احمد الصراف

فضيحة الصحة المضادة

تعتبر جماعة الاخوان المسلمين، بتنظيمها العام في مصر، وفروعها المنتشرة في الدول العربية كافة، من أكثر الجهات السياسية نشاطا وصخبا منذ أكثر من 80 عاما. وبالرغم من طول تجربة الحزب واتساع رقعة انتشاره وكبر عدد الوصوليين وغيرهم من التابعين له، الا أن من الواضح افتقاده للعمق والفلسفة العملية الواضحة، ويمكن القول أيضا أن انتشارهم يعود إلى تفشي الجهل، والأمية السياسية والثقافية، في مجتمعاتنا، الحديثة العهد بمبادئ الحرية والمساواة والرافضة للأفكار الليبرالية والتقدمية، أكثر منه لوجود فلسفة واضحة لديه! وأبلغ دليل كثرة شعارات الحزب الهلامية التي تحتمل أكثر من تفسير وتأويل. ولو استثنينا كتابات ومؤلفات سيد قطب، لوجدنا أن هناك شحا كبيرا في عدد المفكرين النيرين في صفوف الاخوان، وما كتبته، ويكتبه كتبة الحزب من أمثال يوسف القرضاوي ومحمد سعيد العوا ومحمد عمارة، على سبيل المثال لا الحصر، لا يعدو أن يكون مجموعة من التفاسير والفتاوى والشروح الدينية، اضافة إلى كتابات تبريرية وتحريضية ضررها أكثر من نفعها.

•••
في محاولة لإحراج وزير الصحة، د. هلال الساير، قام الزميل عادل القصار بكتابة مقال ضمّنه رابطا عن تصريح لوزيرة الصحة الفنلندية قالت فيه إن أميركا تهدف إلى تقليص سكان العالم بنسبة الثلثين، من دون تكبد شيء، بل وجني المليارات(!) واجبار منظمة الصحة العالمية على تصنيف إنفلونزا الخنازير كوباء مهلك كي يجعلوا التلقيح اجباريا، وأن حكومة الوزيرة الفنلندية رفضت ذلك التصنيف وجعلت درجة المرض عاديا، وأن لا أحد يعرف نتيجة أخذ الطعم أو اللقاح بعد سنوات، وقد ينتج عنه عقم مطلق أو سرطان أو أمراض فتاكة(!). كما ورد في مقاله الذي نشر في عدد الأربعاء الماضي أمور أخرى لا نود التطرق لها هنا.
لعلم عادل القصار ومن قرأ مقاله، وعلق عليه بالانترنت اعجابا، فان من أطلق عليها «وزيرة الصحة الفنلندية وأنها زميلة د. هلال الساير، والتي ربما لم يعرف اسمها، هي Rauni-Leena Luukanen-Kilde من مواليد 1939 وكانت قبل ربع قرن ضابطة صحية في احدى مقاطعات فنلندا، ولم تكن في أي وقت وزيرة للصحة أو لغيرها. كما أصيبت في عام 1986 في حادث سير جعلها عاجزة عن القيام بأي عمل جدي، كما أنها، اضافة لما يشاع عن هلوساتها، مسكونة بنظرية المؤامرة العالمية، وبوجود مخلوقات في العالم الخارجي. وقد وضعت بعض المؤلفات في هذين المجالين منها كتاب عن لقاءاتها المائة مع مخلوقات من الفضاء الخارجي، وكيف أن تلك المخلوقات أنقذت حياتها 3 مرات من موت محقق! كما أنها لم تتردد في ادعاء ألقاب وظيفية عالية من دون سند. ولمزيد من المعلومات عنها يمكن البحث في غوغل.
وهنا نتمنى على الأخ عادل توخي الحذر عما يخبره به أو ينقله الآخرون له.

