احمد الصراف

متى سينتهي البلاء في كربلاء؟

كتب الكربلائي، نسبة لكربلاء العراق، كاظم حبيب مقالا بعنوان «متى سينتهي البكاء في مسقط رأس الحسين؟» قال في مقدمته: «يعيش أهل كربلاء، مسقط رأسي، في كرب وبلاء دائمين، يعيش بنوها وبناتها في هم قاتل وفي محنة لا تنتهي، استشهد فيها الحسين وصحبه في صراعهم ضد الظلم والطغيان، فحوّل شيوخ الدين تلك الشهادة الى مآتم لا تنتهي بدلاً من جعلها مشهداً يجسد انتصار الانسان على الظلم عبر الاستشهاد، وأصبحت المدينة سنة بعد أخرى مرتعاً للحزن الدائم واللطم القاهر وسيل من الدماء، وكل هذا يعيش عليه ومن خلاله كثير من البشر..».
أكتب ذلك بمناسبة شريط خطبة مسجلة للداعية عبدالحميد المهاجر يقول فيها أمام جمهرة من المستمعين بأنه أصيب بمرض عام 1984، ونقل الى لندن لتلقي العلاج، وهناك قام طبيب يهودي صهيوني باعطائه ابرة نتج عنها اصابته بشلل تام، وانه كان قادرا فقط على تحريك يديه، وقد اخبره رئيس المستشفى، وذكر اسما انكليزيا، انه سيبقى كذلك حتى نهاية عمره! وقال المهاجر انه عندما اختلى بنفسه اضاء ضوء الغرفة الأحمر الذي يمنع دخول أحد عليه وتوجه بالدعاء للسيدة فاطمة الزهراء، فما لبثت ان لبت النداء وشفته من شلله وها هو الآن في تمام صحته!
انتهى المهاجر من خطبته وسط تهليل وتكبير جمهوره وسيل عارم من الدموع تملأ مآقيهم، من دون ان يكلف أحدهم نفسه سؤال الخطيب عن ملابسات ما ذكر او التيقن من حقيقة روايته أو مجرد التساؤل عن معناها.
والقصة، بكل تلفيقاتها، تتضمن اساءة غير مباشرة لمقام فاطمة، فكيف نصدق انها ترضى ببقاء العراق، وكربلاء بالذات، من دون ماء نظيف ولا كهرباء مستمرة ولا شوارع مرصوفة، ولا مدارس جيدة ولا معاهد علمية ولا صناعة، حتى نصف متقدمة ولا منازل كافية، ويعاني شعبها من البطالة والعجز والمرض والفقر ويعيش الحزن طوال قرون، كيف نرضى انها تقبل بكل هذا البؤس وتذهب الى لندن لتعالج السيد عبدالحميد المهاجر من شلله؟
ان صناعة الحزن واستدرار الدموع ولطم الصدور وشق الرؤوس لن تتوقف طالما بقي امثال هؤلاء، فمثله والمئات غيره لم يحاولوا يوماً تجيير ملحمة الحسين لتنمية الوطن أو رفع شأنه، وبث الحماسة على العمل الجاد في نفوس أهله وتقدم مجتمعه، لان جميع هذه الأمور «لا توكل خبزا» بالنسبة إليهم ولا تحافظ على مكانتهم، ويهمهم بالتالي بقاء الاوضاع على ما هي عليه، أو حتى زيادة جرعتها، مثل ما أصبحنا نراه من مواكب دينية مليونية في العراق وغيرها.

