احمد الصراف

شكرا لعايض والمذكر

تزايدت قبل سنوات عدة حالات سقوط الطائرات وغرق السفن واختفائها من دون أثر في «مثلث برمودا» الواقع في وسط المحيط الأطلسي! وقد حيرت الظاهرة قبل عقود العلماء والمراقبين، ووجد لها تفسير عقلاني وتوقف الحديث عنها تماما، ولكن رجل الدين السعودي الدكتور عايض القرني أبى إلا أن يكون له تفسيره الخاص للظاهرة حيث كتب في موقعه الحكاية التالية: «… خلق الله أبا الجن «سوميا» قبل خلق آدم بألف عام. وكانت أمنية سوميا أن يرى الغير ولا يروه، وكان أول من عبد الله على الأرض، ولكن أتت بعد ذلك أمة من الجن كفرت وفسدت في الأرض فأرسل الله ملائكته لغزوهم وهكذا قتلوا منهم الكثير إلا نفرا فر للجزر واختبأ في أعالي الجبال، وتم أسر «إبليس» وهو صغير ونقل للسماء حيث كبر بين الملائكة واقتدى بهم في طاعة الله، إلى أن جاء اليوم الذي عصى فيه ربه فطرد من الجنة. وعندما شاهد ما أصابه طلب من ربه أن يمد له بالحياة فاستجيب لطلبه، ولكن النار بقيت في داخل ابليس يبغي الانتقام من آدم الذي تسبب في طرده من الجنة، التي حاول كثيرا العودة اليها، ولكن الملائكة منعته إلى أن اهتدى لحيلة عندما شاهد الحية تدخل الجنة بسهولة فدخل في جوفها ومرت على الحراس، وهناك نجح في إغواء آدم بينما تولت الحية إغواء حواء فطردا من الجنة لمعصيتهما، وكان هبوطهما في الهند، أما إبليس الذي طرد معهما فقد هبط في «دستميسان» بقرب البصرة. ولكن حرب ابليس ضد آدم استمرت إلى أن تمكن من بسط نفوذه على الأرض بعد موت آدم وحواء، ولكن الله نصر بني الإنس على الجيش الإبليسي المكون من المردة والجن والغيلان ففر إبليس يبحث عن مأوى بعيدا عن موطن الإنس ليبني مملكته، وبعد الطواف على الأرض وقع اختياره على منطقتي مثلث برمودا ومثلث التنين لوقوعهما بعيدا عن مناطق البشر. وهناك بنى عرشه على الماء وأسس جيشه الذي ينفذ أوامره، وظلت مملكته آمنة حتى عرف الإنس ركوب البحر والسفر جوا ومرورهم بكلتا المنطقتين فشعر إبليس بالخطر وبأن أمرهم سيفتضح فاختطفوا أعدادا من السفن والطائرات وحققوا النصر عندما صدر قرار دولي يمنع الملاحة في منطقتي مثلث برمودا ومثلث التنين (!!).
وفي السياق نفسه، ذكر أحد كتاب القبس قبل سنوات أن عاصمة الجن تقع فوق جزيرة فيلكا في الكويت. وفي يوم 6/7 وزع أحد المتخلفين مطوية إعلانية دينية ملونة ضمن إحدى الصحف «ذكر» فيها أن للسماء أبواباً لا يمكن النفاذ للفضاء إلا من خلالها، وعدد تلك الأبواب وحدد أماكن بعضها!
أمنيتي قبل أن أموت هي أن أعرف المصدر الذي يستقي منه هؤلاء كل هذا العلم العظيم، والذي لو أحسنا استغلاله لوفرنا على علماء البشرية، والغرب بالذات، الكثير من الجهد في البحث المضني والتفكير الطويل والمغامرة المتعبة وصرف المليارات لمعرفة، لمجرد معرفة أسرار الكون.

