احمد الصراف

هل يشعر بعض مسؤولينا بالخجل؟

للسنة الخمسين على التوالي شكلت وزارة الاوقاف لجانا للسفر إلى الخارج لاختيار ائمة ومؤذنين للعمل في الكويت، ومواجهة العدد المتزايد من الطلبات على شاغلي هاتين المهنتين. كما بين المصدر امكانية استحداث لجان اخرى لاختيار الائمة والمؤذنين من دول غير مصر والمغرب، اختصارا للوقت والجهد. وهذا يعني زيادة تدين المجتمع وزيادة المرافق الدينية، كالمساجد! ولكن اين يذهب كل عام مئات الكويتيين «المتدينين» من خريجي المعاهد الدينية والتعليم الديني الجامعي، ومئات خريجي دور القرآن الذين لا يجدون عملا لعدم اعتراف الديوان بشهاداتهم؟ ولماذا يرفض هؤلاء العمل في افضل واشرف المهن الدينية، ذات الاجر الدنيوي العالي والثواب الاخروي الاعلى؟ ولماذا لم يتساءل كبير مسؤولي وزارة الاوقاف قط عن سبب تدني تواجد الكويتيين بين شاغلي هذه الوظائف عاما بعد آخر؟ واذا كان التدين بمثل هذا الانتشار في المجتمع الكويتي من واقع الطلب المتزايد على الائمة والمؤذنين، فلماذا تزداد في الوقت نفسه اعداد المنحرفين من الشباب؟ ولماذا تكتظ العيادات والاقسام الخاصة في المستشفيات بمدمني المخدرات؟ ولماذا يتكرر تحذير مسؤولي الشؤون من تزايد اعداد الاحداث المنحرفين في دور الرعاية؟
أفهم، وبصعوبة شديدة، عدم رغبة الكويتي في القيام بأعمال جمع القمامة وسلخ الماشية والبناء، ولكن لماذا هذا العزوف عن العمل كمؤذنين وأئمة؟
ولو استعرضنا الائمة الكويتيين، على قلتهم، والمؤذنين، الاكثر ندرة بينهم، لوجدنا انهم ينقسمون الى فئات ثلاث: القسم الاول نجدهم مؤدلجين، سلفيين، وغالبا لهم اهداف سياسية واضحة. وفئة ثانية تبحث عن الشهرة والثراء، اقتداء بما حصل عليه من تولى هذه الوظيفة قبلهم، واصبحوا مسؤولين كبارا واعضاء في مجلس الامة، اما الفئة الثالثة، والتي لا تكاد تذكر، فهي التي تقوم بعملها لوجه الله، او لأن لا عمل آخر تتقنه.
وفي هذه المناسبة نود ان نذكر بأن وزارة الاوقاف تضغط بشدة على ديوان الخدمة المدنية للاعتراف بشهادات «خريجي» دور القرآن! (القبس 6/9) ورفض الديوان مبني على حقيقة ان هؤلاء «الخريجين» لم يتعلموا لا الحساب ولا اي كلمة انكليزية، دع عنك دراسة الكيمياء والفيزياء، وحتى التربية الوطنية، وغيرها من العلوم الضرورية، فكيف تريد الاوقاف من الدولة الاعتراف بشهادات هؤلاء، وهم لا يعرفون غير قراءة القرآن والبعض من قواعده؟ والاهم من ذلك لماذا لا تقوم الوزارة بتوجيه هؤلاء للعمل كمؤذنين وائمة مساجد، اذا كانوا بكل هذا الفهم والعلم؟ ولماذا يصلح صوت المغربي كمؤذن، ولا يصلح صوت خريج دور القرآن للمهمة نفسها؟ واخيرا لماذا لا يود احد من آلاف العاطلين عن العمل، المسجلين لدى جهاز اعادة هيكلة وظائف الدولة، العمل في وزارة الأوقاف؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

