احمد الصراف

شركة طيران الاستقامة الكويتية

يقول آينشتاين: في الحياة هناك أمران فقط لا حدود لهما، الفضاء والغباء البشري!
* * *
ستكون مؤسسة الخطوط الكويتية أولى ضحايا قانون الخصخصة، الذي كان من الممكن أن يكون مجديا لولا ذلك الاقتراح شبه الملزم الذي وافق عليه المجلس برضا حكومي، وحاصله أن الخصخصة يجب أن تكون وفق «أحكام الشريعة»، فهل هناك، كما تساءل كثيرون، خصخصة اسلامية، وأخرى غير ذلك؟
دعونا نطبق الخصخصة الاسلامية على «الخطوط الكويتية»، التي ربما سيسعى نواب الشدة واللحية والغلظة لتعديل اسمها لتصبح «خطوط الاستقامة الكويتية» حيث سيسمح لهم هذا الاقتراح بالتدخل في عملها من حيث السعي لمنع اختلاط العاملين فيها من مضيفين ومضيفات عن طريق تحويل الاناث للخدمة الأرضية فقط. ولكن من الذي سيقوم بتقديم الخدمة للسيدات المسافرات على ظهر الطائرة؟ وهل سيتم عزل الرجال عن المسافرات مثلا؟ وان صعب ذلك هل ستعود الشركة وتقوم بتوظيف المضيفات، ولكن بعد اجبارهن مثلا على ارتداء الحجاب؟ وما حكم من تود العمل مضيفة وهي ترتدي النقاب مثلا؟ هل ستعامل بشكل مختلف ويرفض طلبها؟ أم أن حقوقها كمواطنة وانسانة ومسلمة سيجبر الشركة على قبولها كما هي؟ وما المطلوب من المضيفة القيام به في حال وقوع حادث اضطراري يتطلب تدخلها وتقديم المساعدة للركاب الرجال؟ هل سيسمح لهن مثلا بلمس الرجال؟ أم ستتعلل بعضهن بالضوابط الشرعية، ويكتفين بمساعدة النساء فقط، وليذهب الذكور لمساعدة أبناء جنسهم؟ وماذا في حالة الاخلاء الاضطراري، هل سيسمح للمضيفة بأن تضم بذراعيها رجلا منهارا من الخلف وتساعده على المشي لكي يخرج من الطائرة سالما، ان تعذر وجود مضيف قريبا منه؟
وما حكم مبيت المضيفات في دول بعيدة من دون محرم؟ فهل ستجبر مضيفة رحلة لنيويورك مثلا للعودة الى الكويت على الطائرة نفسها لتجنب مبيتها «وحيدة» في فندق أميركي واختلاطها «المحرم» بالرجال؟
وماذا عن الطعام الذي يقدم على طائرة «طيران الاستقامة الكويتية»، خاصة في الرحلات القادمة من دول أوروبية وأميركية، والذي عادة ما تقوم باعداده شركات أغذية عالمية؟ فكيف سيتم اخضاعه ليكون «وفق الشريعة الاسلامية» والشركة سيكون همها الأول هو تحقيق الأرباح لمساهميها؟
وماذا عن حمامات «طيران الاستقامة»؟ هل ستتم التوصية على طائرات تتضمن حمامات «عربية» مزودة بشطافات أو أباريق معدنية لزوم التشطيف؟ وهل سيخصص جزء من الطائرة مثلا لاقامة الصلاة وتوظيف مؤذن وامام ليسافر مع كل رحلة طويلة؟ واذا كان المسجل يمكن أن يقوم مكان المؤذن في الجو فلم يحرم الأمر ذاته على مساجد الأرض؟
مئات الأسئلة الأخرى التي لن يستطيع أحد الاجابة عليها، لأن من وضع ذلك الاقتراح ومن وافق عليه لم يفكرا حتما في تبعاته، وفي المذهب الذي سيطبق عليه، وفيمن ستكون له الكلمة الأخيرة عندما يختفي العقل ويتوارى المنطق جانبا! نعود ونكرر مقولة اينشتاين بأن الفضاء والغباء البشري هما الأمران الوحيدان اللذان لا حدود لهما.

أحمد الصراف

احمد الصراف

صديقي محمود «جست»!

