احمد الصراف

الحلم الشيعي والآبارثايد

سرني، وأساءني في الوقت نفسه ذلك الكم من التقدير وسوء الفهم الذي صاحب نشر مقال يوم أمس «الحلم الشيعي»!! فقد بين لي، بوضوح محزن، كم غالبيتنا عنصريون متحيزون جهلة في فهم ابسط الامور، خاصة عند تعلق الامر بمعتقد الطرف الآخر، دينيا كان ام مذهبيا. وكم هم رائعون، أولئك المنطقيون والعقلاء، على الرغم من قلتهم!!
مقال يوم امس لم يكتب لغرض شخصي ولا لتحقيق نجاح انتخابي، وحتما لم يتعلق بحلم مذهبي، فهذا ما لم ولن اسعى اليه لاسباب كثيرة ليس هنا مجال ذكرها، كما ان هناك من هو اكثر «اهلية» مني للتصدي لمثل هذه القضايا والمواضيع البعيدة عن اهتماماتي الشخصية. مقال الامس تعلق بمحاولة متواضعة لاعادة كسب قلوب وعقول اولئك الذين فقدهم، او سيفقدهم الوطن نتيجة اتباع جهة ما سياسة التمييز العنصري في التوظيف والمعاملة معهم بسبب اختلافات تتعلق بالعرق او المذهب.
فسياسة «الآبارثايد»، او التمييز العنصري، لا تعني التمييز في المعاملة، بل تعني كذلك الفصل العنصري، اي تحييد مجموعة من المواطنين ومنعهم من دخول اجهزة بسبب الشك في ولائها او لانها من طبقة ادنى.
وقد اتصل بي صديق «قبلي» ليشكرني على المقال وليحاول التخفيف من شعوري بالغبن بالقول ان نسبة كبيرة من جماعته، من ابناء القبائل، لديهم الشعور ذاته بالغبن والحرمان، وان تمييزا عنصريا يمارس ضدهم بمجرد التعرف على اشخاصهم او قبائلهم!! وقال الصديق ان التفرقة في المعاملة تطال شرائح عدة في المجتمع!
رددت على الصديق بالنقاط التالية التي احببت مشاركة القراء فيها:
أولا: لم اشعر شخصيا بالغبن في حياتي، على الاقل بشكل حاد، لكوني ولدت لاسرة شيعية. فقد كان دربي مختلفا منذ اول وظيفة تقلدتها. ولا اعتقد انني لو كنت ولدت لاسرة غير شيعية لكنت اكثر نجاحا او سعادة!
ثانيا: ممارسة التمييز او الكراهية والاستخفاف بفئة او جماعة او طائفة ما امر عادي في جميع المجتمعات.
فهناك دائما طبقة تعتقد انها اكثر تميزا من غيرها، وتقابلها في الجانب الآخر طبقة تكون اقل ثراء، وربما تعليما، وتكون عادة مصدر سخرية بقية الطبقات لسبب او لآخر. وتقع بقية طبقات المجتمع بين هاتين الطبقتين!! ويحاول افراد كل طبقة تجنب النزول لطبقة ادنى في سعيهم للارتفاع لمستوى اجتماعي او طبقي اعلى. ولكن وضع الشيعة في الكويت، وفي اكثر من بلد خليجي، يختلف عن الموضوع الطبقي، ليس فقط بسبب شعور هؤلاء بأنهم ليسوا اصلا من طبقة ادنى، ان لم يكونوا في حالات كثيرة من مستويين تعليمي ومالي اكثر ثراء من غالبية اقرانهم، «الاخرين»، بل بسبب السياسة الرسمية غير المعلنة التي من خلالها يمارس التمييز ضدهم، والتي تتضمن اتهاما صريحا لهم بعدم الولاء او الاخلاص للوطن، او للنظام!
ثالثا: ان كان هناك عدم ولاء من البعض، وهذا ما لا يمكن لجهة الجزم به، فلا يعني ذلك معاقبة الكل بجريرة البعض، خاصة ان جرم هذا البعض لم يؤكد بشكل قاطع بأي مناسبة وطنية، ولو كان هناك خوف من السماح لمواطن ما من دخول جهاز حساس فما عذر الحكومة في السماح، وربما الطلب من المصارف والشركات الاسلامية، حتى تلك التي تمتلك فيها نسب مساهمة مؤثرة، عدم توظيف غير السني فيها؟ هل لأن هذه الشركات تمتلك اسرارا نووية حساسة مثلا؟
اعيد وأؤكد أن ما يهمني حقا هو مصلحة وطني ومستقبله وصحة مواطني هذا الوطن من الناحيتين العقلية والجسدية، وهذا لا يمكن ان يتحقق بغير وقف الحلقة الجهنمية، فالحكومة تطالب الشيعي بالولاء التام، واثبات ذلك بشتى الطرق، قبل موافقتها على رفع الحظر عن توظيفه في اجهزة معينة، والمواطن الشيعي يطالب الدولة اولا برفع الحظر عنه ليكون وقتها مواطنا لا يشك بولائه! ومن الواضح ان الدولة اقدر من الفرد واقوى منه على التحمل والتضحية، وعليها بالتالي اخذ زمام المبادرة ورفع الحظر رسميا بقانون او مرسوم يمنع التمييز بجميع اشكاله ضد اي مواطن!!
لهذا كتبنا مقالنا المتعلق بالحلم الشيعي والذي يعني الحلم الوطني، وليس أي امر آخر.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الحلم الشيعي

