احمد الصراف

نداء مخلف الشمري وجمعياتنا الخيرية

وزع الشيخ والحقوقي السعودي مخلف الشمري، عضو لجنة الأمان الأسري، بيانا استنكر فيه تقاعس وغياب الجمعيات الخيرية عن كارثة جدة، والغياب الواضح لمشايخ وأئمة المساجد والدعاة عن الدعم والمساندة فيما تعرض له سكان جدة من محن. وقال الشمري «شعرت بالاشمئزاز والتقزز وأنا أرى أحد منتسبي الجمعيات الخيرية بمراكز الايواء يرتدي نظارة سوداء ويبتسم للكاميرا، بينما فقير كبير السن يقبل ظرف الاعانة المقدم له من الشاب في صورة دعائية فاضحة، لم تحترم كبر سن ذلك المسلم الفقير وتعمدت اذلاله من شاب في سن أحفاده». وأضاف: هذا يكفي لمعرفة نوعية من يقوم على العمل الخيري، فقد أوكل لغير أهله. ويكفينا مراقبة من يعمل في الجمعيات الخيرية، لنرى كيف أصبح من الأثرياء في زمن قصير، وفقراؤنا يزدادون فقرا، فهذا أحد أبواب الفساد المغلف بالدين. وتساءل الشمري: «أين الدعاة وأين أئمة المساجد والمشايخ وأين رؤساء مجالس ادارات الجمعيات الخيرية وأين هيئة الأمر بالمعروف عن كارثة جدة؟ وقال: بعد هذا الفشل من الجمعيات الخيرية في التصدي للكارثة وفي مراكز الايواء، وقبلها فضائح الاختلاسات في مشروع افطار الصائم واستخدامها لتمويل الارهاب وغيره، فعلينا جميعا استيعاب الدرس والاستفادة من التجارب المرة التي نتجرعها. ولهذا، نيابة عن فقرائنا، أناشد خادم الحرمين الشريفين هازم الارهاب والفساد، وكل مسؤول اغلاق هذه الجمعيات وتحويلها الى بنك للتكافل الاجتماعي يستخدم التقنية الحديثة ومعايير المحاسبة والادارة المتعارف عليها.
ولو تم استخدام أموال العمل الخيري في بلادنا بصورة صحيحة وتم تنظيمه فلن يوجد لدينا محتاج، ولن يساور أحد الشك في أين تذهب أموال هذه الجمعيات، وعندها سيطمئن الناس الى بنك التكافل الاجتماعي ويزيد العطاء ويختفي المحتاج من المملكة! لمزيد من التفاصيل يمكن الاطلاع على الرابط التالي:
http://news-sa.com/snews/482-2009-12-03-15-37-39.html
ولو نظرنا لوضعنا في الكويت لوجدنا أوجه تشابه كثيرة بيننا وبينهم، فقد أصابتنا كارثة مماثلة قبل سنوات وتسببت في خسائر كبيرة، ومع هذا لم نجد أو نسمع عن أي تحرك لجمعياتنا الخيرية.