أحمد الصراف

احمد الصراف

لا إنسانية النقاب

إثر صدور قانون يمنع ارتداء البرقع في بلجيكا، ومصادقة البرلمان الفرنسي على منعه في الأماكن العامّة.
انقسم الناس في البلدين المعنيين وخارجهما بين مؤيدين ومعارضين، واحتدمت مناقشات حامية حول «شرعية» النقاب، أو البرقع، ليس فقط بين رجال الدين، بل شمل النقاش المفكرين والعامة. وحجة المؤيدين هي «الحرية» وأن من حقّ المرأة ارتداء ما تشاء، لأنه جزء من الحرية الشخصية، التي تؤمن بها أوروبا والغرب عموما! ولو نظرنا بعمق أكثر لوجدنا أن المسألة ليست بمثل هذه البساطة. فالوجه، في كل الثقافات والمجتمعات، وعلى مدى التاريخ كله، مع استثناء مجموعات غير ذات أهمية كالطوارق مثلا، لم يوجد لكي يغطى، ولم يصمم له الانسان أي رداء أو غطاء كبقية أجزاء الجسم الأخرى. وبسبب تركز أربع من حواسنا الخمس فيه، فان المنطق يتطلب أن يبقى مكشوفا ليتعرف بعضنا على بعض، ونشعر بالتواصل الانساني والأمان، أو عكسه عند «المواجهة»، فحتى أجهزة الروبوت، التي تحاكي البشر في حركاتها وهيئاتها، لها رأس يشبه رأس الانسان، وعند التواصل معها ننظر إلى وجه الآلة، ونتحدث اليه «مواجهة» على الرغم من عدم ضرورة ذلك، لأننا نتحدث مع آلة، ومن هنا نجد أن موضوع البرقع أو النقاب أخلاقي واجتماعي، ولا علاقة له بالحرية أو الاختيار الشخصي.
وفي هذا الصدد يقول كاتب مغربي، لا يحضرني اسمه، نقلا عن الفيلسوف الفرنسي ايمانويل ليفيانس: «إن الانسان بوجهه، فلا انسان الا بوجه. فالوجه، اضافة الى اللغة، هو عنوان الانسانية فينا. فأنا لا ألتقي بالآخرين الا بالوجه، والوجه هو الجزء الذي يستمر في الانفعال و «التعبير»، وتوقّف تعبيراته هو رديف للموت…»!
وعندما يعتبر هؤلاء المتشددون المتخلفون، واللاانسانيون، أن وجه المرأة عورة وصوتها عورة، فهم بجرة قلم يلغون انسانيتها ووجودها بالتبعية، وتصبح مجرد وعاء ولادة وقضاء حاجة جنسية وخدمة منزلية. فتغطية الوجه دلالة على رفض كلّ علاقة أخلاقية أو انسانية مع الآخر، أو الانتماء للمجتمع. وهنا نرى في كثير من المجتمعات التي ينتشر فيها ارتداء البرقع، كالمجتمعات الخليجية والأفغانية، أنها المجتمعات نفسها التي ليس للمرأة فيها أيّ وجود اجتماعي أو سياسي، فكيف يمكن بالتالي التعلل بأن اختيار البرقع هو نوع من الحرية الشخصية لمن لا وجود لها، اجتماعيا وأخلاقيا وانسانيا؟ ومن شبه الاستحالة فوق ذلك التعلل بأن النقاب خيار شخصي يعود للمرأة نفسها حق اختياره أو رفضه. فلو نظرنا للخلفيات الاجتماعية والعائلية لغالبية المنقبات لوجدنا أن بيئتهن يتحكم الذكور فيها بشكل كامل، سواء كأزواج أو اخوة أو آباء. وهؤلاء لا يؤمنون غالبا بحق المرأة في الاختيار، أو بالحرية بشكل عام، خاصة اذا تعلق الأمر بأصل من أصول الدين. وبالتالي يصبح كل حديث عن حرية ارتداء النقاب هراء ما بعده هراء!

