احمد الصراف

خمس الأئمة والتربية والتعليم

انتشرت على الإنترنت، إضافة لما كتبته صحيفة الأيام البحرينية(6/24)، وقبلها صحف كويتية، وتصريحات لرجال دين شيعة في الكويت، انتشرت مقاطع من فيلم مصور بالهاتف النقال لوكيل احد المراجع في منطقة العمارة العراقية «م. ن.» والذي يظهره وهو يمارس الجنس مع نساء عدة، الأمر الذي أثار موجة غضب عارمة في الشارع العراقي. وذكرت هذه المواقع أن الفيلم ضم مقاطع عدة، وأن المتهم استغل موقعه الديني وعوز الضحايا وفقرهن وجهلهن للإيقاع بهن، وانه كان يمارس الجنس مع نساء متزوجات وبعضهن معروفات. ويقال إن العشائر اشتبكت في ما بينها ووقع بعض الضحايا ومنهن متهمات. وقالت المصادر إن بعض مقلدي المرجع تجمعوا أمام بيت المتهم لمطالبته وعائلته بإرجاع الخمس والزكاة التي كانوا يدفعونها له وإلا فإنهم سيقدمون دعوة قضائية بحقه وبحق مكتب السيستاني! وذكرت أن وفدا من أجهزة المحافظة قام بزيارة للمكتب مطالبين بضرورة تسليم الجاني للقضاء وإلا فإنهم سيتخذون الإجراءات اللازمة. وقالت الصحيفة ان الشيخ احمد الانصاري، وكيل المرجع الذي يتمتع بعلاقات حميمة مع اغلب رموز عشائر محافظة ميسان، قام بدور مصلح وساتر للفضيحة التي خلفها زميله ونظيره في وكالة المرجع. وأكدت المصادر أن الأنصاري، نقلا عن «الأيام» البحرينية، نقل عنه مطالبة عشائر العمارة حفظ المذهب وأئمته الأطهار والمبادرة بالصلح وغض النظر عن كل ما حصل ووقع، لكي لا يشمت التكفيريون ويطبلون ويشنعون على قادة المذهب وعلى المرجعية الدينية في النجف الأشرف، كون المتهم من رموز المرجعية وابنا للمذهب، ولكنه غير معصوم وممكن صدور الخطأ منه ومن غيره! ويشاع أن المرجع أصدر فتوى بملاحقة المتهم لما تفرضه الشريعة الإسلامية على كل من زنى بعد إحصان.
شخصيا، أعتقد أن في الأمر مبالغة كبيرة في ما يتعلق بالإجراءات التي قام مكتب المرجع باتخاذها، فالرجل لم يعرف عنه التسرع في شيء، وبالتالي أتمنى أن يأخذ الحق مجراه وان تجرى للمتهم، الذي لا يزال حسب العرف الإنساني، بريئا حتى يدان، محاكمة عادلة ينال بعدها ما يستحق من قصاص، ولكن هذا ليس ما يهمني الكتابة عنه، فما كشفته هذه القصة، وربما غيرها العشرات، هو مسألة إصرار البعض، والفقراء والجهال منهم بالذات، على دفع مبالغ مالية نقدية لممثلي المراجع من دون سؤال أين تذهب هذه الأموال؟ وكيف تصرف؟ ومن يراقبها؟ وفي أي المجالات تستثمر؟ وماذا يحدث للأرصدة الكبيرة بعد وفاة المرجع الذي أعطيت له في المقام الأول؟ وما هي النسبة التي يحق لممثلي المراجع استقطاعها قبل توريد المبلغ، أو المبالغ المتجمعة في حساب المرجع؟ وغيرها عشرات الأسئلة التي لم تتبرع يوما أي جهة ومنذ مئات السنين بالإجابة عليها. وكما ذكرنا في مقال سابق فإن باب الخمس المفتوح لم ينتج عنه، في الخمسمائة سنة الماضية على الأقل، أي مشروع عظيم يمكن أن يشار إليه بالبنان بأنه من منتجات الخمس وبركاته، وخاصة في ميادين التربية والتعليم.

