احمد الصراف

بعد 60 سنة أنا نباتي

منذ انغماسي في قضايا تطوير الذات، وأنا أبتعد أكثر فأكثر عن تناول اللحوم. وعلى الرغم من أن التوقف عن عادة عمرها أكثر من 60 عاما ليس بالأمر السهل، أو هكذا كنت أتخيل، فإن الأمر لم يكن بكل تلك الصعوبة، ربما لأنه جاء لأسباب منطقية، ومن منطلقات إنسانية أكثر منها صحية أو مادية. ومعروف ان النباتيين هم أولئك الذين لا يتناولون أي نوع من اللحوم والأسماك، وأحيانا كثيرة يمتنعون عن تناول أشياء مثل البصل والثوم والبهارات الحارة، إضافة بالطبع الى المشروبات الكحولية والسجائر، وهؤلاء النباتيون أعدادهم في ازدياد مستمر. ولو نظرنا الى غالبية الأمراض والأوبئة العصرية التي أصابت البشر والشجر والمواشي لوجدنا ان الحيوان هو المصدر الأساسي لغالبية تلك الأوبئة. وقد ورد في خبر لقناة السي.إن.إن (CNN) أن الكاتب الأميركي جوناثان فوير يستعد لإصدار كتاب يبين فيه أن اقبال البشر الشره على تناول لحوم الحيوانات هو السبب الرئيسي للأمراض الجديدة التي تظهر بين الفينة والأخرى، كما أن هذا الإقبال الكبير مسؤول كذلك عن ظاهرة الاحتباس الحراري، وما تظهره البكتيريا والجراثيم من مقاومة شرسة للأدوية والمضادات الحيوية.
كما أن الاعتماد المكثف على تناول اللحوم قد أثر في البيئة، ودفع الإنسان الى خلق سلالات حيوانية ضعيفة بغية انتاج أكبر كمية من اللحوم، منها عن طريق التوالد المفرط في الحظائر. وقال الكاتب فوير لـ CNN، انه اهتم بكتابة ابحاثة عن أنظمة الغذاء لدى البشر، بعدما رُزق بطفل، فبدأ يفكر في مدى ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه لجهة اختيار نوعية الطعام الصحي الذي يجب أن يقدمه لطفله. وقال إن تقارير الأمم المتحدة تعتبر تربية قطعان الماشية هي المساهم الأكبر في اصدار الغازات المسببة للاحتباس الحراري، حيث تنتج الحيوانات التي تربى لأجل لحومها غازات تفوق ما تنتجه جميع وسائل النقل الموجودة على كوكب الارض مجتمعة. ووفق أبحاثه، فإن المشاكل تتواصل وتتزايد مع تخزين اللحوم بالأساليب المعتمدة في المصنع حاليا، حيث تتكاثر فيها الفطريات الضارة، ما يسبب حالات شبيهة بالإنفلونزا تستمر لمدة 24 ساعة تقريبا، تنتهي بإسهال يرتاح المريض من بعده، مشيرا الى ان هذه الحالات، التي يعتقد الناس انها إنفلونزا تصيب 76 مليون شخص سنويا في اميركا وحدها، واضاف ان تربية الحيوانات في المزارع تتم بصورة لا تنسجم مع المعايير الصحية، كما ان الامراض بين القطعان باتت محتمة بسبب التوالد المكثف من ماشية تتصل ببعضها بصلات قرابة، وقال ان ذلك دفع المزارعين الى معالجة الوضع عن طريق تقديم المضادات الحيوية بكثافة اكبر للماشية مع الوجبات، حتى وان لم تكن تظهر عليها آثار المرض، وقد ادى ذلك الى حقيقة ان الماشية أصبحت تستهلك 18 مليون رطل من المضادات الحيوية سنويا، والدواجن ما يقارب 25 ألف رطل، اما البشر فيستهلكون ثلاثة ملايين رطل فقط! ويقول فوير ان الاستعمال المفرط للمضادات الحيوية ادى الى ظهور فصائل من البكتيريا والجراثيم التي تتمتع بمناعة ضد هذه العقاقير، بدليل ان مقاومتها لكل دواء كانت تزداد بمجرد تقديمه للماشية، ففي عام 2002 قدم مربو الماشية عقار سيبرو للابقار والدواجن، وكانت النتيجة ارتفاع مقاومته لدى البشر من صفر الى 18 في المائة.
ويضيف فوير ان البشر هم الذين يمولون هذه الامور من خلال استمرار اقبالهم على تناول اللحوم، ما يجعلهم اكثر عرضة للامراض التي تظهر بشكل وبائي، مثل انفلونزا الخنازير والطيور.
وذكر ان هذه الاستنتاجات سبق ان تبنتها مؤتمرات علمية، بينها مؤتمر عقد عام 2004، وضم منظمات الاغذية في الولايات المتحدة والامم المتحدة والمنظمة الدولية للصحة البيطرية في اعقاب ظهور مرض انفلونزا الطيور، والذي اشار بيانه الختامي الى ان «تزايد الاقبال على المنتجات والبروتينات الحيوانية» من بين اسباب ظهور هذه الاوبئة، ويعتقد فوير ان المزارع الاميركية هي المكان الوحيد الذي يمكن ان تظهر فيه فيروسات حديثة تجمع خصائص امراض تصيب البشر والحيوانات والطيور في آن واحد، مثل انفلونزا الخنازير، مضيفا ان العلماء تمكنوا من اكتشاف ان المزارع في الولايات المتحدة تحتوي على آثار لستة اوبئة من اصل ثمانية ضربت العالم في السنوات الاخيرة.
والآن، هل انت على استعداد لان تكون نباتيا مثلي، او على الأقل مستهلكا اقل للحوم؟ ان مصير البشرية هو في يد كل واحد منا!

