سامي النصف

مصر الأمس كويت اليوم

لدي اهتمام شديد واطلاع لصيق على تاريخ منطقتنا المعاصر عبر قراءتي لآلاف الكتب ومحاضر البرلمانات والمحاكمات والمذكرات الشخصية والدوريات الصحافية الصادرة في بلداننا العربية الممتدة من الخليج حتى المحيط، وقد تكون لمصر خصوصية، حيث ان مواطنيها الأجزل في الكتابة وهي الاسهل في الحصول على المخطوطات التراثية الاصلية التي تظهر بوضوح التفاصيل الصغيرة للحياة المصرية اليومية في الأزمان السابقة.

وارى ان هناك تشابها شديدا عند مقارنة الحياة الكويتية والخليجية هذه الايام والحياة في مصر الملكية في العقود الثلاثة الاولى من القرن الماضي، فقد كانت المملكة المصرية آنذاك شديدة الثراء والتقدم حتى ندر ان تجد مصريا مهاجرا او يعمل في الخارج، مقابل هجرة ما يقارب 3 ملايين انجليزي وفرنسي وايطالي ويوناني وقبرصي ومالطي وغيرهم من اوروبيين وشوام واتراك وحتى خليجيين من كويتيين وسعوديين للعمل والتجارة والإقامة على ارضها، حيث كان معدل الاجور في مصر آنذاك اعلى منه في اوروبا وباقي دول المنطقة.

وكان ابناء الطبقة الوسطى والغنية المصرية ومنهم الكتاب والساسة والاعلاميون يرحلون في كل اجازة الى مصايفهم في سويسرا وجنوب فرنسا وايطاليا وبريطانيا، ومما كان يقال عن احتدام الصراع بين القوى الوطنية والقوى الاستعمارية الدعوة لاستبدال المواطنيين المصريين اجازاتهم الصيفية التي يتم قضاؤها عادة في اوروبا بالسياحة في الداخل او في الدول العربية.
 
كذلك فقد كان اغلب الطلبة المصريين يرسلون في بعثات دراسية الى الدول الاوروبية المختلفة، ومما قرأته في مذكرات البعض من هؤلاء انهم كانوا يختارون ارقى المناطق للسكن فيها ولم يكن احد من الطلبة يعمل لسد حاجات دراسته كما اشتهرت في الصحف آنذاك الدعوات للكف عن تدليع الابناء والذي يتم عن طريق شراء السيارات الفاخرة لهم والإفاضة عليهم بالاموال في الغربة، وقد عاب د.زكي مبارك على بعض الطلبة استهتارهم وبقاءهم يدرسون في الخارج حتى سن الثلاثين.

وفي الداخل المصري كانت الديموقراطية على اشدها، حيث خلفت شرائح سياسية شديدة الاحتراف درس اغلبها في الغرب ومثلها رجال اقتصاد كبار كطلعت حرب، وقد بدأ التحول بمصر من الغنى والرقي الى الفقر والبؤس عندما تسبب التنازع السياسي المتواصل بإثارة حنق العامة ومن ثم التمهيد لانقلاب العسكر في يوليو 52.

كما ساهم بسوء الاوضاع في مصر الزيادات السكانية الرهيبة وخلق الاقتصاد الريعي في مرحلة الخمسينيات والستينيات والعداء الشديد لرجال الاعمال ممن تمت تسميتهم بالإقطاع، ومن ثم هجرتهم واموالهم لخارج مصر وتدمير القطاع الخاص الفاعل بالتبعية ومثل ذلك سلسلة المغامرات والحروب العبثية والنكسات المتتالية التي تعرضت لها مصر وصرف الاموال على الحروب بدلا من قضايا التنمية.

وراهنت الغوغائية والانظمة العسكرية على الاتحاد السوفييتي الثوري الذي اشتهر بفقره وافقاره لحلفائه، وقامت ـ بذكاء شديد ـ بتبني حروبه العقائدية ضد مشاريع الولايات المتحدة في المنطقة الهادفة لإنعاشها ومنع الحروب فيها كوسيلة لمنع انتشار الشيوعية كما حدث في دول غرب اوروبا وشرق آسيا، ومن ثم فرحت بإسقاطها مشروعي ايزنهاور وحلف بغداد في وقت سعدت واغتنت فيه دول حلف الناتو ودول حلف شرق آسيا من تلك المشاريع، وكم في مصر الامس من دروس لكويت اليوم والغد.

