ويقومون بالرد عليها. كما تحتوي مواقع هؤلاء على سرد لسيرهم الذاتية وخطبهم وقائمة بـ«مؤلفاتهم» وابداعاتهم. ومن هؤلاء الشيخ محمد عبدالعزيز المسند، الدكتور في فقه تفسير ابن تيمية لسور قرآنية محددة والذي سبق له أن قام بالتدريس في جامعة محمد بن سعود في الرياض، وله مريدون كثر في السعودية بالذات.
وبمراجعة الموقع الالكتروني للدكتور المسند نجد ان له أكثر من 14 كتاباً، ومنها كتاب «علمتني الحياة» الذي يحتوي على جمل وعبارات غاية في الحكمة والجمال، تم تداول البعض منها عبر شبكة الإنترنت، ومنها النصيحتان العظيمتان التاليتان:
أولا: الشراكة في كل شيء غالباً ما تؤدي إلى النزاع والاختلاف والتفرق، وربما إلى البغي (!!) فتجنب الشركة ما استطعت، وان اضطررت فليكن بقدرالحاجة حتى تتمكن من الاستقلال بنفسك في النهاية (!!) ونترك التعليق والرد على هذه النصيحة الغالية لملايين المستثمرين ورجال الأعمال من أصحاب الشركات والمؤسسات المشتركة الملكية الناجحة.
اما النصيحة العظيمة الثانية فقد تعلقت بأكثر وسائل التثقيف ونشر المعرفة شيوعاً عبر التاريخ البشري، حيث يقول في الكتاب: «العلم لا يؤخذ عن طريق الكتب (!!) وقد ضل من كان شيخه كتابه، وهل بلاء الأمة اليوم وقبل اليوم وبعد اليوم، إلا من قوم تفقهوا على الكتب فضلّوا وأضلوا وأتوا العجب(؟!).
لا شك أن بيننا «رهطا عظيما»، ومن مختلف شرائح ومذاهب هذا المجتمع، يعجب بهذا القول ويتفق مع الشيخ «الدكتور» في قوله هذا! فكل الشرور التي اصابت الأمم جميعا، وبالأخص الإسلامية، كان مصدرها دائما وأبدا الكتاب وقارئ الكتاب والمثقف والأكاديمي والمهني العالي التعليم! اما الجهلة والرعاع والامعات فلم يشكلوا يوما خطرا على أي نظام أو جهة أو تنظيم ديني أو فكر سلفي، مهما كانت درجة تخلفه، أو خطورته.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا طرحا، لدرجة التمرغ بالتراب، يتعلق بالكيفية التي تعلم بها الشيخ المسند، وما هو مصدر «علومه».. إن لم تكن عن كتاب؟ وما هي الوسائل «السحرية» التي استعان بها في تعليم طلبته على مدى سنوات ست؟
كلام شيخنا هذا يبين أن رجال ديننا، وفي أي بقعة كانوا، لن يتنازلوا قط عن دورهم في تحديد بدء الشهر، سواء كانت تلك الجهة مرصداً عالمياً أو حسابات فلكية دقيقة!! فهم على يقين بان نهايتهم ستبدأ يوم يتوقف الناس عن الاهتداء برأيهم والاستئناس بوجهة نظرهم، وبالتالي فالفرقة بين طوائف الإسلام ستستمر ما دام هناك من يغذي الخلافات بينها ويؤججها!
المهم أننا في ذروة انشغالنا، وإلى حد ما اختلافنا على تحديد الأسلوب الأكثر صلاحاً ودقة في تحديد بدايات الأشهر العربية المختلف عليها منذ الأزل، أعلنت شركة «فيري شب» الأميركية، نجاح علمائها، عن طريق القراءة المستمرة، ولا شيء غير ذلك، في إنتاج جهاز بحجم حبة الأرز يمكن زرعه تحت جلد الإنسان، بعد معالجته كمبيوتريا، بحيث يستطيع حامله عن طريق خاصية معينة دفع فواتيره وقوائم مشترياته من أي مصدر أو جهة من دون الحاجة إلى حمل أمواله نقدية أو بطاقات ائتمان، كما تمكن تلك الحبة من التعريف بشخصه عند السفر والتنقل أو في السماح لحاملي تلك الاجهزة فقط بدخول أماكن خاصة، كما يمكن عن طريق تلك الحبة، عبر الأقمار الصناعية، تحديد موقعه في أي مكان، في حال خطفه مثلا، هذا بالاضافة إلى مئات الاستعمالات الأخرى.
كل ما نحتاجه هو أن نعيش طويلا لنرى عجبا، منا ومنهم، وعليكم حساب الفرق بين الأعجوبتين!

