سعيد محمد سعيد

كارثة الحقنة!

 

يبدو أن ملف «قرارك بيدك» الذي تناولت فيه «الوسط» القاء الضوء على حملة مكافحة المخدرات وتطرقت الى مشكلة المخدرات في البحرين يوم الثلثاء الماضي كان له أثر كبير في تحقيق تجاوب لا بأس به من جانب القراء، فبالإضافة الى رسالة الأمس التي نشرناها هنا والتي وردت من إحدى الأمهات، بعث أحد القراء، من سكنة الرفاع الشرقي، رسالة خاصة، رغب في ايصالها الى القراء.

يقول محدثنا الذي فضل أن نطلق عليه اسم «بوعبدالرحمن» ان لديه صديقاً عزيزاً، كانت تربطه به علاقة صداقة قوية منذ المرحلة الإعدادية، وقد تخرجا معاً وعملا في سلك العمل نفسه، إلا أن ذلك الصديق، وقع في شر أعماله عندما تعرف على مجموعة من الوافدات العربيات اللاتي عشن في البلاد لفترة ثم سافرن الى بلدانهن، ونظراً إلى تعلقه بإحداهن، كان يسافر اليها كثيراً. ساءت حاله وتدهورت حياته بسبب تلك العلاقة التي ثبت أنها ارتبطت بالكثير من الأعمال السيئة ومنها تعاطي المخدرات.

كان صديقي – والكلام لـ «بوعبدالرحمن» – يرغب في العودة الى حياته الطبيعية و خصوصاً بعد أن أصابه ما أصابه بسبب تلك العلاقة السيئة، والتي لا طائل من ورائها الا كارثة الحقنة والكيف المدمر. حاولنا مراراً وتكراراً أن نساعده ونثنيه عما هو مقدم عليه عندما أعلن أنه سيسافر ليتزوج من تلك الفتاة ويحضرها مرة أخرى الى البلاد، وقد نصحناه معارضين تلك الفكرة وخصوصاً أنه سيقترن بفتاة سيئة السمعة!

لم يأبه لنصائح القريبين وكان يسافر ويعود وهو في أسوأ حالاته بسبب إدمان المخدرات والكحول، وكانت حاله تسوء يوماً بعد يوم الى أن كان يوم الكارثة. وهو اليوم الذي اكتشفنا فيه اصابته بالايدز.

مات صاحبي قبل ثلاث سنوات، وهو واحد من المسجلين في كشوف المصابين بالايدز، تاركاً حسرة في قلوبنا على شاب له مستقبل طيب. والآن، يقول بوعبدالرحمن لكل الشباب: «احذروا رفقة السوء. واحذروا الفتيات المشبوهات واحذروا المخدرات فسلامتكم وصحتكم تهمنا والبلد بحاجة اليكم».

انتهت سطور رسالة بوعبدالرحمن، لكن معنى الرسالة لم ينته

سعيد محمد سعيد

الضحايا

 

في رسالة مؤثرة، تقول والدة أحد الشباب الذين لقوا حتفهم بسبب تعاطي إدمان المخدرات، انها فقدت ذلك الشاب في مرحلة من عمرها تشعر أنها بحاجة اليه كثيراً، وليست هي وحدها، فذلك الشاب الذي رحل مخلفاً حسرة عميقة، متزوج وله ابنة لم تتجاوز الثلاث سنوات، لكن، دمرت تلك العادة القاتلة كل الأحلام التي كانت الوالدة تحملها وكذلك الحال بالنسبة للزوجة والطفلة الصغيرة اليتيمة.

والوالدة، حالها حال أي أم، تشعر بالفاجعة لفقد شاب في عمر الزهور، لكنها تريد أن تقول لكل الأمهات: «انتبهن الى فلذات أكبادكن ولا تتركنهم يقعون في احضان رفقاء السوء وراقبنهم ما أن يبلغوا مرحلة المراهقة».، فهي تعترف بأنها دللته كثيراً ولم ترفض له طلباً ولم تكن تمانع من أن يسافر ويعيش حياته بالطريقة التي يرغب فيها، لكن دلالها الزائد منعها من أن تقف في وجهه حينما تشعر بأنه يأتي بأفعال قد تجر عليه الويل، ومنها مرافقة أصحاب السوء من أولئك الذين لا يؤمن جانبهم، فكانت تترك له الحبل على الغارب.

