احمد الصراف

سكوت وخمطة فتاوى

فجأة، ومن دون مقدمات، بدأ عقل طبيب الاعصاب الناجح سكوت ماكلر، يفقد الاتصال بكل عضلة في جسمه. وعلى الرغم من ان الامر بدأ بشكل تدريجي فان الشلل التام سرعان ما هاجمه خلال فترة قصيرة، وهو لا يزال في اربعينات عمره.
لعدم رغبة سكوت في البقاء حيا بمساعدة الاجهزة الطبية فقد قرر وضع حد لحياته، وهكذا قام بتسجيل رسالة صوتية مؤثرة لطفليه الصغيرين يخبرهما فيها بأنه سيذهب بعيدا عنهم، ولن يرياه، ولكنه سيراقبهما من هناك بكل حب وسعادة، وهما يتقدمان في الحياة، فهناك الكثير الذي ينتظرهما في الحياة!
ولكن اليوم، وبعد 9 سنوات من بدء مأساة سكوت، فإنه لا يزال على قيد الحياة ولا يزال عقله متقدا، كما كان، وفي قمة عطائه وبخلاف ذلك فلا شيء فيه يتحرك سوى نظرات عينيه التي اصبح يتخاطب عن طريقها مع زوجته، فلكي يقول نعم ينظر اليها مباشرة، وان اراد العكس يحول نظره عنها، ولا شيء غير ذلك.
العلم الحديث، والحقيقي، لم يترك سكوت لحاله فقد طور العالم جوناثان وول جهاز كمبيوتر متقدما، بإمكانه التدخل وتمكين سكوت من مجرد الاكتفاء بالتفكير لكي تنتقل افكاره للكمبيوتر تتحول لكلمات يكتبها ينطق بها الجهاز العجيب نيابة عنه بصوت واضح ومسموع، ولا يتطلب الامر من سكوت غير ارتدائه غطاء رأس يحول انشطة المخ الكهربائية الى كلمات وجمل بمجرد التفكير فيها.
وقام برنامج «60 دقيقة» التلفزيوني الشهير بإجراء مقابلة مع سكوت وسئل عن السبب الذي جعله يغير رأيه ويبقى على قيد الحياة فقال، عن طريق جهاز الكمبيوتر الموصول بعقله، انه فعل ذلك لأنه اصبح قادرا على التواصل مع الآخر!
على الرغم من ان اختيار الكلمة عقليا وتحويلها لكلمة مقروءة لا تزال عملية بطيئة، فانها سريعة بما يكفي لأن يستمر سكوت في عمله السابق كاختصاصي، وفي اجراء ابحاثه من خلال مختبره في جامعة بنسلفانيا، حيث يداوم على العمل كل يوم! مشلول تماما يداوم في عمله ونصف شعب «خير أمة» بكل كروشه ولحاه لا يعرف للدوام طريقا.
الغريب انه في اليوم نفسه الذي وردني فيه هذا الخبر نشرت «السياسة» ان مفتي عام السعودية اعتبر رفض البعض الصلاة على السجاد المفروش في الحرمين والمساجد لأنها موطوءة، بأن الرفض «تنطع وتشدد لا اصل له»! وتبين من الخبر ان بعض المسلمين يرفضون الصلاة على السجاد ويفضلون اداءها على الحصير، لانها من الارض، والسجاد قد يكون من غير ذلك.
أعجبت في البداية بفتوى الشيخ لما فيها من انفتاح، ولكن في اللحظة نفسها وردتني رسالة ثالثة يقول فيها رفاق للشيخ نفسه ان استخدام الكرسي حرام، فالسلف الصالح كان يجلس على الارض، وفتوى اخرى تقول بحرمة اهداء الزهور، طبيعية كانت ام صناعية، وخصوصا للمرضى. وأباح آخر، وهو علي الخضير، الكذب وشهادة الزور على من خالف رأي السلف وذلك لنصرة الاسلام. وصدر اكثر من تحريم للعبة كرة القدم، وكان آخرها للشيخ عبدالله النجدي لأن قوانينها من وضع الكفار، ولا يجوز التشبه بهم وارتداء الملابس المرقمة واتباع اوامر «الحكم» واستخدام كلمات كـ «البينالتي والكورنر»، وتقبيل اللاعبين بعضهم بعضا والاصرار على الفوز. كما حرم آخر تعليم اللغات الاجنبية، والانكليزية بالذات، لقول ابن تيمية «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة اهل الجحيم» فلا يصح لمسلم التكلم بغير العربية، ومن اراد تعليم ابنه اللغة الانكليزية فإنه سيحاسب يوم القيامة، لأن ذلك التعلم يؤدي الى محبة الطفل لأهل اللغة التي يعرفها. كما حرم خامس ارتداء الكعب العالي للمرأة لأنه يعرضها للسقوط ويظهر قامتها بأكثر مما هي عليه، وفي هذا تدليس وابداء لبعض الزينة. وعن الشيخ ناصر الفهد صدرت فتوى تحرم اداء التحية العسكرية، او احترام النشيد الوطني او العلم. كما اصدر ابراهيم بن صالح الخضيري القاضي بالمحكمة العامة في الرياض فتوى يحرم فيها مشاهدة قناة «الحرة». اما فتوى الشيخ عبدالعزيز بن باز فقد جاءت في تحريم القول بدوران الكرة الأرضية.
وهناك فتوى للشيخ ناصر بن حمد الفهد بتحريم العطور وتحريم التصفيق، وسبق ان حرم ابن تيمية تعلم الكيمياء ووصفه بالسحر. وحرم الشيخ صالح الفوزان السياحة او السفر خارج المملكة السعودية تحريما قطعيا.
هذه عينة فقط من فتاوى فريق واحد، فما بالك بما لدى الاطراف الاخرى، وبالذات المخالفة لها، من فتاوى اغرب واكثر تشددا او ارتخاء، او بين بين، وصفحات «القبس» لا يمكن ان تتسع لذكرها جميعا، وهذا بلا شك ساهم في ادخال المسلمين في متاهات لا يعرفون كيفية الخروج منها او الفكاك من اسرها، فهل من منقذ؟

***
ملاحظة: وأخيرا، وبعد انتظار لم يطل، سمحت ظروف «جمعية الهلال الاحمر» بقبول تبرعنا العيني من المواد الطبية لجرحى غزة، فشكرا لجهودها. وفي الوقت الذي نتبرع فيه دما ومالا لأهالي غزة، يستمر بعض النواب وزعماء التشدد الديني في إلقاء الفاضي من الخطب والدعوة لصلوات القنوت! ولا يزال النائب الطبطبائي منشغلا بترتيب «حفلة» المزاد على حذائه الشهير!