أحمد الصراف

احمد الصراف

قطعة الشوكولاتة وزواج الرضيعة

كان حصول دومينيكيا كوفلروفا على قطعة شوكولاتة من أختها نقطة تحول في حياتها، فقد كانت في ذلك اليوم تبحث عن موضوع تكتب عنه للدخول به في مسابقة عالمية للكتابة عن أهمية العمل، والتي سبق أن أخبرتها معلمتها عنها، فقد لفتت قطعة «الكاكاو» المغلفة بأناقة نظرها، وأخذت تفكر كيف وصلت الى يدها بشكلها الحالي، وأين كانت البداية! من قراءاتها وبحثها على الإنترنت علمت أن حبوب الكاكاو والقهوة تأتي غالبا من كينيا وزيمبابوي، وبما أنها لا تشرب القهوة وتحب الشوكولاتة فقد تتبعت مسار تلك المادة، وقادها ذلك الى حقيقة مؤلمة وهي ان من يعملون بالأعمال الجادة والشريفة لا يحصلون عادة على ثمن عادل مقابل عملهم، وتوصلت الى تلك النتيجة في تلك السن اليافعة من خلال قراءة قصة ذلك المزارع الكيني الفقير وأولاده الستة الذين كانوا مجبرين جميعا على العمل من ساعات الفجر الأولى وحتى المساء، ومع هذا لم يكن ما يحصلون عليه من ثمن مقابل عملهم في مزارع حبوب الكاكاو يكفي لسد رمقهم، وكانوا جميعا يعانون من سوء التغذية، ويعيشون بطريقة لا تليق بالبشر.
وتعلمت دومينيكيا أنه بفضل سياسة جديدة تتبعها بعض دول أوروبا الغنية، وتتمثل في الحرص على دفع ثمن عادل لمنتجات الدول الفقيرة، من خلال شراء المواد الزراعية الأولية من أسواق عالمية، انقلبت ظروف معيشة ذلك المزارع الكيني بشكل تام وأصبح بإمكانه إرسال ابنائه الى المدرسة واقتصار مهمة العمل عليه وعلى أكبر أبنائه فقط، ومع هذا أصبح يحصل على ما يكفيه من غذاء وكساء، كما أصبح بإمكانه ترميم بيته وجعله صالحا للسكن.
ومن خلال قصة ذلك المزارع كتبت التشيكية دومينيكيا، ذات الأربعة عشر عاما، رسالتها، ودخلت بها المسابقة الدولية، وأسر موضوعها قلوب محكمي الجائزة الدولية المرموقة في سنتها الثامنة والثلاثين، والتي تشرف عليها اليونيسكو ومنظمة العمل الدولية، وحصلت على المركز الاول بين مليون رسالة اخرى من 60 دولة، وكان الموضوع الذي اختارته، وهي في تلك السن الصغيرة، عن أهمية أن يحصل من يؤدي عملا محترما على ثمن عادل لجهده موفقا جدا، كما بينت أن القيام بذلك لا يساهم فقط في رفع مستوى معيشة شعوب الدول الفقيرة المنتجة للمواد الزراعية الأولية بل ويساهم ايضا في تعزيز السلم العالمي.
ويقول أحد محكمي الجائزة ان دومينيكيا استطاعت من خلال صفحة ونصف الصفحة تغطية مجموعة من القيم المتعلقة بالعمل الشريف وأهمية تعليم الاطفال والتضامن الاجتماعي والاهتمام بظروف العمل، مع تذكيرنا بواجباتنا بعضنا تجاه بعض. كما أنها بينت بطريقة سليمة ان تحسين ظروف عمل الآخرين يعطي حياتهم قيمة أفضل، وأن تقدير العمل المحترم هدف أساسي وهو في متناول أيدينا.
ولو نظرنا الى الرسائل العشر الأوائل أو الألف أو حتى للمائة ألف لما وجدنا بينها رسالة من منطقتنا، والعيب ليس في فتياتنا أو صبيتنا بقدر ما هو في أنظمة التعليم المتخلفة السائدة في بيئاتنا، والظروف الاجتماعية، وحتى الجنسية، القاسية التي تعيشها الغالبية العظمى من الفتيات من سن التاسعة وحتى مرحلة متأخرة من العمر بسبب تلك النظرة الدونية للمرأة، والتي حولتها من إنسانة ذات أحاسيس بالغة الرقي الى أداة متعة لا تختلف عن أي تسلية أخرى، فهي كالطيب والطعام، ان لم تكن في درجة أدنى، وصفحات صحف دول الخليج «الثرية»، وغيرها من دول المنطقة تمتلئ بأخبار اجبار الفتيات على الزواج في سن صغيرة، وهي الأخبار التي لم يكن أحد يوليها اي اهمية قبل سنوات قليلة، لكونها من الامور العادية، والغرب، نعم الغرب وقيمه الإنسانية، هو الذي لفت نظرنا للجرائم التي يقترفها بعض ابناء مجتمعاتنا، وما أكثرهم، في حق بعض.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الحاجة لوربة وغيرها

أعلنت اللجنة التأسيسية لبنك وربة أنها خصصت 684 سهما من أسهم البنك لكل مواطن! وحيث ان نسبة لا بأس بها من المواطنين لم يقوموا بالتقدم للاكتتاب في البنك، فمن المتوقع حتما وجود فائض كبير من الأسهم غير المكتتب بها، ولكن هذا ليس موضوع مقالنا.
تخصيص مبلغ مائة مليون دينار من المال العام لتأسيس بنك لا يحتاج له السوق المحلي فكرة لم تكن اقتصادية منذ اليوم الاول، على الرغم من النوايا الطيبة والخيرة الكامنة وراء هذا المشروع. فمن استهدفتهم فكرة التملك في اسهم البنك سيكونون اول من سيبيع اسهمه بأرخص الأثمان، من دون انتظار تحسن سعر السهم مستقبلا، وسيلتقط الشريطية والهوامير هذه الاسهم بشكل تدريجي لينتهي مصير البنك خلال سنوات قليلة بيد عدد قليل من المستثمرين الذين لم يكن المشروع يستهدف اثراءهم او زيادة ثرائهم في المقام الاول.
فكرة «التعاونية في ملكية البنك» كانت تتطلب التمهيد لها اعلاميا بشكل افضل، من خلال حث المواطنين على ضرورة ابداء الرغبة في المساهمة في البنك من جهة، وحثهم على الاحتفاط بأسهمهم وعدم التصرف بها بأثمان بخسة لا تتجاوز السبعين دينارا للسهم الواحد والتي يمكن ان تضيع من خلال شراء هاتف نقال من نوع عادي. كما كانت الفكرة تقتضي اصدار تشريع يمنع المواطنين من بيع اسهمهم في هذا المصرف قبل 5 سنوات من التأسيس، بحيث ننمي لدى هؤلاء شعور وفكرة تملك الاسهم من جهة، ونعطي السهم فرصة اكبر لكي يتحسن سعره ويصبح مجديا لرب عائلة مكونة من اربعة او خمسة افراد من خلال تحقيق مبلغ لا بأس به كعائد.
ومن جهة اخرى، نجد ان سلبيات محددة صاحبت وستصاحب تأسيس وادارة هذا البنك، وذلك بسبب غياب مالك او ملاك رئيسيين فيه، وهي اول تجربة مصرفية من نوعها، فموظفو الحكومة هم الذين سيتولون غالبا امر ادارته في السنوات الثلاث الاولى، على الاقل. وسيكون للتدخلات النيابية والقوى المتنفذة الدور الاكبر في تعيين مجلس ادارته وادارته العليا، وسوف لن تكون هناك حتما فرصة لي، او لغيري من اصحاب الخبرات المصرفية والمالية الطويلة التي تقارب نصف قرن، في تولي اي منصب في هذا المصرف، على افتراض ان لنا اصلا رغبة في ذلك، وبالتالي فمن المتوقع ان يدار البنك، وقبل ان يستولي عليه «علية القوم» في مرحلة لاحقة، بطريقة حكومية بيروقراطية كأي ادارة في وزارة متخلفة، كما سيكون للمتأسلمين حصة كبيرة في وظائفه العليا بسبب طبيعته المالية، وكأن من تأسلم أكثر دراية بالصناعة المصرفية من غيره.
كم كان جميلا، واكثر نفعا، لو كان المبلغ الذي صرف على رأسمال هذا البنك، وكذلك المبلغ الذي صرفه سمو الشيخ سالم العلي، قبل فترة والذي كان بحدود 100 مليون دينار، قد صرف على تأسيس صندوق استثماري يصرف من ريعه على تنمية المجتمع والاهتمام بالمهارات الدراسية وتشجيع الاختراعات وتجميل شوارع المدن الخارجية وانشاء حضانات نموذجية.. وعشرات المشاريع الخيرية الاخرى التي لا تلتفت لها جمعياتنا الخيرية، ولا بقية مؤسسات الدولة المتخمة بالأموال.

