احمد الصراف

مال ومال ومال

انتشرت على الإنترنت القصة الطريفة التالية:
استطاعت سيّدة فقيرة اختراق طوق الحراسة على أحد وجهاء المنطقة في منتجع شهير. وعندما حاول الحرس إبعادها أمرهم بتركها، فحكت له قصتها وكيف مات زوجها في إحدى حروب المنطقة الأخيرة، وما أكثرها، وأن لديها عشرة أطفال ولا تعرف كيف تقيم أودهم، وأنها صرفت كل ما لديها لتصل اليه وتقص عليه مأساتها. رق لها قلب الوجيه وخاطبها قائلا: إنه سيساعدها، ولكنه عادة لا يحمل مالا معه، وسيرسله لها إن أعطت سكرتيره عنوانها.
لإعطاء الموضوع زخما إعلاميا، طالما اشتهر به الوجيه الثري قام بإرسال شيك بمبلغ 100.000 دولار لرئيس السلطة التي تنتمي لها المرأة، راجيا منه توصيلها لها على عنوانها.
وهنا استدعى الرئيس وزير داخليته، وسلمه خمسين ألف دولار واسم وعنوان السيدة، وطلب منه توصيلها لها مع رسالة رقيقة منه، وأن يخبرها بأن المبلغ هدية من الوجيه المعروف. خرج الوزير واستدعى المحافظ لمكتبه وسأله إن كان سمع بقصة المرأة التي اخترقت الحصار الأمني حول الوجيه، وعندما أجاب بنعم سلمه 25 ألف دولار واسم وعنوان السيدة وطلب منه إيصال المبلغ لها.
اتصل المحافظ بمدير الأمن وقال له هل تذكر السيدة … الخ، واستدعاه لمكتبه وسلمه مبلغ عشرة آلاف دولار وطلب منه توصيل المبلغ، فقام هذا بدوره بالاتصال برئيس الحي وقال له: أتذكر قصة السيدة … الخ، خذ مبلغ الخمسة آلاف وسلمه لها. رئيس الحي استدعى عريفا وأرسله للسيدة ليقول لها إن الوجيه يسلم عليها ويقول: الله يسهّل أمورك!
ذكرتني هذه القصة بتصريح عمرو موسى الذي قال فيه إن المساعدات التي أقرتها القمة سوف لن تسلم لحماس بل ستصرف مباشرة على المشاريع التنموية التي ستقوم بها شركات تابعة للدول المانحة!! وعلىالرغم من وضوح الاتهام لحماس بعدم الأمانة، فإن أحدا من قادتها لم يستطع فتح فمه محتجا!! فالمبلغ أكبر من ان يغامر به بتصريح سخيف!!
كما ذكرتني الطرفة بقصة وردت في مذكرات كيرمت روزفلت، أحد رجال المخابرات الأميركية في طهران إبان حكم والد الشاه السابق. حيث قال إنه قام بزيارة الشاه رضا خان وأبدى امتعاض حكومته للطريقة التي تتصرف بها الحكومة الإيرانية، بما يردها من مساعدات مالية من أميركا. وأن أيا من المشاريع الضخمة التي مولتها حكومته لم تنته بالشكل المطلوب. وهنا نظر الشاه بخبث لرجل المخابرات وقال له «إن مساعداتكم لنا تشبه قالب الثلج المستطيل الذي نعرفه في بلادنا. فأنت تعطيني القالب فأعطيه لرئيس وزرائي ليعطيه لوزير المالية ليسلمه لمدير الخزانة، وما أن يصل لمدير المشروع حتى يكون نصفه قد ذاب!! ولو حاولت معرفة أين ذهب الفرق بين المبلغ الذي سلمتني إياه وما وصل إلى المشروع لما كان ذلك سهلا، فحرارة الأيدي التي تناقلت قالب الثلج، هي التي أذابت نصفه ولا يمكن أن تحاسب شخصا ما على حرارة جسمه الطبيعية!!».
أما قصة المال الثالثة والأخيرة فتتعلق بي شخصيا، فقد عملت في أول وآخر وظيفة في حياتي في منتصف الستينات من… القرن الماضي في أحد المصارف. بسبب راتبي الجيد وقلة مصروف جيبي، تجمع لدي خلال ثلاث سنوات مبلغ لا بأس به، ولعدم حاجتي الى المبلغ قمت بالمضاربة به في سوق المناخ. ومنذ ذلك اليوم وأسعار الأسهم وتقلبات السوق جزء من روتين حياتي اليومي، أينما كنت. وفجأة، وبعد أربعين عاما من المتابعة اليومية المستمرة، توقفت كليا منذ شهرين تقريبا عن الاهتمام بأسعار الإقفال اليومية، فالفرق بين تكلفة ما لدي وبين أسعار اليوم كبير، إلى درجة لا تستحق المتابعة، فما كان ثمنه دينارين وأصبح 38 فلسا يحتاج الى وقت طويل ليعود الى ما كان عليه، هذا إذا عاد إلى الارتفاع، وإن حصل المستحيل فسيصلني الخبر بطريقة أو بأخرى، وإلى ذلك الحين وداعا أيتها البورصة الحبيبة، ووداعا للون الأخضر، ووداعا للحد الأعلى، ووداعا للمنح والأرباح النقدية…وأهلا بالراحة والسفر، وأهلا ب «الدولتشي فيتا»، أو الحياة الحلوة، وليذهب المكشرون إلى حيث ألقت أم عمرو رحالها!!