أحمد الصراف

احمد الصراف

مقارنة صابئية مسيحية سنية شيعية

«.. ماذا تريدون.. أن أصدمكم بالواقع أم أخدعكم بالوهم؟»
(طارق حجي – «ثقافتنا بين الوهم والواقع»)
* * *
قرأت مقالا على الإنترنت لكاتب عراقي وقعه باسم مستعار، بعنوان «شكرا للمسيحيين، وشكرا للصابئة الذين لقّنونا درسا». وبالرغم من النفس الطائفي الذي اتسم به النص فإن نقاطا فيه استرعت انتباهي ودفعتني لكتابة هذا المقال. يقول الكاتب ان بيانات كثيرة صدرت من عدة كنائس في العراق في عيد الميلاد الأخير أعلنت فيها امتناعها عن إقامة الاحتفالات المعتادة لتزامنها مع ذكرى استشهاد الإمام الحسين. كما تطرق المقال الى قصيدة الشاعر العراقي عبدالرزاق عبدالواحد التي أشاد فيها بمآثر الإمام الحسين، بالرغم من أن الشاعر، المنفي قسرا عن وطنه، صابئي معروف، وكيف وصف الحسين ملهما للسيوف والسواعد والقلوب لتزهق الباطل، بينما الكثيرون، برأي الكاتب، لا يرون فيه غير ضحية نبكي عليه ونتذكر عطشه وجوعه!
كما لاحظنا بكل أسف أن إرهابيين في باكستان قاموا في الفترة نفسها بإرسال انتحاري ليفجر نفسه في يوم عاشوراء والميلاد في حسينية في باكستان ويقتل العشرات ويجرح المئات، وليتبع ذلك ما يماثله، في التوقيت نفسه، في مدن عراقية أخرى، وكان الضحايا في غالبيتهم من السنة وفي مناطق أخرى من الشيعة، كما تعرضت بعض الكنائس للحرق!
وذكرني المقال كذلك بما حاول الإرهابي النيجيري عمر عبدالمطلب الإقدام عليه، وأيضا في التوقيت نفسه، عندما قرر تفجير طائرة محملة بثلاثمائة نفس بشرية بريئة فوق مدينة شيكاغو في ليلة عيد الميلاد، وكيف أن كل تلك الأرواح وعيون الأطفال الذين كانوا من حوله ومعه لم تثنه عن فكرة الإقدام على قتلهم جميعا ومعهم آلاف آخرون ربما على الأرض، كل ذلك باسم الدين ورغبة في الهرولة للجنة، فأي بشر هؤلاء وعن أي إيمان يتكلمون..؟!
كما ذكرني المقال بحكم الإعدام الذي نفذته الحكومة الصينية، في الفترة نفسها، بمواطن بريطاني لمحاولته تهريب كمية من المخدرات إلى الصين، وكيف أن الحكومة البريطانية قدمت، على مدى أكثر من عام، 27 رجاء والتماسا وطلبا لإطلاق سراحه، أو تخفيف الحكم عنه، مراعاة لظروفه العقلية، وكيف أن العالم المسيحي الغربي، وعلى رأسه بابا الفاتيكان، وسياسيون كبار ورؤساء أحزاب فاعلة لم يترددوا في تقديم الالتماس تلو الآخر للحكومة الصينية لتخفيف الحكم عنه لأسباب إنسانية بحتة، ولا شك أن أياً من هذه الجهات التي تدخلت بكل ثقلها مع الحكومة الصينية لإخضاع المتهم «شيخ» لمحاكمة أكثر عدالة نظرا لظروفه العقلية، لم تضع في اعتبارها أنه من أصل هندي وليس أوروبيا أو أنه مسلم وليس بمسيحي، وهنا تكمن إنسانية هؤلاء وهمجية البعض منا عندما نتعمد إيقاع أقصى الخسائر وأكبر الكوارث بغيرنا في أجمل ساعات فرحهم وسعادتهم باسم التدين والرغبة في الحصول على الأجر الأكبر!

أحمد الصراف

احمد الصراف

تجارة الأعضاء في الخليج

تعتبر الدول الخليجية الأقل اهتماما واكتراثا بقضية دولية أصبحت الشغل الشاغل لعدد متزايد من المنظمات والسلطات الصحية العالمية، ألا وهي قضية المتاجرة بالأعضاء البشرية. ويعود سبب ذلك لغنى مواطني هذه الدول وتزايد أعداد المحتاجين منهم لأعضاء بشرية، بسبب أنماط معيشتهم الشرهة والمتطرفة، وقدرتهم على شرائها من أي مصدر كان. وبالرغم من هذه الحقيقة، وكل مظاهر التدين التي تنتشر بها، فإن أيا من رجال الدين أو جهات الإفتاء فيها لم تكلف نفسها يوما لتحريم استغلال حاجة شعوب الدول الفقيرة للمال واضطرارهم لبيع أعضائهم للأثرياء العرب والمسلمين وغيرهم.
وبالرغم من أن الجهود الدولية الداعية لتنظيم عملية التبرع بالأعضاء تعود لأكثر من 30 عاما، فإن الكويت، ومعها بقية الدول العربية، لا تزال تفتقر للتشريعات المنظمة في هذا المجال، ولا تزال الغلبة فيها لكلمة رجل الدين في تحديد الموت، وليس للطب، بسبب إصرارنا على التخلف الذي نأبى إلا التمسك بكل نواجذنا بتلابيبه!
ولو قام أي مسؤول صحي، وهنا نعني وزير أو وكيل وزارة الصحة بالذات، مع عدد من النواب الذين لا يزال فيهم خير، بزيارة الجمعية الكويتية للتبرع بالأعضاء، التي أسسها وأدارها الدكتور مصطفى الموسوي باقتدار كبير لسنوات طويلة، لوجد أن هناك الكثير الذي يمكن القيام به في هذا المجال. وأن لدينا خبرات ومواهب يمكن عن طريقها، مع بعض التنظيم، الوصول الى الاكتفاء ذاتيا بالأعضاء البشرية ووقف استغلال حاجة الآخرين في الدول الفقيرة وشراء أعضائهم البشرية بأثمان بخسة وتشجيع المتاجرة بها، ولكي توفر الدولة ملايين الدنانير سنويا التي تصرف على «سياحة شراء الأعضاء». فهناك دائما في الكويت من هو على استعداد للتبرع بأعضائه، في حال إصابته بحادث ما، كما هي الحال معنا ومع غيرنا. ولا أدري إن كانت بطاقة التبرع بالأعضاء التي احملها في محفظتي تخول المستشفى أو الطبيب القيام بنقل أعضائي دون خوف من المساءلة القانونية، وهذا ما هو مطلوب التأكد منه مع ضرورة قيام الدولة بتشجيع المواطنين على الانضمام الى جمعية التبرع بالأعضاء وحصر تحديد الميت بيد الطب فقط دون تدخل من خريج علوم شرعية.

