احمد الصراف

ابن النداف.. ورئيس ناسداك السابق!

بلغ الناتج العالمي عام 2008 ما مقداره 71 الف مليار دولار، حصة اميركا منها 15 الف مليار، والكويت 120 مليارا ولبنان 50 مليارا، اما اكثر الدول تواضعا في الناتج القومي، فهي كليبريا والكموروس، فان ناتجهما لم يزد على المليار ونصف المليار، ولو قارنا الناتج الاميركي باللبناني لوجدنا انه يبلغ 300 ضعف ولو طبقنا النسبة والتناسب على ما تسبب فيه المواطن اللبناني صلاح عز الدين من خسارة فادحة لمن استثمروا اموالهم معه، مقارنة بالخسارة التاريخية التي تسبب فيها الاميركي مادوف لمستثمريه، التي جاوزت الخمسين مليار دولار، لوجدنا ان خسارة مادوف لا تعني شيئا مقارنة بخسارة الحاج صلاح!! علما بأن مادوف كان رئيسا لفترة طويلة لاكبر بورصة في العالم، اما صلاح فقد عمل «ندافا» ثم ترك مهنة اسرته، بعد ان عرف ان الربح يكمن في استغلال البشر من خلال المتاجرة بالسياحة الدينية وطباعة الكتب المذهبية والبث التلفزيوني الديني، وكلها لا ترتبط بأي حقوق للآخرين، ومنها انطلق الحاج لعالم المال والاعمال، بعد ان كسب ثقة الناس بـ«آدميته» وتدينه واعماله الخيرة!
من الصعب جدا عدم ربط صلاح عز الدين بآلة أو كوادر «حزب الله»، فقد تناقلت الاوساط اللبنانية اسماء اكثر من قيادي بارز خسر اموالا طائلة معه، ويذكر ان حسين الحاج حسن النائب في البرلمان عن «حزب الله»، كان أول من تقدم بشكوى شيك من غير رصيد ضد الحاج صلاح وكرّت السبحة من بعده.
قصة الحاج صلاح ليست غريبة وليست جديدة، فقد تكررت آلاف المرات في كل دول العالم تقريبا، ولبنان ليس استثناء، فهؤلاء وغيرهم من كبار المحتالين، على دراية بكيفية استغلال عامل الطمع في النفس البشرية، ويبدو ان قلة فقط على استعداد للتساؤل عن الكيفية التي يمكن فيها لمستثمر مالي معروف، دع عنك متواضعي الكفاءة من اصحاب الوجوه السمحة، الاستمرار في تحقيق عوائد عالية سنة بعد اخرى.
المهم في الموضوع ان الحاج قدم لبيروت من بلدة معروب الواقعة في الجنوب اللبناني، وهي مدينة صغيرة سبق ان مررت بها اكثر من مرة وتشتهر بتعدد مآذنها ودور عبادتها وافتقارها للخدمات التعليمية والصحية، ولسوء حظ اهالي معروب، فإن اكثر ضحايا الحاج كانوا من «ضيعته» ومن «طورا» القريبة منها، التي تعتبر الاكثر فقرا بين قرى الجنوب.
كما خسر الكثير من اهالي العباسية مع الحاج ومعهم مستثمرون من قطر، وجامعي خمس من دول اخرى، فقد كان الحاج وهو لقبه المحبب، يحقق لهم احيانا عوائد تزيد على 60% سنويا، واحيانا شهريا، ومن استثماراته في المحروقات والحديد والالماس ربما المغطى‍ بالدم!!
إن قصة صلاح عز الدين ليست الاخيرة وستتكرر مرات ومرات، فالغالبية لا تتعلم من اخطاء غيرها، لانها بكل بساطة لا تقرأ، أو لا تكترث لما اصاب الآخرين، ولو علمنا ان مادوف حصل على حكم بــ 150 عاما في السجن، فما الحكم الذي سيحصل عليه من كانت خسارته 300 ضعف؟!