لست معنياً، لا من قريب ولا من بعيد، بالاختلافات والاحقاد الطائفية التي تعصف بمجاميع كبيرة من مواطني وطني، ولست مجبرا على تبرير وجهات نظري او الدفاع عن مواقفي، فهذا ليس غرضنا ولا هدفنا هنا.
تبلورت فكرة هذا المقال مع الساعات الاولى لانتخاب باراك اوباما لاقوى منصب تنفيذي في العالم. وان ينجح اميركي من اصل افريقي ومن خلفية دينية مثيرة للجدل، ومن خارج آلة الواسب WASP الرهيبة، التي لم تخترق الا لمرة او اثنتين في تاريخ اميركا، وفي دولة كانت العنصرية، ومعاداة السود والتحيز الشديد ضدهم، هي السمة الغالبة، ولا تزال، في الكثير من الولايات الاميركية، فإن هذا يعني انه ليس هناك ما لا يمكن تحقيقه، خاصة في عالمي السياسة والعلاقات الانسانية.
وصول «افريقي» للرئاسة حقق حلما طالما راود «مخيلة» القلة من الاميركيين، فالغالبية لم يخطر على بالها حتى ان تفكر في هذا الحلم لشدة بعده عن الواقع، وحتى قبل ساعات قليلة فقط من تحققه، ومع هذا اصبح الحلم واقعا، واصبح من كان والده مسلما كينيا وعاش في اميركا مسلما كينيا، وعاد إلى وطنه مسلما كينيا، بعد سنتين فقط من ولادة ابنه، ليموت هناك مسلما كينيا، اصبح ابن ذلك الرجل المسلم الكيني، وبالرغم من كل المحاذير والعوائق، وحتى التهديدات، رئيسا لاقوى آلة عسكرية وسياسية ومالية عرفها التاريخ.
من هذا المنطلق من حقي ان احلم، كما حلم زعيم الحقوق المدنية الاسود، القس مارتن لوثر كينغ، قبل قرابة نصف قرن، في خطابه الشهير الذي القاه في واشنطن في اكبر تظاهرة مناوئة للعنصرية في تاريخ اميركا من حقي كمواطن كويتي ان احلم بوطن يتساوى فيه الجميع امام القانون، وتكون للجميع فيه حقوق مدنية واحدة، من حقي ان احلم لانني لا اود ان اصدق ان ينجح من لم يتجاوز الـ47 من العمر في الوصول للمنصب رئيس الولايات المتحدة، بالرغم من كل العوائق العرقية والدينية والعنصرية، ولا يستطيع، لا بل يحرم على، مواطن كويتي، ابا عن جد عن جد اكبر، ولو بلغ الستين من العمر، يحرم عليه العمل كمراسل في 50% من الشركات المساهمة، وبالذات الاسلامية، دع عنه عدم قبول المواطن نفسه للعمل في عشرات الجهات والدوائر الحكومية الحساسة، لا لشيء الا لانه شيعي، ولو كان من القطيف، ولو كان تراب اكثر من مقبرة تضم رفات ابيه وجده الاول ومن سبقه!
كيف يمكن ان نصدق ان من جاء الكويت قبل اكثر من 200 عام ليس اهلا للثقة فقط لانه شيعي، وان الآخر، وفقط لانه من مذهب آخر، تفتح كل الابواب امامه ويرحب به في كل جهاز خاص وسري. بالرغم من انه لم يحصل على الجنسية الا قبل 10 او 12 سنة مضت؟ ولماذا يصبح من يربي لحية وينتسب للسلف او الاخوان ويحارب في جيوش جمع الاموال لديهم، لماذا يصبح افضل من غيره، ويسمح له بالخطابة في المولات وتفتح له من التلفزيون القنوات ليقدم من خلالها التمثيليات والهلوسات، ويعالج المرضى والمريضات بالضرب بالهراوات ليخرج الجن من ابدانهم المتعبات؟ هل يمكن ان يصدق عاقل هذا الذي يجري في الكويت، وحتما في غيرها من الدول الاسلامية؟ وهل يلام هذا «المواطن»، او غيره من الذين مورست مختلف صور التحيز العرقي والمذهبي ضدهم، ان قام بدفن احزانه ويأسه في الحسينيات او تجنب المجتمعات وغرق في التطرف وارسل الخمس إلى خارج الدولة ونادى بالولاء الديني للآخر، واقام المآتم المثيرة للجدل وتعسف في صوته الانتخابي، واعطاه، نكاية او اقتناعا، لاكثر المرشحين تطرفا وغلواء؟
لدي حلم بان تقوم حكومتنا بالتخلي عن الحيرة التي تعصف بها وان تحزم امرها، وتصدر برنامج قواعد واخلاقيات العمل، او Affirmative Action، تمنع بموجبه اي جهة، وان تبدأ بنفسها، من ممارسة التمييز العنصري ضد احد بسبب الجنس او العرق او المذهب، وان يكون للجميع الحق في الحرية والعمل والحق في السعي بحثا عن السعادة، فهذا اقل ما هو مطلوب من الحكومة القيام به.
فوطن يشكو جزء كبير من مواطنيه من مثل هذا التحيز في المعاملة معرض دائما لان يخان ولا يصان ولا يحترم! فالوطن، اي وطن، لا يساوي شيئا، ولا يستحق الدفاع عنه والاخلاص له والذود عن حياضه ان لم يشعر مواطنوه بالحرية والكرامة فيه، وبان للجميع حقوقا متساوية في العيش الشريف تحت مظلة القانون.
وقد سبق ان قال مارتن لوثر كينغ في خطابه الشهير: «.. الآن هو وقت الوفاء الحقيقي لوعودنا الديموقراطية. الآن هو الوقت لان ننهض من ظلام الوديان المهجورة والى طرق العدالة الاجتماعية المضيئة. الآن هو الوقت الذي نرفع فيه امتنا من حفر الرمال المتحركة والى صخور الاخوة الصلبة والمستقرة.، الآن هو الوقت الذي يمكن ان نجعل فيه العدالة حقيقة للجميع، وليس للبعض فقط».

