احمد الصراف

قراءة في الزمن الجميل

خرج المواطن (..) وزوجته من حفل دبلوماسي، وبسبب زيادة ما تناوله من مشروبات، فقد شعر بأنه غير قادر على قيادة سيارته بطريقة سليمة، ولعدم معرفة زوجته بالقيادة قرر الوقوف بجانب الطريق لبعض الوقت، وما هي إلا لحظات حتى وقفت دورية شرطة وسأله العسكري عن سبب توقفه، وعندما عرفه طلب منه -باحترام كبير- التنحي عن مقعد القيادة، واشار الى زميله بان يتبعهم، وقاد الشرطي السيارة حتى بيت المواطن في العديلية، وودعه من دون ان يكلف نفسه حتى طلب أوراق ثبوتية منه!
حدث ذلك في نهاية ثمانينات القرن الماضي، اي قبل اقل من 20 عاماً، وعلى الرغم من قصر المدة، فان من الصعب تصور حجم الانقلاب الكبير الذي اكتسح حياتنا في زمن «الصحوة»، التي سادت المجتمع، فمن الصعب حتى تخيل صدور مثل هذا التصرف الراقي الآن من غالبية شرطتنا، كما ان احصائيات الجرائم الكبيرة، والاخلاقية بالذات، تبين اننا ابعد ما نكون عن الاستقامة التي سبق ان عرف بها الكويتي، بعد ان تغيرت التركيبة والعقلية في الكثير من مراكز اتخاذ القرار، وربما تكون اجراءات إلقاء القبض على المواطن محمد الجويهل -التي تخللها «اقتحام» الطائرة وتصفيده امام الجميع واقتياده كالمجرم الخطر، وسط خوف وهلع الركاب واستنكارهم من كم العنف الذي استخدم معه- دليلا على نوعية «السلوك» الذي اصبح مسيطرا على المناط بهم حفظ الأمن.
وبهذه المناسبة، ورد في مقال للكاتب العراقي أحمد الحبوبي ان النائبة مها الدوري طالبت حكومتها بان تحذو حذو محافظة البصرة وتمنع تناول الخمر في العراق جميعه، وقد سخر الكاتب من طلبها قائلا انه يأتي بعد انتهاء مشاكل العراق، واصبح الماء وفيرا والكهرباء مستمرة والأمن مستتبا والشوارع «مبلطة» والمدارس مفتوحة، والاقتصاد مزدهرا والاتصالات والمواصلات ممتازة، وبعد ان ضمنوا للجميع حياة هانئة، وبالتالي لم يبق للسلطات الا الانشغال بارسال الناس الى الجنة من خلال منع بيع الخمور، متناسين انه حيثما منع الخمر وجد العقل البشري بطريقة بديلة وفعالة للالتفاف على القرار، اما بتهريبه او صنعه «محلياً»، او بايجاد طرق اكثر كلفة وخطرا، والامثلة من الدول المجاورة للعراق اكثر من ان تحصى، ففيها يمنع تعاطي المشروبات، ولكن تنتشر فيها المخدرات وحبوب الهلوسة السهلة التهريب! وقال الكاتب ان العراق، منذ الدولة الاموية وحتى اليوم، كانت فيه مشروبات روحية، ولم يسمع قط ان شخصا خرج من حانة لينفد عملية ارهابية يقتل فيها المئات. وينهي الكاتب مقاله بالقسم بانه ليس ضد الدين، ولكن هكذا كانت الحال في العراق، وليس هناك ما يثبت انه سيصبح احسن ان منع الخمر فيه، وان الوضع الأمني الهش والحدود المستباحة وتفشي الرشوة في كل مفاصل الدولة وسعي مافيا المخدرات لفتح اسواق جديدة تفرض على السلطات تجنيب قواها الامنية حملا ثقيلاً لا تحتمله!
ولو نظرنا لحالنا في الكويت، منذ تطبيق قانون حظر المشروبات في ستينات القرن الماضي، لوجدنا ان جميع القوانين والاجراءات المتخذة من السلطة لم تُجْد. نفعا في منع دخولها البلاد وتوافرها لمن شاء بسهولة نسبية، وان الفرق كان في السعر المرتفع لمصلحة المهرب، المتنفذ عادة! اضافة الى ما نتج عن المنع من زيادة هائلة في استهلاك المخدرات وحبوب الهلوسة وارتفاع عدد ضحاياها، فهل هناك من يريد ان يفهم..؟!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الغضب الساطع آتٍ