أحمد الصراف

احمد الصراف

بقالة إنكليزية وحذاء كويتي

أوردت وكالات الانباء ان صاحب بقالة صغيرة في احد احياء انكلترا ترك متجره مفتوحا من دون اي عامل في ثاني ايام الاحتفال بأعياد الكريسماس، كما ترك لوحة اخبر بها زبائن المحل بأنه وعماله سيتركون المتجر مفتوحا، ليذهبوا في الاعياد مع اسرهم، وان بامكانهم اخذ ما هم بحاجة إليه من مواد، ووضع ثمنها في صندوق «أمانة» خاص، وتمنى للجميع اعيادا سعيدة.
وعند عودة صاحب المحل في اليوم التالي وجد مبلغ 187 جنيها في الصندوق، كما وجد رسائل شكر عدة من بعض الزبائن، وهذا ما ادخل الكثير من السرور الى قلبه.
لا يمكن طبعا تخيل ما كان سيحدث لمتجر هذا الرجل لو كان وسط لندن مثلا، حيث يقطن «الربع» او لو كان في احدى مناطق الكويت، ولن نذهب بعيدا الى مدينة في بنغلادش! فثقافة الامانة والشرف لا تعرفها مجتمعاتنا الا في حال ارتباط الامانة بالحفاظ على «سلامة» اعضاء محددة من اجسادنا، اما الشرف فمفهومه الوحيد لدينا لا يحتاج الى تعريف لسخافته.
كما ان تصرف صاحب المتجر النبيل الذي تلمس بطريقة مميزة حاجة زبائنه لما يبيع في ساعات الليل المتأخرة، ووضع مصلحتهم فوق خوفه من ان يسرق، لا يمكن الا ان يوصف بقمة التحضر في التصرف، ولا يمكن وصف زبائنه الذين دفعوا كاملا ثمن ما اخذوه من البقالة، بأنهم اقل حضارة من تصرفه، وهذا حقا ما نفقده في مجتمعاتنا التي سيطرت عليها ثقافة «نحن الفرقة الناجية»!
ذكرني هذا الخبر الجميل حقا بتجربة مماثلة مررت بها قبل 20 سنة تقريبا، عندما اضطررت واسرتي للمكوث في فندق على احد الطرق السريعة في اميركا، وتبين لنا ان الفندق يدار خلال العطل، وبعد ساعات العمل الاعتيادية، من غير موظف، وما على الراغبين في المكوث فيه، الا رفع سماعة الهاتف الوحيد الموجود في الصالة الصغيرة لكي يرد عليهم جهاز تسجيل، مرحبا وطالبا ادخال رقم بطاقة الائتمان ليرد عليك الجهاز نفسه بعد لحظات برقم سري يمكن عن طريقه فتح باب الصالة المؤدية الى غرف الفندق والى غرفتك او الغرف التي حجزتها، لتتمّ تسوية الامر مع الادارة في صباح اليوم التالي.
فوجئت وزوجتي بوجود بقالة صغيرة في الدور الارضي من الفندق تحتوي على كل ما قد يحتاجه القاطن فيه من صابون غسل والواح شوكولاتة واجبان وخبز وغير ذلك الكثير، ولم يكن هناك من يبيع، وكل ما كان علينا القيام به هو اخذ ما نريد ومن ثم وضع ثمنها نقدا في فتحة صندوق حديدي، وتسجيل رقم غرفتنا وتفاصيل المواد التي قمنا بأخذها من المحل على ورقة ووضعها في الصندوق نفسه لتتم محاسبتنا عليه في اليوم التالي!
اثار اسلوب التعامل دهشتي، وتبادلت وزوجتي النظرات لهذه الامانة واحترام الآخر، وكيف ان تصرفهم الحضاري اسعفنا في تلك الساعة المتأخرة من الليل بسبب حاجتنا الى أشياء كثيرة، وقد لاحظ اصغر ابنائنا «دهشتنا» فتساءل قائلا: لماذا تتعجبوا من ذلك، انه امر عادي! وايده بقية اخوته في ذلك، وقد شكل رأيهم صدمة «حضارية» لي ولوالدتهم، وتبيّنت الفرق بين طريقة تفكير اولئك الذين تلقوا الجزء الاساسي من تعليمهم في المدارس الحديثة، والغربية بالذات، وبين التعليم في مدارسنا ومجتمعاتنا التقليدية، فمنظر البقالة الصغيرة من غير بائع كان عاديا بالنسبة إليهم، وعكس ذلك بالنسبة إلينا، وربما لو كنا مكان اصحاب الفندق لما اقدمنا على فعل ما فعلوه بسبب مفهوم الامانة في ثقافتنا المشككة عادة في نوايا الآخر!

***
ملاحظة: يبدو ان لارتباط الحذاء في مجتمعاتنا بمفهوم القذارة سبباً «وجيهاً» ولم يأت بالتالي من فراغ! فقذارة الحذاء، الفعلية والرمزية، تكونت عبر السنين، بسبب ملامسته لأرضية المرحاض «القذرة جدا»، بمفهومنا الشرقي، ولو كانت الحمامات، سواء في بيوت من انطلقت منهم او من اظهروها، او بيوت الآخرين، نظيفة براقة معالجة بمختلف المعقمات والمنظفات، لكانت احذيتهم نظيفة ايضا، ولما كانت رمزا او اداة لاهانة الآخر، فمن يرفع حذاءه في وجه الآخر، او يضربه به، فإنه يعلن على الملأ، بصورة غير مباشرة بأن مرحاض بيته، او المراحيض التي يرتادها، قذرة جدا!

أحمد الصراف

احمد الصراف

مع شينهم قواة عينهم!

في قصة من التراث أن «جحا» استعار آنية من جاره ثم اعادها إليه بعد ايام ومعها ملعقة، فسأله الجار عنها فقال ان آنيته ولدت ملعقة.
تكررت قصة الاستعارة والولادة مع اكثر من جار فسمع الحي بذلك فأصبحوا يأتون بأوانيهم إلى بيت جحا لتتوالد فيه، وعندما تجمع كم كبير منها في بيته ابقاها مدة طويلة رافضا اعادتها إلى أصحابها، وبعد زيادة الضغط عليه أخبرهم بأنها ماتت!! فتساءلوا باستغراب: وهل تموت الأواني المعدنية؟ فرد قائلا: نعم، إذا صدقتم انها تلد؟