أحمد الصراف

احمد الصراف

تحجّر العقول والمشاعر والموسيقى

كتب نورمان واينبرغر -الحاصل على الدكتوراه في علم النفس التجريبي، الذي يعمل في جامعة كاليفورنيا، قسم البيولوجيا العصبية، وأحد مؤسسي مركز البيولوجيا العصبية للتعلم والذاكرة والموسيقى- أن للموسيقى قدرة غريبة على أدمغة المستمعين والموسيقيين، وأن الموسيقى تلازمنا كل الوقت ويمكن لتصعيد «أوركسترالي» مبهج أن يستدر دموعنا ويبعث ارتعاشات في فقراتنا. كما أن الموسيقى الزاخرة تضفي دفعة زخم انفعالية على خلفية الأفلام السينمائية، ويشدنا عازف الأرغن فنقف هاتفين مصفقين مستطيرين حماسة، كما يترنم الآباء والأمهات بدندنات لتهدئة الأطفال الرضّع. ويستطرد البروفيسور واينبرغر في القول إن لولعنا بالموسيقى جذورا موغلة في القدم، فقبل أكثر من 30 ألف عام كان هناك عزف على النايات المصنوعة من العظام وعلى أدوات نقر وقيثارات مصنوعة من عظام الفك، ويبدو أن تذوقنا للموسيقى «غريزي» فالرضع، حتى دون الشهرين، يلتفتون نحو الأصوات المتلائمة الممتعة. ويقول ان الخاتمة الموسيقية عندما تبعث هزات طرب عذبة فانها تقوم في الحقيقة باثارة مراكز السرور نفسها التي تثار عند تناول الشوكولاتة أو عند الاتصال الجنسي. وهنا يكمن لغز بيولوجي محير ومثير للاهتمام: لماذا الموسيقى؟ ولماذا تحظى بمحبة شاملة وقدرة فريدة على اعتصار العواطف لدينا؟ ألا يمكن أن انبثاقها قد سبب -بطريقة ما- تعزيز بقاء الانسان وارتقائه، وتنمية تماسكه الاجتماعي في تجمعات كانت قد غدت أكبر من أن تساس؟
ويقول واينبرغر انه ليست هناك أجوبة نهائية عن هذه الأسئلة، لكن العلماء، ومنذ عهد قريب، بدأوا تكوين فهم أكثر رسوخا عن كيف وأين تعالج الموسيقى في الدماغ؟ وأن دراسات أجريت على مرضى باصابات دماغية وغيرهم من السليمين وكانت المفاجأة اكتشاف عدم وجود مركز خاص في الدماغ يختص بالموسيقى، بل انها تشغل العديد من المناطق الموزعة فيه. ومع أن الكثيرين يتصورون أنهم ذوو وهن موسيقي، لكننا جميعا موسيقيون الى درجة ما!
ومن المعروف أن طرق العلاج الحديثة تستخدم الموسيقى الكلاسيكية، ولعباقرة عالميين معروفين، بشكل مكثف في رفع نسبة الفهم وتقليل الاصابة بالنوبات لدى الكثير من المصابين بأمراض في الدماغ، وبعد هذا يأتي من يكتب بأنه يعارض «فرض» الموسيقى على طلبة المدارس في الكويت! ولم يتردد في وصف «بيتهوفن» بالتافه، وان بطريقة غير مباشرة، وان هذا الموسيقار ومن «على شاكلته من عرب وعجم» لا يعنون له شيئا! واستغرب هؤلاء قيام وزارة التربية بفرض تدريس الموسيقى، على الرغم من أن أولياء الأمور يرون أنها «حرام»، ومن حق أبنائهم عدم دراستها لهذا السبب! ونسي هؤلاء أو تناسوا أن نسبة أكبر من أولياء الأمور ترى حرمة تدريس أمور كثيرة أخرى، وبالتالي من السخف ترك أمر وضع المناهج لأمزجة الطلبة ولآبائهم وأمهاتهم في دولة بين حكم المحكمة الدستورية الأخيرة مدنيتها المطلقة! وغريب حقا أن يشتكي هؤلاء من تدريس الموسيقى، هذه المادة الانسانية الراقية والعظيمة، ولا يشتكون من كل هذا الهراء الذي تتضمنه المناهج نفسها التي تحتاج عملية «شخل» كاملة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الشياطين والبروفيسورة