ما نقرأ عنه في الصحف والمطبوعات ونشاهده في السينما والأفلام الوثائقية ورسائل الإنترنت ومقاطع اليوتيوب وغيرها من وسائل الإعلام، إضافة إلى ما نراه رأي العين من مسيرات وتظاهرات الغضب والألم التي تخترق شوارع مدن الحزن والبلاء من أرخبيل أندونيسيا وحتى أطلس المغرب، كلها وأقل منها، كافٍ لإلقاء الرعب في أقسى القلوب وإرسال قشعريرة لأقوى فقرات الظهر وبث الهلع لدى سياسيي أعتى الأنظمة، فهذا الغضب الإسلامي والتظاهرات الدموية والسيوف التي تقطر دما والرؤوس الموشحة بأربطة سوداء وصفراء وحمراء، والسلاسل التي تلهب الظهور والأكف التي تحرق الصدور والوعيد الملهب للحناجر، متوعدة الأعداء من غربيين وكفرة ويهود، وحتى مسلمين عرب وعجم، بأبشع النهايات، وكل تلك العيون الفلسطينية واللبنانية والإيرانية والعراقية وغيرها التي تقدح شررا، وهي تسمع خطبا نارية تقطر دما وتفجر النفوس وتدفعها للجهاد والموت في سبيل العقدة والعقيدة، مع ما يصاحب ذلك من صور أطفال يتوعدون «أعداءهم» بالموت والأحزمة الناسفة تطوق صدورهم والقنابل تتعلق بأحزمتهم والشعارات المتطرفة تملأ الفضاء من حولهم، وأمهاتهم وآباؤهم يهللون ويزغردون خلفهم، متمنين لهم الشهادة في سبيل الوطن والدين، متوعدين الغرب وإسرائيل والعالم الآخر برمته بالقتل والسحل والموت والدمار، كل هذه ما هي إلا بدايات نهاية العقل والمنطق لدينا، مع كل آثار كراهية الاخر المتمثلة في العمليات الانتحارية، ما ينفذ منها وما يحبط، وما تنشره من موت ودمار عبثي وسط مناحات وأدخنة سوداء تملأ فضاءات المدن والعقول في كل مكان، وما يتبعها من ردود فعل وتشدد ضد كل ما هو عربي وإسلامي في الشرق والغرب، ليطاردوا كحثالات البشر وآفات وأوبئة يجب التخلص منها بإبعادها ليفقد الآلاف مصادر عيشهم ويطردوا من أعمالهم ويرحلوا لسابق أوطانهم، حيث الاعتقال والاستجواب والتعذيب وربما الفناء الأبدي!
نعم العالم مصدوم ومبهور ومندهش وخائف من كل هذا الغضب الديني والزخم العقائدي الذي نصدره لهم كل يوم في مختلف الصور والأشكال، ولكن هل نحن حقا بكل هذه القوة النفسية والعسكرية والعلمية، لكي نشكل تهديدا حقيقيا للسلم العالمي؟ الجواب «لا» كبيرة، فلا قوة ولا حول لنا في أن نشن حربا أو نفوز في معركة ضد أي من أعدائنا، صغر أم كبر! ولكن هذا لا يعني أن حكوماتنا، المعنية أكثر من غيرها بالأمر، يجب أن تترك الأمور على الغارب، فإمكان حصول قلة مجنونة منا على أسلحة دمار شامل ووضع العالم على شفير الهاوية، أو التسبب في فناء جزء كبير من البشر لا تزال قوية، وأن علينا السعي بكل ما نملك لوقف هذا المصير المظلم الذي سنكون أكبر ضحاياه! ولكن هل باستطاعتنا حقا القيام بأي شيء لوقف الكارثة القادمة لا محالة، هاجرنا أم لم نهاجر؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

