احمد الصراف

الشيخة فريحة وتوصيات المستشارين

للشيخة فريحة الأحمد طلعات عجيبة، سواء ما تعلق باهتمامها بقصص الأم المثالية، التي لا علاقة لشروطها بمثالية الأم لا من بعيد ولا من قريب، والتي سبق ان كتبنا عنها، أو في مواقفها السابقة والحالية من قضايا جنسية معقدة لم تستقر البشرية قط طوال تاريخها على اتخاذ موقف موحد منها، أو حسمها، كقضايا الشاذين جنسيا، أو المرضى النفسيين، أو الأفراد الذين لديهم صعوبات فسيولوجية تتعلق بتكوينات أعضائهم التناسلية، بحيث تجعلهم أكثر ميلا لأحد الجنسين. فما صرحت به الشيخة فريحة أخيراً (الراي8/3) عن حصولها على معلومات «حقيقية وخطيرة» عن جهات خارجية تجند الجنوس والبويات لتفجير الأماكن الحساسة، وأجهزة الأمن واغتيال شخصيات رفيعة في البلاد، وفق اعترافات مجموعة منهم في مكتبها، أمر يدفع الابتسامة دفعا إلى أن ترتسم على الوجه، ولكن سرعان ما تختفي الابتسامة عندما نكمل قراءة التصريح، إذ يرد فيه أن على مجلس الأمة إقرار قانون التجنيد الإلزامي، بعد تزايد سلوكيات وانحراف هؤلاء عن جادة الصواب والأخلاق! ثم يشعر قارئ التصريح بمغص، وهو يقرأ مطالبتها وزير الدفاع بإقرار قانون التجنيد الإلزامي لتقوية الوازع الوطني، وتعليم «هؤلاء» حمل السلاح، واستخدامه عند الضرورة! فهل على مجلس الأمة مسؤولية إقرار القانون، أم وزير الدفاع؟ وهل التجنيد العسكري حقا كفيل بالقضاء على ظاهرة جنسية بشرية عمرها من عمر البشر؟ أما كيف تواجد في مكتبها من تطلق عليهم «الجنوس والبويات» فلا أعتقد أننا سنعرف الجواب، فلا يعقل أنها قبضت عليهم وساقتهم إلى مكتبها، ويصعب تصديق أنهم ذهبوا طوعا إلى مكتبها هي بالذات، بالرغم من كل سابق مواقفها المعادية لهم! كما لم نعرف إن كان من تواجد في مكتبها يشكلون كامل أفراد الخلية الإرهابية أو العصابة، أم أن هناك آخرين؟ وما دخل المواطن في خبر «خطير» كهذا يمس الأمن القومي للوطن، الذي لا نشك في حرصها على سلامته، ألم يكن من الأفضل تسليمهم، من دون أية ضجة إعلامية، لأمن الدولة لتتخذ إجراءاتها بحقهم، إن صحت الاتهامات؟
ولا أدري ما علاقة التجنيد بقضية جنسية لم تستطع دول العالم أجمع فعل شيء ازاءها غير التكيف معها وقبولها كما هي؟ وإن طبق التجنيد على الرجال فما العمل مع النساء؟
والغريب في تصريح الشيخة فريحة أنها لم تخبرنا «نحن المتلهفين لسماع المزيد» عن هدف هؤلاء من إجراء كل هذه الأعمال الإرهابية؟ هل للفت النظر الى ما يتعرضون له من تعسف في المعاملة، أم للاستيلاء على الحكم؟ وإن صحت أي من الحالتين أو كلتاهما، فإن جزءا من شعبنا يكون قد سجل سابقة تاريخية لم تسمع بها الدنيا من قبل! أقول ذلك متمنيا أن لا يكون الهدف من كل هذا «التهويل» تبرير إنزال مزيد من الظلم غير المبرر بأفراد هذه الفئة، فوق ما يشكون منه من تعسف وتحيز وسوء معاملة. كما نتمنى أن تركز الشيخة فريحة الصباح جهودها على قضايا التعايش الإسلامي مع أتباع الديانات الأخرى، وإعطاء اهتمام أكبر للقضايا الإنسانية التي تتطلب مساندتها كالمعاملة المخجلة التي يتعرض لها كثير من خدم المنازل، والتي طالما شوهت سمعة الكويت.