واجهتني قبل سنة مشكلة تعلقت بحاجتي الماسة إلى مساحة تخزينية في الشويخ أو الري، وارتفاع ايجار المعروض منها إلى خمسة دنانير في الشهر للمتر الواحد، وهو مبلغ غير مجد تجاريا بأي مقياس. سمع مقيم هندي بمشكلتي فاقترح عليّ تأجير مخازن في الصليبية، وفي منطقة زرائب الماشية بالذات، وبعشرين في المائة من الايجار الساند في السوق. وقال إن المخازن جيدة ومجهزة بجميع التسهيلات، ولا خوف من التخزين فيها، على الرغم من مخالفتها للقانون، بحجة ان صاحب المزرعة «شيخ»، ولن يجرؤ احد بالتالي على الاقتراب من المنطقة التي تحولت إلى مخازن عامرة!!
راودتني النفس كثيرا في قبول العرض، فالفرق بين الايجارين، بالنسبة للمساحة التي كنت احتاج اليها كان بحدود 180 ألف دينار لسنة واحدة فقط، وهو مبلغ كبير ان كانت الحاجة إلى سنتين، ولكن الحرص الذي تعلمته من اصدقائي «النيادة»، والرغبة في الالتزام بالقانون تغلبا بسرعة على الطمع في تحقيق ارباح كبيرة، وقمت بالتالي بتدبير اموري بشراء مخزن كبير مقابل مبلغ اكبر، ولم اندم قط على قراري ذلك!!
تذكرت قصة جحا ومشكلتي مع التخزين وانا اقرأ تفاصيل مقابلة «القبس» مع مجموعة من التجار، المستأجرين، لمساحات في مزرعة العوالي في منطقة الصليبية: وعن مشكلتهم المتمثلة في قيام صاحب الحيازة الزراعية بهدم المخازن عليهم من دون اعطائهم مهلة كافية، حسب ادعائهم، بعد ان ضغطت لجنة ازالة التعديات على املاك الدولة عليه وهددت بسحب الجاخور او الزريبة منه ان لم يقم بإعادتها إلى وضعها السابق!!
وقد رفض هؤلاء المستأجرون في بداية المقابلة مع القبس الاقرار بارتكابهم أي مخالفات تستحق قيام صاحب المزرعة بإزالة المباني، بحجة أنهم استأجروها منه كأرض فضاء وبموجب عقود «رسمية» وموافقات خطية.. منه!! ولا ادري ما الذي يعنونه بــ«عقود رسمية»!! فعقد الايجار موقع بين طرفي العلاقة، ولا علاقة له بالرسمية اصلا! ثم عاد هؤلاء واقروا بأن مخالفاتهم تمت بعلم وتصريح صاحب الحيازة! وهذا ايضا كلام غير مقبول فصاحب الحيازة صاحب مصلحة، وليس جهة رسمية تمنح وتمنع. وقالوا ان الكويت «دولة قانون ومؤسسات يحترمها الجميع!!» وهذا كلام جميل، ولا علاقة له بالمشكلة اصلا، فلماذا لم يقوموا هم في المقام الأول باحترام المؤسسات والقانون والاستئجار في مناطق مخصصة كزرائب؟ أما مطالبتهم «جمعية حقوق الانسان» بالتدخل، فعجيبة حقا، فهل قاموا قبلها باللجوء إلى القضاء ولم ينالوا مرادهم مثلا؟ وهل يعتقدون أن ساحته ليست المكان المناسب لحل القضية؟ وماذا عن الوفر الذي حققوه في الايجار بين ما دفعه من كان في وضعي وبين ما دفعوه من فتات لصاحب الحيازة الزراعية؟ الا يكفي هذا الفرق لتغطية تكلفة نقل بضائعهم في الوقت المناسب إلى مخزن آخر مخصص للتخزين وليس كزريبة أو مزرعة؟! وكيف صدقوا أن هناك مخازن تؤجر بدينار للمتر، والسعر السائد في السوق هو أكثر من أربعة دنانير، وعندما اقتربت جرافات الإزالة منهم لم يصدقوا أنها ستقوم بهدم مخازنهم على رؤوسهم؟ هل نسوا أن الأواني التي تلد تموت ايضا؟
إن تصرف هؤلاء المستأجرين، ولا يلامون عليه وحدهم، ماهو إلا عينة من دولة التسيب التي عشناها لسنوات، ولانزال نعيشها في قطاعات كثيرة، والتي جعلت من مثلها أمرا مقبولا وربما حان الوقت لكي نكون أكثر عقلانية في تصرفاتنا.

ملاحظة: صرح الشيخ «أحمد الخليفة»، وهو مدير إدارة حساسة في وزارة الداخلية، وله دور نشط ومهم في حمايتنا وأبنائنا من خطر المخدرات، بأن «رجاله» ستناط بهم في عطلة رأس السنة مهمة مراقبة الإسطبلات والمخيمات والشقق المشبوهة ومداهمة أي حفلات صاخبة، وسيتم «إبعاد الأجنبي» المتورط ومعاقبة المواطن!
نتمنى ان يكون كلام الشيخ أحمد للاستهلاك المحلي فقط، وألا أحد تم إبعاده من قبل رجاله! فأي كلام غير ذلك يعني نسف كل ما نقوله ونعتقده ونشعر به من أننا نعيش في دولة عصرية لها حكومة ومجلس نيابي وقضاء وصحافة حرة، وفيها قانون عقوبات يحدد كل جريمة وطريقة عقاب مرتكبها!

أحمد الصراف

احمد الصراف

كيف نرفس أنفسنا بأرجلنا؟

ورد في الصحف المحلية قبل أيام أن أمين سر اتحاد طلبة الكويت في الاردن الطالب عبدالله العازمي تقدم بطلب الى وزير التربية والتعليم العالي الاردني لاعفاء طلبة الكويت من الراغبين في استكمال دراساتهم العليا في جامعاتها الحكومية والخاصة من شرط الحصول على شهادة التوفل! ولا استبعد هنا وقوف بعض اعضاء البرلمان الكويتي وراء امين السر هذا، بعد ان اصبح شراء الشهادات العليا امراً مقبولا بين اعضاء البرلمان، وبعد تدني مستوى التعليم في الكويت بشكل عام، وتبين من الخبر ان الحكومة الاردنية وافقت على الطلب، وهي ربما تقول في عبها «الله لا يردكم»! وقد شارك الملحق الثقافي في الاردن، السيد حمد الدعيج، الذي يسبق اسمه حرف «الدال» في المفاوضات وبارك طلب الاتحاد، وسعى جاهدا الى تحقيق الطلب لدى وزارة التربية والتعليم العالي الاردنية!
والتوفل T.O.E.F.L لمن لا يعرف هي اختصار لـ Test Of English As Foreign Languaga، وهي الطريقة الوحيدة المعترف بها عالميا التي يمكن عن طريقها تقدير مستوى استيعاب او معرفة الطالب، او اي شخص اخر، للغة الانكليزية، وليست هناك اي طريقة اخرى معتمدة او موثوق بها بأفضل منها، وعادة ما يعتبر الحصول على 500 نقطة في التوفل الحد الادنى المقبول، ولكن جامعات كثيرة اخرى تطلب عادة نسبة اعلى بكثير.
خبر الجريدة عن مطالبة الطلاب وموافقة الحكومة الاردنية على الغاء شرط الحصول على التوفل يعني ان هؤلاء الطلبة لا يزالون يحاولون دخول الجامعات، وانهم رسبوا، او سقطوا، المرة تلو الاخرى في الاختبار، مما يعني اضطرارهم للعودة الى الكويت، وبالتالي لم يجدوا امامهم سوى اسلوب الاستجداء والوساطة في سبيل الغاء امتحان التوفل عنهم ليتمكنوا من دخول الجامعات الاردنية آمنين مطمئنين، فكان لهم ما ارادوا، فالظاهر ان الجامعات الاردنية، والخاصة بالذات لا تريد فقد هذا المورد المالي الكبير، وليذهب العلم والتعليم الى الجحيم!!
ان صدور هذا الاستثناء امر مخجل للكويت وللاردن وللتعليم بشكل عام، والمخجل اكثر مشاركة اكاديمي ودبلوماسي بمستوى الملحق الثقافي في تسهيل هذا العبث العلمي الخطير، ونتيجة ذلك ستكون وخيمة على مستوى خريجي الجامعات الاردنية مستقبلا، هذا بخلاف ما سببه الخبر وسيسببه من حساسية بين طلبة الكويت وغيرهم، من الطلبة الفاشلين، الذين لم تسع جهات محسوبة على حكوماتهم، التي احترمت نفسها، ولم تتدخل لاعفاء طلبتها من شرط الحصول على شهادة التوفل الضرورية.
ان مجرد قبول الجامعات الاردنية لطالب، خصوصا في دراسات محددة، بمستوى لغوي متدن، يعني ان هذه الجامعات تفتقد بشكل واضح الاحترام الذي تستحقه المؤسسة الاكاديمية، وبالتالي من المهم والضروري قيام السيدة وزيرة التربية والتعليم العالي بالتدخل ووقف هذا العبث بمستوى طلبتنا العلمي، فإما ان شهادة التوفل مهمة، وبالتالي يجب على كل راغب في الحصول على تعليم عال جاد الحصول عليها، وإما انها غير ذلك وبالتالي يتطلب الامر الغاءها عن الجميع، اما الكيل بميزانين او مكيالين لان نائبا فاشلاً او وسيطا خائبا اشتهى ذلك، فانه امر غير مقبول من اي عاقل محب لوطنه.

