سامي النصف

السنعوسي إن حكى..!

ستبقى مشكلة وزارة الاعلام باقية ما بقي الفهم الساذج العقيم بأن تلك الوزارة هي من يحيل الاسلامي الى ليبرالي او الليبرالي الى اسلامي (!) وزارة الاعلام لا تختلف في حقيقة الامر عن بقية الوزارات وكل ما تحتاجه هو استقرار وفكر خلاق وعمل دؤوب، وسيبقى كل شاب وشابة كويتية على انتمائه السياسي والاجتماعي ايا كان من سيتقلد وزارة الاعلام العتيدة التي اصبح معدل عمر وزرائها منذ التحـرير 9 اشهر بالتمام والكمال، ودلالة ما نقول هو الشارع المصبوغ بصبغة دينية في القاهرة وبغداد ودمشق واستنبول رغم الوزراء العلمانيين المتعاقبين على وزارات الاعلام هناك.

هل يعقل ان يرتج البعض خوفا من كلام صريح يمثله الوزير السنعوسي؟

ان على الحكومة ان تنتبه لاشكالية ان استجواب السنعوسي قابل للتكرار بعد اشهر او حتى في العام الاخير للمجلس الذي يعتبر «موسم قنص الوزراء» فهناك كتل معارضة تكفي بذاتها لسحب الثقة من اي وزير حتى قبل ان يصل الى المنصة، وهناك وضع دستوري عجيب يقبل بمبدأ الاستــجواب على الهــوية لا القضية وان يصدر الحـكم قبل المداولة لا بعدها.

واضافة الى الكتل المعارضة الثلاث هناك كتلة رابعة لا تقل معارضة ومناكفة عنهم فكيف سيتم الحصول على 3 وزراء يدعمون اي وزير يستجوب؟

لقد طالبنا في السابق بأن تطالب الحكومة الكتل الثلاث بان تحول كلماتها الداعمة للحكومة القائمة والتي تصفها بالاصلاحية الى عمل يعمل ويعبر عنه التوقف عن دعم الاستجوابات الكيدية او حتى دعمها. لم ينتبه احد لما جاء على لسان الوزير بدر الحميضي والنائب علي الغانم في حلقة 6/6 يوم السبت الماضي، لقد تســببت الحماوة السياسية والبرود الاقتصادي في الكويت في دخول 250 مليون دولار استثمارات العام المـــاضي في وقت خـــرجت فيه 4 مليارات دولار، بالمقابل تسببت الحماوة الاقتصادية والبرود السياسي في دولة الامارات الشقيقة في دخــول 12 مليار دولار، للمعلومة اعداد الناخبين في الامارات محدودة جدا وهو تطبيق لفكرة التدرج الديموقراطي الرائعة التي تمنع الوليد الجديد من ان يركض قبل ان يتعلم المشي.

في انجلترا ام القوانين والتشريعات الصارمة توقف التحقيق العدلي في احدى صفقات الطائرات بعد ان هددت الدولة المشترية بفسخ عقود الشراء مع الانجليز ومن ثم الاضرار الاقتصادي بهم، كون الانجليز يؤمنون بالا فائدة من نجاح العملية ما دامت ستقتل المريض، في الكويت تصدر بعض الاحكام دون النظر مطلقا لتأثيرها على اقتصاد البلد.

اشكالية ترسيخ مبدأ فسخ العقود لاجل عوائد افضل للميزانية العامة للبلد تخلق اشكالية منطقية فحواها ان ذلك المبدأ يعني اعادة النظر في العوائد الايجارية للاراضي العامة الاخرى كالمزارع والكراجات والجواخير والاسطبلات والشاليهات.. الخ، شخصيا اعتقد ان جزءا كبيرا من رفـــاه المواطن الكويتي المحسود من العــالم وحسن اداء شركاته قائم بالكامل على كرم الدولة في تحصيل اموالها ولو طبقت الحكومة الرؤومة مبدأ العين الحمراء لفاضت اموال الميزانية العامة مقابل افقار الناس وافلاس الشركات والعودة لمبدأ: العملية نجحت والمريض شبع موت.

آخر محطة :
في الغــد سنــعرض رد شركـة الملاحة العــربية وتعليقنا عليه.

سامي النصف

جهود تستحق الدعم لا التخذيل

الكويت ليست نفطا، الكويت قبل ذلك هي انسان وعطاء وثقافة وعلم، وقد حضرت الاسبوع الماضي في مدينة فاس حفل تقدير وتوقير للثقافة الكويتية عكسهما التكريم الحافل لعبدالعزيز البابطين وتقليده شهادة الدكتوراه الفخرية، وقد القيت ضمن الحفل وخلال ايام المهرجان الثلاثة كلمات معبرة تشيد بالكويت كإحدى عواصم الثقافة العربية المعاصرة وتظهر ان الجهد الذي يقوم به احد ابنائها للحفاظ على التراث والثقافة لا مثيل له في التاريخ العربي القديم او الحديث وهو ما اطال رقابنا ككويتيين وجعلنا نشعر بالفخر والزهو.