أحمد الصراف

احمد الصراف

حملان الكويت وكماشاتها

تكمن مشكلة الكويت في موقعها الجغرافي الفريد، فهذا الموقع، إضافة إلى أنه وفر لها ثروة هائلة تتمثل في البترول الكامن في جوف أرضها، لكنه وضعها كذلك بين أضلاع كماشة فريدة مكونة من ثلاثة أضلاع تتمثل في جيرانها العمالقة في وزنهم البشري والجغرافي والسياسي! وبالرغم من أن الكويت كانت مسالمة عادة، فان طموح بعض حكامها دفعها أحيانا لأن تذهب خارج حدودها خدمة لحليف أو دفاعا عن حق تؤمن به أو ردا لاعتداء، أو درءا لخطر. ويمكن اختزال تاريخ أخطر الاعتداءات على الكويت ووجودها ضمن فترة زمنية تمتد الى سبعين عاما من عام 1920، عندما هاجم الإخوان الوهابيون الكويت من شمالها، يبغون الإطاحة بحكمها، وحتى 1990عندما غزت قوات صدام الكويت من شمالها أيضا واحتلتها لسبعة أشهر.
ولكن عندما يستعرض المراقب العادي من أمثالنا الأحداث والاعتداءات الجسام التي تعرضت لها الكويت بين هذين التاريخين، والتي يأتي على رأسها محاولة اغتيال رمز الشرعية في عام 1985، يشعر بمدى ما في هذا العالم من تعسف وظلم لا يمكن فهمه بسهولة، خاصة عندما تضطر الدولة لأخذ جانب طرف ضد آخر، كما حدث في الحرب العراقية ـ الإيرانية، حيث كانت خيارات الكويت شبه معدومة، وعندما قررت الإدارة الأميركية التخلص من نظام صدام، كانت الكويت نقطة انطلاق قواتها. ويتساءل البعض إن كانت الكويت، بكل تاريخها الخير (!) قد تعرضت لكل هذا الكم من الاعتداءات فما هو حال البقية؟ ولا ندعي هنا أننا أقل ظلما من غيرنا، أو أكثر رحمة منهم.
في 1972 اغتيل حردان التكريتي، نائب رئيس الجمهورية ووزير الدفاع السابق العراقي، من قبل نظام بلاده البعثي (البكر وصدام). وفي 1974 تم احتلال السفارة اليابانية في الكويت، وتفجير مكاتب شركة التأمين الأميركية، وتكرر الاعتداء في 1976 وبعدها بأيام انفجرت قنبلتان في جريدة الأنباء. وفي عام 1977 خطف مسلحون بقيادة «أبو سائد» طائرة كويتية أثناء رحلتها من بيروت إلى الكويت ليستسلموا في سوريا. وفي 1978 اغتيل رئيس مكتب منظمة التحرير علي ياسين. وفي 1980 نجا وزير خارجية إيران صادق قطب زاده، الذي أعدم بعدها في وطنه بتهمة الخيانة، من محاولة اغتيال. وفي 1981 اختطفت طائرة كويتية من مطار بيروت من قبل جماعة «أبناء الصدر». وفي 1982 اغتيل السكرتير الأول في سفارتنا في الهند مصطفى المرزوق، وفي العام نفسه اغتيل الدبلوماسي نجيب السيد الرفاعي في مدريد.
وفي 1984 بدأت عمليات قصف الناقلات النفطية الكويتية. وفي ذات العام اختطفت الطائرة الكويتية «كاظمة»، وبعدها بعام تم اغتيال الدبلوماسي العراقي هادي سعيد ونجله في الكويت. والذروة كانت في تفجير موكب الأمير الراحل جابر الأحمد في 1985 وتبعتها تفجيرات المقاهي الشعبية. وفي 1986اختطفت الطائرة الكويتية «الجابرية»، ثم وقع الغزو في 1990/8/2 وتحقق التحرير وجرت بعدها بأيام محاولة اغتيال النائب السابق حمد الجوعان، وتبعتها المحاولة الآثمة لاغتيال النائب السابق عبدالله النيباري وحرمه..!
ووقعت أثناء ذلك وبعدها جملة اعتداءات على حياة فنانين كبار وعلى مؤسساتهم، إضافة لمحال بيع الأشرطة الغنائية، وعلى العاملين في أماكن الترفيه كالسينمات والسيرك الروماني وعلى متاجر السيخ وأرواحهم وبعض البهرة المصلين. وتم الكشف على كميات كبيرة من الأسلحة في عدة أماكن، والقبض على شبكة خططت لاغتيال الرئيس بوش في الكويت.
نكتفي بهذا القدر من العمليات الإرهابية التي تعرضت لها الكويت، والتي استطعنا الحصول عليها من الإنترنت، ولا شك أن هناك أحداثا أكثر لا تقل خطورة، ولا أعتقد أن جهة قامت بتوثيق هذه الأحداث ووضعها في إطارها المناسب، فمما لا شك فيه أننا لم نكن في جميع الأحوال، كحكومة وشعب، قطيعا من الحملان أو الملائكة!