سامي النصف

التحية بأحسن منها

الكلمة الطيبة بحق الكويت التي قالها السيد حسن نصرالله ضمن المهرجان الخطابي الحاشد في قلب بيروت تستحق الرد عليها بمثلها، فواضح أن حجم الحشود التي حضرت يظهر بصورة جلية ان حزب الله وأمينه العام رقم صعب في لبنان لا يمكن تجاهله أو القفز على امكاناته وقدراته.

ومن الأمور التي قالها السيد نصرالله واكدتها الافعال قبل الاقوال رفضه للعب بورقة الطائفية أو الفئوية أو استخدام سلاح الحزب لحل تباينات الداخل وهو أمر له ان يتواصل عبر مد يد التعاون مع الحكومة الممثل بها حزب الله والتي استطاعت أن تتحرك بفاعلية خلال الحرب وأكسبت لبنان تعاطف العالم.

وكان جميلا وموفقا زيارة الوفد الشعبي الكويتي بقيادة الاخوين جواد بوخمسين ود.يوسف الزلزلة الى لبنان للتهنئة بالانتصار واظهار تعاطف الشعب الكويتي بأكمله مع أشقاء الروح في لبنان الأخضر.

ان احسن ما يمكن للكويت ودول الخليج وايران عمله في لبنان هو الحرص الشديد على توحيد وتقريب وجهات نظر اللبنانيين كافة في مرحلة ما بعد الحرب وحثهم على الاتفاق على برنامج عمل وطني موحد يصفي وينقي ما في النفوس ويوقف التوترات السياسية والأمنية التي باتت تهدد لبنان بالعودة لعهود التناحر والتقاتل المظلمة.

ولم يعد يحتمل الشعب اللبناني الشقيق المزيد من عمليات الشقاق والافتراق التي سادت الحياة السياسية اللبنانية منذ عهد الاستقلال حتى اليوم، وقد حان الأوان لدفن تلك التباينات السياسية لحساب العمل الاقتصادي الفاعل المشترك الذي يحيل لبنان الى ورشة عمل تبني ما هدم وتحيله الى إحدى جنات الله في أرضه ولبنان مؤهل بشماله وجنوبه وجباله وسهوله لأن يتحول الى تلك الجنة الموعودة التي طال انتظارها.

آخر محطة:

مقال السيد علي المتروك يوم السبت الماضي في الزميلة الوطن ينضح بالحكمة وينبض بحب لبنان ويرسم ضمن المقال خارطة طريق للبنان الجديد، بوركت يابويوسف.

سامي النصف

قضايا بداية الأسبوع

مع بداية شهر الرحمة والمغفرة نرفع لأمير البلاد المفدى وللحكومة الرشيدة وللشعب الكويتي كافة اسمى ايات التهنئة والتبريكات بحلول شهر رمضان المبارك اعاده الله على الجميع باليمن والبركات.

بودنا ان نشهد في هذا الشهر الفضيل عملية تهدئة سياسية واسعة فقد مل الشعب الكويتي الازمات السياسية التي تلد ازمات وفي هذا السياق نكرر أن الاستجواب على الهوية قضية مرفوضة كما ان الاستجواب لاجل الاستجواب نهج لا يرضى به ضمير احد، كما نذكر بأن ما يقال عن تعاقد وزير الاعلام بمشاريع تنموية مع الدولة قد تم قبل تسلمه مسؤولياته الوزارية بل لم يكن في حينها حتى موظفاً صغيراً في الحكومة فلنترك المسؤولين يتفرغون لاعمالهم ولنحاسبهم بعد العمل لا قبله.

على الدول الخليجية الا تنتظر حتى تسمع قرقعة السلاح بين المجتمع الدولي وايران كي تتحرك، الوضع الامثل للتعامل مع القضية المتفجرة يكمن في بدء مشاورات خليجية ـ خليجية عاجلة لتوحيد الصف ثم التوجه بوفود رفيعة المستوى لطرفي النزاع، اي واشنطن وطهران، لمحاولة تقريب وجهتي النظر ولشرح خصوصية الوضع الخليجي الملتزم بالتحالف الاستراتيجي المعلن مع الغرب والتعاطف الذي يفرضه الدين والجوار المشترك مع الشقيقة المسلمة ايران.

يقول النائب الفاضل عبدالله العجمي انه قطع عهداً امام مواطنيه بمحاربة الفساد وانه لم يأت للمجلس لمحاسبة وزير بعينه وان المحاسبة تأتي متدرجة، كما اضاف انه يرفض اسلوب تصفية الحساب مع بعض الوزراء، لو كان لنا ان نقيّم النواب لأعطينا النائب الجديد عشرة على عشرة لحكمته ورجاحة عقله التي تحتاجها الكويت بشدة هذه الايام داخل البرلمان وخارجه.