أحمد الصراف

احمد الصراف

عقليات الدعاة والمبشرين

من الظواهر الغريبة التي لا تصعب ملاحظتها أن غالبية المتشددين من الدعاة والمبشرين الدينيين، من مسلمين ومسيحيين، المعنيين أكثر من غيرهم بــ«هداية وتبشير» غير المنتمين لديانتيهم، جهلهم بالكثير من حقائق الحياة التي لو علموا بها لكانت البشرية في حال أفضل، ولكان السلام أعم وأشمل. ومن هذه الحقائق أن سكان الكرة الأرضية، الذين وصل عددهم لأكثر من 6.8 مليارات، يتبعون عشرات آلاف الأديان والمذاهب واللغات والثقافات، وهم غالبا راضون بايمانهم ومعتقداتهم سعداء بعاداتهم وتقاليدهم. وربما لا يعلم غالبية هؤلاء الدعاة أن الأرض مثلا تزيد مساحتها على 510 ملايين كيلومتر مربع، منها 18 ألفا للكويت، وأنها تبعد عن الشمس، في أقصى نقطة، أكثر من 152 مليون كيلومتر، وأن الأرض وجدت قبل 4.54 مليارات سنة، وظهرت الحياة عليها بعد مليار عام، ومن المتوقع أن تنتهي الحياة على الكرة الأرضية، بتأثير من الشمس، خلال 1.5 مليار سنة، وأن سنة الأرض تبلغ بالضبط 365.256366 يوما. وأن في الصين مليارا و300 مليون نسمة، غالبيتهم العظمى على غير استعداد لتغيير قشة في نمط حياتهم، دع عنك تغيير معتقداتهم، فهكذا كانوا لستة آلاف سنة، وهكذا سيبقون رضي الدعاة والمبشرون أم رفضوا. كما أن تفاوت أطوال الليل والنهار وتفاوت درجات حرارة الأرض التي تبلغ في أدنى درجاتها 98 بالناقص وترتفع لما فوق 57 مئوية بقليل تجعل من الصعب، ان لم يكن من المستحيل، أن نسيّر البشر على نمط ونظام واحد، مهما اعتقدنا بصحته. وما زال بين هؤلاء الدعاة من لا يود أن يصدق أن الأرض تدور حول الشمس وحول نفسها، وليس كما ورد في بعض الكتب الدينية من أن الأرض ثابتة وبغير ذلك سيختلط على المسلمين مثلا اتجاه الكعبة خلال اليوم الواحد عدة مرات! كما لا يعلم هؤلاء المبشرون والدعاة، الذين يستميتون لهداية بقية أهل الكرة الأرضية، بأن من المستحيل فعل ذلك، حتى لو أحببنا، وأن عدد المسلمين الحالي الذي يقل قليلا عن عدد المسيحيين لا يعني الا أن السباق على كسب المزيد من الأتباع والمهتدين لن يعني شيئا في نهاية الأمر، خاصة أن كم البسطاء والمسحوقين من البشر الذي يكسبه كل طرف الى جانبه في كل عام لن يغنيهم عن شيء ان كان لضآلة الأعداد أو تواضع المستوى العلمي والمالي والثقافي للمهتدين الجدد، وأن من الأفضل بكثير صرف كل هذا الجهد والمال على رفع مستوى المسلمين والمسيحيين ليكونوا أكثر محبة وتقاربا بعضهم لبعض، بدلا من كسب أناس جدد لكل دين، فالعالم سيكون حتما في حال أحسن لو تركنا بعضنا بعضا نعيش مع معتقداتنا ولا نسفه ونحتقر ونسخر من معتقدات الآخر! ولكن كيف يمكن اقناع تجار الدين ورجاله بمثل هذا الكلام الواضح والبسيط، وأن ليس بامكان أحد اقناع الطرف، أو الأطراف الأخرى، بأنه يمتلك الحق الأوحد والصحيح. ولو تمعنا في نتيجة عشرات مؤتمرات التقارب المسيحي والاسلامي، دع عنك بقية الديانات الأخرى، لوجدنا أن النتيجة كانت دائما صفرا. فاذا كانت هذه نتيجة عشرات اجتماعات المتعلمين والمثقفين، فما الذي سيكون عليه الوضع لو تولى الأمر السفهاء وأنصاف المتعلمين منا ومنهم، وهم ليسوا ببعيدين عن بلوغ هذا الهدف..؟!