أحمد الصراف
[email protected]

احمد الصراف

أفيون حاكيني.. أفيون داويني!

قليلة تلك المجتمعات المتشددة دينياً التي بإمكانها تحريم تعاطي المخدرات من منطلقات دينية، بل تحرمها قوانينها الوضعية بسبب أضرارها الاجتماعية المدمرة على البشر والمال العام، وهذه نظرة حديثة نسبياً لمخاطر المخدرات، نظراً لطول معرفة الانسان بالمخدرات ومعايشته لها عبر التاريخ، من دون ما يمنع الادمان عليه.
في تقرير للـ«سي.إن.إن» CNN عن زراعة المخدرات في أفغانستان ورد أن الأفيون الأفغاني قتل من مواطني دول حلف الناتو في سنة واحدة أكثر مما قتله مسلحو «طالبان» منهم في السنوات الثماني الماضية! فقد قدرت الأمم المتحدة ضحايا الهيرويين والأفيون والمورفين بــ15 مليونا من البشر، من خلال تجارة تزيد على 65 مليار دولار، ويعتقد أن حركة طالبان جنت في السنوات الأربع الأخيرة ما بين 450 مليونا و600 مليون دولار ضرائب على مزارعي الخشخاش في أفغانستان، وأن جزءا من هذا المبلغ ذهب لجيوب مسؤولين حكوميين أفغان، والمشكلة في تفاقم مستمر، فأموال المخدرات تمول العمليات الارهابية في وسط آسيا، بعد أن تحول طريق الحرير لطريق الأفيون. وعلى الرغم من عظم الكميات المهربة من هذه المادة، لكن سلطات الدول المعنية لا تصادر الا كميات قليلة منها لا تزيد على 20%. كما حذر تقرير للأمم المتحدة من أن كميات من الأفيون تعادل انتاج سنتين قد تم تخزينها، وأن 12 ألف طن من هذا المخدر، التي يمكن استهلاكها كما هي أو تحويلها الى هيرويين، قد اختفت في سبتمبر الماضي. ولا يبدو واضحاً من يمتلكها، ولماذا قام بتخزينها سراً؟! ولكن يمكن الاستنتاج أنها «حجزت» للحفاظ على الأسعار من جهة، وكاحتياطي مستقبلي لتمويل العمليات الارهابية من حاصل مبيعاتها من جهة اخرى. وبين تقرير الأمم المتحدة أن الروس والأوروبيين عموماً يستهلكون نصف ما تنتجه أفغانستان من أفيون، وأن ايران (الدولة الاسلامية الأكثر تشدداً التي فيها أكبر عدد من رجال الدين) هي أكبر دولة مستهلكة للأفيون الأفغاني. كما أن حصة الأفيون في السوق الصيني في ازدياد مستمر. وهذا يضع أفغانستان، التي تتحكم حركة طالبان الدينية الأصولية الاسلامية، في جميع مزارع مخدراتها، هي أكبر منتج للأفيون في العالم، مع حصة صغيرة للاوس وبورما وبعض دول أميركا اللاتينية.
وعلى الرغم من عدم وجود ما يؤكد انتشار الأفيون الأفغاني في الأسواق الأميركية والكندية، لكن من المعروف أن هذين السوقين يستهلكان كميات أكبر بكثير مما تنتجه دول أميركا اللاتينية، وهذا يعني أن الأفيون الأفغاني له موضع قدم صلب في شمال أميركا، أو أن المكسيك وكولومبيا تنتجان كميات أفيون أكبر بكثير مما هو معروف.
نكتفي هنا بهذا القدر من الكلام عن المخدرات التي ربما كنا من القلة من جيل ستينات القرن الماضي، وفي فورة حركة الهيبيز، التي لم نعلق بتلابيبها لا من خلال شمة ولا ضمة أو حتى لمة، على الرغم من أننا كنا لفترة طويلة في قلب وعقل مناطق استهلاكها في بريطانيا.. العظمى!