أحمد الصراف

احمد الصراف

مجوس إيران وملالي طهران

في كل عيد ميلاد تُحكى قصة ولادة المسيح بتفاصيلها، ومنها حادثة زيارة ملوك المجوس الثلاثة، الذين أتوا من الشرق، ليشهدوا ميلاد السيد. وطالما ألهبت هذه الزيارة بتفاصيلها مخيلة الكثيرين، ونالت عظيم اهتمام الباحثين، وكانت مدخل المجوس لقلب المسيحية من أوسع الأبواب.
والمجوسية، أو الزرادوشتية، هي من أقدم ديانات العالم، ويعتبرهم جل رجال الدين المسلمين من أهل الكتاب الذين أشار اليهم القرآن (اضافة للمسيحيين واليهود وربما الصابئة)، وكانت ايران تدين بالزرادوشتية قبل اتخاذ غالبيتها الاسلام دينا. وللمجوس آلهة خير وعددهم 12(!!) وكذلك عدة آلهة شر. ولا يزال يعيش المجوس في ايران على الرغم من محاربة كل الأنظمة لهم. وسبق أن هاجر جزء منهم الى الهند قبل 1000عام ويعرفون هناك بــ«بارسي» Parsi، نسبة لفارس، ومنهم الملياردير تاتا. ويحترم المجوس النار والشمس لرمزيتهما، والنار لا تنطفئ في معابدهم، ولكنهم لا يعبدونها، كما يشاع عنهم، بل يعبدون الاله «أهورامزدا». وتقول بعض المصادر عنهم (كتاب هالة الناشف 1972) ان سلمان الفارسي كان مجوسيا، قبل تحوله للمسيحية ثم الاسلام. وأن المجوس كانوا يتواجدون في البحرين، كما تواجدوا في العراق ومناطق كثيرة أخرى.
ويقف رجال الدين المسلمون من المجوسية موقفا شديد السلبية يفوق موقفهم من البوذية أو الهندوسية، ولغير سبب مفهوم. وعلىالرغم من كل هذا العداء فان المجوس اليوم قوم شديدو الاحترام لغيرهم وهم مسالمون لا يؤذون أحدا، رغم قوتهم المعنوية والمادية، كما أنهم محل ثقة واحترام لكل من تعامل معهم.
نقول ذلك بمناسبة رسالة الكترونية وردتني من صديق بعنوان: «الجهل والتخلف المجوسي»، وعند فتح الرابط وجدت خطبة لرجل دين شيعي ايراني يتحدث فيها عن معجزة حدثت في طائرة تعرضت لخلل كبير ولكن تم انقاذها، أو اصلاح الخلل فيها، بالدعاء(!)، وبحثت عن الصلة بين عنوان الرسالة ومضمونها فلم أجد، وهنا انتبهت الى أن الكثيرين يميلون لربط النظام الديني في ايران بالمجوس وديانتهم رغم أن هؤلاء، كغيرهم من الأقليات، هم الآن من ضحايا نظام الملالي في طهران، كما أن الصفة لا علاقة لها بالموضوع. ووصف النظام الايراني بأنه مجوسي أمر مضحك وبعيد عن الحقيقة، على الأقل من الناحية الدينية البحتة وطريقة المعيشة والعادات والتقاليد، وبالتالي لا يتضمن اهانة محددة، هذا على افتراض أن من قام بوصفهم بالمجوس يقصد الاساءة لهم، علما بأن للمجوس دورا كبيرا في بناء حضارة فارس القديمة والعريقة، ووصف الشعوب الايرانية اليوم بالمجوس يشبه وصف المصريين بالفراعنة. فهل النظر لما قدمه الفراعنة للحضارة المصرية ما يسيء لمصريي اليوم؟ قد يكون الجواب بــ«نعم» عند المنتمين الى حضارة الرمال!!

أحمد الصراف

احمد الصراف

دهن العود والغترة واللحية

قال غوبلز، وزير دعاية النازي: عندما اسمع بمثقف أضع يدي على مسدسي، تحسبا! وقال صديقي يعقوب: عندما يزورني من تفوح منه رائحة «دهن العود» ويرتدي غترة حمراء على دشداشة صفراء، ويربي لحية الإخوان، ويمثل بنكا أو شركة إسلامية استثمارية أضع يدي على محفظتي، خوفا من ضياع مالي!
***
سمعت تلك الطرفة، أو النصيحة، من صديقي منذ أكثر من 5 سنوات تقريبا، ولم أعرها كثير اهتمام في حينه، فقد كنت وقتها في أوج تحقيق أرباح كبيرة من استثماراتي في شركات يديرها من هم على شاكلة من تنطبق عليهم تلك الأوصاف، وكنت سعيدا لأنني خالفت رأيه، فقد كان يتندر بالقول أمام الآخرين بأن مخالفتي له حققت لي الكثير من الربح، وأن واحدا ممن تنطبق عليهم أوصاف «دهن العود والغترة واللحية» قام بزيارته في مكتبه وعرض عليه شراء عشرة ملايين سهم في شركة «إسلامية» تحت التأسيس، وأنه انسجاما مع معتقداته الاستثمارية رفض العرض وتبين بعدها أنه خسر فرصة تحقيق أكثر من عشرة ملايين دينار من صفقة واحدة عندما ارتفعت أسهم تلك الشركة وغيرها لمستويات عالية. ولكن الأيام مرت والشهور تتالت والسنوات ركضت وتبين أن «يعقوب الكبير» كان على صواب وكنا، نحن الجشعين، على خطأ تام! فعند أول هزة مالية تهاوت الشركات الاستثمارية، الإسلامية منها بالذات، كأحجار ثقيلة معلقة بخيوط واهية من شجرة كبيرة، وتبين أن الموضوع كله «فالصو» (وهذه ربما تكون مشتقة من كلمة Faults الإنكليزية، والتي تعني خدعا أو عيوبا أو جنحا) وقد خسرت الكثير الكثير من الاستثمار في أسهم تلك الشركات، وبالرغم من كل تلك الخسائر فلا تزال رائحة دهن العود تفوح والغترة الحمراء في مكانها واللحية على طولها!
نعود لنقول ونحذر (وهنا نتحدث مع أنفسنا أيضا) بأن من الخطأ الكبير إقحام المعتقدات الدينية في الأمور المالية البالغة التعقيد، فسقوط هذه، شئنا أم أبينا، يؤثر سلبيا في الأخرى. وقضايا الاقتصاد في عالم اليوم بالغة التعقيد وتحتاج لنفسيات أبعد ما تكون عن الأمور العقائدية، فهذه لا يرجى من إقحامها، كما تبين لاحقا، غير تحقيق أقصى الأرباح من استغلال سذاجة الآخر، وكل ما كتبه «فطاحلة» المفسرين والمنظرين، من شيعة وسنة، في قضايا الاقتصاد والتمويل والتسليف والرهن لا يكاد يساوي قيمة الورق الذي كتب عليه!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الكهرباء في عهد الكرهباء