المهم، أن وقوع الشباب والمراهقين في شرك المخدرات هي في واقعها مشكلة يجب أن تكون حاضرة في كل بيت، واذا كانت الحملة الوطنية الشبابية الثانية للوقاية من المخدرات أرادت ايصال رسالة واضحة الى المجتمع، وعملت من أجل الوصول الى الشباب رغبةً في تحذيرهم من هذه العادة المدمرة، إلا أنه من المهم مشاركة كافة أفراد الأسرة، بل كافة أفراد المجتمع في التصدي لهذه المشكلة المدمرة خصوصاً وأن الكثير من الناشئة والصغار أصبحوا عرضة لهذا

الخطر بوجود من يروج لأنواع مختلفة من العقاقير والمواد المخدرة، والمسئولية لا يمكن أن تقع على الجهاز الأمني وحده، فالمشاركة الاجتماعية بالنصح والمراقبة والتوجيه مطلوبة.

ونجحت مثل هذه الأنشطة، فهناك لجان متواضعة بدأت تعمل في بعض القرى وأخرى منبثقة عن لجان وجمعيات اجتماعية وبمشاركة باحثين اجتماعيين وبالإستعانة بزمالة المدمن المجهول في حماية الكثير من الشباب، ولا يمكن أن ننسى تجربة قرية باربار التي استطاعت حماية شباب القرية بعمل جماعي مشترك من كافة الأطراف.

نتمنى للحملة الوطنية النجاح، ونتمنى أن نضيف الى رصيدنا مهارات كافية في التعامل مع شريحة الشباب وحمايتهم من الضياع بسبب سموم يتاجر فيها أصحاب الضمائر الميتة ليدمروا أمل البلاد

سعيد محمد سعيد

المنابر!

 

ليست المشكلة فقط في استخدام المنابر من أجل تحقيق نجاح مبهر للحملات الانتخابية، أو لنيل أكبر عدد من أصوات المصلين المؤمنين الذين يتوافدون على بيوت الله للصلاة ليجدوا الخطيب أو الإمام أو ربما القيم أو عامل النظافة المسئول عن رعاية المسجد وهم يروجون لمرشحين بعينهم!

وليست المشكلة فقط في اعتبار المساجد والجوامع والحسينيات في البحرين أمكنة مباركة تتحقق فيها الآمال… إن المشكلة أيها الأعزاء، تكمن في حرمان الناس من أن يتخذوا قراراتهم بكل استقلالية وثقة بالنفس… إن المتتبع للأمور السيئة التي يقوم بها البعض في المساجد والجوامع والكثير من دور العبادة يلحظ أنها أمر يتنافى مع الخلق الإسلامي.

فلا يمكن اعتبار الأعمال المحبوكة للنيل من الاستقرار الاجتماعي من خلال بث السموم الطائفية أمراً مقبولاً في بيوت الله، ولا يمكن تحمل خطب الجمعة النارية التي تلهب مشاعر الناس تجاه اخوانهم (ومواطنيهم) في البلد بسبب الانتماء الطائفي تارة تحت عنوان منع صلاة الجمعة وتارة تحت عنوان تحريف القرآن وتارة تحت عنوان التحريض على كراهية ولاة الأمر، وعشرات المرات تحت عناوين التكفير والتفسيق… ولا يمكن تحمل خطب أو محاضرات ولو بالهمز واللمز للصحابة أو للتابعين أو للحديث عن موضوعات تاريخية عفا عليها الزمن…

المنابر اليوم، ليست مصدر خوف لأنها توجه الناس التوجيه الحقيقي… نعم، ليس عيباً أن تتناول خطب الجمعة قضايا الناس المعاصرة، وليس خطأ أن تتناول المحاضرات الحسينية معاناة الناس وما يجيش في نفوسهم، ولكن العيب أن نعلم الناشئة والشباب التصويب الخاطئ في فهم الآخرين والإستماع اليهم والتحاور معهم، فما يقوم به بعض الخطباء وبعض الأئمة من شحن طائفي وتأليب للشباب والصغار المساكين، هو أمر سينقلب أول ما ينقلب على أصحابه، ثم على المجتمع الذي ما فتئ يعاني من الويلات.

