سامي النصف

ملكة بريطانيا وملوك العرب

شاهدت هذا الاسبوع في سوق الكوت والمارينا ـ الله يعز B.O.T وعقبال سوق افنيو الرائع القادم والقائم على الدائري الخامس ـ فيلمين أولهما سيئ وهو فيلم جيمس بوند الجديد الذي امتاز بثقل دم بطله، وتعقيد قضيته وخلوه من الحركات البهلوانية الخارقة والاختراعات المبتكرة التي تمتاز بها أفلام جيمس بوند المعتادة.

الفيلم الثاني هو فيلم جميل صورت أغلب مناظره في جبال اسكوتلندا الساحرة واسمه «الملكة» وتدور أحداثه حول ما حدث في الاسرة المالكة البريطانية العريقة ابان مقتل الاميرة ديانا، واضطرار الملكة للاختيار ما بين التقاليد المتوارثة التي تفرضها البروتوكولات الصارمة حول عدم المشاركة في دفن فتاة لم تعد تنتمي للأسرة المالكة، وبين رغبة الشعب في كسر تلك التقاليد وإظهار إنسانيتها عبر مشاركة شعبها الحزن على أميرة القلوب.

وقد لعب رئيس الوزراء الشاب آنذاك توني بلير دور الناصح الأمين للملكة التي تجاوبت مع نصائحه فأصبحت «ملكة القلوب» وتحول الرأي العام من الاستياء الى الود، ومن الازدراء الى الحب، وكان من أجمل صوره عندما سألت الملكة طفلة صغيرة ان كان بإمكانها أخذ بوكيه الورد منها لوضعه على قبر الأميرة ديانا، فأجابتها الطفلة الصغيرة بأنها ترفض ذلك، وقبل أن تستفيق الملكة من ذهولها استطردت الطفلة قائلة ببراءة إن ذلك الورد ليس للأميرة، بل للملكة التي أصبحت محبوبة الناس.

ان الاعتقاد أن الناس اللي فوق لا مشاكل لهم أو أنهم يفتقدون الحس الانساني أمر لا صحة له، والتجربة العربية المعاصرة تثبت أن أصحاب الدماء الزرقاء، إن صح التعبير، كانوا أكثر حساً وانسانية ورقة ممن أتوا بعدهم، فلم تتلطخ على سبيل المثال أيادي الملك فاروق وفيصل الثاني وإدريس السنوسي بدماء أعدائهم وخصومهم السياسيين، بينما خاض من أتى بعدهم في دماء الابرياء والاصدقاء قبل الاعداء حتى الاعناق ثم دمروا البلدان التي وعدوا الناس بالحفاظ عليها.

ان تجربة العصر الحديث في منطقتنا تثبت كيف استغل الخبثاء والاشرار الديموقراطية الخيرة وحرية الاعلام لبث الاشاعات المدمرة وتسويد الصورة العامة أمام العامة عبر تصوير كل شيء بالخراب وكل أمر بالفساد، ولم تخلق الحكومات الديموقراطية في تلك البلدان خططا مدروسة توضح الحقائق وتكشف الخفايا وتقارع الحجة بالحجة من مبدأ ان البضاعة الجيدة لا تحتاج للإعلان عنها، وان الشعوب أذكى من أن يخدعها المخادعون، وقد أثبتت التجربة التاريخية المرة تلو الأخرى الخطأ الفادح لذلك النهج، فالحقوق في النهاية تحتاج الى حلوق… وما هو أكثر من ذلك.

آخر محطة:
 من الحقائق التي لم يتطرق لها الفيلم أن مشاركة الملكة قد تمت بناء على توصية لجنة خاصة تسمى «WAY AHEAD COMMITTE» التي ترأسها الملكة والتي تناقش عادة التحرك الأنسب للقصر فيما يخص القضايا العامة والتي منها النظر مؤخرا في القانون الصادر عام 1701 والخاص بعزل الأمير الذي يقوم بالزواج من كاثوليكية، وهو ما لاقى استحسان بابا روما.

سامي النصف

الرياح القادمة من الشمال

يذكر عالم الاجتماع الكبير الراحل د.علي الوردي ان هواء العراق يورث الشقاق والتناحر والافتراق، والواقع أن رياح الشمال تلك تصل بعد هبوبها على أرض السواد سريعا للكويت فيتحول لدينا الحراك السياسي الموجب الى عراك سياسي سالب يكدر الأمزجة ويفرق بين الناس، فهل من حل لرياح الشمال تلك؟!

بعيدا عن الرأي الشخصي في الموافقة أو الاعتراض على مبدأ إسقاط القروض، واضح ان رد القانون يحتاج الى دعم 44 نائبا، وهو من سابع المستحيلات، فلماذا إذن خلق الأمل الكاذب لدى بعض المواطنين دون داع، خاصة أن الأرقام تثبت أن 98% من المقترضين يسددون بانتظام.