أحمد الصراف

احمد الصراف

خطاب ما قبل الموت

قبل أن أموت أتمنى أن أحقق حلم السفر بسفينة فضاء، او طائرة ذات قدرات خاصة، تنقلني في جولة حول منطقتنا لأراقب الناس وأشاهد افعالهم، وأدرس اتجاهاتهم عن قرب، وأتمعن في تصرفاتهم وسعيهم في البحث عن لقمة عيش وفرصة عمل وسقف يقيهم تقلبات الطقس، وان أحاول «فهم» ردود افعالهم تجاه الكثير من المواقف. فالفضول الشخصي، الذي لم يكن قط جزءا من شخصيتي، يدفعني الآن، وانا في الثلث الاخير من عمري، لان اعرف الناس اكثر عن كثب، فلماذا يتجه الكثيرون يسارا، بينما العالم يتجه يمينا، او العكس؟ ولماذا امتنا- مثلا- تنظر لكتفها الأيمن تارة والأيسر تارة، عدة مرات في اليوم، بينما العالم اجمع ينظر امامه وهو يدير اضخم الآلات ويحركها يمنة ويسرة ليخرج منها اعظم المنتجات وادق المحركات واكثر المنتجات فائدة؟! فما اراه عن بعد يدعو حقا للاسف والحسرة والالم الشديد في غالب الاحيان، فالاغلبية الساحقة من امتنا «المغيبة» مشغولة بممارسة «طقوسها» اليومية بعيدا عن كل ما له علاقة بالتقدم والعلم والتآخي وحب الغير.
اقول كل ذلك بمناسبة صدور تقرير الامم المتحدة عن التنمية البشرية في العالم العربي لعام 2009، حيث بيّن اننا المجموعة البشرية الوحيدة بين سكان الارض الذين تزداد ثرواتهم ونسبة المتعلمين بينهم، ويزداد في الوقت نفسه تخلفهم وجهلهم. كما اننا الكتلة البشرية الوحيدة التي يتحكم بمصيرها- منذ عقود- اكبر نسبة من الحكومات الدكتاتورية، ونُصرّ في الوقت نفسه على الدعاء بألا يغير الله علينا. ولو اعدنا قراءة تقارير الامم المتحدة السابقة لهذا التقرير لوجدنا، كما ساءت احوالنا وتناقصت حيلتنا في الخروج من مآزقنا، وان شيئا يجب يهزنا من الاعمال ليصحو الثلاثمائة مليون انسان من عميق سباتهم!
يقول التقرير ان اجهزة الدولة في 8 دول عربية من اصل 20 دولة تمارس مختلف الانتهاكات لحقوق البشر ولا تتردد في حجز المعارضين وتعذيبهم وحتى قتلهم، كما تحولت قوانين الطوارئ المؤقتة لدائمة، وهذا اتاح للحكومات فعل ما تشاء. وعلى الرغم من ان غالبية الدول العربية اعضاء في اتفاقيات حقوق الانسان، لكن غالبيتها- ان لم جميعها- لم تقم بتعديل تشريعاتها لتتلاءم مع تلك الاتفاقيات!
كما ان نصف لاجئي العالم البالغ 16 مليونا، هم من الدول العربية (وربما البقية من دول اسلامية!)، كما ان قضية الكثيرين منهم هي الأطول عهدا.
كما يفوق عدد النازحين داخل بلدانهم عدد اللاجئين، حيث يبلغ 10 ملايين تقريبا، في السودان والصومال والعراق ولبنان، واليمن.
وتطرق التقرير لوضع المرأة في الدول العربية وشدد على انتشار ظاهرة العنف ضدها، سواء الأُسري منه الذي يتمثل بالضرب والاغتصاب، والقتل في احيان كثيرة، او الاجتماعي المتمثل في تشويه الاعضاء التناسلية للمرأة واجبارها على الزواج والحمل المبكر والحرمان من التعليم.
وورد في التقرير ان عدد سكان الدول العربية سيبلغ 395 مليونا بعد 6 اعوام فقط، علما بأن نسبة البطالة في الدول العربية الآن تبلغ 5.14% مقارنة بــ 3.6% فقط كمعدل عالمي، وهذا يعني ان الدول العربية تحتاج بحلول عام 2020 الى توفير 51 مليون فرصة عمل جديدة، وهذا امر يصعب تحقيقه، ولنا ان نتصور تبعات ذلك اجتماعيا واقتصاديا.
وشدد التقرير ع‍لى ان النمو المتقلب دليل على ضعف الاقتصاد، كما هي حال دول مجلس التعاون النفطية ومعها الجزائر وليبيا والعراق.
وختم التقرير بمجموعة توصيات تتعلق بضرورة تسوية النزاعات وتعزيز حكم القانون وحماية البيئة وحماية الفئات الضعيفة واعادة توجيه الاقتصاد والقضاء على الجوع واصلاح الاوضاع الامنية واستقلالية القضاء.. وهذه جميعها على الرغم من اهميتها القصوى، لكنها لا تحظى بأي اهتمام في الغالبية الساحقة من الدول العربية، وهذا سيكون مضمون خطابي قبل فنائي!

أحمد الصراف

احمد الصراف

اجعل من قلبك مصنع قلوب

ما ان انتهى المحاضر من موضوع محاضرته عن «الاخلاقيات في مكان العمل» حتى وقف أحد الحضور ووجه التساؤل التالي للمحاضر: أعمل مديرا رئيسيا في إدارة مشتريات المواد في شركة كبيرة. وقد التحقت بعملي قبل 25 عاما كمهندس متدرب، وتدرجت في عملي واكتسبت خلال هذه الفترة خبرات جيدة داخل المؤسسة. في سنوات عملي الأولى، كانت الوظيفة تشكل تحديا كبيرا لي، وكنت أستمتع بعملي بشكل كبير، ولكن مع مرور الوقت تبخر ذلك الاستمتاع وأصبحت أشعر بالملل والضيق من عملي، فلا شيء جديد بعد أن أصبحت أعرف كل صغيرة وكبيرة في وظيفتي! ولكن مع هذا، انا اعيش في البيت نفسه منذ أكثر من 40 عاما، وأنا ما أزال ابن الأب نفسه لأربعين عاما، كما أنني، ومنذ خمس عشرة سنة، أب للأبناء أنفسهم، وزوج للسيدة نفسها لفترة مقاربة لذلك، ومع هذا فإنني في هذه الأدوار الشخصية لم أشعر قط بالملل، فيرجى أن تخبرني عن سبب شعوري بالملل من روتين حياتي في العمل، وليس من الروتين نفسه في البيت؟
جواب المحاضر كان مثيرا للانتباه ومقنعا في الوقت نفسه حيث قال: يرجى أن تخبرني لمن تطبخ أمك؟ فكان جواب المدير بأنها لا شك تطبخ للآخرين. فقال المحاضر، من الطبيعي أن تطبخ الأم للآخرين، فالأم «تخدم» الآخرين، وبسبب هذا الميل للخدمة فإنها لا تشعر بالملل والسأم مما تقوم به. ولكن في المكتب فإننا نحاول تقديم «عمل»، وليس «خدمة»، فالخدمة تجعل من يؤديها يشعر بالسعادة لما يعود عليه من رضا الآخرين عن أدائه أو خدمته، فكل خدمة نقدمها للآخرين لا يمكن أن تجعلنا نشعر بالسأم والملل، وهذا هو الفرق بين العمل والخدمة.
وهنا طلب المحاضر من الجميع اعتبار عمله خدمة وليس فقط واجبا مطلوب منهم أداؤه. وهذا تحليل سليم ومسلٍ إلى حد كبير، فعندما نضع عملنا ضمن اطار ومعنى أوسع ونعتبره خدمة فإننا سنشعر حتما بالرغبة في تقديم شيء من الداخل، هنا يصبح الموقف الذي نتخذه مهما، فإن كنا نعتقد بأننا نعمل لجهة ما فإننا سرعان ما سنشعر بالانزعاج، ولكن إن قمنا بأداء ما علينا القيام به كخدمة للآخرين، وأننا نحصل على عائد ما مقابل أداء تلك الخدمة، فهذا سوف يبعد الملل عنا حتما. وعلى اي حال فإن الحرية هي أن نقوم بأداء ما نحب، ولكن السعادة تكمن في أن نحب ما نقوم بأدائه. وتقول «ارونا لادفا»: اجعل من عقلك مصنع ثلج، واجعل من شفتيك مصنع حلويات، واصنع من قلبك مصنع قلوب، وبعدها ستشعر بالكثير من الرضا.
***
ملاحظة: مترجم بتصرف من رسالة صديقة هندية على الإنترنت.