مجتمعنا صغير، وهو في حاجة الى المنابر الصادقة المخلصة التي تعمل للبناء لا للهدم والتدمير

سعيد محمد سعيد

الكهوف السوداء… حيث الزهور تموت!

 

«القرار بيدك»… هو شعار الحملة الوطنية الشبابية الثانية للوقاية من المخدرات والتي بدأت يوم العاشر من شهر مايو/ أيار وتستمر حتى يوم السبت المقبل الموافق 19 مايو الجاري، ولأن قرار لا يمكن لأي شاب أن يتخذه مفرداً – خصوصاً حين يكون أسيراً في قبضة المخدرات اللعينة – فإنه يحتاج في هذه الحال الى من يعينه… ولذلك، رفع الشباب شعاراً فرعياً آخر ليقولوا للجميع… من مدمنين ومتعافين وطلاب وعمال وموظفين ومشاركين في الحملة: «كلنا وياكم».

في الأماكن المخيفة، في حظائر ومزارع مهجورة، وكذلك في فلل فخمة ومزارع وقصور منيفة، تتحول المشاهد الى كهوف سوداء حيث تموت الزهور النضرة… تفقد رونقها ومرآها الأخاذ لتتحول الى بقايا رماد… هم أولئك الشباب الذين يذهبون في لحظة… ضحية لتلك السموم القاتلة… المخدرات.

في العام الماضي 2005، فقدت البلاد أكثر من 40 شخصاً معظمهم من الشباب في عمر الزهور، لقوا حتفهم بسبب تعاطي المخدرات، ولسنا هنا ننكر ظاهرة تعاطي المخدرات والاتجار بها وعمل العصابات التي تتاجر وتكون الثروات من هذه التجارة الآثمة، ولا نستطيع أن ننكر مشاهد كثيرة نراها في بعض المدن والقرى والأحياء السكنية… مجموعات من الشباب اجتمعوا على فعل مشين… تعاطي المخدرات!

ولكن المشكلة، ليست في مجرد حملة انطلقت قبل موعدها بوقت كثير… فلأن العالم كله يحتفل باليوم العالمي لمكافحة المخدرات في السادس والعشرين من شهر يونيو/ حزيران من كل عام، فإن الرسالة التي يتوجب ارسالها كل يوم هي: «مازلنا في حاجة الى تعليق اجراس الإنذار… مازال الكثير من الشباب يموتون في بلادنا بسبب تعاطي المخدرات… ولاتزال تلك السموم تدخل لتهددنا جميعاً… وما زلنا في حاجة الى حائط الصد القوي».

لقد كانت جهود وزارة الداخلية في مجال مكافحة المخدرات مؤثرة، على رغم الصعوبات التي تواجه العاملين في مكافحة المخدرات بسبب تعقد شبكة الاتجار في المخدرات وتداخلها ومهارتها في تنفيذ تكتيك العمل، لكننا اليوم، وأكثر مما مضى، في حاجة الى أن يكون الشباب والناشئة، هم الحائط الأول.

هذه هي الحملة الثانية، ولكنها لن تكون الأخيرة قطعاً، وحتماً سنواصل معاً وكلنا وياكم، ونقول لكل شاب وشابة لاتزال تجري في دمه بضع سموم: «قراركم بيدكم»

سعيد محمد سعيد

وماذا بعد؟

 

ليس من اليسير وصول دولة الى مجلس حقوق الإنسان الجديد التابع لهيئة الأمم المتحدة والذي أجرى أول انتخابات لتشكيل عضويته من 47 دولة يوم الثلثاء الماضي 9 مايو/ أيار الجاري…

فبعد نحو 60 عاماً من عمل لجنة حقوق الإنسان السابقة التي امتلأ ملفها بالتجاوزات والانتهاكات، يأتي تشكيل المجلس ليجعل الدول التي رشحت نفسها أولاً في وجه المدفع!

