احمد الصراف

المهاجر المجهول

هذه كلمات كتبها مواطن مصري هاجر إلى أميركا، ونشرها على الإنترنت، ولطرافتها قمت بنقلها هنا بتصرف: «… علمتني أميركا أن أنام بدري لكي أصحو بدري، لكي أتوجه لعملي بدري، لكي أؤدي عملا أستحق عليه راتبي. وتعلمت في أميركا أن العمل عبادة قولا وفعلا، وأن ‏الشعوب الكثيرة الكلام والشعارات لا يوجد لديها وقت للعمل والإنتاج، و‏تعلمت في أميركا ومارست لأول مرة في حياتي العمل التطوعي لمصلحة المجتمع الذي أعيش فيه، وأن التبرعات إلى جانب العمل الخيري هما من دعائم المجتمعات الإنسانية، وأن التبرعات ممكن أن توجه لأعمال كثيرة، ولا تقتصر على إنشاء دور العبادة، ورأيت جامعات ومستشفيات بنيت بأموال تبرعات من أغنياء ومتوسطي الحال.
و‏تعلمت في أميركا أن قيمتك في المجتمع نابعة من عطائك وعملك ومجهودك وثروتك الناتجة عن العمل، ولم أسمع شخصا طويلا عريضا يصرخ ويقول لك: إنت عارف إنت بتكلم مين؟ وإذا سمعتها فلا بد أن قائلها من رجال العصابات. لم يسألني أحد في أميركا: إنت إبن مين في مصر أو في أميركا، ولم يسألني أحد عن ديانتي أو شهادتي أو اصلي وفصلي، السؤال الوحيد الذي كان يوجه إلي يتعلق بطبيعة عملي وطريقة كسبي لعيشي. وعندما قررت ابنتي السفر لأوروبا للدراسة، عملت لستة أسابيع في الصيف لتسدد لي ثمن التذكرة، وعلمتني درسا آخر عندما شاهدتها تعمل في محل ستاربكس، ‏وتقوم بخدمة الزبائن وغسل الأطباق وتنظيف المحل، تأثرت للحظة على ما اعتبرته بهدلة لابنتي، ‏بمفهومي القديم، ثم ما لبثت أن شعرت بالفخر، لأنها فعلت ما لم أستطع فعله وأنا في سنها، وقمت بإعطائها «‏بقشيش» ‏خمسة دولارات مقابل فنجان قهوة ثمنه دولاران ونصف الدولار، وتعجب زملاؤها في المحل، وقالوا لها ‏الراجل ده ساب بقشيش خمسة دولارات على فنجان قهوة، فردت ابنتي قائلة: ‏ما تستغربوش أصله أبويا‏! وتعلمت في أميركا أن أحترم العمل اليدوي والعامل، مهما كان بسيطا، وتعلمت أن أخدم نفسي في البيت والعمل، وأن أتواضع إذا حضرت اجتماعا في الشركة مع الرئيس، فلا يمكن أن تميزه عن أي عامل إن لم تعرفه من قبل، فلكل واحد دوره في الاجتماع. كما تعلمت أن الحظ لا يطرق سوى أبواب المجتهد، وأن أفخر بعملي وأحبه‏، ‏تعلمت أن الكذب هو بوابة الشرور، وأن الصدق منجاة، وأن الإنسان صادق حتى يثبت كذبه، وانني مواطن حقيقي لأنني أشارك في اختيار الرئيس وكل المسؤولين من بعده في ولايتي، واشعر أن ما أدفعه من ضرائب يعود لي في شكل خدمات متنوعة، وان أميركا ليست الجنة على الأرض، ولكن أهلها يسعون إلى أن تكون كذلك، وهم يخطئون حينا ويصيبون أحيانا أخرى، ولا يخشون الاعتراف بأخطائهم. كما تعلمت في أميركا أن المرأة نصف المجتمع بحق، وأنها قد تكون مفترية على الرجل أحيانا ربما للانتقام لبنات جنسها المقهورات في بلاد أخرى، وأن أميركا تفوقت بعلمها وابتكار أبنائها عبر مائتي عام، وتعلمت أن الفرق بين التخلف والتقدم هو في التعليم وتشجيع التفكير الحر والابتكار، وعندما زرت بعض الجامعات الأميركية، ودخلت معاملها وتعاملت مع طلابها وطالباتها عرفت سر قوة أميركا، وأن الأقليات هم جزء من نسيج أي وطن، وأنها لم تصل بعد إلى كل ما تصبو إليه في القضاء على التفرقة العنصرية، وتعترف بأنها مازالت موجودة، لقد تم إنجاز الكثير في طريق القضاء عليها، وما اختيار أوباما رئيسا إلا أكبر دليل على هذا.
و‏تعلمت في أميركا أن القوانين سنت لكي تطبق على الجميع، وأن الذين يشرعون منتخبون، وأن القائمين على تنفيذها موظفون في خدمة الشعب، و‏تعلمت أن الفساد موجود في أميركا، ولكن المجتمع يحارب الفاسد ولا يرحب به! وتعلمت أن أحب أميركا، وان أخلص لها، فقد أعطتني أكثر مما أعطيتها.
* * *
ملاحظة: أرسل الشاعر حمود البغيلي رسالة هاتفية يطلب منا عدم النقل من الإنترنت، فأجبته بأخرى قائلا: لست بحاجة للنقل من الإنترنت فلدى محرر القبس 15 مقالا للنشر، وبالتالي لست بحاجة للنقل، ولكن إن رأيت نصا جميلا على الإنترنت يستحق مشاركة القراء فيه، فما العيب في ذلك؟ ولم يرد العزيز حمود علينا حتى الآن!