أحمد الصراف
[email protected]

احمد الصراف

تجربة مع الصمت

يؤمن أتباع جماعة أو طلبة «جامعة براهما كوماريز للروحانيات» -ولست أحدهم- بأن كل فرد منا بحاجة للحظات سكون وصمت في حياته كل يوم. وتمكن ممارسة هذا الصمت من خلال «التأمل» لساعة في الصباح المبكر، وساعة قبل الخلود الى النوم. ويرى بعض المختصين أن من المجدي عمليا ونفسيا، ممارسة الصمت والتوقف عن أداء العمل لدقيقة واحدة كل ساعة من اليوم. والصمت لنصف ساعة مثلا، لا يمكن أن يتحقق من خلال القراءة أو حتى من خلال الاستماع لصوت موسيقى هادئة، بل يجب أن يكون شاملا للعقل والجسد بتحريرهما من أنماط التفكير المعتادة، والخروج من أشراك الحياة والعمل، فهناك مساحات داخل كينونة كل منا يجب أن يقوم باستغلالها، كما المساحات غير المستغلة في الرئات الخاملة، وأن علينا السفر في رحلة الصمت من دون جواز سفر ولا فيزا ولا طائرة ولا قطار ولا حقائب، بل رحلة مع الذات داخل النفس البشرية.
وعلى الرغم من أننا في سفرنا الصامت هذا لا نحتاج حقائب، لكننا نحمل معنا أجسامنا وتفكيرنا ووظائفنا وعلاقاتنا المتشعبة. ولكن، هل سنشعر حقا بالراحة ونحن نتوقف عن التفكير في غالبية هذه الأمور والقضايا، علما بأن التوقف التام عن التفكير أمر مستحيل أصلا؟
كيف سنشعر ونحن نمارس الصمت؟ هل سنشعر بالراحة؟ هل علينا تغيير المكان أو المقعد أو ما نشاهده أمامنا؟ هل نحن بحاجة لمن يكون بجانبنا، ونحن نسير في رحلة الصمت تلك؟ ما الذي نراه من خلال عيوننا الداخلية، ونحن نقوم برحلة داخل أجسادنا ننتقل فيها من عضو لآخر؟ هل نحتاج، خلال الرحلة، أن نسأل أنفسنا بضعة أسئلة، مثل: ما السلام؟ ما الراحة النفسية وما التوافق مع الذات؟ ما الذي يمنعنا أن نكون في سلام مع النفس؟ ما العادات أو العواطف أو أنماط الحياة التي تمنعنا من السلام الداخلي؟
فكر في عملك وفي روحك وحاول أن تقارن بينهما. وعندما تعود من رحلة الصمت والسكون تلك يجب أن تسأل نفسك: كم من الأحقاد والضغائن قد تركت خلفك وكم من الحب والتسامح قد اكتسبت؟!
وهل كانت خلوتك مع النفس وصمتك العميق مجديين، وهل ستعود لممارسة هذا الصمت ولو لعشرين دقيقة يوميا؟ ربما البعض منا سيفعل ذلك، كما سأفعل ذلك بعد أن أضع التاريخ على هذا المقال وأنتهي من كتابته.

أحمد الصراف
habibi [email protected]

احمد الصراف

النّصب الديني.. والبلاك بري!