لا أشك على الاطلاق بنوايا من قرروا أن يكونوا أمناء على أخلاق الأمة، ومن ثم يحاولون خلق سلطة داخل سلطة عبر التجمع الذي أعلن عنه قبل أيام، والذي هو تكرار لمحاولة رفضها الشعب الكويتي في السابق لأن يكون هناك من هو قيم على أخلاقه وتصرفاته، وكأن شعــبنا طفل قاصر يحتاج لمن يدله على سبل الخير ومكارم الأخلاق، أو أن لديه نزعة فساد وشر لا يمكن ردعها إلا بتلك الجماعة.

المهم اننا متى ما أقررنا لتلك الجماعة عملها بحجة وجود ممارسات سالبة في المجتمع، فيجب علينا أن نقر في الوقت ذاته قيام جماعة أخرى يكون عملها مراقبة الجمعيات والأسواق لمنع ممارسة سالبة أخرى هي اسراف الكويتيين والمقيمين في الشراء والاستهلاك، ثم جماعة ثالثة تلف على المدارس والمعاهد والجامعات لمنع تسرب الطلاب والتأكد من حرصهم الشديد على الدراسة بعد تفشي حالات الرسوب والتسرب الدراسي الذي هو ممارسة سالبة حقيقية ثالثة!

قبل أيام وقف البلد على أطراف أصابعه انتظارا لقرار الحل المؤكد!

والذي كان الخلاف حوله هو فقط فيما اذا كان دستوريا أو غير دستوري، وبعد أن انشغلت الصحف وعقدت اللقاءات اتضح أن لا حل دستوريا أو غير دستوري ولا يحزنون، ولم يسأل أحد مطلقي الاشاعات عن مصداقيتها، ونرجو أن تكون هناك دروس قد استوعبت من تصديق الأكاذيب وبناء قصور الأوهام عليها.

آخر محطة:
نرجو ألا يقوم من تسببوا بتدمير نصف لبنان حرباً بتدمير نصفه الباقي سلماً، ارحموا لبنان وشعبه من الشعارات المدغدغة وأفسحوا المجال لمن يريد تعميره لا تدميره!

سامي النصف

الكويت بين الكلمات واللكمات

 

ليغمض من عاش فترة الاحتلال البغيض عينه وليتذكر معاناة تلك الفترة ويتذكر معها كم العهود والوعود والأحلام التي قطعناها على أنفسنا وقلنا اننا سنعملها حال عودة الكويت، آخذين العظة والعبرة من شقاق وتناحر ما قبل عام 90، فما الذي يحدث هذه الأيام؟ وهل نسينا أم هان علينا بلدنا حتى اصبحنا نتسابق على ايذائه وتجريحه عبر ما نراه من فتن تنشر وأقوال تنثر وأفعال تنحر الأوطان من الوريد إلى الوريد نرقبها كل صباح ومساء؟

ان أميركا أم الحريات في العالم لا يسمح فيها، على سبيل المثال، بما يمس وحدتها الوطنية أو ما يشق نسيجها الاجتماعي، فلا يمكن ان يطرح أحد الدعوة لطرد المسلمين أو قتل اليهود أو اضطهاد السود، اما لدينا فنقرأ كل يوم كلمات هي أقرب للخناجر واللكمات التي تثخن جسد الوطن وتسيل دمه الغالي، فبعضها يثـــير الطائفية والآخر العنصرية والثالث استعداء جزء من المجتمع على اجزائه الأخرى وهكذا.

ومما نراه سائدا ومقبولا ترسيخ مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة» فلا مانع لدى بعض الساسة من حرق الوطن وتقويض أركانه للحصول على مصلحة ذاتية، ومثل ذلك ادمان استخدام سياسة «علي وعلى أعدائي يا رب» أو «الأرض المحروقة» في معارك وحروب غير مبررة لا تنتهي بين ابناء الوطن الواحد، اننا في حاجة الى منظومة اجتماعية تتكون من كبار رجالات الكويت ومرجعياتها الدينية وشيوخ قبائلها وعوائلها لاصلاح ذات البين بين أفراد شعبنــا الصغير الذي زادت خلافاته عن خلافات أهل الصين والهند معا، حتى يتفرغ الجميع للتعمير لا التدمير، ولكي لا ينتهـــي الحال لدينا بما نراه قائما في بعض دول المنطقة المنكوبة.