أحمد الصراف

احمد الصراف

البغدادي والإخوان المسلمون

لم يخف. كتّاب جماعة الإخوان المسلمين، الفرع المحلي التابع للتنظيم العالمي للإخوان، عدم زعلهم لغياب الأستاذ الكبير أحمد البغدادي. كما اتسمت تعليقات البعض منهم بالحمق الواضح، لأن الفقيد كان لهم بالمرصاد في أكثر من ميدان، ولم تكن كلمات أحد تؤلمهم ككلماته لأنه كان يعرف «خمالهم» وسوء نواياهم وتعطشهم للسلطة والمال بعد ذلك. وهنا نعيد نص مقال سبق أن كتبه المرحوم البغدادي قبل فترة في جريدة «السياسة» بعنوان «جماعة الإخوان المسلمين، جماعة فاشلة بامتياز»:
«.. وضعت أميركا حركة «حماس» ممثلة جماعة الإخوان المسلمين في مصيدة الانتخابات، ووصلت إلى رئاسة الحكومة الفلسطينية. وقبل ذلك وصلت جماعة الترابي ممثلة الإخوان المسلمين في السودان إلى السلطة عن طريق البشير ومن قبله. وفشلت حركة حماس والترابي في القيام بمهام الحكم بنجاح. وقد انتهت التجربة السودانية إلى عزل الترابي عن الحياة السياسية، وفشلت حركة حماس في القيام بمهام الدولة. وها هو الشعب الفلسطيني يتضور جوعا ويقتتل أبناؤه في الشوارع للمرة الأولى في تاريخهم بفضل سوء إدارة «حماس» لأمور الدولة الوهمية التي لم تخلقها أميركا بعد، والله انني لفرح ومسرور لهذا الفشل السياسي، لأنه يحمل بشائر للمستقبل فيما لو فكر أي شعب عربي غبي بتسليمهم السلطة، لأن نصيبهم سيكون الفشل ثم الفشل، ولأن هذه الجماعة لا تنجح إلا في بناء مجتمع شحاذين وطماعين يبحثون عن المال من أجل المال فقط.
الفشل السياسي لحركة حماس ومن قبلها جماعة الترابي دليل واضح على أن هذه الجماعة التي تأسست عام 1928 لا تستطيع سوى إقامة جمعيات خيرية لتنفيع وجذب الاتباع على غرار ما تفعله الجمعيات الخيرية التبشيرية النصرانية، مع اعتبار حقيقة أن الجمعيات المسيحية تعمل الخير لوجه الله تعالى، ولا تبحث عن سلطة أو نفوذ داخل المجتمع، كما هو حال جماعة الإخوان المسلمين في السودان وفلسطين ومصر ودول الخليج.
ولقد أثبتت حركة «حماس» أن الفكر الديني المصطبغ بالأيديولوجية السياسية لا يمكن له أن يقوم بواجبات الدولة، ليس فقط كونه لا يملك الزاد التراثي في مجال علم الدولة، بل لكونه أيضا أعجز من أن يوفر لقمة نظيفة للفقراء. لقد اعتقدت حركة حماس أن الوصول إلى السلطة والقيام بمتطلبات الدولة مثل إدارة جمعية خيرية، وحين وصلت خاب أملها وأمل أتباعها، حيث لم يحصدوا إلى الآن سوى الفشل تلو الفشل، والحمد لله على ذلك حمدا كثيرا على فشلهم السياسي. وحركة حماس تحتج بالعقوبات الأوروبية والأميركية كتبرير لهذا الفشل، يا سبحان الله، يريدون المساعدات الأوروبية من دون الاعتراف بالاتفاقات الدولية التي عقدتها السلطة الفلسطينية، أي من دون الاعتراف بإسرائيل، ما هذا الغباء؟ لكن ليس من المهم أن يجوع الشعب الفلسطيني أو أن يقتتل الفلسطينيون فيما بينهم، بل المهم أن يخرج عليهم رئيس وزرائهم كل يوم ببدلة جديدة ويركب وزراء حماس سيارات المرسيدس الفارهة، وهذا كل ما يستطيعون الحصول عليه لمصلحتهم الخاصة، من دون ذكر تمتعهم بالمزايا الوظيفية، بالله عليكم، هل يدخل عقل عاقل وجود أكثر من عشرين وزيرا لدولة غير موجودة.. وفوق كل هذا شحاذة تعيش على إعانات الدول الخليجية والأوروبية والأميركية؟
من الواضح أن هذا الفشل السياسي سيكون خيراً وبركة على الشعوب العربية والإسلامية في المستقبل القريب، حيث يشهد الجميع فشل تجربة جماعة الإخوان المسلمين في الحكم، وأتمنى ألا يكون المسلمون على درجة من العناد بما يدفعهم للتبرير الكاذب لفشل هذه الحركة السياسي. وهذا الفشل المفرح يدل على أن الأمل لا يزال متاحا للأجيال العربية القادمة، خاصة في الكويت الآخذة في التحول لدولة طالبانية بموافقة ومباركة الحكومة الكويتية، ولكن بنسخة مودرن! وسينال الكويتيون أذى كبيرا من الجماعات الدينية في المستقبل القريب كما تنبأ وزير الإعلام السابق الشيخ سعود الصباح».

