احمد الصراف

عار التمريض

لو قلت لأكثر من ستة مليارات إنسان في العالم إن معهدا تقنيا يقدم تعليما متخصصا لطلبته مجانا لسنتين، على الأقل، ويعطيهم فوق ذلك راتبا شهريا يبلغ 1500دولار، مع ضمان الوظيفة طوال العمر مقابل راتب لا يقل عن 4000 دولار شهريا، فلن تجد من يصدقك، ولكنها الحقيقة، فهذا هو حال معهد التمريض في الكويت، الذي انشئ في الزمن الجميل، أي قبل 30 عاما ولم يتخرج منه في السنة الدراسية الماضية إلا أربع ممرضات! ولا تزال إدارة المعهد موجودة بكاملها من دون عمل حقيقي، لأن العادات والتقاليد الجديدة التي جاءت مع الصحوة المباركة، والتعليم المتخلف، كرهت هذه المهنة الشريفة والفائقة الأهمية في أعين فتياتنا، وجعلتها مهنة طاردة، ليس فقط لمن يبحث عن عمل، بل وحتى للعاملين بها، وهذا ما شجعته مختلف قوانين التخلف، التي -إضافة إلى ذلك- شجعت على الاستقالة المبكرة والجلوس في البيت، أو التسكع في المولات!
لا نجادل في حق من يود أن يبين أن مهنة التمريض غير لائقة، لأنها تتضمن اختلاطا بالذكور، وأن هذا الاختلاط شر وحرام، فهذه آراؤهم وهم أحرار فيها، ولكن ما هو ذنب المجتمع، وكيف نسعى لصرف عشرات المليارات على خطط تنمية وخلق مئات آلاف الوظائف وليس بيننا من يود أو تود العمل كممرضة، لأن أخلاقيات المجتمع لا تسمح بذلك؟! وكيف نسعى لخلق وظائف جديدة وأرفف برنامج تعديل هيكلة القوى العاملة تمتلئ بمئات طلبات الباحثين عن العمل.. من غير الراغبين في العمل، والذين يفضلون -نساء ورجالاً- النوم أو الدوران في الشوارع والمجمعات التجارية على التقيد بدوام عمل محدد، حتى لو أدى ذلك إلى خسارتهم رواتب ودعم عمالة تقارب الـ3000 دولار شهريا للفرد. في الوقت الذي لا يزيد فيه راتب أي خادم لديهم على مائتي دولار.. شهريا! فواحد ينام ولا يكترث بـ3000 دولار، وآخر يعمل 30 يوما ليحصل على 200 دولار!
إن الخلخلة الاجتماعية والأخلاقية، التي كرهت العمل اليدوي وزينت عكسه، لن تؤدي بنا في نهاية الأمر لغير الكارثة، فخطط التنمية والخصخصة سينتج عنها خلق مئات الوظائف، وبما أن نسبة كبيرة من المواطنين، ومن الإناث بالذات، على غير استعداد للعمل في الكثير من المجالات، أو بالأحرى لا يسمح لها بالعمل، فإن النتيجة الحتمية ستكون في استقدام المزيد من العمالة الرثة، وانزواء المواطنين أكثر وأكثر في «غيتوهاتهم» الخاصة، غير مكترثين بالنتائج السلبية عليهم وعلى المجتمع.
نكرر ونقول إننا لسنا ضد الخصخصة، فنحن من المستفيدين المباشرين منها، ولكن ما سيحدث لا يزيد على نقل ملكية أنشطة حكومية ليد أخرى، وإبقاء المواطن عالة على الدولة الريعية، فسلامة عقل هذا المواطن، وسلامة صحته النفسية كانت وستبقى في آخر سلم اهتمامات الحكومة، على افتراض وجود مثل هذا السلم أصلا!