منذ ظهور الأديان، بدائية أو سماوية أو وحدانية أو متعددة الأرباب، لم يعدم المشتغلون بها وسيلة إلا لجأوا اليها للتكسب من احترام البشر شبه الفطري لرجال الدين وتوقيرهم، وتصديق غالب -إنْ لم يكن كل- ما يصدر عنهم. ويبدو أن التكسب من الدين سيكون آخر تجارة بائرة، طالما بقي الناس على حرصهم على وضع المسؤولية على عاتق غيرهم من منطلق «حطها براس عالم واخرج منها سالم»!
لا نود التطرق الى الطرق القديمة في الاستفادة من الدين، فهي عديدة ومعروفة وسئمنا من سماعها وتكرار قولها، ولا بد بالتالي من البحث عن الجديد في طرق النصب والاحتيال، فالفكر الشرير، كما في عالم الجريمة ومكافحتها، يسبق الفكر الطيب، وآخر هذه الطرق، النصب بإرسال رسالة نصية تقول:
فسر حلمك على هدي الكتاب والسنة وأخبار أهل العالم واتصل على الرقم (..)، وتكلفة الدقيقة على المتصل 300 فلس!
وحيث ان 300 فلس مبلغ تافه جدا لدى الكثيرين، والغالبية لديها حلم أو أكثر تريد له تفسيرا، قبل أن تنساه لتنتقل الى حلم آخر، فعلينا تخيل ما يمكن جنيه من هذه الطريقة المبدعة من مال سهل.. وحلال وزلال!
كما توجد على الانترنت طريقة إثراء عجيبة أخرى من خلال استغلال الدين، وذلك بالإعلان عن أداء الحج أو العمرة إلكترونيا، فما على الراغب في ذلك إلا تعبئة نموذج محدد عن طريق الانترنت، وإرسال مبلغ من المال لحساب مصرفي، ليقوم من تتوافر فيه الشروط الصحيحة بالحج أو العمرة عن السائل الكسول، أو العاجز.
كما قام بعض المحتالين في إيران، وربما في العراق، باتباع طريقة احتيال مبتكرة لم يفكر أحد فيها من قبل، على الرغم من سهولتها، وحتى عندما كانت الأمية أكثر انتشارا والجهل أكثر استشراء، ويهدف أصحاب هذه الطريقة الى «مساعدة المؤمنين والفقراء» أو أولئك الذين لا تسمح لهم ظروف العمل أو العائلة بالسفر الى زيارة الأماكن والعتبات المقدسة، وذلك بصنع أشكال تشبه الأضرحة والانتقال بها على عربات نقل تجوب المدن والقرى النائية، لكي يتمكن القرويون المؤمنون من لمسها والتبرك بها وشمها وضمها وتقبيلها والرجاء منها تلبية دعواتهم وسماع صلواتهم وإعادة الغائب منهم لأهله، ومن ثم -وهذا هو المهم- التبرع للمؤسسة الدينية برمي الأموال من خلال فتحات الضريح النقال!
وهكذا، نجد أن طرق النصب والاحتيال تتقدم وتتطور تبعا لتقدم العصر ومتطلباته، من دون الوقوف ولو لبرهة أمام عائق العادات والتقاليد، فمنذ متى كان من عاداتنا طرح الأسئلة الدينية وطلب تفسير حلم من خلال جهاز البلاك بري؟.. ولكن يبدو أن متطلبات الإثراء السريع وغير المشروع تبرر كل شيء!

أحمد الصراف
habibi [email protected]

احمد الصراف

موسيقى حائط المبكى

في آخر يوم عمل لصحافية بريطانية في القدس، طلبت مقابلة شخصية مميزة، فقيل لها ان عليها لقاء «راباي» يصلي منذ سنوات طويلة أمام حائط المبكى، وعندما قابلته سألته عما يفعله أمام الحائط منذ سنوات، فقال انه يصلي منذ أربعين عاما من أجل السلام بين اليهود والفلسطينيين والعرب، ويصلي من أجل أطفال يهودا والسامرة، وأطفال القدس ورام الله وغزة وحطين، وكل مدن فلسطين، يصلي من أجل أطفال العرب وأفريقيا والعالم، ومن أجل السلم والوئام والاستقرار ونهاية الحروب، وعالم من غير أسلحة دمار شامل! وهنا سألته الصحافية عما تحقق من صلواته: فنظر إليها باستغراب، وكأنها لا تفهم، وقال: ألا ترين أنني أتحدث مع حائط من الحجر؟!
تذكرت هذه الطرفة وأنا أستذكر كل ما كتبناه، وعدد من الزملاء والزميلات، عن فضل الموسيقى وأهميتها في حياة كل واحد منا، ومدى تأثيرها في خلجات أنفسنا، ودورها في الحروب والغوص والتجارة، وتذكر الأهل والحنين إلى الوطن، والتفاعل مع الروح الإنسانية العالية، التي تجرد منها البعض، وأصبحوا أقرب إلى الأغنام منهم إلى البشر، وذلك في معرض دفاعنا عن موقف وزارة التربية من تدريس مادة الموسيقى في المدارس الحكومية، فموقفنا جميعا يشبه إلى حد كبير موقف ذلك الراباي، وهو يتحدث مع حائط مبني من الصخر لا يفقه شيئا. فالمسألة لا تتعلق بمنطق لكي يكون العقل هو الحكم، ولا بذوق عند من لا يعرفه، ولا بتربية مع من خلت الأصوات المرحة والجميلة، دع عنك العالمية والسامية، من حياته، بل الأمر يتعلق بقناعات ومواقف لا تعرف غير شد أحزمة المتفجرات وتفجيرها في الرضع والأمهات، ابتغاء ملاقاة الحور العين أو ما هو أعلى في طرفة عين!
إن العيب لا يكمن في عقول وأنفس المعترضين على تدريس الموسيقى في المدارس الحكومية، ولا في عقول من تظاهروا مطالبين بمنع «سماعها» دع عنك تدريسها، لأبنائهم، بل بتلك المناهج البالية التي طالما كتبنا مطالبين بتشذيبها من البالي من الأفكار التي تخرج هكذا عقليات لا تعرف غير تحريم ما تشتهي وتحليل ما ترغب، متذرعة بمقولة الحرام بين والحلال بين.
نعود ونقول، ولايزال في الوقت متسع، بأن ما نحصده الآن من مواقف متشددة، ما هو إلا نتيجة ما درس في مدارس الحكومة من تخلف. وما سنحصده ونراه في السنوات العشر أو العشرين المقبلة، هو ما يدرس الآن في مدارسنا ومعاهدنا، والخيار أمامكم، إما اللحاق، ما أمكن، بركب بقية الأمم، وإما الرضا بالبقاء في الحضيض، مع غربان البين، رغبة في إرضاء من لا يرتوون من أي رغبة!
ملاحظة: كتب من كنا نعتقد برجاحة عقله أنه درس الموسيقى سنوات في المدرسة، ومع هذا لم تعن له غير «تاتا فافا تراتا»، ولهذا فهي، أي الموسيقى، لا تعني شيئا!