أحمد الصراف

احمد الصراف

زكية جورج

تعتبر زكية جورج أول امرأة تغني في الأماكن العامة، وكان ذلك في ثلاثينات القرن الماضي في بغداد. ولدت زكية جورج، واسمها الحقيقي فاطمة، في مدينة حلب السورية، ورحلت وهي صغيرة مع شقيقتها إلى بغداد للعمل كراقصة في ملاهيها الليلية، ولكن صوتها المميز سرعان ما جذب اليها الشعراء والملحنين فاهتموا بموهبتها، ومنهم أكرم أحمد، وكمال نصرت، الذي أُغرم بها كثيراً وخلدها في ديوانه الشعري. وقد غنت زكية في الاذاعة العراقية الكثير من أغانيها الشهيرة مثل: هذا مو انصاف منك، كلبك صخر جلمود، خدري الجاي خدريه، من الولف آه، وغيرها من الأغاني التي لا تزال تغنى حتى وقتنا الحاضر والتي كان لها صدى واسع الانتشار، وكانت في غالبيتها من ألحان الفنان الكبير «صالح الكويتي»، الذي رحل وأسرته الى إسرائيل في بداية الخمسينات وتوفي هناك.
وبعد سنوات حافلة بالفن والحب والطرب زادت على 30 عاماً، عادت في عام 1955 إلى مسقط رأسها حلب تاركة الغناء، لتعمل في حياكة الملابس حتى توفيت في عام 1966، ولولا الفقر والعوز لما عادت لوطنها لتعمل في مهنة شاقة كحياكة الملابس بعدما كانت ملء السمع والبصر لأكثر من ربع قرن. والغريب ان ما حصل لزكية، أو فاطمة، حصل مع غالبية فناني تلك الأيام، وحتى هذه الأيام، فقلة فقط تهتم بتنمية مواردها المالية عندما تكون في القمة معتقدة ان المال سيستمر في التدفق الى الابد. كما ان غالبية هؤلاء الموهوبين في مجال او آخر لا يفقهون عادة في الامور المالية، وخلفياتهم التعليمية عادة ما تكون متواضعة.
وتقول كلمات اغنية «هذا مو انصاف منك»، التي كانت الأكثر شهرة بين أغانيها، والتي لا يزال الآلاف يستمعون لها على اليوتيوب شهرياً:
هذا مو انصاف منك غيبتك هل كد تطول
الناس لو تنشدني عنك شرد أجاوبهم شكول
ألف حيف وألف وسفه مثل يخون وسفة
قلبي خليته يتجوه بنار هجرانك تلوه
هذا مو انصاف منك لا، ولا منك أصول
توالف العاذل بسرعه والوصل عني تمنعه
أظل كم دوب أكد وأسعى وغيري عل حاضر ينول

أحمد الصراف

احمد الصراف

كل صلع وأنتم بخير

انتشرت في السنوات القليلة الماضية «موضة» حلاقة كامل شعر الرأس والتظاهر بالصلع. وقد اتبعت شخصيا هذه الموضة قبل سنة تقريبا، لأنني وجدتها مريحة من ناحية، بعد أن تناقصت في رأسي المساحات السوداء، مع غزو البيضاء لها، وانحسار هذه أيضا مع الزمن تاركة صحارى جدباء تلمع، ومن ناحية أخرى وجدت أن الصلع يناسبني أكثر.
وأثناء تصفحي البريد الإلكتروني اليومي قرأت الرسالة التي تضمنت مجموعة من مزايا وفوائد إبقاء الرأس أصلع وعدم تغطيته بشعر مزروع أو مستعار. ومن المزايا أن الصلعة تعمل كمرآة عاكسة لأشعة الشمس، وبالتالي لا تتسبب في ارتفاع حرارة الجسم. كما أن إصابة الأصلع بجرح يتطلب إجراء تقطيب لا يحتاج الى عملية إزالة الشعر من منطقة الجرح وما حولها. كما أن الأصلع يسهل الاستدلال عليه وتمييزه بين الآخرين، مهما كان المكان مزدحما، وألجأ أنا شخصيا الى هذه الطريقة عندما يتطلب الأمر الالتقاء بشخص ما في مكان عام.
كما أن في البقاء من غير شعر توفيرا في استهلاك الشامبو والكريمات وصبغات الشعر والفراشي وأمشاط الشعر وآلات تجفيف الشعر، ولكن من جهة أخرى يستهلك الأصلع شفرات الحلاقة بوتيرة أسرع. كما يصعب القبض عليه عند ارتكابه لجريمة، حيث انه عادة لا يترك «شعرة» في مسرح الجريمة يمكن أن تدل عليه. كما أن الأطفال الرضع يتقبلون الرأس الذي لا يحمل شعرا أكثر من غيره. وعادة لا يكترث الأصلع لهبوب العواصف والرياح العاتية، فلا تسريحة يخاف عليها من التلف، كما أن زياراته للحلاق أقل، علما بأنني لم أذهب شخصيا للحلاق غير مرتين في الثلاثين سنة الأخيرة!! كما لا يكترث الأصلع عادة لسقوط المطر، فلا سيشوار ولا تجفيف شعر ولا ما يحزنون.
ويمكن القول بشكل عام ان زوجة الرجل الأصلع أكثر ثقة به من غيره، فشعورها بأن النساء لا ينجذبن عادة للرجال الصلع، وبالتالي تنعدم إلى حد كبير إمكانية سرقته من غريمة لها، ولكن يقال ان بعض النساء يملن للرجال الصلع أكثر من غيرهم، ولا نزال بانتظار تحقق مثل هذا الكلام الخرطي، والالتقاء بهكذا امرأة!
ومن مزايا الصلع أيضا أن تورطهم في عراك بالأيدي لن يؤدي لجرهم من شعرهم. ومن الصعب أن يصاب الأصلع بالثعلبة، وان ظهرت فلن يراها أحد. كما أنه محمي تماما من قشرة الشعر، بسبب الحلاقة شبه اليومية لفروة الرأس.
وعندما يكون الممثل السينمائي أصلع مثل يول براينر، وستيفان سفالس (كوجاك) وبروس وليس، فإنه عادة ما يحصل على أدوار مميزة كمجرم دولي ونصاب ونائب في البرلمان ورئيس شركة استثمارية مساهمة.
وبالرغم من أن النسر الأميركي يشتهر بصلعته، الا أن الأمر ذاته لم يعرف عن الخروف الأسترالي ولا الثور الهولندي ولا الحمار القبرصي!!