أحمد الصراف

احمد الصراف

خدعة إثراء جديدة

صرح عادل الفلاح، وكيل الاوقاف (القبس 26/7) والاب الروحي لمشروع مركز ولجنة زرع وغرس وبث وتوزيع الوسطية في الكويت والعالم، بانه رفع مذكرة الى مجلس الوزراء لإنشاء «مركز وطني لتأهيل العمالة المنزلية». وقال ان المشروع من اعداد قطاع «الثقافة» في الاوقاف، وان آثاره الايجابية ستشمل 500 الف خادم من خلال ما سيقدم لهم من دورات تدريبية وورش عمل، تسهيلا لتعايشهم مع الاسر، بعد ان تزايدت مشاكلهم كما ونوعا ونتج عنها قضايا تحتاج الى رصد وتحليل وعلاج، ولما لهم من دور في تنشئة الاطفال والسلوك العام في المجتمع، خاصة ان الصحف تطفح يوميا بالكثير من الاحداث التي يكون طرفها احد الخدم.
وقال الفلاح ان هدف المشروع تهيئة هؤلاء الخدم للتكيف مع كفلائهم اجتماعيا، تربويا ونفسيا، وتعريفهم بقيم وعادات المجتمع الكويتي وابراز وسطية الاسلام! كما يهدف هذا المشروع غير المسبوق على مستوى العالم، والبشرية جمعاء، الى توعية نصف مليون عامل بالواجبات المنوطة بهم داخل الاسرة وتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم وفق قانون العمالة المنزلية الجديد، وتوعيتهم بالاجراءات المترتبة على «التملص» او الهرب (يا سلام!) وتحفيزهم على «التحقق بالوعي المتكامل» (وهذه انا لا اعرف ما تعني فكيف بخادمة سيلانية بسيطة لا تعرف غير لغتها، وبلهجة محددة؟) وترتيب انشطة هادفة لهم وتقديم هدايا مشجعة واشعارهم بالامان.
واقترح الوكيل انشاء ادارة مركزية للمشروع و6 مراكز تأهيل على 6 محافظات، على ان يتم تزويد كل مركز بصالة للكفلاء ومقهى وتلفزيون ومنشورات ومطويات بلغات متعددة واجهزة تصوير ووسائل سمعية وبصرية وتعليمية، ويدير كل مركز مدير يساعده 10 مدرسين وعاملا نظافة ومراسل وحارس امن وحافلتان و3 سكرتارية ومشرف اعلامي ومستشار نفسي، الى جانب انشاء مكتب استشاري علاجي للعمالة المنزلية، ووحدة خاصة للترجمات باللغات المختلفة ووحدة قاعدة بيانات، ونظام كمبيوتر يربط المراكز عن طريق برنامج كمبيوتر، ما يخرش الميه، مع اخصائي صياغة برامج التدريب والتدريس للمساهمة في معالجة القضايا الاجتماعية والنفسية والسلوكية المرتبطة بنصف مليون عامل. كما يتطلب المشروع انشاء مركز للقيام بالدراسات الميدانية، ومركز آخر للقيام بتقييم دوري لعمل هذا المشروع الوطني العبقري. كما ستكون هناك ورش عمل لتدريب 500 الف خادمة على فنون الاسعافات الاولية واستخدام الاجهزة المنزلية فضلا عن تعليمهم بعض مبادئ الايتيكيت (يا سلام، مرة ثانية)!
لا حاجة لكي اقسم بانني لو قرأت مسودة هذا المشروع باللغة الفرنسية في كتيب صادر عن الحكومة السويسرية لما صدقت ان بامكانها تحقيق نصف ما تضمنه من وعود، فكيف الحال، وحكومة اوقاف دولة الكويت الاكثر بعدا عن الايتيكيت وتدريب خدم المنازل على استخدام غسالة الصحون، هي التي ستتولى العملية، وبست لغات مختلفة!
الجانب الاعجازي الآخر في المشروع، حسب تصريح الوكيل لـ«القبس»، ان تكلفته على المال العام لن تزيد على 165 الف دينار (بس؟).
وهنا ايضا انا على استعداد لقص يدي اليمنى ان كان هذا صحيحا. فيا مجلس الوزراء عليكم بالحذر من هذا الامر، فعدد الاسئلة وعلامات الاستفهام على هذا المشروع يتجاوز الخمسة ملايين سؤال وعلامة!
فمجموع رواتب 20 موظفا فقط في المشروع لسنة واحدة كاف لالتهام ميزانية السنة الاولى. وواضح هنا ان السيد الوكيل يود تكرار سيناريو «مركز الوسطية» الذي التهم من المال العام عشرة ملايين دينار ولم يحقق غير مجموعة من الاصفار.