أحمد الصراف

احمد الصراف

التحول للإسلام

هاتان تجربتان حقيقيتان حدثتا مع صديقين مختلفين أرويهما بكل أمانة وتجرد من دون تعليق.
الأولى حدثت قبل سنوات في قصر العدل عندما ذهب الصديق الأول وشريكه لانهاء بعض الأعمال، وأثناء تواجدهما في مكتب المسؤول الكبير الذي طلب منهما التفضل بالجلوس دخل أحد الموظفين ليخبر المسؤول بأن هناك من ينتظرون للدخول عليه من أجل إنهاء ترتيبات دخولهم في الإسلام بصورة رسمية، فسمح لهم، فدخلوا ووقفوا أمامه بكل أدب فبادرهم بالسؤال عن صحة نواياهم فأكدوا له ذلك فقال لصديقي: هل تود الشهادة على صحة دخولهم الإسلام؟ فطلب اعفاءه من المهمة وزكى شريكه الأكثر تدينا منه للقيام بالمهمة، وأبدى هذا موافقته بهزة من رأسه. وما ان طلب المسؤول من «المهتدين» الجدد ان يرددوا وراءه ما سيتلوه عليهم حتى دخل ساع يحمل مجموعة من الأوراق التي تحتاج لتوقيع المسؤول، فانشغل بها عن المهمة المقدسة. ثم عاد لهم وقال: قولوا من بعدي: أشهد أن….! وهنا رن جرس التلفون فقام بالرد على المكالمة وعاد ليطلب منهم ان يرددوا وراءه: أشهد أن لا إله… وهنا سمع طرقا على الباب فأذن للطارق بالدخول وإذ بهم مجموعة من المراجعين فأنهى معاملاتهم وعاد للمهتدين ليقول: إلا الله وأن محمدا! وهنا رن هاتفه النقال فانشغل به لأكثر من دقيقتين وعاد للمهتدين ليقول لهم كملوا: عبده ورسوله… يلا خلاص صرتوا مسلمين.
أما الحادثة الثانية فتتعلق بامرأة سيلانية تعمل لدى عائلتين، الأولى عربية مسلمة، من 7 صباحا وحتى الواحدة ظهرا، وبعدها عند عائلة غربية مسيحية. العربية المسلمة لا تسمح لها بتناول أي طعام، أو التوقف عن العمل، أما الغربية فعكس ذلك تماما.
وفي أحد الأيام طلبت هذه السيدة السيلانية من صديقتنا ان تساعدها في الحصول على الأوراق الرسمية التي تثبت اسلامها، وبالسؤال تبين ان الاجراءات يمكن ان تتم اما في مبنى الرقعي أو في برج التحرير، فاختاروا البرج لقربه.
وعندما طلبت الخادمة من مخدومتها، العربية المسلمة، السماح لها بالتغيب لذلك الغرض رفضت من غير ان تخصم عليها مبلغ 3 دنانير! وتقول الصديقة بأن ليس لــ «المهتدية» الجديدة سبب يدعوها لأن تكذب في حق مخدومتها، وهي التي ستتحول لديانتها!
من أجل ذلك ذهبوا لبرج التحرير الأقرب لهم وأثناء انهاء اجراءات الطباعة ووضع الأختام سمعت صديقتي موظفة «محجبة» ولئيمة تقول للموظف المناط به انهاء المعاملة: ليش هذيله ما يروحون الرقعي؟ برج التحرير صاير كأنه مكتب خدم!!
لا تعليق.

أحمد الصراف

احمد الصراف

صديقي.. صديقتي وصحتي العقلية

قال صديقي عالم النفس انه انتهى قبل أيام قليلة من إعطاء دروس خاصة في العلاقة بين العقل والجسد، وكذلك العلاقة بين الضغوط النفسية والإصابة بالأمراض. وقال انه اكتشف أثناء فترة التدريس، ومن خلال مناقشات مستفيضة مع طلبته البالغين، ان أفضل ما بإمكان الرجل القيام به في حياته، وخلافاً لما هو متداول بشكل ساخر، ومن بين أشياء عديدة أخرى، هو الاقتران بزوجة! ولكن الأمر مع المرأة مختلف بعض الشيء. فمن أفضل الأشياء لسلامة الصحة العقلية للمرأة هو محافظتها على علاقاتها الطيبة مع صديقاتها، أو حتى الإناث من أقاربها. وقد يسخر البعض من هذا القول، ولكن لنفكر قليلاً بالأمر، فالنساء يتواصلن مع بعضهن بطريقة مختلفة عن أسلوب تواصل الرجال مع بعضهم، فلدى النساء قدرة أو آلية دعم عاطفية خاصة بهن تكون ذات تأثير إيجابي كبير في حالات تعرضهن للضغوط النفسية أو المرور بتجارب مؤلمة في الحياة. فالنساء يتشاركن في عواطفهن مع بعضهن ويتحدثن عن آلامهن من دون تردد أو استحياء، والأمر يشمل القريبات من أم وأخت كما هو مع الصديقات. لكن عندما يتلاقى الرجال فإن أحاديثهم عادة ما تدور حول الأنشطة المالية والوظائف الجديدة والجنس والرياضة والسيارات والصيد وغيرها، ولكن نادراً ما يتحدثون لبعضهم عن مشاعرهم وآلامهم وأحاسيسهم، وهذا بالضبط ما تقوم النساء به طوال الوقت، فالمشاركة الروحية بينهن مهمة جداً لصحتهن العقلية.
كما ان من المهم لنا جميعاً ان نجلس، بين الفترة والأخرى، مع صديق ونتحدث معه، أو معها، فقد ثبتت علمياً أهمية هذه اللقاءات لصحتنا العقلية كأهمية ممارسة رياضة المشي أو السباحة لصحتنا البدنية، وبالتالي يجب عدم النظر الى لقاءات الصداقة بسلبية وبأنها مضيعة للوقت، فالعكس هو الصحيح، فخطر الابتعاد عن الناس وعدم وجود صديق، أو أصدقاء في حياتنا أو فشلنا في خلقهم أو إيجادهم من حولنا يساوي خطر التدخين على صحتنا.
وعليه، عندما تجلسين مع صديقة وتستمتعين بوقتك، قومي بالطبطبة على ظهرك مخاطبة نفسك بالقول: آه، كم أنا محظوظة!! والأمر ذاته ينطبق على الرجال، إلا أنهم عادة ما يطلبون من غيرهم أن يطبطبوا لهم على ظهورهم!
* * *
ملاحظة: عندما أطلق سراح امرأتين بعد فترة سجن طويلة، قالت الأولى للثانية عند باب الخروج: سنكمل حديثنا غداً!!