أحمد الصراف
[email protected]

احمد الصراف

الإرهابي أحمد بن ناصر

يقول الصديق ناصر في رسالته إنه كان بالأمس يتحدث مع ابنه، أثناء مشاهدة فيلم سينمائي، عن ضرورة اهتمامه بالدراسة والحصول على علامات جيدة. وقال له، في محاولة لاغرائه بالاجتهاد في دروسه، انه سيسافر به في الصيف الى أي مدينة يحب، وربما الى أميركا، ان سمحت ظروفهم المالية بذلك، وانه سيتمكن ربما من زيارة مدينة والت دزني للملاهي، التي طالما حلم بها، بعد أن سمع عنها وشاهد الكثير من معالمها في الصور والأفلام السينمائية. ولكن ناصر فوجئ بالدهشة لسماع ابنه يقول انه لا يود السفر الى أميركا، وعندما سأله عن السبب، قال أحمد، وهذا اسم ابنه، لأنهم «كفارررر»! هكذا نطقها بتشديد عميق على حرف الراء. فسأله والده، وهو مصدوم من اجابته، عمن قال له ذلك؟ فقال انها مدرسة الدين في المدرسة، وأضاف أحمد ان الأميركان يأكلون لحم الخنزير، وكل ما يستخرج منه، وانهم كفار والله ما يحبهم لأنهم ما يعبدونه، ولهذا السبب، أو علشان جذي، لا أريد أن أسافر الى أميركا ولا أشوف «والت ديزني»!
وهنا تدخلت زوجة ناصر، التي كانت تستمع لابنهما وأبدت شديد غضبها من حديثه، وقالت انها ستذهب في الغد الى المدرسة لمعرفة ما يجري بها من غسل لأدمغة الطلبة، فطيب ناصر خاطرها ووعدها خيرا وجلس في تلك الليلة طويلا مع ابنه يطلعه على الكثير مما احتوته مكتبته من أفلام تعليمية وصور وكليبات «اليوتيوب» التي تبين دور أميركا في الكثير من المكتشفات والاختراعات والأدوية، وما قاموا به من جهود عظيمة في تحرير الكويت واعادتها حرة لأبنائها، والتركيز بدرجة أكبر على أن أميركا دولة لا يختلف شعبها عن أي شعب آخر وأنهم بشر طبيعيون، وأننا ندين لهم بالكثير وعلينا محبتهم، أو على الأقل عدم معاداتهم أو كرههم!
أنهى ناصر رسالته بالقول انه شعر بأن الصبي قد اقتنع قليلا بكلامه، لكن ليس تماما، فبعد كل ذلك الكم من الصور والأفلام وكليبات اليوتيوب التي أطلعه عليها، كان الصبي يقلب رأسه ويمط شفتيه وكأنه غير مقتنع تماما، وأن تأثير كلام معلمته فيه كان قويا لدرجة أقلقته كثيرا!
المهم في الموضوع أن أحمد لا يتجاوز من العمر أكثر من ثماني سنوات، وعلى الرغم من ذلك تعرض على يد معلمته، أو «الأبلة»، لاعتداء عقلي شرير خلق منه ارهابيا صغيرا على استعداد للقيام بما يرضي المعلمة، ويسيء لأميركا الكافرة، وكل ذلك من خارج مناهج المدرسة. وهذا يبين أن القضية ليست فقط قضية مناهج خربة بل ومدرسين نجحت الآلة الدينية الحزبية للسلف والاخوان في تحويلهم لأدوات مفسدة للنشء ومخربة لعقولهم. فيا موضي كم هي صعبة مهمتك!!
أحمد الصراف
[email protected]