أنا امرأة عربية ومسلمة

«.. تعاني طيور خليج المكسيك، الملطخة بالبترول والسواد، ونساء بلدي، من الظروف المأساوية نفسها..»!!
(وجيهة الحويدر).
***
أنا إنسان سعيد بطبعي، ولو كنت أؤمن بالحظ، لقلت انني صاحب حظ عظيم، فحياتي العملية التي بلغت نصف قرن تقريبا، كانت سلسلة من النجاحات المتواصلة، وحتى فترة غزو واحتلال الكويت من قبل صدام وشرذمته، لم تكن، على الرغم من كل منغصاتها، تخلو من لحظات نجاح وإنجاز على المستويين الشخصي والوطني، أقول هذا مع فشلنا، وطنيا وحكوميا، في استغلال تلك النجاحات لمصلحتنا!
ولو كان بإمكاني اختيار طريقة عيشي مرة أخرى لما غيرت في حياتي الكثير، فقد كانت، على بعضها، رائعة وجميلة، مع كل دموع الفراق وآلام الوجد وسهر الليالي وتنهدات الوحدة!
ولو حاولت أو فكرت أن أجد سببا لنجاحي وسعادتي في هذه الحياة لوجدت أن هناك عوامل مشتركة عائلية وشخصية عديدة، ولكن ربما يكون أكثرها أهمية وحسماً هو أنني ولدت ذكرا، وليس أنثى، في مثل هذا المجتمع الظالم والمتخلف والأناني. فكيف يمكن لامرأة، بشكل عام، في مثل هذا المجتمع أن تنجح في الحياة وأن تكون سعيدة، وهي مجرد امرأة؟ كيف يمكن أن تشعر بالسعادة أو الراحة أو الاحترام لذاتها وهي ترى جسدها وكيانها يباعان لمن لا تحب ولا تحترم، لكي ينتهكهما من تكره، وكيفما يشاء؟ كيف يمكن أن تعرف معنى الحياة وقيمة الكرامة، وقدرها شاء أن تجبر على ترك بيت أبيها وحضن أمها، وهي في سني مراهقتها الأولى، أو أدنى، لتذهب لبيت رجل لم تره أو تعرفه من قبل، ليهتك خصوصيتها بالطريقة التي تحلو له، ويجرح مشاعرها ويدفن أحلامها ويستعبد روحها ويعد أنفاسها؟ وكيف يمكن أن تنجح في الحياة وتشعر بالحرية إن كان صوتها عيبا وارتفاع نبرته فضيحة، وشعرها عورة ووجهها عورة وحديثها مع الغير عورة وخروجها من البيت خطيئة، وأن عليها أن تخجل وتستحي من مكونات جسدها وتخفي تكوراته، وألا تتباهى بأنوثتها وأن تتبرأ من دورتها الشهرية، الطبيعية، وتصمها، كما علموها، بــ«النجاسة»، لتكون تلك صفتها بقية العمر، وأن يشك في أمرها ونواياها ونظراتها وتصرفاتها، لأنها قد تجلب العار لزوجها، إن تزوجت، ولأبيها وأمها وعائلتها…. وربما تاليا لوطنها!!
أقول كل ذلك وأعتذر لجميع سيداتي وآنساتي بالنيابة عن بني جنسي!
***
ملاحظة: فكرة المقال مستوحاة من مقال «لم أعد أخجل» للزميلة نادين البدير.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الخليج عربي.. حتى إشعار آخر

بسبب وجودي خارج الكويت فإنني لا أعرف ملابسات ما أشيع عن قيام جهات ما بوضع لافتة باسم «الخليج الفارسي» في شارع فهد السالم. كما لا أعلم تفاصيل محاولة تغيير الاسم على لوحة شارع الخليج العربي، لتصبح الخليج الفارسي، لكني مطمئن إلى أن من يقف وراء هذا العمل هو إما مريض نفسيا أو مخرب يبتغي بث الفرقة بين فئات المجتمع. فتسمية الخليج بــ«العربي» في الكويت هي التسمية الرسمية والمعترف والمعمول بها ولا خلاف على ذلك، على الرغم من اقتناعنا بأن التسمية الصحيحة، من الناحية التاريخية، وما هو متعارف عليه عالميا، هي الخليج الفارسي، ولكن هذا الاقتناع الشخصي وهذا الاعتقاد لا يمكن أن يلغيا الحقيقة على أرض الواقع! وبالتالي فإن التغيير، في حال صحة موقفنا، يجب أن يأتي ضمن القنوات الرسمية والقانونية المتعارف عليها وليس عن طريق أعمال صبيانية أو تخريبية متعمدة، وإلى ذلك الحين تبقى التسمية الرسمية التي علينا جميعا القبول بها هي «الخليج العربي»، شاء من شاء وأبى من أبى. وهنا نتمنى على الجميع توخي الحذر وعدم الانجرار وراء مثل هذه الأفعال التي ربما يقصد بها التخريب. وقد يهون إن كان وراء هذا الحدث فرد أو أكثر، ولكن تصبح المسألة خطرة وتتعلق بأمن البلاد إن كانت وراءه دول أو «جماعات»!
وعليه تبقى التسمية «الخليج
العربي» حتى إشعار آخر، وقد لا يأتي هذا الإشعار أبدا، ويجب ألا يسيء ذلك لأي طرف!
****
• ملاحظة: تبين من اتصال من وزير الصحة الصديق د. هلال الساير، بخصوص بعض ما ورد في مقال الخميس المتعلق بمطالبته بالاستقالة، ان هناك ملابسات كانت خافية علينا، وفي الوقت الذي نقدم فيه اعتذارنا لعدم اتصالنا به قبل كتابة المقال، فاننا نتمنى ان يقوم ناطق حكومي بتوضيح حقيقة ما حدث، وتأكيد ان هيبة الدولة، ممثلة بالحكومة، وفي شخص رئيس الوزراء ووزير الصحة، لا تزال في مكانها!