أحمد الصراف

احمد الصراف

يوم سقطت الحضارة العربية الإسلامية

نشر محمد عز الدين الصندوق، الاستاذ في جامعة سري SURRY البريطانية، دكتوراه في الفيزياء من جامعة مانشستر، ملخصا لدراسة بعنوان «السبق والتخلف الحضاري العربي». ولأهميتها وتعلقها بظروف العرب والمسلمين، فقد وجدت ان من المفيد تلخيصها، والتعليق عليها.
يقول الاستاذ الصندوق ان هناك تفسيرات كثيرة ومختلفة لظاهرة بروز الحضارات وتلاشيها، وان الامر يخضع لمنطق علمي وليس مجرد ظهور وزوال عشوائي. وان منطقتي الشرق الاوسط وشمال افريقيا شهدتا ظهور اقدم الحضارات وجميعها تركت بصماتها ورحلت، لتنتقل لشعوب اخرى. ويقول ان نمو الحضارات وتلاشيها يخضعان لقانون النمو والتلاشي الطبيعي نفسه، ويمكن بالتالي اجراء دراسة كمية لأي جانب حضاري واظهار تطوره وتلاشيه بعيدا عن المبالغات والتفسيرات الملتوية، وان تاريخ العرب، مثل غيرهم، عرف الكثير من الاحداث، فقد لعبوا دورا مهما في القرن السابع الميلادي، وكان الاسلام عاملا في ظهور حضارة المنطقة، التي يميل اغلب الباحثين لتسميتها بالحضارة العربية الاسلامية! ولأسباب خاصة به قرر القيام بدراسة علمية تعتمد على المنطق الرياضي لمعرفة سبب ظهور الحضارة العربية الاسلامية وتلاشيها بعيدا عن المبالغات الايديولوجية. ويقول انه بدأ بمتابعة النشاط العلمي لتلك الحضارة من القرن الثامن وحتى القرن التاسع عشر (700 ـــ 1800م) وقارنه بالنشاط العلمي الغربي، معتمدا على ظهور العلماء في الرياضيات والهندسة والطب والفلك والكيمياء والفيزياء خلال الفترة نفسها كمقياس للتطور العلمي في كل مرحلة. وقال ان تلك الفترة شهدت بداية الخلافة العباسية في بلاد ما بين النهرين والخلافة الاموية في الاندلس، والفاطمية في شمال افريقيا وحتى العصر العثماني في القرن الثامن. وذكر أنه على الرغم من ان هؤلاء العلماء كانوا من امم واديان مختلفة فانهم كانوا يعملون ويعيشون ضمن ثقافة موحدة. ومن واقع مؤشر رياضي تبين ان النمو الحضاري، العربي الاسلامي بدأ بصورة واضحة بحدود 700م واستمر حتى 1000م. فقد دخل العرب الاندلس عام 711، وتكونت الخلافة العباسية عام 750م، وبدأ وقتها الانفتاح الحضاري للعقيدة الاسلامية على الحضارات الاخرى وايمانها بحرية العقل وتقبل الآخر والبعد عن الصرامة والغلو، ولذا تمكن من لم يكن مسلما ولا عربيا من المشاركة في بناء الحضارة، كما هي الحال الآن في الغرب، حيث يشارك غير المسيحي وغير الغربي في بناء حضارتهم. وقال الباحث ان المجتمعات الاسلامية تقبلت في تلك الفترة الفلسفة اليونانية ذات الطابع الوثني. كما شهدت الفترة نفسها نشوء وتطور فكر المعتزلة وتأسيس دار الحكمة في بغداد سنة 830 م وجامعة قرطبة سنة 970 م وجامعة طليطلة ومن بعدها الزهراء في القاهرة، وكانت مرحلة مشابهة للنهضة الاوروبية التي تلتها بقرون، حيث كانت المجتمعات العربية الاسلامية اقرب للعلمانية المعروفة اليوم! ولكن مع القرن الحادي عشر بلغ النمو في عدد العلماء نهايته، وتبع ذلك الانحدار، الذي استمر لألف عام ولا يزال.
ويختتم الاستاذ الصندوق دراسته بالقول ان الابداع في جميع جوانب الحياة احد اهم مظاهر التطور الحضاري، ولكن لا ابداع من دون حرية، فهي الشرط الاساسي في قيام التطور الحضاري، وما انقراض الحضارة العربية الاسلامية (وكمثال تخلف كل الاوضاع الفكرية والفنية والادبية في الكويت بعد تخليها عن تسامحها) الا نتيجة لانعدام هذا الشرط. فأي غطاب ايديولوجي او اجتماعي مقيد للحرية الفكرية يكون بيئة جيدة لتخلف الدولة وتراجعها، حتى ولو افتخرت بتطور جانب ما في حياتها، فإن ذلك سيكون على حساب جوانب اخرى. وقال الصندوق ان النيزك الذي ادى لانقراض الحضارة العربية منذ اكثر من عشرة قرون ما زال فعالا ونشطا. وكما انقرضت الديناصورات الى الابد فيبدو ان هذه الحضارة لا امل في عودتها، واخطر النيازك هي التي تقيد التفكير الانساني الحر!!
نعود لافتتاحية «القبس» لنؤكد أنها لم تخرج عن مضمون هذه الدراسة القيمة.