التقيت في الطائرة رئيس اتحاد المهندسين العرب الأخ الفاضل عادل الخرافي وثلة فاعلة من المهندسين الكويتيين والحقيقة ان الجهد الرائع لمجلس ادارة جمعية المهندسين الكويتيين الحالي ولجانه المختلفة في داخل الكويت وخارجها يستحق بصدق كل الدعم والمؤازرة من الدولة ووزاراتها الرسمية.

آخر محطة:

العزاء الحار لـ آل العسعوسي وآل الشاهين وآل الماجد الكرام بمصابهم الكبير في الراحلين الاعزاء من ابنائهم فللفقداء الرحمة والمغفرة ولاهلهم وذويهم الصبر والسلوان.

سامي النصف

الثقافة في الكويت

كتاب لا غنى للمكتبة عنه، أصدره د.خليفة الوقيان وأسماه «الثقافة في الكويت»، تناول فيه عبر 350 صــفحة و4 فصول عوامل ومظاهر الاهتمام المبكر بالثقافة والاتجاهات الفكرية والريادات الابداعية في الكويت منذ ايامها الاولى.

ومما اظهره د.الوقيان ان الكويت لم تكن كما يشيع البعض عنها جاهلة لا علم فيها وجائعة مدقعة الفقر قبل اكتشاف النفط، بل على العكس، فنشأتها الاولى تمت على يد ميسورين ممن يمتلكون زمام الثقافة والادب والاهتمام بالعلوم من القاطنين في جزيرة العرب وامارات الخليج الممتدة على ساحليه الشرقي والغربي.

ويدلل على ثرائها المبكر غزو الشاه طهماز لها عام 1742، مما يظهر ان فيها ما يغري الطامعين، كما اشتهر الاقتصاد الكويتي النشط باعتماده على الصناعة المتقدمة للسفن والزراعة والتجارة مع دول الجوار وآسيا وافريقيا، كما اشار الباحث الى تقارير الرحالة والزوار والكتاب الاجانب التي كشفت عن طبيعة الحياة اليومية للسكان وانهم اهل مدنية وسلوك متحضر.

كما يفصح الكتاب عن بعثات علمية وتجارية مبكرة من الكويت لمصر والعراق والشام، بل وحتى اوروبا واميركا، عمر البعض منها مئات السنين تقابلها زيارات لعلماء وادباء ورحالة عرب واجانب للكويت، حيث استقر البعض منهم فيها لأزمان طويلة، كما نسخت فيها الكتب والمخطوطات، ومنها موطأ الامام مالك الذي خط في فيلكا على يد مسيعيد بن سالم عام 1682.

وكان الوضع السياسي في الكويت متقدما جدا منذ يوم نشأتها الاول، حيث تم فصل الحكم (السلطة التنفيذية) عن القضاة (السلطة القضائية)، وكانت الشورى والديموقراطية قائمتين على احسن ما يكون في علاقة الحاكم والمحكوم، حتى سمى اكثر من رحالة وزائر الكويت بـ «جمهورية الكويت» إبعادا لها عن سياسة الطغيان القائمة حينها في ممالك الشرق والغرب، مما خلق ارضية صالحة لاصدار دستور مبكر لها في عام 1921 مؤهل رغم بساطته لأن يكون احد اوائل الدساتير العربية المعاصرة.

وقد اهدانا كذلك د.عادل العبدالمغني نسخة من اصداره الجديد حول الكتب والمطبوعات النادرة الموجودة في مكتبته العامرة، وتأتي ضمنها مجموعة من المخطوطات النادرة كمخطوط الملا مرشد، كما اهدتنا ابان زيارتنا لرابطة الادباء الزميلة منى الشافعي كتابها الشائق «للكتابة لون آخر»، فلهم الشكر جميعا.

سامي النصف

أسود الجزيرة

قرت أعين أهل الكويت جميعا بوصول سمو الأمير المفدى لأرض الوطن بعد زيارة موفقة للبلدين الصديقين جمهورية مصر العربية والولايات المتحدة الأميركية، حيث عززت الزيارة التحالف التاريخي بيننا وبين تلك الدول المؤثرة في المنطقة وفي العالم.

مع انتهاء موسم الصيف نأمل ان نرى قرارا قريبا وعاجلا من الدولة بتبني شراء طائرات جديدة لناقلنا الوطني ونعني مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، فكلما تأخر القرار تأخر موعد تسليم الطائرات، الذي يقارب هذه الأيام 6 ـ 8 سنوات من الآن، وازداد ثمنها.