أحمد الصراف

احمد الصراف

أين أخطأنا؟

قامت «الناشنال جوغرافيك» الأميركية قبل ستين عاما (ديسمبر 1952) بنشر تحقيق مصور عن الكويت. تضمن التحقيق صورا جميلة ونادرة للحياة في ذلك الوقت (ولا أعرف لماذا لا أرى مثلها أو نسخا منها في المتاحف والدوائر الحكومية والصالونات، بدلا من تلك التي تظهر حواري متربة وبيوت طين متهالكة، ولست هنا في معرض التقليل من أهميتها).
كتب التحقيق بول كيسي، وعنوانه: الازدهار في الكويت، مشيخة مغمورة في الخليج الفارسي الغني بالنفط، تستخدم ثروتها في تحسين حياة شعبها!
(ولو تمعنا في هذه الجملة لوجدنا أنها تختصر الكثير من الأمور، وتبين طبيعة العلاقة بين أسرة الصباح، وبقية أسر الكويت، فقد تحلى الطرفان بقدر كاف من الذكاء، بحيث جنبا الدولة الوليدة مخاطر الانقسام والتشتت، التي أصابت الدول العربية كلها تقريبا، نتيجة رفض الاستفراد بالثروة لطرف على حساب طرف آخر، وهو الأمر الذي ميز الكويت طوال تاريخها).
ويقول كاتب التحقيق إن الكويت تقع في زاوية من الصحراء العربية، وإنه شاهد ثورة سلمية يواجه فيها الإنسان أعداءه التقليديين «الوقت والمسافة والمناخ» وينتصر عليها، وجائزته النفط. ويقول إن من حقولها النفطية الــ 135 يتم استخراج 800 ألف برميل يوميا، ويبلغ احتياطيها 16 مليار برميل، أو نصف احتياطيات الولايات المتحدة، المعلنة (في ذلك الوقت). وأن مواردها تبلغ 150 مليون دولار سنويا، وتمثل %50 من حصتها من إنتاج النفط، وهذه الثروة تذهب بكاملها للحاكم المطلق السلطات الشيخ عبدالله السالم، والذي يعد من أثرى أثرياء العالم. ولو اختار صرف ثروته على اليخوت أو الخيول أو دفنها تحت سرير نومه لما سأله أحد. ولكنه اختار إنفاق ثروته الضخمة لرفاهية شعبه، وتم ذلك من خلال برنامج تنمية طموح في بلد ينقصه كل شيء. وفي كل سنوات عملي في الشرق الأدنى لم أر برنامجا تحول مثل هذا.
المقال طويل وفيه صور جميلة، وتوجد نسخ منه برسم الجميع، والتمعن في تفاصيله يجبر الإنسان على التساؤل: أين أخطأنا؟ وكيف أصبحنا في مثل هذا المستوى المتخلف بعد 60 عاما من الخطوة الأولى في طريق التقدم والازدهار؟ ولماذا سبقتنا دول كثيرة أخرى؟ ولماذا، كما تظهر الصور والتقرير، كنا أكثر إنسانية وتسامحا مع الغير، ولم يكن لقضايا الاختلاط والعنصرية والتحزب الديني، وحتى جمهور الملتحين مكان في حياتنا؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