«.. عندما تتحول الكهرباء لدى ممثل الأمة والمشرع، والقيّم على الأداء الحكومي، إلى «كرهبا»، يصبح كل أمر متوقعا..!!»

***
جاء صوته عبر الهاتف متعبا وطلب أن يتحدث معي لثقته بمصداقيتي(!)
قلت له: تفضل، فقال انه يود أن يخبرني بسر، وانه صادق في ما يقول، والدليل أنه يتصل من هاتفه النقال غير عابئ بتبعات اعترافه، فقاطعته قائلا بأنني في الخارج وليس على شاشة هاتفي غير عدة أصفار، وبامكانه التحدث بحرية، وهنا سمعت صوت تنهيدة ارتياح تصدر منه أردف بعدها قائلا انه تاجر مواد غذائية، وانه قام في الأسابيع الثلاثة الأخيرة بشراء كميات كبيرة من المواد الغذائية المجلدة التالفة بربع قيمتها، والتي خربت نتيجة انقطاع التيار الكهربائي عن برادات أصحابها، وكان من المفترض أن يتم إتلافها، وانه حقق مبلغا لا بأس به من إعادة «تفريزها» وبيعها لآخرين، وان هذه المواد، من واقع خبرته في هذا المجال، غير صالحة للاستهلاك البشري، ولكنه لم يهتم، فلا الشعب شعبه ولا البلد بلده، أو هكذا كان يعتقد! ولكنه في مساء اليوم ذاته اصطحب زوجته وأولاده في جولة بالسيارة، جاع أثناءها الأولاد فتوقف عند محل سندويشات والتهموا عشرة منها. وبعدها طلبوا آيس كريم، والتهموا كمية كبيرة منها، وفجأة تذكر أن هذه المواد تحفظ جميعها مجلدة، وأنه مثلما حقق هو ربحا من بيع مواد مجلدة تالفة فقد يكون آخرون غيره قد باعوا مواد غذائية تالفة للمطعم ومحل بيع الآيس كريم الذي تناول فيه وعائلته عشاءهم! وقال إن من منطلق تأنيب الضمير الذي أصابه قرر التحدث معي، ليطلب مني أن أكتب محذرا وزارة الكهرباء من قطع التيار الكهربائي عن ثلاجات حفظ المواد الغذائية! فبالرغم من أنه تاب عن مثل تلك الأعمال، فإن هناك دائما من هو على استعداد للحلول محله!!
وها نحن ننقل «صرخة» هذا التائب، فهل يسمعها احد؟ لا أعتقد ذلك، فكل المتورطين في أزمة الكهرباء منشغلون اما بأداء العبادات أو بتحقيق أقصى الأرباح وأعلاها في أقرب وقت. فمن مجمل التصريحات «السياسية والبرلمانية» يتبين أن مشكلة الكهرباء أخلاقية، وليست فنية أبدا. فلو قمنا بمراجعة أرشيف القبس للسنوات العشرين الماضية فقط، لوجدنا أن كل وزير «كرهبا» يلقي باللوم على العهد أو العهود السابقة له، ويصرح أن الكهرباء في «عهده» لن تنقطع، وأن الأمر لا يحتاج الى غير صرف بضع مئات ملايين الدنانير، وتنتهي المشكلة! والحكومة، أو السلطة، تعرف هؤلاء الوزراء، وتعرف جيدا التبدل الهائل الذي طرأ على أحوالهم المالية خلال فترة توليهم الوزارة، والسلطة تعرف المسؤولين الكبار المتلاعبين وكيف جمدهم هذا وأعادهم من جاء بعده، وكيف تم تعيين غير المؤهلين بتاتا، وبعضهم لا يعرف الإنكليزية، كوزراء لتولي أكثر المناصب تقنية، والسلطة هي التي تعين وهي التي تقيل، وهي التي جمدت لجان التحقيق في قضايا الفساد، وليس من العدل بالتالي إلقاء اللوم على وزير أو شركة مقاولات ما دامت المسألة بكل هذا الوضوح والفساد بكل هذا الانتشار، فالجميع يعلم بأن الأمر لا يحتاج في النهاية الى غير من يفسد ومن ثم يعمر مسجدا ويؤمن بالله وباليوم الآخر.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الهند وباكستان.. مثال صارخ