للعلم تفوق الطيران الخليجي وشهرته العالمية يكمن سرهما في شراء الحكومات الخليجية المعنية مئات الطائرات لخطوطها الوطنية في وقت لاتزال تدفع فيه «الكويتية» أثمان فواتير الطائرات التي دمرت في الغزو.

التقيت في عزاء آل النوري الكرام الصديق محمد المنصور الذي روى لي حجم المعاناة التي تمت لانجاز المسلسل الكويتي التاريخي «أسد الجزيرة» الذي يروي سيرة الراحل الكبير الشيخ مبارك الصباح والذي نأمل عرضه على شاشات الفضائيات في شهر رمضان المــبارك.

قرأت في أحد منتديات الانترنت اعتراض أحد الاخوة الخليجيين على مسمى ذلك المسلسل من زاوية ان تلك التسمية يستحقها الملك عبدالعزيز آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ والحقيقة ان لا تناقض بتاتا في اعطاء مسمى «أسد الجزيرة» لأكثر من شخصية تاريخية خليجية كحال الراحلين الكبيرين ومثلهما الشيخ زايد آل نهيان، فجزيرتنا العربية مليئة والحمد لله بالأسود والقيادات التاريخية المميزة والمنجزة.

نشكر وزير التربية د. عادل الطبطبائي على اهتمامه بإدخال مواد الدستور في مناهجنا الدراسية وبودنا ان يُشجع القائمون على مدارس رياض الأطفال والابتدائي والمتوسط على خلق أعمال درامية وتمثيليات مستقاة من تاريخ الكويت تجسد البدايات الأولى للدستور ومعانيه ومقاصده حيث ان ذلك الطريق هو الأسهل والأقصر لزرع تلك المفاهيم في عقول النشء منذ الصغر.

قبل أشهر قليلة قمت باصطحاب الشيخ أسامة الجدعان زعيم مشايخ وعشائر النخوة العربية في الانبار غرب العراق للدواوين الكويتية وكان له لقاء مثير مع الزميل آنذاك ووزير الإعلام الحالي الأخ محمد السنعوسي في ديوان الهارون، والشيخ أسامة هو أسد على مسماه حيث كان العدو الأول للإرهابيين وقضى وقبض على الآلاف منهم وقد أتت الأخبار من العراق قبل فترة بقتله في كمين مسلح في منطقة المنصور بعد عملية خيانة اشترك بها بعض أقاربه وامتلأت المنتديات العراقية برثائه لما اشتهر عنه من شجاعة واقدام ومقارعة الباطل في زمن صدام وزمن الزرقاوي.

آخر محطة:

العزاء الحار لـ آل الحميضي الكرام بفقيدتهم الراحلة طيبة الحميضي، للفقيدة الرحمة والمغفرة ولأهلها وذويها الصبر والسلوان.

سامي النصف

هل هناك من قرأ ما قاله البابا؟

الهجوم على المعتقدات والاديان والمذاهب والطوائف المختلفة امر غير انساني او حضاري، لذا فهو مرفوض جملة وتفصيلا، ايا كان مطلقه، ومن ثم فإننا نرفض بشكل مطلق المساس بديننا الاسلامي، وهو موقف مبدئي لا حياد او تراجع عنه.

من يرقب ما يحدث في العالم يلحظ ان هناك استفزازا ونبشا دائما للقضايا التي تغضب شعوبنا، ومن ثم يبدأ التظاهر والتدمير واغلاق الشوارع وينتهي الامر في كثير من الاحيان بتأكيد ما يتهمنا به الآخرون وما تظاهرنا ضده.

وواضح ان هذا الاستفزاز المتكرر تختص به شعوبنا الاسلامية دون بقية الخلق، وقد يكون اساسه عملا تنويريا مقصودا من بعض ابناء جلدتنا يقـــومون خلاله بالبحث في الصحف المغمورة كالجريدة الدنماركية، او لدى كتاب لا يقرأ لهم احد كسلمان رشدي او حتى في محاضرات اكاديمية لا يتواجد بها الا قلة قليلة من الناس كي تنفعل العامة بعد النشر وتسفك الدماء ونحصد السمعة السالبة، بينما يحصد التوجه المؤدلج المكاسب والاتباع حتى لو كان على حساب سمعة الدين.