أحمد الصراف

احمد الصراف

مجرد سؤال

يعتبر الفنان الأميركي الراحل جورج كارلن من أشهر فلاسفة الكوميديا في أميركا، إن لم يكن في العالم، وأكثرهم إثارة للجدل. ولكارلن مجموعة أقوال يوردها البعض في كتاباتهم وتنتشر على الإنترنت من دون الإشارة لقائلها، وربما أكون أحدهم. وفي احدها يقول ان من تناقضات عصرنا أننا أصبحنا نمتلك عمارات أطول ولكن وجهات نظر أكثر ضيقا، وأننا ننفق أكثر ولكن نتمتع بالحياة بصورة أقل. كما أصبحنا نمتلك بيوتا أكبر، ولكن عائلاتنا أصبحت أصغر، كما أن شهاداتنا أعلى ولكن مداركنا أقل، ومعرفتنا أوسع ولكن أحكامنا أضيق، ومشاكلنا أكثر ربما لأن الخبراء بيننا أكثر. كما أن صحتنا أصبحت أضعف بالرغم من زيادة أدويتنا وأطبائنا، كما ونوعية. وأصبحنا نشرب أكثر وندخن بشراهة، ونصرف بغير تدبير ونضحك بدرجة أقل، ونقود السيارة بسرعة ونغضب بسرعة أكبر، ونطيل السهر ونقوم من النوم متعبين ومتأخرين، ونقرأ أقل ونشاهد التلفزيون أكثر وفوق هذا نادرا ما نفكر بالروحانيات.
وبالرغم من أننا نجحنا في مضاعفة ثرواتنا، كأمم وأفراد، فان قيمنا تناقصت. وأصبحنا نتكلم كثيرا ولكن نحب بدرجة أقل، ونكره هذا ونبغض ذلك.
وبالرغم من نجاحنا في خلق حياة لأنفسنا فاننا فشلنا أن نحياها بطريقة سليمة، وأضفنا سنوات لعمرنا ولكن لم نضف قيمة لتلك السنوات. ونجحنا في الوصول للقمر إلا أننا واجهنا صعوبة في الوصول والتواصل مع جارنا عبر الشارع. وتمكنا من اختراق الفضاء الخارجي ولكن عجزنا عن ملامسة فضائنا الداخلي! كما نجحنا في تنظيف مناطق كبيرة من التلوث ولكن نسينا تنظيف أرواحنا من الأحقاد والضغائن، وأصبحنا نكتب أكثر ونتعلم أقل، وما تعلمناه هو أن نستعجل ولكن فشلنا في أن نتروى! كما صنعنا كمبيوترات أضخم بإمكانها خلق نسخ أكثر وتقارير أشمل، ولكن تواصلنا مع بعضنا أصبح أقل وأقل. وأصبح عصرنا عصر الأكلات السريعة والهضم المتكاسل، وأجسام أكبر ولكن شخصيات أصغر وأضعف. وأصبحنا نعيش عصر الدخل العائلي المزدوج ولكن بحالات طلاق أكثر. ونسكن بيوتا أجمل ولكن بشروخ عائلية أكثر.. إنه عصر السرعة في السفر واستخدام الحفاظات والمناديل الورقية وكل شيء استهلاكي سريع، وأصبحت صيدليات المنزل تحتوي على أدوية للكآبة والترهل وخلق السعادة الوهمية والشعور المزيف بالسكون والاطمئنان! إنه عصر يأتي لك فيه هذا المقال بأسرع من لمح البصر فإما أن تأخذ بمعانيه، أو ببعضها على الأقل، أو تقلب الصفحة وتستمر في حياتك، ولكن قبل أن تفعل تذكر أن من المهم أن تقضي وقتا أطول مع من تحب فلن يكونوا من حولك إلى الأبد، وأن تضم صغارك الى صدرك وتقول لهم كلمة حانية فهؤلاء أيضا لن يطول مكوثهم حولك عندما يكبرون ويذهبون لحال سبيلهم..».
ويقال ان من أقواله في تعريف السيجارة انها لفافة تبغ في طرف منها نار وفي طرفها الآخر شخص غبي، وهو راض بذلك! أما السيجار الكوبي ففي طرفه نار وفي طرفه الآخر غبي أكبر، وهو سعيد بذلك!
وهنا يخطر على بالي مجرد سؤال: لو كان جورج كارلن يعيش بيننا فما الذي كان سيقوله فينا، هذا إذا تجرأ أصلا على قول الحقيقة؟!

أحمد الصراف

احمد الصراف

أنا التلفزيون

طلبت المدرّسة من تلاميذ فصلها كتابة نص عما يتمنون أن يكونوا عليه أو يحدث لهم.
في نهاية الدوام المدرسي جلست المدرّسة في بيتها تراجع ما كتبه طلبتها، واسترعت نظرها رسالة بعينها، وما ان انتهت منها حتى امتلأت مآقيها بالدموع تأثراً بما قرأت، وفي تلك اللحظة دخل زوجها عائداً من عمله وشاهد تأثرها الشديد، فسألها عما حدث، فمدت يدها له بورقة الاجابة وطلبت منه قراءتها، فقرأ: يا الهي سأطلب منك الليلة شيئاً خاصا جدا. أريدك ان تحولني الى جهاز تلفزيون، وأن آخذ مكان جهازنا في البيت، وان اعيش مثله بيننا، وان يكون لي مكان خاص بي وان تجتمع عائلتي حولي. وأن أعامل بجدية عندما أتحدث، وأن اكون مركز الاهتمام وألا اقاطع عندما اسأل، وان اتلقى العناية نفسها التي يحظى بها التلفزيون عندما لا يعمل لسبب أو لآخر، وان اتمتع برفقة والدي عندما يعود الى البيت مساء، حتى عندما يكون متعبا، وأن تتعلق بي أمي حتى وهي حزينة أو متكدرة، بدلا من كل عدم الاهتمام الذي القاه الآن.. كما أريد يا إلهي من أخي أن يتعارك من اجل ان يكون معي، وأن اشعر ان عائلتي بين الفترة والاخرى تترك كل شيء فقط لتقضي بعض الوقت معي، واخيرا اتمنى ان اجعلهم جميعا سعداء.. واتمنى ألا أكون قد بالغت في طلبي، فما اريده هو أن اعيش كجهاز التلفزيون.
***
وما إن انتهى الزوج من قراءة الرسالة حتى قال متأثراً: شيء محزن، يا له من طفل حزين ووالدين تعيسين، ولكني يا حبيبتي لا أجد الامر يستحق كل هذا الحزن!! فردت عليه قائلة: كاتب هذه المقالة هو ابننا.
***
(نص مترجم بتصرف من الإنترنت)