أحمد الصراف

احمد الصراف

دولة موظفي الحكومة

الكويت تقاد «تشريعيا» بأهواء ورغبات أكبر نقابة فيها، ألا وهي «نقابة موظفي الدولة»، بالرغم من انها غير مشهرة! فهذه النقابة هي التي تقف وراء قانون العار المسمى بقانون «اسقاط الفوائد وجدولة القروض»، ولو وافق مجلس الامة اليوم على منع موظفي الدولة من المشاركة في انتخابات مجلس الأمة القادم، أسوة بالعسكريين، لسقط قانون القروض في مداولته الثانية، فالذي يسيّر المجلس ليس المصلحة العامة بقدر ما هي رغبات وأهواء شرذمة من أصحاب الأصوات العالية الذين لا تهمهم الا مصالحهم.
لقد عملت في المصارف سنوات طويلة، داخليا وفي الخارج، ولا تزال صلتي بها، وبعد نصف قرن، متينة، وبإمكاني القول إنه لا شيء طرأ او استجد لكي تصبح لدينا مشكلة قروض تستحق صرف عشرة مليارات دولار لحلها، وان حدث ذلك فسيكون عارا علينا جميعا، فلا تزال نسبة القروض المتعثرة، ضمن نطاقها الطبيعي، وأقل من ذلك، ولو أخذت جهة ما عينات ممن يُطلق عليهم «المتعثرون» ودرست أحوالهم وظروفهم المعيشية، لوجدت ان نسبة من ليس بإمكانهم سداد ما اقترضوه لا تزيد على النسب العالمية، والتي عادة ما تكون بحدود 3% ، بالتالي لا يوجد ما يبرر اسقاط ديون 97% من المقترضين، لأن 3% او اقل من ذلك غير قادرين على السداد، وهؤلاء يمكن ان يتولى أمرهم، وأضعافهم صندوق المتعثرين او المعسرين!
ان ما ينويه بعض اعضاء مجلس الامة من الاقدام بالموافقة النهائية على القانون السيئ الذكر، لا يمكن ان يخرج عن كونه سرقة واضحة وجماعية للمال العام، الذي نمتلك جميعا حصة فيه، ولمصلحة فئة لا سند لها غير مجموعة من النواب المتهالكين على حلب آخر فلس في خزينة الدولة، من اجل ارضاء ناخبيهم وكسب اصواتهم! ويجب ان يعي هؤلاء انه بالموافقة على هذا القانون وقيام الحكومة بتمريره، انما نكرس الى الابد، وبقانون معيب، حقيقة ان المواطن الملتزم اهبل، والمستقيم فاشل، ومن يسدد ما عليه من ديون شخص خرطي…!