كتب السيد محمد الشيباني مقالا في «القبس» (24/10/2009) بعنوان «حجاب المرأة في إيران مخالفة»! وقد ورد التالي في الفقرة الأخيرة منه: «أما في الكويت فقد قلت وقال غيري قبلي: لن تجري الدعوة الإسلامية إلى الجدليات البيزنطية أو يتراجع الدعاة والمصلحون عن تمسكهم بشعائر الإسلام وفضائله، الصغير منها والكبير، لأصوات نشاز من هنا وهناك، هان عليهم دينهم وشعائره، وصاروا يفتون ويوقعون عن الله تعالى، بل تجرأوا على أمره! لقد تمادوا وزاد غثاؤهم مع «معرفتنا بهم تمام المعرفة» انهم من الجنود المجندة للشياطين والسفارات الأجنبية تؤازرهم للطعن في الإسلام وشعائره»!
وهنا، وحرصا منا على سمعة الوطن وحفاظا على صحيح الدين وحماية له من الطعن في شعائره، ولكي لا يطال الاتهام الجميع من دون تحديد، فإننا نطالب السيد محمد بأن يدلنا على هؤلاء وينشر أسماءهم ويفضح علاقاتهم بالسفارات الأجنبية، خاصة انه ذكر أنه يعرفهم تماما، وأنهم من الجند المجندة للشياطين والسفارات الأجنبية. وحيث ان في الكويت أكثر من 70 سفارة أجنبية، فمن المهم هنا أيضا توضيح السفارات «المتهمة»، حيث لا يجوز على «مسلم» الطعن في أعراض الناس وتأليب الرعاع من دون سند أو دليل!
***
ملاحظة: تعتبر الأستاذة الإيطالية فالانتينا كولمبو واحدة من أهم مستشرقي العصر، فهي إضافة الى مؤلفاتها العديدة في الأدب العربي، فإنها مترجمة جادة لعديد من عيون الأدب العربي القديم إلى الإيطالية ككتاب «الحيوان» للجاحظ و«مقامات بديع الزمان الهمذاني». كما أن لها دراسة فريدة عن المعتزلة، وعدة ترجمات لروايات الأديب نجيب محفوظ، وسيصدر للبروفيسورة كولمبو في فبراير المقبل النص الإيطالي للكتاب الرائع «سجون العقل العربي» للمبدع طارق حجي، والذي ستصدر طبعته الإنكليزية في التاريخ ذاته عن دار نشر جامعة كيمبريدج.
وبترتيب خاص فإن الأستاذة كولمبو، وبدعوة من «دار الآثار الإسلامية»، التي لا تتوقف عن مفاجأتنا بجميل أعمالها، تزور الكويت حاليا، وستقوم مساء اليوم بإلقاء محاضرة باللغة الإنكليزية في دار الآثار بحولي عن كتاب الجاحظ.

أحمد الصراف

احمد الصراف

قوارض المجتمع وآثام عوض

يقال إن الموت رحمة، فكم من مريض تمنى الموت تخلصا من آلامه، وكم من سجين «سياسي» اشتهى الهلاك لينتهي تعذيبه. ومن هنا، فإن هدم بيت عائلة كعقاب قد لا يكون أقصى ما يمكن إيقاعه بها، فالتدمير لا يتطلب أكثر من بضع أصابع دينامايت ليصبح البيت كومة حجارة على الأرض. وبالتالي يصبح التعذيب المستمر أكثر فعالية والذي يمكن أن يبدأ من خلال قطع الكهرباء عن سكانه في مرحلة أولى، وبعدها بأيام قطع المياه، وفي مرحلة ثالثة غلق مداخل ومخارج البيت ليحرم سكانه من معرفة ما يدور حولهم أو الاتصال بالخارج، مع ترك فتحات صغيرة في حوائط البيت لتتسرب منها القوارض المخيفة التي ستقوم بنشر الأوبئة، وبث الرعب في نفوس ساكني البيت، وقلب حياتهم إلى جحيم لا يطاق يتمنون الموت فيه على الحياة.
ولو شبهنا حال ذلك البيت بما جرى ويجري في بعض الدول، مع الفارق، لوجدنا أن الكهرباء التي قطعت مثلت النور والإبداع والفن والثقافة والمعرفة. وأن المياه مثلت الصحة والتعليم والمشاريع التنموية، أما إغلاق مداخل البيت ومخارجه، فقد مثلت الرقابة على الفكر والعقل والتصرف وعد الأنفاس وكل ما ينتجه الفكر الإنساني الخارجي من إبداع، ومن ثم الانقطاع عن العالم وكراهية الآخر وتكفيره! أما القوارض فقد مثلت مجموعة قوى الفساد، المالي والفكري، التي خربت الأفكار ونهبت الخزائن، قبل وأثناء وبعد أحلك فترات التاريخ، وما جلبته معها من عناصر متشددة في تعصبها وتخلفها، والتي لم تترك شيئا إلا وقامت بتخريبه وإتلافه، ونشر الأوبئة فيه. في كل هذا يكمن العذاب الذي ربما يكون الموت أكثر رحمة منه!