أحمد الصراف

احمد الصراف

في الكويت فقط

هذا المقال مستوحى من مقال سبق أن كتبه مجهول على مدونة في الإنترنت، ويتكلم عن دولة محددة ليس من الصعب معرفتها مع نهاية المقال.
في الكويت المجتمع مخطوف من قوى متخلفة تفعل به ما تشاء، ووصلت قدراتها، منفردة، إلى إسقاط وزارة، ويقولون دولة ديموقراطية. في الكويت هناك «دستة» مفتين يقررون عنك كيف تتكلم وتفكر وتأكل. ودستة أخرى من نواب ملتحين يقررون لك ما يريدون منك القيام به. وثالثة بلحى أكبر يقررون عنك كيف تلبس وأي مسواك تشتري، وكيف تسير في الأسواق، وماذا تفعل في الجزر، بل ولهم الحق في إجبارك على دخول الجنة على رغم أنفك وأنف من خلفوك. فهؤلاء جميعا أدرى منكم ومن سادتك بما هو صالح لك.
في الكويت كان مسموحا لنا القهقهة وقت نشاء، ثم أفتى أحدهم بأنها ممجوجة، أما الضحك فلا مانع. ثم جاء آخرون وأفتوا أن حتى الضحك ليس من الدين، وأن الابتسامة، أو حتى الإيماء بها يكفي. والآن لم يكتفوا بمنع حتى الابتسامة، بل طلبوا منا أن نتجهّم، فهو من الدين، أما الفرح فهو من الشياطين.
في الكويت أنت محاصر وعملك معطل وتستحق البهدلة والجرجرة والانتظار وتحمّل الخسارة، إلى أن تستعين بالقبيلة، أو تطلب من عزوتك العائلية أن تقوم بالاتصالات اللازمة لتنهي معاملتك، أو تجر معك شخصا رفيع المستوى من مذهبك لكي يمرر معاملتك، ولا ننسى الرشى التي أصبحت أكثر من علنية، والطريق الأسهل من كل ذلك هو أن تنتمي لحزب ديني وتنتهي معاملتك و….معاناتك.
في الكويت فقط تستطيع أن تكون منتميا لحزب سياسي ديني من دون أن تكون منتميا حقا. فما عليك غير وضع ما يتطلبه الانتساب لحدس أو السلف أو الجمعية وبقية فلولها، من ديكورات قوامها لحية ودشداشة قصيرة وغترة، يحبذ من غير عقال، وخاتم تركواز، ولا مانع من حمل سبحة طويلة لكي تمر معاملاتك من إخوتك في الحزب في دوائر الدولة ومصالحها.
في الكويت لا تستطيع أن تختار التعليم الخاص لأبنائك، ولو دفعت آلاف الدنانير رسوما، من دون أن تتدخل الدولة بصورة مباشرة في ما يحق لهم تعلمه.
في الكويت تصبح مواطنا صالحا ومحبوبا، وخوش ريال، متى ما تخليت عن التفكير والنقاش في ما لا يخصك، وعن أي طموح، وباختصار إن أوقفت عقلك عن العمل، حتى الهين منه.
في الكويت يتناقص المبدعون كل يوم. فالتشكيلي لا يعمل لأنه يصنع تماثيل كافرة، والرسام يرسم صورة حية نافرة، والممثل يقلد أصواتا مستنكرة، والمطرب يصدر أنغاما نكرة، والموسيقي كل وضعه بهدله.
أما مؤلفو القصص والروايات فلهم الحياة الآخرة!!
في الكويت أصبح مظهرنا العام متماثلا، وكأننا صين ماو تسي تونغ. فقد أصبح بعضنا كل يوم أقرب إلى بعضٍ شكلا ومنظرا ولبسا وتصرفا. وكل ذلك يتم خوفا من ذلك الرقيب الذي أصبح بيننا من دون إذن ولا دستور.
في الكويت لا تكون كويتيا إن لم تكن مصابا بالسكر أو ضغط الدم وزيادة الكولسترول وأمراض القلب الأخرى وعسر البول، وسلاسته بعد أزمة البورصة الأخيرة.
في الكويت أصبحنا نقترب أكثر وأكثر من الدولة الدينية الخالصة والماسخة التي يصبح فيها كل شيء حراماً، وكل شيء يتطلب فتوى.
في الكويت أصبحنا أقرب كل يوم إلى السجن الكبير، وخصوصاً الشباب والشابات، فلا أماكن لهو ولا ترفيه غير السير في المولات والبحلقة في وجوه الآخرين وإطلاق الحسرات، والأشواق تقطّع قلب كل شاب وفتاة.
في الكويت لا يوجد أي نوع من الاتفاق على ماهية «عاداتنا وتقاليدنا» بالضبط، ولكن الكل يطالب بالتمسك بها بالرغم من هلاميتها وعدم وضوحها وتغيرها الدائم.
في الكويت فقط يمكن أن تكون مذيعا ومقدم برامج تلفزيونية، ومدرسا في معهد ديني، وكاتبا صحفيا بأجر، وممثلا، وكاتب سير تاريخية وسيناريوهات برامج تلفزيونية، ومفتيا، في وقت واحد، وكل ذلك ولم يمض على حصولك على الجنسية فترة طويلة!!
في الكويت فقط يقبل السلفي أن تبيع شركاته كل أنواع الموبقات والمحظورات، من وجهة نظره، في الخارج، ولكنه يعارض طريقة تنفسك إن لم تكن دينية.
الكويت الوحيدة في العالم التي نبّشت عن محاكم التفتيش الإسبانية وتريد تطبيقها على الجميع بموجب مفهومها الخاص، والحكومة شبه لاهية.
الكويت الأرفع صوتا في مطالبة الدول الأخرى، أوروبية وأميركية، بالسماح ببناء مساجد فيها، ولكنها تمنع على بعض رعاياها وسكانها بناء مساجد فيها.
الكويت صاحبة أكبر عدد من أسماء الشوارع التي لا يعرف أحد شيئا عن أصحابها.
وفي الكويت توجد أعلى نسبة في العالم من الزاهدين في تولي المنصب الوزاري.
ونتوقف هنا.. فالقائمة طويلة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

أعداؤنا: إسرائيل وإيران وأميركا

سأل أحدهم صبيا أعرابيا اشتهر بذكائه ان كان على استعداد لبيع عقله مقابل ألف درهم، فهز الصبي رأسه رافضا العرض بالرغم من كبر المبلغ، وصغر عمره النسبي، وعندما سئل عن السبب قال: أخاف أن تذهب قلة عقلي بالألف درهم ..فأبقى بلا عقل ولا دراهم!
ضاع نصف فلسطين في حرب 1948 بسبب تشرذم قيادات الجيوش العربية، وتخلف أنظمتنا الادارية والعسكرية والاقتصادية، وانتشار الأمية والفقر والمرض بين شعوبنا! وعندما ضاع النصف الآخر من فلسطين، ومعه كل سيناء وهضبة الجولان وأراض أخرى، كانت الهزيمة للأسباب ذاتها. وعندما التحمت جيوشنا وفدائيونا ومقاتلونا معهم للمرة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة كانت الهزيمة من نصيبنا بسبب تشرذم قيادات الجيوش العربية، وتخلف أنظمتنا الادارية والعسكرية والاقتصادية، وانتشار الأمية والفقر والمرض بين شعوبنا(!)
يقول البعض أن عدوتنا الحقيقية هي ايران، قبل أن تكون اسرائيل! ويؤيد الكثيرون هذا الرأي ويشتهونه أكثر! ويرى غيرهم، ومنهم قادة القاعدة، أن أميركا هي أس البلاء والعدو الأكبر الذي تجب مواجهته وقتاله. ولكن قلة منبوذة فقط ترى أن العدو الحقيقي كامن فينا، فالعامل المشترك في خسارتنا لكل حروبنا مع اسرائيل كان دائما تخلفنا وباقي أمراضنا الاجتماعية، ولا تزال هذه الأسباب باقية، وستبقى مصدر هزيمة لنا في كل معركة داخلية أو خارجية نخوضها، الى أن ننتبه إلى حالنا وننهض من هذا السبات العميق الذي سيقضي علينا لا محالة. فبغير التعليم المميز والنهوض الاقتصادي لا يمكن أن نحرك شعرة في اسرائيل وكيانها العسكري، ولن نحصد غير المزيد من الخسائر في الأرواح والمزيد من المعاقين والمزيد من الفقر والخراب والتدمير والأمراض والتشريد والتهجير!
لنلقي المثالين التاليين عما نعنيه بالتخلف:
الكويت كمثال، تعتبر نفسها دولة متصدية بقوة «للعدو الصهيوني»، على الأقل ماليا، ولكن مع هذا فان حكومتها وشعبها، وبعد 75 عاما أو أكثر من التعليم الرسمي المنتظم وأكثر من مائة وخمسين عاما من الاحتكاك المباشر والمستمر بكل حضارات العالم، قبلوا طائعين بأن يسيروا ضد مسيرة التاريخ، وأن يعاد بهم إلى ثقافة الصحراء! ففي آخر حفل تكريم للطلبة والطالبات المتفوقين، الذين يفترض أنهم يمثلون «كريمدولاكريم» المدارس، وجدنا أن جيلا كاملا تربى على رفض الذكور فيه السلام باليد على الإناث، ورفض الإناث القيام بالأمر ذاته، ولكن لأسباب مختلفة!
ولو ذهبنا إلى المثال الآخر لوجدنا أن حركة طالبان منعت، ابان حكمها، تعليم الفتيات في المدارس، وأغلقتها وحولتها إلى مستودعات أعلاف وخشخاش! وعندما دحرتها قوات التحالف عن كابول وبعض المدن الكبرى، استمرت في اتباع السياسة نفسها في مناطق نفوذها وأرسلت أعوانها إلى المناطق الأخرى لمنع تدريس الفتيات عن طريق تشويه وجوه البعض منهن بمياه النار! أما طالبان باكستان فقد قامت أخيرا بتفجير مباني 200 مدرسة للاناث في مقاطعة «سيرات» وحدها لمنع الحكومة قسرا من توفير التعليم للفتيات!
وهناك عشرات الدول العربية والاسلامية الأخرى التي إما تشارك الكويت في نظرتها أو حركة طالبان في مواقفها، وهناك نواب في البرلمان الكويتي لا يزالون «يتشرفون» بتمثيلهم للحركة في الكويت. فاذا كنا، في غالبيتنا، لا نزال مجتمعا ينظر نصفه بشك كبير إلى نصفه الآخر، ويتجنب حتى النظر إلى وجهه، ويعتقد أن الحرام والرذيلة والنجاسة تكمن في الآخر، وأن المرأة لا تستحق حتى أدنى درجات التعليم، لكونها جالبة للمضرة والمفسدة، فكيف يمكن أن ننتصر على اسرائيل ومن بعدها، أو قبلها على ايران ،وأثناءها على أميركا، ونحن بمثل هذا الهوان والتفرق والتخلف؟
•••
ملاحظة:‍ أرسل إلي الصديق ناصر الكندري صورا لمدينة «هيروشيما» قبل سقوط القنبلة النووية عليها ،وبعد الدمار ،وصورتها الآن! ولا يمكن طبعا اجراء اي مقارنة بين الصور الثلاث لكبر وعظم الفارق بينها، ولا يمكن تصديق ان الصور الثلاث لمدينة واحدة! وهنا سألت نفسي عما سيكون عليه حالنا واوضاعنا لو كنا نحن _لا اليابانيون-ضحية تلك القنبلة، ولم يتواجد النفط في دولنا النفطية الحالية التي تزيد على العشر؟ مجرد سؤال خال من البراءة، وأترك الجواب لخيالكم الخصب!