يقول إد كربس: ينقسم العالم الى عدة معسكرات، وكل منها على استعداد لارتكاب أبشع الجرائم بحق الآخر، فقط لإثبات أن قصته أقرب للصحة!
لأسباب كثيرة، طالب زعماء الهند المسلمون، وعلى رأسهم محمد علي جناح، السلطات البريطانية التي كانت تحكم شبه القارة الهندية، بأن تكون لهم دولتهم المستقلة. وهكذا خرجت باكستان للوجود في 1947/8/14 ضد رغبة زعماء الهند، ومنهم غاندي. ومات الملايين جراء ذلك بأعمال عنف دينية. وفي عام 1971 أعلنت باكستان، التي يعني اسمها «أرض النقاء أو الطهارة»، تحولها الى «جمهورية إسلامية»، وسرعان ما انفصل عنها جزؤها الشرقي مكونا جمهورية بنغلادش، ربما الأكثر طهارة ونقاء منها! على الرغم من أن عدد سكان باكستان يبلغ 170مليوناً، مقارنة بالهند (مليار و180 مليوناً) أي %15 تقريبا، بيد أن إنتاج الهندي القومي يزيد على 11 ضعف الإنتاج الباكستاني. كما يبلغ دخل الفرد فيها 3176 دولاراً مقارنة بــ 2660 دولاراً فقط في باكستان.
تنتج الهند كل ما تحتاج له من غذاء ودواء. كما تصنع كل ما تحتاج له من أدوات نقل ومحركات، وتعتبر الصناعة فيها متقدمة بشكل كبير وتعتبر مكتفية ذاتيا في كل شيء تقريبا. كما تعتبر الهند أكبر ديموقراطية في العالم، ولم تتخل عن نظامها البرلماني الحر منذ استقلالها. أما جارتها باكستان، التوأم في كل شيء، فلا تنتج شيئا ذا أهمية وتحتاج لاستيراد كل احتياجاتها من الخارج، ولم تعرف الاستقرار السياسي والأمني منذ تأسيسها، وكان الحكم فيها عسكريا ودكتاتوريا في غالب الأحوال، خاصة بعد تحولها الى جمهورية إسلامية تطبق الشريعة قبل 40 عاماً.
مدارس الهند العلمانية التي وضع أسس الرياضيات فيها جواهر لال نهرو أصبحت تصدر للعالم سنويا 50 ألف عقل متخصص في أكثر المجالات العلمية تقدما، أما الــ 15 ألف مدرسة دينية المنتشرة في كل أنحاء باكستان، فقد خرجت للعالم الكثير من «العقليات الإرهابية»، وكانت اكبر منجزاتها انطلاق حركة طالبان منها.
ولو راقبنا حركة الجريمة، والمالية منها بالذات، على النطاق الدولي، لرأينا وجودا حيويا للعناصر القادمة من أرض النقاء والطهارة، وشبه انعدام لأي وجود هندي. كما أن عالم المال يعرف اليوم عشرات الأسماء الهندية اللامعة في عالم المليارات والفن والصناعة والعلامات التجارية المعروفة في أكثر من مجال (صفقة شراء زين أفريقيا) مع اختفاء لأي نشاط باكستاني في أي ميدان أو مجال سوى لعبة الكريكيت.
الهند وباكستان مثال صارخ على ما يمكن أن ينتج عن انفصال توأمين، أحدهما يتجه الى التطرف الديني الذي يقود بالتبعية الى الدكتاتورية والبطش وسياسة الحزب أو الرأي الواحد والحجر على الحريات. والآخر يتجه الى العلمانية وينهض من فقره ويصبح لاعبا دوليا ويزدهر اقتصاده وينبغ في كل مجال لإيمانه بالحرية والتعددية. وكمثال أخير على مدى الفارق الحضاري بين الدولتين نجد أن الهند، ومنذ عام 1947، لم تشكل حكومة بغير مشاركة فعالة للمسلمين تزيد على نسبتهم من السكان (%14). في الوقت الذي لا تطبق فيه باكستان شيئا من ذلك حتى مع بقية الأقليات فيها.
سلام على العلمانية أينما وجدت.