أحمد الصراف

احمد الصراف

اغفر لهم يا سيدي *

كثيراً ما تعاملنا الحياة بطريقة غير عادلة، ولكن قلة منا تود مغادرة هذه الدنيا، فبالرغم من كل شيء.. تبقى جميلة.
ويقال ان الزمن كفيل بشفاء كل الجروح، خارجية وداخلية. وما علينا سوى اعطاء الزمن وقتاً لكي يعمل. ومن الحكمة ألا نقارن أنفسنا بغيرنا، فليس بإمكان أحد معرفة ظروف الآخرين وما مر عليها في الحياة.
وقد يكون مهماً أن نعرف أن ليس مطلوباً منا النجاح في كل نقاش، والأهم أن نتفق مع غيرنا على أن نعيش معاً ولو بغير اتفاق.
جميعنا تقريباً يرى أحلاماً في منامه، ولكن ما هو أجمل أن نحلم ونحن مستيقظون وفي كامل وعينا.
الكثيرون يعطون أهمية قصوى لصورتهم في أعين الآخرين، والحقيقة أن هذا ليس من شأننا، وبالتالي لماذا نفكر به أصلاً، ونهتم بما يفكر به الآخرون عنا، فلندعهم وشأنهم.
جميعنا مشغولون بحياتنا، ولكن علينا أن نقضي وقتاً أطول مع من هم دون السابعة من العمر وأولئك الذين فوق السبعين.. ربيعاً، فبهم تختزل الحياة.
لا تتردد في اشعال الشمعة الكبيرة التي اشتريتها ولا في استخدام الشراشف الجديدة التي تحتفظ بها لمناسبة خاصة، وأن تخرجي طقم الصحون الفاخر من علبته ووضعه قيد الاستعمال، فليس هناك مناسبة أحسن من اليوم، وليس هناك من هم أعز من الأهل، فكل يوم هو يوم خاص، وان ذهب فلن يعود أبداً.
قد يسعدنا مشاركة الآخرين صخبهم، وحتماً يمتعنا الاستماع لشدو جميل أو موسيقى رائعة، ولكن من المهم أن نعطي أنفسنا كل يوم ولو عشر دقائق من الصمت التام، وسنكتشف كم هو رائع ذلك الشعور.. بالصمت!
بالرغم من أهمية العمل في حياتنا فانه لن يقف بجانبنا ان مرضنا. وحدهم الأصدقاء والأهل من يجيدون ذلك، فلا تقطع الاتصال بهم، وارفع سماعة الهاتف الآن وقل مرحباً لأم أو أب أو لصديق أو قريب.
وأخيراً ليس هناك من يهتم بسعادتك أكثر منك، والحياة فعلاً أقصر من أن نضيعها في كراهية الآخرين، حتى أولئك الذين أساءوا الينا، بمن فيهم أنت يا مشعل ملحم، فأنا لا أحقد عليك ولا أكرهك.
***
(*) من قراءاتي

***
• ملاحظة: انتقد أحد القراء بشدة اختصار جميع ألقاب سمو الشيخ محمد بن راشد المكتوم، حاكم دبي، ورئيس وزراء دولة الامارات العربية المتحدة، في مقال لنا عن تجربة دبي، والاكتفاء بمخاطبته بلقب «سيدي»، وقال ان في هذا نوعاً من التذلل الذي لا يليق بالليبراليين من أمثالي!! وربما نسي أن لقب سيدي يستخدم لمخاطبة رئيس أي دولة، ولو كان هو عضواً في مجلس الأمة لاضطر لمخاطبة رئيس المجلس بـ«سيدي الرئيس».