أحمد الصراف

احمد الصراف

مقالات الشيخ راشد الحمود

أعترف بأنني لا أقرأ ما يقوم الشيخ راشد حمود الصباح بكتابته في «الوطن» منذ فترة، وليس في ذلك ما يسيء اليه بالطبع، ولكن عنوان مقاله الأخير «الصباح هم الصباح» جذبني وكانت بدايته موفقة وجميلة، كما أن نصيحته للمسؤولين بالتمسك بالدستور كانت أكثر من مقنعة، لو يتم الاخذ بها! كما أن ملاحظاته عن خلافات المجتمع الكويتي وأنها لا تختلف عن أي مجتمع آخر كانت أيضا لا بأس بها. ثم تطرق الى المعارضة، حيث وصف جزءا منها بالبنّاءة، وأخرى غير ذلك، وأن هدف الأخيرة المعارضة فقط لوجود مصالح خاصة، مستغلين علو أصواتهم للتهجم على المسؤولين. وحذر في المقال من الحلول غير الدستورية وأن ذلك سيجر البلاد إلى مشاكل لا يعرف مداها. ولكن في منتصف المقال تقريبا وردت الفقرة التالية: وهناك معارضة محترفة تحتضنها منظمات وأحزاب، وتدرب عناصرها على الأهداف التي تصب في مصلحتها وتعمل تحت تسمية «القومية العربية والناصرية والبعث»! بينما هم في حقيقة الأمر يعملون، بوعي وعلم وإدراك أو بغير ذلك، في خدمة «الماسونية العالمية»، وهي المنظمة التي تخضع للوبي الصهيوني بعد أن أسسها اليهود الصهاينة قبل عدة قرون للهيمنة على القرار العالمي! وقال الشيخ راشد ان العراب من أمثال هؤلاء -وان د. أحمد الخطيب يتبعه- تعرضوا لعملية غسل مخ في شبابهم!
وهنا فقط، عرفت لماذا لم أكن أميل الى قراءة مقالات الشيخ الفاضل، ولماذا لم أسمع أبدا أحدا يتكلم عنها، مدحا أو ذما؟! فأي ماسونية عالمية يا شيخ وأي أحزاب وخطط وسيطرة وغسل مخ لدولة كانت -عندما تعرض هؤلاء للتجنيد في أربعينات القرن الماضي، وفق زعمكم- لا تعني الكثير لأحد؟! وإن كانت تلك القوى تعرف قبل 60 عاما ما ستنتهي اليه الأوضاع في الكويت اليوم، فأنا أول من يقف معها محييا سطوتها وقوتها وخبرتها! ولكن إذا كانت هذه القوى في خدمة الصهيونية العالمية، فلماذا فشلت في الفترة نفسها في القضاء على مقاومة الشعب الفلسطيني الأعزل في غالبه وانتفاضة أطفال الحجارة طوال العقدين الماضيين؟!