ان الهجوم المؤسف من قبل بعض اللادينيين او حتى من اتباع الديانات المتنافسة الاخرى هو امر تتعرض له جميع العقائد دون استثناء، وقد يكون الفارق بيننا وبينهم هو في منهاجية رد الفعل مع الحدث، حيث يقوم الآخرون عادة بالاتصال المباشر بالجهة المتعدية لتزويدها بالحقائق الخافية عليها او احالتها لساحات القضاء في حال تكرار تعديها على الاديان.

ان خلق رأي ما حول اي قضية صغرت ام كبرت يحتاج كأمر بديهي لقراءة نص ما يختلف حوله لمعرفة كم الخطأ والانحراف فيه لا ان يتكرر تسخير الانسان عقله للآخرين كي يملأوه بما يريدون ويوجهوه بما يرغبون، ان الاغلبية المطلقة في هذه المرة والمرات السابقة لم يعنوا انفسهم حتى بمحاولة الحصول على النص المختلف حوله… والموضوع ذو شجون. 

آخر محطة:

العزاء الحار لآل النوري الكرام على فقيدهم المرحوم حامد عبدالله النوري.

للفقيد الرحمة والمغفرة ولاهله الصبر والسلوان.

سامي النصف

وثائق حول رقبة صدام

في البدء العزاء الحار للكويت ولآل الصقر الكرام بوفاة العم المرحوم جاسم الصقر احد اعمدة الحكمة والإصلاح في الكويت، والذي تظهر سيرته العطرة انه كان اول حقوقي كويتي يتخرج من جامعة بغداد، كما اشتهر عنه الرقي في عمله السياسي والعفة في ادائه النيابي، للفقيد الرحمة والمغـــفرة ولأهله وذويه الصـــبر والســلوان.

تستعين المحاكم في الاحوال العادية بالوثائق والقرائن والادلة، اضافة بالطبع الى اقوال الشهود، ما يجري في محاكمات صدام هذه الايام غريب وعجيب، حيث ركنت الوثائق وتم الاعتماد في الاغلب على الشهود في حوادث وقعت قبل ما يقارب الربع قرن، مما جعل محامي الطاغية يتفننون في اضاعة الوقت عبر سؤال الشهود عن قضايا فرعية صغيرة تعجز الذاكرة عن حفظها، اضافة الى اشكالية صعوبة اللغة بين قضاة كرد وشهود عرب ثم قاض عربي وشهود اكراد.

أوصل لي مساء الامس احد الاخوة العراقيين المختصين «عينة» من وثائق تظهر مصير الاسرى الكويتيين في العراق، وفيها ادانات مباشرة لصدام نأمل ان توصل رقبته للإعدام، فضمن الوثائق التي ترجع لعامي 93 و94 نقرأ الكتاب المرقم 8222 والمؤرخ بـ 28/6/94 حول بعض الاسرى الكويتيين ممن وردت اسماؤهم في الكتاب حيث يذكر «وتم عرضهم على اللجنة التي شكلت بأمر السيد الرئيس بإدانتهم دون عرضهم على المحكمة» ثم كتابا آخر يظهر قرار اللجنة بتنفيذ حكم الإعدام بهم دون اعطائهم ـ كما أتى في اوامر الطاغية ـ حق الدفاع عن انفسهم امام المحاكم.

وكان الشيخ عذبي فهد الأحمد والسيد محمد العبيدلي قد قاما مشكورين بإصدار كتاب من 1365 صفحة اسمياه «الوثائق تتحدث» احتوى على الأوراق التي تركها الصداميون في الكويت، والتي نرجو ان تستخدم كذلك في إدانة صدام وزمرته وتقريب رقابهم من المشانق وضمن تلك الوثائق استغراب واستنكار علي الكيماوي لعدم قيام الكويت بالإعدام الفوري لمن حاولوا قتل الأمير في منتصف الثمانينيات..!!

وفيما يخص محاكمات الأنفال فقد أصدرت منظمة حقوق الإنسان في فبراير 94 ملفا من 160 صفحة يشتمل على جزء صغير من الوثائق التي سقطت بيد الاكراد بعد ثورتهم في مارس 91 وضمن تلك المخطوطات اوامر خطية لصدام بالإسراع بعمليات الإعدام للسجناء الاكراد وضرورة عدم إعادة التحقــيق معهم.

كما تظهر الأوراق اعترافات المجيد بأنهم ـ لا الإيرانيين ـ من قاموا بقصف مدينة حلبجة بالكيماوي، وتتضمن كذلك اوامره بعزل القرى الكردية ومنع الدخول إليها او الخروج منها وضربها طوال اليوم «بالعتاد الخاص» اي الكيماوي، كما يأمر بقتل كل كردي في تلك المناطق المحظورة يبلغ عمره من 15 حتى 70 سنة وقد نتج عن تلك الاوامر الإبادية القضاء على 180 ألف كردي امتلأت بهم المقابر الجماعية في كردستان.