لم يبقَ من العمر الكثير

بيّن تقرير عن افضلية العيش في مختلف دول العالم ان فرنسا واستراليا وسويسرا تأتي على رأس القائمة، وان الكويت في المرتبة 106 تسبقها الفلبين والاردن والصين وكوبا والهند وتونس(!) وتأتي بعدها موريتانيا والسعودية والعراق وافغانستان، ثم تأتي السودان واليمن والصومال في ذيل القائمة! وان كان لجميع هذه الدول عذر، او اكثر فيما اصابها وجعل الحياة فيها مرهقة مكلفة خطيرة او مقرفة ومملة، فما هو عذر الكويت الدولة الصغيرة الجميلة الثرية المسالمة لكي تصبح في مثل هذا المستوى المتدني من المعيشة؟
لسنا هنا في معرض تحديد الامراض والاعراض ووصف العلاج، فخمال حكوماتنا المتعاقبة، وتساهلها المستمر مع قوى التخلف والردة والشدة، هما اللذان ربما اوصلانا الى ما نحن فيه الآن، وليس هناك حل سريع للخروج من مأزقنا، وما علينا بالتالي غير الاهتمام بصحتنا الجسدية والنفسية والعقلية من خلال رفع مستوى معيشتنا ونوعيتها والمساهمة في اطالة اعمارنا من خلال النصائح التالية:
1 – الضحك، والابتعاد عن الغضب وعما يغضب، والابتسام بقوة حتى عند قراءة تصريح النائب السلطان بأن خطة التنمية الجديدة لا تحمل توجها اسلاميا.
2 – ممارسة التمارين الرياضية يوميا، وبالقرب من الساحل، ولكن بعيدا عن شاطئ المجلسين لتجنب التفكير في قراراتهما.
3 – ضرورة تناول طعام الافطار الغني بالألياف، فهذا يساعد على مقاومة الجوع ويسهم في عملية الهضم، مع الحرص صباحا على عدم قراءة الصحف ومحاضر المجلس وقرارات الحكومة، لتجنب تخريب يومك مبكرا.
4 – اخذ قسط كاف من النوم يوميا، علما بأن جلسة الديوانية لن تساهم في رفع مستوى المعيشة ولا في اطالة العمر، وربما العكس.
5 – ضرورة إلقاء نظرة على «خروجنا»، وليس في ذلك ما يعيب، فالشكل واللون لهما دلالات كثيرة، ليس هنا مجال لسردها، والطبيب هو الاكثر اطلاعا على هذه الامور، ويمكن عن طريق مراقبة الخروج ايجاد العلاج المناسب لمشاكل عسر الهضم والبواسير والاسهال، وهذه كلها يمكن استنتاجها بالقراءة اكثر في هذا الموضوع.
6 – من المهم زيادة الالوان في طعامنا، بتناول اكبر قدر من الخضار والفواكه.
7 – عدم الاكتفاء بتنظيف الاسنان بالفرشاة، بل استخدام وسائل تنظيف اخرى كخيوط الفلوس (وربما مرشات الماء الخاصة بالاسنان).
8 – من الضروري ان نعتاد «شفط» بطوننا، او كروشنا وفي اي وضعية كنا. كما يجب ان نحاول يوميا استنشاق اكبر كمية من الهواء، فهذا يعطينا مادة «نترك اوكسايد» الكيميائية التي توجد في الجزء الخلفي من الانف، والتي يساعد استنشاقها في فتح شرايين الدم وزيادة الاكسجين فيه، وهذا يسهم في شعورنا بالراحة والانتباه اكثر.
9 – ان نعيش حياة اجتماعية بقدر الامكان، ولكن بعيدا عن اصحاب الهم والغم وعذاب القبر، فالوحدة، كما يقال، قاتلة.
10 – تجنب انظمة تخفيض الوزن الشائعة، او الموضة، فالسر يكمن في تقليل الكمية.
11 – التقليل من الانشغال الفكري بالمستقبل والقلق منه، فهذا لن يترك لنا فرصة العيش بهدوء والاستمتاع بالحياة.
12 – ضرورة ممارسة الجنس كلما استطعنا ذلك، فليس هناك ما هو اكثر فائدة منه.
13 – على النساء اجراء الفحص الدوري للصدر، والرجال الفحص الدوري للخصية والبروستات، فهي اكثر الاعضاء تعرضا للاصابة بالسرطان.
نتمنى للجميع صحة طيبة وعمرا مديدا، بعيدا عن منغصات الحياة، وما اكثرها لدينا.