أحمد الصراف

احمد الصراف

أنا أحبك وأنا جاسوس

في فيلم أميركي مشوق قالت الفتاة لوالدها الذي كان يراقصها في حفل زفافها: إني أحبك يا أبي! فرد قائلا: وأنا أحبك أكثر. فقالت: لماذا كلما قلت لك إني أحبك ترد علي بأنك تحبني أكثر؟ فقال: انتظري حتى يصبح لديك أبناء لتعرفي ما أعنيه!
وهكذا نحن نشتكي ونتألم ونقاسي الكثير مما يفعله أبناؤنا بنا، ولكننا نادرا ما نتذكر ما سببناه لوالدينا من آلام وقلق. فحبنا لهما لم يكن يوما بمقدار حبهما لنا. وقد ذكرني المشهد السينمائي بتجربة مررت بها قبل 42 عاما عندما سجنت في العراق، وكان ذلك بعد حرب «الأيام الستة» بأشهر، وكنت وقتها أدير قسما صغيرا في بنك الخليج، فقد قررت يومها انا وصديق السفر في إجازة إلى إيران، عن طريق البصرة، كما كان يفعل أقراننا بحثا عن الإمتاع والمؤانسة، وكذلك لغرض بيع سيارتي الفورد الموستانغ هناك، بعد أن تأثر سعرها في الكويت وندرت قطع غيارها نتيجة مقاطعة الدول العربية للشركة المصنعة. وفي المركز الحدودي عثر مفتش مركز صفوان على بعض الأجهزة الكهربائية معي واعتبر الأمر تهريبا، وأن علي دفع غرامة مالية كبيرة، ولكن بالبحث أكثر عثر في درج السيارة على رسالة موجهة لإسرائيل! وهنا تم التحفظ علي وأرسلت مخفورا، بتهمة التخابر مع العدو، لإدارة مكافحة التجسس في البصرة. وهناك شرحت قصة الرسالة وكيف أن موظفا فلسطينيا من أهالي غزة يعمل معي في القسم، طلب مني، بعد أن علم بنيتي السفر إلى إيران، أن أساعده في إرسال رسالته من إيران، لوجود علاقات وقتها بين نظام الشاه وإسرائيل، فربما تصل لأهله الذين انقطعت صلته بهم كليا.
تفحص «الخبير» العراقي الرسالة بتمعن شديد وقربها من الضوء ووضع قطرات من سائل خاص على بعض حروفها، ربما لكشف الحبر السري، وعندما لم يجد شيئا قرر سجني وإحالة الرسالة الى مختبر متخصص! أثناءها عاد من كان معي ليخبر أهلي بالقصة وليقوم والدي بإرسال سائقه، وكان فلسطينيا يعمل أخوه الأكبر في مهنة معروفة للكثيرين في البصرة، ليساعدني في الخروج من ورطتي، وهكذا كان، ولكن بعد أن مرت علي أيام أربعة متعبة، ولولا الطعام «الفاخر» الذي كان يرسل لي داخل السجن، والذي ساعدني في كسب مودة الكثير من المجرمين في داخل المعتقل لكانت معاناتي أشد بكثير!
وخلال هذه المعاناة، وغيرها الكثير طوال 60 عاما، لم أفكر يوما بما تسببت فيه تصرفاتي وحماقاتي وحتى أمراضي من آلام وقلق وسهر وسهد لوالدي، فنحن غالبا ما نتعامل مع محبة الوالدين كأنها أمور مسلم بها، وهي كذلك، وأن محبتهما لنا أمر مفروغ منه، وهذا صحيح، ولكن علينا، لكي تستمر إنسانيتنا، ألا ننسى فضلهما علينا وأن نسدد ولو جزءا صغيرا من حقهما علينا، وهذا المقال إقرار مني بذلك.

أحمد الصراف

احمد الصراف

التدين وإهانة الناس

«.. لاحظت أن الدين عندهم عملية اجرائية لها خطوات محددة لا تتعدى ابداً الشكل (الخارجي) والعبادات، وبالتالي فإن هؤلاء المتدينين لا يجدون أي تناقض بين اهانة الناس ونقائهم الديني. هذا التدين الناقص، الذي يفصل العقيدة عن السلوك، ينتشر في بلادنا كالوباء. فكم شخص نلقاه اليوم نجده حريصاً للغاية على شعائر الدين ولكن ما ان نتعامل معه في الأمور المادية حتى نكتشف أن سلوكه يناقض مظهره. واننا في مصر (وجميع الدول الاسلامية) أصبحنا أكثر حرصاً على مظاهر التدين وأقل تديناً.. وكنا قبل انتشار الأفكار الوهابية أقل اهتماماً بمظاهر الدين وأكثر تديناً بالمعنى الحقيقي وأكثر عدلاً وأمانة وتسامحاً..!».
هذه فقرة من مقال نشره الروائي المصري المعروف علاء الأسواني قبل فترة قصيرة، وقد ذكرتني، فور الانتهاء من قراءتها، بقريب لي شديد التدين حريص على التمسك بكل مظاهره، وهو الذي وضع الحجاب على رأس بناته قبل بلوغهن العاشرة من العمر، والذي لم يترك مكاناً مقدساً إلا وقام بزيارته عدة مرات تقرباً لله والنبي والأئمة، ولكن مع ورعه لم يكن يستنكف عن الحديث علناً عن الرشوة وطرقها مع أي مسؤول حكومي، ان تطلب الأمر ذلك، سواء لتمرير معاملة أو للحصول على خدمة مميزة. وقد سمعته مرة ينصح والده باللجوء الى طرق محددة لتمرير معاملة مخالفة في إحدى الدوائر الحكومية، وأن عليه قول كذا وكذا للمسؤول لكي يطمئن ويوافق على تجميد الغرامة المقررة والغائها في فترة لاحقة.
هذا وغيره الكثيرون، من أمثال القرضاوي و«قمم» دينية عديدة، يذكرونني بحقيقة أن في داخل كل هؤلاء كماً هائلاً من الغضب على استعداد للانفجار في تظاهرة غاضبة ان صدرت عن أي منا ولو كلمة واحدة بحق أي رمز ديني، ولكنهم على غير استعداد لرفع إصبع واحدة في حال تعرض الحريات المدنية للأمة بأكملها للخطر، ولا تعني لهم قضايا حقوق الانسان شيئاً ولا يأبهون لموت المئات في حروب دينية عنصرية، ولا يرف جفن لمسلم ان فجّرت مساجد تخص مذهباً آخر، وهكذا، فكل هذه الأمور لا تثير غضبهم، لأن التدين الذي تعلمه هؤلاء لا يشمل الدفاع عن القيم الانسانية ولا عن الحرية، دع عنك المساواة والاخاء والعدالة للجميع، بل عما يسر خاطرهم ومعتقداتهم الدينية الضيقة، وانظر حولك فستجد الكثير من هؤلاء.