أحمد الصراف

احمد الصراف

متى يستقيل د. هلال؟

نشر أحد ناخبي النائب دليهي الهاجري إعلان شكر وتأييد «للمواقف المشرفة» للنائب. وتضمن الإعلان، الذي غطى نصف صفحة، أبياتا قد يصعب على البعض معرفة معاني كلماتها، ولكن يقصد بها شكر النائب:
«أبزهم الحلحيل لا صار ما صار
النادر اللي للثقيلات شيال
أبو سعد سعد القبيلة وستار
الطيب نيشانه وتحكى به أجيال
والشكر لله ثم لشبله البار
محمد اللي ترجم القول أفعال»
وهذه الأبيات لم تصغ، وتكلفة الإعلان لم تدفع، لو لم ينجح النائب الدليهي في «صراعه اللفظي» مع وزير الصحة، الدكتور هلال الساير، والبر بقسمه في إرسال ناخبته المريضة لتلقي العلاج في الخارج على حساب الدولة، والدولة هو وهو الدولة!
ولو كنت مكان الدكتور هلال، وهذا ما توقعه الكثير من محبيه منه، لما ترددت في الاستقالة من الوزارة، بعد رفض النائب الدليهي الاعتذار علنا عن الإهانة التي بدرت منه لشخص ومكانة بروفيسور طبيب ووزير يحترم نفسه ويعتز بخبرته ومكانته العلمية، وفوق ذلك رفض رئيس الوزراء الواضح الوقوف معه وتأييد موقفه من رفض معاملة النائب دليهي، والزيادة على ذلك بتعهده، أي رئيس الوزراء، إرسال المريضة للخارج لتلقي العلاج على حسابه الخاص! وهذا يذكرني بالنكتة التي تتعلق بالأب الذي وعد ابنه بسيارة جديدة إن هو اجتاز بنجاح امتحانات الثانوية، وعندما فشل الابن في ذلك وسقط في الاختبار أصابه حزن شديد لدرجة «كسرت خاطر» أمه فقررت شراء سيارة له(!!)،
عزيزي الصديق الدكتور هلال. أعلم أنك ترددت أصلا في قبول المنصب الوزاري. وأعلم أيضا أنك أصلحت في الوزارة وأنجزت ما لم يقم أي وزير صحة سابق بإنجازه. كما أعلم بمدى رضا جميع المخلصين عما قمت بإصلاحه في الوزارة، ولكن لوطنك عليك حق لا يقل عن حقك على نفسك.
فحق وطنك عليك ألاّ تدع ما حصل يمر مرور الكرام ويصبح سابقة. فإن قبلت أنت، بكل ما تمثله من عزة نفس ورفعة مقام وخبرة، في أن يحدث ما حدث فما الذي تركته لغيرك؟
كما أنك تستحق أكثر من ذلك، فلست بحاجة لمال ولا لجاه حتى تبقى تواجه طلبات هذا النائب المخالفة أو مطالب ذلك المتنفذ المتحيزة، والتي تتعارض مع قناعاتك، التي أعرف كم هي صلبة.
أنت أعلم وأدرى مني بحساسية وضعك، وبما تتعرض له من ضغوط، وما يمليه عليك ضميرك، ولكننا نطالبك بالانسحاب، وبالاستقالة، من منطلق محبتنا غير المحددة واحترامنا غير المشروط لشخصك الكريم.
ودمت صديقا.