أحمد الصراف

احمد الصراف

إلى أساتذتي

إليكم يا أساتذتي، الأحياء منكم والأموات، وبالذات إلى أستاذ طفولتي أيوب حسين الذي سمعت، وأنا خارج الكويت، أنه يرقد في أحد المستشفيات، إليكم جميعا أهدي هذا المقال المقتبس من قراءاتي:
نظر المدير العام إلى من حوله في حفل العشاء وقال إن ما نعانيه في مجتمعاتنا هو انحدار مستوى التدريس، فما الذي نتوقعه من الطفل إن كان من يعلمه شخصا لم يجد في الحياة وظيفة أفضل من أن يكون مدرسا؟ ولكي يؤكد وجهة نظره للحضور، التفت الى مدرّسة كانت تشاركهم العشاء، عرفت بصراحتها، وسألها عما تحققه من عملها.. فنظرت المدرسة إليه وقالت: «هل تود حقا معرفة ما أكسبه أو أحققه؟ وبعد لحظة صمت قصيرة، أضافت: إنني أجعل الأطفال يقومون ببذل جهد لم يكونوا يعتقدون أن بإمكانهم القيام به. إنني أجعل الأطفال يجلسون أربعين دقيقة لينصتوا إلي، في الوقت الذي يفشل فيه أهاليهم في جعلهم يجلسون لخمس دقائق من دون استخدام الهاتف النقال أو الانشغال بألعاب الفيديو أو مشاهدة الأفلام المستأجرة. هل تود حقا معرفة ما أحققه؟ إنني أجعل طفلك يتساءل، ينبهر ، يعتذر عندما يخطئ، وهو يعني ذلك، وأن يحترم الآخر، وأن يكون مسؤولا عن تصرفاته. كما أعلمهم الكتابة وأدفعهم لها وأعلمهم القراءة والقراءة والقراءة، فلوحة مفاتيح الكمبيوتر ليست كل شيء. كما أدفعهم لأن يظهروا مهاراتهم ويستخدموا عقولهم في التوصل الى الحلول، وليس الاعتماد على آلة حاسبة. إن ما أحققه هو أن أجعل هؤلاء يشعرون بالأمان في الفصل، وأعلمهم كيف أن بإمكانهم، لو استخدموا ملكاتهم الكبيرة، النجاح في الحياة. وعندما يحاول الآخرون الحكم علينا من خلال ما نحققه، نحن المدرسين، من دخل أو اجر، مع إيماني بأن المادة ليست كل شيء، أرفع رأسي عاليا ولا ألتفت الى ما يقولون لأنهم مجموعة من الجهلة.. والآن، هل حقا تريد أن تعرف ما أحققه: إنني أحقق التغير أو التميز، فما الذي تحدثه أو تحققه أنت أيها المدير العام؟».

أحمد الصراف

احمد الصراف

النظام الاقتصادي الفاشل

«.. إن من الغطرسة أن نزعم وجود اقتصاد إسلامي أمام هذا الكم الهائل من المؤلفات والأبحاث في الاقتصاد الوضعي والذي ساهم (ويساهم) في تطويره أفراد من ديانات وجنسيات مختلفة، ومن الظلم أن نضيع جهود المسلمين بأن نوحي لشبابنا بوجود مثل هذا المجال..»
(حامد الحمود، القبس 2010/2/8)

•••
إن قصة استغلال الدين الإسلامي وإقحامه في الاقتصاد، أو العكس، رغبة في تحقيق ثراء سهل، قصة محزنة ومؤلمة في الوقت نفسه، كما هي الحال في العديد من الأنشطة الأخرى التي ربطت بالدين ربطا. واستغلال الدين يكون أشد نفعا كلما كانت المجتمعات التي تعمل فيها هذه الأنظمة أكثر تخلفا، وليس غريبا أن فكرة الاقتصاد الإسلامي، وتطبيقاته في المصارف والشركات الاستثمارية، لم تر النور أبدا إلا مع بدء انهمار الثروات النفطية على الدول الخليجية ذات الأنظمة التعليمية والاقتصادية والمالية المتخلفة، مقارنة، ليس بدول الغرب فقط، بل حتى بأنظمة مثل مصر، ما قبل خمسينات القرن الماضي ولبنان، ودول غرب شمال أفريقيا.
لقد تطلب الأمر من البعض 40 عاما لكي يعرف حقيقة ما يسمى بالاقتصاد الإسلامي، وقد يكون بعض مفكري إيران، عهد الشاه، ورجال دينها ومن يماثلهم مكانة في النجف من أوائل من كتب في هذا الموضوع قبل أكثر من نصف قرن بقليل، ولكن مع هذا لم تجد التجربة لها أي مجال للتطبيق الحقيقي إلا مع بروز ظاهرة البتروـ دولار التي وجد البعض أن الحصول على حصة منها يتطلب تقديم نماذج مالية جديدة.
ولو نظرنا الى الوضع المأساوي الذي وصلت اليه غالبية المؤسسات المالية الإسلامية لوجدنا أن الكثيرين خدعوا بالفكرة ودفعوا ثمنا غاليا لاعتقادهم هذا، فالتجربة بالرغم من عدم وقوفها على أرضية صلبة، تفتقر الى العمق. ولو استعرضنا ما كتب وألف في هذا الموضوع، من الناحية الإيجابية، لوجدناه بالكاد يذكر، مع غلبة التناقض والاختلاف فيه على الاتفاق. كما أن من عمل في مثل هذه المؤسسات اعتمد على أمرين: تجارب المؤسسات السابقة عليها، والتجربة الشخصية، وكانت نتيجة ذلك كارثية بصريح العبارة. ففي عام 2009 مثلا تكبد مؤشر غلوبل الإسلامي خسائر أكثر من %14 مقارنة بمعدل خسارة يقل عن %10 لمؤشر غلوبل العام (أوان 2010/1/7). وفي تقرير نشر في «الشرق الأوسط» في 5 يناير 2010، أكد علي القرة داغي أستاذ الشريعة الإسلامية، ورئيس الكثير من الهيئات الشرعية في دول الخليج، أن الكثير من البنوك الإسلامية لا تلتزم بقرارات المجاميع الفقهية فيما يتعلق بتحريم بعض المنتجات كالتورق والمرابحة في السلع الدولية. وأكد في حديثه للمجلة أنه تأكد شخصيا من وجود بضائع واقفة في مكانها منذ سنوات وتجري عليها البنوك والشركات الإسلامية عمليات البيع بأوراق صورية، وأن المستودعات الأوروبية، التي توجد لديها هذه البضائع لا تمارس البيع الحقيقي، ولكنها تتعامل مع البنوك الإسلامية.
من كل ذلك نرى أن المسألة برمتها لم تزد يوما عن محاولة استغلال الضعف البشري والوازع الديني لتحقيق أقصى الأرباح وأكثرها سهولة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