أحمد الصراف
[email protected]

احمد الصراف

معركة الحضارات والقيم

{أن نكون طائفة مؤمنة ترفع راية الجهاد لا يعني أن غيرنا عكس ذلك. كما لا يعطينا ذلك الحقَّ في أن نرمي أنفسنا في التهلكة لمجرد أن موتانا… شهداء}
* * *
يعتقد الكثير من مؤيدي حماس وحدس والسلف أن جميع الأمور الخلافية ومشاكل الحدود، وحتى قضايا الوجود، لا يمكن أن تحل بغير البندقية والسيف، فهكذا فعل السلف وهكذا نجحوا، فما الذي يمنع من تكرار التجربة لألف مرة؟! وينطلقون في تصوراتهم هذه من منطلقات دينية لا تضع كبير اعتبارٍ لأمور استجدت على الساحة الدولية، كمجلس الأمن وتخطيط الحدود والمواثيق الدولية وحسابات الربح والخسارة في الميادين العسكرية، وغلق الحدود والأجواء، والمقاطعة بأشكالها كافة، وغير ذلك الكثير. فأن نكون على حق والنصوص الدينية تدعم حقنا لا يعطي {قادتنا} {كارت بلانش} للزج بنا في المعارك والوقائع والحروب من دون إجراء حسابات دقيقة تبرر قراراتهم! فهل استُشير غزّاوي واحد، مثلا، في قرار عدم تجديد الهدنة واستفزاز إسرائيل بصواريخ لا طائل من ورائها، لكي ندفع جميعا هذا الثمن الباهظ في الأرواح والممتلكات؟ لقد سئم الجميع تصريحات هؤلاء الزعماء، بعد انتهاء كل معركة، بأنهم لم يتوقعوا كل ذلك العنف في ردّ {عدوهم}، أو أن الخسائر في الأرواح وأعداد المصابين والدمار المادي كانت خارج تصورهم، وإننا بعد كل ذلك من المنتصرين! وبهذه المناسبة أتذكر تصريحا لأحد كبار مسؤولي الحكومة الكويتية في المنفى لمحطة {بي بي سي} أثناء الاحتلال العراقي، قال فيه إنه يريد استرداد الكويت، ولو كانت أرضا محروقة! فهذا الكلام لا معنى له، فالأرض لا تساوي شيئا من غير مَن عليها!
ظاهرتان في الصراع الدائر بين الفلسطينيين، ومن خلفهم العرب من جهة، وإسرائيل، ومن ورائها بعض الغرب، من جهة أخرى، لا يعترف بهما إلا قلة، وهما أننا انهزمنا شر هزيمة في كل معركة وميدان تواجهنا فيهما مع إسرائيل، وأن هذه الأخيرة بالتالي في وضع أفضل منا بكثير في {كل شيء}، أكرر {كل شيء}! ومن بإمكانه دحض هاتين الظاهرتين الأقرب إلى الحقيقة فعليه ألا يتردد، فالنفس عطشى إلى المعرفة.
ولعكس هذه المعادلة أو على الأقل تضييق الهوة بين الجانبين، يجب أولا التوقف عن إلقاء كل كسلنا وتخلفنا وقلة إنتاجيتنا على إسرائيل، فقد ولّى ذلك الوقت الذي كانت فيه هذه الدولة قميص عثمان لكل متعطش إلى السلطة مستميت على التكسب من السياسة، وأصبح البعض، لا الشعوب، أكثر إدراكا ووعيا من قبل. فبغير النهضة العلمية والثقافية والفكرية الشاملة في عدد من دولنا، إن لم يكن كلها، لا يمكن أن تعود إلى الشعب الفلسطيني حقوقه، وحتى لو استرد أرضه بالقوة، فإن الجهل سيضيعها مرة أخرى، كما حصل في أكثر من موقعة ومعركة. إذن المعركة بين الفلسطيني والإسرائيلي هي معركة حضارة وتقدم وتميز، وليست معركة مدفع هاون ورشاش ودبابة وصواريخ محلية الصنع وسيوف وخناجر!
في دراسة نشرت على الإنترنت، وذكر أن واضعها مصرفي كبير من ماليزيا، وردت الأرقام التالية عن يهود العالم الذين يبلغ عددهم 14 مليونا، يعيش نصفهم في اميركا، و5 ملايين في إسرائيل، ومليونان في اوروبا، حيث يقول الباحث إن عدد المسلمين يكاد يبلغ مائة ضعف عدد اليهود، لكن تفوُّق هؤلاء واضح في كل ميدان. ويقول إن سبب ذلك يعود إلى أن غالبية صانعي ومحركي تاريخ البشرية الحديث من أمثال آينشتاين وسيغموند فرويد وكارل ماركس وبول ساميولسون وميلتون فريدمان، وواضعي حجر أساس الطب الحديث من أمثال بنجامين روبن (التطعيم) وجونز سالك (تطعيم الشلل) وجرترود إليون (دواء سرطان الدم) وبول اهرليش (علاج مرض السفلس) وإيلي ميتشانيكوف، وغيرهم من كبار الأطباء ومكتشفي الأمصال والأدوية التي أنقذت أرواح مئات الملايين في العالم أجمع، هم يهود. وورد في الدراسة أن من أصل 14 مليون يهودي فاز 108 بجوائز نوبل، في الوقت الذي لم يفز فيه المسلمون إلا بثلاث جوائز، إحداها للسلام(!).
أما في عالم الاختراعات التي غيّرت وجه التاريخ فإن هناك ستانلي ميزو مكتشف الميكروشيب، وليو زيلاند مكتشف مفاعل الطرد النووي، وبيتر شولتز مخترع ألياف الفايبر أوبتك، وغيرهم من مكتشفي ومطوري إشارات المرور والستانلس ستيل والصوت في الأفلام السينمائية وسماعة الهاتف وآلة التسجيل بالشريط، ومؤسس شركة ملابس البولو والكوكاكولا، وملابس الجينز وسلسلة الستارباكس، وغوغل ودل وأوراكل، وأزياء دونا كارون، وباسكن روبن وغيرها الكثير، هم من اليهود. كما أن هناك العديد من السياسيين من أمثال هنري كيسنجر، ومديري جامعات عالمية مرموقة، وأصحاب دور نشر، ومالكي صحف ومجلات ذات تأثير كبير، وغيرهم العشرات في أكثر من مجال مؤثر، هم من اليهود.
ويتساءل المصرفي عن السبب في تقدمهم على الرغم من قلّتهم، وتأخرنا على الرغم من عددنا الهائل؟ ويجيب بأن ذلك يكمن في فقدنا القدرة على صنع المعرفة! ففي الدول الإسلامية الـ57 كافة 500 جامعة فقط، وهو عدد تافه عندما نعلم أن في الهند 8407 جامعات، وفي الولايات المتحدة 5758 جامعة(!). كما أن أيا من جامعات الدول الإسلامية ليست ضمن قائمة الخمسمائة الأولى في العالم. وإن نسبة التعليم في الغرب أكثر من 90%، ونسبة الأمية في الدول الإسلامية تزيد على 40% في المتوسط. وتصبح المقارنات أكثر إيلاما عندما نرى نسبة ما لدينا من فنيين وأطباء ومهندسين، مقارنة بما لدى غيرنا.
وعلى الرغم من أن الشعب الفلسطيني من أكثر الشعوب العربية تعلّماً، وعلى الرغم من الثروات الهائلة التي جنتها دول الخليج من بيع نفطها، فإن الطرفين، دع عنك البقية، فشلا في تحقيق أي إنجاز علمي، ولو كان متواضعا!
ولكن كيف يمكن الفلسطيني المشرد بملايينه السبعة بين الضفة وغزة والأردن ولبنان وسوريا ودول الخليج والشتات الأوروبي والأميركي أن يصل إلى المستوى العلمي والتعليمي والثقافي الذي وصل إليه اليهود في العالم، ومكّنهم في نهاية المطاف من خلق دولة إسرائيل؟
الجواب بسيط بقدر ما هو صعب: أن تحذو القيادة الفلسطينية (!) حذو الآباء المؤسسين للحركة الصهيونية العالمية. فاليهود، قبل تأسيس دولتهم في فلسطين، كانوا يعيشون في الشتات، كما هو حال الفلسطينيين منذ 60 عاما. وبالتالي القضية الفلسطينية بحاجة إلى هرتزل فلسطيني لا إلى قيادي حماسي، وبحاجة إلى بن غوريون فلسطيني لا إلى منظمة فتح، وبحاجة إلى قيادة موحدة ذات رؤية واضحة، وبحاجة إلى صندوق فلسطيني خال من العيوب والثقوب، والأهم من ذلك أن يضع الفلسطيني {فلسطينيته} قبل أي أمر آخر. فما قضى على القضية في مقتل هو تفرق رجالها وتعدد انتماءاتهم العقائدية، بمشاربها كافة، التي كانت دائما وأبدا توضع في مرتبة أعلى من القضية نفسها! 