أحمد الصراف
habibi. [email protected]

احمد الصراف

محطة مشرف ومفتش «الشؤون»

في صبيحة اليوم التالي لتوقف مضخات محطة مشرف عن العمل، متسببة في كارثة بيئية هي الاكبر في تاريخ الكويت، زار احد مفتشي «الشؤون» مخازننا وسلمنا 6 اخطارات عن مخالفات يجب تلافيها في المخازن، وتراوحت المخالفات بين ضرورة ازالة العوائق امام استخدام مخارج الطوارئ وضرورة وجود الاضاءة الكافية في المخازن، مرورا بوجوب اتباع طرق التخزين السليمة وعزل التمديدات الكهربائية وتزويد صندوق الاسعافات الاولية بمواد كافية ووجود تهوية كافية في دورات المياه!
وغني عن القول ان جميع هذه المخالفات تم تلافيها خلال ساعتين فقط، ولكن الغريب ان الحكومة نفسها التي ارسلت ذلك المفتش الى مخازننا للتأكد من وجود تهوية كافية في دورة مياه خاصة بالعمال، لم ترسل مفتشيها لاكبر محطة تجميع وضخ في الكويت سبق ان كلفت المال العام اكثر من خمسين مليون دينار، علما بأن وزارة الاشغال سبق ان استلمت المحطة رسميا من المقاول قبل 48 ساعة من خراب مضخاتها وتوقفها عن العمل!
ان المشكلة سيتم تلافيها في نهاية المطاف وستدفع الوزارة عشرات اخرى من الملايين لاصلاح الوضع والبيئة، ستدفع الثمن غاليا، فيما البشر سيدفعون ثمنا اغلى من صحتهم وسلامتهم البدنية والعقلية، وسينسى الجميع الموضوع بعد اشهر أو سنوات قليلة، ليتكرر وقوع ما يماثل المشكلة حجما أو يزيد عليها، وليتكرر سيناريو «عفا الله عما سلف»، فلا حساب ولا عقاب، بل تقرير باهت يلقي بالمسؤولية على فصيل متمرد في الصومال، وبالتالي لا اعرف سببا لوجود كل هذا الجيش من العاملين في الاجهزة الرقابية والمفتشين والمهندسين الذين تصرف الدولة عليهم الملايين كل عام من دون طائل!
كيف يمكن ان تتعطل محطة بمثل هذا التعقيد؟ واين ذهبت كل تحذيرات البيئة والجهات المعنية؟ ولماذا تعطلت اجهزة المحطة بعد 48 ساعة من استلام الوزارة لها؟ ولماذا لم يقدم حتى فراش في وزارة الاشغال استقالته من «منصبه»، وهذا اضعف الايمان، والحد الادنى الذي اعتادت تقاليدنا تقبله عند وقوع مثل هذه الكوارث؟
عشرات الاسئلة التي ستبقى من غير جواب، ونحن على ثقة بأن لا «صفر» ولا «رجب» ولا حتى «رمضان» بإمكانهم اخراج الزير من البير، أو انهم سيختلفون عن غيرهم في طريقة معالجة هذه الكارثة البيئية والاخلاقية والمالية الكبيرة.
في السياق نفسه، حذرت الجهات الاهلية المعنية بالبيئة، والتي سبق ان جف ريقها وهي تحذر من موقع محطة مشرف وخطرها على الصحة والبيئة، حذرت من الاختيار الكارثي لموقع مدينة جابر الاحمد، حيث ان المنطقة تعتبر ملاذا مهما وطبيعيا للكثير من الحيوانات والطيور المستوطنة والمهاجرة، كما ان انشاء 5000 وحدة سكنية عليها سيؤثر حتما على البيئة البحرية القريبة منها.
ان الحكومة مطالبة باعطاء الجهات الشعبية المهتمة بالبيئة بعضا من وقتها، فهؤلاء يستحقون على الاقل الاستماع لوجهات نظرهم وهي على اي حال غير ملزمة، وغير مكلفة.
***
ملاحظة: اهداني المهندس عبدالرحمن مضحي الشمري، كتاب «بيتك.. خطوة بخطوة» ولو كنت حصلت على ما يماثله قبل 35 عاما لكانت معاناتي مع البناء اقل بكثير، للتواصل مع واضع الكتاب يمكن الاتصال به على بريده الالكتروني [email protected] أو تصفح موقعه على الانترنت www.kw-eng.net
أحمد الصراف
habibi [email protected]