ان الثقافة الجديدة وأساسيات الدولة الحديثة تفرض التوقف الفوري عن طرح بعض المقترحات التي تهدم اركان أي دولة مستقرة، فلا يوجد في العالم أجمع من يسمح بالدعوة لاسقاط الضرائب أو عدم دفع فواتير الكهرباء والماء… الخ، ومن ثم فإن القبول باستخدام المطالب المدغدغة يعني ان نسمح ونستمع في الغد لمن يطالب بتعويض خسائر أهل الأسهم وهم بمئات الآلاف من المال العام، أو حتى انتظار آخر العام لاقتسام مداخيل الدولة وتوزيعها بين الناس على مبدأ المثل الشعبي القائل «اكل كل ما عندك الليلة ترى الغزو باكر» اي ألا نبقي شيئا للأجيال القادمة، ولا حول ولا قوة الا بالله.

آخر محطة:
بودي من الزميل أحمد الربعي ان يسن سُنة جميلة وهي تفريغ ذكرياته الاجتماعية والسياسية والعملية في أشرطة تسجيل يمكن له أو من يستعين به ان يحولها بعد ذلك لكتاب أو كتب عدة، منها السيرة الذاتية والمخطوطات السياسية والتاريخية المختلفة.

سامي النصف

أحمد أباد

اخذتنا رحلة وصحبة جميلة الى ولاية كوجرات الهندية ضمن وفد من «الكويتية» رأسه الاخ سليمان ماجد الشاهين وضم العديد من الاعلاميين ومسؤولي مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، وقد شارك في احتفال فتح المحطة سفيرنا النشط في الهند السيد خلف الفودري الذي يعتبر مرجعا في قضايا السياسة والادب.

وكانت محطة احمد اباد سادس محطة تدشنها الكويت في شبه القارة الهندية، كما ان مؤسستنا الوطنية اصبحت الناقل الدولي الوحيد في تلك الولاية التي يزيد عدد سكانها على 50 مليون نسمة الى منطقة الخليج والشرق الاوسط، كما انها الشركة الدولية الاولى المتجهة غربا من ذلك المطار الواعد الذي اعلنت بعض الشركات العالمية مثل لفتهانزا الالمانية عزمها التشغيل منه مع بداية العام القادم.

وقد بدأ اليوم الاول بحفل استقبال كبير ضم وكالات السفر والانباء والفعاليات الاقتصادية في الولاية، وقد ابدت «الكويتية» رغبتها بفتح الاجواء الهندية لحركة النقل المتزايدة بين البلدين، وقد استشهد الاخ سليمان الشاهين بكلمات من كتاب الرئيس الهندي «اجنحة النار» لاقت استحسان الحضور.

وقد ضم الوفد الاخوة خالد المطيري وناجح بلال وهشام ابو شادي وبدور المطيري وياسين الجوري وحسن بوشهري وعلي الصالح وجنسن موركانتو، ومن الكويتية السادة سعود المخيزيم وسعد العتيبي وفهد الظفيري، وقد لاحظنا اثناء تجوالنا الفارق الكبير بين الآثار الاسلامية التي هي في امس الحاجة للترميم والعناية بها وحراستها والآثار الاخرى المجددة والتي تحيط بها قوى الامن لمنع تفجيرها او الاضرار بها.

ولكل رحلة طرائف، ومن طرائف رحلتنا ما حدث عند زيارة الوفد لقصر ومسجد وبحيرة السلطان قطب، حيث اسر احد اعضاء الوفد لجمع كبير من المواطنين بأن الزميلة بدور المطيري هي شخصية شهيرة، مستشهدا بوجود كاميرات قناة الراي المصاحبة لنا فتم التقاطر عليها من كل حدب وصوب.

وقد لاحظنا التغيير السريع في شخصية الزميلة بدور حيث بدأت مترددة في توقيع الاوراق والاوتوغرافات، الا انها سرعان ما اعتادت ذلك الامر، ثم بدأت توقع على «جبهات» وايدي الاطفال، وما ان نادى الوفد عليها ان تترك المكان وتتجه للسيارة حتى رفعت يدها لتحية الجماهير المحتشدة بطريقة هي خليط من التحية الهتلرية والصدامية، حتى ان السفير ابو دعيج قال ضاحكا لم يبق لابنـــتنا الا ان تمسك بندقية وتطلقها في الهواء كحال الميت الحي صدام.

وزرنا بيت الزعيم مهاتما غاندي الذي اعلن منه حركة العصيان المدني الشهيرة، وكانت غرفة الزعيم التاريخية الخالدة تضم مطرحا ابيض على الارض وطاولة صغيرة واداة الغزل ولا يسمح لاحد عادة بدخول الغرفة، بل يكتفى بمشاهدتها وتصويرها من فتحة صغيرة بالباب، ولكن امرا ما حدث، ففتح الحارس الغرفة ليدخلها الزملاء هشام ابو شادي وناجح بلال ويجلسا بسرعة في مكان الزعيم ويلتقطا الصور النادرة للمكان، ويذكر لنا زميلنا الهندي من جريدة كويت تايمز ان ما تم هو فرصة ذهبية وشرف لا يحظى عادة بمثله حتى رؤساء الدول.