أحمد الصراف

احمد الصراف

مات صاحب الضمير والنفس الأبية

تعود معرفتي بالصديق المرحوم أحمد البغدادي الى سنوات طويلة. وفي عام 1999، وبعد أن توطدت صداقتنا فكريا وعرفنا طينة بعضنا، قدم لي مخطوط كتاب جديد له بعنوان «تجديد الفكر الديني.. دعوة لاستخدام العقل» وطلب مني مراجعته والتعليق عليه، وبعد أسبوع أعدت له المخطوط طالبا منه إعفائي، لاعتقادي أن المراجع وكاتب المقدمة يجب أن يكون أكثر علما ومعرفة من المؤلف، أو على الأقل مساويا له، في موضوع الكتاب! وبما أنني لست هذا ولا ذاك، فلن أكتب مقدمته، وعليه نشره كما هو، فمد يده شاكرا ولم يقل شيئا! وعندما أبلغني الصديق طالب المولى بخبر وفاته تذكرت تلك الواقعة، وشعرت، ولا أزال أشعر، كأن شيئا مني قد مات!
إن رحيل هذا الرجل الكبير، قامة ومقاما، سيترك فراغا لا أعتقد أن أحدا من «مفكري» الكويت وكتابها وأدبائها وسياسييها يستطيع ملأه بسهولة، فقد كان أبو أنور فريدا في مكانته متحدثا جيدا وصاحب مقال صحفي ورأي واضح وحر، وباحثا متعمقا ومؤلفا متمكنا، والأهم من كل ذلك، وهذا ما لا نجده في غالبية أو كل زملائه الأكاديميين وحتى رفاق دربه، هو وضوح مواقفه السياسية والعقائدية والدينية، وثباتها في العشرين سنة الأخيرة، وهي الفترة التي عرفته في الجزء الأعظم منها.. عن قرب!
قد لا يكون أحمد البغدادي الوحيد الذي يستحق لقب «مفكر كويتي»، ولكن مكانته أكبر من أن تختزل في مقال أو خطبة أو مرثية تُقال أو لقب يُمنح، فقد كان قمة في أشياء كثيرة، وكان يتسم بجرأة نادرة وشجاعة في قول الحق من دون تردد، وكان صاحب موقف، فقد رفض بكل إباء مختلف المغريات والعروض المادية التي لم يستطع الآخرون، الأكثر غنى منه، مقاومتها، وكنا نتشاور في العروض التي كانت ترده بالظهور على هذه القناة أو بالكتابة في تلك الصحيفة، وكنا نشد من أزر بعضنا في رفض تلك الإغراءات!
ربما لا يعرف الكثيرون عن البغدادي سوى أنه كاتب مقال صحفي جريء، وكان في السنوات الأخيرة يكتب في جريدة السياسة، التي منحته هامش حرية يليق بمكانته، ولكن عندما يأتي اسم الكويت في أي حفل سياسي أو منتدى أو تجمع ثقافي يطفو اسمه على السطح، فهو المدافع الإنساني والكاتب الليبرالي والداعية العلماني والملتزم والأكاديمي، وسجين الرأي، الوحيد ربما، والحقيقي، في تاريخ الكويت، وفوق هذا كان متدينا لا تفوته صلاة ولا شهر صيام، ولم تعرف الخمرة طريقها لجوفه، ولسنا هنا في معرض مدحه أو ذمه، بقدر أهمية تبيان ذلك لكل أولئك الذين كالوا له مختلف التهم وأساؤوا اليه بشتائمهم وطعنوا في شخصه ومعتقده وصحة تدينه، ولم يترددوا في تكفيره وملاحقته وتلفيق مختلف التهم له وايذائه في أهله ورزقه، لا لشيء إلا لأنه كان يوما منتميا، حزبيا، لهم، وكان بالتالي يعرف «خمال سلفهم» و«ألاعيب إخوانهم» ومداهناتهم وتلفيقاتهم المشبوهة.
أحمد البغدادي لم يكن كاتبا صحفيا عاديا، بل كان «ادوارد سعيد» الكويت، ولم يكن باحثا عاديا في التراث، بل «محمد عابد الجابري» الكويت، ولم يكن متحدثا ومفكرا فقط بل كان أيضا «أدونيس» الكويت، ولاشك أن من كانوا يعارضونه وينتقدونه من المتأسلمين يشعرون الآن كم هم صغار أمام حجج ومواقف هذا الرجل الذي لم تستطع كل أموالهم شراءه بأي ثمن.. فسلام عليك يا صديقنا الكبير أينما تكن.
< كتاب «تجديد الفكر الديني»، ممنوع تداوله في الكويت ولكن مادته تدرس في جامعة تونس.