أحمد الصراف

احمد الصراف

مجلس بدر الرفاعي

لا أعرف السيد بدر الرفاعي، أمين عام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، معرفة وثيقة، فلم التق. به إلا مرة واحدة في بيت صديق مشترك، وتحدثت معه مرة عن طريق الهاتف، وفي الحالتين وجدت فيه الهدوء الأقرب للصمت، ولكن من غير موقف واضح من بعض القضايا. كما تبين لي من محادثتي اليتيمة معه افتقاده للعزم في مواجهة القضايا التي تتطلب الحزم، كموقفه غير المفهوم، وهو المسؤول الأول عن المشروع الملتبس المتمثل بـ«بيت الكويت للأعمال الوطنية»! فعندما قدمت له المستندات الدالة على التلاعب في مشروع البيت، وهي المستندات نفسها التي سبق أن قدمت ما يماثلها لوكيل الإعلام السابق، ثم وزير الشؤون، السيد فيصل الحجي. كما قدمتها لوزير الإعلام السابق محمد السنعوسي، فلم أجد منه جوابا غير الاعتراف بعدم رغبته في التدخل في الموضوع لعجزه عن فعل شيء، بالرغم من اتفاقه معي في كل ما ذكرته دون تحفظ وعلمه بكامل الملابسات وبأكثر مما أعرف من مخالفات وتجاوزات. ويقال ان مسؤولا حكوميا كبيرا منح العميري قطعة أرض كبيرة لإقامة مشروعه عليها.
واليوم وبعد ثماني سنوات من تبوؤ السيد الرفاعي للأمانة العامة للمجلس الوطني، وبعد كل ما أثارته الأسئلة البرلمانية للنائبين أسيل العوضي ومسلم البراك الموجهة لوزير الإعلام عن كمّ المخالفات المرتكبة في المجلس، من علامات استفهام، وبعد استغناء المجلس الوطني عن جهود وخبرات الروائي الكبير وليد الرجيب، مدير إدارة الثقافة والفنون، والروائي طالب الرفاعي، من منصبه الإداري الرفيع، والاستغناء عن الفنان محمد المنصور، مدير إدارة المسرح، وإعفاء كل من الاساتذة صالح حمدان، مدير إدارة الموسيقى، وزهرة حسين، مستشارة مجلة «الثقافة العالمية»، وعبدالمالك التميمي، مستشار سلسلة «عالم الفكر»، وهدى الدخيل سكرتيرة تحرير «عالم المعرفة»، والمخرج الفنان عامر الزهير، مراقب السينما في المجلس، من مناصبهم أو دفعهم للاستقالة لسبب أو لآخر، وهم الذين قام المجلس والكثير من أنشطته على أكتافهم لسنوات.
ونظراً لمكانة هؤلاء وخبراتهم الطويلة، فإن الأمر يتطلب من السيد الأمين العام عقد مؤتمر صحفي يرد فيه على كل ما قيل في حقه، ليدحض ما يمكن دحضه، فالاتهامات ليست بالهينة، وهي إن صحت فإنها بحجم الكارثة في معقل يعتبر من آخر معاقل حرية الرأي والإبداع في وطن سلبته قوى التخلف كل أرديته.