آخر محطة:
تسبب خطأ مطبعي بتغيير الفقرة الاولى من مقال الامس والتي يفترض ان تقارن بين الكويت (البلد) والكويتية (مؤسسة الطيران)، الى مقارنة بين الكويتي (الرجل) والكويتية (المرأة)، فعذرا.

سامي النصف

الكويتي والكويتية

الفارق بين الكويتي والكويتية تاء مربوطة، فالاثنان مظلومان بشدة بسبب الصورة السالبة النمطية المنتشرة لدى البعض عنهما، والاثنان يحتاجان حقيقةً لمزيد من الإنصاف والاعتدال والواقعية عند التطرق اليهما، وإذا كنا تكلمنا في مقال الأمس عن واقع الكويتي الموجب الذي يدعو للتفاؤل ومثل ذلك مستقبل البلاد في ظل الخطة الطموحة الموضوعة للأعوام الأربعة المقبلة والتي ستحيل الكويت إلى مركز اقتصادي ومالي مؤثر في المنطقة دون الحاجة لتكرار تجارب الغير أو الوقوع في أخطائهم فإننا نحتاج اليوم للحديث عن الكويتية طائرنا المحلق في أجواء العالم.

أحد أسباب النظرة غير المنصفة لمؤسسة الخطوط الجوية الكويتية هو إشكالية التعميم، فما ان يحدث عطل فني يشبهه ما يحدث كل ساعة في جميع شركات الطيران الدولية حتى تبدأ عملية التعميم والمبالغة دون معرفة ان أنظمة الصيانة والسلامة في الكويتية هي من الأفضل في العالم، وان ما أجلت ـ أو أخرت ـ المؤسسة رحلتها وتكبدت الخسائر الباهظة من أجله قد تقوم بعض الشركات المنكوبة في العالم بتفويته حفاظاً على المورد المالي الذي يسخر ويتغاضى عن كل شيء بسببه، ولا تتغاضى بالمقابل الكويتية عنه أبدا، وهذا ما يجعلها تحوز كل عام جوائز السلامة من أرقى المؤسسات المختصة في العالم، ويبقي ملفها نظيفاً من الحوادث ولله الحمد بعد نصف قرن من التشغيل المتواصل. ومما يتكرر الحديث عنه خسائر «الكويتية» دون معرفة ان تلك الخسائر في الأغلب غير حقيقية، بل هي للحفاظ على معايير محاسبية تتعلق بالحفظ الدوري لقيم الأصول، مما قد لا تلتزم بمثله الشركات الأخرى في المنطقة، ومثل ذلك فرض مخصصات بعشرات الملايين تفترض ان جميع موظفي المؤسسة سيتقاعدون في يوم واحد، وهو أمر مكلف للمؤسسة وينعكس بالسالب على ميزانيتها، الا انه لن يحدث أبداً ويبقى أحد المتطلبات المالية الواجب الالتزام بها.

ان «الكويتية» هي مجمل جهد الآلاف من أبنائها من مدراء وطيارين ومهندسين ومختصين في جميع القطاعات المختلفة، ونصفهم أو أكثر من الكويتيين، لذا فالثناء موجه لهؤلاء الجنود المتفانين في عملهم ممن يواصلون الليل بالنهار للتأكد من حسن أداء الخدمة وسلامة الطائرات وهو جهد لو اطلع عليه الجميع لأثنوا معنا على هؤلاء بدلاً من العتب عليهم.

وقد اطلعت على خطة طموحة للاخوة الأفاضل في إدارة العلاقات العامة في المؤسسة تستهدف الانفتاح على المجتمع وعلى الصحافة ووسائط الإعلام المختلفة تطلعهم عبر الزيارات والبروشورات على ما يدور في دهاليز «الكويتية» من خطط طموحة وجهود جبارة تبقي طائراتنا وأعلام الكويت محلقة في مشارق الأرض ومغاربها، وهو ما يشعر كل مواطن منا بالفخـر الشديد به.
 
آخر محطة:
انتشرت عبر SMS رسائل خاطئة عن ان طائرة كويتية أخطأت مسارها بالأمس لدى مغادرتها مطار دلهي في الهند، والحقيقة ان الطائرة التزمت تماماً بمسارها المعهود، كما التزمت بتعليمات برج المراقبة في المطار الذي يملك كامل السلطة والصلاحية على أجوائه، وهو أمر يفرض القانون على الطيار الالتزام الحرفي بإرشاداته حفاظاً على السلامة، لذا فهو من يتحمل كامل المسؤولية حال تحليق الطائرة ـ أي طائرة ـ فوق منزل رئيس الوزراء، كما أتى في تلك الرسالة الخاطئة.