أحمد الصراف

احمد الصراف

جميعنا قبليون

نشرت إحدى الأسر قبل فترة نعيا لفقيد لها، وذيلت الإعلان باسم قبيلة (….) وكان الإعلان مثال تندر البعض، لأن المنطقة التي سبق أن قدمت منها تلك الأسرة للكويت قبل أكثر من مائة عام، من إيران لا تشتهر بقبائلها! ولكن هذا اعتقاد خاطئ، فغالبية المجتمعات البشرية، وقبل نشوء ما يعرف بالمجتمعات المدنية الحكومية بقوانين ودساتير مكتوبة، كانت عبارة عن تجمعات قبلية متنافرة الخلفيات والمصالح، لها قوانينها الشفهية الخاصة التي تتوقع من المنتمين اليها الدفاع عنها والتمسك بها، وبالتالي فقبائل الجزيرة العربية، وبداوتها، ليست حالة نادرة، فلا تزال مناطق واسعة في إيران مثلا تشتهر بقبائلها، كالبختارية في وسط فارس. كما تتحكم القبائل في غالبية مفاصل الدولة في أفغانستان واليمن، والعراق إلى حد كبير. وللقبائل وجود طاغ في غالبية الدول الأفريقية والمجتمعات الرعوية في آسيا، ويمكن القول عموما ان قوة القبيلة وتأثيرها السلبي على المنتمين لها يبدآن بالتضاؤل مع تقدم المجتمعات وتحولها للمدنية الحديثة، وهكذا بدأت الكويت عندما بدأت القبائل من الجزيرة العربية، بشكل كبير، وبنسبة أقل من بر فارس والعراق والبحرين وغيرها، بالهجرة اليها واختيارها موطنا نهائيا، حيث نتج عن هذا الاستقرار اندماج القبائل والثقافات والعادات وتداخلها بعضها ببعض مكونة ما اصبح يعرف بالمجتمع الكويتي. وكان هذا صحيحا حتى قبل ثلاثين عاما، عندما رأت جهات في السلطة أن من الأفضل وقف عملية انصهار مكونات أو وحدات المجتمع واعادة الفرز في عملية «تنظيف عرقي» واضحة، بحيث تصبح مناطق كاملة مغلقة على قبائل أو طوائف معينة يصعب على الآخرين اختراقها، ان انتخابيا أو حتى سكنيا، وقد رأينا ذلك في مناطق الأندلس والعارضية، وإلى حد ما في بيان والرميثية. وهكذا بجرة «قلم سياسي» توقفت عملية الانصهار وبدأت العودة الى الجذور السابقة، أو الألقاب القبلية التي سبق أن هجرها البعض لتضاف مجددا الى نهايات أسمائهم. كما رأينا كيف أعيدت الأهمية والهيبة لكبار ممثلي القبائل وأمرائها، وهي الهيبة التي تلاشت تقريبا أو فقدت أهميتها ودورها الحيوي بعد الانتهاء من عملية التجنيس في بداية ستينات القرن الماضي. وبهذا يمكن القول ان المجتمع الحضري الكويتي هو الوحيد تقريبا الذي تخلى عن تجربة الصهر الحضاري، وعاد الى نمط الفرز القبلي والطائفي لاعتقاد البعض في السلطة ان سياسة «فرق تسد» هي الأفضل، ولكن يبدو من الأحداث والتطورات الأخيرة المتلاحقة أن هؤلاء البعض كانوا على خطأ، وأن وقف عملية الاندماج الطبيعي والحضاري بين فئات المجتمع لم تكن حكيمة تماما، لكونها عكس التطور البشري الطبيعي. وبالرغم من أن الوقت لم يفت ولا يزال هناك متسع منه لانقاذ ما يمكن انقاذه، فانه يمر بسرعة كبيرة فهل هناك من يسمع؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