التقيت بمحمود في الثانوية التجارية وأحببته لبساطته وطيبة قلبه، وكان ذلك في ستينات القرن الماضي. لم يكن محمود ذكيا ولا مواظبا على الحضور، كبقية أقرانه من الطلبة الفلسطينيين، ولكن لم يكن لطموحه وأحلامه حدود، فقد كان يحلم بأن يصبح يوما ما نجما سينمائيا أو رجل أعمال. كما كان يحلم دائما بالهجرة، وإلى أميركا بالذات. ولسبب ما كان واقعا في غرام كلمة جست JUST الإنكليزية، ويؤمن مخلصا بأنها من أهم الكلمات وأعظمها لفظا، خصوصا عندما ينطقها بطريقة استعراضية مادا ذراعيه على أقصى امتدادهما. وكان يردد كلمة «جست» في الجد والمزح والحزن والفرح، فان أعطيته شيئا يبادرك بالقول شكرا «جست»، وإن أخذت الكرة من بين قدميه لحق بك وهو يردد متحمسا «جست جست»، وكان على قناعة بأن سر اللغة الإنكليزية وجمالها -وهي اللغة التي لم يكن يعرف منها غير كلمات معدودة أخرى- يكمن في كلمة JUST، وفي أحد الأيام فاجأنا محمود بالقول انه غير قادر على الاستمرار في الدراسة، وانه سيتوقف عن الحضور ويتفرغ لطلب الفيزا لأميركا، وأنه سيستمر في التواجد ليل نهار أمام السفارة حتى يقبل طلبه، ولو تطلب الأمر النوم أمام بوابتها. مرت الأيام متثاقلة ونسينا محمود مع مشاغل الدراسة والاستعداد لامتحانات نهاية السنة، وفي يوم ما جاء من يخبرنا أن «محمود جست»، وهكذا أصبح اسمه الرسمي بيننا، قد نجح في الحصول على الفيزا وانه هاجر بالفعل إلى أميركا.
تركت الدراسة في نهاية ذلك العام وعملت في بنك الخليج ومرت سنوات طويلة تغيرت فيها أحوالي كثيرا وتزوجت وانجبنا ابنة، وفي أحد الأيام وعندما كنت في إحدى محطات تعبئة الوقود لمحت من يشبه «محمود جست» مرتديا غترة وعقالا فوق بدلة العمل التي كانت مقررة على العاملين في شركة البترول وقتها. وعندما جاء دوري في المحطة أوقفت محرك السيارة ونزلت منها متجها نحوه فيما أنا مرتبك خشية التسبب في احراجه، فقد كنا نجلس معا على مقاعد الدراسة نفسها ونتقاسم «سندويتشة» الفول أو الفلافل من مطعم أبوخليل القريب. ولكنه لم يتعرف عليّ، فربما تغيرت ملامحي أنا كذلك، أو ربما دفعته عزة نفسه لأن يتماسك ويتجاهلني، وبادلته الأمر ذاته رحمة به وبنفسي. وعندما انتهى من تعبئة خزان الوقود دفعت له الحساب بعد إضافة خمسة دنانير عليها، وأسرعت لتشغيل سيارتي ومغادرة المحطة، ولكن سرعان ما لحق بي محمود مناديا، بعد أن انتبه إلى أنني دفعت له أكثر من ضعف ما هو مطلوب مني، طالبا مني التوقف وعندما فعلت مد يده بمبلغ الخمسة دنانير، قائلا انني دفعت له أكثر من اللازم، فلم آخذ المبلغ منه، بل سألته إن كان يعرف الإنكليزية فقال: «شوي»، فقلت له:IT IS JUST FOR YOU فرفع يده لرأسه شاكرا ولم يقل شيئا.
وفي اليوم التالي، شعرت بأنني قصرت معه وانه كان يجب عليّ فعل شيء من أجل صديق قديم، ولكني لم أره بعدها أبدا، بالرغم من أنني قمت باستخدام تلك المحطة مرات عديدة في الأسابيع التالية، وعندما اتصلت بشركة البترول الوطنية، حيث يعمل، لأسأل عنه في شؤون العاملين سألتني الموظفة عن أسمه الكامل فارتبكت ولم أجد جوابا، بعد أن اكتشفت أننا، وفي غمرة سعادتنا بمحمود وبإطلاق لقب «جست» عليه نسينا اسم عائلته!