أحمد الصراف

احمد الصراف

نسب الدكتور فينتر

يفتقد عالمنا العربي والإسلامي، كما يرى بعض المفكرين، للديموقراطية وكل ما تعنيه من حريات واحترام للآخر ولرأيه وطريقة معيشته. كما يعتبر عالمنا فقيرا في وسائل اتصاله ومواصلاته، ومتخلفا في نظم تعليمه بشكل مخيف، وهذا جعلنا، وسيستمر في جعلنا، قابعين في ذيل أمم الأرض، إن لم يكن في مكان أكثر سوءا!
قبل شهر تقريبا، أعلن العالم الأميركي كريغ فينتر توصله لإنتاج خلية مركبة صناعيا، وهي أول خلية تتكاثر على وجه الأرض بفضل نظام كمبيوتر معقد! رد فعل «علمائنا»، وهم رجال الدين هنا، وكأننا لا نزال في القرون الوسطى، وربما نكون كذلك، كان متفاوتا بين مصدق ومكذب ومنبهر ورافض ومعلل وناقد ومحذر ومهدد، ولا شيء غير ذلك!
فقد صرح أحمد شوقي إبراهيم رئيس «المجمع العلمي لبحوث القرآن»، وعضو لجنة «الإعجاز العلمي في القرآن»، بأنه يرفض هذا الكشف الذي يعتبره البعض الأعظم والأخطر في تاريخ البشرية الحديث، وأنه ليس بالفتح العلمي، بل مثال على انعدام الأمانة العلمية(!) وأنه لم يقدم أي شيء جديد، وانه لا يعدو أن يكون «فرقعة إعلامية» يراد بها الشهرة وتفتقد للأمانة العلمية، ولا تعدو أن تكون تزويرا للحقائق العلمية المعروفة. وفي جانب آخر خالف الجيولوجي زغلول النجار، وربما شريك أحمد شوقي في مجالس مواضيع الإعجاز، خالف شريكه ووصف الاكتشاف بالفتح العلمي الكبير، ولكن قال ان الأمر يتطلب ضبطه وتقييده بقيود أخلاقية عديدة.
وبالرغم من إنكار السيد أحمد شوقي إبراهيم، رئيس المجمع العلمي لبحوث القرآن، لعظمة هذا الاكتشاف فانه عاد واعترف به، مذكرا في مقابلة صحفية مع «الوطن» (5/26) بأن إنجاب أو خلق إنسان بمثل هذه الطريقة، يكون الكمبيوتر والده، سيدمر العلاقات الإنسانية وسيفتح الباب أمام انجاب بشر من دون زواج رجل بامرأة، وهذا سيخلق إنساناً بلا نسب، وستشيع الرذائل والكفر والضلال وتنتشر الجريمة وسينتج عن كل ذلك تدمير المجتمع بكامله.
وهنا نرى من حديث أخينا شوقي إبراهيم أن عدم معرفة الإنسان لأبيه أو أمه، أو معرفة نسبه سينتج عنه خلق إنسان مدمر لمجتمعه، ميال لإشاعة الرذائل ومحرض على الكفر واقتراف الجريمة، وما سينتج عنه في النهاية من تدمير للمجتمع. ولكن السيد شوقي إبراهيم على علم تام بوجود عشرات آلاف اللقطاء غير معروفي الأب، وحتى الأم، والنسب بيننا، وهم أحوج ما يكونون لمثل هذه العلاقات البشرية، التي يؤكد بكلامه على ضرورتها القصوى! ولكنه والكثير من أمثاله على علم واتفاق بأن تشريعات غالبية دولنا تمنع النسب عن هؤلاء بالرغم من وجود من يرغب في تبنيهم بصورة طبيعية. وإذا كان حقا مؤمنا بأن مسألة النسب تحمل كل هذه الأهمية وفقدها يتسبب في فناء البشرية، فما الذي قام به لحل مشكلة ملايين اللقطاء في عالمنا العربي والإسلامي؟
ولعلم السيد شوقي فقد كانت إحدى النتائج المأساوية لحرب البوسنة، والانتهاكات الرهيبة التي اقترفتها القوات الصربية بحق المسلمين فيها، وبعد تسعة اشهر تقريبا من انتهاء المجازر فيها، ولادة آلاف الأطفال غير معروفي النسب، والذين تلقفتهم أيدي راغبي التبني من أميركا وأوروبا! أما الدول الإسلامية، الأولى بأولئك اللقطاء، فقد أشاحت بوجهها عنهم، كما أشاح أفراد القوة الهولندية بوجوههم عندما كانت قوات الصرب العنصرية تغتصب النساء وتفتك بالعزل والأبرياء من مسلمي «سربنتزا» وغيرها.