أحمد الصراف

احمد الصراف

قمة الدانمرك

شكّ كثيرون في إمكان نجاح المشاركين في مؤتمر المناخ في كوبنهاغن، الذي عقد برعاية الأمم المتحدة، وتواجد أكثر من 100رئيس في مناقشاته الأخيرة، في الخروج بقرارات حاسمة، دع عنك وضع تلك القرارات موضع التنفيذ، لإنقاذ الأرض ومن عليها من كوارث بيئية محققة تطلبت -ولا تزال- تضافر جهود دول العالم أجمع في هذا المجال، خصوصا الدول الصناعية الكبرى، مثل الصين والولايات المتحدة.
وعلى الرغم من مشاركة بعض الدول العربية و«شقيقاتها ورفيقاتها» الأخرى، في اعمال المؤتمر، لكنها، ولعوامل «أخلاقية» وبيولوجية ومصلحية بحتة، بدت غير معنية كثيرا بمناخ الكرة الأرضية، أكثر من اهتمامها بمناخ مزاجها.
وبخلاف دولنا العظمى المنتجة للنفط، فإن جهات عدة، كشركات النفط والشركات الصناعية الكبرى والدول التي تنبعث من مصانعها اكثر الغازات حرارة، حاول إعاقة الوصول إلى أي اتفاق نموذجي يضر بمصالحها، على الرغم من تضارب هذه المصالح مع مصالح سكان الكرة الأرضية، والتي يمارس فيها الغالبية حياتهم بلا مسؤولية مفرطة من خلال الاستخدام السيئ لموارد الأرض الآيلة للنضوب حتما، خصوصا في الدول «الثرية». وقد لجأ كثير من هؤلاء المستفيدين من أنماط الاستهلاك الحالية الى ترويج رسائل على الانترنت، تدعي أنها صادرة عن شخصيات وجهات علمية، تشكك في كل ما يقال عن الآثار السلبية لتغير مناخ الأرض، وأن الأمر لا يعدو أن يكون خدعة من بعض الدول الكبرى! ولكن، غنيّ عن القول أن من واجبنا جميعا كبشر أن نتحلى بقدر أكبر من المسؤولية، وأن نسعى، ولو بالتمني، لكي تعود الدول الكبرى، كالصين والولايات المتحدة بالذات إلى صوابها، وأن تتفق على خطة طموحة وملزمة لجميع الدول، بعد ان أصبحت مناطق كثيرة من الكرة الأرضية مهددة بعواصف غير مسبوقة وفيضانات مدمرة مقابل جفاف قاتل في مناطق أخرى ونشوب معارك، وأخرى على وشك الوقوع، في أفريقيا ودول أخرى بسبب شح المياه. وقد تم اعتبار العقد الحالي المنتهي في نهاية عام 2010 كأكثر عهود الأرض حرارة حتى الآن، وأن هناك سنويا أكثر من 300 ألف ضحية بشرية بسبب التغيرات المناخية.
ان قضية المناخ في العالم لا يمكن أن تحل بمفردها، ويحتاج الأمر إلى تضافر جهود الجميع. وليس صحيحا القول انه ليس بإمكاننا فعل شيء إزاء ظاهرة ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي التي وصلت آثارها إلى الكويت بالانخفاض الواضح في مساحة الأراضي المغمورة من الجزر الكويتية، وبالذات بوبيان، فبإمكاننا مثلا التوقف عن تناول اللحوم والأسماك والدواجن، أو بالتقليل من تناولها على الأقل، والحفاظ على أمن الأرض بتقليل استهلاك مواردها، والتقليل من استهلاك المواد الكيماوية، وغير ذلك كثير، وهذا أقل ما يمكن ان نقوم به!