احمد الصراف

لمياء.. يا حلم الوطن

حصلت لمياء على شهادة الدكتوراه في تخصص نادر، وعملت قبل الغزو والاحتلال في وزارة الصحة في مجال المناعة الوراثية، واستمرت فيه لما بعد التحرير، ثم انتقلت للعمل في لندن، وهناك تسلمت وظيفة إدارية عالية في أحد أكبر مستشفياتها، وبعدها انتقلت الى روما، حيث بدأ نجمها العلمي والعملي بالظهور، بعد أن عينت مندوبة دائمة للكويت في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، وهي المنظمة الأكثر نشاطا وأهمية بين جميع المنظمات الدولية. وفي الفاو، ومن واقع شهادات مكتوبة ممن عملت معهم من كبار سفراء الدول العظمي، أبلت بلاء حسنا في وظيفتها المرموقة، وخلال فترة ترؤسها للجنة الـ77 التي تضم أكثر من 130، وفي المناصب الأخرى التي تولتها في المنظمة وبرنامج الأغذية العالمي، والذي كان له الأثر الايجابي على اعمال المنظمة ووطنها بشكل عام.
وفجأة، أقيلت لمياء من وظيفتها، وجميع مهامها الأخرى، وشوهت سمعتها من خلال صحف معروفة بعدائها للمرأة، وتركت في روما لكي «تعابل» نفسها، بعد أن رفضت حكومتها حتى التكفل بأمر عودتها الى وطنها.
هذه هي لمياء السقاف، التي كانت وجه الكويت الحضاري في المنتديات والمحافل الدولية، والتي تمت قبل فترة قصيرة إقالتها من وظيفتها المهمة، التابعة للهيئة العامة للزراعة، وبطلب من وزارة الخارجية الكويتية!
قد يكون لنائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية، الشيخ الدكتور محمد الصباح أسبابه في ما قام به، وقد يكون لمدير عام هيئة الزراعة عذره هو الآخر في قبول الأوامر، ولكن من المؤسف حقا أن نرى كفاءة نادرة تقال هكذا دون الاستفادة من خبراتها وعلاقاتها الدولية لأسباب ضخمت بشكل غير صحيح، وهي الآن منظورة أمام القضاء العادل، كالقول بانها متزوجة من غير جنسية الكويت، ولكن هؤلاء فات عليهم أنها ليست دبلوماسية، وبالتالي لا يشملها الحظر، علما أن هناك أكثر من حالة مستثناة من هذا النظام، ضمن السلك الدبلوماسي.
كما أن ما اتهمت به من اقامة حفلة مخالفة للعادات والتقاليد (!!) لأربع نائبات كويتيات لا صحة له، وغير ذلك من التهم التي لا تستحق حتى التطرق اليها.
إن البعض منا لا يكتفي بالتعدي على مخرجات التعليم وتشويه تربية النشء، بل يسعون كذلك لوأد الكفاءات، وكأن ما لدينا يزيد على حاجتنا بكثير.
لست هنا في معرض الدفاع عن السيدة لمياء، ولا أعتقد أنها بحاجة لدفاعي او للوظيفة الحكومية، ولكن مؤلم أن نرى كيف يعامل الإنسان المخلص في أروقة الحكومة، فلو كانت هذه السيدة رجلا يدخل الدواوين ويعرف النواب لكان الوضع مختلفا. كما أن تجاربها مع «الموظف الكويتي» أعادتني الى فترة الستينات، عندما كنت أعمل رئيس قسم في أحد المصارف، حيث كنت أعاني الكثير مع الفئة نفسها التي تسببت في المشكل للمياء، وهي الفئة التي تأتي السوالف وطلب زيادة الراتب والمزايا عندها قبل واجبات الوظيفة والتفاني في أدائها!
نعم، مؤسف أن نرى من تعبت على تعليم نفسها وتثقيف ذاتها تقبع في البيت للقيام بأعمال تستطيع مدبرة منزل متواضعة الفهم، ومقابل 60 دينارا، القيام بها، نقول ذلك ونحن على ثقة ان معرفة الحقيقة في هذه القضية ليست بالأمر الصعب المنال.
أحمد الصراف
habibi [email protected]