أحمد الصراف

احمد الصراف

أسلمة أوروبا

يسمي البعض أوروبا بالقارة العجوز، ولكنها أم الحضارة الحديثة ومركز ثقافة العالم وضميره اليقظ. وعندما تقوم أوروبا، والغربية بالذات، بدورها الإنساني الذي طالما اشتهرت به في محاربة التخلف ووضع حد له، بعد أن فتحت ذراعيها على مدى عقود عدة للبؤساء والمكلومين والمطاردين من أنظمة بلادهم، والمشردين تعسفاً من أوطانهم ومن السياسيين السابقين اليائسين أو المعارضين، عندما تقوم بالدفاع عن هويتها وديموقراطية مجتمعاتها وحرية أفراده، فليس من حقنا الاعتراض، فهي لا تقوم بغير حماية نفسها من هجمة «الفكر الإسلامي» الذي يحاول أن يغير من طبيعة حياتهم وأسلوب معيشتهم، والطعن في صميم عقائدهم الدينية!
يحتاج الأمر منا للحيادية والتجرد الكامل لنفهم سبب غضب ورد فعل الأوروبي السياسي والمواطن العادي لما تتعرض له قارتهم من هجمة «بشرية وثقافية» إسلامية لا يستطيعون لها، بالوسائل الديموقراطية والعادية ردا. وهذا يتطلب منا أن نضع أنفسنا مكانهم، فخلال جيل أو جيلين بالكثير سيفتقد العالم، ونحن أولهم، أوروبا، التي ستتحول الى شيء آخر مع كل هذه الهجرة والتكاثر الإسلامي الطاغي الذي يجتاحها ويريد تحويلها الى بحر إسلامي، ومن حق الأوروبي بالتالي أن يقلق، وأن يشعر بالرعب من التأثير السلبي الذي أحدثته الأقليات، وبالذات المسلمة، في طريقة معيشته، كما نقلق نحن هنا من التأثير السلبي للجاليات الآسيوية في طريقة معيشتنا، مع الفارق الكبير جدا بين الطرفين.
فــ«الغيتوهات» الإسلامية بدأت تتكاثر حول العواصم الأوروبية، وأصبحت التجمعات الإسلامية تحتل أكثر من ربع المدن الأوروبية التاريخية مثل أمستردام ومرسيليا ومالمو وغيرها، كما أصبح الحجاب منظرا طبيعيا والنقاب يزداد عدد مرتدياته يوما بعد يوم، والمساجد تنمو كالفطر في كل زاوية، ويزيد عدد مرتاديها بكثير عن مرتادي الكنائس، كما أن تجمعات العاطلين عن العمل في المناطق الإسلامية في نمو مستمر، ولا يساهم غالبيتهم بشيء في الاقتصاد تقريبا غير العيش عالة على المساعدات الاجتماعية، كما بلغ عدد المسلمين في أوروبا 45 مليونا، وهو رقم لا يعني الكثير لو كان هؤلاء ينوون الاندماج والعيش مع المحيط الأكبر، ولكن الأمر ليس كذلك، فغالبيتهم يدينون بالولاء للإسلام السياسي أكثر من وطنهم الجديد. كما بينت الاستقصاءات أن نسبة كبيرة لا تعارض عمليات القتل الجماعية أو الهجمات الانتحارية، كما تنتشر بينهم جرائم الشرف وظلم المرأة ومعاملتها بطريقة لا تختلف عما كانت تعامل به في وطنها الأصلي، ولا تستطيع السلطات فعل شيء حيال ما تتعرض له مع تزايد إقرارها بحق المسلمين في تطبيق قوانين الشريعة، ومن المرعب أن نرى أن من لجأ الى أوروبا هربا من وطنه بسبب الدكتاتورية السياسية أو الدينية أو العسكرية يود الآن تحويل أوروبا الى شيء يماثل ما سبق له ان هرب منه!
لا نكتب هذا ضد أحد بعينه، ولكن لكي نبدي احتجاجنا على كل هذا «الاستذباح» في الدفاع عن حق المسلمين في العيش في أوروبا بالطريقة التي تناسب معتقداتهم، ونرفض في الوقت نفسه السماح لأي أقلية لدينا، ومنهم الأوروبي، أن يقوم بمجرد التنفس بغير الطريقة التي نختارها له. كما نكتب لنحذر من أن المواطن المسلم الملتزم والفخور بأوروبيته هو الذي سيدفع في نهاية الأمر ثمن تطرف غيره، فالرعاع لن يهمهم ان أعيدوا الى الدول التي سبق أن قدم أهلهم منها، فهم رعاع أولا وأخيرا!