أحمد الصراف

احمد الصراف

تلفون الفريق الرجيب

عندما يطبق القانون على الجميع بشكل متساوٍ تصبح الحياة أكثر جمالاً!
***
يتقاعس بعض موظفي مكاتب تحصيل فواتير الكهرباء عن تحصيل ما تراكم من مبالغ على المواطنين، وخاصة ما تعلق منها بفواتير بيوت السكن، على أمل أن يأتي يوم تسقط فيه الحكومة مبالغ هذه الفواتير عن الجميع. وهذه الحالة المؤسفة تنطبق على أمور كثيرة أخرى في حياتنا، فعدم تطبيق القانون أو التراخي في تطبيقه يساعد الغير على غض النظر عن الكثير من المخالفات الأخرى. فقانون منع التدخين في الأماكن العامة صدر قبل سنوات عدة وسبقنا به عدة دول في المنطقة، ولكننا لم نحرص يوما على تطبيقه حرفيا، ولم يعاقب أحد، حسب علمي، على عدم التقيد به، خاصة ان العسكريين يشاركون العامة في التدخين علنا في مخالفة صريحة للقانون ويصرون على سحق السيجارة بعد الانتهاء منها تحت بصاطيرهم أمام مرأى الجميع، وهؤلاء إما قليلو الإحساس بالمسؤولية، وهذا بالتالي ينسحب على طريقة أدائهم لوظائفهم، أو أنهم على غير علم بوجود قانون يمنع التدخين، وهنا المصيبة أكبر!
نعود لموضوع التقاعس عن تحصيل فواتير الكهرباء والذي يشبه موضوع منع قيادة المركبات من قبل المنقبات، حيث يشارك الجميع المناط بهم أمر تطبيق هذا القانون في غض النظر عنه، فتطبيقه على البعض سينتج عنه تطبيقه على الجميع، وهذا الجميع سيشمل حتما أهل بيت المناط به تطبيق القانون، وهو لا يوده لأهل بيته، وبالتالي من مصلحته الاستمرار في التغاضي عنه أملا في أن يأتي يوم تقوم الحكومة الرشيدة ذاتها وتأمر بإسقاطه، لعدم تقيد احد به. والأمر ذاته يسري على أمور أخرى كقانون منع ازدواج الجنسية والذي يشارك الكثير من المعنيين بتطبيقه في السكوت عنه لكي يسكت المسكوت عنهم عن إثارته للساكتين السابقين (عرفتوا شيء؟)، نقول هذا ونحن على ثقه بأن القانون لو طبق على خمسة أشخاص فقط لكرت سبحة المائة ألف الآخرين خلال أيام قليلة!!
نعود لموضوع التدخين في الأماكن العامة، ونقول ان ما يحزن حقا رؤية الكثيرين وهم يخالفون القانون علنا في المطار ويزيدون على ذلك برمي أعقاب سجائرهم على رخام الصالات والإضرار بصحتهم وصحة الآخرين، ولا يتردد المواطن والمقيم في التدخين في الأماكن العامة لأنه يرى الشرطي يدخن، وللقضاء على هذه الظاهرة المزعجة فإن الأمر برمته لا يتطلب غير مكالمة هاتفيه حازمة وحاسمة من وكيل وزارة الداخلية، الفريق أحمد الرجيب، يطلب فيها من الضباط هناك تطبيق القانون، في مرحلة أولى في المطار، وإحالة كل عسكري مخالف للتأديب، وحينها سيرى الناس العجب. فهل سنسمع بخبر هذه المكالمة؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

أبو عمر وتفسير الأحلام

اتصل بي الصديق ابو عمر (د) قبل ايام واخبرني بأنه يود زيارتي وابنه ليبحث في امر اكمال دراسته في الخارج، لاعتقاده بأن لدي ما يفيده وابنه، تبين لي من حديثه ان الابن حصل على معدل عال يتيح له الالتحاق باحسن جامعات العالم، اضافة الى ان احوال «ابو عمر» المادية جيدة، وبإمكانه ارسال ابنه لاي مكان تحت الشمس، وبالتالي لم افهم اصراره على مقابلتي ثم تبين ان المشكلة تكمن في حيرتهما واختلافهما في اختيار التخصص المناسب من جهة، وعدم ثقة الاب في ابنه من جهة ثانية، حيث وصفه امامي بأن «عيونه زايغة» ولهذا يخاف ارساله لاميركا او اوروبا فيفلت ويضيع بين متع الدنيا وملاذها، خاصة انه ذو وجه صبوح وشخصية محببة، ولكن خياره الاخر بإبقائه بين جامعات منطقتنا لا يرضيهم، مع كل الهواجس الامنية التي اصبحت جزءا من حياة الشاب العربي، والمسلم بالذات.
طمأنته الى ان وضع ابنه لا يختلف عن وضع مئات لا بل آلاف الطلبة غيره، وان ما سيتعرض له من خطر (!) ليس بأكثر مما تعرض ويتعرض له من هم في وضعه، ولكن ابو عمر رفض حججي، فهذا ابنه الوحيد ويخاف عليه ولكنه يرغب في الوقت نفسه ان يقدم له افضل ما يستحق من مستوى تعليمي حرم منه هو، وهو الرجل العصامي الناجح.
على الرغم من الوقت الطويل الذي قضيناه ونحن نقلب الخيارات ونناقش البدائل ونقلب الاراء ونطرح الاحتمالات، فان ابو عمر استمر في حذره واصراره على ابراز عيوب كل حل او فكرة، وعندما شعرت بالتعب منه تذكرت فجأة ذلك الاعلان الذي نشره يوسف الحارثي في «الحياة» 2010/5/2 والذي اعلن فيه عن افتتاحه اكاديمية «تفسير الاحلام» في العاصمة السعودية الرياض، بعد ان توقف ممول قناة «تفسير الاحلام» الفضائية عن الصرف عليها، وكيف انه (وربما من منطلق حاجة المنطقة العربية الاسلامية الماسة لمفسري احلام وما يدره التفسير على العاملين به من اموال طائلة بسبب نسبة الجهل والتخلف التي تعشش في الكثير من عقول ابناء المنطقة المتخمين بالاموال) وجد انه مشروع ناجح منذ يومه الاول، لان قاعات الاكاديمية ستضم في عامها الاول 800 دارس، وهؤلاء سيتخرجون بعد سنوات قليلة حاملين ليس فقط دبلوما في تفسير الاحلام بل وماجستير.. وحتى الدكتوراه!
وما ان سمع ابو عمر بخبر الاعلان حتى قام، هاشا باشا، وطبع على جبهتي قبلة حارة وطلب من ابنه ان يقبل رأس عمه (انا) شاكراً، وغادر ولسانه يلهج بالشكر، وهو يقول انه يود اللحاق بأول طائرة مسافرة للرياض ليقوم بتسجيل ابنه في «اكاديمية تفسير الاحلام»!!.