أحمد الصراف

احمد الصراف

«آني أخو الراقصة لهاليب»

ولد الكاتب العراقي يونس حنون في عام 1958 وعمل طبيب أمراض باطنية، وللشك في ولائه لنظام صدام صدر أمر بمنعه من السفر حينها. وبعد انهيار حكم حزب البعث بدأ في الكتابة النقدية والساخرة، ولكن جهات متطرفة عدة طلبت منه التوقف عن الكتابة وإلا تعرض لتصفية جسدية، فهرب بجسده وعقله من الأحزاب الدينية ليعيش متخفيا في العاصمة الأردنية! ويمكن الإطلاع على مقالاته في موقع «الحوار المتمدن»!
كتب يونس حنون مقالا بعنوان «والله العظيم آني كافر» روى فيه قصة قريب له قبض عليه في عهد صدام بتهمة «التدين العلني»، أي الصلاة علانية كلما رفع الأذان! ومن كان في مثل وضعه وقتها كان يتهم بأنه إما تابع لحزب الدعوة وإما منتم للإخوان المسلمين، وكلا الانتماءين كان كفيلا بإرسال صاحبه للآخرة بتذكرة «ون وي». وقال ان قريبه أرسل للمعتقل وهناك سأله المحقق عن صحة التهمة فرد قائلا: سيدي صدقني، والله العظيم آني كافر!! فضحك المحقق من المفارقة في كلامه وتأكد بعدها أن التهمة ملفقة وأنه بريء، وأطلق سراحه، ولكن ليس قبل أن ينال «بسطة عراقية» مرتبة تخللتها بضع لكمات في المعدة وما تحتها و..، وإهانة كرامته، لكي يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على أي أمر يسيء للنظام.. إلى آخر المقال الطريف الذي يروي فيه طريقة معيشة قريبه بعد خروجه حيا من الاعتقال والتحقيق! وقد ذكرني عنوان مقاله المتناقض بنكتة قديمة عن رجل تورط في حادث مرور وما ان ترجل من مركبته حتى بدأت المعركة الكلامية بين الطرفين، وما ان بدأ التشابك، حتى توقف فجأة صاحب السيارة الثانية عن الصياح وتفرس في وجه صاحبنا متسائلا: «لحظة.. بالله عليك، ألست أنت أخو الراقصة «لهاليب»؟ وما ان سمع صاحبنا هذه «التهمة» حتى بدأ بلكم الآخر وتمزيق ملابسه دفاعا عن شرفه! تدخل هنا شرطي وسأل عن القصة، وأثناء قيام صاحبنا بالشرح قاطعه الشرطي متسائلاعما اذا كان هو شقيق الراقصة «لهاليب»! فاستشاط هذا غضبا وخرج الشرر من عينيه على الإهانة، ووجه لكمة قوية لأنف الشرطي الذي بدأ ينزف، وتصادف وقتها مرور ضابط دورية ففرق الجموع وسأل عما يجري، فبدأ صاحبنا بشرح طريقة وقوع الحادث وكيف أن خصمه والشرطي اتهماه بأنه(..) وهنا قاطعه الضابط وسأله عما إذا كان هو شقيق الراقصة «لهاليب»؟ فلم يتمالك صاحبنا نفسه ووجه لكمة قوية الى بطن الضابط الذي سقط على الأرض يتلوى من الألم، فتدخل جنود الدورية واعتقلوا الرجل ورموا به في السجن. وهناك سأله مأمور السجن عن تهمته، فقام هذا بشرح مشكلته، فقاطعه المأمور متسائلا عما إذا كان أخا أو قريبا للراقصة «لهاليب»؟ فلم يتمالك هذا نفسه من تسلق مكتب المأمور والقفز عليه يريد الفتك به، فتدخل الحراس وأشبعوا صاحبنا لكما ورفسا في كل أنحاء جسمه ورموه في زنزانة انفرادية ليبقى فيها إلى الأبد بعد حرق ملف قضيته!
مرت على صاحبنا سنوات وهو في معتقله، طالت لحيته خلالها بشكل كبير. وفي أحد الأيام سرت إشاعة بأن الحكومة تنوي القضاء على الجماعات الدينية، ولصعوبة التفريق بين المتهم والبريء منهم، قررت، اختصارا للوقت والجهد، إعدام كل صاحب لحية طويلة. لم يهتم صاحبنا بالخبر، فمن في السجن سيبقى في السجن، ولكن في فجر يوم تعيس اقتحمت القوات الخاصة السجن وبدأت بجرجرة كل صاحب لحية طويلة وكان من بينهم صاحبنا الذي سمعه الجميع وهو يصيح: «يا جماعة آني مظلوم، ما إلي دخل بالجماعات الدينية، اسألوا عني، آني أخو الراقصة لهاليب»!!

