سرني، وأساءني في الوقت نفسه ذلك الكم من التقدير وسوء الفهم الذي صاحب نشر مقال يوم أمس «الحلم الشيعي»!! فقد بين لي، بوضوح محزن، كم غالبيتنا عنصريون متحيزون جهلة في فهم ابسط الامور، خاصة عند تعلق الامر بمعتقد الطرف الآخر، دينيا كان ام مذهبيا. وكم هم رائعون، أولئك المنطقيون والعقلاء، على الرغم من قلتهم!!
مقال يوم امس لم يكتب لغرض شخصي ولا لتحقيق نجاح انتخابي، وحتما لم يتعلق بحلم مذهبي، فهذا ما لم ولن اسعى اليه لاسباب كثيرة ليس هنا مجال ذكرها، كما ان هناك من هو اكثر «اهلية» مني للتصدي لمثل هذه القضايا والمواضيع البعيدة عن اهتماماتي الشخصية. مقال الامس تعلق بمحاولة متواضعة لاعادة كسب قلوب وعقول اولئك الذين فقدهم، او سيفقدهم الوطن نتيجة اتباع جهة ما سياسة التمييز العنصري في التوظيف والمعاملة معهم بسبب اختلافات تتعلق بالعرق او المذهب.
فسياسة «الآبارثايد»، او التمييز العنصري، لا تعني التمييز في المعاملة، بل تعني كذلك الفصل العنصري، اي تحييد مجموعة من المواطنين ومنعهم من دخول اجهزة بسبب الشك في ولائها او لانها من طبقة ادنى.
وقد اتصل بي صديق «قبلي» ليشكرني على المقال وليحاول التخفيف من شعوري بالغبن بالقول ان نسبة كبيرة من جماعته، من ابناء القبائل، لديهم الشعور ذاته بالغبن والحرمان، وان تمييزا عنصريا يمارس ضدهم بمجرد التعرف على اشخاصهم او قبائلهم!! وقال الصديق ان التفرقة في المعاملة تطال شرائح عدة في المجتمع!
رددت على الصديق بالنقاط التالية التي احببت مشاركة القراء فيها:
أولا: لم اشعر شخصيا بالغبن في حياتي، على الاقل بشكل حاد، لكوني ولدت لاسرة شيعية. فقد كان دربي مختلفا منذ اول وظيفة تقلدتها. ولا اعتقد انني لو كنت ولدت لاسرة غير شيعية لكنت اكثر نجاحا او سعادة!
ثانيا: ممارسة التمييز او الكراهية والاستخفاف بفئة او جماعة او طائفة ما امر عادي في جميع المجتمعات.
فهناك دائما طبقة تعتقد انها اكثر تميزا من غيرها، وتقابلها في الجانب الآخر طبقة تكون اقل ثراء، وربما تعليما، وتكون عادة مصدر سخرية بقية الطبقات لسبب او لآخر. وتقع بقية طبقات المجتمع بين هاتين الطبقتين!! ويحاول افراد كل طبقة تجنب النزول لطبقة ادنى في سعيهم للارتفاع لمستوى اجتماعي او طبقي اعلى. ولكن وضع الشيعة في الكويت، وفي اكثر من بلد خليجي، يختلف عن الموضوع الطبقي، ليس فقط بسبب شعور هؤلاء بأنهم ليسوا اصلا من طبقة ادنى، ان لم يكونوا في حالات كثيرة من مستويين تعليمي ومالي اكثر ثراء من غالبية اقرانهم، «الاخرين»، بل بسبب السياسة الرسمية غير المعلنة التي من خلالها يمارس التمييز ضدهم، والتي تتضمن اتهاما صريحا لهم بعدم الولاء او الاخلاص للوطن، او للنظام!
ثالثا: ان كان هناك عدم ولاء من البعض، وهذا ما لا يمكن لجهة الجزم به، فلا يعني ذلك معاقبة الكل بجريرة البعض، خاصة ان جرم هذا البعض لم يؤكد بشكل قاطع بأي مناسبة وطنية، ولو كان هناك خوف من السماح لمواطن ما من دخول جهاز حساس فما عذر الحكومة في السماح، وربما الطلب من المصارف والشركات الاسلامية، حتى تلك التي تمتلك فيها نسب مساهمة مؤثرة، عدم توظيف غير السني فيها؟ هل لأن هذه الشركات تمتلك اسرارا نووية حساسة مثلا؟
اعيد وأؤكد أن ما يهمني حقا هو مصلحة وطني ومستقبله وصحة مواطني هذا الوطن من الناحيتين العقلية والجسدية، وهذا لا يمكن ان يتحقق بغير وقف الحلقة الجهنمية، فالحكومة تطالب الشيعي بالولاء التام، واثبات ذلك بشتى الطرق، قبل موافقتها على رفع الحظر عن توظيفه في اجهزة معينة، والمواطن الشيعي يطالب الدولة اولا برفع الحظر عنه ليكون وقتها مواطنا لا يشك بولائه! ومن الواضح ان الدولة اقدر من الفرد واقوى منه على التحمل والتضحية، وعليها بالتالي اخذ زمام المبادرة ورفع الحظر رسميا بقانون او مرسوم يمنع التمييز بجميع اشكاله ضد اي مواطن!!
لهذا كتبنا مقالنا المتعلق بالحلم الشيعي والذي يعني الحلم الوطني، وليس أي امر آخر.
أحمد الصراف