أن تنجح في الحياة

ذهب الرجل للطبيب شاكيا تساقط شعر رأسه واتساع رقعه الصلع فيه، فأخبره هذا بأن الصلع أمر وراثي ولا يستطيع فعل شيء حياله فاحتج الرجل قائلا إن شيئا ما يجب القيام به، خاصة أن لا أحد من أهله يعاني الصلع، فقال له الطبيب إن الوراثة قد بدأت به، وأنه سيورث الصلع من بعده لأبنائه! تذكرت هذه النكتة وأنا أقرأ مقولة، أو حكمة الفيلسوف والكاتب الفرنسي فرانسوا ماري أرو المعروف بــ فولتير (1694 ــ 1778) وDo well and you will have no need for ancestors
أي: {حقق النجاح في حياتك وسيغنيك ذلك عن الزهو بتاريخ أجدادك}! وهذا يعني ان المرء عندما ينجح في عمله بشكل مميز تصبح قضية الأصل والأرومة غير ذات أهمية، وهذه المقولة، أو الحكمة تحاكي الواقع بشكل غريب. فنحن نتحدث دائما عن الأصل والفصل والنسب والعائلة والقبيلة والمحتد وغيرها من الأمور المتعلقة بالخلفية العائلية، ولكن ما ان يصيب شخص بسيط ومتواضع النسب حظا كبيرا من النجاح السياسي أو المالي العظيم، أو حتى في مجال لم يطرقه أحد من قبل، فإن النظرة الاجتماعية له تتغير تماما ويصبح الانتساب له ومصاهرة بيته أمرا مطلوبا وغير مستهجن من دون التفات لقضية الأصل والفصل، ويصح هذا أكثر في المجتمعات المتقدمة والمدن الحضرية الكبيرة، ولكن لا تخلو منه المجتمعات الأقل تقدما.
ولو نظرنا حولنا واستعرضنا أسماء الكثير ممن حققوا ثروات كبيرة، سواء من خلال المضاربة في الأسهم أو العقار أو المتاجرة بالسلاح وتبييض الأموال وما هو أسوأ من ذلك، لوجدنا أن غالبيتهم ينحدرون من خلفيات متواضعة، بالمقاييس القبلية والحضرية المتخلفة. كما نجد أن أسماء كالحريري أو الفايد، وحتى المليادير السابق عدنان خاشقجي، كأمثلة وليس على سبيل الحصر، وفي الكويت من يماثلهم الكثير، مع احترامنا للجميع، قد حققوا شهرة وصيتا واحتراما اجتماعيا كبيرا بالرغم من عدم وجود قبائل تقف وراءهم أو ألقاب تسبق اسماءهم، وليسوا ببشوات سابقين ولا بكوات لاحقين، ولم يكونوا قبل سنوات قليلة حتى «أفندية»، ولا تربطهم صلة بلورد أو كونت أو ماركيز، ومع هذا يتمنى الكثيرون مصاهرتهم والاقتران ببناتهم والارتباط بهم بطريقة أو بأخرى. كما لا يخلو الإنترنت من إشاعات اقتران أو علاقات حميمة بين ملوك ورؤساء في المنطقة وخارجها مع «صبايا البيوتات» الجديدة التي فرضت نفسها، أو أصبحت هي بالذات، من مكونات المجتمعات المخملية، أو الراقية(!!)، وعندما أراد الأمير «رينيه»، عاهل موناكو الراحل، الزواج قام باختيار نجمة سينمائية من هوليوود لتكون أميرة قلبه وشعبه، ولم يبحث عن زوجة من بنات أسر أوروبا الملكية مثلا. كما يمتلئ فضاء الإنترنت أيضا بإشاعات اقتران ملوك عرب وأجانب ببنات أسر فاحشة الثراء بالرغم من بساطة خلفياتهن العائلية وتواضع جمال غالبيتهن! نعود ونكرر مقولة فولتير بأن ما علينا غير أن نبلي البلاء الحسن في الحياة، وستأخذ بقية الأمور مجراها الطبيعي. نكتب ذلك كمقدمة لمقال الغد.