أحمد الصراف

احمد الصراف

نعم ثانية للهجرة

أعترف بأنني دهشت، سواء لعدد أو لمدى حدة الردود التي وردت «القبس» وصحيفة الآن الإلكترونية والنقال على مقال «الهجرة من الكويت»! وعلى الرغم من أن غالبية الردود كانت سقيمة المعنى والأسلوب، ومنها ذلك الذي كتبه احد الكتاب، وهو يعرف نفسه، فان بعضا منها كان إيجابيا، وبعضها الآخر مؤدبا ومتسائلا، ولهؤلاء أكتب هذا التوضيح، ولكن قبل ذلك أود أن أبيّن أنني لم أهدد بالهجرة ولا أعتقد أن أحدا سيتأثر بأي من قراراتي الشخصية، فلست بالسياسي ولا بالشخصية العامة أو الفنان ليفتقد أحد -غير أحبتي- وجودي، بل كل ما هدفت اليه هو أن أبين مقدار أسفي من إقرار قانون اعتبرته القشة التي قصمت ظهر البعير، ولا يعني هذا أن البعير لم تنله ضربات أشد وأقسى من قبل من قوانين أكثر جورا وظلما، ولكنه صبر إلى أن فاض به الكيل فصرح وكتب ما كتب.
* * *
ما هي الكويت بالنسبة الى الكثيرين، أليست شعبا وأرضا وفوق هذا ثروة؟!
ومن الذي بإمكانه الادعاء بأن هذه الثروة، أو حتى الدخل البسيط، لم يكونا -وحتى الأمس القريب- العامل الذي جذب المواطن والمقيم للكويت منذ نشأتها وحتى اليوم؟ ومن سيبقى إن تبخرت هذه الثروة، ولم يجد الشعب عملا أو قوتا يقيمان أوده؟ وما الحكمة التي ارتجاها مشرعو الزمن الجميل عندما أقروا قانون «رصيد الأجيال القادمة»، والفريد من نوعه، ألم يكن في بالهم أن الثروة النفطية لن تبقى الى الأبد وستنضب يوما، وان عجز حكوماتنا المتعاقبة عن جعل الكويت مكتفية ذاتيا، ولو إلى حد ما، أو خلق بديل لتلك الثروة، كان وراء ذلك القانون، فقط لكي يجد أحفادنا مستقبلا ما يحميهم، ولو لفترة ما، من ذل السؤال والفاقة؟! فكيف إذاً نُصرّ على التصرف كالسفهاء، ونصرف ما في الجيب، خاصة على من لا يستحق، ونحن نعلم أن الغيب لا يعتمد عليه، وأنه قاس ومظلم؟!
نعم، سأهاجر عندما أُقر القانون في النهاية، ليس احتجاجا فقط، ولكن لأن تلك ستكون بداية الانحدار باتجاه خسارة بقية الحقوق وتكريس عدم الاكتراث بأي واجبات.. فهل ستنتظرون معي ذلك اليوم، أم أن علينا جميعا أن نحتج ونرفع الصوت من الآن ونطالب بتحكيم العقل، وألا ندع ثقافة الصحراء، التي تدفع بتناول الكلأ قبل جفافه، والماء قبل تبخره، تتحكم في أهوائنا ومقدراتنا، بحجة أن هذا هو حكم الديموقراطية، فاللعنة عليها إن هي سلبت وطني وأبنائي وأحفادي ضمان مستقبلهم!
أما بخصوص مواقفي من القوانين المالية الماضية، فأرشيف مقالاتي خير شاهد عليها، وبإمكان المتشكك والمعترض العودة اليها.

أحمد الصراف

احمد الصراف

مجرمون ومجرم سابق

كانت المواطنة (..) تعاني أمراضا نفسية. وقد فشل أهلها في تقديم العلاج المناسب لها، وهنا فكر خمسة منهم، ثلاث نساء ورجلان، في اصطحابها لتلقي علاج غير تقليدي.. وهكذا ذهبوا بها إلى «رجلي دين»، الاول أردني والثاني مصري، وبعد الفحص والبسملة والحوقلة وإشعال البخور والتمتمة ببعض الجمل غير المفيدة، أكدا لأهلها أن «نتيجة الفحص» بيّنت ان الفتاة تشكو «مسّا شيطانيا»، وان علاجها يتطلب اخراج الجنّي من جسدها، وأداة إجبار الجسد على لفظ الجني خارجا هي العصا!
وعندما اقتنع أهل الفتاة بصحة التشخيص، قاموا، منفردين ومجتمعين، بضرب قريبتهم ضربا مبرّحا، فأصابها هياج شديد من اثر الضرب، فسقطت على الأرض مغشيا عليها، وماتت بعدها بلحظات، وربما في اللحظة نفسها التي غادر فيها «الجني المزعوم» جسدها البريء من كل مس!
وقد نظرت محكمة الجنايات في الأسبوع الماضي قضية المتهمين الخمسة من اقارب الفتاة الضحية، ومعهم رجلا الدين، او الشيخان ــ كما يحبان أن يخاطبا ــ وقررت ارجاء المداولة حتى 27 لحين حضور ضابط الحادثة.
وهنا نتساءل: هل سيأتي اليوم الذي سننتصر فيه على أي عدو؟.. وحتما لا أقصد هنا اسرائيل، فالجهل والتخلف المستحكمان في امورنا وحياتنا اكبر منها بكثير، وبيننا امثال هؤلاء الجهلة السفلة.. وأليس هؤلاء، ومثلهم ذلك الداعية والامام والنجم التلفزيوني، الذي سبق ان تسبب قبل سنوات قليلة في اقتراف جريمة قتل مماثلة في حق مواطن، الذي لا نزال ننتظر منه تنفيذ تهديداته، أليسوا جميعا نتاج هذا المجتمع الذي يعتقد البعض انه اصبح اكثر عفة وفضيلة وشرفا مع الصحوة المباركة؟!
وهل أُلام إنْ قررتُ الهجرة إلى الأبد من ديار الأحبة؟!