أحمد الصراف

احمد الصراف

حذاء وعقل وموقف

رفع النائب الطبطبائي حذاء قدمه اليسرى بيده اليمنى، كما لاحظ الزميل عبدالرحمن النجار، وألقى كلمة حماسية في مهرجان الاكتفاء بنصرة الشعب الفلسطيني، واتخذ «بوزات» متفرقة أمام مصوري الصحف، ومن ثم غادر الساحة الى احدى ديوانيات «كيفان» ليبين انتصاره لهم!! وقام جمع من المتظاهرين في المهرجان نفسه بحرق العلم الإسرائيلي، تأييداً لنضال أهالي غزة، ومن ثم لفوا أنفسهم بغترهم وعباءاتهم ودلفوا الى بيوتهم. وتوجه عدد من أئمة المساجد المشاركين في المهرجان ذاته، بالدعاء لنصرة مسلمي غزة، ونسوا مسيحييها، ثم انصرفوا لمتابعة قناة «الجزيرة». وبلغ المهرجان ذروته بمطالبة جمع من أعضاء مجلس الأمة والكتل السياسية وممثلي جمعيات النفع العام، ورجال دين بلحى متنوعة الأشكال والأطوال، ومن خلال خطب حماسية تطاير خلالها رذاذ كثير، طالبوا الحكومات والشعوب العربية بالوقوف إلى جانب أهالي غزة!! وما ان تمت تلبية مطالبهم حتى افرنقعوا إلى بيوتهم الآمنة، وهم مرتاحو البال. كما تضمن مهرجان الاكتفاء، كلمة مسجلة لزعيم حماس غير المتوج، السيد خالد مشعل، قال فيها للمتجمهرين: الوقت الذي نعيشه وقت الحقيقة والشرف!! فهل يعني ذلك ان الأوقات الأخرى لم تكن أوقاتاً حقيقية ولا أوقات شرف؟ وقام بعدها أحد المعارف، على هامش المهرجان، بتوجيه اللوم لي على ما كتبته هنا يوم الثلاثاء الماضي عن محنة أهالي غزة، ولكن سرعان ما انشغل عني وعن أهالي غزة بلعبة بينغ بونغ.
وقام آخر بالطلب مني التوقف عن الكتابة لأنني لا أصلح لها، ولا أدري من الذي أوهمه بغير ذلك، وبعد ان انتهى من تفريغ الفراغ الذي بداخله، اعتذر مغادراً ليلحق ساعة بث الحلقة 12188 من المسلسل التركي (خرج ثم عاد)!!
وفي خضم كل هذه الأحداث، حيث أنا المدان بشتى التهم، وغير الوطني وغير المسلم وغير العربي وغير الإنساني، وفاقد الشهامة والوفاء والرحمة، ذهبت الى جمعية الهلال الأحمر الكويتي عارضاً تقديم مساعدات عينية طبية فقالت لي سيدة فاضلة مسؤولة هناك، إن الجمعية تعاني الأمرين، ومن الأشقاء بالذات، في توصيل المعونات الغذائية والطبية لغزة!! فسمع المحادثة صديق وقال إن بعض الجمعيات الخيرية تدعي استعدادها لتوصيل المعونات لغزة، فقلت له إذا كانت الحكومات وجمعيات الهلال والصليب تواجه المصاعب فكيف لجمعيات مشبوهة جداً أن تقوم بذلك؟!
وهنا وليت وجهي شطر بنك الدم الكويتي، وتبرعت هناك بثلاثة أرباع الليتر من دمي الغالي لأهالي غزة من دون منة، متناسياً إساءاتهم الماضية لوطني، وخرجت مسروراً بعد ان أعطيت إمعاناً في مثالية لا أملكها، هدية تبرعي بالدم لأحد حراس المبنى.
ملاحظة: اليوم هو الأول من عام 2009، ولا أعتقد أنه سيكون عاماً جيداً على أصعدة عدّة، ولأكثر من سبب، ولكن لا يسعنا إلا تمني السعادة والخير للجميع.

أحمد الصراف

احمد الصراف

ضيف يوسف الجاسم وأنا!