أحمد الصراف

احمد الصراف

تصريح الوزير السابق

صرح السيد بدر الحميدي، وزير الأشغال السابق (القبس 7/1)، والمتواجد حاليا في لبنان كسائح، بأن لبنان، الذي يعتمد كثيرا على السياحة، يعيش تحت سقف القرن الثامن عشر دون تطوير للبنية التحتية والكهرباء التي تنقطع لساعات طويلة في اليوم، والطرق المتهالكة التي تفتقد الإنارة، ويعاني من شح المياه، التي لا تزال تنقل بالصهاريج، كما تعاني من نقص التكنولوجيا، وخاصة الإنترنت. وقال ان لبنان يكلف السائح الخليجي أكثر من الدول الأوروبية، خاصة في ما يتعلق برسوم الممتلكات والضرائب.
كلام معقول بالرغم من تحفظنا على لهجة التهديد فيه، حيث كان من المفضل صدوره بلهجة الناصح المحب، إضافة إلى أن للأمر جانبا آخر، فمن يشتك. من وضع بلد فما عليه سوى التوقف عن زيارته، وهذا أكبر عقاب، إلا أن السيد الحميدي يعلم جيدا أن لبنان بلد ذو تركيبة عرقية ودينية خاصة، كما أنه يشكو من خلل ديموغرافي كبير، وقاسى الكثير من حروبه الداخلية لسنوات طوال، وآخرها حربه الأخيرة التي دامت 15 عاما، إضافة لموجة اغتيالات الكثير من قادته، كل هذا إضافة الى فقره في موارد الطاقة والفساد «التاريخي» لبطانته السياسية. كما أن السيد الحميدي كان وزيرا في حكومة الكويت، التي بلغت موازنتها الأخيرة 55 مليار دولار للصرف على شعب يبلغ عدده نصف عدد الشعب اللبناني تقريبا ومتخم بالنقد حتى أذنيه، ومع هذا يعاني من جملة مشاكل ليس من المفترض أصلا وجودها، كانقطاع الكهرباء المستمر في الصيف منذ سنوات، وهي المشكلة التي بدأت عندما كان الحميدي وزيرا في حكومة مسؤولة عن أمن المواطنين ورفاهيتهم في بلد لا تزال فصول مدارسه مكتظة بأكثر مما يجب من الطلبة وكثير منها متهالكة وقذرة، وخاصة في المناطق الخارجية. كما تعمل في الكويت أكثر من 2500 صهريج ماء، وهذا يفوق ما لدى لبنان منها. كما تعاني الكويت الفساد في دعم المواد الغذائية والأعلاف ومواد البناء، إضافة الى فساد القسائم الزراعية وزرائب الماشية. كما أن حكومتها، ومن واقع تجربتي الشخصية، عاجزة منذ سبعة اشهر عن توصيل الخدمة الهاتفية لمناطق حيوية مثل صبحان والشويخ، لأنها لم تقرر توقيع عقد الصيانة مع أي من مقاولي التركيبات، فأية سياسة «حكيمة هذه» وكيف نلوم لبنان وننسى أنفسنا؟ ولماذا لا يرسل السيد الوزير السابق، الذي لا ننكر احترامنا له، تصريحا مماثلا يتكلم فيه عن مشاكل بلده؟ وكيف لم يتردد البعض من شعبه في سرقته جهارا نهارا دون خوف من عقاب في عشرات الحالات المعروفة أطرافها، ومنها السرقة الشهيرة من ميزانية طوارئ الكهرباء التي رصد لها أكثر من 400 مليون دينار، وفضيحة محطة مشرف التي ضاعت فيها المسؤولية، وأرض الدولة المجانية التي تحولت لمشروع أولمبي يدر الملايين سنويا على من لا يستحق، وغير ذلك الكثير مثل الخدمات البريدية الأسوأ في آسيا، والوضع الصحي المتردي، وغيرها الكثير جدا.
من حقنا لوم لبنان لتأثير وضع خدماته السيئ على راحة و«وناسة» البعض منا خلال شهر أو شهرين في السنة، ولكن ماذا يا سيدي الوزير السابق عن معيشة شعب كامل طوال السنة؟ ولك محبتي.

أحمد الصراف

احمد الصراف

«الأحمدية» والمقاولات

تعتبر الشركة «الأحمدية» للمقاولات، التي يديرها منذ نصف قرن تقريباً السيد طوني نجار، من أفضل وأكبر شركات المقاولات في الكويت، وتمتاز بكونها من القلة القليلة التي تقوم بتنفيذ ما تلتزم به من أعمال بنفسها ولا تبيع عقودها للغير، كما تفعل غالبية الشركات الأخرى تحت سمع وبصر، لا بل وموافقة ومباركة الدولة والحكومة ووزارة الأشغال أو الاسكان وغيرها، كما تمتاز «الأحمدية» كذلك بمعرفتها الجيدة بما يعنيه ويتطلبه العمل في المشاريع الحكومية من خبرة «خاصة»! وهذا ما دعاها لتجنب المشاركة بها قدر الامكان، وربما من هذا المنطلق سعت القبس (6/20) للقاء السيد نجار، العضو المنتدب للشركة، والتحدث معه عن شجون شركات المقاولات ومشاكلها، حيث بين ان من أكبر أخطاء تلزيم العقود الحكومية الاعتماد على نظام «أقل الأسعار» فلجنة المناقصات المركزية (وهذا رأينا الشخصي) وبتأثير مباشر من المرحوم علي الجسار، عندما كان نائبا ورئيسا للجنة المناقصات المركزية، كانت، ولا تزال، تصر دائما على ترسية المناقصات على أساس أقل الأسعار، على الرغم من عقم هذه الطريقة وتضرر المال العام منها كثيراً، كما بين السيد نجار ان من المشاكل الكبيرة التي تواجهها شركات المقاولات الاسس التي وضعتها لجنة المناقصات للتأهيل والتصنيف لكونها غير مناسبة اليوم لحجم المشاريع المطروحة، كما ان هذه الاسس قديمة ويسهل التلاعب عليها، وأذكر انني عندما كنت أعمل في مجال المقاولات، التي تركتها بعد فترة لعدم قناعتي بالطرق الملتوية التي يتطلب اتباعها، ليس فقط للفوز بأي عقد، بل وتنفيذه، حيث كان مراقبو وزارة الاشغال يتجنبون العمل معنا كمراقبين، لاننا «بخلاء وما بنطعمي»، وقال لنا أحد المراقبين صراحة انه دفع مبلغا لزميل له ليحل محله في مراقبة عقودنا لاننا لم نوافق على اعطائه سلفة نقدية!
وعلى الرغم من الانطباع العام بان شركات المقاولات فاسدة ومخربة ذمم، فان من الظلم تعميم الامر على الجميع، كما ان الجهة الحكومية تتحمل حصتها من اشاعة الفساد بسبب انظمتها الرقابية السيئة والاخطاء والمثالب الجسيمة التي يتضمنها الكثير من العقود وشروط ومخططات المشاريع الكبرى، وما ينتج عنها من أوامر تغيرية تكون دائما محل خلاف بين المقاول والطرف الحكومي.
إن لجنة المناقصات المركزية بحاجة ماسة الى إعادة النظر في قواعد عملها وقوانينها لتتماشى مع المرحلة التنموية الكبيرة القادمة. كما أن الحكومة يجب أن تكون جادة في طرح مشاريعها ولا تقوم بسحبها وطرحها عدة مرات والتلاعب في كشوف الشركات المؤهلة، كما حدث في عشرات المشاريع الحيوية طوال سنوات، ومستشفى جابر وجسر الصبية مثالان حيّان!
نقول ذلك علىالرغم من شعورنا بأن من الصعب منع وقوع أخطاء فادحة وتأخير وتلاعب كبير في المشاريع الكبيرة المطروحة حاليا، ضمن خطة التنمية الطموحة، فالبنية «الفنية» الحكومية غير متوفرة وبالتالي يصعب تجنب فشل الكثير من المشاريع وتأخر تنفيذها وزيادة كلفتها المادية في نهاية الأمر. وسنعود في بداية الصيف القادم الى هذا الموضوع لنستعرض معا ما تم تنفيذه من خطة التنمية، إن تم تنفيذ شيء!