أحمد الصراف

احمد الصراف

هل تنجح موضي؟

تردت مقررات المدارس الحكومية وتخلفت الأنظمة التعليمية وقواعد الرقابة على أداء المعلمين في العقود الثلاثة الأخيرة إلى مستويات بائسة وخطيرة، نتج عنها أن ولاء الكثير من المخرجات التعليمية أصبح للقوى الدينية والسياسية في الخارج، أكثر مما هو لوطنهم، مما نتج عنه فقدان الهوية لدى هؤلاء وإصابتهم بتشويش فكري واضح بسبب تداخل الديني والوطني في أذهانهم، الأمر الذي نتج عنه كل هذا الدمار في الممتلكات والخسائر في الأرواح التي فقدت في الكثير من العمليات الإرهابية دون هدف تحقق، والتي لا تزال الكثير من آثارها نائمة تنظر لحظة الانقضاض المقبلة.
وفي حركة، نتمنى أن تكون محسوبة، بدأت وزارة التربية اخيرا بالاتجاه نحو تعزيز المواطنة الصالحة في المدارس الحكومية والتأكيد على دور قيم التسامح والتشديد على ضرورة محبة الآخر واحترام أفكار الغير ومعتقداتهم، وما لكل هذه الأمور من أهمية في بناء الشخصية السوية وتهيئتها لمواجهة الظواهر الدخيلة والهدامة التي غزت مجتمعنا الصغير في السنوات الثلاثين الماضية، وأيضا لمواجهة الأزمات الطائفية والعرقية المتكررة، وربما المفتعلة، الأخيرة التي أصبحت تواجهها الكويت بشكل متكرر.
قد يكون الحلم سهلا وتدبيج الخطة أكثر سهولة، ولكن التطبيق على أرض الواقع هو الصعب، وأقرب للاستحالة.. إلا قليلا، ولكن بالإصرار والعزم المستمر يمكن أن ننقذ ما تبقى من عقول النشء من طغيان التعصب الأعمى، والتشدد ضد الآخر، ورفض المختلف، وهذا لا يمكن أن يتم دون الاستعانة بالخبرات العالمية في تطوير مناهجنا، وهو الأمر الذي سبق ان أكدنا عليه لسنوات وسنوات من خلال المقالات والمقابلات، فبغير الاستعانة بهم لا يمكن الوصول الى شيء إيجابي بسبب عدم جدوى الاستعانة بـ«الخبرات» السابقة نفسها، العربية أو المحلية، في إعادة النظر الشاملة في مناهج مدارسنا التي أتلفت بكاملها على أيدي هؤلاء.
نتمنى النجاح للوزيرة السيدة موضي الحمود في ما فشل فيه من سبقها من وزراء، هذا على افتراض أن أيا منهم حاول أصلا القيام بشيء، وربما كان المرحوم أحمد الربعي الوحيد الذي «فكر» في القيام بانقلاب ما قريب من ذلك، ولكن عدم قدرته على وقف قانون الاختلاط قضى على بقية أحلامه ونواياه.