أحمد الصراف

احمد الصراف

سرقات العلوم الإدارية والسيد الطبطبائي

وجه النائب وليد الطبطبائي سؤالاً برلمانياً لوزيرة التربية يستفسر فيه عن السرقات العلمية لأساتذة في كلية العلوم الإدارية بجامعة الكويت. وقال النائب في سؤاله: إن من المستحيل تحقيق الفائدة المرجوة من مخرجات البحث العلمي في حال انتهكت الأمانة العلمية، وهدمت الأصول الأكاديمية التي تحفظ للأبحاث العلمية مصداقيتها وأهميتها (!).
ونحن هنا لا يسعنا إلا شكر النائب على حرصه على «الأمانة العلمية» وسمعة الجامعة ومحاربة السرقات الأدبية والعلمية والبحثية وغيرها.. ولكن، هل كان النائب الطبطبائي سيتقدم بمثل هذا السؤال لو كان على رأس وزارة التربية من يلقى القبول السياسي الديني منه شخصياً؟ وإذا كان الجواب بنعم، فلماذا تقاعس عن تقديم ما يماثل هذا السؤال عندما فاحت رائحة كثير من السرقات في السنوات الماضية؟
وأين كان عندما تسربت اخيراً أخبار من داخل الجامعة تفيد بوجود سرقات «علمية» في كلية الشريعة، ووجهت بها كتب رسمية لمدير الجامعة، فلماذا صمت عن سرقات تلك الكلية، هل لأنها عزيزة على فكره النيّر وقلبه، أم لأنه أنهى دراسته فيها؟
وهل نسي السيد النائب الطبطبائي ما نشر في موقع «نادي لصوص الكلمة»، المتخصص في كشف السرقات الأدبية والعلمية، عن تفاصيل كاملة لأربع سرقات صحفية نسبت للنائب والدكتور والسيد وليد الطبطبائي. ولماذا لم يصدر منه أي تكذيب أو نفي أو صلة بها على الرغم من مرور سنوات على نشر تفاصيلها؟ وهل هذا السجل «الأدبي» يؤهل لتقديم مثل هذه الأسئلة لوزيرة التربية؟
وإن كان السيد النائب قد نسي تفاصيل تلك السرقات الأدبية فهذه تفاصيلها:
أولاً: نقل فقرات كاملة في مقال له بعنوان: «الفن الذي نريد»، والذي نشر في «الوطن» الكويتية بتاريخ 2005/1/9 من مقال للكاتب المصري فهمي هويدي بعنوان «نظرة في جماليات القرآن»، الذي نشر في «الشبكة الإسلامية» في 2004/12/8، ومن كتاب «مراجعات في الفكر والدعوة» للكاتب عمر عبيد – منشورات أبريل 1991، من دون الإشارة إلى ذلك!
ثانياً: إيراد فقرات مطولة وكاملة في مقاله «نعم هناك تطرف إسلامي»، الذي نشر في «الوطن» في 2005/1/17 من كتاب لعبدالرحمن عبدالخالق بعنوان «فصول من الدعوة الشرعية في السياسة».
ثالثاً: نقل فقرات كاملة في (الشريعة ليست شعاراً… بل الموت دونها، «الوطن» 2001/7/28) من كتاب قديم بعنوان «التشريع الجنائي في الإسلام» لعبدالقادر عودة!
فهل لدى النائب الطبطبائي، المدافع الأكبر عن الأخلاق في مجلس الأمة، وصاحب الشيك الدسم من سمو رئيس مجلس الوزراء، الذي لم يفصح عنه في حينه، هل لديه رد علينا؟ نتمنى ذلك.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الدين الحقيقة