أحمد الصراف

احمد الصراف

نعاج وأسود

يقول فولتير إن من حقنا استخدام أقلامنا وكأنها ألسنتنا، وتحمل مخاطر ذلك الاستخدام. ويقول: ان تمسك بالقلم يعني بصورة تلقائية انك في حرب «مع الآخرين». ولكن هذه الحرب لا يمكن أن تكون شرعية إن لم تدعم بصدق الموقف والقضية عما تتكلم أو تكتب. والحقيقة أنني حاولت، ومن خلال أكثر من 4000 مقال، لا يستحق أغلبها الاشارة إليه، أن التزم بالحقيقة ما استطعت، حسب فهمي وعلمي، ولا أعتقد أنني وفقت دائما في ذلك، ولكن ما أنا متيقن منه تماما هو أنني لم أكن صادقا في اختيار ما كنت أود التصدي له من صور الظلم والتعسف في المعاملة والقهر والجهل الذي يعيش فيه الكثيرون، أقول ذلك بالرغم من إدراكي بأن ليس من السهل أن يكون الكاتب منصفا وصادقا حيال كل أمر من دون أن يتعرض هو، والأشد من ذلك من يحب، للأذى والمضايقة، وحتى للقتل.
ومن هذا المنطلق ومن إيماني العميق بالحاجة لمن ينكأ الجراح ويضغط على التقيحات ويستأصل الأورام، بالجراحة وغيرها، فإنني أعتقد أن لي دورا، ولو متواضعا هنا والآن، إن كان بسبب ما نمر به من وضع مزر، إن من ناحية الحريات بشكل عام، وسيطرة قوى التخلف على مختلف المقدرات، أو بسبب زيادة مطالبة فئة ما بأن تعاد إليها ما كانت تمتلكه من حقوق في جلد، أو لسب الآخرين وكتم أصواتهم وحجز حرياتهم وحتى تهديدهم بالقتل، لكل هذا أجد نفسي عاجزا، ولأسباب كثيرة، في أن أقول أو أكتب ما أشعر بأنه الحقيقة. وحتى ان وجد العزم فلا ضمان بأن ما سأكتبه سيجد طريقه للنشر، وبالتالي يصبح أمام المرء أحد خيارين، أو كلاهما: التوقف عن الكتابة أو البحث عن أجواء أقل تسمما وأكثر حرية.
والمحزن أن ما لا يعلمه «البعض» ولو علموا به لما فعلوا شيئا، أن من الاستحالة تقدم أي أمة من دون حرية وكرامة، وما تقدم الكويت القصير والمتواضع في مرحلة ما إلا بسبب مناخ الحرية الذي كان سائدا، وما تخلفها الحالي إلا نتيجة اختفاء تلك الحرية وغياب ذلك التسامح والود الوطني، وإن كان هؤلاء البعض يرغبون في أن يكونوا أسودا لشعب أقرب للنعاج منه لأي شيء آخر، فبالعافية عليهم، فلست أنا من سيمنعهم من ذلك، ولكن ما هكذا تورد الإبل، والأيام بيننا

أحمد الصراف

احمد الصراف

أول المرحلة الرابعة

«يا وابور قولي رايح على فين، يا وابور قولي مسافر فين
عمال تجري قبلي وبحري تنزل وادي تطلع كوبري. حود مرة وبعدين دوغري، ما تقول يا وابور، رايح على فين؟ صوتك يدوي وأنت بتدوي، والبعد قريب ناره بتكوي والأرض بساط وانت بتطوي، ما تقول يا وابور رايح على فين.. على فين؟»
***
نشأت في بيت كان الاستماع للموسيقى فيه قبل أكثر من نصف قرن، أمرا عاديا، وكان لأغاني فيروز وموسيقى عبدالوهاب المكانة الأكبر، ولهذا ربما تذكرت، وأنا أفكر في موضوع هذه المقالة، كلمات الأغنية أعلاه لعبد الوهاب، التي طالما «دندنت» بها، وأنا اتصفح فيض رسائل الإنترنت التي انهمرت علي من حيث أدري ولا أدري، والتي جاوزت المائتي رسالة، تضمن بعضها الشكر وأخرى السخط، وغالبيتها الحنق والغضب وحتى الحزن وعدم الرضا ورفض الواقع، وتمني الأفضل لي ولمجتمعي، وكل ذلك ردا على رسالة مقتضبة أرسلتها لهؤلاء الأصدقاء وغيرهم من أسماء في قائمة بريدي ذكرت فيها نيتي الغياب المطول عن الوطن، وأن مرحلة رابعة وأخيرة من حياتي قد بدأت للتو.
التواضع مهم، ولا ينقصني شيء منه، والشعور بالاعتزاز وبمحبة الآخرين أمر جميل ولكن الاعتراف بالحقيقة أكثر أهمية، حيث لم أعتقد يوما أو أشعر بأن لي كل هذه المكانة في قلب وفكر كل هذه المجموعة المتنوعة من البشر من الكويت والعراق والأردن وفلسطين ومصر والسعودية والبحرين وأستراليا وكندا ودبي وقطر وأميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وليبيا والمغرب وتونس ولبنان طبعا، ومن دول أخرى لا تسعفني الذاكرة على حصرها، فمعذرة للجميع.
الحق أنني مقبل على مرحلة رابعة وحاسمة في حياتي، والأرجح أنها ستكون الأخيرة، وهذا ما أتمناه. وقد اعترض بعض «المحبين» على كلمة أخيرة شفقة من جهة ولأن، برأيهم، من الاستحالة على الإنسان معرفة المرحلة الأخيرة في حياته!! ولكن هذا ليس أمرا دقيقا بالمطلق، فمن ينوي الموت انتحارا بعد شهر مثلا يعرف تماما ماهية المرحلة الأخيرة من حياته، ولست بالطبع واحدا منهم.
تجربة التواصل «الحميمة» التي أظهرتها تلك الرسائل كشفت أمورا كثيرة، شخصية غالبا، لم أكن أعرف بوجودها، خاصة بين أولئك الذين لم يسبق لي أن تعرفت عليهم او التقيت بهم من قبل، وهذا ما أعطاني أو وفر لي بعدا إنسانيا كنت في حاجة له وأنا مقبل على هذه المرحلة الحاسمة.
أكتب كل ذلك ليس فقط لأحدد مسار طريقي للسنوات المقبلة، بل وأيضا كطريقة للتحدث مع النفس وإلزامها بما كتبت، بل وأيضا لما تشكله هذه الكتابات الوجدانية من مادة أدبية لما سيأتي من كتابات.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الرجل الذي أحب حذاءه