احمد الصراف

يوم سقط العقل

من المعروف ان غالبية المجتمعات المتقدمة والحضارات سقطت، عبر التاريخ، تحت ضغط قوى التعصب والتطرف الديني والعنصري، وهذه القوى لا تشبع أو تكتفي قبل تدمير كل ما يخالف معتقداتها وطريقة عيشها، حتى لو نتج عن ذلك خراب تام، ولو نظرنا الى ما قامت به بعض انظمة المنطقة من تقريب لقوى التخلف والتشدد الديني على حساب القوى والحركات السياسية المدنية الاخرى، لرأينا ان ذلك تم من خلال تشتيت اهتمامات الشعوب وتغييب عقول افرادها عن قضايا التقدم والحرية والمساواة، واشغالها بقضايا المثليين والنقاب والحجاب وطول اللحية وحف الشوارب والجن والغول وبول البعير وفضل استعمال المسواك ورضاع الكبر وجزيرة كبر وزيارة القبور وتفسير الاحلام والرقية والفئة الناجية والاخرى الكافرة وغيرها الكثير، والتي يكفي الانشغال بها للقضاء على اي امل بالتقدم والاخاء والمساواة مع بقية البشر والسير في طريق التقدم.
نكتب ذلك تعليقا على افتتاحية «القبس» الاخيرة، ومجمل التعليقات التي كتبت عنها، والتي شكلت بحد ذاتها دليلا على قوة الافتتاحية وصدقها وشفافيتها، كما بينت جميع الردود، بقصد من كتبها أو بغير ذلك، صدق ما ذكرته «القبس» من اننا اصبحنا قاب قوسين أو ادنى من الدولة الدينية، بعد ان نجحت قوى الردة والتخلف في الوصول الى اهم مفاصل اتخاذ القرار في الدولة والتحكم بها من خلال اتباعهم! ولو قامت جهة محايدة بوضع كشف بالانتماءات السياسية لشاغلي اهم الفي وظيفة ومنصب حكومي أو شبه حكومي أو مالي في الدولة لتبين لنا مدى تغلغل اتباع التيار الديني في مراكز اتخاذ القرار، ومن هنا كان مثيرا للشفقة ما ورد في افتتاحية صحيفة وفي بعض الردود الاخرى من ان غالبية وزراء الحكومات التي تم تشكيلها في السنوات الثلاث الماضية كانوا من المنتمين للتيار الليبرالي! وهذا ان صح قوله، وهو ليس بصحيح، فإنه لا يعني الكثير، فالعبرة لم تكن قط في حالتنا هذه بعدد وزراء تيار معين، بل ما بإمكان هؤلاء منفردين أو مجتمعين، الحصول عليه من مكاسب من «السلطة».
فالنفوذ الذي كان يتمتع به مثلا احمد باقر، المحسوب على التيار السلفي، عندما كان وزيرا في حكومات سابقة، لكي لا نتكلم عن الحكومة الحالية، لم يكن من الممكن مقارنته بوضع ونفوذ اي وزير آخر من التيار الليبرالي، هذا اذا صحت التسمية اصلا، في ظل سياسة اتخاذ القرار المتبعة في مجلس الوزراء، فالمرحوم احمد الربعي مثلا، والذي كان يوصف بالليبرالي(!) لم يكن بمقدوره وهو وزير للتربية والتعليم العالي، ومع كل ما كان يتمتع به من قدرات خاصة، تغيير مدير مناهج في وزارة التربية من دون موافقة مجلس الوزراء، وفي عهده «الليبرالي» الميمون مررت الحكومة قانون منع الاختلاط، كما اقرت اكثر القوانين المعارضة لحقوق الانسان والمقيدة للحريات من مطبوعات وتجنيس وتجمعات واحوال شخصية في وزارات «ليبرالية» عديدة ومجالس امة اكثر ليبرالية! وبالتالي فإن عدد النواب، أو الوزراء الليبراليين في اي حكومة ليس مقياسا على ليبراليتها، فوجود، ولو قلة من ممثلي السلف أو الاخوان في اي حكومة كفيل بادارة دفتها باتجاهات محددة، والامثلة اكثر من ان تحصى!
مؤسف ان الرمزية في افتتاحية «القبس»، والتي كانت جوهر رسالتها، لم تستوعبها الردود او تتنبه لها، فهدف الافتتاحية لم يكن حتما اعلان خروج «القبس» ومجلس ادارتها عن ثوب العقيدة، كما حاول اصحاب الردود الايحاء به والتركيز عليه من خلال سرد امثلة بائسة، بل هدفت، من ضمن امور عديدة اخرى للتحذير من استمرار احتفاظ احزاب السلف والاخوان بالكويت رهينة لديهم، وان الوقت قد آن لان تعود الدولة الى صبغتها المدنية وتخلع عنها ثوب الغلو والتعصب والتناحر الطائفي، وان تكون وطنا للجميع، وهذا لا يمكن ان يتم بغير عودة الكويت الى وضعها المدني السابق.
ويكفينا، للتدليل على ما سيصيب الكويت من شلل وتخلف، فوق ما هي عليه من شلل وتخلف، ان هي سقطت تماما في حضن قوى السلف والاخوان أو غيرهم، ان ننظر في حال ومآل الدول التي لجأت الى تطبيقات الشريعة، حسب تفسيراتها المغالية في تطرفها.

***
ملاحظة: كتب احد الذين قاموا بالرد على افتتاحية «القبس» مقالا قبل سبع سنوات ذكر فيه ان «السبخة» موقع منبسط خارج المدينة المنورة يصلح لاقلاع الطائرات وهبوطها لهذا انشئ فوقه مطار المدينة، وان هناك حديثا ان المسيح الدجال سيحاول دخول المدينة المنورة من منطقة السبخة وانه سيجد على بابها ملكين فيرجع من حيث اتى، وتوصل كاتب المقال من الحديث الى نتيجة ان المسيح الدجال، عند ظهوره، سيستخدم الطائرات لدخول المدينة!! ونص المقال موجود لدينا لمن يود الاطلاع عليه، المهم ان كاتب هذا المقال، وصاحب هذا الفكر المستنير، يشغل عدة مناصب تنفيذية واشرافية واستشارية داخل الكويت وخارجها، ولو لم يكن منتميا لحركة دينية معروفة لما وصل الى عشر ما وصل اليه، وهنا يكمن بؤس الدولة الدينية وخرابها وخطرها، تلك الدولة التي يحاول الكثيرون جرنا لها، وما حاولت الافتتاحية التحذير منه.. فهل سقط العقل من رؤوس البعض بحيث لم يستوعبوا مضمونها؟
أحمد الصراف
habibi [email protected]

احمد الصراف

نحن و«الداخلية» .. ومسلم!

1 – ورد في «القبس» بتاريخ 21/8 ان وزارة التجارة لاحظت اقبالا متزايدا في السنوات القليلة على مواد البطاقة التموينية. وقال مراقبون ان 50% من المواد المدعومة من المال العام يعاد بيعها فور تسلمها، وعلى ابواب منافذ الصرف ذاتها. ويعتقد البعض ان المسألة لا تقتصر على الافراد – خاصة من النساء المنقبات- الذين يقومون ببيع هذه المواد، بل ان وراءهم عصابات منظمة. وعلى الرغم من علم الوزارة بالامر ووجود عقوبات بالحبس تصل الى عشر سنوات لمرتكبي مثل هذه الجرائم، لكن احدا -ومنذ 30 عاما- لم يسجن ليوم واحد!

***
2 – حذّر وكيل عام مسلمي الكويت، النائب فيصل مسلم، من «مغبة» المجاهرة بالافطار في رمضان! وحيث ان هناك دولة وقوانين تنظم مثل هذه المسائل وجهات امنية مناط بها تنفيذ القوانين المتعلقة بالمجاهرة بالافطار، فإن من حقنا سؤال النائب: «وانته شكو؟»، ولكن الحق ليس عليه.. حتما.