عاش حياته كثير الحذر، لم يهتم قط بأحد أو يعرف أحداً أو يفكر في الإقدام على أي مجازفة، ولو صغيرة. وعندما مات رفضت شركة التأمين دفع مبلغ التأمين على حياته لورثته، لأنه، برأيها، وببساطة شديدة، لم يعش حياته، فكيف يموت من لم يعش أصلاً؟
* * *
قام عالم لاهوت برازيلي معروف بإجراء حديث شيق مع زعيم التبت الدلاي لاما. وقد انتشر الحديث على الانترنت بشكل كبير، وكان محوره يدور حول الحرية والأديان، حيث قام العالم بتوجيه سؤال للدلاي لاما عن رأيه في أحسن ديانة في العالم. ومن الطبيعي هنا الافتراض، حسب قول العالم، بأن الدلاي لاما سيختار الديانة البوذية، ليس لكونها الأقدم بل وأيضاً لأنها الديانة التي يؤمن بها ويتبعها، ولكن الدلاي لاما صمت برهة ثم أجاب وابتسامة مشرقة تضيء وجهه قائلاً: إن أحسن دين هو الذي يجعلك أقرب لربك، ويجعل منك انساناً أفضل.
ولكن العالم لم يكتف بتلك الاجابة المبهمة فعاد لسؤاله عن الشيء الذي يجعل الانسان كائناً أفضل؟ فرد قائلاً: أن يكون أكثر رحمة ومحبة وانسانية واحساساً بالمسؤولية، وأن يكون ملتزماً أخلاقياً، وبالتالي فإن الدين الذي يحقق كل هذه الأمور هو الأفضل، بنظره! صمت العالم وهو يفكر في حكمة هذا الرجل الجليل الذي استطرد في حديثه قائلاً له: أنا يا صديقي لا يهمني معرفة ديانتك أو ما اذا كنت ملتزماً دينياً، أو غير ذلك، فما يهمني هو تصرفك أمام أقرانك ومن هم أكبر منك سناً وموقفك من أهلك وعملك ومجتمعك والعالم أجمع! وتذكر أن ما يجري في العالم ما هو إلا صدى لأعمالنا، فقانون الفعل ورد الفعل لا يخص الفيزياء فقط بل يشمل البشر، فإن فعلت خيراً خيراً تر والعكس صحيح كذلك. وإن قررت أن تكون سعيداً فليس هذا بالقرار المصيري بل هو خيار شخصي، ولذا علينا أن نهتم بأفكارنا فهذه ستتحول إلى كلمات، وأن نهتم بكلماتنا فإنها ستتحول إلى أفعال، وأن نهتم بأفعالنا فقد تتحول إلى عادات، وأن نهتم بعاداتنا فقد تصبح جزءاً من شخصياتنا، وشخصياتنا هي مصائرنا، ومصائرنا هي حياتنا. وبالتالي ليس هناك ديانة أعظم وأسمى من الحقيقة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