* * *
أعترف بأنني لا أحمل ضغينة لأحد، وليس في قلبي حقد ولا كره حتى لأولئك الذين سبق أن تناولتهم بالنقد أو الهجوم، شفاهة أو كتابة، لسبب أو لآخر، من سياسيين ورجال دين أو مسؤولين في الحكومة أو من مؤسسات أو أفراد حامت، ولا تزال تحوم، حولهم كثير من الشبهات. كما لا أعتقد أن اللوم على ما يحدث من خراب يقع في غالبيته على رأس السياسيين أو كبار الإداريين بقدر ما يقع على عاتق من اختيروا، واستمروا في اختيارهم، بالرغم من كل ما أشيع عنهم من فساد أو عجز في الإدارة.
وأن يكون هناك سفيه أو أكثر يدعي معرفة ما لا يعرفه غيره من علوم الدين والدنيا، والتبحر في قضايا الفقه وغيرها ليس بالأمر المستغرب، شرقا وغربا، ولأي دين أو عقيدة أو مذهب انتمى، وهذا يمتد من غابات أندونيسيا وحتى أدغال الأمازون مرورا بمجاهل أفريقيا والشرق بأقصاه وأوسطه وأدناه وغرب العالم وجنوبه وشماله، ولكن اللوم، أو الشرهة، على من سهل لفكر هؤلاء بالانتشار من خلال الظهور على قنوات تلفزيوناته والنشر في صحفه والخطابة من على منابره. فالخطورة ليست في القول بقدر ما هي في النشر. ففي مجالسنا الخاصة نرتكب شتى مخالفات القول والكلام في حق الغير، ولا نجرم غالبا على أقوالنا، ولكن ما أن تجد تلك الأقوال نفسها طريقها للنشر حتى تتحول إلى جرائم يعاقب عليها القانون! وبالتالي نجد أن الخطر على الأمن الداخلي والسلام الأهلي والنسيج الاجتماعي للدولة يكمن في تلك القوارض الصغيرة التي تنتشر بين الصفحات والقنوات الفضائية تعض يد هذا وتلتهم أظافر ذاك ناشرة الطاعون في المجتمع غير عابئة بأن في ذلك خراب المجتمع وانهياره، ولمعرفة هؤلاء ما علينا سوى التمعن في بعض الكتابات والبرامج التلفزيونية. وبالرغم من أن سماع ما يقوله هؤلاء وقراءة ما يكتبونه، أمر مؤلم إلا أنه من السهل السيطرة عليه واحتوائه بطريقة أو بأخرى، ولكن الخطورة الكبرى تكمن في قيام قوى الفساد، وبدعم من قوى متنفذة، بنشر الخراب والفساد في المجتمع وتعميمه، ليصبح هو الطبيعي والسائد، وغيره هو الشاذ.

* * *
• ملاحظة: كتب أحدهم قبل فترة أن المطر «احتبس» في السماء، ولم ينزل على الكويت، بسبب زيادة الشرور والآثام في المجتمع، فهل من الممكن أن يفيدنا عن سبب نزول المطر علينا قبل فترة قصيرة؟ وهل اختفت الشرور والآثام خلال أيام قليلة بسبب كتاباته وبرامجه التلفزيونية مثلا؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