سامي النصف

أخبار الدنيا من أم الدنيا

في ظل تكرار ظاهرة اصطدام القطارات قامت مجلة «الوطن اليوم» بعمل عدة لقاءات بالأسماء والصور مع العاملين بهيئة السكة الحديد، ومما قالوه ان هناك 220 قاطرة إسبانية جديدة معطلة قيمتها 4.5 مليارات جنيه بسبب قطعة «شربون» لاتزيد قيمتها على 150 جنيها، لا أعرف معنى كلمة «شربون» وإن كنت أعلم ان كلمة «بيروقراطية» تعني الكارثة.

تم أوائل هذا العام نحر وذبح 3 أسر صعيدية بطريقة وحشية تقطن في 3 بيوت مختلفة وقد تم قطع أجهزتهم التناسلية مما حول التحقيق الى البحث عن شخص مختل عقلياً، لذا تم القبض على محمد ع.

الذي يعالجه والده في عيادات مصر وسمي بسفاح المزار، وقد تم طرح عدة تساؤلات آنذاك عن قدرة شخص واحد على اغتيال عدة أشخاص يقطنون غرفا وبيوتا متلاصقة، مما يعني ان اغتيال الأول سيتسبب باستيقاظ الآخرين، أصدرت بالأمس محكمة القاهرة حكماً ببراءة المتهم وسط زغاريد أهله وتهديد الأسر الأخرى أمام الصحافة بالأخذ بثأرها حسب التـقاليد الصعيدية عبر اغتيال وإبادة المتهم وأسرته، بالمقابل يتخوف بعض المراقبين من قيام الجماعات المتطرفة بعمليات اغتيال وتنكيل بالآمنين، كما الحال في الجزائر والعراق بقصد اثارة البلبلة والفوضى.

كما أصدرت محكمة القاهرة حكما ببراءة مدير عام الطيران المدني السابق وثمانية من معاونيه الذين اتهموا بالتفريط بـ 6.5 مليارات جنيه بعد ان ارسوا مقاولة تشغيل مطار رأس سدر ومنح 330 الف متر من اراضي الدولة لشركة مسجلة بانجلترا تم تزوير الأوراق الخاصة بها لاثبات ان رأسمالها يتجاوز 2 مليار جنيه استرليني، بينما ثبت ان رأس المال كان بضعة جنيهات استرلينية رفعت الى الف جنيه بعد ارساء المناقصة.

عرضت محلات «عمر أفندي» الشهيرة للبيع العلني فتقدمت عدة شركات للشراء وقد حازت شركة انوال السعودية الصفقة بعد ان تعهدت بدفع 580 مليون جنيه مع الالتزام بالحفاظ على العمالة الوطنية وعدم بيع الاراضي والمحلات التابعة، وقبل يوم من اتمام الصفقة تقدم شخص مصري يعمل بالسعودية ويدعى سعيد الحنش يلبس الجلباب دون طاقية بعرض 2 مليار للمحلات (600 مليون تكفي) مما اثار الصحافة والشارع المصري حول مدى جدية الصفقة، احدى النظريات تقول ان هناك 20 تاجرا مستفيدين من الوضع الحالي يودون اثارة البلبلة وتأجيل البيع، بينما تقول نظرية اخرى ان الشخص لا يملك شيئا وانه يود فقط ان تدفع له الشركة السعودية «كم مليون» كخلو رجل.

صرح الخبير البترولي محمد طالب لاحدى الصحف بأن القطاع البترولي المصري يخسر بدلاً من أن يربح وهو وضع غريب، وقد قدر الخسارة بمليار دولار بسبب نظام التسعير الخاطئ للنـــفط و20 مليار دولار نتيجة اتفاقيات الغاز المجحـــفة و10 مليارات دولار خسارة معمل تكرير أسيوط أي ما يقارب خسارة 180 مليار جنيه في المجمل، لا تعلم هذه الأيام الحقيقة من الزيف، فيما ينشر في صحافة مصر.

وقانا الله مثل تلك الأمور مع الفتح القريب لإصدارات الصحف في الكويت.

آخر محطة:

أشرقت الكويت مساء أمس بوصول الصديق د.أحمد الربعي لأرض الوطن، والزميل الربعي هو أحد العلامات البارزة في الحياة الفكرية والسياسية والإعلامية الكويتية والعربية المعاصرة، الحمد لله على السلامة، وما تشوف شر وقرت يابوقتيبة عين أحبائك الكثر.