أحمد الصراف

احمد الصراف

معركة الإنترنت مع التخلف والجهل

يقول «رزكار عقراوي» مؤسس موقع «حوار» الإلكتروني «..إن الإعلام الإلكتروني يقف في طليعة القوى التي تخوض معركة الدفاع عن الحريات والديموقراطية وحقوق الإنسان في مواجهة الحكومات والأنظمة المستبدة والقمعية..»!!
والإنترنت، لمن لا يعرفه، يشبه المحيط بالنسبة للقاطن في الصحراء أو الساكن على قمم الجبال، يسمع به ولكن لا يعرف مقدار اتساعه وعمقه وما به من مكنون الدرر، والثروات الهائلة والمعلومات القيمة التي تأتيك بلمسة إصبع وبعد طرفة عين!
على الرغم مما يمثله الإنترنت من رافد معلوماتي مهم وخطير، فإن الصحافي التقليدي، الذي اعتاد على الكتابة مستعينا بفكره وذاكرته، والانكباب على تحرير الصحيفة يوميا في أوقات محددة والذي طالما استهواه التمتع برائحة أحبار الطباعة، والتلذذ بملمس ورق الصحيفة وشكلها، لا يود عادة، أو يحبّذ الحديث عن الإنترنت أو ما يرد على فضائه الرحب من معلومات، ربما لعجز هذه الجهات، حتى الآن، وربما لضيق الوقت وازدحام المواد، عن الإحاطة بعالم الإنترنت بشكل كاف!! فما كان يبث مثلا على الإنترنت، طوال سنوات، عن هفوات الرئيس السابق جورج دبليو بوش، جعلت منه ضيفا شبه دائم على الكثير من برامج {التوك شو}، الفكاهية بالذات، وهذا جعله، حقا أو باطلا، الرئيس الأقل شعبية في تاريخ اميركا! ولكن غياب الإنترنت عن سابقيه لم يكشف حقيقة شخصياتهم، أو يجعلها في متناول يد وبصر مليار مستخدم للإنترنت في يومنا هذا، وهو رقم مخيف بالمقاييس كافة، علما بأن لا أحد يمتلك طرف حق ملكية هذه الوسيلة الإعلامية والتواصلية السريعة، أو منع ما يبث عليها بشكل كامل ومطلق، وكل ذلك من دون مقابل يذكر!
كما يحتوي الإنترنت على كم هائل من المواضيع الجنسية والسياسية والدينية التي لا تحتمل أي وسيلة إعلام، مرئية أو مقروءة ، تحمّل تبعات نشرها، سواء من الناحية الاجتماعية أو الأمنية أو الأخلاقية، والكثير منها يحتوي على معلومات علمية جنسية بالغة الأهمية، ولكن لا يمكن نشر نصوصها بأي وسيلة غير الإنترنت، لخصوصية الموضوع ولحساسية بعض أجزائه!!
وقد انتشرت على الإنترنت قبل أيام المحادثة الهاتفية التي أجراها الأمير فيصل بن فهد بالتلفزيون السعودي، ومقدم برنامج رياضي معروف وأسمعه وضيوفه كلاما لا يمكن أن ينشر لما تضمنه من هجوم مقذع واتهام بقلة الأدب والجهل وانعدام التربية وأنه {سيربي} مقدم البرنامج وضيوفه لأنهم تعرضوا بالانتقاد لطريقة لعب فريق كرة القدم السعودي في إحدى المباريات أخيرا!!
وفي الإنترنت يوجد الموقع التالي www.q8y2b.com/atlas/world.shtml
والذي يمكن عن طريقه الاطلاع على ما تشاء عن أي دولة في العالم تود زيارتها، وكل ذلك بمجرد الضغط على عدة أزرار. أما موقع www.newseum.org / فإنه يتيح لك فرصة الاطلاع على صحف العالم كافة وبمئات اللغات لحظة صدورها، وأيضا بالضغط على بضعة أزرار!!
وهناك مواقع ثقافية عديدة تتيح لمتصفّحيها الاطلاع على كم هائل من المقالات والتعليقات كموقع العربية. نت، و {إيلاف} وموقع شفاف الشرق الأوسط، المميز والمتعدد اللغات، وموقع www.aafaq.org / وموقع www.ahewar.org / وجميعها مواقع ثرية ويساهم في الكتابة فيها، مجانا، عشرات المبدعين والمستنيرين العرب، وغيرهم، من أنحاء العالم كافة ،وما يقومون بطرحه ومناقشته من قضايا لا يمكن التطرق إليها بحرية في صحافة غالبية دول الشرق السعيد.