عندما طار يعقوب المعاق

كان يوما عاديا، او هكذا ظننت، عندما اخبرني الطبيب ان ابننا المعاق، والمصاب بمرض عقلي خطير، سوف يتقوس ظهره لا محالة ان لم يتعود الجلوس على كرسي خاص بالمعاقين من امثاله، ولكن كيف لي بالحصول على مثل هذا الكرسي وثمنه يزيد على ثمن السيارة الخربة التي اقودها؟! فأي كرسي مناسب لا يقل ثمنه عن 1200 دينار.. سمع صديق بمشكلتي فنصحني بزيارة جمعية تدّعي الخير من خلال العناية بالمرضي، وهكذا كان، وما ان دخلت «بوابة» مكاتبهم في الاندلس، الضاحية المنسية، وليس المقاطعة الاسبانية، زال توتري عندما قرأت ملصقا عند المدخل يعلن عن توافر «كرسي لكل معاق»! في الداخل قدمت طلبي مصحوبا بعقد ايصال الايجار والتقارير الطبية الكاملة، ولكن الموظفة، غير المهذبة، صرفتني قائلة انها ستتصل بي فور توافر كرسي متحرك.
بعد انتظار شهر زرتهم ثانية، فقالوا ان الفترة قد تطول اكثر، فالكويتي ينتظر اشهرا وغير محددي الجنسية او البدون.. دهرا! وبالتالي ما علي غير الانتظار، فلا وطن ولا اهل لي غير هذا، ولا تراب لي غيره.
جاء رمضان، شهر الخير، وولى، ومر شهران آخران ووليا، وفجأة وردتني مكاملة هاتفية تخبرني بوصول الكرسي العظيم، وكانت مفاجأة سارة، فقد اصبح حمل الطفل يوميا من عيادة الى اخرى ومن غرفة علاج الى غيرها مشكلة كبيرة، خصوصا لامه، بسبب زيادة وزنه. وفي الجمعية كان هناك خبر لم نتوقعه، فقد اعطونا كرسيا مستعملا، وفي حالة سيئة، وكان من قبل لمعاق بالغ الكبر والحجم وليس لطفل ضامر الجسد! لم تُقبل اعتراضاتي بطبيعة الحال، ونصحوني بقبول الكرسي حاليا واجراء بعض التعديلات عليه في ورشة محددة. سكت وغادرت والدموع تكاد تطفر من عيني، فقد كان الشهر سيئا بالنسبة لي من الناحية المادية والصحية. وفي الورشة كلفني تعديل ذلك الكرسي اللعين، والأمل في الوقت نفسه، خمسين دينارا، لا أزال مدينا بها لصديق.
بعد التجربة، وجدنا ان الكرسي غير مناسب، فأربطته بالكاد تكفي لتثبيت الصبي في مكانه، وفي أحد الايام اوصلت زوجتي وابننا لاحدى العيادات وتركتهما للالتحاق بعملي المتواضع، ولكن ما ان وصلت حتى وردتني مكالمة من الزوجة تخبرني ان الصبي في حالة سيئة، وان علي العودة لمساعدتها، فتركت عملي مضطرا، وربما سأطرد منه قريبا، وذهبت لاكتشف ان عباءة زوجتي قد تبللت بدموع عجزها وبؤس وهوان حالها وحالنا، والصبي ينتحب في كرسيه والجروح تملأ وجهه ويديه، وتبين انه وقع من علىالكرسي الكبير وسقط في منتصف الطريق، ولولا مساعدة بعض المارة في رفعه من الشارع، لحدث ما لا تحمد عقباه، وضعت الكرسي في صندوق السيارة وحملت الابن حملا لكي تتم معالجة جروحه.
وفي مساء ذلك اليوم، وبسبب جروحه وتدهور حالته، بعد ان رفضت لجان تلك الجمعية اعطاءنا ما يكفي لشراء ادوية مهدئة له، قررنا، أنا وامه، ان ينام يعقوب بيننا على فراشنا الصغير، حيث يمكننا الاهتمام به اكثر، فهو لا يصدر صوتا عندما يصاب بنوبة ما، بل ينكمش على نفسه وكأنه يعتصر مشكلته ليخفيها عنا، وربما ليخفف عنا معاناته، وهكذا قضينا تلك الليلة ونحن نضم بعضنا بعضا، وكل واحد منا يشكو من ألم ما.
عندما افقت من نومي في صباح ذلك اليوم الغريب، لم اجد يعقوب، بل وجدت زوجتي جالسة على طرف السرير، وهي تتمتم بما يشبه الهذيان، فسألتها عن يعقوب، إذ ليس بإمكانه مغادرة السرير منفردا بسبب اعاقته الشديدة التي تمنعه من السير، فلم ترد، فاتجهت اليها ورأيت الشرود في عينيها، فهززت كتفيها وأنا أسألها عن يعقوب، فقالت بصوت حزين «يعقوب طار.. يعقوب ما راح يرجع»! فعرفت ان ابننا قد مات من نوبة شديدة، وكان هذا لعجزنا عن توفير ما يكفي من الدواء له، وعرفت وقتها اننا، لسبب لا علاقة لنا به، من المنسيين الذين لا يستحقون رحمة أحد، وان فقراء مدغشقر ومرضى كينيا اكثر استحقاقا منا للمساعدة والمال والدواء، فهل نحن حقا من بشر الكويت؟!
عندما انتهيت من مراسم الدفن وهز الايدي القليلة التي تقدمت لتقديم واجب العزاء في المقبرة، قدت سيارتي، ودموع الحزن تنهمر مدرارا من عيني، وذهبت الى تلك الجمعية «الخيرية» وسلمت الموظفة كرسيهم المستعمل، وتعمّدت عدم مطالبتهم بما صرفته من مال عزيز على اصلاحه، فقد يستفيد منه معاق آخر!
* * *
هذه رسالة قارئ كتبها تجاوبا مع ماكتبته عن الجمعيات الخيرية بشكل عام، والتي لا تزال تصر على الاهتمام بالانسان الآسيوي والافريقي وتجاهل المعدم والمريض في الكويت، يقومون بذلك وهم على علم تام ان ما يحتاجه البيت يحرم على المسجد اصلا!
نهدي هذه الحقيقة الى وزيري الشؤون والخارجية، لعل وعسى يتوقفان عن مدح الجمعيات الخيرية ليل نهار، ويطالبانها بالاهتمام بمرضى وفقراء الداخل قدر اهتمامهم بأمثالهم في الخارج!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الأعمال الوطنية.. والدراجة النارية!

كان الرحالة السوري عدنان آل تلو الزينبي العباسي، اول رجل من المنطقة، وربما في العالم، يجوب الكرة الارضية على دراجة نارية، وكان ذلك في عام 1957، واستغرقت رحلته سبع سنوات!
ولاكثر من نصف قرن لم يحاول احد تكرار تلك التجربة الى ان قام علي البيرمي ومهند هشام السلطان وحسين اشكناني من الكويت، برحلتهم المثيرة في الصيف الماضي حول العالم بالدراجات النارية، التي قطعوا فيها 25 الف كيلومتر من خلال المرور بقارات آسيا واميركا الشمالية وأوروبا، ومن ثم العودة الى الكويت مرورا بمنطقة الشرق الاوسط، من دون زيارة دول شمال افريقيا، بعد ان رفضت واحدة منها، معروفة «بنحاستها»، منحهم تأشيرة دخول جنتها تطبيقا للمثل المعروف «بلاد العرب اوطاني»!
وقد شكّلت رحلة هؤلاء الثلاثة دعما وصيتا للكويت وسمعتها يزيد على عمل عشرين سفارة، وكان لرئيس هيئة الشباب والرياضة، الاخ فيصل الجزاف، الفضل الاكبر في نجاح هذه الرحلة التاريخية. ولو علمنا ما لاقاه هؤلاء الرحالة في رحلتهم من معاناة واخطار لشعرنا بتقدير لدورهم الجبار، وهو الدور الذي لم يجد ما يستحقه من وسائل الاعلام والصحافة، باستثناء «القبس».
والغريب ان الرحالة عدنان تلو توفي بعد ايام من انتهاء رحلة الرحالة الكويتيين الثلاثة، وكان عمره يزيد على التسعين، يوم وفاته في السادس من اكتوبر 2009، ويذكر انه عندما زار الهند كان الشــاعر عمر ابوريشة سفيرا لسوريا هناك، وعندما التقاه ارتجل قصيدة من ابياتها:
«عدنان، ليس لما يريد شبابك الوثاب حد
طوفت في الدنيا وعزمك من شدائدها اشد
وحديث قومك اينما يممت، تسبيح وحمد
لا عاش من لم يغره في ملعب الامجاد، مجد».
وكانت لعدنان تلو صداقة عمر ورفقة نضال مع الشاعر نزار قباني، حيث كانا ومع الكثير من الشباب السوري الوطني يوزعون المنشورات ويتظاهرون ضد الاستعمار الفرنسي. كما كانت له مؤلفات عديدة في مجالات عمله وهواياته.
وأذكر بهذه المناسبة ان «مواطنا» كويتيا معروفا باستغلاله «الاعمال الوطنية» لتحقيق الارباح المجزية وغير المشروعة لنفسه، قام بعد التحرير مباشرة باستغلال المشاعر الوطنية الجياشة لدى المواطنين وقتها وقام باعلان مشروع «وطني» يقوم فيه احد الرياضيين برحلة على الدراجة الهوائية (!!) حول العالم باسم الكويت للدعاية لقضاياها العادلة. وبعد جمع ما يكفي من الاموال تم السكوت عن تنفيذ الفكرة، وتبين بعدها ان المشروع لم يكن اكثر من مقلب رديء الإخراج، وربما اكثر رداءة من الفيلم السينمائي الذي ساهم الشخص نفسه في انتاجه قبلها بسنوات! والمؤسف جدا ان صاحب هذا المقلب وغيره من «الاعمال الوطنية» الفاشلة يحاط بالتكريم من كبار موظفي ديوان تنفيذي مهم، ويظهر معهم في صور عن مناسبات تفوح منها روائح فساد حادة، وسبق ان كتبنا عنها.
ونتمنى هنا ان تعي حكومتنا الرشيدة خطورة وجود امثال اصحاب هذه المشاريع «الوطنية الهوائية» بين البطانة!