سامي النصف

أخطاء شائعة في الثقافة السائدة

منذ عهد الاستقلال الاول ونحن نعيش ثقافات سائدة تم السكوت عنها فكبرت واستشرت حتى أضرت، منها الايمان القاطع لقطاع من الشباب والبراعم الصغار بأن الاوضاع الحالية كحلية، وان المستقبل مظلم وكل شيء في البلد خطأ وكل قرار خطيئة، وهو ما يجعل تلك النظرة السوداوية التشاؤمية تؤثر في النهاية على انتاجيتهم في العمل وصحتهم الشخصية، بل انها أحد أسباب دفع بعضهم للتطرف والمخدرات والتسبب في حوادث السيارات، فمن سودت الصورة أمامه حتى أصبح لا يرى إلا ظلاما في ظلام لا نستبعد عنه أن يرخص حياته حتى يودعها أول عمود نور في طريقه.

ومن الثقافات السائدة التي لها أثر سالب على أداء البلاد العام ولعبته السياسية الاعتقاد الراسخ لدى البعض بأن الحكومات المتعاقبة التي ضمت مئات اذا لم نقل آلاف الكويتيين ممن عملوا كوزراء ومسؤولين كبار لا ينامون الليل تآمراً على مكتسبات الناس «الذين هم في النهاية منهم» ولا يقل لنا أحد: لماذا لم نسمع قط من المسؤولين السابقين تفاصيل تلك المؤامرات الضارة والخطط الجهنمية التي تخطط ضدنا؟!

لنحسن النوايا في المبدأ والمنتهى ولنوقف هذه الايام اشاعات «الحل» التي هي أقرب لأكذوبة جحا التي صدقها من قالها. ومن تلك الثقافات الخاطئة المتوارثة القبول بمبدأ الاستجواب على «الهوية» لا على «القضية» فما دام هذا الوزير لا يستقبلنا بالطريقة التي نودها أو ذاك لا يبتسم بوجوهنا يحق لنا استجوابه، بل ومحاولة جمع أصوات طرح الثقة قبل المداولة وسماع رد، ولا يهم في هذا السياق مدى اخلاصه وتطويره لعمله أو حتى ما ستخسره الكويت من خسارتنا كمواطنين له ولإصلاحاته.

ومن تلك الثقافات غير الصائبة الاعتقاد بأن جهاز خدمة المواطن ما خلق الا للتدخل في الانتخابات النيابية وترجيح كفة على كفة، والحقيقة ان ذلك الجهاز ـ كما هو مسمى ـ وضع لخدمة المواطن الكويتي، وهو ما يعمله طوال العام حيث يستقبل معاملات المواطنين ويحاول تسهيلها ومتابعتها لدى الوزارات المختلفة، ومن ثم فهو لا يملك صلاحية بذاته لعمل أي شيء مما قيل عنه.
 
والـ B.O.T ليس مخدرا أو شيئا محرما حتى تترسخ ثقافة «اتهام» بعض الناس بتعاطيه، قبل ذلك النظام كان المواطنون يهربون من مطار الكويت فأصبحوا بعده يتقاطرون عليه، وتسبب ذلك النظام في خلق أسواق ومطاعم ومراكز ترفيهية ما كنا نحلم بها وأصبح ملايين المواطنين والمقيمين يستمتعون بها ويزورنا عشرات آلاف السائحين الخليجيين لرؤيتها والاستمتاع بها، لنوقف على الفور ثقافة قطع الرأس لعلاج الصداع والايمان بمبدأ هدم المعبد على الجميع أو سياسة الارض المحروقة التي لا تبقي ولا تذر، في النهاية، الكويت بألف خير وسنستمتع بها أكثر كلما أسرعنا جميعا بالتخلص من الثقافات السالبة السابقة، وأكثرنا من «الواقعية» و«التفاؤل» و«الاعتدال» في حياتنا اليومية، لنجرب هذه الثقافة الجديدة وستختفي المشاكل ونشعر كم هي جميلة الحياة في الكويت.

آخر محطة:
يصوت بعض الديموقراطيين في الكونغرس الأميركي مع الجمهوريين والعكس صحيح دون أن يحاسب أحد على ذلك كون الديموقراطية في البدء والمنتهى هي الايمان بالحوار كوسيلة للاقناع وترسيخ مبدأ الرأي والرأي الآخر بعيداً عن نظرية العصا الغليظة.

سامي النصف

تحالف مع كل لا جزء

سألتني مراسلة وكالة الأنباء الفرنسية عن السبب في عدم اهتمام الكويتيين بفوز الديموقراطيين بالانتخابات الاميركية، وما اذا كانوا لا يعتقدون بتأثير ذلك عليهم، وكانت الاجابة ان الكويت متحالفة مع الولايات المتحدة الصديقة وليس مع حزب من احزابها، كما ان الكويتيين يهتمون اكثر بانتخابات الرئاسة الاميركية، كون الرئيس هو من يملك تقرير السياسة الخارجية كما انه الرئيس الاعلى للقوات المسلحة.