أحمد الصراف

احمد الصراف

نقطة فاصلة وليست نقطة تحول

أجرت الـ«إم بي سي» لقاء معي قبل عام تقريبا، من خلال برنامج «نقطة تحول». وردا على سؤال مقدمه عن أهم نقطة تحول في حياتي قلت إنها كانت في عملي في بنك الخليج في منتصف ستينات القرن الماضي.
واليوم وبعد مرور سنة على بث ذلك البرنامج، الذي اختزلت ساعات تصويره الى دقائق بث لم تزد على 45 مع الإعلانات، بسبب الكثير من المحاذير الخاصة بالمحطة، وما صرحت به في البرنامج من آراء، وعندما أفكر بـ«نقطة التحول» تلك أجدها الآن غير ذلك، فلم أكن أعمل عملا محددا لأتحول منه لعمل آخر، بل كنت عاطلا عن العمل وفاشلا في دراستي ومدرستي التي قررت تركها لعدم اقتناعي بطريقة التدريس التقليدية التي كانت تجري بها، فقد كانت أول مدرسة ثانوية تجارية من نوعها في الكويت، ولكنها كانت من غير منهج ولا كتب، وغالبية مدرسيها من غير المتخصصين في ميدانهم، وبالتالي تركتها في سنتها الثانية أو الثالثة بحثا عن العمل، فوجدت عدة فرص، ولكن العمل في البنك هو الذي استهواني أكثر، وكان ذلك الاختيار نقطة مفصلية، وليس نقطة تحول، في حياتي، فلو كنت التحقت بأي عمل آخر، والعمل الحكومي كان هو البديل الآخر المتاح، لتغيرت حياتي رأسا على عقب.
والآن وبعد قرابة نصف قرن على ذلك التاريخ، وعندما أجلس وأفكر أو اكتب مقالا أو التقي بصديق أو زميل من تلك الأيام اكتشف كم كانت ثرية تلك التجربة وكم جعلني قرار عادي وعفوي بترك الدراسة سعيدا وليكون أفضل قرار اتخذته. فالسنوات الـ 16 التي قضيتها في البنك لم تكن سعيدة فقط بل وثرية في إنسانيتها ومعارفها وصداقاتها، من الجنسين، علما بأنني حصلت خلال تلك الفترة على شهاداتي الدراسية ووضعت اللبنات الأولى لأعمالي التجارية، والأهم من ذلك التقيت فيها بشريكة حياتي، وأنجبنا جوانا ومحمد وطارق، وفوق كل ذلك جمعت ثروة هائلة من الصداقات الجميلة التي ستبقى ذكراها معي ما حييت، وإن أنس لا أنسى المرحوم عبدالمحسن بوقريص، الذي كان له الأثر الجميل في حياتي، ولن أنسى أيادي المرحوم حسين الأمير البيضاء، ولا كرم الفقيد رجب بولند، والشاب خالد العمر الدرباس، ومن الأحياء صديق العمر يعقوب الجوعان، ويعقوب مال الله، وغسان حداد، وصقر الغانم، وطبعا الكبير هشام السلطان، والمرحوم اللواء محمد الحمد، ويوسف العوضي ومحمد عبدالعزيز العلي ومحمد عبداللطيف المطوع وأبو سعيد «اسماعيل دشتي»، واسماعيل السيد نابل، وصديق العمر والشريك الآخر سمير رحال، والمئات غيرهم الذين لا يتسع المجال لذكرهم جميعا ولا يقلل ذلك من قيمة أي منهم عندي.
سنوات جميلة مضت، وأملنا في سنوات أكثر جمالا، فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.