ملاحظة: يقيم «صوت الكويت» في الخامسة مساء اليوم احتفالية بمناسبة مرور 46 عاما على صدور الدستور الكويتي. يرجى ضرورة تواجدكم في ساحة الارادة للاهمية، وسنكون في استقبالكم بقلوب مفتوحة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الوزير الكاذب

لا توجد اليوم دولة موغلة في مظاهر التدين كإيران. فرجال الدين فيها، بمباركة من نائب الحجة، الولي الفقيه، يتحكمون في كل مفاصل الدولة، حتى في الوزارات والادارات العلمية او العالية التقنية التي لا تمت للتعليم الديني بصلة.
ويؤمن احمدي نجاد، رئيس جمهورية ايران، بأن تصرفاته، كما صرح بنفسه في اكثر من مناسبة، تملى عليه من قوى خفية يؤمن بوجودها، وان هذه القوى تبارك خطواته وسيكون لها الفضل في انتصاره على اعدائه واعداء وطنه! والطريف ان الرئيس الاميركي بوش يعتقد كذلك بأن قوى ربانية تملي عليه افعاله، ولكنها حتما تختلف عن التي يسمع الرئيس نجاد طنينها في اذنيه كل يوم!
كما تعتبر جمهورية ايران الغرب، واميركا بالذات، من اعدائها الذين يسعون للقضاء على نظامها الاسلامي، وبالتالي تشك في نوايا تلك الدول تجاهها، ولم يكن غريبا وصف السيد الخميني لاميركا بالشيطان الاكبر منذ اليوم الاول لنجاح ثورته، ولهذا رفض اسلوب الحياة الغربية، المتمثل بارتداء ربطة العنق للرجال والفاخر من الازياء للنساء، اضافة الى رفضه اشكال اللهو وأنواعه من مسرح وموسيقى وتمثيل ورقص وغناء، والتي اعتبرها من قشور «الحضارة الغربية».
على الرغم من كل مظاهر التدين والعفة والاستقامة هذه التي تلف الدولة من اقصاها الى اقصاها، فإن هذا لم يمنع اتباع النظام من الوقوع في الفساد وارتكاب اخطاء اخلاقية فادحة كثيرة، وهذا على الاقل ما تحفل به الصحف الايرانية اليومية، او ما ينجو منها من المصادرة والاغلاق!
يعتبر منصب وزير الداخلية في «جمهورية ايران الاسلامية» منصبا شديد الحساسية، ليس لارتباطه بأمن الدولة الداخلي فقط، بل لكونه ايضا المعني بقضايا الشرف واخلاقيات الشعب وتصرفاته، وبالتالي كان خبر اعتراف وزير الداخلية الايراني علي كردان بكذبه طوال شهرين فيما يتعلق بصحة شهادة الدكتوراه الفخرية التي يحملها، قضية اخلاقية ودليلا على استشراء الفساد في الجمهورية الاسلامية الى درجة انه اصبح خبرا لم تستطع وسائل الاعلام الداخلية، والخارجية الغربية بالذات، تجاهله، خاصة بعد موافقة البرلمان الايراني على طرح عدم الثقة بالوزير الكذاب، وربما بصورة غير مباشرة بحكومة احمدي نجاد برمتها!
من المعروف ان تعيين وزير في النظام الايراني يتطلب موافقة اكثر من جهة معنية بقضايا الاخلاق والامانة والشرف، ومنها مكتب الولي الفقيه. ويصبح الأمر اكثر اهمية في حالة تعلقه بمنصب وزير الداخلية في دولة اقرب ما تكون للدكتاتورية!!
فكيف استطاع علي كردان الضحك على هذه الجهات كلها بصحة شهادته المزورة، التي عرف طلاب الجامعات بحقيقتها يوم تعيين الوزير في منصبه المرموق. ولماذا كابر الوزير كل هذا الوقت مع كل ما تضمنته شهادته من اخطاء املائية لا يمكن ان تصدر من جامعة بمستوى «اكسفورد» البريطانية!
والآن كيف اختارت جمهورية بكل هذا «النقاء» الاخلاقي وزيرا بمثل هذا المستوى المتدني ولاكثر المناصب حساسية!! واين ذهبت الايحاءات التي يدعي احمدي نجاد بأنها تنير طريقة عند سماعها؟ ان ما نقوله عن النظام الايراني لا يعني تمام صلاح بقية حكومات العالم، ولكنها على الاقل لم تدع يوما تمام الفضيلة وكمال الطهارة.
ان هذه الحادثة وغيرها المئات، سواء في ايران او في السودان وفي مناطق حكم طالبان، تبين، حتى لفاقد الحواس، ان فصل الدين عن الدولة اكثر من ضروري، وان المسألة ترقى الى مستوى الوجود او الفناء! فلا حل لمشاكل وقضايا هذا الوطن، ولبقية الدول الدينية والاسلامية بالذات، الا بفصل الدين عن السياسة بسبب او حال ومؤامرات ولف ودوران هذه الاخيرة. فإذا كان لدى وزير الداخلية في دولة ثيوقراطية بحتة كل هذه الجرأة على الكذب فيما يتعلق بصحة مصدر شهادته، فما بالك بشاغلي بقية المناصب! وما يسري على ايران يسري على دولنا العربية المتخلفة، فقد سبق ان تبين حصول نواب في مجلس الامة وغيرهم على شهادات ليسانس وماجستير من «مصانع شهادات» معروفة مقابل مبالغ لا تتعدى السبعمائة دينار!

ملاحظة:
في اليوم نفسه الذي اعترف فيه وزير الداخلية الايراني بعدم صحة شهادته، نجح علماء يابانيون في خلق فأر سليم عن طريق استنساخ عينة اخذت من فأر مات قبل 16 عاما وتم الاحتفاظ به مجمدا! وقد اثار هذا الكشف العلمي المخيف ردود فعل متناقضة، لانه يفتح الباب امام استنساخ الاموات الذين سبق ان جمدت اجسادهم بانتظار مثل هذا اليوم!

أحمد الصراف

احمد الصراف

.. وكذلك تكون المرأة…!