اضطر رئيس شركة يقع مقرها في مركز التجارة العالمي بنيويورك، وهو المبنى الذي هدمته قوى التخلف والشر في غزوة 11 سبتمبر، اضطر للتخلف عن اجتماع مهم في ذلك اليوم النحس لمرض زوجته واضطراره الى مصاحبة أصغر ابنائه الى مدرسته. كما بقي شخص آخر على قيد الحياة لأن الدور كان عليه في ذلك اليوم لاحضار الحلويات من المخبز القريب، وهكذا ترك المبنى قبل الانفجار بدقائق. ونجت امرأة بحياتها لأن جرس منبهها لم يعمل في ذلك الصباح. ورابع نجا من موت محقق لأن حادث مرور على إحدى مستديرات نيويورك الشهيرة عرقل وصوله الى مكتبه في الوقت المناسب، كما تسبب تأخر باص موظف آخر في الوصول، وبالتالي عدم اللحاق بقطار الساعة الثامنة، وهكذا نجا من الهلاك. كما نجت زميلة له في الطابق نفسه من الموت لأن سيارتها لم تشتغل في ذلك الصباح الأمر الذي أصابها بالهلع، فقد سبق أن تأخرت مرتين قبلها في ذلك الشهر. كما اضطر آخر للسير لأكثر من ثلاثة كيلومترات في ذلك الصباح البارد للوصول الى محطة القطار، بعد أن نسي سؤال زوجته عن مكان مفتاح السيارة عندما غادرت المنزل مساء لزيارة أمها المريضة في مدينة أخرى. وآخر لم تصل سيارة الأجرة لأخذه الى المطار في الوقت المناسب ليكون في المبنى قبل التاسعة صباحا. أما أكثر قصص النجاة من الموت غرابة في ذلك الصباح فقد كانت من نصيب ذلك الرجل الذي كان مجبرا على استخدام أكثر من وسيلة للوصول الى عمله، وما ان بلغ المبنى حتى شعر بألم شديد في إحدى أصابع قدمه اليمنى نتيجة احتكاكها المستمر بجلد حذائه الجديد، مما دفعه الى تغيير خط سيره والذهاب الى الصيدلية لشراء دهان أو لصقة قدم خاصة، وأنقذت تلك الدقائق الثلاثين في الصيدلية حياته!!
والآن عندما تشعر بالاحباط لأنك لم تستطع التواجد في مكان ما في الوقت المناسب، أو أن حذاءك، الذي دفعت فيه مبلغا بسيطا تسبب في إصابة اصبع قدمك بألم، أو أنك نسيت موعد اجتماع مصيري، أو أنك اضطررت يا سيدتي لتكوني بجانب ابنك في مدرسته لأنه تشاجر مع زميل له بدلا من أن تكوني ضمن مستقبلي رئيس الشركة الجديد، أو أن تشعر بالحنق لأنك لم تلحق بمصعد الطابق السبعين في الوقت المناسب فعليك أن تقول لنفسك أنا هنا وهنا يجب أن أكون، وليس لدي خيار آخر، فعندما يتأخر الأبناء في ارتداء ملابسهم وتقبل الواقع، فقد يكون في الأمر نجاتك، فقدرك أن تكون في تلك النقطة في تلك اللحظة. وعندما ننظر حولنا في هذه الأيام في الكويت، ونجد كل هذا الكم الهائل من منغصات الحياة من خلال وجوه نواب مكفهرة ودعوات بعض أئمة المساجد المزلزلة وأوضاع الاقتصاد المدلهمة، فيجب ألا نشعر بالحزن ولا بالغضب فقد يكون الخير في كل هذه الأمور المحزنة، وما علينا سوى الذهاب الى أقرب وكالة سفر وشراء تذكرة، ولو بالدين، ومغادرة الكويت لأطول فترة ممكنة.
(مقتبس من مقال على الإنترنت)