أحمد الصراف

احمد الصراف

حيبر طلوني

قمت وصديق بالتباحث مع جهة فنية في بلد عربي لتكليفها بإنجاز مشروع ما مقابل أتعاب محددة. وعند الانتهاء من التفاصيل وبعد تحضير الاتفاقية للتوقيع النهائي، وبعد مراجعة محامي الطرفين لكل بنودها، اكتشفت وصديقي أن أحد بنودها ينص على أن يتحمل الطرف الاول -اي نحن- كل الرسوم والبراطيل والرشاوى التي يقوم الطرف الثاني بدفعها لمختلف الأطراف الأخرى المعنية بإنهاء إجراءات المشروع الإدارية! وهنا نظرت وصديقي بعضنا لبعض بدهشة ورفضنا التوقيع على العقد، لأنه كفيل بـ«خراب بيوتنا»، فنحن هنا مطلوب منا توقيع اتفاقية تحتاج إلى حمل طابع رسمي لتصبح قانونية، والموافقة على بنودها بذلك البند الغريب يشكل صك إدانة واضحا بحقنا، متى ما أرادت أي جهة الإضرار بنا! وهنا ضحك الطرف الأول بصوت عال وطمأننا بأن الموضوع «عادي وشرعي» ومنسجم مع «أصول التعامل في بلده». وهنا قام وأحضر ملفاً يتضمن عقوداً مماثلة لعقدنا وتحمل تواقيع أكبر القوم وأكثرهم دسماً، كدليل على ان الأمر عادي وليس فيه ما يريب!
لا أريد الاستطراد أكثر لحساسية الموضوع لجهة ما، ولكن ما أريد قوله إن الأمور في الكويت في طريقها لأن تصبح شيئاً يماثل وضع تلك الدولة، الذي لا يختلف كثيراً عن أوضاع بقية دولنا العربية والإسلامية المباركة، وسبب شكوكي اننا ونحن في الطريق، وردتني مكالمة من أحد مديري مصلحة تجارية كانت تخصني، وتخليت عنها، مع بقية المصالح الأخرى قبل فترة بسيطة، لرغبتي في التفرغ للكتابة، اتصل ليبلغني بأنه يواجه مشكلة مع إحدى الشركات الحكومية الكبرى، وانني سبق أن تدخلت قبل سنوات وحللت ما يماثلها مع شركة أخرى! وتتلخص المشكلة في أن حارس بوابة الشركة الحكومية التي تقوم المصلحة بتزويدها بالبضائع يرفض السماح لمركبات صاحبنا بتجاوز البوابة قبل دفع «المقسوم» أو الرشوة، وبخلاف ذلك، فإن على عمالها نقل البضائع على أكتافهم لمسافة طويلة إلى داخل المخازن! وكيف انه قام بالاتصال بمسؤول أمن تلك الشركة للشكوى على الحارس، فلم يلق تجاوباً، بل وجد تشجيعاً بضرورة تطييب خاطر الحارس وإعطائه ما يريد لأنه، حسب قوله، إنسان فقير ومؤمن!
من الواضح هنا ان هذا الحارس، بحكم تواضع عمله، لا يمكن أن يتجرأ على مثل هذا التصرف والمخاطرة في طلب رشوة لو لم يكن مطمئناً لوضعه، وبأنه لن يُطرد إن كشفت ألاعيبه، ولابد أنه مسنود أو رأى ما يماثل تصرفه ممن يرأسه الذي شاهد الأمر ذلك مع من هو أعلى منه، وهكذا حتى نصل إلى رأس الشركة!
نعود ونكرر.. إننا بحاجة إلى الأخلاق أكثر من حاجتنا إلى مظاهر التدين، وخاصة الكاذبة منها، فمن الصعوبة بمكان العيش في مجتمع بلا أخلاق، ولكن من السهل العيش في مجتمع بلا تدين! وأمامنا مثالان، دولنا الحبيبة والطيبة من جهة ومجموعة الدول الاسكندنافية.. من جهة أخرى!

أحمد الصراف

احمد الصراف

ما هي علاقتنا بالحضارة؟

تتمثل حضارة اي مجتمع في تقدمه زراعيا وتجاريا وفي توافر الوظائف المتخصصة، ووجود صور مدنية واضحة، كما تتمثل الحضارة غالبا في تقدم مجموعة عوامل اخرى كالمواصلات والانظمة الادارية والكتابية والنقدية والقضائية، والفنون الرفيعة والرياضيات والمعالم الجمالية كالنصب التذكارية، هذا ما ورد في احد المصادر، ولكني وجدت ان تعريف قاموس «التراث الاميركي»، الذي لفت الدكتور كامل النجار نظري إليه، اكثر دقة، حيث يعرّف الحضارة بأنها: حالة متقدمة من التطور العقلي والثقافي والمادي في مجموعة بشرية من علاماتها التقدم في مجالات الفن والعلوم وانتشار التدوين، بما في ذلك الكتابة، وظهور انظمة سياسية واجتماعية متقدمة.
ولو قمنا بتطبيق هذه التعريفات على بعض ما يطلق عليه «حضارات» لوجدنا ان عددا منها لا يستحق ذلك، فلا توجد حضارة هندوسية او بوذية او يهودية او اسلامية او مسيحية، بل توجد حضارات ترتبط بمناطق جغرافية محددة، وضمن شعب محدد، كالحضارات الفرعونية والبابلية والصينية والهندية وغيرها.
وبالتدقيق في تعريف قاموس التراث الاميركي American Heritage نجد ان التدوين هو من سمات الحضارة، وكمثال على ذلك كتاب Doomsday وهو كتاب مسح احصائي امر الملك «وليم الاول» في عام 1086 بتدوينه، لشكه في مستشاره المالي، لكي يتضمن حصرا لممتلكات رعيته من ارض وماشية ودواجن وغير ذلك، وتقدير قيمة لها لغرض فرض الضرائب العادلة عليها، وسبب تسميته بكتاب يوم الحساب او القيمة هو ان احكام الضرائب فيه نهائية وغير قابلة للاستئناف. ويعتبر المؤرخون هذا الكتاب الاول في تاريخ البشرية الذي يحدد من يملك ماذا، ويعتبر نواة نظام «حقوق الملكية».
كما توجد في كل الكنائس، شرقا وغربا، سجلات قيد يعود تاريخها لعمر ارشيف تلك الكنائس او اكثر حتى، وهي السجلات الخاصة بتوثيق عقود الزواج التي اجريت فيها، والتي يمكن العودة إليها بعد مئات السنين لمعرفة من تزوج، واسماء اقرباء كل طرف، وقد كانت هذه السجلات النواة التي بنى عليها الروائي ألكس هيلي قصته الشهيرة «الجذور»، حيث اصبح بإمكان احفاد المهاجرين الى اميركا العودة لمواطنهم الاصلية، سواء في اوروبا او افريقيا والبحث في سجلات الكنائس عما يتعلق بجذورهم، وهذا ما لا يمكن ان يحصل بين أغلبية مواطني الكويت مثلا، الذين هاجر اجدادهم من قرنين او اكثر الى الكويت من عدة مناطق، فأليكس هيلي لا يعيش بيننا، وعقود الزواج وحتى نصف قرن مضى لم تكن توجد ابدا، لاننا شعوب شفهية، والدليل ان اكثر كتبنا قدسية واحتراما لم يجر تدوينها الى بعد عقود عدة وبعضها بعد اكثر من 200 سنة كالصحاح الست، وغيرها الكثير.
كما توجد في انكلترا سجلات دقيقة لحالة الطقس ودرجات الحرارة يعود تاريخها لاكثر من 230 سنة، مع آلاف السجلات الاخرى الاكثر او الاقل قدما، والتي تحتوي على معلومات مهمة عن الطيور، انواعها وهجراتها والحشرات والنباتات والغلال والزهور بانواعها وحيوانات البيئة الاخرى وغير ذلك الكثير.
وعليه، فإن غياب التدوين لدى اي مجموعة بشرية يعني بصورة مباشرة غيابها عن الحضارة! ولا أعتقد ان البعض سيرضى بهذه النتيجة، بالرغم من ان غيابها ربما يكون في مصلحة صحتنا النفسية، لكي ننسى ما اقترفته ايدي الكثيرين منا من إجرام في حق بعضنا البعض طوال قرون عديدة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