أحمد الصراف

احمد الصراف

تاريخ لجنة الأسلمة

في مقابلة تلفزيونية طريفة أجراها التلفزيون قبل سنوات مع السيد خالد المذكور، رئيس «اللجنة الاستشارية العليا للعمل على أسلمة القوانين وتطبيق الشريعة الإسلامية»، ذكر بأن اسم «لجنته» يتكون من عشر كلمات، وهذا يجعلها الأطول «تسمية» في الكويت، ويبدو أن طول الاسم جعلها طويلة العمر أيضا، فقد تأسست بتاريخ 2 ــ 12 ــ 1991، وعلى الرغم من مرور أكثر من 6000 يوم عمل عليها وعلى الرغم ايضا من عشرات ملايين الدنانير التي صرفت على رجالها وأعمالها! فإن شيئا مجديا، أو حتى نصف مجد، لم يتمخض عنه جبلها البيروقراطي الكبير الذي بنته حول نفسها.
تحتل اللجنة في منطقة مشرف أرضا كبيرة جدا، وقد أقيم عليها قبل سنوات مبنى فخم زادت تكاليفه على الخمسة ملايين. ويدير اللجنة منذ 18 عاما، من دون توقف أو كلل أو ملل، وفي مخالفة صريحة لقانون الخدمة المدنية، ان السيد خالد المذكور، وهو رجل دين عمل في الإفتاء والتدريس في كلية دينية في جامعة الكويت منذ عقود، قبل أن يتفرغ لرئاسة هذه اللجنة «طويلة العمر». ولم يمنع هذا التفرغ السيد المذكور من المشاركة في الكثير من اللجان «الشرعية الاستشارية» لعدد من المصارف والمؤسسات المالية، التي اكتشفنا فجأة إسلامية عملها، وبعد 1400 عام فقط من بدء الدعوة!! ويتقاضى السيد المذكور مقابل كل هذه الأعمال والمهام، وهذا من حقه، أجورا مجزية، ولكن اعتراضنا ينصب على استفراده بإدارة اللجنة العليا كل هذا الوقت من دون نتيجة حقيقية، وما يشكله وجوده في أكثر من لجنة استشارية لمؤسسات مالية ذات مصالح مالية متضاربة من شكوك في مدى حيادية عمل هذه اللجان «الشرعية» أصلا.
يعاون السيد المذكور في إدارة اللجنة الاستشارية العليا أعضاء آخرون عددهم ستة منهم عميد جامعة وكاتب صحفي يتكرر اسمه في الكثير من المؤسسات الإسلامية، وبعض المستشارين. وعلى الرغم من أن اللجنة العليا لم تتوصل بعد 6000 يوم عمل الى أي شيء يستحق الإشادة غير دراسات مضحكة عن تصوراتها لحل مشكلة المناخ(!) وكيفية القضاء على ظاهرة الأطباق اللاقطة للقنوات التلفزيونية(!!) وبعض الدراسات السطحية الأخرى التي وجدت طريقها لأدراج النسيان بسهولة، ولاشيء غير ذلك، فان أيا من أعضائها لم يتساءل يوما عن مدى حقه في قبض كل تلك الرواتب والمكافآت مقابل القيام بــ «لاشيء»! علما بأن عمل اللجنة ربما يكون أساسا مخالفا لبعض نصوص الدستور التي تحدد الكيفية التي تتم بها إعادة النظر في أي قانون، وليس بينها حتما قناة تأسيس لجنة استشارية عليا تستمر في عملها إلى الأبد لتحقيق لا شيء.
لقد سبق أن تطرقنا في أكثر من مقال لأعمال هذه اللجنة، ولا نزال نعتقد بأن جهودها أصبحت شبه منحصرة في الدفاع عن وجودها وتلميع صورتها عن طريق العلاقات العامة وشراء رضا المسؤولين عنها من أجل التغاضي عن وجودها غير المجدي لكي تستمر استفادة إدارتها اليومية من المزايا المالية والمعنوية التي تحصل عليها، فمعروف أن طاقمها الفني لا يعمل شيئا وعمله محصور ببعض القراءات وكتابة المذكرات التي لا يطلع عليها أي طرف. أما الطاقم الإداري فإن عمل غالبيته ينحصر في الحضور في التاسعة صباحا والمغادرة بعد أداء صلاة الظهر! وقد حاولت على مدى أسبوعين الاتصال بأي موظف كان في اللجنة عن طريق رقم البدالة 25376912 بعد الساعة 30 ــ 12 ظهرا من دون فائدة، فإذا كان موظف البدالة لا يداوم فما بالك بالآخرين؟ والغريب أن لجنة العلاقات العامة المناطة بها مهمة تلميع صورة اللجنة لدى من له علاقة ومن لا علاقة له لا من بعيد ولا من قريب بعملها، بعد دعوتهم لزيارة مبناها للإطلاع على «لا» منجزاتها، ومن ثم توديعها بمثل ما استقبلت به من ود وترحاب مع هدية قيمة يتجاوز ثمنها المئات، وهو ما سبق أن كتبنا عنه، لم يتبرع أحد فيها بنفي أو التعليق على ما ورد من اتهامات في مقال سابق والتي بقيت منذ ذلك اليوم معلقة على رؤوس من يعمل في اللجنة ومن ينتمي اليها!
إن مجلس الوزراء، وفي ظل جفاف السيولة التي تعانيها خزانة الدولة مطالب بإعادة النظر في هذه الهياكل الإدارية غير المنتجة، والتي لا يتوقع منها أن تنتج شيئا لأن وجودها برمته مخالف لدستور البلاد ولدور مجلس الأمة في التشريع وتعديل القوانين وتطويرها، سواء في هذا الاتجاه أو في غيره، وليس في الاتجاه الأوحد الذي توحي به تسمية اللجنة.
كما أن أصحاب الضمير في ما يشبه مجلس إدارة اللجنة، وما أكثرهم، مطالبون برفض ما يصرف لهم من مكافآت منذ سنوات من دون مقابل غير الحضور.