* * *
• ملاحظة: نهنئ العالم المسيحي، خصوصا المتسامح منه، بحلول عيد الميلاد المجيد، متمنين للجميع السعادة والفرح والسلام في عيد ميلاد سيد السلام.

أحمد الصراف

احمد الصراف

حلم دبي في ليلة صيف من عام 1954

لدي مصالح مالية متعددة في دبي، ويهمني بالتالي أن تستقر سياسيا واقتصاديا، وأن تخرج سريعا من ضائقتها المالية، ولا يعني هذا أنني مؤيد تماما لما تتبعه إدارتها من نهج تنموي متسارع معتمد بشكل متضخم على الاقتراض، كما لا يعني ذلك أن ليس من حقي الكتابة عما تعيشه دبي في هذه الأيام العصيبة من تاريخها، فلنا آراؤنا كما لنا مشاعرنا ومصالحنا.
يجب أن نقر أولا بأن كل دول منظومة التعاون الخليجي فشلت في الاستفادة من تجربة دبي من حيث الانتقال التدريجي من الدولة الريعية، المعتمدة كليا على مورد طبيعي واحد، إلى مجتمع متعدد الموارد مميز في قدرته على الاستفادة منها وتنميتها وفق نظام ضريبي متقدم، مقارنة بالآخرين الذين اكتفوا باستثمار، ما لم يتم نهبه أو تضييعه من مال، في أسهم عالمية وأرصدة مصرفية. ومع هذا لم يكن صعبا ملاحظة كم التشفي في تصريحات العديد من مسؤولي الدول الخليجية، والمعلقين الصحافيين، مما أصاب دبي من توقف اقتصادي. وربما، مع الفارق، نستطيع مقارنة نموذج دبي وفشلنا في الاقتداء به، بفشلنا في الاستفادة من التجربة الإسرائيلية التي استطاعت، بقدراتها وما منح لها من معونات، الوصول الى مستويات من التقدم الحضاري التي لا يمكن أن نبلغها، وربما سنفشل حتى في الحلم بها في القادم من القرون.
ومهما كان كم الحقد في قلوبنا على دبي، فإن من الصعب تجاهل ما استطاعت هذه الإمارة الصغيرة تحقيقه خلال أقل من نصف قرن، والانتقال من قرية صغيرة لصيد السمك والغوص على اللؤلؤ الى واحدة من أكبر المراكز التجارية والاقتصادية في العالم، بحيث أصبحت تنافس «لاس فيغاس» شهرة وصيتا. وورد في تحقيق صحفي في الـ «نيويورك تايمز» أن صعود دبي من البداية كان مرتبطا بالاستدانة من أطراف خارجية، وكانت البداية الكبيرة عندما قام حاكم دبي وقتها، الشيخ راشد المكتوم، بطلب 400 ألف جنيه استرليني من حكومة الكويت في عام 1954 لتمويل عمليات تعميق خور دبي واستصلاح أراض تجارية من حوله، والتي أصبحت مع الوقت تساوي المليارات. قد تكون دبي، وشركاتها الحكومية العملاقة، أخطأت في التوسع الضخم من خلال الاقتراض غير المدروس، ولكن لا يمكن إنكار أنها خلقت نموذجا لا يمكن التقليل من قيمته وشأنه غير المسبوقين، وأعتقد أن الشماتة بما أصيبت به من توقف قسري قد لا تطول كثيرا.
لقد كانت دبي حلما، وستبقى كذلك، ومن لا يحلم لا يستحق أن يتقدم. وحلم دبي بدأ عام 1954، بمبلغ متواضع، ولا يزال حيا يرزق.. وسيستمر.

أحمد الصراف