سنعطي حكومات الكويت على مدى نصف القرن الماضي كل ما تستحقه من ثناء لنجاحها في تحقيق كل ما احتاجته الامة من وسائل راحة وتقدم وعمران ومؤسسات واندية ومطار وملاعب ومدينة ملاهٍ وطرق وخطوط مياه امطار ومجارٍ والى آخر ذلك من منجزات ومعجزات هندسية. ولكن يجب الاقرار في الوقت نفسه انها فشلت بجدارة في خلق الانسان الكويتي الذي يمكن الاعتماد عليه، ليس في الملمات والكوارث، بل حتى في الظروف العادية. فمظاهر فشل الحكومات المتعاقبة واضحة يمكن رؤيتها في كل بيت وسجل مخفر وسجن ومركز ادمان، ونسب طلاق وعنوسة وابناء شؤون وقضايا البدون، وجرائم اغتصاب وعنف اسري واعتداء محارم وفي عيون كل متشرد وصعلوك. ولولا ما قام به البعض من تلاحق على ابنائهم قبل عقدين من الزمن ووفروا لهم تعليما خاصا مناسبا في تلك الايام الخوالي، بعد ان اصبح التعليم الخاص هذه الايام بمثل سوء التعليم العام، او اكثر قليلا، لقلنا على الكويت السلام، وهي الآن اقرب لـ «عليها السلام» من اي وقت مضى!
تربية اي جيل، في اي وطن او مجتمع او عائلة، لا يمكن ان تتم بمعزل عن المرأة، فهي المكون الاساسي لأي تربية اسرية، وعلى اكتافها قامت الحضارات بعد ان اضطرت للبقاء بجانب الروافد المائية تكتشف الطبيعة وتتعلم منها اسرار الزراعة والحصد والطحن والعجن، وتقوم فوق ذلك بمهمة الحمل او الخلق اضافة للنسج والحياكة، واثناء كل ذلك كان الذكر، الاقرب للقرد، يسرح ويمرح ويجري لاهيا خلف الطرائد، متجنبا عمدا كل ابداع او مسؤولية عن تنشئة الابناء والعناية بهم وبصحتهم الجسدية او العقلية، ولا تزال الاغلبية منهم تفعل ذلك.
هكذا بدأت الحضارات وهكذا استمرت وهكذا ستبقى، وبالتالي نجد ان تقدم اي امة مرتبط بمكانة المرأة فيها، فهي الحاضنة او الوعاء الذي منه تنهل الطفولة معارفها، وعلى كاهلها تقع مسؤولية استمرار تلك المعرفة، ومن هنا تأتي ضرورة الاهتمام بسلامة عقل ذلك الوعاء وبدنه لكي يستمر في عطائه المميز!
ولكن، وبعد مرور اكثر من نصف قرن من التعليم المنتظم للفتيات في الكويت، تبين ان اللبنات التربوية الاولى التي وضعها عبدالعزيز حسين وصحبه قد بدأت بالتفتت تحت اقدام «هيلق» الأخوان والإخوان، الذين اجتاحوا، بسقيم مبادئهم والبالي من عاداتهم، زهور الحضارة الندية والرقيقة التي بدأت براعمها بالتفتح مع ستينات القرن الماضي، فمنذ ذلك الهجوم الشرس والامل في التضاؤل بعد ان طلبوا من النساء ان يقرن في بيوتهن وألا يخرجن منها الا الى بيت الزوجية او المقبرة، فما اقسى قلوب هؤلاء!
نقول ذلك بمناسبة النجاحات المتواصلة التي اصبحت المرأة تحققها في كل وطن حر ومجتمع منفتح على الرغم من كل الاعاقات التي حاول ويحاول المتخلفون وضعها امامها لايقاف مسيرتها.
ولكن من الواضح انه في الوقت الذي تتعارك فيه جمال العالم من اجل الفوز بقصب السبق في كل ميدان، فإن جمالنا اختارت ان تبرك من دون حراك! كما ان هناك مساعي حثيثة لإعادة وأد المرأة وطمس شخصيتها، وابسط مثال على ذلك ما يرد عادة في الكتب المقررة على مدارس الدولة، والتي تحط من قدر المرأة ومن مكانتها، بحيث اصبحت في نظر البعض جسما معيبا وصوتا مخجلا وشخصية لا يمكن الوثوق بها او الركون لصلابتها، وتعاني النقص في كل مجال. يحدث ذلك في عهد وزيرة وسيدة مستنيرة فاضلة، وبعد ان تعاقب على سدة وزارة التربية اكثر من مدع بالليبرالية وبالفهم الصحيح لدور المرأة في المجتمع.
تعالوا نقرأ معا ما ورد في الصفحة 166 من كتاب «اللغة العربية» المقرر على الصف الثامن وفي جزئه الاول: انها تتطلع الى اسمى من هذا، انها شخصية فذة حقا. امرأة فرعون نضج هداها، وتبين لها الحق فعرفت الله كما ينبغي ان يعرف، عرفت الله «في السماء وفي الارض اله». وكذلك تكون المرأة اذا نضجت، وما اقل نضوج النساء (!!!) انتهى.
لن نسأل عن اسم المسؤول عن ارتكاب هذا الجرم بحق نصف المجتمع الاجمل والاحسن، فهذا سؤال لن نحلم بالحصول على اجابة عنه، لكننا نسأل حكومتنا، مادامت هذه فكرتها عن المرأة، فالمقرر الدراسي مقررها، عما قامت به لتغيير هذه الصورة النمطية السيئة عن المرأة؟ نسأل ونحن على علم بأننا لن نسمع الجواب، فمن الواضح ان قوى التخلف والظلام كانت، ولا تزال قوية. فقد كانت اقوى من خالد المسعود وحتما اقوى من احمد الربعي ومن نورية الصبيح، ولن تزول قوتها او تضمحل من دون قرار واضح يطالب بذلك، وهذا، كما تشير كل الدلائل، ليس بالامر المتوقع حدوثه في القريب العاجل ولا البعيد الآجل.