أحمد الصراف

احمد الصراف

يوم ضاعت الأخلاق

ورد في «القبس» الجمعة الماضية، على لسان الزميل احمد العنزي، ان اتحاد طلبة ومتدربي الهيئة العامة للتعليم التطبيقي، الذي يناهز عدد الطلبة فيه الاربعين الفا، عقد جمعية عمومية، بحضور خمسين طالبا وطالبة من اتجاه معين، لمناقشة تعديل لائحة النظام الاساسي، والمقترح من رئيس الاتحاد عبدالعزيز المطيري، الذي تضمن تعديلات خطيرة يمكن ان تؤثر في مسيرة الاتحاد الى الابد، ولمصلحة اتجاه ديني محدد، إن وافق عليها مدير الهيئة، ولم يكن مستغربا ان التعديل حصل على موافقة الحضور، والزميل العنزي لم يتطرق الى هذه الامور السياسية وكانت تغطيته سطحية وباهتة.
وعلى الرغم من رعاية «نخبة الطلبة» للاجتماع بحضور ممثلين عن عمادة النشاط والرعاية الطلابية له وكاتب الخبر، فان اياً من هؤلاء لم يعترض، او يستنكر، الطريقة البدائية والمتخلفة التي تم بها الاجتماع بفصل الذكور «المفترسين» عن الاناث «الطرائد»، بسواتر من القماش الابيض، علماً بأن غالبية الطالبات كن «منقبات، والبقية محجبات، وتغطي العباءات السوداء اجسادهن جميعا»!!
لسنا هنا في معرض مناقشة قانون منع الاختلاط، الذي يمكن القفز فوقه بسهولة بسبب عبثيته الواضحة، فمن الواضح ان الطلاب «الذكور» مجبرون على الذهاب للجانب الآخر من الساتر القماشي لتوزيع النشرات والاوراق على الطالبات والتحدث معهن، كما كان الجميع يجلس امام منصة تحتلها مجموعة من الطلاب الذكور، وعند انتهاء الاجتماع خرج الجميع من باب واحد، فكان صعبا منع تلاقي العيون وتلامس الاكتاف، ولكن من الواضح ان طرفا ما كان يخاف من وجود الطرف الآخر، وكأن قطعة القماش تلك ستمنع تعرض احدهم للافتراس من الآخر!!
ولو علمنا أن المجموعات المشاركة في الانشطة الطلابية هم عادة ما يكونون الانشط نقابيا وسياسيا بعد تخرجهم، لكان لنا تصور ما سيكون عليه مستقبل الكويت البشري والانساني، على ضوء نظرة «النجاسة» التي ينظر بها طرف للطرف الآخر، وما يعتقده بخطورته على خلقه وعقله وتصرفه، بحيث يتطلب الامر ليس فقط تغطيته بحجاب مانع، بل وبوضعه خلف حجاب حاجز!!
من ينظر الى الصورة التي التقطت للطلاب على اليمين والطالبات على اليسار والقماش الابيض يفصل بينهم، ومن دون العلم بحيثيات قانون منع الاختلاط سيشعر بمدى تناقضنا، وكم نحن «هيبوكرت»، ومراؤون ومتلونون في مواقفنا وتصرفاتنا!! فكيف يمكن ان تمنع قطعة قماش طرفا ما من التفكير في ما هو موجود على طرفه الآخر؟ وكيف يمكن ان نربي جيلا سليم العقل ونحن نحرص على زرع «غريزة» الخوف فيه من الطرف الآخر؟ ولماذا تختفي هذه المحظورات بمجرد خروج الطالب نفسه او الطالبة من شرنقة الكويت الى رحاب العالم الكبير، ويبدأ الاختلاط في المطار والطائرة وشوارع الدول التي تم السفر اليها وفي وسائل نقلها الجماعية ومطاعمها ودور لهوها وتجمعاتها؟
كيف يمكن ان نصدق ان وجود الفتى والفتاة في الكويت بالذات في قاعة محاضرة او ندوة او قاعة عامة يؤدي لارتكاب المحرمات، ووجودها مع الغريب في الطائرة والمركبة والمطعم مع آخرين لا يمتون لها بصلة حلال ومسموح به؟ لماذا تصبح المحظورات حلالا مع الغريب، وحراما مع القريب؟
آلاف الاسئلة التي يمكن طرحها، والتي لن نستمع لاجابة واحدة عنها، لان السلطة الممثلة بالحكومة راضية عن مسار التخلف الذي نحن فيه سائرون من دون حساب لما سينتج عن كل ذلك من مخاطر نفسية وجنسية.
وفي محاولة لنقل تطبيقات قانون منع الاختلاط من الجامعة ومدرجات وصالات المعاهد التطبيقية، الى الشارع العام، قام عدد من نواب التخلف والانحدار بالاحتجاج لدى ادارة الجامعة على قيام «رابطة العلوم الادارية» وهي من روابط الجامعات القليلة التي بقيت لسنوات ثلاث خارج سيطرة السلف والاخوان المستحوذين على كل نشاط، كما قام هؤلاء النواب بالاحتجاج على قيام الرابطة باقامة نشاط اجتماعي تمثل في يوم مفتوح لطلاب وطالبات العلوم الادارية واسرهم في.. ساحة العلم، وعلى بعد اكثر من 10 كيلومترات من اقرب مبنى جامعي! وقد شكلت التربية والتعليم العالي لجنة للتحقيق في «جريمة» اختلاط طلاب وطالبات كلية العلوم الادارية بعضهم بالبعض ومع امهاتهم وآبائهم، ويقال ان رئاسة لجنة التحقيق منحت لمدرس في كلية الشريعة (!!)، ولكم تصور نتيجة التحقيق في ظل مثل هذا النوع من اللجان «المحايدة»!
نعم لقد بدأ الضياع يوم ضاعت الهيبة وفتح المجال لتلاعب جهلة بنا يمنة ويسرة وكأن لا عقل لنا ولا ضمير ولا احساس بمسؤوليتنا كآباء وأمهات!

أحمد الصراف

احمد الصراف

نقاط طنوس السبع

انا “ادمون طنوس” فلسطيني، ولست بمواطن، فلا وطن لي. قضيت حياتي في مدينة البيرة بالضفة الغربية، ولم اغادرها قط. عشت النكبة طفلا وعاصرت الاضرابات والتظاهرات والقتل والتشريد والتشرذم شابا، وذقت، على الرغم من خلفيتي العائلية والمالية الرفيعة، كل صنوف الذل والتشرد رجلا، وكان العذاب النفسي والعقلي رفيقي طوال سنوات حياتي، وكل ذلك لانني اخترت ان اكون فلسطينيا، وان ابقى قريبا من الارض التي ولدت عليها واحببتها، متواجدا ضمن عائلتي ووسط بياراتي وزيتوناتي لأستمر ملتصقا بالارض التي امتصت انفاس ابي وتساقط عليها عرق جدي وضمت رفات من كان قبلهم من اهلي.
والآن دعوني احدد بعض الامور، او المسلمات التالية، التي تبدو كحقائق، بالنسبة إليّ:
اولا: ليس هناك من بامكانه انتزاع حقي في ان يكون لي، او لاحفادي، يوما ما، وطن سيد حر مستقل فيما يسمى الآن ب‍”ارتز” اسرائيل والضفة والقطاع، مهما طال الزمن.
ثانيا: هذا الحق لا يمكن ان يظهر للوجود بالسرعة المناسبة طالما كانت البندقية الفلسطينية تنتقل من كتف لآخر، وطالما تقاسم “الابوات”، وتقاتلوا على من له الحق التحدث نيابة عني.
ثالثا: صراعي مع اسرائيل صراع ثقافي وجغرافي وسياسي، ويجب ان يستمر هكذا، ولا يجب ان يختزل بكونه صراعا دينيا، فهذا سوف يطيل الصراع الى الابد، ولن ينتهي الا بفناء احد طرفيه، وهذا ما لا يمكن السماح بحدوثه، انسانيا وسياسيا، على الاقل في المدى المنظور.
رابعا: طلب العون من الدول العربية عبث لا طائل منه، فهذه الدول اعجز من ان تساعد نفسها، فكم المشاكل الاقتصادية والامنية والسكانية وغيرها الكثير التي تواجه كل دولة منها يجعلها اعجز من ان يكون بامكانها تقديم العون لغيرها، غير فتح الحناجر ورفع القنادر.
خامسا: لا يمكن لاي طرف ان ينكر علي انا المسيحي ابن الناصرة ويافا وحيفا وبيت لحم، ان ينكر على فلسطينيتي، او يقلل من تضحياتي طوال اكثر من سبعين عاما من النضال المستمر.
فكما كنت مرافقا للمسيح يوم ولد، ويوم صلب ويوم بعث، فانني سأبقى ابن هذا الوطن الذي على ترابه سار المصلوب ومئات غيره من العمالقة الافذاذ.
سادسا: ليس من السهل اقناع اي عاقل بالتنازل عن حريته في الحركة والقول والتصرف والتفكير مقابل كومة حجر او جواز او ارض وطن، فالوطن، اي وطن، لا يساوي شيئا في ظل القمع والظلم والقهر. ومن العبث القبول باستبدال قمع اسرائيل العسكري بقمع ديني اسلامي متشدد متوقع في حال سيطرت “حماس” على القرار الفلسطيني! فمنطلقات حماس في رفض اسرائيل لا تختلف كثيرا عن منطلقاتها في رفضي، انا المسيحي وغيري من اليساريين وحتى المسلمين غير المتدينين، وبالتالي لا يمكن ان نصبح مواطنين كاملي الحقوق تحت حكم حماس او غيرها من الحركات الدينية المتطرفة.
سابعا، واخيرا: يجب الفصل بشكل تام بين حماس، كحركة دينية عسكرية تؤمن بفناء دولة اسرائيل، وبين بقية ممثلي القضية الفلسطينية الذين يطالبون بحق العودة وحق التعويض حق تقرير المصير والحق في وطن حر مستقل وايضا.. وحق اسرائيل في الوجود.
ومن هذا المنطلق أكاد اجزم بان ما يحدث في غزة الآن من قتل وتشريد لا يمكن ان يقبله صاحب الضمير الحي، ولكن الامر قد يكون على خلاف ذلك عند التابعين والمؤمنين بايديولوجية حماس الدينية، فمن خطط ومن نفذ احداث الحادي عشر من سبتمبر في اميركا، التي كادت ان تودي بحياة الرئيس الاميركي ونائبه، وتنجح في نسف البيت الابيض والكابيتول والبنتاغون، كانوا على علم تام بأن رد فعل اميركا كان سيكون مرعبا لو نجحت الخطة كاملة، ومع هذا لم يثنهم سيناريو رد الفعل عن القيام بما نووا عليه من تدمير لكل من مراكز النبض في اميركا، سياسيا وتشريعا وماليا من دون خوف او وجل بسبب الهوس الديني الذي سيطر، ولا يزال، على عقولهم وتفكيرهم المهترئ، من هذا المنطلق يمكن القول ان قادة حماس لم ولن تثنيهم مصائب غزة وقتلاها وجرحاها والخسائر المادية الهائلة عن السعي في تنفيذ خطتهم الى النهاية الدموية المتوقعة، فباعتقاد اولئك القادة ان الجنة مآل القتلى، وان النصر آت لا ريب فيه، ولو نتج عنه فناء نصف الفلسطينيين.
وعليه، انا الفلسطيني المسيحي، وواحد من شريحة كبيرة من الشعب الفلسطيني، التي تتضمن مختلف الاطياف الدينية والعقائدية السياسية، ارفض توجهات حماس وتطلعاتها بقدر ما ارفض وحشية اسرائيل وافعالها، وما سينال الفلسطينيين من اذى وقمع وهوان، لو انتصرت حماس وحكمت وتحكمت في رقابنا، سوف لن يقل، باعتقادي، عما ينالنا الان، في ظل الاحتلال الاسرائيلي من قمع وهوان، ان لم يكن اكثر.
اكتب وانا اعرف باني لست منظرا ولا اكاديميا مطلعا ولا سياسيا محنكا او خطيبا مفوها، فما انا الا فلسطيني عادي لا يريد غير وطن مع كرامة وانتماء مع امن وهوية مع مستقبل، ولا شيء غير ذلك، ولكن الاحقاد التي تملأ النفوس والافكار المتطرفة التي عششت في العقول والايديولوجيات التي غزت النفوس جعلت من التوصل لحل عادل ومقبول ومنطقي امرا غاية في الصعوبة، خاصة ان لا جهة تمتلك منفردة حق التحدث باسم جميع الفلسطينيين.. حتى الآن!
***
ملاحظة: “ادمون طنوس” شخصية وهمية لا وجود لها.