ملاحظات على التقدم في العمر

دخل الرجل الستيني مجمع الوزارات وقدم معاملته للموظفة فاستلمتها قائلة: اتفضل استريح يا حجي. فقال لها: لا تناديني بـ «يا حجي» بل بـ «يا عمري»!
فتضايقت الموظفة واعتقدت بأنه قد جاوز حدوده، فبادرها بالقول انه لم يحج بعد بل ذهب للعمرة فقط، وبالتالي هو يا عمري وليس يا حجي.
***
سبق أن كتبت عدة مقالات عن الكيفية التي نعرف فيها أن العمر تقدم بنا، وقلت ان ذلك يبدأ عندما يبدأ الآخرون بمناداتنا ب‍ «يا عمي» أو «يا حجي»!
أو عندما نطفئ الأضواء من منطلق التوفير وليس الرومانسية، أو عندما لا تهتم المرأة بالكيفية التي ترتدي بها حمالة الصدر، وغيرها، وهذه مجموعة أخرى من الملاحظات، الدالة على التقدم بالعمر وهي أننا مع تقدم العمر نستمتع بالخروج من البيت، ولكننا نستمتع أكثر بالعودة إليه. وعندما يقول لنا الآخرون إننا نبدو في أفضل حال، وهم يقصدون «لمن هم في عمرنا»! وعندما نبدأ بالحصول على الخصومات على كل شيء لا نرغب في استعماله أو القدرة على تناوله. وعندما تبدأ في نسيان أسماء البعض من حولنا ونصدم عندما نعرف أنهم لا يتذكروننا حتى.
وعندما يصبح احتمال فقدنا لمحفظة نقودنا ومفاتيح السيارة والبيت أسهل من فقد الخمسة كيلوغرامات التي كنا نتوق دائما للتخلص منها.
وعندما يبدأ شريك حياتك بالاعتماد عليك في تذكر ما لا تتذكره أصلا. كما أصبحت لا تهتم بالقيام بما اعتدت دائما على القيام به، ولكنك مهتم جدا بأن من حقك عدم الاهتمام بالقيام بها بعد الآن.
كما تعرف أنك كبرت عندما تكتشف أن شريك حياتك يستمتع أكثر بالنوم على أحد أرائك الصالة. وكذلك عندما تتذكر نصائح أمك التي كانت تطلب منك ارتداء ملابس داخلية نظيفة، فقط لمواجهة أي طارئ. وبعد أن أصبح بإمكانك شراء ما تريد من مجوهرات أصبح ارتداؤها غير آمن، كما أصبح الأمر يستحق منك قراءة 100 صفحة على الأقل من كتاب ما لتكتشف أنك سبق ان قرأته من قبل. كما أصبحت لديك ملابس بثلاثة قياسات، اثنان يصعب ارتداؤهما، ومع هذا تحتفظ بهما على أمل أن يضمر الجسم، أو ينمو قليلا. وأنت أصبحت كبيرا في السن عندما تصبح أغاني الأمس جميلة، وأفلام الماضي رائعة، ونتمنى للجميع طول العمر.. والسعادة «من قراءاتي».