اكتساح الديموقراطيين غير المفاجئ لانتخابات الكونغرس الاميركي يصب في النهاية ضمن اللعبة السياسية الاميركية المعتادة التي لا تسمح باحتكار احد الحزبين السلطة لمدة طويلة وكما ان الحرب الجيدة تساهم ببقاء الحزب الحاكم في موقعه، تفرض الادارة غير الجيدة للحرب خروج الحزب المعني من السلطة.

واذا كان كارل روف هو مهندس الانتصارات الجمهورية، عبر خلقه الشعار الذي رفعه حزبه والداعي للخروج للتصويت، فان النائب الديموقراطي ابراهام امنويل هو مهندس انتصارات الديموقراطيين هذه المرة عندما طلب في شهر سبتمبر الماضي من الصحافة ووسائل الاعلام الاميركية ـ كما تذكر نيويورك تايمز وهي ليبرالية في الاغلــب ـ ان تجعل حرب العراق والإخـــفاق القيادي فيها يتصدران صفحات الصحف وهو ما ادى لان تكون تلك الحرب هي احد المحاور الرئيسية التي قامت عليها الانتخابات.

وتعقد الانتخابات الاميركية في منتصف الاسبوع لا خلال عطلته، كما انها شديدة التعقيد حيث يتم التصويت خلالها على عضوية مجلس الشيوخ والنواب وحكام الولايات والمناصب العامة وتعديل الدستور وقضايا اجتماعية وسياسية وصحية وتعليمية متعددة، كما تستخدم اجهزة معقدة متغيرة للتصويت لذا لا تزيد نسبة الحضور عادة مهما اشتدت المنافسة على 50%.

ويعتقد بعض المفكرين ان ذلك الامر مقصود من قبل منظري اللعبة السياسية الاميركية فلا احد يريد ان يسيّر رجل الشارع العملية السياسية عبر حضوره المكثف، ويقول صموئيل هنتنغتون ان العملية السياسية كي تنجح تحتاج الى كثير من الاهمال من قطاعات كبيرة من الشعب.

وقد فاز أربعة عرب في انتخابات البرلمان وواحد من مجلس الشيوخ وجميعهم مسيحيون، كما فاز مسلم للمرة الاولى في تاريخ اميركا بعضوية مجلس النواب، والغريب ان القائمة على حملته قد اعلنت ان اليهود قاموا بالتصويت له بكثافة، ومعروف ان ذلك النائب ذو افكار تحررية زائدة، حيث يدعم زواج المثليين، وحق الحامل بالاجهاض، كما يؤيد اسرائيل ويرى ان حماس هي من يتسبب بإعاقة السلام في المنطقة.

وقد فازت السيدة هيلاري كلينتون بمقعدها في مجلس الشيوخ المؤثر عن نيويورك بعد حصولها على 8,2 مليون صوت بينما وصل السيد كونراد لنفس المقعد ممثلاً عن منطقة نورث داكوتا الاميركية بعد حصوله على 149 ألف صوت، ووصل فينشتين عن كاليفورنيا بـ 9,3 ملايين صوت بينما وصل يونغ عن الاسكا بـ 115 ألف صوت، وهتسون عن تكساس بـ 7,2 مليون صوت وكاربر عن ديلوير بـ 172 ألف صوت، وبراون عن اوهايو بـ 1,2 مليون صوت، بينما وصل ساندرز عن فيرمونت بنفس المقعد بـ 170 ألف صوت.

آخر محطة :
الديموقراطية نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الاميركي الجديدة كان لها موقف معارض من شن الحرب لتحرير الكويت وكانت حجتها هي الخوف على طيور الخليج من آثار الحرب بحكم اهتمامها بشؤون البيئة.. يعني كان على مواطنينا ان يضعوا أجنحة على اكتافهم كي ترأف بهم!

سامي النصف

عقد جديد لدولة جديدة

الكويت تمر هذه الأيام بمرحلة جديدة، فهناك أمير جديد للبلاد وولي عهد جديد ورئيس وزراء جديد وحكومة جديدة ومجلس أمة جديد، لذا فمن الطبيعي والمنطقي ان نخلق، حالنا كحال الأمم المتقدمة، قواعد جديدة للعبة السياسية ضمن عقد مجتمعي وسياسي جديد يقوم على الثقة المتبادلة بين السلطات والنظر للماضي فيما يعزز انجازاته ويبعدنا عن سلبياته بدلاً من تكرارها كوسيلة لتوتير العلاقة بين السلطتين.