أحمد الصراف

احمد الصراف

عذرا أيها الهايف

يقول المثل المصري: “الرصاصة اللي ما تصيبش.. تدوش”!
* * *
مرت قبل أيام حادثه خطيرة ولكنها لم تنل التغطية الإعلامية الكافية، وكانت “القبس” من الجهات القليلة التي تطرقت إلى الموضوع. فبعد أيام من قيام البذالي، وجماعة الشر المثالي، بالإعلان عن تأسيس جماعة الأمر بالمعروف، واستدعاء النيابة له للتحقيق، ومن ثم الإفراج عنه بكل رضا وحنان، قام شاب متحمس دينيا بالتصدي لمجموعة من الفتيات أمام “المعهد التجاري”، ما غيره، وتعدى بالقول على غير المتحجبات منهن، وهددهن بالضرب بالخيزرانة، أو العصا التي كان يحملها وإتلاف سيارات السافرات منهن إن بقين على “عريهن”، من وجهة نظره! وعندما تم استدعاء رجال الأمن فر الشاب بسيارته لا يلوي، او يلوي على شيء بعد أن بلغ رسالته بوضوح تام، فلا شك ان غير المحجبات من الطالبات سيفكرن كثيرا قبل القدوم إلى لمدرسة في اليوم التالي وهن غير محجبات، وقلة فقط ستقبل التحدي والتصدي، وهنا تحقق المثل المصري: “الرصاصة إللي ما تصيبش… تدوش”!
تكرار هذه الأفعال الإجرامية من هؤلاء الجناة وتكرار عمليات القبض عليهم وإطلاق سراحهم، بعد اخذ تعهدات خطية منهم بعدم العودة إلى ارتكاب الفعل، وتدخل النواب للتوسط لهم، حلقة جهنمية ندور فيها منذ سنوات وكأن ليست لها نهاية، فهناك دائما شاب جديد متحمس، وهناك دائما نائب منتخب جديد، وهناك دائما وزير داخلية جديد على استعداد لنسيان أو تجاهل أحداث الماضي والبدء من جديد وقبول الاسترحام وتصديق مقولة “إنها احداث فردية” وقبول نظرية “انها ظاهرة معزولة”، وان مرتكبي هذه “الأفعال” ما هم إلا شباب طائش، وان اليوم الذي سيعقلون فيه آت آت لا محالة!
نقول ان تكرار وقوع مثل هذه التعديات غير الأخلاقية والمتعارضة بشدة مع كل النصوص الدستورية والإنسانية تعني أن السلطة، أو الحكومة، راضية بما يجري، وقد تكون المحرضة في أحيان كثيرة عليها، وليس بالضرورة بصورة مباشرة.
فالإخفاقات المتتالية منذ اكثر من اربعين عاما في مجال الحريات بشكل خاص، وحقوق الانسان بشكل عام، ليست وليدة المصادفة، بل يبدو وكأن الأمر مخطط له من جهات متنفذة ترى ان من مصلحتها ابقاء الدفق الديني المتطرف بكامل زخمه، وعدم عرقلته إلا بما يوحي بوجود سلطة ما، ومن ثم السماح له بمعاودة النشاط بالقوة نفسها. فالأحزاب الدينية، المعارضة التاريخية والصلبة للمواثيق الدولية المتعلقة بــ”حقوق الإنسان”، كانت تنام في أحضان السلطة منذ تواجدت في البلاد قبل 60 عاما تقريبا على يد عصبة من الاخوان المسلمين المصريين!
وقبول السلطة السياسية ذاتها بوقوع مناهج المدارس الحكومية تحت رحمة كبار موظفي الوزارة من المنتمين للأحزاب الدينية ليس وليد الساعة واليوم، بل هو وضع ساد في الخمسة والثلاثين عاما الماضية من دون انقطاع، ولم تكن الفترة التي تسلم ــ فيها المرحوم ــ احمد الربعي أمور وزارة التربية ذات أهمية، بسبب الحصانة التي كان كبار موظفي “المقررات” يتمتعون بها، هذا مع الافتراض انه كان يرغب في إحداث تغيير ما في المناهج! كما ان اختفاء مظاهر الفرح، من موسيقى ورقص فتيات لا تتجاوز أعمار أكبرهن عشر سنوات، من حفلات المدارس بصورة مفاجئة لم يكن وليد المصادفة، بل تم برضا السلطة وهي في تمام وعيها وكامل رضاها.
وهجمة الشخصيات والبرامج الدينية على وسائل الإعلام الرسمية واكتساحها غالبية ساعات البثين الإذاعي والتلفزيوني لم يحدثا بفعل ساحر او فرد، بل بقبول تام ممن كان الأمر، ولا يزال، في أيديهم.
وقبول السلطة السياسية بأن ينتهك النائب والمواطن المحتمي بالنائب، ابسط مظاهر الدولة الحديثة ورموزها المتمثلة بعلم البلاد والسلام الوطني والمناسبات الوطنية، لم يكن من فعل مجهول أو حدثا معزولا، بل كان عن سابق تصور وتصميم من هؤلاء وبمساندة خفية من الحكومة.
والقبول بجر الحياة المدنية، بعد أكثر من 250 عاما من التطور الطبيعي لأعراف الصحراء، بكل ما يمثله ذلك من تخلف، كل ذلك ما هو إلا دليل على قبول السلطة بهذا الانجرار، فتأسيس هيئة دائمة للنظر في اسلمة القوانين ــ وهو ما يتعارض مع الدستور نصا وروحــا ــ لم يكن بضغط نيابي او خارجي، بل بوحي من السلطة الحكومية وبرضاها ومباركتها التامة.
إن هذا يشي ويوحي ويؤكد أن هناك من يرغب في وأد الحياة المدنية والقضاء على براعم الحضارة التي بدأت بالتفتح قبل سنوات، لكي يخلو لها الجو لتفعل ما تريد.
* * *
ملاحظة: عنوان المقال لا يقصد به شخص أو طرف محدد، بل التسمية رمزية وعامة وتخص كل متكسب بالدين.