***
3 ــــ ومن «القبس» بتاريخ 21/8، علمنا ان وزارة الداخلية أعلنت خطتها الامنية في رمضان، في اطار «ضبط الاوضاع والقبض على الخارجين على القانون». ولا أدري لماذا هذا الضبط والربط في شهر رمضان فقط، وليس بقية اشهر السنة، كشعبان مثلا؟! وقالت الوزارة انها اتخذت عدة تدابير امنية للقضاء على ظاهرة التسول. ولكن الجميع يعلمون ان المتسول، لو قبض عليه، فلن تطبق بحقه اي عقوبة غير إخراجه من البلاد، ليعود هو او غيره في موسم التسول التالي. كما لا يمكن القضاء على الظاهرة من دون تعاون المواطنين، وانا لا اعرف كيفية التصرف لو طلب مني متسول مالا، هل اذهب لاقرب مخفر مثلا؟ وبالتالي مطلوب من الوزارة الاعلان عن الطريقة التي يمكن للمواطن فيها التعاون مع الشرطة لضبط هؤلاء عند وجودهم ضمن الاحياء السكنية او الاسواق. وهنا ايضا بإمكاننا التأكيد ان الحكومة لم تعاقب خلال الألف سنة الماضية، كويتيا واحدا على جريمة جلب أشخاص بلا عمل وتسريحهم في الشوارع ليقوموا بالتسول، مقابل نسبة محددة.

***
4 – ومن خطط الوزارة الامنية القبض على جامعي التبرعات والاموال الخيرية من غير إذن، واحالتهم الى النيابة العامة! وهنا ايضا -وايضا نؤكد- ان الاحالة الى النيابة لم تتم في الماضي قط، ولن تحدث الآن، ولو تمت الاحالة في السنوات الماضية لما احتاجت الوزارة لبيانها هذا. ونطمئن اصحاب العلاقة بأن الاموال ستجمع وسيتم القبض على البعض وستدخل نسب «العاملين عليها» في جيوب الكبار، ومن بعدها سيتم الافراج عن الصغار مقابل «تعهد» بعدم العودة لارتكاب مثل هذه الافعال لاحقا، ومستقبلا ستكون هناك وجوه واسماء جديدة، وتعهدات اخرى.. وهكذا.

***
5 ــــ كما لا يسعنا الا التنويه بقرار شركة السينما التوقف عن عرض اي افلام خلال العشر الاواخر، والحقيقة ان الكويت كانت في الخمسين سنة الماضية بؤرة فساد وافساد بسبب عرض الافلام في هذه الفترة، ونتمنى ان يتغير الوضع كليا مع هذا التوقف العظيم!

أحمد الصراف

احمد الصراف

أرض بربعية زيت ورغيفين

كان الموسم السياحي في لبنان هذا العام، ولايزال، الأفضل منذ خمسة وثلاثين عاما بالتمام. فمنذ اندلاع الحرب الأهلية في منتصف السبعينات، وأوضاع لبنان تتدهور من سيئ إلى أسوأ على الرغم مما بدا، ويبدو، على السطح من سلام واستقرار بين الفترة والأخرى. فنجاح لبنان طبيا وسياحيا وتعليميا، شئنا أم أبينا، يعود بدرجة كبيرة إلى وجهه المسيحي، والمسيحيون خسروا الإدارة تدريجيا مع بدء الحرب الأهلية، وحتى اتفاق الطائف وما تم تكريسه في الدوحة. وعلى الرغم من تعدد الجهات التي يمكن توجيه اللوم إليها في الكارثة المستمرة التي أحاقت بلبنان خلال العقود الثلاثة والنصف الأخيرة، إلا أن اللوم والمسؤولية يقعان أساسا على عاتق الساسة اللبنانيين والشعب اللبناني بالتالي! فالفردية التي كانت وراء إبداع وتفوق اللبناني وتميزه في كثير من الميادين، كانت نفسها الثغرة التي تمكن أعداء لبنان من التسلل من خلالها لضرب استقراره ووحدته، وهذه الحال أو الوضعية مستدامة ليس لها علاج سريع أو معروف في أي صيدلية محلية أو حتى دولية، فكل طبيب دولي دخل لبنان ليقوم بمعالجته، خرج مثخنا بالجراح، وغالبا خالي الوفاض والجيب، بعد أن تم تشليحه من هذا الفريق أو من غيره أو من الجميع، مع استثناء واحد معروف.
يقول كمال ديب في كتابه المميز «هذا الجسر العتيق، سقوط لبنان المسيحي 1920ـ 2020» والذي سنتطرق مستقبلا بالتعليق على بعض فصوله، إن نسبة مسيحيي لبنان كانت بحدود 80% في عام 1920، عندما ولد لبنان الكبير، وأن نسبتهم ستصل، أو وصلت، إلى 30%. وأن لبنان المسيحي سقط بأشكاله العسكرية والسياسية في عام 1976، وتلك قصة طويلة أخرى.
أرسل لي صديق نص عقد بيع قطعة أرض في لبنان، حيث ذكر في أعلاه «بسم الله الرحمن الرحيم»، وهذه تسمية إسلامية، إلا أن برغماتية اللبناني لم تمنعه من استخدامها قبل 435 عاما، عندما كان بنو عثمان في سدة الحكم: بتاريخه أدناه قد بعنا شقفة الأرض تخصنا محلها الزعرورة إلى راهبات طاميش طولها مائتين ماسورة بماسورة أبو طنوس. يحدها شرقا التنور اللي كانت تخبز عليه أم شلهوب وغربا وكر الحية السودا اللي عقصت بوشاهين عام الأول وشمالا الطيونة المعششة فيها الدعيوقة وجنوبا مطرح اللي كان يقبل عنزاتو بو الياس. تمت الجهات الأربع وقبضنا الثمن ربعية زيت ورغيفين كار، والبيع تم برضانا ورضى الرب والخاين يخونو الله والشقفة صارت تخصه بتصرف فيها بحريته صرماية بيقلعها وبيلبسها على خاطره سنة الف وستمائة وأربعة وسبعين 1674.
الشاهد بو طنوس
كاتبه المير موسى
ولو قارنا بعض وثائق بيع الأراضي في الكويت قبل مائة عام مثلا، والمسماة بالعدسانيات، لما وجدنا فرقا كبيرا بينها وبين وثيقة المير موسى، سواء من ناحية الثمن أو مصطلحات تحديد الأرض محل العقد.