أحمد الصراف

احمد الصراف

شكرا لغادة وحصة وعلي فأنتم الأمل

دعيت قبل ايام الى حضور معرض الانشطة المتنوعة الذي اقامته مجموعة «صوت الكويت» في «بيت لوذان» كان اللقاء مميزا وجميلا منذ اللحظة التي وطأت فيها قدماي بوابة المعرض.
شباب وشابات في عمر الزهور و«رائحة» الندى الطري تشع من عيونهم الفتية وصوت الامل يتسلل من نفوسهم غير الملوثة، وكل ذلك يشعرك بمدى توقهم للخير لوطنهم الذي اختطفته على مراحل مجموعة متخلفة من البشر الذين لم يكتفوا برفض الخير لهذا الوطن وأهله، بل قاموا بشن حرب كراهية لا هوادة فيها على كل محب للحرية بكل نسائمها!
كم تمنيت ان اكون وقتها في عمر البعض منهم لاعود نشطا واعمل معهم واحاول قدر ما استطيع زرع الحب هنا والامل هناك، والدعوة الى الحرية للجميع فليس في الوجود ما هو اثمن من الحرية، خصوصا لذلك النفر الرائع من الشباب.
«صوت الكويت»، تجمع شبابي عفوي تقف خلفه اسماء كبيرة بمكانتها وخلقها، وتستحق كل احترام ليس فقط لدعمها المادي والادبي، بل وايضا لاستعدادها لفعل الكثير من اجل رفعة هذا الوطن الصغير وان يكون مكانا آمنا للجميع من دون تفرقة، وبالتالي فإن هذا التجمع لا يهدف الى تحقيق نصر سياسي ولا عائد مادي، وربما العكس هو الصحيح، بل نشأ لمحاربة كل غلو وتطرف في التفكير والتصرف ولاعطاء الفرصة للطاقات الشابة لكي تخرج ما عندها وتبدع في كل مجال، بعيدا عن سخف القيود وصرخات التابو وقواعد المنع وسيطرة العادات والتقاليد البالية التي لم نجن من التمسك بالتالف والمتخلف منها سوى الخواء.
سعدت كثيرا بتلك الوجوه الطيبة جميعها التي عرفتني او تعرفت علي، وكنت لدقائق جميلة احس وكأنني اسير على وسادة هوائية تحملني من غرفة الى اخرى من دون عائق او خوف!
وقبل ان اخرج مودعا سألني «حمد» بم تنصح شابا بمثل عمري، فقلت له ما سبق ان قرأت ما يماثله من مدونة «الجابرية زحمة» لــ «شروق مظفر»: سر في طريقك ولا تلتفت لما يقوله المتخلفون والمتطرفون، وابذل الجهد في تجنب الجدال معهم، وخلاف ذلك ستكتشف بعد سنوات، كما اكتشفت اخيرا، بأنك أضعت اجمل سنوات عمرك في الجدال مع مجموعة من الخشب المسندة.
خرجت من ذلك التجمع الشبابي وجلست في السيارة افكر في كل ما رأيت، ولم استطع ان اغالب دموعي، وانا افكر في المصير المجهول الذي ينتظر كل واحد منهم! فكم سيصمد من هؤلاء ويستمر في طريق العقل والمنطق؟ وكم منهم سينهار تحت ضغط الظروف وطلبات الاهل وسوء التعليم وضعف الادارة السياسية لينتهي الحال بعدد منهم اعضاء في جمعية دينية سياسية تسحق شخصيته وتجعله رقما انتخابيا يحقق شهوات ومصالح القائمين على تلك الخرائب؟! بعد ان تنجح في القضاء على كل ما كان لديه او لديها من طموح وحب للحياة وتوق الى الحرية.
شكرا لك يا «غادة» ويا بدر ويا فجر ويا علي ويا حمد ويا ضاري ويا السنافي ويا حصة، وغيركم العشرات الذين لا تزال ملامح وجوهكم حية في ذاكرتي، ولكن من غير اسماء.. شكرا لكم فقد اعدتم الامل الى قلبي المتعب من الصراع مع قوى التخلف، ونفسيتي شبه اليائسة من صلاح الوضع.

أحمد الصراف

احمد الصراف

مستيك الرجيب وأوباما

على الرغم من أن شهرة الروائي وليد الرجيب وتعدد اعماله، فان قصته البديعة «مستيك» كانت الاولى التي اقرؤها له، ولم تأخذ مني الا القليل لانهائها، ليس لقصرها، بل لجمال سردها الذي يشدك فتقلب صفحاتها لاهثا من دون ان تشعر بمرور الوقت، او التعب.
تشم من خلال صفحات الكتاب عبق الماضي غير البعيد وتسمع اصوات الباعة في الشوارع وصوت «نخم الجليب»، او تنظيف الآبار، وترى بين حروفها تصاعد خيوط البخر وهي تتسلل من بين تراب الارض الى انفك بعد ارتطام ماء سيارات البلدية به وهي تجوب الشوارع محاولة التخفيف من شدة الحر.
قد تكون رواية «مستيك» الاولى في تاريخ كتابة الرواية في الكويت التي يتطرق فيها كاتب بحجم، وبخلفية الرجيب الاثنية، إلى جانب من حياة شريحة كبيرة من المجتمع الكويتي من الذين تعود جذورهم إلى فارس! ولا يعيب هذه التجربة، او السابقة الجميلة، ما وقع فيه الكاتب من هفوات بسيطة عند تطرقه إلى سرد تاريخ واسباب هجرة هؤلاء، وغيرهم الى الكويت، والذي يسبق احداث الرواية بأكثر من قرن. فقد حاول الكاتب جاهدا، ونجح في التعامل مع جميع شرائح المجتمع، من خلال شخوص الرواية، بطريقة تتسم بالكثير من الحيادية والتسامي عن الصغائر، مشددا على انه ليس هناك من له فضل على الآخر، طالما ان الجميع اتى إلى هذه الارض لحاجة ما. وربما يكون المأخذ هنا انه وضع الكلام على لسان «مانع نهار»، العامل في شركة النفط والاب الروحي لمستيك، او مصطفى، الشخصية الرئيسة في الرواية، بشكل يميل إلى الخطابة عندما قال له معترضا على تساؤل مستيك: «انت كويتي وانا كويتي وش هالخرابيط! في الكويت ناس نزحوا من كل مكان من تركيا الى العراق الى ايران الى نجد الى فلسطين الى الهند الى مختلف الاصول الاخرى كلهم عندهم جنسية وكلهم مواطنون يحبون الكويت..»!
ملاحظة: يمكن الحصول على رواية «مستيك» من مكتبة «فيرجن» في «المارينا مول».