عنصريتنا والمست

لا أعتقد أن الغرب بحاجة الى من يدافع عنه، فقد ضمت ضلوع دول هذه المجموعة، خلال نصف القرن الماضي، ومع موجة الانقلابات العسكرية المباركة التي اجتاحت الكثير من الدول العربية، ضمت آمال عشرات ملايين المهاجرين الفارين من الفقر والبطالة وبطش دكتاتوريي الكثير من دولنا، وكل ذلك الفساد الرهيب اجتاحنا، حيث وجدوا في أوروبا واستراليا ودول أميركا ملاذا آمنا ووطنا جميلا. ولكن كما في الشرق فقد أصيب هؤلاء المهاجرون، وخاصة أبناء العقدين الأخيرين، بفيروس التطرف نفسه الذي أصاب الشرق، وبدأت مطالبهم «الدينية» بالتصاعد والازدياد بدءا من المطالبة بمساجد وجلب أئمة وفتح مدارس خاصة ومحاكم شرعية وقضاة، مرورا بــ«حقهم» في مقابر إسلامية وجزارين ومسالخ إسلامية وعطل وأقنعة ونقاب وجلابيب… ومع كل هذا تسامحت تلك الدول بدرجات متفاوتة مع هذه المطالب وغيرها الكثير، وكان من الممكن استمرار ذلك التسامح والتعايش الثقافي المتعدد لولا موجة الإرهاب التي بدأت في 9/11 ولا يبدو أنها ستنتهي قريبا، والتي قضت على كل أمل في استمرار ذلك التعايش السلمي بين الأغلبية المسيحية المتسامحة صاحبة الأرض وبين الأقليات المسلمة المهاجرة، التي يغلب عليها التعصب. ولكن المرأة المسلمة، كحالها دائما، كانت الضحية المباشرة لما تم إقراره من «حقوق» للأقليات المسلمة، حيث لم يتغير وضعها وأحكام التصرف «بها ومعها» عما كان ولا يزال الوضع عليه في بلدها الأصلي! وفي مقال مميز للمستشرقة الإيطالية فالنتينا كولومبو (Valentina Colombo)، التي زارت الكويت قبل فترة بدعوة من دار الآثار الإسلامية، بعنوان «ضحايا التعايش الثقافي» تطرقت فيه الى نقطة غاية في الأهمية والخطورة، حيث ذكرت أن هذا التعايش الذي سمح للأقليات المسلمة بالذات بأن تكون لها محاكمها الشرعية الدينية، ضمن أمور كثيرة أخرى، كانت له انعكاسات مؤلمة على أوضاع المرأة المسلمة. فهذا التعايش أجبر بطريقة ما سلطات الدول الغربية على غض النظر عما تتعرض له المرأة المسلمة في مجتمعاتهم من اضطهاد، واعتباره أمرا داخليا يخص أفراد تلك المجتمعات ولا علاقة لها به، خاصة أن غالبية الحكومات الغربية تسمح بازدواج الجنسية وبأن يكون للأقليات صحفهم وقنواتهم التلفزيونية بلغاتهم الأصلية، وغالبا بدعم حكومي، كما تسمح لهم بإقامة احتفالاتهم الدينية وممارسة شعائرهم وتقاليدهم بحرية. كما تسمح لهم بارتداء أزيائهم في العمل والمدرسة وحتى في الخدمة العسكرية (غطاء الرأس للسيخ في بريطانيا)، كل هذا المد من التعايش الثقافي دفع السلطات للتسامح كثيرا إزاء الجرائم التي تقترف باسم الشرف مثلا، حيث لا تلقى منها الشدة المطلوبة، وهذا شجع على زيادة ارتكابها. وقد تطرقت البروفيسورة كولومبو في مقالها الى كتابين صدرا عن امرأتين مسلمتين، الأولى ألمانية من أصل تركي والثانية مغربية – إيطالية وعضو في البرلمان، تتحدثان فيهما عن تجاربهما الشخصية في مجال مساعدة النساء المهاجرات من مجتمعات مسلمة، وكيف أن قوانين الثقافة والتعايش المشترك ليست فقط غير صالحة للعصر بل هي ضد الحقوق الإنسانية للمرأة. ووردت في الكتاب الأول قصص مرعبة عما تتعرض له المرأة من عنف في المعاملة مثل الضرب المبرح والقسر على الزواج بمن لا تريد، وغالبا في سن مبكرة جدا، وشيوع قتل الشرف عند أول شك. واتفقت الكاتبتان على أن هناك حاجة لتغيير قوانين الدول الغربية بحيث يمكن التعامل بشدة أكبر مع مثل هذه الجرائم، ورفض نظرية تعايش الثقافات، وفرض القيم الغربية على بقية الأقليات، إن رغبوا في العيش في مجتمعات متسامحة، وإلا فعليهم الرحيل منها!