أحمد الصراف

احمد الصراف

اليوم الذي قد لا يأتي أبداً

قال صديقي إنه كان يرافق أحد معارفه وهو يتفقد غرفة نومه، وهناك فتح علبة جميلة في خزانة ملابس خاصة بزوجته وبدأ في تفريغ محتوياتها في حقيبة كبيرة، ووقعت يداه على قطعة لفافة ورق لماع وجميل وعندما فتحها وجد أنها تحتوي على فستان سهرة غالي الثمن، وتذكر أنهما سبق ان اشترياه في أول زيارة لهما لمدينة نيويورك قبل 8 أو 9 سنوات مضت! وبدا واضحا أنها كانت تحتفظ به ليوم مميز. وضع الرجل اللفافة والملابس الأخرى في الحقيبة لينقلها الى مكان خاص، فقد توفيت زوجته قبل يومين!
نظر الرجل إلى صديقه وقال له: لا تحتفظ أبدا بالأشياء المميزة والجميلة للأيام الخاصة، فكل يوم في حياتنا هو يوم خاص وجميل بحد ذاته، ويجب ان نستمتع به ما دمنا على قيد الحياة! ويقول الصديق إن تلك التجربة غيرت حياته وعلمته الكثير، وأصبح يقضي وقتا أطول مع أسرته وأقل في العمل، وأن الحياة أصبحت بالنسبة له مصدرا للتجارب التي يجب أن يعيشها وليس البقاء حيا في أثنائها، وأنه أصبح لا يحتفظ بأفضل مما لديه ليوم خاص فكل يوم خاص في حياته، فإلى متى يحتفظ بأواني الكريستال من دون استخدام، بانتظار ضيوف قد لا يأتون أبدا، وإن أتوا فلن يكترثوا كثيرا إن كان الشاي أو القهوة التي قدمت إليهم في أوان فاخرة أو عادية، ان لم يكن طعمها جيدا! وهل ضيوفه أولى بجميل أثاثه وأدواته المنزلية الفاخرة منه؟ ومتى سيرتدي أفضل ملابسه؟ ألم يحتفظ بالبعض منها للمناسبات السعيدة؟ وعندما تأتي المناسبة نجد أنها أصبحت ضيقة علينا! ولماذا لا نرتدي أفضل ما لدينا عندما نذهب للتسوق أو لقضاء أي حاجة؟ ولم الاحتفاظ بأفضل العطور لمناسبة محددة، وقد تتبخر ولا يأتي ذلك اليوم، أو لسبب ما نفقد حاسة الشم! ولم نستمر في تكرار جمل مثل «يوما ما سأتجول في معالم وطني التي يأتي السياح لرؤيتها» أو «سأرتدي هذه الحلة في زفاف ابن اختي»! أو انني سأذهب في رحلة طويلة فور انتهائي من بناء البيت؟! وهكذا تمر الأيام وتنتهي الأعمار وتبقى الوعود من دون تنفيذ، ويختفي عبق الورد من دون أن نشمه وتنتهي موضة الملابس من دون أن نرتديها ويضيق الحذاء وهو بانتظار من يضعه بقدميه. ولا أدري ما الذي كان سيفعله أي شخص منا لو علم بأنه سيموت غدا، بالرغم من صعوبة الاحتمال، فما الذي سيفعله؟ ربما سيقوم بالاتصال بمن سبق ان اختلف معهم ليطلب مغفرتهم، أو سيقوم بارتداء أفضل ما لديه والخروج في جولة مع الزوج/ الزوجة والقيام بما كانا يودان دائما القيام به، ولم يفعلا كتبادل القبلات علنا أمام الشاطئ، والاتصال بالأهل والأصحاب فردا فردا ووداعهم بلطف، وغفران إساءات الآخرين! فإذا كنا سنفعل ذلك إن علمنا بموعد وفاتنا فلم الانتظار إذا، ومن يدري متى سيموت؟ ولم لا نقوم بكل الأشياء الجميلة اليوم قبل الغد؟!
تحياتي لكم جميعا، مع أطيب المنى بحياة مديدة وسعيدة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

دهن الهواء بالديكو

حصلت شركة مقاولات غير محلية على عقدين كبيرين يتعلق أحدهما بإنشاء مستشفى جابر، الذي هللت بعض الجهات الرسمية لما أنجز منه حتى الآن، ولكن يبدو أن هناك محاولة ما للتغطية على المشاكل التي تواجه المقاول، ويقال إن هناك معركة بينه وبين المياه الجوفية التي تتدفق بشكل خارج عن قدرة أجهزة السحب لديه، وهي المشكلة نفسها التي سبق أن واجهت مقاول «محطة ضخ مشرف»، لكن هنا المساحة أكبر بكثير! وعلى الرغم من أن الوزارة دفعت للمقاول ثلاثين مليون دينار تقريبا، فإن العمل يسير ببطء مثير للقلق، ومن الواضح افتقاده التكنولوجيا المناسبة. ويقال أيضا ان الوزارة مطالبة تعاقديا بدفع مبلغ 7 ملايين دينار شهريا للمقاول وفق برنامج العمل، وعلى الرغم من مرور 6 أشهر فلا يزال المشروع يراوح مكانه، ولم ينفذ سوى غير شيء يسير! وهنا نتمنى أن يفيدنا طرف ما بحقيقة الوضع، وعدم ورود شيء يعني صحة شكوكنا!
المهم هنا ليس موضوع هذا المقاول أو غيره، بل لكي نبين حجم وجملة المعوقات التي تواجهها خطة التنمية العملاقة، ففشل مثل هذا المقاول، بكل ما يمثله من حجم كبير، في إنجاز مشروع كلاسيكي، على الرغم من ضخامته، يعطي فكرة عن العجز المخيف الذي يعانيه الجهاز الإداري الحكومي، الذي يفتقد أموراً عدة. كما تشكو الدولة من ترهل القوانين المنظمة للمناقصات ولمتابعة المشاريع وأنظمة ملاحقة المخالفين والسراق! فغالبية، إن لم يكن جميع، «موظفي» الدولة الكبار، وبالذات في وزارة الأشغال، الذين نجحوا في سرقة مئات الملايين من أرصدة المشاريع الحكومية بطريقة مباشرة أو غير ذلك، والذين بالإمكان تحديدهم بسهولة، حيث يقوم عدد منهم بإدارة ملايين الكثير من الشركات المساهمة، لم يعاقب أحد منهم بخصم يوم من راتبه، وهذا كاف لتشجيع غيرهم على تكرار السرقة في المشاريع القادمة، و«ما في حد أحسن من حد»، وهم شبه محصنين من المساءلة، نقول هذا على افتراض أن كل المخاوف الهائلة التي تقلق ضمير كل مواطن ومقيم شريف، من احتمالات هبش جزء كبير من المبلغ المرصود، وهذا لا خلاف كبيراً عليه، لا صحة لها، لكن الخوف كل الخوف أن ينتهي الحفل ببضعة مشاريع تصلح لذر الرماد في العيون والسخام في الوجوه! فخطة التنمية، في جانبها الأكبر، لا تكمن في شراء معدات واستيراد أدوات، بل في أعمال بناء وتشييد ضخمة تشمل البنيتين الفوقية والتحتية، فما الجهات التي ستقوم بأعمال التنفيذ وهناك شح في الشركات المميزة، وأين الجهاز الإداري المشرف؟ ومن يملك حق الاعتراض على المخالفات والسرقات ومن سيحاسب المخطئ ويوقفه عند حده؟! عشرات الأسئلة الصعبة التي لا يرغب الكثير من المسؤولين، ليس فقط في الإجابة عنها، بل وحتى التفكير فيها، فالرغبة في الصرف وإعلانه للعالم أجمع من خلال عقود مليونية هما الشيء المهم في هذه المرحلة، وهذا يذكرني بقصة الهيئة الفاشلة العليا لإعادة النظر في القوانين وأسلمتها التي صرفت في بداية تأسيسها مئات آلاف الدنانير على شراء هدايا ثمينة جدا وتوزيعها على كبار موظفي الحكومة وبعض مديري الشركات المساهمة، وكان أحد هؤلاء صديقا يعمل مديرا لقسم الكمبيوتر في أحد المصارف! فما جدوى قيام هيئة دينية بتوزيع هدايا على مدير إدارة كمبيوتر؟ وهل هي بحاجة إلى الدعاية لنفسها وشراء ولاء أو سكوت الآخرين عن «خمالها»؟ ألا تكفي أعمالها، التي لم يتحقق منها شيء طوال 17 عاما، لتدل عليها؟
نقول ذلك بمناسبة ما أشيع عن توقيع الوزير الشيخ أحمد الفهد الصباح عقداً مع شركة علاقات عامة عالمية بمبلغ 6.5 ملايين دينار للترويج لخطة التنمية! وعلى الرغم من أن الوزير أكد أن العقد لم يوقع وسيمر بالقنوات الدستورية، فإنه لم ينف نية التعاقد، وهذا يدفعنا للتساؤل عن جدوى الاستعانة بشركة علاقات عامة للترويج لخطة التنمية؟ ألا يكفي ما سينفذ من أعمال ضخمة كدليل على سلامة النهج، أم أننا بحاجة إلى جهة «ذكية ومتمرسة» للقيام بمهمة تجميل القبيح ودهن الهواء؟!