أحمد الصراف

احمد الصراف

مخيرق.. اليهودي الشهيد

لفت صديق نظري لمقال كتبه أحد الكارهين لكل جميل في الحياة تعلق بحادثة القبض على أحد اليهود في دولة عربية في بداية خمسينات القرن الماضي، بتهمة مساعدة اسرائيل، وكيف حكم عليه بالاعدام، وتم تنفيذ الحكم في ساحة امتلأت بعشرة آلاف «فضولي»! ويبدو ان صاحبنا نسي ان حادث سير في اي ساحة من مدننا يمكن ان يجذب الآلاف لوفرة اعداد العاطلين عن العمل والفضوليين في كل شارع وحي.
***
يقول د. مقتدر خان (*) ان هناك الكثير من القصص التي يتجنب ائمة مساجدنا التطرق اليها في خطب الجمعة، ومنها قصة «مخيرق»، اليهودي وراباي المدينة المنورة.
كان مخيرق من اغنياء المدينة، وكان زعيم قبيلة «ثعلبة» وشارك في عام 625 ميلادية في معركة «أحد» الى جانب المسلمين. وقد طلب مخيرق من قومه الانضمام اليه في الحرب، ولكنهم رفضوا لكون اليوم سبتا، وهم لا يقومون بشيء في ذلك اليوم، فلعنهم مخيرق لعدم فهمهم لمعنى «السباث»، وأوصى بثروته، ان قتل، ان تذهب بكاملها للرسول. وعندما نشبت المعركة كان مخيرق من اوائل «شهدائها»، وعندما سمع الرسول بموته، بعد ان تعافى من اصاباته البليغة، قال ما معناه انه كان افضل اليهود.
انتقلت تركة «مخيرق» للرسول وتضمنت سبعة بساتين، وثروات اخرى، وشكلت نواة اول وقف في الاسلام، وساهمت تلك الثروة، حسب قول «مقتدر خان» في التخفيف من عوز الكثيرين في المدينة.
***
ان مثل هذه القصص لا يميل لسماعها او التحدث عنها الكثير من الدعاة ورجال الدين والمتاجرين فيه، من كتاب وغيرهم، لانها ببساطة تشكل خطرا على مكانتهم وقوت يومهم. فتجارة الكثير من هؤلاء تعتمد على بث الفرقة بين المسلمين وغيرهم، وتكريس كراهية الآخر وبث الاعتقاد بان جميع اليهود مجرمون وغيرهم سفلة منحطون وان من صميم اهداف هؤلاء الاساءة لنا ولديننا والعمل على افنائنا!
(*) مقتدر خان، استاذ الدراسات الاسلامية في جامعة ديلاور في اميركا.

أحمد الصراف

احمد الصراف

«دي دي وا»..وأحمد البغدادي!