أحمد الصراف

احمد الصراف

يوم مات عبدالقادر الشيخ

تجاوبا مع مقال براشوت «شارلز بلوم»، كتبت القارئة «ف.ش» القصة الحزينة التالية:
في صباح 6 مارس الماضي فوجئنا بأصوات فزع تصدر من المطبخ، وعندما هرولنا لاستطلاع الأمر وجدنا عبدالقادر الشيخ جثة هامدة على أرض المطبخ، نتيجة إصابته بذبحة قلبية حادة وهو لم يتجاوز الستين من العمر.
الصدمة كانت كبيرة ومؤلمة، فعبدالقادر لم يكن يعمل سائقا فقط، بل كان صديقا وأخا للجميع وأبا للصغار وحتى للكبار، وكان صادقا وأمينا، ولم يكن يكتفي بأداء عمله، بل كان يصر على القيام به بطريقة محترفة مع ابتسامة آسرة حنونة طالما مكنته من دخول قلب كل إنسان عرفه.
وعندما ننظر الآن الى السنوات الخمس الماضية التي أسعدنا عبدالقادر بالعمل لدينا، نشعر بالامتنان والرضا لأننا عاملناه باحترام ومودة، كما عاملنا هو، وعندما كنا نقدم له الشكر كان يقول إنه لا يفعل شيئا غير واجبه.
وعلى الرغم من قبولنا برضا تام المصير السيئ الذي لقيه، فإن هناك ما يزعج الضمير ويقلقه، خصوصا عندما نتساءل عما كان بإمكاننا فعله لمنع إصابته بتلك الذبحة القلبية القاتلة، أو على الأقل التقليل من آثارها. فعلى الرغم من أنه لم يشكُ أبدا من أي أمراض أو مشاكل فإنه كان يستحق اهتماما أكثر منا عندما كان يبدو مصفرّّ الوجه في الأشهر القليلة الماضية من حياته، فهل كان لديه ارتفاع في ضغط الدم مثلا، أم أن الكوليسترول لديه كان عاليا؟ أم أنه كان يعاني من مشاكل في القلب؟ فعندما قام من نومه صباح ذلك اليوم الحزين، كما أخبرنا زميله، كان يشكو من آلام في كتفيه، ألم يكن من المفترض الاتصال بالطوارئ بدلا من الاكتفاء بتدليك الظهر والصدر لتخفيف الألم؟ أليس من المفترض أن نخبر من يقوم بمساعدتنا في أعمال البيت بأرقام الطوارئ لمثل هذه الحالات ونشجعهم على الاتصال بالإسعاف عند الحاجة؟ فإصابات القلب هي السبب الرئيسي لغالبية الوفيات، ولكن، من يلقَ منهم العناية في الوقت المناسب يعمّر عادة لسنوات طويلة بعدها، وهنا تكمن مسؤوليتنا في إعطاء بعض المعلومات عن أعراض الذبحة الصدرية وغيرها للخدم، وتشجيعهم على مراجعة الأطباء، أو على الأقل طلب عرضهم عليهم.
وأخيرا، أشعر أن من واجبي كأم وكدكتورة أن أقدم الشكر لأمثال عبدالقادر الشيخ الذين تركوا أسرهم وأوطانهم ليعملوا لدينا بأمانة ويحضروا لنا «برشوتاتنا»، ويجعلوا حياتنا أكثر راحة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

آه.. ما أروعك يا ريمية!

«غرفتي بكل امتداد، فايضة مثل انحساري، فوضوية مثل حلمي، مخلصة مثل انكساري، معشبة مثل الضلوع، ممطرة مثل الحنين، مزهرة مثل الرجوع عن الصحاب الخاينين.
باكية في كل حزني، دافية، حيل وحميمة مفعمة بالعطر، وأسمى قبل تسع سنين كانت سجن، مثل الزيف بارد بعد عشر سنوات صارت كون مثل الشعر، واعد دنيتي الأكثر أمان، وحضني الأصدق حنان.
عدت للوحدة الصديقة هنا بس أحس نفسي طير له حريته وظبي في محميته!!».
هذه بعض الأبيات التي ارتجلتها الشاعرة السعودية حصة هلال المليحان الشهيرة بــ «ريمية»، وليس مريمية، كما ورد في مقال الزميل علي البغلي الذي سبقنا في الكتابة عنها قبل أسبوعين. وكنا نود الكتابة عن «ريمية» قبل شهر تقريبا، عندما استضافتها الــ «بي. بي. سي» البريطانية، أثناء مشاركتها في مهرجان «شاعر المليون»، لتأثري العميق بشجاعتها وموقفها وكبير تضحيتها. فهي إضافة إلى ما تمتاز به من مقدرة على قرض الشعر ونظمه، صاحبة موقف ورأي حر قلما تتوقعه من امرأة منقبة. فهي مدافعة شرسة عن بنات جنسها، وتتمنى لهن الخلاص من سجن التقاليد التي وضعن فيها قسرا. وعندما سألها المذيع البريطاني، وهي المنقبة، عن رأيها في النقاب، قالت بإنكليزية واضحة وجميلة بأنها لا تؤيده! وبسؤالها عن سبب ارتدائها له قالت بأسى واضح انها تفعل ذلك من باب نكران الذات وتضحية منها لزوجها وإخوانها الذين سيتعرضون حتما لأذى كبير إن هي لم ترتده، بالرغم من عدم اقتناعها به.
وهنا يصعب على البعض، وخاصة من خارج «منظومة» المجتمعات الخليجية، الاقتناع بوجهة نظرها أو تبريرات ارتدائها الحجاب، ولكن من يعلم حقيقة الأوضاع هنا، وخاصة لسيدة في مثل عمرها، بعد أن أصبحت في أربعينياتها، وأم لأربعة أبناء، يعلم ما تعنيه كلماتها.
وقد ثار جدل في بلدها حولها بعد أن أظهرت تأييدها للاختلاط بين الجنسين في مكان العمل وبمجاهرتها بصوتها العورة (!)، ووصل الأمر الى تهديدها بالقتل على بعض المواقع الإلكترونية. وقالت انها ستأخذ التهديد على محمل الجد، وهي في حيرة مما طرأ على تصرفات الناس، فقد كانوا قبل سنوات بسطاء، وكان هناك نوع من الانفتاح، والآن أصبح كل شيء «أثقل» حتى أن البعض لا يسلم على قريباته اللواتي كان يسلم عليهن من قبل.
وورد في الأنباء مؤخرا أنها بصدد رفع قضايا في المحاكم على أولئك الذين هددوها بالقتل، ونحن هنا نؤيدها ونقف معها في مسعاها ونتمنى لها التوفيق في وقف التهديد ومعاقبة من يقف وراءه.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الرد على رد المديرة المذوقة