تزامنت قراءتي للرواية المليئة بالشجون، التي ربما لا تعني الكثير للبعض، مع ورود انباء فوز باراك حسين اوباما في انتخابات الرئاسة الاميركية، واخذت افكر في عظمة تلك الدول وهوان حالنا، وكيف ان المعدن الحقيقي لاي امة يظهر في المحن وليس في اوقات الرخاء، وسرح بي الخيال فيما لو ان حسين اوباما اتجه قبل نصف قرن إلى الكويت، بدلا من اميركا، وتزوج كويتية وانجب منها طفلا وتركها وعاد إلى كينيا، لكان ابنه الذي اصبح في منتصف اربعينياته الآن لا يزال مسجلا في كشوف الـ«بدون» وامه لا تزال تنتظر دورها للحصول على احد بيوت الدولة المخصصة للارامل والمطلقات!
قطع حسين اوباما 14500 كيلو مترا ليصل الى اميركا، وليتزوج اميركية وليحقق ابنه حلما طالما راود مخيلة ملايين البشر في وصول اسود بيت ابيض! وهنا لا يزال من جاء الكويت قبل اكثر من 200 عام محرما عليه العمل في نصف مؤسسات الدولة ودوائرها الحساسة وشركاتها الخيرية، وقائمة المنع في ازدياد بفضل الصحوة المباركة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

سمك القرش والتسونامي

كان صاحبنا دائم الرضا عن مستوى ذكائه وطريقة تفكيره، ولكن من هم حوله أقنعوه، أو ربما أوهموه، بأنه أكثر ذكاء مما يشعر ويعتقد، وتطبيقاً لما يقول الآخرون عنه قام هذا بجرد كل ما استطاع تكوينه وادخاره من ثروة خلال أربعين عاماً من العمل الجاد والمستقيم، ووضع خطة مالية محكمة تضمن له تأمين مستقبله ومستقبل أبنائه لسنوات طويلة مقبلة.
اعتمدت الخطة على عاملين أساسيين، تنوع أدوات الاستثمار وانتشارها جغرافيا، بحيث ان تأثرت منطقة أو عملة بقيت الأدوات والعملات الأخرى بمأمن، وبناء عليه قام بتكوين محافظ استثمارية في عدة دول، بدءاً من الكويت وانتهاء بدول مجلس التعاون، مروراً بالهند وهونغ كونغ وسنغافورة والصين والولايات المتحدة وأوروبا.
وفجأة ضرب التسونامي المالي العالم بصورة لم يتوقعها أحد على وجه الكرة الأرضية، وخسرت أسواق العالم مئات المليارات من قيمها الحقيقية خلال ساعات، وبدأت المصارف والبيوتات المالية بالترنح والشركات بالانهيار، وخلال أيام معدودة فقد العشرات من كبار قادة المال والاستثمار حول العالم وظائفهم المرموقة، وامتدت الضربات لتشمل أسواق العالم أجمع، بما فيها استثمارات صاحبنا، وتبين أيضاً أن تاريخاً جديداً تجري كتابته، وأحداثا غير مسبوقة تحدث في كل مجال، فللمرة الأولى في التاريخ الحديث تفقد المعادن، بما في ذلك الحديد والبترول والذهب قيمها بصورة شاملة، وهو ما لم يحدث من قبل، وفي أي فترة من التاريخ الحديث، بما في ذلك فترة الحربين العالميتين. ولأول مرة تنخفض أسعار الأدوية والأغذية والمحاصيل العالمية. ولأول مرة تفقد جميع الاستثمارات في الاتصالات ونظم المعلومات والمواصلات أجزاء كبيرة من قيمها السوقية. أما أسعار العملات فحدث ولا حرج، فقد اختفت مناطق الأمان الاستثماري من العالم أجمع، وبالتالي اتسمت التعليقات التي حاولت تصوير الكارثة المالية والاقتصادية بأنها نوع من العقاب السماوي بسبب انتشار الفساد والمراباة، اتسمت بالسخف وانعدام الاحساس بمصائب الآخرين، التي لا شك ستنعكس علينا وبالا. فالمستقبل المظلم ينتظر العالم، في حال استفحال الأمر، لن يستثني دولة أو مدينة أو شعباً مهما كانت قدسيته بنظر نفسه، أو بنظر الغير!
كما يمكن القول انها المرة الأولى التي ينتشر فيها الكساد المالي بهذه السرعة ليغطي كل هذه الرقعة الجغرافية خلال فترة قصيرة جداً. كما أنها المرة الأولى التي لا يفيد فيها التحوط والحذر. فقد فوجئ الجميع من قمة الهرم، الذي أصبح متمثلاً بالمستثمر وارن بوفيت إلى قاعدته التي يحاول «صاحبنا» جاهداً ان يكون ضمنها، مروراً بجورج سوريش وعشرات آلاف المستثمرين ورجال الأعمال والمصرفيين المميزين الآخرين، فوجئوا جميعاً بانكشاف أوضاعهم وبأنهم معرضون بين يوم وليلة لفقد أجزاء كبيرة من ثرواتهم أو حتى التعرض للافلاس.
نعود إلى زبدة الموضوع ونقول إن أمام العالم، برأينا غير المتواضع، أحد خيارين:
إما الانهيار التام أو التعافي البطيء! الخيار الأول يعني نهاية العالم الذي نعرفه الآن، والذي سوف تتغير تركيبته وصورته بشكل كامل، وربما ستسود دوله حال من الهلع والتكالب على المواد الأساسية، التي ستجرنا جميعاً لفوضى شاملة وحروب متفرقة لا يمكن التكهن بنتائجها.
أما الخيار الثاني، وهو التعافي البطيء، فيعني انه من الأفضل التحرك الآن واقتناص الفرص الجيدة بعد أن فقد الكثير من الشركات الفاسد من شحومها وفضلاتها وأصبحت أكثر رشاقة وإغراء! وهذا ذكرني بالنكتة التالية: أخذت سمكة القرش ابنها الصغير لتعلمه كيفية الافتراس وقالت له: عندما تشاهد رجلا يعوم حاول الدوران حوله مرتين وتأكد من انه يعلم بوجودك من خلال زعنفتك الظاهرة، اتركه للحظات وعد إليه ثانية، وتأكد أيضاً انه يشعر بوجودك وقم بالالتفاف حوله مرتين أخريين وبين له قوة أنيابك الفتاكة ثم اتركه مرة ثانية وعد له بعد دقائق لتتمتع بالتهامه! وهنا سأل الصغير أمه عن السبب في عدم القيام بذلك منذ اللحظة الأولى دون دوران وخلافه، فقالت الأم يمكنك بالطبع فعل ذلك، هذا إذا لم يكن لديك مانع من التهام الرجل بفضلات أمعائه! وأعتقد أن أسواق الأسهم أصبحت في نهاية دورتها الرابعة!