أحمد الصراف

احمد الصراف

محنة البغدادي

قلة في الكويت لم تسمع بالأستاذ أحمد البغدادي، الأستاذ الجامعي والمحاضر والباحث والمدافع الصلب عن الحريات وحقوق الإنسان. وعندما يجري الحديث عن مثقفي الكويت، خصوصا في الخارج، يأتي اسم أحمد البغدادي على رأس القائمة، التي لا أعتقد بطولها أصلا. فهو، بلا جدال، واحد من القلة المثقفة التي أعتز بصداقتها، وأعترف شخصيا بأنني استفدت منه. والرائع في البغدادي إخلاصه وتفانيه في أي عمل يؤديه، وأجزم بأنه لكان على أمانته وإخلاصه نفسهما كأستاذ جامعي، لو كان مسؤولا عن مالية الدولة.
يمر الأستاذ أحمد منذ فترة طويلة بمحنة صحية أثرت فيه نفسيا إلى حد ما، لأنها منعته من الاستمرار في عمله الأكاديمي وفي القيام بما يعشق، وهو البحث الأكاديمي والكتابة الصحفية، وهي الأمور التي تعلق بها وأدمنها حتى الثمالة (التي لم يعرفها قط!)، وعلى الرغم من جدية القائمين على تقديم العلاج له وخبرتهم وإخلاصهم، فإن صحته لم تتحسن كثيرا، وكاد يلقى حتفه أكثر من مرة، الأمر الذي تطلب بقاءه في المستشفى لفترة طويلة، بعد أن تبين أن قلبه الكبير قد أصبح، بسبب إخلاصه، و«محاتاته» المستمرة، غير قادر على تلبية مطالب نفسه الكبيرة، وأنه، بالتالي، بحاجة إلى قلب جديد! وهنا تنادَينا ومجموعة من محبي هذا الإنسان وأصدقائه، للقيام بما يلزم، وتغطية تكاليف علاجه في الخارج، بعد أن تسبب روتين إدارة العلاج في الخارج في تأخير سفره أكثر من اللازم.. ولكن مبادرة كريمة من سمو الأمير الكبير سبقتنا جميعا، وشملت برعايتها تغطية تكاليف علاج المواطن أحمد البغدادي، الذي طالما أنارت محاضراته ودروسه وخطبه وكتبه وأبحاثه طريق الكثير من الشباب، وأبعدتهم عن الدروب الزلقة.
سيغادرنا الأستاذ أحمد خلال يومين لتلقي قلب جديد في أحد المراكز الطبية في الخارج. ونتمنى، بطبيعة الحال، أن يتمكن الأطباء هناك من إقناع قلبه بالاستمرار في عمله، وأن يعود سريعا الى أهله ومحبيه وجمهور قرائه، وأثناء ذلك ستكون أفكارنا وقلوبنا جميعا معه إلى أن يعود سالما وهو بصحة تامة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الوداع يا كويت.. والشرهة مو عليهم

كنت قد قررت «غسل يدي» من أوضاعنا المحلية، بعد أن انتابني اليأس من اصلاح الأمور، ومغادرة الكويت، والسكن في الخارج، بعيدا عن العجز المستمر للحكومة وقرف النواب وسوء أفعالهم، وذلك في حال أقر مجلس الأمة قانون اسقاط قروض المواطنين أو فوائدها، ولكني أجلت قراري لبعض الوقت بعد أن رأيت كل تلك الحماسة «الايجابية» من الحكومة في رد القانون، وحتى أكتوبر القادم ستمر مياه كثيرة تحت جسر القانون المرفوض!! وقد ازددت يقينا بأن قراري سليم بعد أن قرأت محضري جلستي المداولتين الأولى والثانية لاقرار القانون، ورأيت كمّ الزيف والكذب والنفاق الذي تفوه به عدد لا بأس به من النواب، والتناقض الواضح في المواقف والأقوال، لا لشيء الا للعودة لذلك الكرسي الأخضر اللعين الذي أصبح لونه بائسا في نظري، ولو تكلف المال العام مليارات الدنانير! فكيف قبل كل هذا العدد التنازل عن أهم واشرف قسم أدوه في المحافظة على وطنهم ومصلحته العليا، والتصويت على اقرار مثل هذا القانون الكسيح الذي علّقت عليه احدى قريباتي، من المشمولات بعطفه، بالقول إنها المرة الأولى التي يفرض فيها على مواطن أن يكون معسرا وهو ليس بذلك! فكرامتها لا تسمح بتصنيفها عاجزة عن السداد، وهي على غير استعداد للتفريط في ثقة المصرف الذي تتعامل معه، والمشروع الصغير الذي اقترضت من اجله يعمل بصورة جيدة وليس هناك بالتالي من سبب يدعو لالغاء قرضها أو التدخل في طريقة سداده، ومثلها كثيرون، أما غيرها من المعسرين فأمامهم صندوقهم!!
وبالتالي قرار الهجرة المتقطعة من الكويت مؤجل حتى أكتوبر القادم، وعهد عليّ أن أترك وطني إن أقر القانون في نهاية الأمر، فهذا يعني ان على الشيء الكثير السلام، فوجودي بعيدا عن أمثال هؤلاء النواب سيريحني حتما وسيساهم في زيادة سعادتي… واطالة عمري!!
وهنا لا يسعني الا تقديم الشكر للنواب أسيل العوضي، رولا دشتي، سلوى الجسار، صالح الملا، عبدالرحمن العنجري، عبدالله الرومي، علي العمير، علي الراشد، محمد المطير، مرزوق الغانم، معصومة المبارك والرئيس الخرافي، ولا ننسى النائب ناجي العبدالهادي الذي امتنع عن التصويت. أما البقية فان «الشرهة» ليست عليهم، ولكن على من اختارهم.