إن آلية العمل الجديدة في المجلس تفرض تحديات لا يمكن اغفالها اطلاقاً في ظل الانحسار الشديد في الالتزام بالمواثيق الدولية من جانب الكثير من الدول… ومنها دول لها رصيد ناصع في صيانة حقوق الإنسان في يوم من الأيام.

لكن، ما الذي يجعل البحرين، تدخل بكل سهولة ويسر الى المجلس وتحقق 134 صوتاً (عدد الأصوات المطلوب للفوز 96 صوتاً)، وهي ضمن قائمة من 19 دولة؟

قال البعض إن هناك «تكتيكاً ما حصل في فترة عمل الحملة»، ونقول: وما العيب في الأمر؟! بل إنه من الواجبات الأساسية لفريق الحملة أن يعمل وفق تكتيك ليحصد أكبر عدد من الأصوات وليتأكد من الدعم اللازم، فيما قال فريق آخر إن هناك دولاً في القائمة لا يمكن لها الفوز بسبب سوء تاريخها في مجال حقوق الإنسان، ولأن العدد الكلي للدول المرشحة 19 دولة تنافست على 13 مقعداً، ولوجود 6 دول ما كانت لتفوز… فإن الطريق أمام البحرين كان مهيئاً للفوز… نقول: وإن كان هذا الافتراض مقبولاً لدى البعض، فلماذا نغفل ورقة المعلومات التي قدمتها البحرين وكذلك ما جرى على أرض الواقع خلال السنوات الخمس الماضية من تحول مهم في مجال حقوق الإنسان؟

على كل حال، وبكلمة ختام، لابد أن نفرح لكل إنجاز تحققه بلادنا، فهذا فخر لنا

سعيد محمد سعيد

ومن الحسرة ما قتل!

 

منذ أن كنا صغاراً، كنا ننظر الى الجماعة «الخواجات» الشقر الذين يعملون في البحرين. وأكثر ما كان يلفت نظرنا هي تلك السيارات الغريبة العجيبة الفارهة. ففي الوقت الذي نرى فيه أباءنا يدفعون مع عدد من الجيران سياراتهم كل صباح (دكة) لتشغيل المحرك، لا سيما في فصل الشتاء حين تكون (الماكينة باردة والبطارية نائمة)، وفي الوقت الذي تتعطل فيه الكثير من أمور الحياة اليومية بسبب سوء سيارة العائلة، كنا نتمنى أن تكون لدينا سيارة كهذه. لا كتلك التي هناك. أو لتكن تلك الحمراء بلون دم الغزال. سيارات فارهة وبعضها رياضية مميزة وبداخلها واحد أشقر أو واحدة شقراء.

كبرنا ومازلنا نرى الشقر في السيارات الفارهة. هذا يعني أن الوظيفة التي يعمل فيها أولئك محترمة، والراتب ضخم كبير من دون شك، والأكثر من ذلك أن بعض الشركات والمصارف والمؤسسات تشتري سيارة خاصة لذلك الأشقر أو لتلك الشقراء، في حين يصعب على المواطن شراء سيارة نقداً، وإن قدر له ذلك، فلن تكون من نوعية تلك السيارات الفخمة! فالراتب المسكين يستغيث والجيوب هي الأخرى تندب حظها.

المراد من ذلك كله، والسؤال الذي يفجر فينا الرغبة للمعرفة أكثر: «هل هناك وظائف وتخصصات، في يومنا هذا، لا تزال حكراً على الشقر ولا يوجد بحرينيون متخصصون فيها؟ هل هناك وظيفة أو تخصص لا يستطيع البحريني اتقانه؟ واذا عدنا ونظرنا الى وظائف الخواجات الشقر التي يتقاضون عليها رواتب خيالية، سنجد من البحرينيين العدد الجيد من المتخصصين في التخصص ذاته، لكنهم إما يعملون في مجالات غير تخصصهم، أو يعملون بدرجات أدنى من الموظف الخواجة الاشقر».