أحمد الصراف

احمد الصراف

لعنة الإنترنت

لأسباب معروفة يحاول البعض التمسك بأي قشة واهية تؤيد وجهة نظره ولو كانت تلك القشة كمّاً من الكلام الفارغ الذي لا ينسجم مع عقل او منطق. ومن المصادر التي يستقي منها الكثيرون آراء وافكار مقالاتهم وحججهم في النقاش مع الآخرين، موقع “الطاهرة” الذي تشرف عليه وكالة انباء ايرانية، الذي اصبح مع الوقت، وكم “الخرابيط” واللغو الذي يذكر فيه، والذي يمكن تمريره على البسطاء والسذج، مرجعا مهما للكثيرين، بسبب صبغته الدينية من جهة وما يقوم به من تصد بارع لشرح فتاوى الفقهاء ونشر صورهم وآرائهم الشرعية من جهة أخرى.
وقد ورد في هذا الموقع ان دراسة اجرتها جامعة هارفارد بينت ان على نساء اميركا الاقتداء بالمرأة المسلمة في لبسها وتصرفها وحشمتها لكي تتجنب طريق الفساد! وقد سبق ان تطرق احد الزملاء الى موضوع الدراسة وتبين له بعدها عدم صحة الخبر.
ما نود التطرق إليه هنا يتعلق بما يمثله الانترنت من خطورة على فكر وطريقة تفكير الكثيرين ممن لا وقت لديهم لتمحيص ما يطلعون عليه، او الحكم على مدى صحة ما يرد في هذه المواقع، خصوصا اذا كان المشرفون عليها من اتباع فكر ديني ما.
وقد ورد في الموقع نفسه ان دراسة اخرى اجرتها كلية الطب في جامعة هارفارد, ان مرض الجذام لا يصيب المسلم المحافظ على اداء صلواته في مواعيدها، حيث بينت الدراسة ان الماء الفاتر و”ليس البارد او الحار!” هو العلاج الوحيد لمرض الجذام! ونتمنى على القارئ عدم السخرية من هذا الادعاء الساذج, فالدراسة جدية وكلية الطب وقورة وجامعة هارفارد عظيمة ولكن الخبر “خرطي”.. وكاذب!
وورد في الموقع ذاته ان “علماء” من ولاية ميريلاند (وهنا لم يرد ذكر أي جامعة او معهد او حتى شارع بل ولاية باكملها), قاموا بالكشف على عدد من المسلمين المتدينين وغير المتدينين، وثبت لديهم بالفعل مدى ما يتمتع به المسلم المتدين من حياة اجتماعية سليمة. كما ثبت من الدراسة ان المسلم تزيد مناعته (من ماذا؟) عن سواه من البشر بنسبة 10% الى 15%، كما انه اقل اصابة بالازمات القلبية المفاجئة. وتظهر جدية الدراسة عند معرفة انها اجريت، حسب موقع الطاهرة، على 126 الف شخص، نعم 126000 شخص، وهذه كذبة لا يصدقها حتى ساذج!
ما نود التأكيد عليه هنا ان الانترنت، وعلى الرغم من دوره التثقيفي العظيم، فانه تحول، خصوصا باللغة العربية، الى اداة افساد وتخريب للعقول بفضل اموال الدول المؤدلجة دينيا. وبالتالي من المهم عدم تصديق كل ما يرد اليك عبر الانترنت فما فيه من طالح بازدياد.

أحمد الصراف

احمد الصراف

عباس بوير والرفاعي

«من صفات القاضي أن يكون عادلاً ومحايداً ومنصفاً وإلاّ أصبح شاهد زور ولا تقبل شهادته أبداً»!
التوقيع: عباس بوير

يمكن القول، كقاعدة عامة، ان نسبة تخلف شعب ما يحددها مدى تأثره بالشعارات والاقوال المكتوبة والمرسومة على الحوائط والجدران! لهذا نجد ان كثيرا من حكومات الدول المتخلفة او المحكومة بانظمة قمعية تصر على اتباع هذا الاسلوب المتخلف والسوقي في توصيل رسالتها والترويج لها عند شخوص قياداتها ونوعية انظمتها السياسية، وقد وجدنا ان الامر تطلب لقاءات عدة بين مختلف القيادات السياسية اللبنانية ولوردات الحرب الاهلية فيها للاتفاق على ازالة بعض من الشعارات والملصقات والصور من اجزاء من شوارع العاصمة اللبنانية وطرقاتها.
في الكويت قام مهووس ديني بوضع ملصقات على جدران منزله وتثبيت لوحات اكبر حجما فوق سطح البيت، بشكل منفّر وغريب، وحتما بطريقة لا يسمح بها القانون، وذلك لترويج وجهة نظره المذهبية، وعندما لاحظ ان فعلته او مخالفته – على الرغم مما تمثله من تحد لمشاعر البعض، وعلى الرغم من خطورتها على ارواح وممتلكات الغير – قد مرت من دون ازالة او عقاب، قام قبل ايام بتثبيت شاشة سينمائية ضخمة على احدى زاويا البيت، واصبح يبث من خلالها ما يعن على باله من افكار وآراء وشعارات، علنا من دون خوف من محاسبة او اهتمام لما يمثله فعله من مخالفة للذوق العام، وخطورته على حركة المرور، فمن الصعب على سائقي المركبات على طريق الفحيحيل السريع، حيث يوجد البيت، تجنب النظر الى تلك الشاشة ولو للحظات.. كافية لوقوع حادث مرور رهيب!
ولو استعرضنا بعضا مما تقوم جهات معنية بكتابته على اعمدة الجسور والجدران المساندة لها لوجدنا الفقرة التالية: «من صفات القاضي ان يكون عادلا ومحايدا ومنصفا والا اصبح شاهد زور ولا تقبل شهادته ابداً»! وهي جملة لا تعني الكثير ولا تعني احداً، كما لا يضر ابدا عدم وجودها، كما هي الحال مع النصوص الدينية المدونة في امكان اخرى، فمن المؤكد انها خلقت الانطباع بانه في امكان اي طرف كان كتابة ما يشاء من دون خشية من محاسبة، فالامور، كما تبدو سائبة لمن يمتلك صوتا يرفعه على المسؤولين، علما بانه لم يثبت ان وجود النصوص الدينية في الشوارع والطرقات قد ساهم في رسوخ الامن او انتشار الفضيلة، فالايمان الحقيقي هو ما في الصدر والتصرفات وليست في المطويات واللافتات والكتابات الجدارية.
الغريب، او ربما الطريف في الموضوع ان من قام بتسطير غالبية شعارات الشوارع وما تحت الجسور بالذات، كالنص اعلاه، لم يتردد بوضع اسمه الكامل والصريح تحت كل جملة سطرتها ريشته المباركة من دون ان يعبأ بكون ما قام ويقوم به مخالفاً للقانون والنظام العام، ويشكل تعديا على الاملاك العامة، وربما يكون هذا الشخص غير مواطن، ولو كان الامر كذلك فان هذا يعني انه غير عابئ بعقاب او حتى مساءلة!
والآن هل تتبرع جهة ما باجبار الخطاط عباس بوير وغيره بالتوقف عن كتابة ما يعن على باله على الجسور والاعمدة والجدران، وان يقوم بازالتها فورا!
اتمنى ذلك لا لشيء إلاّ لوضع حد لرغبة اي جهة اخرى لكتابة ما تشاء من شعارات وآراء قد تتضمن استفزازا لمشاعر البعض او لا تتفق والمصلحة العامة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الطاقة وتعريب الفراغ وشرار