علامة «غوغل» ورذيلة دق الهريس

بيّن مؤشر «ستاندرد اند بورز»، ووفق حسابات شركات متخصصة في مراقبة العلامات التجارية، أن قيمة أكبر 100 علامة تجارية عالمية قد ارتفعت بنسبة 18 ونصف في المائة عن أعلى معدل قبل 3 سنوات. وأن التطور التكنولوجي كان المساهم الأكبر في رفع قيمة 7 علامات، في حين احتلت الــ «كوكا كولا»، التي كانت الأعلى لسنوات، و«ماكدونالد» و«مارلبورو» المراتب الثلاث الباقية. وقد بلغت قيمة علامة «غوغل» 114googleملياراً! أما «آي بي أم» فقد بلغت قيمة علامتها 86 مليارا، و«أبل» 83 مليارا، و«مايكروسوفت» 76 مليارا.. وهكذا مع بقية الشركات العالمية من أوروبية وغيرها، وحتى صينية، وبان واضحا أن «كل الجمال تعارك إلا جملنا بارك!».
وفي غمرة اهتمام العالم بما أصبحت التكنولوجيا تمثله من قوة هائلة وثراء مخيف لا يستطيع العقل البشري تصور ما سيصل إليه من تقدم، وفي اليوم نفسه تقريبا نشرت «الوطن 4/30» أن مباحث حولي بقيادة «العقيد….» قبضت على وافد عربي وعشيقته السيلانية يمارسان الرذيلة في سرداب! وقال مصدر أمني في المباحث انه أثناء مرور «العميد….»، مساعد مدير عام الإدارة العامة للدعم التقني والنوعي في وزارة الداخلية بالقرب من محل لبيع النخي في إحدى الجمعيات استوقفه البائع وقال له إن هناك وافدا يأتي ليلاً ومعه فتاة يطارحها الغرام على أنغام «دق الهريس» في سرداب الجمعية الموجود تحت المحل!
وهنا أبلغ العميد مسؤول المباحث بالأمر، فقام هذا ومساعدوه بوضع وصف للواقعة ووضع خطة التنفيذ، ومراقبة المكان. وفي ساعة الصفر، وتحت جنح الظلام، وعند قدوم الوافد (أو المجرم الخطير!) ترافقه صديقته ودخولهما السرداب داهمتهما قوى الأمن، المدججة بالسلاح طبعا، فهرب المتهمان «الخطيران» من فتحة التكييف وتمت مطاردتهما والقبض عليهما. انتهى الخبر!
وهكذا نرى كيف اهتمت قوى الأمن من ضباط برتبة عميد وآخر برتبة عقيد وفرق بحث وخطط ومباحث، بحادثة بسيطة كان يمكن أن يقوم بها عسكري بخيط واحد من المخفر القريب من الجمعية دون إقلاق كل جهات الأمن هذه في القبض على وافد وسيلانية مسكينة.
إن هذا الاهتمام لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة حتمية لجهود «ثلة» مباركة من مشرعي قوانين: «إلا الأخلاق»، حسب مفهومهم. والذين أصبحوا يشكلون همًّا لقوى الأمن وبعبعا يحسب حسابه بسبب هوسهم المفرط بمثل هذه القضايا التي يحدث ما يماثلها الكثير دون أن تشكل حقيقة خطرا داهما على الأمن والخلق القويم، فقد كانت في الكويت، ولقرون، مناطق «باب الهوى» و«رميلة»، وكان تدين الناس أفضل وأخلاقهم أحسن مما هي عليه الآن. إننا لا ندعو هنا لنشر الرذيلة وإباحتها، ولكن لقوى الأمن دورا أهم وأخطر من إشغال جنرال وعقيد ومباحث ووضع خطط مراقبة ودهم والقيام بمطاردة سيلانية في الشارع والقبض عليها ورفيقها وإشغال أكثر من جهة أمنية وقضائية وإجرائية أخرى بهما، في الوقت الذي يعلم فيه الجميع مدى خطورة الوضعين الداخلي والخارجي وفي المنطقة ككل نتيجة تعنت حكام إيران في ما يتعلق ببرنامجهم النووي والتهديدات الأميركية الإسرائيلية بمهاجمتها وتدمير مفاعلاتها، وما يشكله كل ذلك من خطر حربي وبيئي علينا وعلى الخليج برمته. فهل هناك من يسمع؟
ملاحظة: القراء، ونحن منهم، والصفحة الأخيرة من «القبس»، يفتقدون شيخنا أبو طلال، محمد مساعد الصالح. ونحن، نيابة عن محبيه، نتمنى له الشفاء العاجل والعودة سالما لــ «والله من وراء القصد!».