أحمد الصراف

احمد الصراف

نحن عشرة وهم عشرة آلاف

أخبرني صديق بقصة وجيه طلب منه بعض المواطنين في منتصف القرن الماضي، تدخله لعزل المسؤول عن بيع المياه العذبة للمستهلكين لأن ذمته أصبحت كبيرة وسرقاته أصبحت معروفة، وقال إن الوجيه هز رأسه، وقال بعد صمت: هذا سرق وشبع الآن، وإن عزلناه وعيّنّا آخر مكانه، فما الذي يضمن ألا يبدأ بالسرقة؟ وقال الصديق ان هذه حال الكويت، وهكذا كان وضعنا وعلى هذا المنوال نسير، وبالتالي ما تبذلونه، ككتّاب ومصلحين وسياسيين، من جهد لا يمكن أن يقضي على الفساد بل يساهم فقط في إبطاء تسارعه وليس القضاء عليه، وان ما يسري على الكويت يسري على أي مجتمع، بلا استثناء، منذ عصر الفراعنة وممالك قورش وقوانين حمورابي حتى عهد باراك حسين أوباما، بكل ما يمثله من نظافة يده.. اليمنى!
ملابسات وتبعات سؤال النائب السعدون وجواب الوزير الشيخ أحمد العبدالله الصباح لا تخرج عن مسألة كبرى يمكن اختصارها بكلمة واحدة وهي «الفساد»! فالحرب على كيكة التنمية بدأت مبكرا، ومبلغ العشرين مليارا، أكرر 20 مليارا، المخصص للمشاريع النفطية، من أصل ميزانية التنمية البالغة 37 مليار دينار، ليس بالمبلغ السهل الهين ليترك لزيد وعبيد ليلتهماه، فهناك من هم أكثر «أحقية» به! علما بأن الجرأة في الهبش والاستحواذ بلغت مستويات عالية جدا، فلا أحد يعرف اليوم أين ذهبت مئات الملايين التي صرفت على طوارئ الكهرباء عام 2008، ولا الخمسة والعشرون مليون دينار (بس) التي صرفتها وزارة الإعلام على تغيير أنظمة إرسال واستقبال لم تتغير، ولا ضعف ذلك المبلغ الذي صرف على برامج تدريب نفطية لم تتم أصلا، وهو مبلغ كاف لتأسيس 5 جامعات متخصصة وليس تدريب بضع مئات من الموظفين؟
جميل أن يحاول النائب الفاضل السعدون كشف بؤر الفساد في الجهاز الحكومي من خلال أسئلته الجديدة، وفضح عقود كبار الموظفين مع الجهات الخاضعة لهم، ولكن أين كان، وهو النائب المحنك، طوال 30 عاما من هذا النوع من الأسئلة؟ وحتى لو خلصت نيته ومن معه من تكتله، وليس لدينا ما ينفي ذلك، فهل بإمكانهم منفردين فعل شيء دون مساندة بقية أعضاء المجلس؟ وما الجواب الذي سيحصل عليه السيد السعدون لو وجه سؤالا لكل زميل له في المجلس عن تفاصيل ومبالغ العقود التي تحت أيديهم مع الجهات التي يفترض بهم مراقبتها؟ وما الذي سيسمعه السيد السعدون لو سأل كل زميل عن عدد الشركات أو الجهات التي يوجد اسمه على قوائم مدفوعاتها الشهرية أو السنوية؟
وهنا نقتدي بشهرزاد ونسكت عن الكلام المباح وغير المباح، فنحن، إن خلصت نوايانا، فإن عددنا لا يزيد على عشرة، أما هم فبعشرات الآلاف!