وردتني رسالة انترنت تضمنت التساؤلات التالية: هل يعرف اي مواطن اميركي، او يتذكر السبب الذي انشئت من اجله «وزارة الطاقة الاميركية»؟ لا شك ان الغالبية، ان لم يكن الكل، ليس بإمكانها اعطاء اجابة صحيحة. هذا، على الرغم من ان الحكومة الاميركية انفقت مئات مليارات الدولارات على هذه الادارة! الجواب بسيط، فوزارة الطاقة تأسست في 4 ـــ 8 ـــ 1977 للعمل على تقليل اعتماد اميركا على استيراد النفط، ومن الشرق الاوسط بالذات! وهذا يبدو في حد ذاته هدفا حيويا ونبيلا من وجهة النظر الاميركية. ولكن بعد مرور اكثر من 31 عاما على تأسيس الوزارة لا يبدو ان شيئا تحقق من ذلك، على الاطلاق! علما بأن هذه الوزارة يعمل فيها 16 الف موظف، وتجاوزت موازنتها لهذا العام مبلغ 24 مليار دولار!
ولو تركنا اميركا تلعق جراح ازمتها المالية وولينا وجهنا شطر وطننا، الذي بدأت مؤسساته البالية في لحس مبارد العجز المالي، لوجدنا ان ما لدينا من قضايا مماثلة اكثر من هموم البورصة على القلب.
فوزارة شؤون مجلس الامة مثلا، ليس لها مسؤول متفرغ. كما انها متخمة بمئات الموظفين الذين رمتهم اقدار «الواسطة» والمصالح الانتخابية في وزارة لا عمل واضحاً لها، ولا هدف تعمل من اجله، كما ان عملها غير معرض للمحاسبة ولا للتدقيق. وقد بدأت امور الخراب بها منذ ساعات تأسيسها الاولى من قبل الوزير السابق محمد شرار واستمرت مع صحبه، ووصلت القمة مع الوزير المعجزة، الذي لا يمكن الاستغناء عنه، السيد احمد باقر، حيث وصل عدد العاملين في هذه الوزارة إلى 180 موظفا، غالبيتهم لا يداومون في مقار عملهم، والبعض منهم لا يعرف حتى اين تقع مباني الوزارة اصلا، وبين هؤلاء 18 وكيل وزارة، ومدير عام!
اضافة إلى وزارة شؤون مجلس الامة، فهناك «مركز تعريب الطب»! فهذا المركز العجيب والغريب، الذي سبق ان كتبنا قبل سنوات عن ضحالة مخرجاته، والذي لم تسمع به غالبية هذه الامة نصف الدائخة، والتي لا يعرف جميع النواب حتى اين تقع مكاتبه، سيحتفل قريبا بمرور 20 عاما على تأسيسه، وعلى نجاحه في تحقيق لا شيء يذكر.
يحدث ذلك على الرغم من عشرات الملايين التي انفقت عليه في هذا الزمن الاغبر، فهدف المركز، على الرغم من وضوحه، فإنه لا يعني الكثير. فمن الصعب تخيل استفادة اي جهة او طبيب منه، غير اولئك الذين رمتهم الاقدار لإدارته والاستمرار في ذلك بفضل «السوبر غلو»! ويقال ايضا، وايضا ان هؤلاء قاموا باستثمار مئات آلاف الدنانير من ارصدة المركز في «صندوق التمويل الذاتي»! وان من يدير الصندوق له صلة قرابة بكبار موظفي المركز، كما ان هؤلاء واولئك يتقاضون الكثير مقابل قيامهم بمهمة ادارة المركز والاشراف على انشطة الصندوق وحضور الاجتماعات و«الاضطرار» للسفر الى دول اوروبا الغربية (!!) ومن بعدها التفرغ للاشراف على ترجمة خمسة او ستة كتب سنويا واصدار دورية شهرية هزيلة التوزيع، لم يثبت انها افادت جهة تحترم نفسها. فالطبيب الذي يعتمد على تطوير قدراته ورفع مستواه بالتعرف والاطلاع على آخر المكتشفات الطبية والدوائية وطرق العلاج على دورية محلية تترجم الحدث بعد مرور عدة اشهر على وقوعه، لا يمكن توقع الكثير منه، علما بأنه من الصعب تخيل وجود طبيب مميز لا يتقن لغة اجنبية مميزة واحدة او اكثر. وبالتالي، فإن دوريات المراكز الطبية وفضاء الانترنت الواسع هما المصدر الذي يمكن استقاء آخر الاخبار الطبية منه، وليس دورية تصدر في دولة متخلفة علميا تقوم بترجمة ونشر الحدث بعد معرفة العالم به.. بأشهر عدة!

ملاحظة: ان صح ما اشيع عن اسباب استبعاد الخبير المصرفي، ورئيس المديرين في البنك الوطني ابراهيم دبدوب، من لجنة الانقاذ، فإنه يدل على عدم النضج، والمستوى غير المحمود الذي وصلت إليه اخلاقياتنا في التعامل مع الآخر! علما بأن كل الكوارث المالية التي اصابت الكويت كانت صناعة وطنية خالصة!

أحمد الصراف