أحمد الصراف

احمد الصراف

غليون المهاجر

في ندوة بعنوان «التحولات المجتمعية وجدلية الثقافة والقيم» وردت الفقرات التالية على لسان الباحث الفرنسي برهان غليون: إن المشكلة الرئيسية التي تمنعنا من تجاوز أزماتنا تكمن في أن قادة الرأي صاروا أساسا من رجال الدين، وهؤلاء ليس لديهم معرفة حقيقية لا بالمجتمعات ولا بالسياسة، يعني لو نفتح القنوات التلفزيونية لوجدنا رجال الدين مسيطرين عليها، وعلى كل شيء آخر. وليس صحيحا أنهم أقلية. واليوم رجال الفكر ليس لديهم دور. وسلطة رجال الدين المستبدين بالرأي العام العربي الذي أصبح رهينة بيدهم، هي الأعلى، وهؤلاء من كل الأنواع والأطراف، وهناك تحالف موضوعي مصلحي بين الديكتاتوريات السياسية وبين ديكتاتوريات السلطة الدينية، وفي كل الفرق، والذين يقومون بالمستحيل لاستبعاد أصحاب الرأي الآخر، سواء من مفكرين أو مثقفين، عن طريق اتهامهم بالعلمانية والحداثة والتحرر.
وفي شريط مسجل آخر متوافر على «اليوتيوب» وردت القصة التالية على لسان رجل الدين الشيعي السيد عبدالحميد المهاجر، المعروف على نطاق واسع في الكويت والعراق ولبنان، وكان ذلك أمام جمع غفير من محبي الاستماع إليه: يقول السيد المهاجر: رأيت أحد الهنود من السيك (يقصد السيخ) يأتي إلى «حجي كاظم» البغدادي صاحب الحسينية، وكان يدير ميناء «الفاو»، مال السفن واللنجات، والقصة صارت أمامي وأقسم بذلك، وكلما أتذكرها أهتز والله من قلبي. جاء هذا السيك للحجي كاظم، ودخل وسلم عليه ووقف عند الباب، فسلمه الحجي كيسا مملوءا بالترب (جمع تربة، وهي التي يضع المصلي الشيعي جبهته عليها في السجود، وهي من تراب كربلاء)، فقلت له: يا حجي أنت أعطيته ترب الحسين؟ قال: هؤلاء عندهم سفن تضرب في اقاصي البحار فتضربهم الأمواج العاتية ويشرفون على الغرق، وعندهم شيء مجرب، وهو انهم يأخذون تربة الحسين ويرمونها في البحر، فيهدأ ويختفي الموج!
وفي حديث انتشر في الأيام الأخيرة على الإنترنت وُصف آية الله السيستاني بأوصاف عنصرية وقبيحة ومكفرة لم يتوقع الكثيرون سماعها ممن نُسبت إليه، ونحن لسنا من هؤلاء، فقد سبق أن كتبنا عن هذا الرجل أكثر من مرة. والغريب أن السيد السيستاني بالذات هو واحد من أكثر رجال الدين احتراما لنفسه ولمكانته الدينية والسياسية، غير محب للظهور، وكان له دور كبير في تهدئة كل الأطراف في العراق، وبالتالي وصفه بالزنديق والمنحرف والكافر ما كان يليق.
***
محزن جدا أن يكون قادة الرأي الذين يتحكمون بعقول مئات الآلاف، ويمتلكون أفئدة أضعافهم ويشكلون رأي من يستمع إليهم، أن يكونوا من هذه النوعية المتواضعة الفهم، الذين يقتاتون من نشر الجهل والفرقة بين أبناء المجتمع الواحد لأغراض وضيعة في أنفسهم، فمتى نعرف حقيقة هؤلاء، ونمتنع عن الاستماع إليهم، ألا تستحق هذه الأمة رجال دين أفضل من هؤلاء؟ ربما لا هو الجواب..!