أحمد الصراف

احمد الصراف

يوم غائم في البر الغربي

«.. صار المشوار من السيدة زينب الى شارع نوبار واحدا من اجمل المشاوير الى قلبها، حوارٍ ضيقة تشبه خطوط راحة اليد، واسبلة تقدم ماء معطرا بالورد، ومجاذيب يدورون بالمباخر حول مقام السيدة، مرضى ومقعدون يتوافدون من كل مكان يتشبثون بحديد مقامها المعشق، ترفع ادعية التوسل والاستغفار، من فوق مئذنة الشيخ الحنفي، ويرددون الاذكار في كل خميس، آه يا امي.. اريدك ان تكوني معينا، اعرفك بــ«مختار»، احكي لك عن كل تلك المشاعر التي تنمو في داخلي، عن تدافع ضربات قلبي حين اراه بانتظاري وتلك الرعدة التي تنفض جسدي حين تتلامس يدانا عفوا، وان تتعرفي على «ام عباس»، التي اصبحت لا تنام الا بعد ان تطمئن على وجودي، ولا تفطر الا بعد ان اصحو من النوم، كانت شربة الركيب ما زالت ساخنة، الحمام يهبط بوداعة على اكشاك باعة الكتب القديمة في وسط الميدان، وفي كل ثلاثاء ترتب الفلاحات كريات الزبدة والبيض في اهرامات متوهجة، وباعة العرقسوس يرنون الصاجات وهم يصيحون «مسكر يا خمير»!.. ».
هذه فقرة من الطبعة الثالثة من رواية «يوم غائم في البر الغربي»، التي كتبها في 678 صفحة الروائي المبدع محمد المرسي قنديل، والتي تجري احداثها في مصر في بداية القرن العشرين، وعهد البشوات والخديوي ومصطفى كامل ومحمد فريد وفورة التنقيب عن الآثار، ولصوصها والباحثين عنها وعشاقها وتاريخ مصر الفرعونية، مع قصة حب وشقاء وعذاب عائشة، التي تتجسد فيها حياة ومآسي ملايين الفلاحات منذ ايام توت عنخ آمون حتى اليوم.
رواية «يوم غائم» جديرة بالقراءة، فهي تشدك من صفحتها الاولى ولا تستطيع مقاومة الرغبة المختلطة في الانتهاء منها لتعرف احداثها، وان تبقى في الوقت نفسه بين يديك دون انتهاء ليطول تمتعك بقراءتها لاطول فترة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

إيران وتركيا.. مثال صارخ آخر!

تقوم العقائد بفعل ثلاثة أشياء بطريقة فعالة جدا: تقسيم الناس لشيع وطوائف، السيطرة عليهم، وإغراقهم في الوهم.