انتشرت على الانترنت مقالة للروائية الجزائرية احلام مستغانمي عما واجهته في اليوم الذي وصلت فيه بيروت في بداية التسعينات، وهي الفترة التي اشتهرت فيها اغنية «دي دي وا» للشاب خالد، والتي رفعته الى النجومية العالمية وقذفت به للمجد، وكيف انها كانت قادمة لتوها من باريس، وفي حوزتها مخطوط «الجسد» المكون من أربعمائة صفحة، والذي قضت اربع سنوات في نحت جمله، محاولة ما استطاعت تضمينه نصف قرن من التاريخ النضالي للجزائر، انقاذا لماضي وطنها، ورغبة في تعريف العالم العربي بأمجاده واوجاعه! ولكنها لاحظت انها كلما أعلنت هويتها كانت تجامل بالقول: «آه، انت من بلاد الشاب خالد!»، وكيف انها لم تجد جوابا في هذا الرجل الذي يضع قرطا في اذنه، ويظهر في التلفزيون الفرنسي برفقة كلبه، سوى الضحك الغبي، وانها عندما تبدي عدم فهمها لـ«دي دي وا» لا تجد غير التحسر على قدر الجزائريين، الذين بسبب الاستعمار، لا يفهمون اللغة العربية! وقالت انها تأسفت كثيرا لكل الاهتمام والملاحقة اللذين يلقاهما المشاركون في برامج ستار اكاديمي مثلا، وكيف ان سجينا في معتقل اسرائيلي يطلق سراحه بعد ربع قرن لا يجد من يستقبله على حدود وطنه!
وفي السياق نفسه، احتج اصحاب الكثير من الرسائل الالكترونية على عدم اهتمام الصحافة باخبار صحة الزميل والاكاديمي المعروف احمد البغدادي، وتحسروا لتجاهل وسائل الاعلام لاخبار مرضه، وانه لو كان مطربا من الدرجة الثالثة لأفسحت العديد من الصفحات عن تقدم علاجه واوضاع نومه وقيامه وما يأكل ويشرب!
والحقيقة ان عدم الاهتمام باخبار الروائيين والاكاديميين والمفكرين والكتّاب والفلاسفة، وحتى العلماء والمكتشفين والمنقبين والقادة العسكريين من قبل وسائل الاعلام، مقارنة بكل الشوق والاهتمام باخبار الفنانين والمطربين والممثلين والراقصين والمسرحيين، امر طبيعي جدا، فهذه طبيعة البشر.
وهناك مثل عراقي يقول: «قالوا له: عندك تأكل؟ قال: لا، قالوا له: عندك تغرم؟ قال» نعم»، اي ان الواحد منا يصرف الكثير على الطرب والمتعة، ولكنه لا يصرف بالقدر نفسه على الامور الضرورية من مأكل وملبس، دع عنك الامور الجادة من فكر وأدب!
ونجد انعكاس ذلك، كمثال فقط، ان ما يكسبه مطرب امي ومكوجي سابق في عام واحد يزيد عما حققه نجيب محفوظ من بيع جميع مؤلفاته طوال نصف قرن! ولكن يجب ان نعرف كذلك ان هذا الولع بالفن والفنانين ومشاهير السينما والتلفزيون وحتى المسرح، ظاهرة تشمل العالم اجمع، ولها اسبابها، فما تكسبه عارضة ازياء في الغرب يزيد عشر مرات على ما يكسبه عالم فيزيائي يحمل جائزة نوبل، ولكن الفرق بيننا وبينهم ان رواية ما في الغرب قد تحول كاتبها لمليونير، كما في شفرة دافنشي التي بيع منها 80 مليون نسخة او 200 مليون نسخة من «هاري بوتر»، في الوقت الذي لم تبع فيه رواية كــ«عزازيل» ليوسف زيدان، وهي في طبعتها الرابعة، اكثر من خمسين الف نسخة. ولكن لو قام المؤلف نفسه بالسير عاريا في شارع مزدحم في القاهرة لزادت مبيعات كتبه حتما!

أحمد الصراف

احمد الصراف

… نتمنى لكم نوما سعيدا!