طلب مني الصديق يوسف الجاسم مرافقته لاصطحاب ضيف كبير في زيارة لأهم معالم البلاد الحضارية. بدأنا جولتنا في منطقة الشدادية، التي اختارها يوسف لأهميتها المالية والعلمية حيث إن المصرف الذي يمثله الضيف سبق أن مول المقاول الذي أنهى بناء جامعة الكويت الجديدة الواقعة هناك.
أول ما استرعى نظرنا من بعيد كان منظر بوابة الجامعة المهيبة. عند وصولنا لها كان مسؤول العلاقات العامة بانتظارنا حيث شرح لنا رمزية البوابة وارتباط طرازها القوطي الشائع في الأندلوثييا، في اسبانيا، بتاريخ العرب هناك. وقد شعرت ويوسف بالفخر لهذا الإنجاز الهندسي الباهر، خصوصا بعد أن عرفنا بسعة اطلاع الضيف هندسيا. وما إن دلفنا تحت البوابة وأصبحنا في شوارع الجامعة الداخلية حتى انتابنا شعور بأننا نعيش في حلم علمي جميل، وأن الكويت ستكون شيئا آخر خلال سنوات قليلة، بفضل مخرجات هذا الصرح العالمي، والذي سيكون مفخرة هندسية وعلمية لكل العرب، وربما المسلمين أيضا، فقد كانت المباني العلمية التي صممت على طراز الباروك شيئا غير عادي بجميع المقاييس، بحيث تجعلك تشعر وكأن رائحة العلم تتسرب من خلال فتحات شبابيك قاعات المحاضرات في كل مبنى.
غادرنا الجامعة واتجهنا إلى مستشفى جابر في منطقة جنوب السرة وكانت زيارة مميزة بكل المعايير والأطوال والمقاييس. وقد انتبه الصديق يوسف لأمارات الحسد التي كانت بادية على وجه الضيف الأوروبي وهو يشاهد جمال المبنى وفخامته ونظافته والمستوى الرفيع للخدمة الطبية والتمريضية فيه، وقال الضيف إن المواطن الكويتي، والمقيم كلاهما، قد ضمن بهذا الصرح مستوى علاجيا لا يضاهى للسنوات العشرين المقبلة على الأقل. وقد تأسف جدا لفشل مصرفه في الفوز بتمويل مشروع بناء المستشفى بسبب فارق السعر.
غادرنا المستشفى واتجهنا لاستاد جابر الرياضي على الدائري السادس وشاركنا الضيف الشعور بالفخر، بعد أن استمع لشرح واف عن مزايا الاستاد غير العادية والتي دعت اللجنة الأولمبية العالمية دول العالم للاقتداء بمعاييره والاحتذاء بمواصفاته عند بناء أي مبنى مماثل. كما شرح المسؤول السرعة الخيالية التي اعتمد فيها المشروع ونفذ، وبالرغم من ذلك جاء في المرتبة الثانية بعد جسر الصبية، الذي حاز على المرتبة الأولى. وقال الضيف، الذي بدا على اطلاع كاف بمشاكلنا الكروية، اننا بهذا الاستاد العظيم سنقلب الطاولة على ابن همام وصحبه، وسيكون الدور عليه قريبا للجري خلفنا ومراضاتنا.
جسر الصبية كان هدفنا التالي حيث انطلقنا له من الدائري الأول بسرعة تجاوزت المائة بقليل. جمال المنظر من فوق الجسر خلب لب الضيف فطلب منا فتح نوافذ السيارة للاستمتاع بهواء البحر، ورائحة اليود والزفر المنعشة المنبعثة من مناطق تفريخ السمك، التي بقيت من دون تخريب نتيجة بناء الجسر. وخلال دقائق كنا على مشارف مدينة الحرير، التي كانت شيئا آخر، فقد ذكرتنا أحياؤها السكنية بالمدن الأميركية الجديدة الخلابة، التي بنيت على الطرز المكسيكية والدانمركية الحديثة بمسحة اسكندنافية واضحة. وقد أضعنا طريقنا لأكثر من ساعة بين ملاعب الغولف العديدة المنتشرة هناك، فقد تشابه علينا البقر، ولم نود أنا ويوسف حقيقة الخروج من تلك المنطقة بسبب خضارها العجيب.
انتهت جولتنا هناك في أحد مطاعم الداون تاون، الذي سيصبح قلب الكويت المالي خلال اشهر قليلة. وفي ذلك المطعم الدوار على قمة ناطحة سحاب تيسية (من تيس) الذي يتسع لأكثر من ألف شخص، تناولنا طعاما شهيا ونحن نستمتع بمنظر غروب الشمس في الأفق من جهة وتلألؤ أضواء منظر مدينة الكويت من الجهة الأخرى.
وهنا طلب الضيف منا إعادته إلى الفندق فما شاهده ورآه في ذلك اليوم يكفيه زادا هندسيا وثقافيا وعلميا ونفسيا وغذائيا لأشهر عدّة مقبلة، وقد أسفنا لطلبه، حيث إن في جعبتنا الكثير من المشاريع المماثلة التي كنا نود إطلاعه عليها والتي كانت وستبقى مصدر فخر كبير لنا ككويتيين مميزين!!
عند عودتي مساء ذلك اليوم للبيت قرأت في «السياسة» أن برج مبارك الكبير الذي سيتوسط إحدى أكبر ساحات مدينة الحرير سيكون الأعلى في العالم بارتفاع 1001 متر وستبلغ كلفة بنائه 86 مليار دولار، وسيتكون من 230 طابقاً، وسيجذب استثمارات كثيرة للكويت. وبالرغم من أن الموعد المتوقع للانتهاء منه سيكون في عام 2033، فان الحكومة الكويتية قررت الانتهاء منه مع نهاية عام 2009، كما طلبت الحكومة من المصمم إضافة طابق للمبنى في قمته يخصص جزء منه لعرض مشاريع الكلك الكويتية، وجزء آخر لعرض الدنابك والمراويس!!
ملاحظة: صاحب فكرة هذا المقال الحلم هو الصديق يوسف الجاسم.

أحمد الصراف

احمد الصراف

غزة ومارتن نايملر

يقول مارتن نايملر Martin Neimoller، وهو نازي سابق، انه عندما بدأ النازيون بالقضاء على الشيوعيين في المانيا لم احرك ساكنا، فلم اكن شيوعيا، ولم اعبأ بالتالي لما كان يجري لهم من قتل وتشريد! وعندما بدأوا بحملتهم ضد «الديموقراطيين الاجتماعيين» التزمت الصمت، فلم اكن يوما «ديموقراطيا اجتماعيا»، وعندما اعلنوا الحرب على الاتحادات العمالية، لم افتح فمي معترضا، فلم اكن عضوا في اي اتحاد عمالي او مهني! وعندما جاءوا للقبض علي، بعد وشاية آثمة، لم يبق هناك احد ليقف معي ويدافع عني!
اكتب ذلك بمناسبة ما يتعرض له سكان غزة من قتل وتشريد على يد الآلة العسكرية الاسرائيلية، ففكر حماس وحكومتها لم يتركا لها صديقاً في العالم، غير بعض الجهات المتخلفة او العاجزة عن فعل شيء لمساعدتها، فقد رفض قادة حماس الاعتراف بوجود اسرائيل، وهذا من حقهم، ومن حق اسرائيل بالتالي ان تثبت ذلك الوجود، كما عادوا الولايات المتحدة، ورفضوا مساعي الاتحاد الاوروبي لجمعهم مع الاسرائيليين، وخسروا تعاطف الدول الخليجية ومصر بالذات، ورفضوا كل منطق وعقل في تعاملهم مع اخوانهم في منظمة التحرير والجبهات الفلسطينية الاخرى، كما لم يصدقوا جدية التهديدات الاسرائيلية بان آلتها العسكرية ستتحرك ان لم يتوقف ناشطو حماس عن اطلاق الصواريخ العشوائية باتجاه مدنها، ولم يتمكنوا، او ربما يشتهوا، قراءة اهمية زيارة تسيبي ليفني لمصر واستقبال مبارك لها في القاهرة، على الرغم من انها سابقة ذات دلالات مهمة، وقال اسرائيل ان لصبرها حدودا وان «إنف از انف»، ولكن حكومة حماس لم تأبه لكل ذلك، وبقيت وتيرة الحياة في غزة كما هي، وما ان بدأ القصف الاسرائيلي وسقط مئات القتلى وآلاف الجرحى، حتى صاحت حماس بان الهجوم غادر وغير متوقع!.
وبمناسبة النداء الذي اصدره رئيس المكتب السياسي لحركة حماس طالبا من الكويتيين مواصلة دعمهم لغزة الجريحة والمحاصرة، فإننا نتساءل فقط أين كان أهالي غزة بالذات يوم تعرضت الكويت للاحتلال والسلب والنهب من النظام العراقي الهمجي السابق الذي لم تردعه أواصر الأخوة والمحبة والقربى من أن يفتك بكل ما وصلت اليه يداه؟ هل وقف سكان القطاع على الحياد عندما تشرد مئات الآلاف من الكويتيين بعد أن فقدوا هويتهم ومستقبلهم وأملاكهم وبيارات نفطهم؟ ألم تهلل الجماهير الغزاوية في الشوارع مرحبة بذلك الاجتياح الهمجي مسرورة باحتلال صدام، مبتهجة لقيام دباباته بدك البيوت الآمنة وتخريب مؤسسات الدولة لغير سبب منطقي؟ الم يرفعوا صور الطاغية صدام داعين له بطول العمر ومطالبيه بالفتك أكثر بنا؟ آه كم هي ضيقة ذاكرة شعوبنا! ولكن مع كل هذا فإن انسانيتي تجعلني أترفع عن التصرف بمثل ما تصرف به الكثير من أهالي غزة بالذات تجاهي. فحبي لوطني لا يسمح لي إلا بمقابلة اساءتهم بالحسنى، وأن أضع الماضي خلفي وأقف معهم متبرعا بما استطيع من مال وما اتحمل من دم، ليس لخوفي فقط لما تبطنه الأيام لنا، ولكن لأن عدم الوقوف معهم يمثل خيانة لمبادئي!
أعلم جيدا أن لا أحد منهم سيقرأ هذا الكلام، وان قرأه فلن يعبأ به كثيرا، ولكني أكتبه لاقتناعي به وليس لاي امر آخر.
ولكن على أهالي غزة عدم نسيان أن من دفعهم للتصرف معنا في زمن الغزو والاحتلال العراقي بكل ذلك السوء لم يكن سوى حماس ومن كان وراءها من قيادات متأسلمة متخلفة لم تتغير منذ ما قبل غزو واحتلال الكويت وحتى اليوم! فهؤلاء هم الذين جلبوا لكم الدمار والفقر والمرض، وبعد أن قمتم باختيارهم من خلال صناديق الاقتراع. فتطرف قيادتكم الدينية السياسية لا يقل عن تطرف القيادة الاسرائيلية الدينية، وحماس هي التي أعلنت غزة «وقفا إسلاميا» لا يحق لغيرهم التواجد فيه وتملك أراضيه!
ونصيحة أخيرة، لا يغركم وقوف القيادات المتأسلمة في الكويت وغيرها من سلف واخوان وتلف من جماعة “النباطة” وربطات الجبين المضمخة بالألوان الحمراء، فهؤلاء لا هدف لهم غير البروز والمال، ومآسيكم ودماؤكم هي التي تزيدهم شهرة وثراء، فلا ايران ستنفعكم في نهاية اليوم ولا الأقطان ستقف معكم، فمصير غزة يكمن في أيديكم وعليكم الخلاص ممن وضعكم في هذا المأزق الذي لن تتمكنوا بسهولة من الخروج منه.. سالمين!
ملاحظة: طالبت القيادات الممثلة للسلف والاخوان وحزب الامة، وبقية الاحزاب غير الشرعية، عبر خطب ملتهبة القيت في ساحة الارادة، بفتح باب الجهاد امام الجماهير الاسلامية لتقوم بالتصدي لطائرات اسرائيل وصواريخها من خلف متاريس مصنوعة من قنادر «منتظر»! وعند انتهاء المهرجان «الخطابي» لم يتقدم احد للتطوع، بل غادر الجميع الساحة الى امان بيوتهم واحضان زوجاتهم وعناق ابنائهم والوثير من فرش صالاتهم لمتابعة برامج قنوات روتانا المسلية!