أحمد الصراف

احمد الصراف

تعالوا لننهل من العيش لذاته

بفضل أسعار النفط العالية أصبح لدى الكويت فائض مالي كبير. ولو استثنينا ما صرف على التحرير، أو ما سرق وضاع من استثمارات في الخارج، لأمكن القول ان الحكومة لم تصرف الكثير في السنوات الثلاثين الماضية. ولهذا، يعتقد البعض أن ذلك التقتير وشح المشاريع الكبيرة يجب أن يقابلهما الآن صرف سريع وواسع، وهنا تكمن الخطورة! فمن الواضح أن بنيتي الدولة، الفوقية والتحتية، غير مؤهلتين أصلا لمقابلة الاحتياجات الحالية للسكان، فكيف ستكون الحال عليه عندما يصل العدد الى أربعة أو خمسة ملايين نسمة؟! علما بأن الدولة تعاني حاليا شحا في الكفاءات، فكيف بالمستقبل؟! فمعاناة مناطق كثيرة من انقطاع في الكهرباء وانفجار محولات وخروج آلاف خطوط الهاتف من الخدمة وتعطل مصافي النفط وحدوث حرائق في مرافق متعددة.. هي جميعها نتيجة سوء التنفيذ والإشراف في مختلف الأعمال المدنية والكهربائية والميكانيكية في السنوات السابقة، إما بسبب عيوب قانون المناقصات المركزية، التي حرصت على ترسية الأرخص من المناقصات أو شراء الأرخص من المواد، مع غياب واضح للضمير لدى غالبية من نفذوا وأشرفوا على تلك الأعمال، أو في أحسن الأحوال قلة خبراتهم، قبل عشر أو عشرين سنة!
السيناريو السابق سيتكرر حتما، فالكفاءات شبه معدومة، والنظام التعليمي مهترئ والأجهزة الإشرافية فاسدة، وليس هناك ما يشجع على صرف أموال الأمة على ما يسوى ولا يسوى من مشاريع، ولكن يبدو أن البعض يريد الاستفادة من الفوائض المالية بطريقة أو بأخرى قبل أن تفقد قيمتها أو تسرق أو تصرف على شراء الخردة!
يقول أحد المهندسين -وسبق أن سانده مهندس آخر في مخاوفه-: إن أكثر من مرفق حيوي بالغ الخطورة والأهمية، كالمطار ووزارتي الطاقة والمواصلات، تعاني الأمرين، سواء من اضطرارها الى توظيف المتردية والنطيحة من مخرجات معاهد التعليم والتدريب. كما تشكو جهات عدة من الأنظمة والقوانين الحالية التي تجبر العديد من الشركات المنفذة للأعمال الفنية الدقيقة وحتى الخطرة على الاستعانة بــ «خبرات وكفاءات كويتية»، وهي على علم بأن هؤلاء يمتلكون كل شيء إلا الخبرة والكفاءة! فكيف يشرف على مشاريع بعشرات الملايين خريجو معاهد تطبيقية داخلية ومن حاملي شهادات هندسة من الخارج، وهم الذين لم يغادروا الكويت أصلا، ولا يعرفون الفرق بين «إز» و«واز» الإنكليزيتين؟ والخطورة أن نتيجة عمل هؤلاء لن تظهر إلا بعد سنوات من مغادرتهم لكراسي مناصبهم، ووقتها لن يتساءل الطيار عمن أعد وجهز له «براشوته»، لأنه سيكون قد مات نتيجة عدم فتحه في الوقت المناسب. ويبدو أن نواب مجلس الأمة الممثلين لهذه النوعية من «المهندسين» والخبراء هم المعارضون الأشداء لمشاريع الخصخصة التي ستكشف «عوراتهم» كوادرهم في اليوم الأول!
* * *
• ملاحظة: حذّر نواب من أن قانون الخصخصة سيجعل الكويتيين يعملون «صبّـابي قهوة» لدى التجار! والغريب أن النواب أنفسهم سبق أن أصدروا قوانين تجبر التجار على توظيف الكويتيين لديهم!