أحمد الصراف

احمد الصراف

بلاستيك حكومتنا «المدودهة»

أظهرت الأرقام الصادرة عن إدارة مراقبة البيئة في الدول الغربية، زيادة مخاطر استخدام الأكياس البلاستيكية على البيئة وقاطنيها من بشر وكائنات برية وبحرية أخرى.
ويقال إن هناك ما يزيد على تريليون كيس بلاستيك تستخدم في العالم سنويا، وما يعاد تدويره منها لا يزيد على 1%، علما بان تكلفة جمع وإعادة تصنيع طن من هذه الأكياس يقارب 4000 دولار، ولا تباع بأكثر من 35 دولاراً!
وتشكل أكياس القمامة والمنتجات البلاستيكية الأخرى ــ التي تقوم عشرات آلاف السفن بإلقائها في البحار والمحيطات كل يوم ــ مشكلة حقيقية للبيئة البحرية، وعلى الرغم من ان هذه الأكياس لا تتحلل بسهولة فإنها تتفتت مع الوقت إلى قطع بالغة الصغر وتتحول إلى مواد لها تأثير خطير في تسمم التربة والمجاري والممرات المائية. وكنتيجة لذلك، فإنها تدخل في غذائنا اليومي من دون ان نشعر!
وبينت الدراسات انه لو قام فرد من كل خمسة أفراد، في الولايات المتحدة الأميركية فقط، بالاستغناء عن استخدام الأكياس البلاستيكية، واستخدام بدلاً منها أكياس القماش التي يعاد استخدامها المرة تلو الأخرى، فإن بالإمكان توفير 1330560000000 كيس، خلال حياة جيل واحد. وفي هذا السياق، قامت بنغلادش بمنع استخدام الأكياس البلاستيكية بشكل مطلق، كما منعت الصين صرف الأكياس البلاستيكية مجاناً، ووفرت ايرلندا 90% من استهلاكها من هذه الأكياس بعد فرض ضريبة على استخدامها. وقائمة الدول التي تمنع استخدام هذه الأكياس في ازدياد، ومنها على سبيل المثال رواندا واسرائيل وكندا، كما أصبحت سان فرانسيسكو قبل عام، أول مدينة أميركية تمنع استخدام أكياس التسوق هذه.
والآن، ما الذي بإمكان دولة صغيرة وغنية ان تفعله لحماية بيئتها؟!
لا شك ان هناك الكثير الذي يمكن القيام به، لو كانت لدينا حكومة غير «مدودهة»، ومجلسنا يعرف أولوياته حق المعرفة، ويفترض هنا أن الجهات الوطنية والاقليمية المهتمة بالبيئة تعرف مدى خطورة وأهمية عملها، ولكن هذا ابعد ما يكون عن الواقع!
قد أكون من أكبر المستفيدين في الكويت من بيع الأكياس البلاستيكية، لكنني على أتم الاستعداد لمشاركة أي جهة، ماديا ومعنويا، ترغب في المشاركة في التقليل، على الأقل، من استخدام الأكياس البلاستيكية في الجمعيات التعاونية والأسواق المركزية كمرحلة أولى وترويج استخدام أكياس قماش تباع بثمن رمزي لتشجيع استخدامها، بدلاً من هذه المواد الخطرة على البشر والزرع والحيوان والطير، وحتى على شكل الماء والحجر!
الدعوة مفتوحة.. فهل من مجيب؟

أحمد الصراف