أحمد الصراف

احمد الصراف

مايكل هارت وبل غيتس

كتب مايكل هارت في عام 1978 بحثه الشهير A ranking of the 100 most Influential persons inhistory او المائة شخصية الاكثر تأثيرا في التاريخ، الذي جاء في اكثر من 560 صفحة من القطع الكبير وتضمن سير 100 شخصية تاريخية وكما غريبا وطريفا ومفيدا من المعلومات عن شعوب العالم. وسبق ان قام الكاتب المصري انيس منصور بترجمة الكتاب قبل سنوات، ولكن بصورة غير امينة، ووضع اسمه على الغلاف من دون الاشارة الى اسم كاتبه الحقيقي، وقام بتشويه عنوانه ليجعله “اعظم مائة شخصية في التاريخ”، والفرق واضح بين “الاعظم” و”الاكثر تأثيرا”! فقد لا يكون للشخص أي تاثير مباشر على حياتنا، ولكن هذا لا يجعله اقل عظمة في الوقت نفسه، والعكس صحيح.
يتصدر اسم النبي محمد بن عبدالله (ص) شخصيات الكتاب لكونه الاكثر تأثيرا، وبصورة مباشرة على حياة المسلمين. ولا ينازعه في المكانة احد، فما كان يقوم بأدائه من فروض دينية وما كان يأمر باتباعه، او ينهى عنه، منذ 1400 عام او يزيد، لا يزال، والى حد كبير، يؤدى بالطريقة نفسها.
وجاء اسحاق نيوتن في المرتبة الثانية لتأثيره الهائل والمباشر على حياة البشر من منتصف القرن السابع عشر وحتى اليوم والى قرون عدة مقبلة. فنيوتن،ولاسباب عدة، يعتبر اعظم عالم عرفته البشرية، ومكتشفاته تعتبر حجر الاساس لكثير من المخترعات التي ننعم بها اليوم. ووضع المؤلف السيد المسيح في المرتبة الثالثة تأثيرا، علما بان مايكل هارت مسيحي اميركي، كما ان مسيحيي العالم يفوق عددهم اتباع أي ديانة اخرى، ولكن البحث لم يوضع على اساس الاكثر اتباعا او قوة او سطوة بل “تأثيرا”، والتأثير المباشر لحياة المسيح وكلامه ووصاياه لا يقارن بتأثير من سبقه من شخصيات الكتاب التاريخية، وربما يعود ذلك الى قصر حياته وقلة افعاله واقواله بالتالي.
ثم يأتي بوذا وكونفشيوس والقديس بولس والصيني “تسالون”، مخترع الورق، ومن بعده جوهان غوتنبرغ مخترع الطباعة، وكريستوفر كولمبوس تباعا، ومن ثم ألبرت اينشتاين في المرتبة العاشرة، الى ان نصل الى الشخصية 51 وهي لعمر بن الخطاب، لنكتشف، حسب القواعد التي وضع البحث على اساسها، ان لا احد غيره وقبله النبي قدما من منطقتنا، وكان له ذلك التأثير الهائل على حياة البشر.
تضمنت القائمة شخصيات مؤثرة اخرى كـ “لويس باستور”، اعظم علماء الطب ومكتشف علم الجراثيم (البسترة). والكسندر غراهام بيل، مخترع التلفون، وكوبرنيكوس، وجيمس وات، مخترع الآلة البخارية التي مهد اختراعها للثورة الصناعية، وماكيافيللي، والكسندر فليمنغ مكتشف البنسلين، والاخوة رايت في الطيران، وعالم الكيمياء “لافوازييه” والنفس “سيجمون فرويد”، وتوماس اديسون، المتعدد الاختراعات والمنجزات، والايطالي “ماركوني” مخترع الراديو، وغيرهم الكثير. وربما يكون الهولندي وليام مورتون اقلهم شهرة واكثرهم نفعا للبشرية، فقد كان له دور كبير في تطوير استخدام التخدير في العمليات الجراحية، الامر الذي خفف من آلام مئات ملايين البشر، خاصة ان اكتشافه جاء قبل حربين عالميتين خلفتا اكثر من مائة مليون جريح!
ويصل المؤلف لاستنتاجات غاية في الاهمية، حيث بين ان غالبية شخصيات الكتاب قدموا من اوروبا، وان البريطانيين منهم كانوا الاكثر مساهمة في الحضارة الانسانية من أي امة اخرى. وان خمسة من الـ 18 بريطانيا قدموا من اسكتلندا، واسماء هؤلاء الخمسة وردت في النصف الاول من الكتاب. ولو علمنا بان نسبة الاسكتلنديين من بين سكان الكرة الارضية لا تتعدى واحدا على ثمانية (ثمن) في المائة فقط لعلمنا مقدار ما تركز في اسكتلندا من مواهب وخبرات.
كما يلاحظ ان نسبة كبيرة من شخصيات الكتاب برزت بين القرنين السادس والثالث قبل ميلاد المسيح! ثم تبعت ذلك فترة من السكون والخمود امتدت لفترة 1800 سنة تقريبا، أي حتى القرن الخامس عشر الميلادي، عندما تهيأت ظروف افضل للتقدم والاختراع والاكتشاف.
ويقول المؤلف ان كتب التاريخ تخصص صفحات أكثر للقادة السياسيين،ولكنه يعتقد ان التقدم العلمي كان له الدور الاكبر في تشكيل عالمنا.
وتبين من البحث ان 19% من شخصيات الكتاب لم يتزوجوا، كما ان 26% منهم لم ينجبوا، حسب ما توافر للمؤلف من معلومات.
كما بين البحث ان جميع شخصيات الكتاب كانوا شديدي الذكاء، ومن الحاصلين على تعليم عال، اما غالبية غير المتعلمين منهم فقد كانوا من القادة العسكريين.
وبين البحث حقيقة غريبة هي ان 10% من شخصيات الكتاب كانوا يعانون داء النقرس، علما بان النسبة العالمية للمصابين بهذا المرض اقل من ذلك بكثير، وهو امر جدير بالدراسة. لا شك ان المؤلف وضع كتابه في مرحلة اعتقد فيها، من منظوره الخاص، ان من كتب عنهم يمثلون الشخصيات الاكثر تأثيرا في تاريخ البشرية. ولا شك ان البعض يختلف معه في الترتيب الذي اتبعه، او في اهلية البعض منهم ليكونوا ضمن المائة الاكثر تأثيرا اصلا. وربما يكون هذا حافزا لباحثين آخرين لكتابة ما يتفق وآراءهم.
واخيرا، لو كان المؤلف لا يزال على قيد الحياة لما تردد في ادخال شخصيات مؤثرة جديدة على الكتاب. ففي الثلاثين سنة الاخيرة فرضت شخصيات عالمية، كـ”بل غيتس”، رئيس مايكروسوفت وستيف جوبس مؤسس “ابل”، نفسيهما على الساحة العالمية.
***
ملاحظة: تزامناً مع بدء احتفالات رأس السنة, اعلن المتشدد مبارك البذالي عن تدشين جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقال إن نشاطها سيبدأ من “الصليبخات” ومراقبة تصرفات “الخادمات المتبرجات” فيها.
وحذر البذالي من اقامة حفلات مختلطة او احتساء الخمور في رأس السنة. وقال ان من يرغب في مثل تلك الممارسات فليخرج من الكويت. وأكد ان عمل جمعيته لا يتعارض مع عمل وزارة الداخلية وانما هو مكمل لها في المحافظة على القيم والاخلاق.
ونحن في هذه الزاوية نشد على يد البذالي ونتمنى له التوفيق، ونرحب به وليا لأمرنا، فله وحده الحق في بقائنا في الكويت أو الخروج منها.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الآخر في التصور الإسلامي