* * *

ملاحظة: وردتني رسالة قصيرة من خالد المذكور، هاتف 97600074 نصها: زكاتك بس 5.2% رابحة عند الله 700%! ولا أدري كيف تم حساب النسبة. بالاتصال به تبين ان الرقم خاص بلجنة التعريف بالإسلام. بالسؤال عن علاقة خالد المذكور باللجنة كان الجواب صمتاً مطبقاً وإغلاق الخط. فما الذي يحدث يا حكومة في هذه اللجان والجمعيات الخيرية؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

سائق الركشو وليلى الغانم

تقول أرونا لادفا: «كلما قلت حاجاتنا قل عدد الذين يتحكمون بنا»
عاد دينو من زيارة للهند، وأخبرني القصة التالية:
ركبت وزوجتي وابني عربة اجرة صغيرة تسمى «ركشو» تدار بمحرك دفع صغير، ولا يزال البعض منها يجر باليد. ما ان استوينا جالسين حتى وقعت عيناي على بضع مجلات موضوعة في كيس انيق خلف كرسي السائق. نظرت الى الامام فرأيت جهاز تلفزيون وبجانبه راديو صغير، فتبادلت وزوجتي نظرات الاستغراب لوجود مثل هذا الاشياء في ركشو متواضعة، وزادت دهشتنا عندما اكتشفنا وجود مطفأة حريق وصيدلية صغيرة تحتوي على قطن وشاش وزجاجة تطهير جروح وبعض الادوية.
وكانت هذه الاشياء كافية لكي نعرف أننا مع سائق ركشو غير عادي. فقد كانت هناك ساعة ومفكرة حائط وعدة صور سياحية ومقتطفات تمثل مختلف الديانات «السماوية» وبعض ديانات الهند الاخرى. ويقول دينو ان كل هذا دفعه للتحدث مع السائق، فعرف منه انه يقود عربته منذ 9 سنوات تقريبا، بعد ان فقد وظيفته في مصنع بلاستيك. وانه يعمل من الثامنة صباحا وحتى العاشرة مساء، وان عليه التزامات عدة، منها رسوم مدارس طفليه، ويقول دينو: مع علمي بأن لا وقت لدى السائق لاداء اي عمل آخر الا انني سألته عما يفعله بعد انتهائه من قيادة الركشو، فقال انه يذهب مرة كل اسبوع، او كلما توفر لديه بعض المال الفائض، لملجأ مخصص للنساء العجائز، ليقوم بتوزيع فرش ومعاجين اسنان وقطع صابون ودهن شعر واشياء صغيرة اخرى عليهن… مجانا! ويقول دينو ان السائق لفت نظرهم للوحة صغيرة موضوعة تحت عداد الاجرة كتب عليها ان لذوي الاحتياجات الخاصة خصم 25%. ويعفى فاقدو البصر من الاجرة متى ما كانت ضمن مبلغ 50 روبية.
ويبدو ان بعض صحف وقنوات تلفزيون مومباي تعرف الشيء الكثير عن السائق، حيث سبق ان استضيف في برامجها وعلى صفحاتها اكثر من مرة، وقد نال الرجل اعجاب دينو وزوجته فهو بطل في عيون الكثيرين ويستحق الاحترام. وعند وصول دينو لوجهته قدّم الشكر للسائق سنديب باتشا، وشكره على نبل اخلاقه، وكيف انه وزوجته وابنه تعلموا منه كيف يمكن ان يكون الإنسان فقيرا وانسانيا في الوقت نفسه ومحبا للآخرين وناكرا للذات. وبعد ان نفحه «إكرامية» معقولة تمنى عليه الاستمرار في عمله الانساني العظيم!
ذكرتني قصة سنديب بقصة مماثلة انتشرت على الانترنت عن «قهوة الحائط»، وتتعلق بمقهى يقع في مدينة البندقية الايطالية، وعندما يطلب بعض رواده قهوة، يطلب عادة فنجانا آخر للحائط(!) وهنا يقوم النادل بتقديم فنجان له وتسجيل الفنجان الآخر عن طريق وضع علامة واضحة على احد حوائط المقهى الخارجية. وعندما يمر من يود تناول قهوة ولا يمتلك ثمن الفنجان فإنه ينظر الى الحائط فإن وجد العلامة جلس وطلب «فنجان قهوة على الحائط» لينهيه ويغادر من دون دفع شيء، ليقوم النادل بعدها بإزالة احدى العلامات عن الحائط، ويتم كل ذلك بهدوء ومن دون ان يعرف الكريم او الفقير بعضهما البعض وبطريقة تتسم بقدر كبير من الكرم والحضارة!
كم هو جميل ان نجد من يفكر في الآخر بطريقة ايجابية من دون التسبب في ايذاء مشاعره، وما احوجنا لمثل هذه الشخصيات بيننا، كما لا تزال «مبرة رقية القطامي لأمراض السرطان» وليلى الغانم بانتظار تبرعاتكم يا أهل الخير.

أحمد الصراف