أحمد الصراف

احمد الصراف

بندقية إيران وقمحها

لا شك ان أحلام الشعب الإيراني بنظام أكثر عدالة وقوانين أكثر إنسانية وحياة أكثر حرية قد ضاعت، ربما منذ اليوم الأول لتبوؤ الخميني الحكم. فبعد ثلاثين عاماً من الثورة، ومهما حاولنا تبرير الوضع الكارثي الذي وجد الشعب الإيراني نفسه فيه بعد كل سنوات العذاب والمعاناة تحت حكم الشاه، لا يبدو ان إيران تعيش أياماً أحسن مما كانت في عهد الملكية، فالفقر لايزال منتشراً في مناطق كثيرة من إيران، والحريات مراقبة، والبوليس السري يعدّ أنفاس الجميع، والسجون تمتلئ بالأبرياء والمعتقلين السياسيين، ويبدو واضحاً ان رجال الثورة وقادتها، الذين أكلوا بعضهم بعضا في تصفيات جسدية، قد استبدلوا بدكتاتورية الشاه الطغيان الديني، الذي قد لا يكون أكثر بطشاً لكنه حتماً أكثر تخلفاً! وعندما يقف الممثلون السينمائيون ومخرجو الأفلام والشعراء وكتاب الرأي والصحافيون ومقدمو البرامج التلفزيونية والروائيون والرسامون وجمع هائل من النشطاء السياسيين والأطباء والصيادلة وأساتذة الجامعة وشيرين عبادي، الفائزة بجائزة نوبل، وجمع كبير من المبدعين الآخرين ضد النظام فمآله الى السقوط، حتى لو كانت شرعيته تعتمد على العقيدة الدينية أو السياسية المدعومة بالبندقية! هكذا كان حال ومصير جميع الأنظمة الدكتاتورية، الشيوعية والفاشية في الكثير من الدول، وهذا ما سيحدث عاجلاً أو آجلاً في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أول دولة ثيوقراطية في التاريخ الإسلامي.
فبعد 30 عاماً من الثورة المباركة لا يزال نزيف الهجرة البشرية مستمراً في تجفيف فواصل الدولة من الكوادر المؤهلة والمتعلمة والخبرات التي اختارت الهرب بالطرق القانونية، لمن امتلك المال أو النفوذ، وبغير ذلك للفقراء والمعدمين، الذين باسمهم قامت الثورة، والذين لقي 15 منهم مصرعهم على أيدي شرطة النظام في يوم مقتل الحسين نفسه الذي تعتبر مناسبته ذروة الحزن الشيعي وقدس أقداس عزائه!
لقد تنبأت في ندوة أقيمت في بداية عام 1990 بسقوط نظامي صدام والخميني، وكنت أدين موقفي الطرفين من حرب الخليج الأولى، إن من جهة من بدأها أو من أصر على استمرارها كل ذلك الوقت! وتسبب ما قلته وما شاركت فيه من مناقشات تالية، في أكثر من مناسبة، في وقوع تصادم لفظي بيني وبين السفير العراقي عمر غني، الذي نقل من منصبه قبل الاحتلال العراقي للكويت وأعيد اليها لمصادرة وثائق الحكومة الكويتية، والذي تسببت عودته القصيرة في القضاء على ترددي في الخروج من الكويت بعد وصوله بيوم واحد.
إن ما يحدث في إيران من غليان وقتل وفيضان الاعتقالات السياسية التي طالت كل الأطراف هي مؤشرات واضحة ان النظام الديني لا يمكن أن يسقط بسهولة وإن اضطر لدحرجة الكثير من الرؤوس في سبيل بقائه، وهذه الرؤوس هي التي ادعى النظام أنه انقلب على الشاه للمحافظة عليها.

أحمد الصراف