الآخر، في التصور الاسلامي، هو غير المسلم، سواء كان كتابيا، مجوسيا، مشركا او حتى ملحدا، واحيانا يضيف جماعة السنة الى هؤلاء كل من يخالف مذاهبهم من شيعة واسماعيلية وبهرة او احمدية وحتى اباظية. ويتخذ غالبية الشيعة الموقف ذاته مع غيرهم من اتباع المذاهب السنية، وحتى من الشيعة غير الاثني عشرية.
والامر لا يقف بطبيعة الحال عند التصور فقط، بل يمتد بحيث تصبح له تبعات دنيوية، كما ان لكل طرف تصوره في تبعات ذلك بعد الموت. فهناك تمييز في المعاملة والحقوق والواجبات بين المسلم السني والمسلم الشيعي. فدستور جمهورية ايران الاسلامية لا يسمح لغير الشيعي بتولي منصب رئاسة الجمهورية، وهذا يعني ببساطة ان غير الشيعي غير مسلم او لا يستحق تولي هذا المنصب الرفيع حتى لو اختار الشعب الايراني برمته شخصا سنيا لتولي الرئاسة!!
وعلى الرغم من عدم وجود نصوص في دساتير غالبية الدول الاسلامية السنية، على افتراض وجود دستور يعمل به بطريقة محترمة، فان من الاستحالة مجرد التفكير في امكان وصول شيعي الى منصب رئيس الدولة فيها جميعا، خصوصا في ظل الامر الواقع الذي يمنع وصولهم إلى ما هو ادنى من ذلك بكثير. اما التفرقة بين المواطن المسلم، شيعيا كان او سنيا، وبين بقية المواطنين من اصحاب الديانات الاخرى فحدث ولا حرج. فهؤلاء يصنفون عادة كفاراً، والكفار يقسمون الى فئتين، كتابيين ومشركين، والفارق بينهما يكمن في مبدأ الجزية. فالجزية تقبل من اصحاب الكتاب من مسيحيين ويهود، وبعض الفقهاء يحشرون معهم المجوس، ودفع الجزية يعطيهم الحق في البقاء احياء. اما بقية البشر من اتباع آلاف الديانات الاخرى فليس امامهم سوى خيار واحد هو إما الدخول في الاسلام وإما قطع الرقبة. ومن الانصاف القول ان نص القتل لم يطبق بشكل واسع وتم التغاضي عنه على الرغم من وضوحه!
وعلى الرغم من وجود بعض الاختلافات بين مذهب اسلامي وآخر في الموقف من غير اهل الكتاب من ناحية قبول او عدم قبول الجزية منهم، فان المبدأ الاساسي يبقى من دون تغيير. كما يمكن القول ان مكانة غير المسلم في المجتمعات الاسلامية هامشية بمعنى الكلمة. فجميع النصوص تطالب بقتل المشركين، حيث وجدوا، والنصوص موجودة في سورة التوبة في الآيتين 5 و29، وهي تطالب بقتال الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر والذين لم يحرموا ما حرم الله ورسوله ولا يدينون بدين الحق من الذين اوتوا الكتاب، الا اذا دفعوا الجزية وهم اذلاء صاغرون.
وعلى الرغم من كل ما تتضمنه دساتير الدول العربية والاسلامية من نصوص واضحة تؤكد تقديس الحرية والمساواة من دون تفرقة بين المواطنين، فان من المعروف ان غير المسلم يعامل بشك عادة في هذه البلدان، وكمواطن من الدرجة الثانية أو أقل. فشهادة غير المسلم على المسلم لا تقبل، ويشتط البعض بحيث لا تقبل حتى شهادة الكفار بعضهم على بعض. واذا قتل الكافر مسلما فجزاؤه القصاص، ولكن لا يُقتل مسلم بكافر، كما ورد في صحيح البخاري، مع مخالفة الاحناف لهذه القاعدة. كما لا يقتص من المسلم بالكافر في الجروح وجرائم قطع الاعضاء. ولا يطبق الحد على من قذف كافرا، بل يعزر فقط. فأعراض غير المسلمين لا تستحق ان تصان من القذف. ومتفق عليه ان غير المسلم لا يحق له الزواج بمسلمة. وتوصي بعض النصوص المسلمين حتى بعدم مبادرة اليهود والنصارى بالسلام. وللمسلم حق «استرداد سلامه» ان تبين ان من سلم عليه غير مسلم، لكي يجعله يشعر بالوحشة فيختار ان يسلم. وان على المسلم، ان التقى كتابيا في الطريق، ان يدفعه لأضيقه! وتعتبر قضية الجزية المفروضة على غير المسلمين من اكثر الامور تعقيدا في العلاقة بين الطرفين. ولهذا لا تطبق الجزية في اي مجتمع اسلامي على الرغم من اجماع الفقهاء عليها، لان في دفعها حقنا لدماء الكفار بدلا من قتلهم، او لمجرد القبول بهم في دار الاسلام. ويذهب البعض إلى القول إنها عقوبة على الكفار لبقائهم على كفرهم.
فالجزية تشكل إذلالا لدافعها. وحسب قول «ابن القيم الجوزية» فإنها تضرب على رؤوس الكفار إذلالا وصغارا لهم ولتحقيرهم وإهانتهم.
وعلى الرغم من تساهل الاسلام مع اهل الكتاب في ما يتعلق بممارسة شعائرهم فانه وضع قيودا تمنع اظهار الصليب ورفع الصوت في الصلاة والقراءة.
وقد يقول قائل ان الكثير من هذه الامور غير مطبقة، وهذا صحيح، ولكن مجرد وجودها يعني ان هناك سيفا مصلتا على رقاب غير المسلمين يمكن ان يفعل في اي يوم. وبالتالي من المهم تحصين القوانين الوضعية ودعم الدساتير الموضوعة لحماية الحريات الفردية والحقوق الشخصية من تسلط رجال الدين ومنع تدخلهم في شؤون البشر اليومية بصورة متعسفة.