أحمد الصراف

احمد الصراف

العقوبات الشرعية

خلافا لما يعتقده بعض «المتطرفين الجهلة»، فإنني لم ارتح يوما لنظام الملالي المتشدد في ايران، التي لم أزرها خلال أكثر من 40 عاما، سوى مرة واحدة لتحصيل قيمة اعتماد مستندي مستحق السداد لمصلحتي منذ فترة طويلة في ذمة احد مصارفها الكبيرة، وقد تسبب عدائي لذلك النظام في اختلافي مع البعض، اكثرهم اهل واقارب، وكنت خلال الحرب العراقية الايرانية أؤثم الطرفين، مع اقتناع تام بأن العراق هو المعتدي وايران هي المحرضة، وكانت لي اكثر من مجادلة مع عمر غني السفير العراقي في الكويت، حتى ما قبل الغزو والاحتلال بأشهر قليلة، عن ملابسات الحرب العراقية الايرانية، وقد كشفت الاحداث بعدها مدى استشراء نفوذه في دوائر القرار، ولو كنت أعرف ذلك لما تعرضت له.
***
يشكل قانون العقوبات المدنية في اي دولة الاساس الذي يعتمد عليه في تحديد عقوبة اي جنحة او جريمة، ولا يمكن توقع العدل في تطبيق القوانين بغيره، ولكن لبعض الدول الاسلامية كالسودان وايران اضافات على قوانين عقوباتها تتعلق بالتصرفات غير الاسلامية، كعقوبة الجَلد التي فرضت على الصحافية السودانية لارتدائها بنطالا في احدى الحفلات الرسمية، والتي اثارت الكثير من الجدل دوليا.
ولايران، كجمهورية اسلامية، ابداع اكبر في هذا المجال، فقد ارسل لي صديق زائر لها صورة عن مخالفة «شرعية اسلامية» محررة في الشارع بحق سيدة، كالمخالفات المرورية، لعدم ارتدائها «مانتو» مناسب اللون، و«المانتو» رداء خارجي يغطي جسد المرأة بكامله، عدا الرأس.
كما ارسل لي صديق آخر كشفا بالعقوبات الشرعية لعام 89 ــ 1390 الموافق لـ 2010 ــ 2011 وتضمن التالي:
1 ــ غرامة «جريمة» وضع النظارات فوق الرأس 18000 تومان.
2 ــ غرامة جريمة ارتداء مانتو قصير 25000 تومان.
3 ــ غرامة ارتداء مانتو فاتح اللون خصوصا إذا كان أحمر أو أخضر 25000 تومان.
4 ــ غرامة صبغ الأظافر للإصبع الواحد 5000 تومان.
5 ــ غرامة عمل سولار للجلد، «صن تان» 25000 تومان.
6 ــ غرامة صبغ الشعر الفاتح، حسب اللون، من 50000 إلى 150000 تومان(!)
كما دونت أعلى «جدول العقوبات» النصائح التالية:
كلما كان الشادور أعلى كان أفضل.
الحجاب هو الجوهر، كالألماس أو الياقوت، الصافي.
والآن، كيف يمكن توقع نهوض امة وتقدمها وأنظمتها مشغولة بعدّ اصابع اليدين وفرض غرامة مالية على كل اصبع مصبوغ؟
ومن الذي يحدد ما اذا كان جلد المرأة، أو ما سمحت بظهوره، هو بلونه الطبيعي وليس متأثرا عمدا بالشمس، أو برونزاج؟ وهل ستتم المقارنة مثلا بالكشف على الاجزاء الاكثر خصوصية منها؟
المصيبة الاخرى ان ايران، على الاقل، لها قانون عقوباتها، مع كل مثالبه، ولكن هناك دولا اسلامية لا يود نظامها القضائي حتى الاعتراف بوجوده!

أحمد الصراف

احمد الصراف

البكاء على مصير هيلين توماس

قمت قبل فترة بتفريغ شريط مقابلة هيلين توماس، مع قناة إخبارية أميركية، لنشره في مقال. انشغالي أنساني الموضوع، ولكن ما تبع المقابلة من تطورات غير متوقعة في وضع هيلين، بعد العمل لسنوات طويلة كمراسلة صحفية في البيت الأبيض، منذ أيام الرئيس كنيدي في الستينات وحتى عهد أوباما، بسبب تلك المقابلة أو تبعاتها، جعلني أعود لأوراقي لمعرفة المزيد عنها وعن قصتها.
تقول المصادر إن هيلين ولدت عام 1920 في كنتاكي (أميركا) لأبوين هاجرا من لبنان (مصادر أخرى تقول طرابلس). ويقال إن مطالبتها (من خلال أجوبتها في تلك المقابلة) بعودة اليهود من حيث قدموا، كحل للمشكلة الفلسطينية قد أثار عليها اللوبي الصهيوني، ودفع الرئيس أوباما لأن يطلب منها التوقف عن حضور مؤتمرات البيت الأبيض الصحفية. وهذا الموقف بالذات هو الذي رفع من مقامها لدينا، لتصبح هيلين توماس فجأة بطلة قومية وعربية الأصل، وفاضحة للسياسة الأميركية وكاشفة لتطرّفها وانحيازها لإسرائيل، مع العلم أن هذه أمور عرفناها على مقاعد المدرسة منذ نصف قرن أو أكثر.
والحقيقة أنني لم أفاجأ بالشعبية الواسعة التي نالتها هذه السيدة التسعينية العربية اللبنانية، أو سليلة طرابلس، وكيف أننا حولنا تقاعدها القسري أو الطوعي لقضية قومية لمجرد أنها عادت لبيتها من دون احتفال كبير في البيت الأبيض، وكيف أن ذلك دل، حسب رأي البعض، على مستوى الأخلاق الأميركية في التعامل! وبالتالي تستحق هذه السيدة، منا نحن العرب، كما كتب آخرون، التحية والاحتفاء والشكر من رئيس الجامعة العربية وقادة الدول العربية والكتاب وكل أصحاب المواقع الإلكترونية والمنتديات وحملة الهواتف النقالة وغيرهم!
والعجيب أن الحياء لم يمنع البعض من التأسف لعودتها لبيتها بتلك الطريقة غير المهذبة (!) ونسي هؤلاء كل الأبرياء والمنادين بالحرية والديموقراطية في أوطانهم القابعين في «سجوننا» العربية منذ سنوات، دع عنك مئات الآلاف الذين اختفوا تاركين آلافا غيرهم بلا إعالة ولا مستقبل ولا أمان.
هيلين توماس بطلة قررت أن تقول الحقيقة وتطالب بعودة اليهود الألمان الى ألمانيا والروس الى روسيا والبولنديين الى وطنهم فصفقنا لها واعتبرناها شخصية تستحق الوقوف معها، ولكن أيا منا لم يسأل أين كانت هيلين توماس لأكثر من نصف قرن من قضايانا المصيرية كافة؟ ولماذا لم نسمع منها ولو كلمة تأييد واحدة بحقنا؟ ولماذا لم ينتبه، أو يفطن دبلوماسي عربي واحد من الألفين ونيف المتواجدين في واشنطن ونيويورك، أن أصل هذه الصحفية المتنفذة عربي، إلا بعد أن أحيلت الى التقاعد؟ وهل سبق أن التفت اليها واحد من أولئك الدبلوماسيين ودعاها لحضور مجرد حفل استقبال، أو دعوتها لزيارة مسقط رأس أبويها، وفي أي مكان كان؟
إن المشكلة ليست في هيلين ولا في غيرها ولو كنا نقرأ ونستوعب لما كنا بحاجة اليها ولا الى سخافة الإخوان وسفينة حريتهم لنعرف حقيقة تحيز أميركا وغطرسة إسرائيل، فهذه أمور معروفة ومفروغ منها منذ سنوات، فالمشكلة تكمن في جهلنا إدراك أن «الجماعة» يعملون لما فيه مصلحتهم، فهل نعرف نحن أين تقع مصلحتنا؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