أحمد الصراف

احمد الصراف

عود لموضوع HSBC

تعقيبا على المقال الذي كتبته قبل أيام عن البنك البريطاني، أرسل الصديق الكريم عبدالحميد المزيدي الرد التالي: عزيزي أبو طارق. أثار مقالك المنشور في القبس (27 ـ7) الكثير من الشجون لدي. وقبل أن أعلق على مسيرة بنك HSBC يدفعني الحنين إلى الماضي للتطرق الى ما كنا ـ والدك عبدالله وأنا ـ نقوم به، حيث كنا نعمل عند والدينا، جاسم الصراف ومنصور المزيدي، في محل لصرافة التجزئة وإجراء صفقات العملات، بمقاييس أربعينات القرن الماضي. وفي غياب العملات الورقية وقتها، كنت أقوم ووالدك بتسليم المباع من العملات المعدنية كالريال السعودي والفرنك الفرنسي والدراخما الأسباني والتومان الإيراني، لمشتريها ونقبض ما يقابلها من العملة المحلية وهي الروبية الهندية آنذاك وهي أيضا قطع معدنية. وكنا نعبئ المسكوكات في أكياس من الخيش أو الكتان السميك، وكان كل كيس يستوعب بين ألفين إلى ثلاثة آلاف قطعة معدنية، وكنا نحملها ـ المشتري أو البائع ـ لتسليمها واستلام غيرها، وهكذا طوال اليوم. والطريف أن الأخ عبدالله كان ماهرا في عد العملات المعدنية، فعندما كان يضع يده على «كمشة» أو عدد من هذه العملات نجد أنها دائما عشرين قطعة! ونعيد تأكيد العد بعد تفريغها من يد إلى أخرى وبإيقاع أشتاق لسماعه اليوم، وكان كل إيقاع بأربع قطع معدنية، وكل خمسة إيقاعات منها تبلغ العشرين ثم نضعها بجانب بعضها في إناء خاص معد لذلك، بواقع خمس أكوام أو مجموعات لنحصل في النهاية على مائة قطعة، وهكذا يجري العد بسرعة وسهولة! وفي أحد الأيام، وبعد أن سلمنا أكياس العملات المعدنية الثقيلة لأحد التجار، طلبوا منا العودة إليه واستعادتها منه، فاستغربنا الطلب، وكانت أعمارنا وقتها لا تزيد عن 15 سنة، وهنا شرحوا لنا بأنهم قاموا بإعادة شراء تلك العملات لمن سبق أن بيعت لهم، وهكذا عدنا لاسترجاع تلك الأكياس الثقيلة دون أن نفقه معنى كلامهم! وبعد فترة فهمنا أن بعض الصرافين، مثل محلنا ومحلات الصيرفة الأخرى كالمزيني والطخيم والغربللي وغيرهم، تردهم برقيات من البصرة والرياض وإيران بأنباء تقلب العملات وتغير قيمها، وبالتالي يسبق هؤلاء غيرهم بالبيع أو الشراء لتوافر المعلومات لديهم. وهذا يذكرنا بأن ما يجري الآن من تدوير للصفقات، بيعا وشراء، بهوامش ربح أو خسارة ضئيلة جدا أمر عادي، ليس وليد هذا الزمان بل هو قديم.
نعود لبنك HSBC، أو البريطاني، الذي استعرضت قصة تأسيسه، والبلدان التي حل بها مرة كضيف مُعزز، ليصبح بعدها منبوذا فيطرد، حيث كان أول مقر له في الكويت بالقرب من مقهى «قاصد خير» في منطقة المباركية، وكانت مساحته لا تزيد عن 50 متراً، وعدد موظفيه أقل من 20. ولو قارنا الحاضر بالماضي نجد كم تغير الزمن، بعد أن أصبحت العملات ورقية، لا بل رقمية تحول من حساب إلى آخر بلمح البصر. وأصبح إصدار العملات غير مقتصر على الدول بل حتى الأفراد بإمكانهم إصدار مبالغ محددة مقابل أرصدة لهم، علما بأن جميع عملات العالم لها تغطية محددة من الذهب والعملات الأخرى، إلا أميركا التي تنفرد بأنها تُصدر عملتها بلا رصيد أو غطاء فعلي، والطريف أن أكثر الناس ثقة بالدولار هم أكثرهم انتقادا لسياسة أميركا… عجبا!!