وضمن البرنامج المعلن والجاد للحكومة الجديدة المحاربة الشديدة للفساد وتعزيز الشفافية التي وصلت لمخاطبة منظمة الشفافية الدولية لتطبيق اي مقترحات تراها بهذا الشأن، وتفعيل مبدأ العقاب والثواب والإيمان القطعي بمبدأ فصل السلطات الذي لا يستقيم مسار أو عمل الدولة دونه ومعه دعم العمالة الوطنية وإصلاح الخلل في الموازنة العامة للدولة لوقف الاعتماد على النفط كمورد وحيد للبلاد.

وضمن مشروع برنامج عمل الحكومة للسنوات الأربع المقبلة التي تنتهي عام 2010 والذي اصدرته وزارة التخطيط خطة عمل طموحة جداً وضعت لها جداول زمنية محددة لتطبيقها وتضمنت ميزانية تقارب 13 مليار دينار ومتطلبات بشرية تزيد على 12 الف شخص وحاجة لاستحداث وتعديل قوانين وتشريعات تزيد على 135 تشريعا لتنفيذ تلك الخطة التي تشمل تنمية الاحتياطيات وزيادة الانتاج النفطي وتطوير البنى الأساسية كانشاء موانئ ومطارات عملاقة ومستشفيات ومدارس وجامعات وتغيير في المناهج التعليمية والاهتمام بالتدريب المستمر ورعاية الشباب والتخفيف من الازدحامات المرورية وحوادث الطرق..الخ.

إن تلك المشاريع الطموحة العملاقة تحتاج بالقطع الى مراجعة وتمحيص من الجهات الرقابية والتشريعية المعنية، ثم الإسراع في اقرارها طبقا لقواعد اللعبة السياسية الجديدة حتى تمكن المحاسبة اللاحقة وليست السابقة عليها والا فسيتساءل كل مواطن: كيف يصح اتهام الحكومة بالاخفاق أو عدم الانجاز مادمنا نعرقل كل خطة تضعها وكل تشريع تتقدم به؟!

إن علينا الأخذ بمبدأ «مرر حتى تحاسب»، أما العرقلة المسبقة فتغل اليد عن المحاسبة اللاحقة، كما انها ستبقي البلد في حالة سكون ولن نجد الا أنفسنا نلومها في حال سبق الآخرين لنا.

وجزء هام من العقد الجديد يفرض علينا مسؤولية كبرى في فهم الدور الجديد المنتظر منا كمواطنين ومن ذلك ضرورة افتراض حسن النوايا والتفاؤل بمستقبل البلد والطلب من نوابنا الأفاضل جميعا دعم الخطة العامة للدولة بعد مراجعتها والتي تروم تجهيز الكويت للعمل كمركز عالمي دائم يستقطب ملايين السواح والمستثمرين ويضمن مستقبل أبنائنا أكثر من طلبنا من نوابنا الافاضل قضاء متطلباتنا الشخصية التي يفترض ان تتكفل بها مستقبلا برامج الشفافية والحكومة الالكترونية دون الحاجة لنهج وقوف الناخب أمام النائب أو النائب أمام المسؤول..

والحديث ذو شجون.

سامي النصف

سفراء وإعدام صدام

ربيع 1990، الوضع في الكويت والخليج هادئ الى اجل غير مسمى نتيجة لتوقف الحرب العراقية الايرانية وقبول ايران لشروط المجتمع الدولي وتطبيق القرار 598، ومن ثم انتهى الخوف في دول الخليج من احتلال ايران للعراق والتوجه جنوبا لباقي دول الخليج.

وكان العراق قد خرج منتصرا من تلك الحرب بسبب الدعم المباشر له من قبل دول الخليج التي اثنى عليها صدام اكثر من مرة وخصوصا الكويت، وكان واضحا آنذاك ان الشعب والجيش والقيادة العراقية قد ملت من حروب الخارج والداخل التي استمرت سنوات طويلة، وكانت القيادة العراقية تستجدي العالم كل صباح لوقف الحرب الاخيرة ومن ثم كان العراق يحتاج الى ما لا يقل عن 10 سنوات من الهدوء والسكينة لاعمار ما دمرته الحروب المتلاحقة.

في مثل هذا الجو الهادئ والمسالم والتصور الواقعي في حينه كان يفترض بأي دولة مؤثرة تعتزم تعيين سفير جديد لها في الكويت ان تختار من هو قريب من التقاعد لترشيحه سفيرا في بلدنا وان تترك سفراءها المؤثرين والفاعلين لعواصم دول المواجهة الساخنة في المنطقة كسورية ولبنان واسرائيل.