.. وما ملكت أيمانكم!

جاء صوته، بلغته العربية الركيكة، عبر «الانترفون»، خائفا متوسلا، طالبا رؤيتي، وعندما دخل وجلس قبالتي قال انه دفع كل ما يملك وتملك والدته من مال ومصاغ ليتمكن من القدوم للعمل في الكويت. وان كفيله، المواطن الكويتي «المسلم الرحيم»، الذي سبق ان ابتزه وجعله يعمل لديه سنة وعشرة اشهر براتب زهيد لا يساوي -عن عام كامل- نصف ما دفعه مقابل قدومه، طلب منه البحث عن رب عمل آخر، لانه غير قادر على توفير ثمن تذكرة عودته لوطنه. وكان الامر يهون لو ان ظروف عمله السابق كانت معقولة، حيث كان يتعرض للضرب المبرح والمهين في كل مرة يرتكب فيها ولو هفوة بسيطة، ولم يكن يدفع له بانتظام. وهو الآن بلا عمل وجواز سفره محجوز لدى ذلك الرحيم!
قمت بالاتصال بالكويتي الرحيم، ورد.. ولكن بعد 4 اتصالات على مدى يومين، وعندما شرحت له الوضع وطلبت مساعدته في حل مشكلة هذا الانسان، قال لي بالحرف الواحد: هات 400 دينار وتعال جوازات «الاحمدي» وحوله لكفالتك! صدمتني وقاحته وجرأته في الاتجار بالبشر، ربما ليقينه ان هناك من يحميه. وهنا قمت بالاتصال بوزير الشؤون وشرحت له الوضع وبأنني لا اريد لهذا الشخص ان يعمل لدي، بل فقط ترتيب امر عودته لوطنه على حساب من احضره، ووقف المتاجرة بالبشر بمثل هذه الطريقة المذلة. ولكن الوزير العفاسي، على الرغم من انسانيته، اعتذر بلطف قائلا ان موضوع خدم المنازل هو بعهدة زميله وزير الداخلية، وان المسألة نوعا ما شائكة. طرقت اكثر من باب في الداخلية ولكن لا مجيب، وهذا المقيم لا يزال بعهدتي مؤقتا، لحين انتهاء اقامته، وقد اضطر للعودة الى الكويت مع نهاية الشهر الجاري، موعد انتهاء اقامته، للدفاع عن حقه، ومحاولة وضع حد لمتاجرة كفيله به كبضاعة خردة. ولكن يبدو ان هذه النوعية من البشر، وما اكثرهم بيننا! لا يزالون يعتبرون هؤلاء المساكين بمنزلة إماء وسبايا لديهم!
اكتب ذلك بمناسبة ما ورد في القبس 6/9، على لسان المقدم بندر المطيري، مدير شؤون مجلس الامة في الداخلية، من ان هناك نية لاعداد مشروع وطني خاص بمكافحة الاتجار بالبشر!
وحيث ان الكويت سبق ان وقعت قبل اربع سنوات على الاتفاقيات الدولية بهذا الخصوص، لكنها ظلت حبرا على ورق، فان المحزن ان يأتي الضابط المسؤول ليقول الان بوجود نية، فأين كان وكانت ادارته طوال السنوات الاربع الماضية؟ ومتى تتحول النية الى قرار والقرار لمسودة قانون ليقدم لمجلس الامة ليأتي دوره بعد سنوات قد تتجاوز الاربع؟ وهنا أكاد اجزم بأن من سيعرقل اقرار مشروع هذا القانون في حينه -إن قدم- وسيؤخره هم اولئك النواب انفسهم الذين استقتلوا وتذابحوا على اعطاء قانون السماح للعسكريين بترك لحاهم على الغارب صفة الاستعجال ومن ثم اقراره! فهؤلاء ليس في أجندتهم شيء يعنى بحقوق البشر، فهذه تعبيرات مدنية جديدة عليهم.. وعلينا، فما زلنا في زمن ما ملكت أيماننا!