أحمد الصراف

احمد الصراف

حب ومال (من الإنترنت)

حب: عاد الرجل يوما من عمله متعبا ومتضايقا من امر ما ليجد ابنه البالغ ٥ سنوات ينتظره. سأل الصبي والده: هل لي ان اسألك؟ فقال الاب تفضل، فقال الابن: كم تكسب في الساعة الواحدة؟ فتضايق الاب من سؤال ابنه، وقال له: هذا ليس من اختصاصك، لماذا تسأل مثل هذه الأسئلة الشخصية؟ فقال الصبي بصوت منخفض: انني اسأل فقط، ارجوك يا ابي ان تخبرني، كم تكسب في الساعة الواحدة؟ فقال الاب، وقد بدا عليه نفاد الصبر، ان كان لا بد ان تعرف فإنني اكسب ٥٠ دولارا في الساعة الواحدة! فغر الصبي فاهه متعجبا وقال لابيه: هل يمكن ان تقرضني ٢٥ دولارا يا ابي؟ وهنا شعر الرجل بأن صبره قد نفد بالفعل فنهر ابنه قائلا: اذا كنت تريد من سؤالك معرفة ما اكسب فقط لكي تنتهز الفرصة، وتقترض مني لتشتري لعبة سخيفة او اشياء اخرى تافهة، فأنت اناني وانا لا احبك، وعليك الذهاب فورا الى غرفتك، فأنا لا اعمل بكل هذا الجهد لارضاء الطفولي من رغباتك غير ذات المعنى!
أحنى الصغير رأسه مصدوما، وتوجه الى غرفته بخطى متثاقلة، والحزن باد عليه واغلق الباب خلفه. بعد لحظات جلس والده يفكر في تصرف ابنه، وشعر بغضب اكثر لقلة ادب ابنه وانه لم يوفق في تربيته بشكل سليم، فما دخله بما اكسب في الساعة؟ وماذا يريد شراءه من سخيف الامور بالمبلغ الكبير الذي طلبه؟ ولكن بعد ساعة عاد الهدوء إلى نفسه واخذ يلوم نفسه لتصرفه الغاضب من ابنه، فلا بد ان الصبي كان في باله شيء مهم ليقدم على ذلك التصرف الاحمق، خصوصا انه لم يكن عادة يطلب المال منه بل من امه، وهنا قرر الذهاب الى غرفته لمراضاته والاطمئنان عليه.
جلس على طرف سرير ابنه وقال له: كنت افكر بك، لقد كنت قاسيا في ردي، فقد كنت مرهقا جدا من العمل عندما كلمتني، وهذا هو مبلغ ٢٥ دولارا الذي طلبته. فاعتدل الطفل في جلسته وتهللت اساريره وشكر والده معانقا، وقفز من فراشه وذهب الى درج في خزانة ملابسه وفتحه واخرج كومة من العملات المعدنية والورقية، التي ما ان رآها والده حتى شعر بغضب شديد يجتاحه، وهو يرى ابنه يعد النقود، وقال له بصوت عال: كيف تطلب مني مالا ولديك الكثير منه؟ فقال الطفل بفرح لم يكن يتسق والشرر الخارج من عيني ابيه: نعم يا ابي، لدي الكثير من المال، ولكن الآن املك ما يكفي منه. اصبح لدي الآن ٥٠ دولارا! فهل بإمكاني شراء ساعة من وقتك، وان تأتي غدا مبكرا، فأنا اتمنى تناول طعام العشاء معك، وهذه هي الخمسين دولارا ثمن ساعة من وقتك!
هنا شعر الاب بألم العتاب يعتصر قلبه، فقام من فوره واحاط ابنه بذراعيه وعانقه بحب شديد وهو يشهق بدموعه وطلب مغفرته(!).
إن هذه القصة ما هي الا تذكرة لنا جميعا، نحن الذين نعمل بجد كل يوم، لكي لا يتسرب الوقت من بين اصابعنا من دون ان نشعر، وننسى ان نمضي، ولو بعض الوقت مع من يعنون لنا الكثير. فلو متنا اليوم فإن الشركة التي نعمل لها او فيها، سوف تستبدل غيابنا بآخر في وقت قصير، وسيستمر العالم في دورانه، وسينسانا الجميع، الا الأهل والاصدقاء الذين تتركهم خلفك، فهؤلاء فقط سيشعرون بقيمتك وقدرك بما تبقى في حياتهم.

❊❊❊
مال: كان الخريف يوشك على بلوغ نهايته عندما توجهت مجموعة من مواطني اميركا الاصليين من الهنود الحمر الى رئيسهم ليستفسروا منه عن الشتاء المقبل ودرجة برودته، وحيث انه كان زعيما قبليا هنديا ويعيش في مجتمع عصري، فإنه لم يستطع اعطاء اتباعه اجابة غير دقيقة، فطلب منهم، من باب الحيطة والحذر، التزود بكم كاف من خشب التدفئة، لأن فصل الشتاء المقبل سيكون باردا.
وليكون الرئيس واثقا مما قاله لرجاله قام بعدها بأيام بالاتصال بالخدمة الوطنية للاحوال الجوية، لسؤالهم عن توقعاتهم عن طقس الشتاء المقبل، فقيل له أنه سيكون باردا حقا وهنا ذهب الرئيس واخبر اتباعه بأن الشتاء سيكون اكثر برودة مما كان يتصور وبأن عليهم الاستعداد له بخشب تدفئة اكثر.
عاود الرئيس الاتصال بعد اسبوع بمركز خدمة الاحوال الجوية وطرح السؤال نفسه فقيل له بأن فصل الشتاء المقبل سيكون باردا جدا، وأكثر مما كان متوقعا، فقام من فوره بالطلب من اتباعه بتخزين كميات اكبر من خشب التدفئة، ولو تطلب الامر جمع كل ما هو موجود منه في السوق. بعد اسبوعين اتصل مرة ثالثة بالخدمة وطرح السؤال نفسه وعندما اخبره المسؤول بأن الشتاء سيكون قاسيا بشكل غير طبيعي هذا العام، سأله عن سبب كل هذه الثقة، ولا يزال الشتاء بعيدا فقال له المسؤول: انا على يقين تام بأن الشتاء المقبل سيكون شديد البرودة الى درجة كبيرة فقد شاهدت بعيني كيف يجمع سكان البلاد الاصليين من الهنود الحمر الخشب من كل مكان بشكل جنوني! وهكذا عادة ما تعمل آلية البيع والشراء في السوق عند التكالب على سهم معين من دون سبب منطقي!

أحمد الصراف