أحمد الصراف
tasamou7yahoo.com

احمد الصراف

كيف نعمّر للمائة ؟

يعتبر الأميركي دان بوتنر Dan Buettner خبيرا في موضوع إطالة العمر، فهو إضافة لأرقامه القياسية في ركوب الدراجة الهوائية، بعد أن قطع خلال سنوات قليلة 70 ألف كيلومتر على دراجة عدة قارات، فإنه أمضى كذلك سبع سنوات في دراسة السر في أن بعض سكان مدن محددة يعمرون أكثر من غيرهم، ولهذا عاش في أوكيناوا في اليابان وسردينيا في إيطاليا، وكوستاريكا، ولوما ليندا في كاليفورنيا. ومن تجاربه وضع كتابه الأول «المنطقة الزرقاء، دروس في كيفية إطالة العمر»، كما قام في الصيف الماضي بزيارة جزيرة يونانية. ومن تجربته في المناطق الأربع السابقة والجزيرة، وعلى الرغم من الاختلافات الكبيرة بينها من ناحية العادات والطعام والطقس، توصل الى مجموعة من الاستنتاجات والعوامل المشتركة التي يبدو أنها ساهمت في إطالة أعمار سكان تلك المدن، وأطلق على اكتشافه «القوة 9»، أو القاعدة التاسعة التي يمكن لأي شخص، من خلال محاكاتها، توقع العيش عمرا أطول، وهي:
1 ــ الحركة: لا تخمد وكن دائم الحركة، 2 ــ اكتشف الهدف من وجودك في الحياة، 3 ــ خذ استراحات قصيرة، 4 ــ اتبع أسلوب الـ 80% ولا تبالغ في الأكل، 5 ــ تناول الأطعمة الخضراء، 6 ــ كأس من «الواين» الأحمر يوميا، 7 ــ انتم.، اجعل حياتك الاجتماعية أكثر نشاطا، 8 ــ الإيمان، لا بد من ممارسة روحية ما، 9 ــ الانتماء لعائلتك أو قبيلتك الأوسع.
ولشرح النقاط التسع يقول بوتنر ان من المهم مرافقة الأصدقاء المناسبين، فإن كان هؤلاء مدخنين أو مدمنين على الكحول فستكون واحدا منهم، وإن كانوا من هواة الأكل في المطاعم والإكثار من تناول اللحوم فغالبا ستتأثر بهم، وقال ان من المهم ألا نشبع أبدا، فتناول 80% مما اعتدنا تناوله من طعام ستكون له نتائج إيجابية على أوزاننا وعلى إطالة أعمارنا بالتالي، وعلينا التقليل بشكل كبير من تناول اللحوم، كما لاحظ أن أيا من سكان المناطق الخمس غير معني بتناول الأسماك، بل يكثرون من تناول «البورك»، وقال ان تناول الطعام في صحون صغيرة يساعد في أكل كميات أقل، كما لاحظ أن سكان سردينيا مثلا يسرفون في تناول «الواين» الأحمر، وأن «واينهم» يحتوي على ثلاثة أضعاف المواد المضادة للأكسدة أو السموم.
ويعتقد بأن أجسادنا، التي لم يكن متوسط أعمارها طوال التاريخ المعروف، يزيد على 28 عاما، لا تتحمل الضغط الكثير عليها، إن أردنا إطالة العمر لثمانين سنة أخرى، وبالتالي يجب تجنب الرياضة المرهقة، كما أن المكتئبين عادة لديهم فرصة أقل بكثير في العيش طويلا مقارنة بالأشخاص السعداء في الحياة.
وفي بحث آخر على الإنترنت تحت عنوان «كيف تعيش حتى المائة؟»، يقول الدكتور ماوشينك ني إنه من الممكن جدا أن نؤخر قدوم الشيخوخة، فأجسامنا مصممة لكي تبقى مائة سنة وأكثر، ولبلوغ ذلك علينا التخلص من العادات السيئة التي سبق ان اعتدنا عليها، كالتدخين وتناول الأطعمة السريعة، ومن ثم البدء باختيار ما هو مناسب لأجسامنا، وتجنب العمل تحت الضغط والإرهاق والهموم، ويعتقد الدكتور ماو أننا بحاجة لثلاثة أسابيع من السلوك المكرر لكي نشكل عقلنا على طريقة عيش جديدة، ومتى تشكل السلوك أصبح أوتوماتيكيا. فنحن بحاجة لأن نشرب مياها أكثر، ولكي يصبح هذا سلوكا عاديا، فعلينا القيام بذلك بشكل مكرر لـ 21 يوما، ويقول ان أطول السكان عمرا في مدينة محددة في الصين لا يتناولون أي لحوم أبدا، ويكتفون بالأسماك والخضراوات، وقال ان علينا زيادة الألوان في طعامنا، مثل الفواكه والخضار وتجنب السكر المكرر، ومن المهم الحصول على 7 الى 8 ساعات من النوم الجيد، وممارسة الرياضة باستمرار والسيطرة على التوتر، فهذا هو السبب وراء غالبية أمراضنا، وهنا نحتاج لممارسة رياضة اليوغا، أو التأمل، واتباع أنظمة التخلص من السموم من خلال انظمة غذائية معتمدة.
الخلاصة من كل ذلك، أنه على الرغم من عدم وجود اسلوب محدد يمكن اتباعه لاطالة العمر، لكن من المعروف ان سكان مناطق جغرافية محددة يعمرون أكثر من غيرهم بكثير، وهذا ينطبق ايضا على بعض الأسر في الكويت وغيرها.