***
ملاحظة 1: المقال مقتبس من مراجع عدة.
ملاحظة 2: قام أحد محرري «القبس» بتعديل ما كتبنا عن الممثل روبرت حسين في مقال امس الاول ليذكر أن حسين ممثل فرنسي من اصل تونسي، وهذا غير صحيح. فـ«روبرت حسين» ممثل ومخرج فرنسي من اصل روسي ايراني، وبالتحديد من اذربيجان الايرانية عندما كانت تحت الحكم الروسي. واسمه قبل تغييره كان روبرت حوسينوف، ولو عاش لبلغ عمره اليوم 81، حيث انه ولد في 30ــ12ــ1927.

أحمد الصراف

احمد الصراف

رائحته ولون غرفة نومه

قال روبرت حسين يوما، وهو ممثل فرنسي من اصل تونسي اشتهر في الستينات بأدواره المتقنة والمعقدة، إنه يكره ان يقابل من يشبهه او من هو على شاكلته. ويتفق الكثيرون في ذلك معه من دون ان يعلموا. فالزيجات الناجحة او الصداقات الطويلة والمثمرة تدوم عادة بسبب الاختلافات، او المزايا والمواهب والصفات التي يراها طرف في الطرف الآخر ولا تتوافر فيه. وسبق ان رأينا ان اول مظاهر انفتاح الصين على العالم، قبل ثلاثين عاما، كان في قرار ترك الحرية للصينيين في التخلي عن الشكل واللون الموحد لما يرتدونه من ملابس، فالانسان بطبيعته ملول ويميل للتنوع والتغيير، كما يرى الاشياء نفسها التي يمتلكها اكثر جمالا في يد غيره. وقد كان لتلك الخطوة وقتها الاثر الايجابي العميق في نفوس مئات ملايين الصينيين!!
ولو قمنا بالعودة الى النصوص الدينية لوجدنا انها تحث على التغيير وترسخه، فلو شاء الخالق مثلا لجعل الجميع على دين واحد، بل فضل على ذلك، حسب النصوص نفسها، ان يجعل من البشر شعوبا متعددة الامزجة والعادات والتقاليد ليتعارف بعضها إلى بعض، وليس لتتحارب، او ينصهر بعضها مع بعض.
نقول ذلك بمناسبة المقال الذي كتبناه قبل فترة عن ظاهرة الاصرار على عقد مؤتمرات الحوار الديني، ومع الجانب المسيحي بالذات!! فغالبية المشاركين في تلك المؤتمرات، ومن جانبنا على الاقل، هم احد اثنين، إما أناس على ثقة بأن لا شيء سيتمخض عن تلك المؤتمرات، ولكن لا بأس من المشاركة فيها على اي حال، وإما اطراف يشاركون وهم على ثقة بأنهم قادرون، بالحجة، على «فر راس» الطرف الآخر، وجعله اكثر تقبلا لدينهم من تقبله لما شب عليه!!
وحيث ان غالبية المشاركين في تلك المؤتمرات وخصوصا في الجانب الاسلامي، هم من رجال الدين، فإن مهمة التقارب تصبح اكثر صعوبة ان لم تكن مستحيلة في جميع الاحوال.
وبالتالي من تحصيل الحاصل القول ان لا شيء تمخض او سيتمخض عن هذه المؤتمرات لا الآن ولا بعدها، لان في نجاحها قضاء على هوية طرف يجب الا يختفي، لتعلق وجود كل طرف على بقاء الطرف الآخر. فتميز الشيعة وانفراديتهم مثلا يكمنان في وجود سنة من حولهم، والعكس صحيح كذلك. وتميز اليهود نابع من وجودهم ضمن غيرهم من بقية البشر، فهويتي الطائفية او الدينية او السياسية لا معنى لها بغير وجود اصحاب هويات آخرين مخالفين لي، فلا يمكن ان يبرز اللون الاسود مثلا ويظهر جماله ان لم نضع ذلك اللون ضمن، او بجانب لون مخالف له، بحيث تظهر جاذبية وخصوصية كل لون وطرف وما يمثله من تميز وانفراد.
ولو نظرنا الى كل ما انجزه العالم في السنوات المائة الماضية في اي مجال انساني لوجدنا انه كان نتيجة تلاقح حضارات وافكار مجموعات من البشر المنتمين لاكثر من دين وثقافة. وبالتالي نحن بحاجة ماسة الى مؤتمرات حوار لا تهدف لتذويب الفوارق بين عقليات المشاركين فيها، فهذا اضافة إلى انه سوف لن يتحقق مطلقا، فإنه ضار لكل تقدم، بل مؤتمرات تسعى لقبول الآخر والعيش معه كما هو وتقبيله وشم رائحته ومصافحته والتعامل معه ورفع الحواجز من امامه واحترام عقيدته والاستفادة من تجاربه والاعتياد عليه كما هو، فهكذا يكون الحوار وليس بالمشاركة في المؤتمرات والانصات للممل من الخطب الطويلة والاستغراق في النوم خلالها ومن ثم توديع الجميع بعضهم لبعض على امل اللقاء مرة سابعة وعاشرة والف مرة لترداد الكلمات والجمل نفسها والاستمرار في مغالبة النعاس بالاكثار من التثاؤب.

ملاحظة: انسجاما مع فكرة هذا المقال، نتقدم بأجمل التهاني والتبريكات لجميع محبي السلام بعيد ميلاد رسول المحبة والسلام.

أحمد الصراف