أحمد الصراف

احمد الصراف

مسرحية حوار الأديان

معروف تاريخيا أن من قتل من المسيحيين، في حروب دينية، على أيدي مسيحيين آخرين يزيد بكثير عما قتل منهم على أيدي أعدائهم منذ نشأة الكنيسة وحتى اليوم. كما هو معروف أيضا أن من قتل من المسلمين في حروب طائفية على يد «إخوة» مسلمين يفوق بكثير ما قتل منهم في كل حروبهم مع الغير، حتى الرموز الدينية والتاريخية لكل طرف قتلت وحرقت وشوهدت بأيدي جماعتهم المضادة لهم، وليس بيد غيرهم المعادين لهم، وبالتالي يبلغ الأمر قمة النفاق عندما ينادي البعض بالحوار بين الديانات، ليس لسخافة الهدف بحد ذاته، بل لأننا لم نتحاور بعد مع أنفسنا ولم نتفاهم مع ذواتنا، ونصر على القفز على المراحل والتحاور مع الفاتيكان وغيره، والتقاء رجال الدين الإسلامي بالكرادلة والمطارنة والبابا، ونحن نعلم ما يعتقده هؤلاء بعضهم في بعض، وما يمثله كل طرف من فكر مخالف تماما لفكر الآخر ومعتقده وعقيدته، فالحوار مطلوب عندما يكون هناك اختلاف يمكن تجاوزه للوصول الى أرضية مشتركة على أساس مبادئ عامة، أو حقائق محددة، ولكن الحوار الديني هو أقرب ما يكون لحوار الطرشان، فكل طرف يقوم باستماتة بإبداء وجهة نظره في مجموعة من الأمور الخلافية، والطرف الآخر وكأنه غير موجود أو كالأطرش لا يسمع، ويبتسم منتظرا دوره وهو يقول لنفسه، ما هذا الهراء؟ دعني أوضح لك، فينتقل الطرش فجأة للجهة الأخرى… وهكذا!
لقد صرفت الملايين على مؤتمرات الحوار هذه، والتهم المشاركون فيها أطنانا من أطايب الطعام ولثم بعضهم وجوه بعض تقبيلا، ولكن بعد نصف قرن تقريبا لم يتقدم الحوار شبرا واحدا ولم ينتج عنه تزحزح أي طرف بوصة عن سابق مواقفه، وبالتالي فإن هذه المحاورات والمناقشات واللقاءات «الأخوية» لا تعدو أن تكون تمثيلا من كل طرف على الطرف الآخر، فكل مشارك مؤمن ومصدق لما جاء في كتابه، ولا نية لديه لتصديق محتويات كتاب الآخر، وحجة الأول أنه الأسبق الى الحقيقة وبالتالي على الآخرين الاقتداء به، والثاني يدعي أنه الناسخ وهو الذي يعرف الحقيقة وبيده ناصيتها، وما على الآخرين سوى قبول رسالته ومن ثم السير خلفه، وبالتالي لا تلاقي، خاصة أنه لا براهين أو حججا بيد أي طرف يمكن أن يستغلها لإفحام غيره، ولو كانت تلك الحجج والبراهين دامغة وغير مشكوك فيها لما كانت هناك خلافات أصلا! فجدول الضرب تم وضعه وآمن به الجميع منذ يومه الأول، ووقوع خلاف عليه أمر غير متوقع لبساطة فكرته ووضوحه. أما هذه المحاورات فأمرها غريب حقا، فهدف أي مشارك فيها إما الاحتكاك بعلية القوم وسكن أفخم الفنادق وتناول أطايب الطعام، وهؤلاء لا يرجى منهم أي خير، فهم والخواء واحد. أو أنهم مدركون لعقيدتهم، وأن الطرف الآخر لن يرضى عنهم حتى يتبعوا ملته! ولا أدري كيف قبل هؤلاء فكرة الجلوس مع غيرهم!
لست ضد أي تقارب مع الآخر بالطبع، ولكن محاولة حرق المراحل لم تؤد ولن تؤدي الى أي نتيجة، والحلم بوحدة دينية يشبه حلم الوحدة العربية، فطالما أننا، ككيانات، ضعاف في كل شيء فاتحادنا لن ينشأ عنه غير صفر!