أحمد الصراف

احمد الصراف

سلام عليك يا وطني

مقدمة: طالما لقيت مقالاتي التي هاجمت فيها التسيب في عالم قسائم الزرائب والمتاجرة بالأغذية والأعلاف المدعومة، وغيرها من صور «نهب» الأموال والأملاك العامة ومعارضة قضايا إسقاط القروض، طالما لقيت، على موقع القبس الإلكتروني، الكثير من التعليقات السلبية والشتم أحيانا، وكانت في غالبيتها تغمز وتلمز من الأصول الفارسية لعائلتي ومذهبها الديني! وبالرغم من خلو غالبية تلك التعليقات الفجة من كل ذوق وأدب، فإنها لم تسترع انتباهي بقدر ما استرعى انتباهي خلوها من اللغة العربية الصحيحة، أو حتى ما يشبهها! ولو افترضنا أن البعض من هؤلاء، ومن نوعية المفردات المستخدمة في تعليقاتهم، هم من البادية، وليسوا بالضرورة مواطنين كويتيين، فكيف تكون لغتهم بمثل هذه الركاكة، ولغة من يتهمونه بالفارسية أفضل من لغتهم بكثير؟ هذا بخلاف صور البذاءة المتعددة في تلك الردود، والتي لا شك تعود لأمور أخرى لا نود التطرق اليها هنا؟ ما نود معرفته هنا هو سبب هذه الركاكة في المخاطبة على ضوء ما سبق ان تعلمناه في المدارس وما قرأناه في كتب التراث من أن بعض الأسر الحضرية، والميسورة بالذات، كانت ترسل أبناءها الى البادية لتعلم العربية الصحيحة من أهلها؟ فأين ذهبت تلك اللغة الصحيحة؟ وما الذي طرأ لكي تصبح على لسان هؤلاء بمثل هذا الضعف؟
وفي جانب آخر، نجد من واقع الكثير من الوثائق التاريخية والمراسلات الرسمية والتجارية القديمة في الكويت، والتي يعود عمر البعض منها الى مائة عام وأكثر، نجد ما يماثل تلك الركاكة اللغوية تقريبا، إن في القواعد أو في الأخطاء الإملائية! فأين الحلقة المفقودة؟ بعد هذه المقدمة الطويلة نوعا ما نعود الى موضوع مقالنا.
مع نهاية شهر أكتوبر 1990، وبعد أن تحول ضيق وملل عائلتي الصغيرة في الرياض إلى حزن وبداية كآبة، قررت ترك عملي التطوعي في لجنة الإعاشة هناك، والسفر الى الإمارات للعمل والاستقرار المؤقت فيها، إلى أن تتطهر بلادي من نجاسات صدام. كان ذلك في الأشهر الأولى من الغزو الكريه. وفي يوم عملي الأخير في السفارة بالرياض ذهبت الى السيد عبدالرحمن البكر، سفيرنا في المملكة وقتها، وسلمته مجموعة كشوف تتضمن أسماء 36 ألف كويتي «مسلم عربي قح» سرقوا وطنهم المحتل وشاركوا صدام في جريمته! وبينت له أن الأسماء فيها مرتبة حسب الاسم الأخير، للعائلة أو القبيلة. وان نظام المحاسبة في الكمبيوتر المستخدم من قبل اللجنة مصمم لكشف الازدواجية! وأن البعض من هؤلاء حصلوا على مبالغ الإعاشة من اللجنة للأسرة نفسها أكثر من مرة، وآخرين لأكثر من ذلك، وحصل أحدهم، ولا أزال أذكر اسمه كاملا، بواسطة الكذب والتلاعب بالبيانات وشهادات الزور، على الإعاشة 11 مرة في شهر واحد(!!).
فغر السفير البكر فاه تعجبا، وسألني: يا أخ أحمد أنت متأكد من محتويات الكشف؟ وعندما أكدت له الأمر فتح درج مكتبه وأخرج نسخة من القرآن، وسألني عما إذا كان لدي صور أخرى من الكشوف، وعندما أجبته بالنفي تنفس الصعداء، ولكني أردفت قائلا ان بالإمكان الحصول على أي عدد من النسخ بلمسة زر. فطلب مني أن «أستر» على العوائل والقبائل، وأن أقسم على القرآن بأنني لن أنسخ أي صور من هذه الكشوف! فقلت له لا تقلق ولا حاجة للقسم، وأعدك بألا أعمل أي نسخ منها، وهكذا كان، فقد وثق بكلمتي ووفيت بوعدي!
والآن، وبعد 20 عاما تقريبا، عندما أقرأ بعض الردود على مقالاتي على موقع القبس، وخاصة تلك المقالات التي تتضمن دعوة للإصلاح، أشتم من طبيعة الردود أنها ربما تكون للأشخاص أنفسهم، أو لأبنائهم، الذين لم يترددوا في سرقة وطنهم، وهو محتل مفلس، ولن يترددوا في سرقته الآن وهو حي وغني، فهذا ديدنهم أبد الدهر، والذنب ليس ذنبهم أو ذنب من رباهم فقط، بل وذنب الدولة التي فشلت مناهج مدارسها في أن تخلق فيهم روح المواطنة وحب الانتماء! ولا نقول إلا سلام عليك يا وطني.

أحمد الصراف