تنبأت أكثر التقارير تفاؤلا أن الكويت ستواجه عجزا في موازنتها العامة خلال سنوات قليلة جدا. والأسلوب المعيشي الريعي المتبع الآن في إدارة الدولة كارثي بمعنى الكلمة، فالكويت تعتبر من أعلى دول العالم استهلاكا للكهرباء، على الطل. والسبب الرئيسي في هذا الهدر الرهيب لهذه الطاقة الجميلة والمكلفة يكمن في أسلوب الحياة اللامبالي المتبع في غالبية البيوت، وعجز الدولة عن تحصيل ثمن استهلاك الأهالي للكهرباء والماء، بالرغم من تفاهة تكلفتها المدعومة من الدولة.
وقد جاء التحذير الأخير للبنك الدولي للحكومة بالامتناع عن زيادة الرواتب في وقته، فهذا البند يلتهم غالبية موارد الدولة من دون مردود حقيقي، فهناك بطالة مقنعة تصل الى أربعة أضعاف ما هو مطلوب أداؤه، كما أن إنتاجية الغالبية تصل الى مستويات مخيفة في تدنيها.
كما أثبت جميع المراقبين أن النظام التعليمي فاشل، بالرغم من الانفاق الكبير عليه، وأنه لا يستجيب لمتطلبات سوق العمل، ولا يزال الطلبة الكويتيون يحتلون المراكز الدنيا في الامتحانات الدولية. كما أن مقارنة نتائج عام 1995 بعام 2007 بينت عدم حصول أي تحسن على مستوى المخرجات بين سنتي المقارنة، وفوق هذا وذلك تعتبر معدلات القبول في جامعة الكويت الأدنى في العالم أجمع، ولا تنافسها في التدني غير الجامعات العربية الدينية التي لا تتطلب غالبيتها غير طلب للالتحاق بها.
وبالرغم من أن في الكويت أعلى نسبة من حملة شهادة الدكتوراه فان غالبيتها غير معترف بها، لكي لا نذكر وصفا أكثر دقة!
ولو قمنا بمقارنة اقتصاد الكويت بشقيقاتها الخليجيات لوجدنا أن الكويت، وإلى حد ما قطر، الأكثر اعتمادا في مواردها على النفط فقط. وبالرغم من أن الكويت تتميز عن شقيقاتها بما تمتلكه من احتياطيات مالية كبيرة، فان هذه يمكن أن تضيع خلال فترة قصيرة، كما ضيعنا أشياء كثيرة نفيسة بسوء إدارتنا.
وتطرق التقرير الأخير الصادر عن «طوني بلير»، رئيس وزراء بريطانيا السابق، إلى أن هناك شكا في صحة الاحتياطيات النفطية للدولة، وأنها ستنضب بمعدل أسرع مما هو متوقع، خاصة مع تنامي الطلب على النفط في العالم. وبالرغم من أن التقرير أشار إلى أن نضوب إمدادات النفط شكل مصدر قلق لغالبية الكويتيين الذين استطلعت آراؤهم، فانني أشك في صحة نتيجة ذلك الاستطلاع، فما هو سائد في الكويت أن «اليوم بيرة من غير كحول وغدا أمر!».
نقول قولنا هذا ونتمنى لكم نوما سعيدا.

أحمد الصراف

احمد الصراف

«عزازيل» و «ظل الأفعى»

تعتبر رواية عزازيل، للروائي يوسف زيدان الاكثر شهرة في العصر الحديث بعد «عمارة يعقوبيان» للأسواني. ولو نظرنا الى تاريخ الرواية العربية، المخجل في قصره، والذي بدأ قبل اقل من 90 عاما مع صدور رواية «زينب» لمحمد حسين هيكل، لجاز القول بأن «عزازيل» ستكون مع الوقت الأكثر شهرة ومبيعا، هذا ان سمحت الرقابة في بقية الدول العربية بتداولها، وربما يكون هذا بحد ذاته سببا في انتشارها اكثر!.
وقد اثارت «عزازيل» جدلا واسعا عند صدورها بسبب تعرضها للخلافات اللاهوتية المسيحية القديمة حول طبيعة المسيح ووضع السيدة العذراء، والاضطهاد الذي تعرض له الوثنيون المصريون على يد المسيحيين الجدد في الفترات التي اضحت فيها المسيحية ديانة الاغلبية المصرية. وقد اتهمت الكنيسة القبطية المؤلف بالاساءة للعقيدة المسيحية بكشفه التناقضات التي كانت تجول في رأس بطلها، الراهب «هيبا» والمتعلقة بالمنطق والفلسفة وصعوبة التقائهما بالدين، وهي التناقضات نفسها التي ادت لمقتل «هيباتيا»، فيلسوفة زمانها، والتي جسد فيلم أغورا Agora شخصيتها بشكل رائع، وكيف تم التمثيل بجثتها بأبشع صورة باسم الرب. كما دانت الكنيسة تطرق الرواية بشكل مستفيض للتناقضات الكثيرة حول ماهية المسيح، وهي التناقضات التي نشأ عنها اختلافات وتفرق الكنيسة لكنائس متعددة متعارضة متحاربة في اغلب الاحيان.
إضافة الى رواية «عزازيل» فإن للمؤلف قصة قصيرة نسبيا بعنوان «ظل الأفعى»، وهي من اجمل ما كتب في المرأة في التاريخ الروائي العربي القصير. فقد نجح يوسف زيدان خلالها في التسلل لأدق خلجات النفس الانثوية وسبر غورها ووضعها في المرتبة البشرية الرائدة التي تستحقها والتي فقدتها مع نشوء الدين اليهودي، الذي معه بدأ العزف على وتر نجاسة المرأة ووضعها في مرتبة بشرية ادنى من الرجل، وهي النظرة نفسها التي نقلتها عنها معتقدات عديدة اخرى.
من يرغب في الحصول على نص قصة «ظل الأفعى» الاتصال بنا على البريد الالكتروني.