***
ملاحظة: بناء على الطلب المتزايد، ونظرا لنجاح العرض الأول من مسرحية «عمر الخيام» الغنائية، التي لم يتسنَّ للكثيرين مشاهدتها، قررت «لوياك» إعادة العرض يومي السبت 31-7 والأحد 1-8، في السابعة مساء على مسرح المدرسة الأميركية، شارع المثنى، حولي. والدعوة عامة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

أسعف المسعفين يا د. هلال

تعتبر وظيفة المسعف مهمة وحيوية وهي شديدة الارتباط بخدمة الطوارئ الطبية، ولكن في بلادنا الواسعة بجهلها لا ينظر لها كذلك، حالها حال الكثير من المهن المهينة!! فوظيفة المسعف أو الــ Paramedic التي تسبق دخول المريض إلى المستشفى والتي قد يتأثر بها المصاب بشكل جذري لا تحوز على أي اهتمام من الوزارة بالرغم من خطورتها، وأتذكر أن رجل أعمال كويتيا تعرض لحادث خط.ر في طريق صحراوي بمصر تبرع لطوارئ الإسعاف فيها بمبلغ ضخم لإنقاذهم حياته! وفي الدول الغربية والتي تحترم نفسها يتم التعامل مع وظيفة المسعف بجدية كبيرة، فعلى حامل اللقب اجتياز اختبارات وتدريبات صعبة. كما تتطلب الوظيفة قوة أعصاب وسرعة في اتخاذ القرار وقوة بدنية مناسبة، وهذه جميعها لا تقل عما هو مطلوب من المجاز في التمريض. ولكن في بلادنا حتى سائق سيارة الإسعاف يمكن اعتباره مسعفا إن نال قسطا ولو بسيطا من التدريب الميداني. ففي الكويت على سبيل المثال، وهي الثرية نقدا، نجد أن العمل في وظيفة مسعف لا يحتاج عادة الى معرفة أي شيء عن طريقة التعامل مع الكسور ولا قضايا التوليد ولا العلاقات العامة ولا الأعصاب ولا حتى الإسعافات الأولية، دع عنك العلوم الباطنية وإعطاء الحقن الوريدية والتعامل مع التخدير وغيرها، فمن يعمل في خدمة طوارئ الإسعاف في الكويت يكتشف خلال ساعات فقط أن المسعفين بغالبيتهم لا علاقة لهم بـ«علم الإسعاف» فهم إما فنيو أشعة أو طباخون وإما سائقو مركبات بارعون في القيادة السريعة، من دون شهادات ولا خبرات. كما يفتقدون بغالبيتهم اللياقة البدنية أو كيفية التعامل مع الكسور والجروح الخطرة التي تتطلب التعامل معها قبل الوصول إلى المستشفى أو غرفة العمليات من نقل دم وإعطاء أكسجين! ولهذا تمنع وزارة الصحة المسعفين من القيام بالكثير مما هو مطلوب من المسعف المحترف، وبالتالي يقتصر دورهم على الوصول لمكان الحادث أو بيت المصاب ونقله للمستشفى، وهو وحظه، يموت أو يصل نصف سالم، ولم يصدر هذا المنع من الوزارة عبثا بل بسبب الأخطاء القاتلة أحيانا التي ارتكبها الكثير من المسعفين غير المجازين من دون فهم وعلم.
ويشتكي المسعفون المرخصون بجدارة من وضع سيارات الإسعاف التي تصلح لكل شيء إلا لمهامها الخطرة بسبب وضعها المتهالك وقدم ما فيها من معدات. كما أن نظام حفظ المواد في المراكز عديم الفائدة بسبب قدمه، ولا يمتلك أي مركز نظام «الجي بي اس» والذي يمكن عن طريقه الاستدلال على أسهل الطرق وأقصرها للوصول الى موقع الحادث بسبب عدم وجود ميزانية لمثل هذا الأمر ضمن الــ37 مليار دينار الخاصة بخطة التنمية.
وبسبب نظام العمل في المراكز على مدار الــ 24 ساعة فإن أماكن عمل المسعفين مثيرة للتقزز بسبب قذارتها لأن كل شيء فيها يستخدم من قبل 3 شفتات، أو دورات عمل، في اليوم الواحد. ويتطلب الأمر بالتالي توفير خدمة تنظيف أكثر فعالية.
نتمنى على السيد وزير الصحة، د. هلال الساير، القيام بزيارات ليلية مفاجئة لبعض مراكز الإسعاف ونحن على ثقة بأنه سيشعر، كطبيب، بحزن شديد على سوء أوضاعها.