أحمد الصراف

احمد الصراف

النغم الجميل وخوار البقر

أعلنت هيئة الزراعة قبل فترة عزمها تشكيل فرق تفتيش، تحمل صفة الضبطية القضائية، لتقوم بزيارة 8485 جاخورا، أو زريبة حيوانات، في مناطق كبد والوفرة والجهراء، وتحديد المستغل منها لغير الأغراض المخصصة تمهيدا لتحويل أصحابها الى الشؤون القانونية في الهيئة وفسخ عقودها. وهنا نتكلم عن الكويت التي لا تزيد مساحتها على 19ألف كيلومتر مربع!
لا أعلم بالدقة مصير هذه الفرق، ولو أنني أشك في أنها نجحت في القيام بالكثير مما هو مطلوب منها، بسبب حجم الضغوط الهائلة التي ستتعرض لها لمنعها من القيام بعملها، ولكن مع هذا نتمنى لرئيس هيئة الزراعة النجاح في مسعاه، ولكن، دعونا نخاطب العقل: هل الكويت، وحتى ولو ضممنا لها قطر والبحرين، بعدد سكانها الصغير نسبيا بحاجة حقا لـ 8485 جاخورا؟ فلو افترضنا أن في كل جاخور 100 رأس من الماشية، كحد أدنى، فهذا يعني ان هناك ما يقارب المليون رأس من الجمال والغنم والبقر! ولو فكرنا في ما تدفعه الدولة من مال لشراء أعلاف وتكرير مياه مدعومة الثمن لوجدنا أن الكلفة السنوية تقارب الــ 30 مليون دينار، وهذا يزيد بكثير عن موازنة هيئة الزراعة لمثل هذا النشاط، وعليه من السهل الافتراض أن غالبية هذه الجواخير تستغل لغير الغرض منها، كما أن توزيعها على أصحابها تم في السنوات الماضية إما لتنفيعهم أو لشراء ولاء البعض منهم، لكي لا نقول ذممهم! ومن هذا المنطلق، ولكي تسترد الدولة أموالها وتنجح خطة هيئة الزراعة، فإن الحكومة مطالبة بدعم جهودها الرامية الى استرداد أملاك الدولة هذه من خلال إلغاء عقود «الجواخير الوهمية» التي غالبا ما يسمع فيها كل مساء صوت النغم الجميل وليس خوار البقر! وقد وجهنا مطالبتنا للحكومة وليس للجهة الرقابية على أعمال الحكومة، أي مجلس الأمة، بسبب تورط عدد من أعضائه، وكوادرهم الانتخابية المثقفة، في قضايا النغم والخوار البقري. علما بأن الكثير من هذه الجواخير، التي تستخدم أيضا كسكن للعمالة الفقيرة، تستغل للحصول على علف حكومي مدعوم ومن ثم بيعه في السوق السوداء!

أحمد الصراف

احمد الصراف

تذكير مركز «وذكر»

يعتبر السيد فؤاد الرفاعي، صاحب مركز «وذكر» العظيم، نفسه داعية صالحا، ولا سبب يدعونا للاعتقاد بعكس ذلك. ومن صفات الداعية الاستقامة والدعوة لخير العمل والبعد عن المنكر والتواصل والصدق.
وقد كتبنا قبل أسبوع مشككين في صحة إعلان ملأ الجزء الأكبر من الصفحة الأخيرة من جريدة الوطن (4/19) تضمن أسماء 1026 «شابا» قيل فيه انهم يتقدمون من خلاله بخالص الشكر والامتنان لــ«فضيلة الشيخ فؤاد الرفاعي» على جهوده المبذولة في نصرة الدين!!
نبع شكّنا من شكوى أحد الإخوة من أن اسم ابنته أقحم في الإعلان من دون علمها وعلمه ولا رضاهما. وذكرنا في المقال أننا نشك حتى في حقيقة من صاغ الإعلان ودفع ثمن نشره، وانه قد يكون «فضيلة الشيخ» فؤاد نفسه، وهو اللقب الذي ورد في الإعلان! وطالبنا فضيلته بنفي اتهاماتنا، وذكرنا أننا على استعداد لبيان اسم الفتاة، التي لا يتجاوز عمرها 13 عاماً، كاملا إن تطلب الأمر ذلك.
واليوم، اتصل بنا قارئ آخر وقال ان اسم والدته قد أقحم في المقال أيضا، وقد سألها فنفت علمها بمن هو «فؤاد الرفاعي» أصلا، ولكن القارئ طلب مني عدم نشر الاسم لقرابته لصاحب الفضيلة!
وبعدها بساعة أرسل القارئ عادل عبدالعزيز السنان رسالة إنترنت قال فيها ان اسم ابنته البالغة من العمر 6 سنوات قد ورد في الإعلان، وأيضا من دون علمه، وهذا دفعه الى قراءة بقية الأسماء ففوجئ بوجود اسم ابن عمه وليد خليفة السنان، الذي توفي قبل أربع سنوات!!
نكتب كل ذلك ولا نزال بانتظار تأكيد أو نفي السيد فؤاد لاتهاماتنا، ونذكّره بأن من صفات الداعية التواصل والصدق.
من جهة أخرى، أجد نفسي مدينا بالشكر لـ«القبس» لسماحها بنشر ما تيسر من تعليقات القراء على مقالاتي على الإنترنت، وخاصة المقال الذي تعلق بموضوعنا هذا، حيث ان التعليقات بينت «المستوى الأخلاقي» للبعض، وكيف أن قلة منهم أدمنت مهاجمة مواقفي، السابق منها وحتى اللاحق، متعمدة عدم الرد على ما أكتب بل الشتم والاتهام بالجاسوسية والعمالة للغير، مع الإشادة بمواقف صاحبهم الداعية وبيان عظمته، من دون التجرؤ أو حتى الاقتراب من اتهامات التضليل والتدليس.