ليس الموضوع موضوع سيارة فارهة فاخرة، بل هو تقدير الكوادر الوطنية التي يحق لها أن تعيش في رفاهية، فما الذي يحدث حين ينتهي عقد ذلك الموظف الأشقر الذي يتقاضى راتباً يصل الى (2000) دينار على سبيل المثال وكمتوسط أجر، يحل محله ابن البلد البحريني براتب (جان فيه خير) يصل الى 1000 دينار! ولن يكون في مقدوره استخدام سيارة الأشقر أو فيلته ذات المسبح الجميل والحديقة الغناء، بل ولربما لن يستطيع الجلوس على مكتبه الوثير… حتى بعد رحيله

سعيد محمد سعيد

حقوق الإنسان «البحريني»

 

لا يستطيع أحد إطلاقاً أن ينكر التجاوزات التي تحدث بين الفينة والأخرى والتي تخالف – من ناحية الممارسة والأسلوب – الأعراف والعهود الدولية المتعلقة بصيانة حقوق الإنسان، لكن لا يمكن القول إن مملكة البحرين واحدة من أسوأ الدول في مجالس حقوق الإنسان كما يشير بعض الإخوة من الناشطين في هذا المجال.

لعل النقطة الأولى التي تخالف تلك المقولة، هي أن عمل الجمعيات الحقوقية يوصف بأنه «حال جديدة من التفاعل مع قضايا المجتمع»، فالجمعيات الحقوقية تعمل واللجان الحقوقية في الجمعيات تعمل أيضاً، واذا كان هناك تسميات جديدة، كالقول إن هناك تصنيفاً لجمعيات حقوق إنسان (مزيفة تدعمها الحكومة) مقابل جمعيات حقوق إنسان (حقيقة تواجه التنكيل والقمع)، فكل ذلك عائد الى مواقف هذه الجمعية أو تلك وكذلك مواقف اتباعها ومريديها.

لكن لابد من القول بصراحة، إن إحداث التغيير المطلوب على مستوى حقوق الإنسان في بلادنا، لن يحدث بين ليلة وضحاها، بيد أنه يكفي القول إن هناك جمعيات ولجاناً تعمل، ولديها أيضاً اتصالات مع قنوات حكومية، ولا يمكن أن نتجاهل موضوع زيارات السجون والنقاط المتفق عليها لتحسين الأوضاع هناك، وكذلك الحال بالنسبة للكثير من القضايا الإنسانية التي يمكن أن تدخل تحت مظلة «حرمان الحقوق»، وهذه كلها تجد القناة المناسبة لتصب فيها.

حقوق الإنسان البحريني، كثروة حقيقة لهذه البلاد كما تصفها القيادة دائماً، تتطلب رؤية تتماشى مع التقييم الواقعي للظروف التي يعيشها المواطن في البحرين، واذا اتفقنا على أن هناك انتهاكات من دون شك، فليكن الهدف المقصود هو التصدي لمثل هذه الانتهاكات على أن نبقى من جانب آخر رافضين لكل ما من شأنه الإساءة لبلادنا ووصفها على أنها واحدة من أكثر الدول انتهاكاً لحقوق الإنسان.

المسئولية ملقاة على الناشطين الحقوقيين في جمعياتنا الموقرة، ففي الوقت الذي لن نرضى بالإساءة لبلادنا على أي منبر كان وعلى لسان كائن من يكون، فلن نرضى أبداً أن تستمر أبسط الانتهاكات لحقوق الإنسان. المواطن والمقيم في الوقت ذاته

سعيد محمد سعيد

الواحة الغنّاء

 

كان ذلك المسافر، من بلد إلى بلد، يحلم بمدينة فاضلة أياً كان شكلها… سواء أكانت لأفلاطون أم للسير توماس مور أم للفارابي… مدينة فاضلة والسلام! ذلك لأنه كان يعلم أنها لن تكون موجودة على وجه الأرض شاء أم أبى!