ونحن أيضاً ما عندنا شرف

لأسباب فنية بحتة سبقنا الزميل العزيز عبداللطيف الدعيج في رفض العرض «السخي» الذي تقدم به النائب السابق وعضو مكتب حركة «حدس» الذراع المستترة لحركة الإخوان المسلمين في الكويت، التابعة للتنظيم العالمي للإخوان، والمتعلق بتوقيع ميثاق شرف بين «الصحافيين والإعلاميين وكتاب الزوايا وجميع العاملين في الحقل الصحفي والإعلامي»!
ولكن، قبل رفض العرض بصورة نهائية، دعونا نحدد أولا عدد المدعوين لتوقيع مثل هذا الميثاق، الذي يتكلم عنه السيد المهندس الدويلة. وبعملية حسابية بسيطة نجد أن الرقم يتجاوز الخمسة آلاف شخص من مختلف الشرائح والجنسيات والخلفيات والثقافات والديانات والانتماءات السياسية والعرقية والقبلية! كما يتطلب الأمر كذلك الوصول أو الاتفاق على تحديد ما يعنيه «الشرف»!! فقد تختلف قيم الشرف لدى الإخوان عنها لدى غيرهم، وهكذا، وهذا التفاوت الكبير في تفسير ما تعنيه الكلمة بدقة من مجتمع لآخر ومن جنسية لأخرى وحتى من بيت وما يجاوره، يجعل من العرض وعدمه سواء لاستحالة تطبيقه، وإن طبق فلا نضمن أن يلتزم به أحد، لأن لكل طرف تفسيره، فما الجدوى من مثل هذا الاقتراح الهلامي؟
ثم يبرر الزميل القسري اقتراحه بأن هذه الخطوة أصبحت ضرورية بعد أن انتشر الفجور في الخصومة، وأخذنا نقرأ عبارات غير موجودة في قاموس الأدب، واتهامات باطلة! وهذا قد يكون صحيحا، ولكن ألم يشارك السيد الدويلة اخيرا في نشر هذه اللغة التي يستنكرها الآن؟ ولماذا لم يبادر بطرح هذا الاقتراح عندما كان في الرؤية؟ ولماذا لا تتبنى حركة «حدس» الاقتراح، ولها ما لها من دلالة على جمعية الصحافيين وجمعيات «نهف عام» ومجلس الأمة والحكومة!
أنا يا سيدي، من ناحيتي، لست بخائف من الفجور في الخصومة مع غيري، ولا تهمني الكلمات التي تكتب في حقي والتي تفتقد قلة الأدب، فالأواني تنضح دائما بما فيها، ولا أكترث للطعن في ذمتي المالية، فأنا أعرف كم هي نظيفة، وليس لأحد عليّ فلس واحد، وآخر دين كان بذمتي يعود لعام 1966، ولم أتاجر بانتماءاتي السياسية ولم استغل حصانتي البرلمانية في تهديد الآخرين مقابل الحصول على بعض الامتيازات، ولم أساوم الحكومة يوما على عقد أو صفقة، وبيتي بناؤه صلب ولا أخاف أن يرمى بحجر، وشرفي، بأي تفسير تشاء، يعود أمره لي شخصيا ولا علاقة لأحد به، والقضاء هو الفيصل فيما بين من يسيء لي أو لأي من العاملين في حقل الإعلام بشكل عام، وبالتالي، من منطلق كل هذه المعطيات، أرفض اقتراحك، جملة وتفصيلا، ولا يهمني من يخوض في سيرتي فليس لدي ما أرغب في التستر عليه. أتمنى أن تكون رسالتي قد وصلت.

أحمد الصراف