أحمد الصراف

احمد الصراف

أرارات أو “مسيس” الأرمني

يقع جبل ارارات في اناتوليا بتركيا حاليا ويسميه الارمن «مسيس»، ويبلغ ارتفاعه 5137 مترا وتغطي الثلوج قمته طوال العام، ويتوسط الحدود الارمينية والايرانية والاذربيجانية.
وعلى الرغم من قدسية الجبل لدى اليهود والمسيحيين من خلال ما ورد في «سفر التكوين» من ان سفينة نوح قد رست عليه، فان لهذا الجبل مكانة تاريخية كبيرة في وجدان الشعب الارمني، ولم تتوقف مطالباتهم الملحة منذ 100 عام بعودته إليهم.
سافرت إلى تركيا لاول مرة قبل 35 عاما، واختلطت بكثير من الاتراك في مناسبات واماكن عدة، وتعاملت مع شركات تركية. ووجدتهم في أغلب الاحوال شعبا جادا في عمله امينا في وعوده وتعامله ومبدعا في ما يقوم به. وعندما اقارن ما نقوله ونشيه عنهم وما نطلقه عليهم من نكات سخيفة، وانهم اقرب للصلافة والجلافة منهما إلى اي امر آخر، اجد ان الاوصاف تنطبق علينا بنسبة اكبر من انطباقها عليهم.
ومن جهة اخرى، اجد ان تقدم تركيا ورقيها لا يقارنان بما هو عليه الوضع في أغلبية الدول العربية، وليس في ذلك ما يخجل، لولا اصرارنا على السخرية منهم، وهم الافضل منا، بالرغم من تاريخهم الاستعماري السيئ معنا. نقول هذا على الرغم من فخر كثيرين بذلك التاريخ وكونه مرحلة مهمة تستحق الاحترام والتقدير. ويمكن ان نضيف كذلك ان علمانية اتاتورك هي التي خلصت تركيا من اوحال التمزق والتخلف التي تسبب بها سلاطين الدولة العثمانية الفاسدون.
اكتب ذلك بمناسبة الاتفاق التاريخي الذي توصلت إليه حكومتا ارمينيا وتركيا، والذي انهى خلافا دمويا بينهما امتد لما يقارب القرن، وهو الخلاف الذي بدأ مع الحرب العالمية الاولى ووقوف الاقاليم الارمينية مع جارتها الكبرى روسيا ضد غزو القوات العثمانية، التي تختلف عنها في كل شيء، وقد تسبب ذلك العداء في قيام الجيش العثماني على امتداد 1915 ــ 1916 من ذبح مئات آلاف الارمن، أغلبيتهم من المدنيين، في واحدة من اكبر مجازر الحرب بشاعة.
وعلىالرغم من انهار الدم التي جرت بين الطرفين، فان هذا لم يمنع التوصل إلى ذلك الاتفاق التاريخي، ومحاولة دفن الاحقاد السابقة والعيش بسلام، فلا احد من شعب او قادة البلدين اليوم مسؤول عما جرى قبل اكثر من 90 عاما. وقد بارك ملايين الارمن، مجبرين، الاتفاق بالصمت وعدم الانتقاد، فمن اختار خيار السلم حكومة منتخبة منهم ولها حق التحدث باسمهم.
المحزن اننا واسرائيل، اعجز من ان نتوصل إلى مثل هذا الاتفاق، الذي تحتاج اليه المنطقة بشكل هائل، فقد نالها ما يكفي من الموت والدمار وشتى انواع الويلات، ولكن تحقيق ذلك ابعد ما يكون، والسبب يعود بصورة رئيسية لغياب الديموقراطية في جانبنا، فما حققته تركيا وارمينيا لم يكن ممكنا بغير ديموقراطية حقيقية. فهل لدينا ما يشبه ديموقراطيتهم، ومن يمثل الفلسطينيين اليوم؟

أحمد الصراف