سامي النصف

عجائب آخر الحرافيش

مما قرأته وتابعته لسيرة عميد الأدب العربي الراحل الكبير نجيب محفوظ أرى انه أخل بإنجازاته ونهج حياته بكل الموروثات المعتادة، فقد جرى العرف على أن يسبق ويتقدم من درس في الغرب وتكلم لغته واطلع على ثقافته، من بقي محصورا في محيطه المحلي، إلا أن العميد خالف الأمر وتفوّق، وهو الذي لم يغادر مصر إلا لماما، على جميع معاصريه ممن درسوا وعاشوا إما في الغرب أو في الاتحاد السوفييتي.

ويظهر كسر العميد محفوظ للموروثات السياسية واضحا وجليا بانتمائه وحبه الشديد للنقيضين «الوفد» الذي يمثل الليبرالية والرأسمالية الوطنية، والشيوعية التي تسبب تنكيل ناصر بها أواخر الخمسينيات بجعل محفوظ يكتب سلسلة من أجمل روائعه الناقدة للنظام الناصري والتي رفض هيكل نشرها في الأهرام فنشرها صديقه رجاء النقاش في مجلة الإذاعة والتلفزيون، ولم يمنع إهداء ناصر قلادة النيل لمحفوظ من إكمال نقده لنهج حكمه، وقد ظل محفوظ محافظا على مسار العيش على النقائض وكسر الموروثات الأدبية والسياسية والحياتية عبر استمراره حتى آخر أيامه في حضور جلسات الأحد لفندق شبرد مع دعاة التطبيع مع اسرائيل وعلى رأسهم الكاتب علي السالم، ثم حضور جلسة الثلاثاء في «فرح بوت» مع الناصريين ومنهم الكاتب يوسف القعيد.

أما حياة العميد المديدة التي قاربت القرن فقد كسر بها كذلك كل الموروثات وما هو محفوظ في كتب الصحة والطب، فقد كان نجيب محفوظ مدخنا ويعترف للنقاش بأنه كان محششا وزيرا خطيرا للنساء يزورهن حتى في مواخير البغاء، وكانت إحدى أمنياته الساخرة ان تنهار أرضية الشقة التي تعلو سكنه والتي تقطنها الفنانة برلنتي عبدالحميد حتى تقع الفنانة في حضنه، وكان الطعام الذي أدمن عليه العميد وساهم في عبقريته هو الفول والطعمية لا اللحم والكافيار، وهو أول ما طلبه عندما استيقظ من البنج في لندن بعد محاولة اغتياله.

ومن المعتاد القول ان الحياة المنزلية السعيدة هي سر الإبداع وطول العمر، والحقيقة ان حياة محفوظ كانت أبعد ما يكون عن ذلك، فقد اعترف لمفيد فوزي بأنه لم يذق السعادة قط في منزله، فابنتاه الاثنتان أم كلثوم وفاطمة لا تقرآن أدب أبيهما ولا تطلعان حتى على أفلامه، أما حرمه التي بقي زواجه منها سرا لمدة 13 عاما، فقد كانت أقرب ـ حسب قوله ـ لأبي الهول، وقد تكون حسنتها الوحيدة ان صمتها الدائم قد وفر له الهدوء الذي يحتاجه الكاتب، وفي هذا السياق يُقال ان أحد أسرار طول العمر هو «الفضفضة» أي الكلام الدائم بما يتعرض له الإنسان، والحقيقة ان الأديب نجيب محفوظ كان على الـــعكس من ذلك، فقد كان الصامت الأكبر في المنزل وفي جلسات الحرافيش، وقد أصيب بمرض الســــكر الذي يقال انه يقصّر الأعمار، إلا أنه عاش معه لمدة جاوزت 44 عاما بعد الإصابة.

وما أثر وقصر وأضر بعمر العميد هو محاولة قتله عام 95، والتي قيل ان سببها لقاء صحافي لمفتي الحركات الجهادية عمر عبدالرحمن مع جريدة «الأنباء» الكويتية والتي قال فيها نصا «إننا لو قتلنا الشيطان نجيب محفوظ عندما كتب رواية أولاد حارتنا لما تجرأ سلمان رشدي على كتابة آيات شيطانية» وقد بقي هذا الفهم قائما حتى نشرت احدى الصحف هذا الأسبوع لقاء مع أحد المتهمين بمحاولة القتل قال فيه ان سبب المحاولة هو تصريح وزير الداخلية المصري آنذاك بأنهم قضوا على الإرهاب فقاموا باستهداف الأديب الحائز على جائزة نوبل حتى يعرف العالم أجمع انهم مازالوا موجودين على الساحة.