الا ان ما حدث في ربيع 90 كان على العكس من ذلك تماما، فإحدى الدول المؤثرة الكبرى في العالم رشحت مدير ادارة الشرق الاوسط في وزارة خارجيتها سفيرا لها في الكويت، كما رشحت دولة عربية مؤثرة رئيس مخابراتها في الوقت ذاته سفيرا لها في عاصمتنا، وواضح ان حسابات هاتين الدولتين قد تم بناؤها لا من تصريحات واكاذيب صدام المطمئنة بل من افعاله ومنها حفاظه على قدراته العسكرية في مرحلة سلام كان يفترض ان يسرح بها جيشه، اضافة الى افتعاله عمليات تسخين غير مبررة ضد المجتمع الدولي لتبرير بقاء عملية تسلحه، كما التزمت قياداته باللبس العسكري الخاكي بدلا من المدني الذي يرمز للسلام.

نذكر تلك الوقائع ونحن نرقب اعادة دولة اسلامية مؤثرة في المنطقة تعيين سفير سابق لها في بلدنا مرة اخرى ممن لهم صلة ومعرفة وثيقة بالداخل الكويتي بعد ان امضى ـ كما سمعت ـ سنوات عديدة في وزارة الداخلية ـ لا الخارجية ـ في بلده، وقد يرى البعض ان لهذا التعيين دلالات على ان قيادات بلده موقنة بقيام احداث ساخنة في المنطقة تحوجهم لسفراء لديهم معرفة مسبقة بشؤون الداخل الخليجي حيث قد لا يكون هناك وقت كاف لتعلمه.

والله اعلم.

آخر محطة:
لا مبرر للفرحة الكبرى بصدور حكم الاعدام على صدام فالاجراءات الدستورية العراقية تحتاج في النهاية لتصديق القيادات العراقية الثلاث عليه والتي أعلنت احداها قبل اشهر ـ ونعني الرئيس جلال الطالباني ـ انها لن تصدق على حكم اعدام صدام ان صدر، وهو امر قد يقوم بمثله رئيس مجلس النواب، اضافة الى وجود 10 قضايا اخرى تحتاج الواحدة منها الى عام على الاقل يعني «عقد» بالمجمل، الخوف ان يموت اهالي الضحايا ولم يعدم صدام.

سامي النصف

ابتسامة على شفاه صدام

الحكم الحقيقي على صدام يأتي مما سترويه الاجيال القادمة في المنطقة عنه، فقد وصل الى سدة الحكم في بلاد هي الاغنى في العالم، فسخر مواردها ودماء ابنائها لخدمة اغراضه الشريرة المدمرة التي بدأها بحملة الاعدامات المعلنة عام 1968 ثم استورد بخسة ودناءة القمح المسموم الذي قتل آلاف الفلاحين العراقيين الابرياء عام 1970…

تلا ذلك قيامه بحرب قمع وابادة ضد الاكراد استمرت 5 سنوات، وما ان انتهت عام 1975 حتى بدأ الاعداد لحربه على ايران التي استمرت حتى عام 1988، قام خلالها بحملة الانفال على الشمال التي قتلت ربع مليون شخص وهجرت الملايين، وتلا ذلك احتلاله للكويت ثم تدمير الجنوب والتضحية بمليون ونصف طفل كي يرفع الحصار عنه، وانتهى الامر بحرب 2003 لتحرير العراق من طغيانه، وما نشهده هذه الايام من قطع للرقاب والتفجير العشوائي والتحريض على الاقتتال الطائفي والعرقي هو نـتاج طبيعي لاعمال مخابرات الشيطان القابع في السجن.

وكان احد الاصدقاء قد اسر لي وانا ازور ديوان الصديق يعقوب الصقر ليلة السبت الماضي بضرورة بدء حملة اعلامية تدعو للاسراع بتنفيذ الحكم انتقاما لدماء الابرياء، كما ابدى تخوفه من الا تجرى عملية الاعدام امام انظار الملايين ومن ثم يبقى الشك قائما الى الابد في موت صدام من عدمه، وفي هذا السياق يذكر مراسل بي.بي.سي جون سمبسون انه لاحظ ابتسامة على وجه صدام لحظة مغادرته قاعة المحكمة وابتعاد الكاميرات عنه…

وان شاء الله مو ابتسامة خير…

وحتى ينفذ الحكم تظهر حقيقة ان صدام حسين هو اللاعب الكبير الوحيد في المنطقة الذي وقع في يد العدالة والواجب يقتضي تفريغ ذاكرته مما تحتويه من ألاعيــب وخطط ومؤامرات قام بها هو ونـظامه في العقود الثلاثة الماضية وادت الى الحروب الاهلية في بعض البلدان العربية والحروب الرسمـية بين بلدان اخرى، ان الجرائم المعلنة الـــتي يحاكم عليها صدام هي قمة جبل الجليد فيما تســبب به ذلك الطـاغية من كوارث ومآس في المنطقة.