أحمد الصراف

احمد الصراف

ليبرالية هايف والطبطبائي

ألقت الأستاذة ابتهال الخطيب محاضرة في الجمعية الثقافية النسائية، التي لم أجد أحدا من ناشطاتها ضمن الحضور، عن الليبرالية والعلمانية حيث ذكرت أن الليبرالية فكر وفلسفة وليست منهاجا ولا نظاما ذا قوانين يجب اتباعها، لأنها تقوم على مبدأ الحرية مما يكفل حقوق الآخرين وحرياتهم. وقد لفتت هذه المقدمة، وكلمة ليبرالي نظري إلى ملاحظة أن الليبرالية أو Liberal, Liberalism, Liberality, Liberate جميعها تعطي معنى الحرية والتحرر من القيود. ولو فكرنا في ما تعنيه فضيلة الحرية لوجدنا أنها من أسمى الفضائل التي يحرص كل إنسان على التمتع بها، فليس هناك ما هو أقسى من القيد في المعصم أو حجز الحرية أو السجن، وهي وسيلة العقاب القصوى في جميع دول العالم المتحضر، عدا بعض ولايات اميركا، ولو قبض على هتلر قبل انتحاره، كما يشاع، وهو الذي تسبب في مقتل أكثر من 60 مليون إنسان، لما حكم عليه بأكثر من السجن مدى الحياة. وحب الحرية وعشقها ليسا قاصرين على فئة من البشر دون غيرها، بل تشملان الجميع حتى الحيوان والطير والأسماك، التي يصاب بعضها بالجنون إن احتجزت حريتها لفترات طويلة. ومن هذا المنطلق فإن حب الحرية لدي لا يزيد أو يقل عنه لدى اي كائن بشري مثل النائب محمد هايف أو النائب وليد الطبطبائي أو حتى العاشق القديم النائب خالد السلطان. ولكن الفرق بيني وبينهم أنهم يعشقون الحرية لأنفسهم ويريدون قراءة ما يسرهم ورؤية ما ترتاح له أعينهم وممارسة ما ترغب به عضلاتهم، وتناول ما تشتهيه أنفسهم، وفي الوقت نفسه كراهية كل ما يقوم به الغير أو يريده أو يرغب به، خاصة إن لم يكن حسب رغباتهم ومطابقا تماما لمعتقداتهم ومنسجما مع أهوائهم وأمزجتهم! فهؤلاء وغيرهم الكثير لا شك من محبي الحرية، وإن لأنفسهم، ولكنهم يسعون بكل جهدهم لفرض هوسهم العقائدي على الغير وكأن لا أحد غيرهم يمتلك الحقيقة أو يعرف الحق، ومن دون التفات أو اعتبار لمئات الأمور التي تفرق البشر بعضهم عن بعض، فبإمكان أي منا أن يأخذ الحصان إلى النهر ولكن لا أحد يستطيع إجباره على شرب الماء منه!!
وبالتالي فأنا وهايف إخوة في محبتنا للحرية ولكنه يريدها لنفسه وعلى طريقته وبأسلوبه، وأنا، وغيري من الأحرار، نريدها للجميع، حتى ولو اختلفوا معنا في الاعتقاد والفكر!
* * *
• ملاحظة 1: لا نزال بانتظار نفي فؤاد الرفاعي لما ذكرناه عن التزييف في قائمة الاسماء المؤيدة له. وننوه بأن الزميل ضاري الجطيلي سبقنا في الكتابة عن هذا التدليس في مقال له في («الجريدة» 23/4) وبين فيه استغرابه لورود اسماء اشخاص يعرفهم شخصيا، بعضهم في السبعين واخرون اطفال، في كشف الشكر والتأييد، حيث تم اقحام اسمائهم من دون علمهم باجتهاد (او ميانة) من احد أفرادهم.
• ملاحظة 2: صحح لنا القارئ فاروق تاريخ احتلال ايران للجزر بانه عام 1971 وليس قبل 20 سنة كما سبق ان ذكرنا.

أحمد الصراف