بحث عنها طويلاً… وعلى مدى سنين، وجد نفسه أمام الكثير من المحن والنوازل الذي جعلت منه شخصاً يعيش أوضاعاً قاسية للغاية، وتحطمت نفسيته مما كان يعيشه من ألم، وقلق، وخوف، بسبب حرمانه من حقوقه، وحرمان الآخرين معه، وبسبب غلظة المتنفذين على رقبته ورقاب الآخرين.

هو لايزال يبحث، ولكنه فقد الأمل في العثور على تلك المدينة فقرر العودة إلى بلاده… تلك البلاد الصغيرة الجميلة البريئة التي تبدو كأنها طائر من طيور الجنة، والشواهين والصقور الجوارح تنهش جسده الصغير.

اعتاد الهم، ولكنه لم يترك مجالاً، لأن تحقق عليه الهموم انتصارها الساحق لتسحقه بلا رحمة، وقال في نفسه ذات يوم: «هذا التراب.. تراب بلادي زكي الراحة، رائع الملمس، دافئ يملأ النفس أماناً… لا والله، إلا هذا التراب… لن ابيع منه ولا حبة واحدة».

كانت الأرجل القاسية تدوس وجنتيه على ذلك التراب فيما مضى من السنين، وكان الدم يسيل من أنفه وفمه على ذلك التراب ذات يوم من شدة التعذيب والتجريح والقمع، وكانت يداه ترتجفان وهما تحاولان رفع جسده على ذلك التراب، وكان كلما سقط أحد عشاق بلاده احتضنه ذلك التراب؛ لينام نومته الأبدية.

«وإن يكن، ألا يستحق هذا التراب أن نحميه بالدماء.. فليكن ما يكن»… قال ذلك وهو يرى بأم عينيه بلاده وهي تحتاج اليه… لا تحتاج إلى دمه، لكنها تحتاج الى قبلة حانية على الجبين وعناق طويل يجعل الأضلاع تلتحم مع بعضها بعضا، وتلتصق القلوب…

إنها الواحة الغناء أيّها الأحبة… فلتبق كذلك

سعيد محمد سعيد

النصر الطائفي

 

بكل أناة وهدوء، تحدث ذلك الرجل ذو الخمسين عاماً، وهو من أهالي قرية الديه، ليعبر عما يجيش بنفسه من ألم بسبب ما يقرأه في بعض صحفنا من هجوم على (الطائفة) ذلك لأن صورة من صور منتصف التسعينات عادت من جديد!

ولأن أولئك الكتاب المهاجمين – على حد وصفه – لا يمتلكون القدرة على العمل كصحافيين محترفين يحددون بالضبط من هم أولئك الذين يعبثون بأمن البلد، ولماذا يقومون بهذه الأعمال، ومن يقف وراءهم، والى أية جهة ينتمون، ويطلعون القارئ على وثائق وحقائق، فإنهم يكتفون بالجلوس في مكاتبهم واطلاق التهم على أهالي القرى، ويطالبون بعدم الرأفة معهم وانزال أشد العقوبات بهم…

هم يقصدون من تثبت عليه التهم… نحن ندرك ذلك، لكن الرابط الخطير، هو ما يتناوله بعض الكتاب من مزج بين حوادث منتصف التسعينات وبين الحوادث التي وقعت منذ حوادث المطار وما تبعها وكأنه ليس هناك في البلد من عابثين ومخربين مجهولين أو مندسين إلا في القرى! وكأن مثل هذه الحوادث الإجرامية، لا يرتكبها الا من ينتمي الى القرية.

حديث هذا المواطن، الذي كان يعلق على بعض الكتابات السطحية المجوفة الفارغة، وينظر أيضاً الى تصريحات المسئولين، وآخرها تصريح وزير الخارجية الذي أكد مرجعية الشيعة لدولتهم وحكامهم الشرعيين، والتصريح المهم لوزير الداخلية عن حادث تعرض دورية شرطة لهجوم، يضع حداً فاصلاً بين تصريحي المسئولين الكبيرين وكيف جاءا ليحملا رسالة الى كل المجتمع، وبين كتابات يقرؤها الناس في الصحف وليس فيها أدنى شعور بالمسئولية… كل ما ينتج عنها إنما هو حصاد تربية طائفية بغيضة، واذا كانت الفرص مواتية اليوم لتحقيق (نصر طائفي)، فليس من باب الاحتراف التصيد في ظرف يوجب على الجميع التخلي عن العباءة الطائفية والتمسك برداء الوطن الذي يظلل الجميع.