أحمد الصراف

احمد الصراف

النفايات والضمير المؤمن

أجرت القبس مقابلة مهمة وخطيرة مع السيد سعود العرفج، بصفته صاحب شركة ذات خبرة طويلة وعميقة في مجال مقاولات التنظيف ومعالجة النفايات. ولا أشك أن مضمونها، وما ورد فيها من تحذيرات، مر على مسؤولي النظافة والحكومة والجهات الأهلية والرسمية المعنية بالبيئة مرور الكرام، دون أن يهتز جزء ولو صغيرا من صرصوخ آذانهم، وكأن الأمر لا يعنيهم من قريب ولا من بعيد ولا حتى بين بين، فالجميع مشغول بحمى «خطة التنمية» وكيفية «الهبش» منها بأسهل الطرق وأكثرها فعالية!!
يقول السيد العرفج إن الكويت تنام على قنابل صحية موقوتة توشك أن تنفجر في أي يوم، تتمثل في مرادم النفايات التي تحتوي عادة على نفايات منزلية وصناعية وكيماوية متنوعة، والتي تقوم حاليا شركات جمع القمامة بطمرها بشكل عشوائي وبطرق شديدة البدائية في مرادم محددة من الحكومة، علما بأن عملية الجمع والردم تكلف الدولة مبالغ طائلة سنويا، لكنها متخلفة، إضافة إلى أن المرادم تحتل مساحات شاسعة من الأراضي في بلد صغير المساحة بشكل مخيف، ويشكو مواطنوه من نقص الأراضي الصالحة للسكن وارتفاع أثمانها.
ويقول السيد العرفج إن الغازات السامة، التي تصدر عن هذه المرادم المطمورة بشكل عشوائي، تمثل خطرا حقيقيا على الصحة، وانه سبق ان أطلق التحذير تلو الآخر ولكن لم ينصت إليه أحد!! ربما لأن الجميع مشغولون في هذه الأيام بخطة التنمية، ولأننا نعيش في دولة اللاتخطيط، فاليوم «شراب فيمتو» أما الغد فأمر آخر.
نكتب ونعيد ونكرر الكتابة في مثل هذه المواضيع لعل وعسى أن يتنبه أحد ما للبيئة والإنسان ضمن برامج وخطط التنمية القادمة التي يبدو أن هذين الأمرين الحيويين لا يعنيان للمسؤولين عنها شيئا. والغريب، أو ربما من الطبيعي، أنه في اللحظة التي نكتب فيها مقالنا هذا تعلن «دبي»، التي لا تزال وستبقى رائدة في مجالات كثيرة، أكبر انجاز حديث على مستوى الشرق الأوسط يتعلق بمعالجة النفايات الصلبة وتدويرها، والذي سينتج عنه القضاء على مخاطر التلوث وخفض نسبة انبعاث الكربون، وفي مرحلة تالية إنتاج وقود بديل لاستخدامات الطاقة الكهربائية وإنتاج مواد البناء المختلفة واستصلاح الأراضي البور، وكل ذلك من نفايات، نصر نحن في الكويت على طمرها بطرق بدائية، لنقوم بعد ذلك ببناء مناطق سكنية عليها، لتنبعث منها بعد بضع سنين غازات سامة، فيشتكي سكانها لنوابهم ليهدد هؤلاء الوزير المعني بالاستجواب، ليسعى، تجنبا للاستجواب، الى التعويض على أصحاب المنازل وإسكانهم في مناطق أخرى ومعالجة مصادر انبعاث الغازات بعشرة أو عشرين ضعفا مما يمكن صرفه الآن لمعالجتها، لكي يعاد تأهيل المنطقة للسكن!!
وهكذا دواليك، أنت يا سيدي أبو خطة تنهب ونحن نجري ونهلل حواليك!

أحمد الصراف

احمد الصراف

بنك HSBC في الشرق الأوسط

يعتبر مصرف HSBC واحدا من أكبر مصارف العالم، وتعني الحروف الأولى من اسمه «المؤسسة المصرفية لهونغ كونغ وشانغهاي».
بدأت قصة نجاح هذا البنك عام 1959 عندما قام بشراء كامل حصص الملكية في البنك البريطاني للشرق الأوسط، وكانت تلك تذكرة دخوله لواحد من أسرع أسواق العالم نموا.
تأسس البنك البريطاني في لندن عام 1889، وكان اسمه حينها «بنك فارس الأمبريالي» أو The Imperial Bank Of Persia، وأسسه البارون جوليوس دي رويتر، مؤسس وكالة أنباء رويترز الشهيرة، والذي حصل على حقوق الامتياز لمصرفه من شاه إيران لستين عاما، يحق له خلالها طبع وإصدار عملة البلاد الوطنية والعمل كبنك للإمبراطورية الفارسية، وصدر له ترخيص من الحكومة البريطانية وقتها بهذا الشأن، وتمكن البنك في الفترة من 1889 وحتى 1920 من فتح 26 فرعا في مختلف المدن الإيرانية. وفي الفترة من 1930 وحتى نهاية أربعينات القرن الماضي شهد البنك تغيرات عدة، حيث تنازل عن حق إصدار العملة الوطنية لـ «بنك ملي» الحكومي. كما غير اسمه إلى «بنك إيران الإمبراطوري»، بعد أن ألغت الحكومة تسمية فارس واستبدلتها بــ«إيران» الأكثر تمثيلا لبقية فئات الشعب. وفي عام 1949 أجبرت الحكومة الإيرانية البنوك الأجنبية على التنازل عن %55 من ملكيتها لبنوكها. ثم تبعت ذلك بقرار منع البنك من تداول النقد الأجنبي فلم يجد أصحابه بدا من إغلاق أبوابه في طهران عام 1951، ولكن ليس قبل أن يحتاط لنفسه ويتوقع مثل هذا اليوم، حيث قام بفتح فروع عدة خارجية في الكويت عام 1942، والبحرين 1944 ودبي 1946 وبعدها في مسقط وبيروت ودمشق وعمان، وهذه التغيرات حصلت جميعها تحت تسمية «البنك البريطاني لإيران والشرق الأوسط»، وأزيل من الاسم «إيران» بعد خروج البنك منها عام 1952.
ومع سيطرة HSBC على البنك البريطاني قام بالتوسع أكثر وفتح فروعا في السعودية والشارقة وأبوظبي والعراق وتونس والمغرب وليبيا وعدن، وهذا أتاح له العودة لإيران، وإن لفترة قصيرة، حيث أممت المصارف الأجنبية جميعها عام 1979. كما أجبرها التأميم على ترك دول عديدة أخرى بعدها مثل سوريا، العراق، عدن، ليبيا وفي العديد من الدول النفطية. ودخلت في مشاركات فعالة في السعودية ومصر، ولا تزال.
وفي عام 1994 قام البنك بنقل مركزه الرئيسي لجزيرة جيرسي البريطانية، وغير اسمه في عام 1999 ليصبح SHBC للشرق الأوسط.
قد لا تعني هذه المعلومات الكثير للبعض ولكنها تتضمن حنينا لزمن مضى، خاصة لأولئك المصرفيين القدماء من أمثالي، ومن لا يزال على قيد الحياة من موظفي البنك البريطاني للشرق الأوسط، والذين لا بد أن يكونوا في التسعينات من أعمارهم!