أحمد الصراف

احمد الصراف

السراويل المنجبة

في محاولة للاحتفاظ بالثروة داخل الأسرة، تقوم الكثير من العائلات الغنية في باكستان بتزويج فتياتها بـ«القرآن»، وهو عرف سائد في الكثير من المدن والقرى هناك، وهو نظام يجعل البنت غير قابلة لأن تتزوج، أو حتى أن تطلق. كما يقوم بعض الآباء باتباع الطريقة ذاتها إذا كانت الفتاة المعيلة الوحيدة للأسرة، أو يخاف من زواجها ممن هو أدنى منها. وتقف الحكومة عاجزة أمام مثل هذه القضايا لكم المشاكل التي تغرق فيها يوميا.
وفي السياق نفسه، وردتني رسالة من صديق في قطر يقول فيها انه فوجئ بالحارس الباكستاني المسلم الذي كان يعمل بالقرب من منزله هناك يوزع حلويات على أصدقائه، وما ان رآه حتى قفز صوبه وقدم له شيئا منها، وعندما سأل عن المناسبة، قال بأنه رُزق بولد! وقال انه بارك له ومضى لحال سبيله، ولكن سرعان ما رجع ليسأله عن الكيفية التي حدث فيها ذلك، وهو يعيش في قطر منذ أكثر من سنتين لم يغادرها، وفكر أنه ربما تزوج في قطر وأنجب فيها؟ فقال له الحارس ان الولد من زوجته في باكستان، وهذا شيء شائع عندهم هناك، فالكثير من الرجال يضطرون لمغادرة وطنهم وأهلهم لسنوات طويلة ويتركون وراءهم زوجة وأولادا وحدهم، ومع هذا يرزقون بأولاد بين فترة وأخرى! وعندما سألته متعجبا كيف يتم ذلك؟ قال: اننا نترك عادة أحد سراويلنا (البنطال) عند الزوجة، ومن خلاله يتم الحمل فالولادة، وعندما سألته عمن قال لهم أو علمهم ذلك قال: شيوخ المنطقة، او رجال دينها الكبار، والذين يؤكدون لهم أن الأولاد أولادهم طالما بقيت سراويلهم عند زوجاتهم!
بالرغم من غرابة ما سمعت فانني كنت أميل لتصديق القصة، فقد مررت بتجربة قريبة منها خلال عملي في البنك قبل نصف قرن تقريبا، عندما قام أحد الموظفين الهنود بتقبل تهاني زملائه من جنسيته، وهم يتضاحكون من حوله، وعندما سألتهم عن السبب قيل لي بأنه رزق بابن في الهند وهو في الكويت منذ أكثر من سنتين! وبالسؤال علمت بأن لديهم تقليدا دينيا يمكن الزوج من الاتفاق مع قريب له، وغالباً ما يكون شقيقا له، بمعاشرة زوجته، وتكون ثمرة المعاشرة ابنا أو بنتا للزوج!
نعود لقصة صاحبنا الباكستاني التي أثارت انتباهي والتي سألت فيها صديقا باكستانيا عن مدى صحتها فأكد وجود جماعات في باكستان، الهند سابقا، تؤمن بنظرية قدرة السروال على الإنجاب، وأن الأمر مغطى شرعا بفتاوى من رجال الدين عندهم.
ولكي لا يستمر ضحكنا كثيرا من مثل هذه القصص فإن محاكم دول عربية تقف حائرة وغير قادرة على الفصل في قضايا الإنجاب أو «الحمل المستكن»، وهو الحمل أو الإنجاب الذي يقع بعد موت الزوج أو توقفه، لأي سبب، عن معاشرة الزوجة لسنوات عدة قد تمتد لأربع أحيانا!
وما علينا غير أن نعيش رجبا لنسمع ونرى من علمائنا..عجبا!

أحمد الصراف