حين يريد البعض أن يظهر مهاراته وعبقريته، فليتحرك كصحافي محترف، ليقدم الحقائق للدولة وللناس، وليكشف كيف هي معقدة خيوط المعضلة التي نعيشها على يد الإرهاب… أياً كان مصدره

سعيد محمد سعيد

من يخنق الآخر؟!

 

السجال شديد، ويبدو أن بعض حملة الأقلام والمفكرين والمثقفين والكتاب الذين هم نخبة الأمة، بدأوا يعودون الى مرحلة مص الأصبع في الطفولة انتظاراً لمرحلة الحبو ومن ثم الوقوف والسقوط لحين اشتداد العظم!

بعض أولئك، من سنة وشيعة، بدأوا يتفننون في كيفية إلصاق تهمة العار بالآخر… إن من المهم في هذه المرحلة، وفي هذا الظرف بالذات، مع رفع صور أسامة بن لادن وحرق سيارات الشرطة واستحضار صورة ارشيفية من قرية باربار ونشرها بمناسبة وغير مناسبة، أن يخنق أحد الطرفين الآخر… وأمام الحكومة، في طقوس سيئة لتقديم قربان الولاء والطاعة والامتثال في جو من الألم المقلق يلف بلادنا من أقصاها الى أدناها.

أقصر السبل لدى بعض أولئك الكتاب، ومنهم رؤساء تحرير، أن تلقي التهمة على (ولاء الشيعة أولاً) وتجردهم من (الدم البحريني الخالص) المشترك بين السنة والشيعة، لتبدأ بعد ذلك في غرس أنياب فتنة، القصد منها وضع الشيعة في لائحة الاتهام… فهم الذين يحرقون (وهذا ليس بجديد على الرافضة منذ قديم الزمان)، وهم الذين يفجرون اسطوانات الغاز، وهم الذين يحرقون الإطارات واشارات المرور، وهم الذين يرفعون صور الخامنئي وبن لادن، وهم كذلك الذين يجلسون على الأرصفة لبيع ولائهم… هذا ما يردده البعض، لكن بصياغات مختلفة!

من السهل أن نلصق التهمة في أهالي قرية أبوصيبع لأن سيارة الشرطة احترقت أمام قريتهم! ومن السهل أيضاً رمي التهمة على أهالي قرية الديه لأن حرائق ليالي الجمعة تحدث أمام قريتهم؟ لكن سيكون مستحيلاً أن توجه الإتهام لأهالي قرية البديع أو الجسرة أو الحد أو البسيتين حين ترى اطارات مشتعلة ترتفع منها النيران… أليس كذلك؟ لأنك ستسأل عن الفاعل!

حقاً، ذلك هو السؤال: «لماذا لم نسأل عن الفاعل الحقيقي الذي حرق الإطارات ووضع القنابل الصوتية وأحرق الممتلكات الخاصة والعامة لكي ننظر بمنظور يختلف عن (تهمة التسعينات العامة على الشيعة)؟ أم أن هذا صعب والأسهل القاء التهمة على الطرف الذي يجب أن يختنق؟

سألنا بعض رجال الأمن: «هل تعتقدون أن هناك (طائفة معينة) يقوم بعض أبنائها بهذه الأعمال؟»، فكانت الإجابة تتمحور على مبدأ البحث والتحقيق والتحري للتأكد، فالقضية حساسة للغاية… فلربما ليس هناك (طائفة معينة) ولكن هناك مجموعة من المجرمين، أياً كان انتماؤهم المذهبي والفكري، يخططون لكل ما يجري… وبدقة أيضاً!

اذن، من العبث أن يحاول بعض كتابنا الأفاضل القاء التهمة، كاملة على الشيعة… فذلك هو أيسر السبل وأقصرها للعاجزين