أحمد الصراف

احمد الصراف

في المخيف والمؤلم.. والمضحك!

أكرمني ثلاثة من أعضاء المجلس الأعلى للبترول باتصالهم، هاتفيا أو عن طريق الإنترنت، لبيان مواقفهم من مقال الأربعاء المتعلق بوجود تضارب مصالح وتنفع من عضوية البعض منهم من عقود مع المؤسسات البترولية التابعة للمجلس، وهي «الفضيحة» التي فجرتها إجابة وزير النفط عن سؤال النائب أحمد السعدون!
وتبين من اتصالات الإخوة، التي اتسمت بقدر كبير من الأدب، أن في الأمر، كما سبق أن ذكرنا باقتضاب، ما يثير الاستغراب! وأن سؤال النائب السعدون كان ملغما بقصد، وإجابة الوزير أكثر تلغيما بقصد آخر، كما أن تأخير الإجابة لسنة لم يكن عبثا، بل لغرض محدد، وان في الأمر صراعا على عمولات ضخمة وعقود بمليارات الدولارات، وربما تسوية حسابات داخل الأسرة، ورغبة هذا في الحفر لذلك وتوريطه، والعكس! وبالتالي دفع أعضاء المجلس الأعلى، أو بعضهم على الأقل، ثمن هذه الصراعات التي قد يكونون بعيدين عنها. وحيث إننا لسنا في حل من ذكر كل ما سمعناه، فان الوزير كان على علم، أو يجب أن يكون على علم، بأن قانون عضوية المجلس الأعلى للبترول لا يمنع أعضاءه ولا يسمح لأعضائه بأن تكون لهم تعاقدات مالية مع المؤسسات التابعة له. كما أن الوزير، الذي وصف في بعض المواقع بالشجاع لكشفه «الفضيحة»، كان على علم أيضا بحقيقة أن الأعضاء، المحيلان ومعرفي وبودي والهارون، سبق أن قدموا استقالاتهم المسببة من المجلس منذ فترة، وتوقفوا بالتالي عن حضور اجتماعاته! إضافة الى ذلك، فإن الوزير المعني كان في الأغلب على علم بأن إجابته تضمنت معلومات خاطئة عن بعض العقود الإدارية، لواحد من الأعضاء على الأقل، وأن هذا العقد أو العقود أبرمت قبل تاريخ العضوية في المجلس الأعلى!
وبالتالي، فإن التلاعب والتكتيك كانا السمة السائدة للسؤال والجواب، وربما تم اختيار أعضاء المجلس، أو غالبيتهم، ليكونوا ك.بش فداء في صراع الكبار. ومن هنا نرى أن الوزير الشيخ أحمد العبدالله، ربما اخطأ في تعمده عدم تحصين إجابته بما يكفي من معلومات عن النظام الأساسي لإنشاء المجلس الأعلى للبترول، وكونه جهة استشارية، وليست تنفيذية. كما تعمد عدم تضمين إجابته ما يفيد بأن بعض العقود موضوع السؤال والجواب تمت الموافقة عليها من المجلس الأعلى، الذي يرأسه رئيس مجلس الوزراء. كما تعمد عدم التطرق، وبعد وقت كاف، الى تفاصيل العقود، وان بعضها تمت ترسيتها قبل أن يصبح المستفيد منها عضوا في المجلس. وربما أيضا تعمد عدم توضيح أن بعض الأعضاء «المتهمين» بالتربح من عضويتهم قد استقالوا من المجلس منذ سنة، والبعض الآخر لأكثر من ذلك.
وعليه، نتمنى على مجلس الوزراء، إن كان جادا في محاربة الفساد، أن يقوم في أسرع وقت بتشكيل لجنة تحقيق في موضوع السؤال والجواب وعقود أعضاء المجلس مع الشركات التابعة له، ليضع حدا لكل هذا اللغط، وسوء الفهم والاتهامات وتشويه سمعة الآخرين، التي ساهمنا بنصيبنا فيها، وهذا يتطلب منا الاعتذار إن كنا أسأنا الى أحد، فالجميع أبرياء إلى أن تصدر لجنة التحقيق أو القضاء أو أي جهة محايدة أخرى حكمها.
وفي الختام، دعونا نفكر في الفقرة التالية التي كتبها السيد محمد حمود الهاجري، عضو المجلس الأعلى للبترول، في مقال له في القبس بتاريخ 2010/7/18: أن يكون السؤال النيابي ملغوما، فهذا امر طبيعي، لكن جواب الوزير العبدالله، توقيتا ومحتوى لم يدافع او ينف اي شكوك او تقصير بالجهة تحت المساءلة! بل سلم رقاب المقصودين بالسؤال وأقر علانية بتقصير اجهزته! فهل هناك تواطؤ ما لهدف ما..؟! إذا لم يكن كذلك، فاعتراف الوزير بهذا الخطأ الفادح يستوجب المساءلة، فهو قد يكون شريكا بسكوته وتسهيله لأعضاء المجلس الاعلى للبترول الاستفادة من مناقصات المؤسسة وشركاتها، مقابل اسكات الاعضاء وشراء ودهم!
وهذه الفقرة تتطلب ردا وتوضيحا من بقية أعضاء المجلس!

أحمد الصراف