لم أتلق طوال عشرين سنة من الكتابة، ردا بمثل هذا السوء.. كرد السيدة «المحترمة» شيخة المذن، مديرة معهد التمريض في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي، الذي نشر في القبس أمس بكل عيوبه.
تقول المديرة ان القبس نشرت مقالا لــ «شخص اسمه أحمد الصراف»، وان المقال تضمن مغالطات لا تنطبق على واقع معهد التمريض «جملة وتفصيلا»، وأنها (وهذا هو المهم) على يقين بأن هذا الشخص إما انه لا يقصد معهد التمريض، أو أن يكون قد كتب له المقال للنيل من المعهد الذي يسير بنجاحات متتالية تثير حقد المغرضين وحسدهم!
فإن كنت يا سيدتي على يقين من أنني لم أقصد معهدك فلم الرد علي بثلاث صفحات إذن؟ علما بأن لا شيء في الكويت، أكرر لا شيء، يسير بتطورات ونجاحات متتالية فكيف بمعهد مر عليه نصف قرن تقريبا، وجعجعته لم تخرج لنا خبزا ولا حتى طحينا؟
وجاء في الرد كذلك ان المعهد يعمل منذ 45 عاما، وأنه خرّج 13 في أول سنة، وأنه سيخرج هذا العام 200 ممرض تقريبا، وأن مخرجات المعهد (التي يجب أن تكون بهذا المعدل بالآلاف الآن) يملأون جميع القطاعات!
وهنا نترك التعليق على تواجد ممرضات كويتيات في كل مستشفى، طوال ساعات الليل والنهار، منذ عام 1965 وحتى اليوم، نتركه لفطنة القارئ!
وردنا على السيدة المديرة بسيط، ويتلخص في النقاط التالية:
أولا: الشخص الذي اسمه أحمد الصراف، وفق قولك، لم يكتب مقال «عار التمريض» القبس 4/10، من فراغ، ولم يُملَ عليه من أحد، بل استقى مادته من تحقيق صحفي نشر في القبس بتاريخ 2010/1/4، ونصه موجود لمن يود الاطلاع عليه.
ثانيا: ورد في تحقيق القبس «بالرغم من طلب وزارة الصحة ممرضين من فئة الذكور، فان المتوافر في التطبيقي اناث فقط، وذلك لسببين: قانون منع الاختلاط، وعدم رغبة الشباب في ممارسة مهنة التمريض»!
ثالثا: وورد في التحقيق على لسان السيدة خولة الكندري عميدة كلية التمريض بالإنابة، ان عدد الطلبة الخريجين الحاصلين على الدبلوم لا يتجاوز أربعة في السنة، ولا يعقل ان توضع ميزانية وطاقم تدريس لهؤلاء.
رابعا: وقالت ان المجال الطبي يلزم الجمع بين الجنسين في العمل، ولكن هذا الجمع مرفوض بالنسبة لهم كطلبة، ولو أعطتنا هيئة التطبيقي الموافقة بالنسبة إلى الحاصلين على البكالوريوس، لوفرنا على الدولة كثيرا من الأموال.
خامسا: وفي التحقيق طالب أمين سر جمعية التمريض د. عبدالعزيز العنزي هيئة التطبيقي بفتح المجال للاستفادة من الكوادر الشبابية، واعطائهم الفرصة لتكملة دراستهم داخل بلدهم، وقال ايضا ان على المسؤولين في هيئة التطبيقي وادارة كلية التمريض تغيير نظرة المجتمع «الدونية» لمهنة التمريض، فهم يحرمون طلبتنا من تكملة دراستهم؟
وقيل قديما: قليل من الموضوعية يفرح القلب والفؤاد!
فاجأناكي بالرد، مو؟

أحمد الصراف