أحمد الصراف

احمد الصراف

تحذير مهم عن أمر خطِر

كما الافراد والشركات، تستخدم جميع الجهات الحكومية أجهزة تصوير مستندات ضوئية، والتي لا غنى عنها في أية مصلحة مهما علت سريتها أو صغر حجمها، وعادة ما تستهلك هذه الاجهزة بعد فترة وتباع لآخرين، ولكن لا احد يقوم باتلافها أو الاحتفاظ بها الى الابد، وما لا يعرفه كثيرون هو احتواء كثير منها، وربما جميعها، على اقراص صلبة تقوم بطريقة رقمية بتسجيل عدد المستندات التي قام الجهاز بتصويرها، كما تقوم بالاحتفاظ بصورة عن كل مستند تم تصويره.
فقد قامت احدى الشركات الاميركية بشراء مجموعة CBS مستعملة من هذه الآلات من احد المخازن، وازالة اشرطة التسجيل منها وفتحها وقراءة محتوياتها المدمجة على الاقراص الصلبة على الكمبيوتر، حيث تبين احتواؤها على معلومات شخصية وأمنية خطرة تتعلق بآلاف التقارير الطبية الحساسة لشخصيات مهمة، ونوعية الادوية التي يتناولونها، والامراض التي يشكون منها، وفي آلة اخرى وجدوا تفاصيل عن مختلف الجرائم الجنسية التي ارتكبت، واسماء وعناوين مرتكبيها، وقرص آخر وردت فيه اسماء الجهات المتورطة بتجارة المخدرات، وآلاف المستندات الاخرى التي تحتوي على خرائط مبان سرية وارقام الضمان الاجتماعي الشخصية وعناوين سكن، وجميعها ما تبحث عنه جهات عدة على استعداد لدفع الكثير مقابل الحصول على مثل هذه المعلومات السرية، والكويت ليست باستثناء!
وعليه تقع علينا جميعا مسؤولية امنية واجتماعية مهمة تتعلق بضرورة القيام بتنظيف الاقراص الصلبة لهذه الآلات بين الفترة والاخرى، وبالذات قبل بيعها لآخرين، علما بأن غالبية اجهزة التصوير الجيدة، ومقابل مبلغ اضافي لا يزيد على 70 دينارا، يمكن تزويدها بميزة مسح محتويات الاقراص الصلبة في اية لحظة وبكبسة زر!
وهنا نطالب الشيخ علي اليوسف، مدير عام المباحث الجنائية، بالقيام بدوره الأمني المهم واستعادة الاقراص الصلبة من جميع آلات التصوير، وبالذات الحكومية، من الجهات التي تقوم بالمتاجرة بها كأجهزة مستعملة، وكذلك ضرورة الكتابة لكل الجهات الحكومية والأمنية والعسكرية منها بالذات، ومطالبتها بعدم شراء أية اجهزة تصوير لا تحتوي على ميزة المسح، أو اتلاف تلك الاقراص المدمجة، وهذا افضل بكثير، كما تقع على وزارة التجارة مسؤولية مطالبة شركات بيع أجهزة تصوير المستندات، وهي ليست كثيرة على اية حال، بوضع مصلقات تحذيرية عليها تفيد بوجود اقراص صلبة تقوم بتسجيل صورة كل مستند يتم تصويره عليها، وبضرورة تنظيف هذه الاقراص بين الفترة والاخرى، أو ازالتها واتلافها قبل بيعها لآخرين، نعيد ونقول بأن المسؤولية تقع علينا كأفراد أكثر منها على الأجهزة الحكومية التي عادة ما تتحرك بسرعة أقل!

أحمد الصراف