احمد الصراف

سمك بنك وربة

انتشرت على الإنترنت قصة عن الكيفية التي أنشئت فيها جامعة ستانفورد الأميركية الشهيرة في ولاية كاليفورنيا. وكتب البعض القصة نفسها، نقلا عن الإنترنت، وكيف أن رجلا وزوجته دخلا جامعة «هارفارد» الأكثر شهرة في العالم وطلبا مقابلة رئيسها لأمر ما. وبسبب مظاهر الفقر البادية عليهما وملابسهما الرثة، لم يحسن رئيس الجامعة استقبالهما لمناقشتهما بخصوص ما قدما من أجله وهو التبرع لبناء مبنى يحمل اسمهما ضمن حرم الجامعة، وأدى هذا الى غضبهما ودفعهما للعودة الى كاليفورنيا وتأسيس جامعتهما الخاصة، التي أصبحت تعرف بـ «ستانفورد» والتي خلدت اسم «ليلاند وجين ستانفورد» للأبد، والتي تعتبر اليوم من بين أفضل عشر جامعات في العالم، وأضاعت «هارفارد» تبرعا سخيا بسبب سوء تصرف رئيسها!
هذه القصة مختلقة بكاملها، فليلاند ستانفورد Leland Stanford مؤسس جامعة ستانفورد، الذي سبق أن ولد في ولاية نيويورك، ودرس الحقوق فيها وهاجر الى كاليفورنيا مع موجة البحث عن الذهب، حقق ثروة كبيرة في مقتبل عمره من العمل في صناعة وتشغيل السكك الحديدية. كما كان في فترة حاكما لولاية كاليفورنيا، وسيناتورا معروفا في سبعينات القرن التاسع عشر، وكان واسع الثراء وأنيقا في ملبسه وحياته. وقد قام في عام 1876 بشراء مساحات شاسعة من أفضل الأراضي لبناء سكن خاص لعائلته، وبلغت مساحة الأراضي التي ابتاعها 32 مليون متر مربع. وقرر الزوجان، في لحظة تجل، وهما في زيارة لإيطاليا، منح تلك الأرض الكبيرة لأبناء كاليفورنيا، تعويضا لفقد ابنهما الوحيد، الذي لم يكن يتجاوز الخامسة عشرة من عمره عندما توفي متأثرا بإصابته بالتيفوئيد الذي لم يمهله كثيرا.
ويذكر التاريخ أن الزوجين، ومن واقع الموقع الإلكتروني الرسمي للجامعة، قد قاما بالفعل بزيارة رئيس جامعة هارفارد للاستفادة من خبرته في مجال تأسيس الجامعات، وليس للتبرع لبناء مبنى يحمل اسمهما.
ولو كنا أنفقنا مبلغ المائتي مليون دينار، أو 700 مليون دولار، الأخيرة التي صرفت على إسقاط قروض البعض، الوهمية في غالبيتها، وتأسيس بنك لا حاجة لنا به، على مشروع علمي كتأسيس جامعة رائدة لأصبح عدد الجهلة والفقراء بيننا أقل، ولما احتاجت «الأمة» لمن يسقط عنها قروض بعض أفرادها ولا من يعطيها أسهما مجانية لا تساوي الكثير! فنحن بحاجة لمن يقوم بتعليم أبنائنا كيفية صيد السمك وليس لمن يرمي لنا سمكا على أبواب بيوتنا، والتي غالبا ما تترك هناك لتخيس، والدليل على ذلك أن نسبة المساهمة في أسهم بنك وربة «المجانية»، لم تتجاوز حتى الآن 78% بكثير، بالرغم من أنها مجانية.

أحمد الصراف

احمد الصراف

صراع السلف والإخوان وخراب البلد

ورد في القبس (9/11)، ومن مصادر في وزارة الأوقاف، أن قياديي السلف في الوزارة يمارسون ضغوطا على الوزير لإجباره على إجراء تعديلات على هيكل الوزارة، لكي تتاح لهم السيطرة على قطاعات معينة، وتعيين قيادات منتمية إليهم لكي تحقق لهم مصالحهم «الدنيوية»! ويركز هؤلاء على قطاعات المساجد والإفتاء والثقافة الإسلامية، وليس غريبا اهتمامهم بهذه القطاعات، فهي الأكثر صرفا للمال من جهة، ونفوذا وتحكما بعقول العامة من جهة أخرى!
والطريف، أو المضحك حقا، أن وزارة الأوقاف تفكر جديا في إلغاء قطاع الثقافة الإسلامية بعد استقالة الوكيل المساعد للقطاع منذ ستة اشهر، ظل خلالها المنصب شاغرا! وقرار الوزارة إلغاء المنصب يؤكد أنه ربما خلق لشخص معين، وليس لغرض مشروع، وبالتالي انتفت الحاجة له مع استقالة من سبق ان صُمم له المنصب! ومن المفترض أن قيادات الوزارة، الإخوانية الهوى والانتماء، لن يستسلموا بسهولة لضغوط السلف، وسيقاوموا دفاعا عن مكاسبهم المالية والافتائية، إلا إذا تدخلت الحكومة «الرشيدة وغير ذلك» وقررت تحقيق مطالب من أجل مصالح سياسية.
ومن جهة أخرى، ورد في صحيفة الجريدة في اليوم نفسه أن مراقبي الجمعيات الخيرية والمبرات في وزارة الشؤون، الذين يكسرون الخاطر، قد قاموا بتحرير جملة من المخالفات، وربما بالآلاف، بحق هذه الجمعيات، والتابعة لدولتي السلف والإخوان، والتي تمثلت، للمرة الألف، في اتباع هذه الجمعيات المسماة بالخيرية لطرق غير قانونية في «استجداء» التبرعات من المواطنين والمقيمين! وبالرغم من علم هذه الجمعيات بأنها ترتكب مخالفة قانونية، فإن من الواضح أن المشرفين عليها لا يؤمنون بأن ما يقومون به يشكل مخالفة أصلا. كما انهم على ثقة بأن الوزارة بكامل طاقمها، مع وزيرها الذي نكن له حقيقة كثيرا من الاحترام والمحبة، عاجزون عن وقفهم عند حدهم، كما ان، وهذا أهم، ما يتم جمعه من مال سهل يذهب جزء كبير منه إلى جيوب جامعيه، يستحق ارتكاب المخالفة والأخرى وحتى الألف. كما أن تهديدات الوزارة ستبقى كعادتها في إطار «اللوم الشفوي والعتاب الإخواني»، وربما إحالة الشكاوى إلى اللجان التي يشرف عليها إما متعاطفون مع هذه الأحزاب السياسية الدينية، أو ممن لا حول ولا قوة لهم في ظل غياب سياسة حكومية واضحة، فيما يتعلق بمثل هذه الجرائم المالية.
وهنا لا يسعنا إلا التمني على الإخوة في الحزبين السلفي والإخوان الاجتماع في جاخور، أو زريبة، كما فعل إخوة لهم في وقت سابق، لتسوية خلافاتهم والاتفاق على تقاسم الكيكة بطريقة عادلة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