***
يعتبر الكثيرون ايران بلدا رائعا، ففيها تتفاوت درجات الحرارة من الشمال البارد الى الجنوب الحار لأكثر من 20 درجة، كما تكسو الغابات مناطق شاسعة منها، وتغطي الثلوج هامات جبالها، ولها شواطئ رملية رائعة، وبها كم هائل من الآثار تتوزع على مدن عدة رائعة الجمال، وأسواقها القديمة لا تضاهى بثرائها، وشعبها يميل للحياة الجميلة La Dolce Vita، كما تشتهر بتنوع منتجاتها الغذائية ومطبخها الشهير.
وعلى الرغم من امتلاك ايران لكل مقومات التقدم الصناعي والزراعي وأن تكون بلدا سياحيا من الدرجة الأولى، وهنا أعتقد شخصيا أنها وأميركا -والى حد أقل بكثير روسيا والعراق- الوحيدتان في العالم اللتان تمتلكان كل شيء تريد أي دولة امتلاكه من أرض وشعب وثروات ومياه ومعادن وعمق ويد عاملة! فإننا نلاحظ -بعد التمعن في وضعها- أنها، وعلى الرغم من شعبها الشديد المراس البالغ عدده 75 مليونا، ومساحتها الشاسعة التي تزيد على مليون و600 ألف كيلو متر، لا تشكل أهمية على المستوى الدولي بغير صوتها العالي وقدرتها على خلق الهلع والرعب لمن يعاديها. فهي لا تنتج -تقنيا وصناعيا وفنيا- شيئا يستحق الاشارة إليه، وتعتمد في معيشتها على الاستيراد من الخارج وما تبيعه من بترول، والحصار «الغربي» الذي بدأت آثاره بالظهور ستكون له تبعات اقتصادية وبشرية وزراعية بالغة القسوة عليها، وهنا نجد أن هم شعبها، كما هي حال غالبية شعوبنا، أصبح يتركز في نهب ما يمكن نهبه في ظل كل الفساد المستشري، والوقوف على أبواب السفارات للحصول على فيزا، أو الهرب من جحيم الملالي لأقرب دولة، ويا حبذا لو كانت أوروبية أو أميركية، وللأبد. أما حال نصفها من النساء فحدث ولا حرج، كل ذلك لأن من أمسك بمقدراتها، أو حكمها طوال عقود طويلة، انتقل بها من الحكم العسكري الفاسد الى السافاك ومن ثم للحرس الثوري، وكان هدفهم جميعا قمع وقتل وسجن كل من يعارض النظام، وتحويل البلاد إلى سجن كبير، مع هدف وحيد هو ابقاء القيادة، أيا كانت، في الحكم بانتظار قدوم المهدي!
والسؤال هو: ما الذي ينقص ايران لتصبح دولة مزدهرة؟ ولماذا يهرب منها مواطنوها ويعرضون أنفسهم للموت أو السجن في سعيهم للبحث عن عمل؟ أليست هي لقمة العيش؟ وكيف تفشل كل الأنظمة التي حكمت ايران منذ مائة عام أو أكثر -وبكل غنى الدولة- في أن تؤمن لهذا الشعب الحد الأدنى من الكرامة والعيش الكريم؟ وكيف فشلت ايران، بكل امكاناتها، في أن تكون دولة جاذبة لليد العاملة بدلا من أن تكون طاردة لها؟ أليس هو النظام الديني المتيبس الذي فعل الشيء ذاته في غالبية دولنا العربية الاسلامية المباركة؟!
ولو نظرنا الى تركيا، التي حولها مصطفى كمال أتاتورك الى دولة علمانية متقدمة، التي يقارب عدد سكانها سكان ايران يعيشون على نصف مساحة الأرض، وليس لديهم أي من موارد ايران العظيمة، لوجدنا أن تقدمها الصناعي والزراعي والتجاري مبهر على كل المستويات. كما تتمتع بحرية وديموقراطية تفوقان بأشواط كثيرة ما لدى ايران، ويكفي أن المواطن التركي معزز مكرم بما له من حقوق في الح.ل والترحال وقت ما شاء، ولا توجد عشرات محطات التلفزيون والاذاعة في خارجها تهاجم نظامها وتطالب باسقاطه!
ان مثال ايران وتركيا مثال آخر صارخ، اضافة الى مثال الهند وباكستان، على ما يمكن أن ينتج عن تبني العلمانية كنظام سياسي، مقارنة بالأنظمة الدينية التي لا تؤمن الا بالرأي الواحد، والحاكم الواحد المطلق الصلاحية.

أحمد الصراف