آخر محطة:

تتبقى بعض الجوانب الشخصية حول الراحل نجيب محفوظ منها خفة دمه الشديدة، رغم صمته الدائم، وحقيقة انه كان في شك كبير بوجود الخالق جل جلاله حتى آخر أيامه عبّر عنه في روايته «أولاد حارتنا» عندما كان يتساءل عن حقيقة وجود «الجبلاوي» القاطن في البيت الكبير وكذلك في روايته «الطريق» على لسان البطل صابر الرحيماوي الذي بقي طوال القصة يبحث عن والده الرحيماوي وظل يصرخ عندما أحاط به العسكر لقتله «انت فين يا رحيماوي» وفاتت تلك الرواية طباعة وفيلما على الرقابة وأوقفت بالمقابل رواية «أولاد حارتنا» فانتشرت وحصدت له جائزة نوبل…!

سامي النصف

نافذة واسعة على العالم – تكمله

رغم إيماننا منذ الصغر بالمنهج البراغماتي والحواري ـ لا الثوري ـ كأداة لتغيير المجتمعات الإنسانية الى الأفضل إلا أننا نبدي دعمنا الشديد لبعض الثورات التي نرقبها على الساحة العربية وأولاها ثورة أهل فلسطين على حكومة حماس التي تتلقى أوامرها من مكتبها الخارجي الكائن في إحدى العواصم الثورية والذي تسبب بتدمير الداخل الفلسطيني وايصاله الى حالة اليأس التام، معلومة لا يعلم بها إلا قلة وهي ان حماس حصلت على 46% من الأصوات فقط إلا أنها حصدت 56% من مقاعد البرلمان، بينما حصلت السلطة على 54% من الأصوات وحصدت 44% فقط من المقاعد أي أن حماس لا تمثل أصلا الأغلبية الفلسطينية.

وفي ليبيا نؤيد ثورة الابن سيف الإسلام القذافي على النظام واتهامه له بتغييب الديموقراطية وتفشي القمع والفساد الشديد وتنفيع القطط السمان والتي رد عليها الأب في خطابه الأخير بالقول انهم عندما كانوا صغارا لم يدخنوا حتى السجائر أما الآن فقد أصبحوا يشربون الخمر (!) وقد سمحت ليبيا أخيرا بدخول الخمور بعد استيفاء الرسوم عليها واستطرد الأب القائد القول إنه ومن معه سيجلسون على مقاعد الاعتراف والتوبة في الأشهر الأربعة القادمة… هين..!

في كردستان ثورة محقة للزعيم مسعود البرزاني ضد رفع العلم الصدامي الحالي وهي ثورة يجب ان يشاركه بها الشعب العراقي وشعوب الدول المجاورة وكيف لدولة ألا تستطيع خلال 3 سنوات خلق قطعة قماش عليها صورة علم بديل حسب ما ينص عليه الدستور الجديد، وقد كررت قبائل الغرب وقواها السياسية أخطاءها الشنيعة المعتادة بالقول انها ستقوم بحرق أي علم بديل للعلم الصدامي الحالي، أخطاء تلك القوى ستتسبب في النهاية بإسالة دمائها أنهارا وتناثر لحومها أشلاء.

وفي لبنان هناك ثورة مفتي صور وجبل عامل السيد علي الأمين ومعه كتابات المفكر اللبناني علي حرب الناقدة لمبررات الحرب التي تسببت بتدمير لبنان، الغريب ان هناك من يريد تغطية اخفاقه بتحويل الأنظار لعملية محاولة إسقاط الحكومة اللبنانية «العاقلة» الحالية التي يقبل ويرضى بها العالم واستبدالها بحكومة «مجنونة» يهيمن عليها الصدامي ميشيل عون كي ترفض القرارات الدولية ويبدأ معها حصار وإجاعة لبنان والحج للنهج الذي تروم العودة منه الجماهير الفلسطينية وشعوب الدول الثورية المواجهة للمجتمع الدولي والمهددة بالحروب والانشطار هذه الأيام.

آخر محطة:

رفض السودان للقرار 1706 سيتسبب بتصويت الجنوب على الاستقلال ثم خلق دولتين في دارفور ودولة في الشرق ودولة في بلاد النوبة ستهدد وحدة مصر الإقليمية وستبني الأمة العربية في النهاية تماثيل ضخمة في ميادينها الرئيسية للراحلين الكبيرين «سايكس وبيكو».!