عنصرية أولاد بطنها ضد أولاد ظهرها

اشتهر الألمان بصلافتهم واعتدادهم الكبير بأنفسهم وبكونهم، كآريين، أعلى عرقا من غيرهم من الشعوب الأخرى، وقد دفعتهم هذه الترهات التاريخية، التي لا تستند إلى أي أساس متين، الى خوض حربين عالميتين كلفتاها والعالم أجمع كثيرا في الأرواح والأموال، ولايزال من بقوا أحياء ممن شاركوا في الحرب العالمية الثانية، يحتفظون بذكريات أليمة عن أهوال تلك الحرب وآثامها.
اليوم، وبعد 65 عاما من انتهاء الحرب تلك المعارك اللعينة، التي نتج عنها هزيمة الرايخ وسقوط نظرية التفوق الآري، والتي حولت ألمانيا إلى دولة مسالمة، وبعد سقوط جدار برلين واتحاد الألمانيتين، وبعد أن أصبحت ألمانيا عضوا مؤسسا في أكبر وأقوى اتحاد في العالم، نرى أن تلك التغيرات «الإيجابية» قد أثرت في كل مناحي الحياة، وأصبح الألماني الآري الأبيض الفخور بأنكلوسكسونيته أكثر تقبلا للآخر واندماجا معه، وهو ما فشلا في تحقيقه بجدارة مخجلة، وبعد أكثر من ألف عام. ويمكن ملاحظة تلك التحولات الإيجابية في أوروبا عموما وفي قلبها الألماني، عندما قامت حكومتها باختيار يتيم من أصل «فيتنامي» قدم طفلا إلى ألمانيا بلا اسم ولا اصل ولا فصل، قامت باختياره وزيرا للصحة في واحدة من أقوى دول العالم اقتصادا وأكثرها جدية واحتراما للعمل وتفانيا في أدائه. والغريب، أو المدهش، أن وسائل الإعلام الألمانية كافة تناولت بدهشة وفخر تعيين فيليب روزلر، وهذا هو الاسم الذي أعطي له وهو صغير، وزيرا للصحة في حكومة أنجيلا ميركل أول مستشارة في تاريخ ألمانيا، علما بأن الوزير الجديد لا يتجاوز عمره السادسة والثلاثين عاما!
وهنا في الكويت، صلّ. على النبي، لا يسمح لفئات محددة من الشعب، وبعد مرور قرون على وجودهم في وطنهم، وبعد أن ضحى أبناؤهم وبناتهم وأهاليهم بدمائهم وأموالهم فداء الكويت، لا يسمح لهم بمجرد الدخول، دع عنك العمل، في جهات حكومية عديدة، والأمثلة أكثر من أن تحصى أو تعد، فأي سخافة هذه وأي تفرقة عنصرية مذهبية نتنة تلك، والتي نحن أبعد ما نكون عنها، ثم لتأتي صحيفة وتضع في صفحتها الأولى صورة رمزية لنا ونحن نضع دستور البلاد، الذي انتهك وينتهك مرارا وتكرار كل يوم في سطل ماء. آه، كم أنت جميل ورائع.. أيها الخجل!

أحمد الصراف