واذا كنا قد انتقدنا في السابق من يؤمن بمبدأ «الديموقراطية لأجل الديموقراطية» و«الحرية لأجل الحرية» على وزن مبدأ «الفن لأجل الفن» الساقط، فاننا ننتقد اليوم من يؤمن مخطئا بمبدأ «الارض لأجل الارض» اي فلتبق الاراضي العامة قاحلة صفراء على ان يبنى عليها ما يعزز دور الكويت الثقافي والاجتماعي والحضاري او الاقتصادي او الديني،الخ.

وللعلم فقط فالارض المواجهة لوزارة الخارجية ليست ملكا لعبدالعزيز البابطين بل مؤجرة من الدولة لعشرين عاما وقد تحولت في زمن قياسي من ارض جرداء تكب عليها الاوساخ وتلعب فوقها الفئران الى مكتبة ومنارة للثقافة والشعر العربي يحج إليها الباحثون والدارسون من اساتذة وطلبة ويثني عليها وعلى البلد الذي رعاها الملايين من العرب والمسلمين ولو دفعنا خزائن الارض لما حصلنا على مثل هذا الثناء.

لقد بنى تلك المنارة، التي يغطى شعاعها المساحة الممتدة من المغرب غربا الى كازاخستان شرقا مرورا بكل عواصمنا العربية وحتى الاجنبية كمدريد وباريس، الاخ عبدالعزيز البابطين في وقت مازلنا ننتظر ومنذ عقود من الزمن اكمال مشروع المكتبة الوطنية، وقد كان من السهولة بمكان على ابوسعود ان يوفر ما بذله على المكتبة ويوجهه، وهو رجل الاعمال الناجح، للمشاريع التجارية التي تدر عليه الاموال الوفيرة.
 
ومثل ذلك حقيقة ان مشروع الوقف القائم في شرق ليس ملكا للبابطين، رغم انه يبنيه كذلك من حر ماله لاكمال المسيرة الثقافية التي ترسخ ـ ومعها بالطبع كل الجهود الحكومية والاهلية الاخرى ـ موقع الكويت الثابت تحت الشمس، بل هو ملك خالص لوزارة الاوقاف لا يحق لاحد ان يحركه او يستفيد منه، ان تلك الاراضي لم تسخر لخدمة شخص بذاته بل سخرت بأجلّ صورها لخدمة الكويت ومواطنيها.

يتبقى مشروع النصب التذكاري وحقيقته ان هناك ارضا مخصصة لانشاء حديقة عامة وقد اقترح السيد البابطين عبر أريحيته وكرمه المعروف، ان يتبناها ويزرعها ويبنيها بأسرع وقت وفي اجمل صورة وان يجعل في منتصفها ما نفتقده بشدة في الكويت ونعني به الأنصاب التذكارية على ان يحمل النصب التذكاري، الذي سيحمل اسم الشاعر الفرزدق في جنباته، القصائد الشعرية الخالدة اضافة الى قصيدة مميزة كل عام، فأين الخطأ في ذلك المشروع الثقافي الحضاري الذي يحتاج الى الدعم والمؤازرة لا الهجوم والتخذيل علما بأن الأنصاب التذكارية تنتشر في مشارق الارض ومغاربها ومن ذلك ما نراه في مدن المملكة العربية السعودية ارض الحرمين الشريفين؟!

أخيرا، لا علاقة خاصة او تجارية تربطني بالاخ الفاضل عبدالعزيز البابطين الا حب الكويت ودعمي للجهد الذي يقوم به كي ينتشر حب الخير من ارض الخير للآخرين، واذا كان بوسعود قد حصد المجد للكويت عن طريق تبني قضايا الثقافة والادب والشعر فلايزال في المجال متسع لمن يريد تبني قضايا ابداعية اخرى في الاقتصاد والتعليم والصحة وغيرها ولا نعتقد ان الدولة ستبخل بالارض على من ينوي القيام بمثل تلك المشاريع التي تُدعم وتُشجع في العالم أجمع، والحديث ذو شجون.

سامي النصف

الفرقد السامي على الشهب

في الكويت كالحال في الوطن العربي نحن في حاجة ماسة للقدوة الحسنة التي هي بمثابة المنارة التي تقتدي بها الاجيال الصاعدة، ولاشك في أن رجل الاعمال والثقافة والادب الصديق عبدالعزيز سعود البابطين الذي حضرنا بالامس حفل تقليده شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة سيدي محمد بن عبدالله العريقة في مدينة فاس المغربية، هو إحدى المنارات التي يقتدى بها في الانجاز والعصامية والاهتمام الجاد برفع شأن الثقافة والشعر والادب في المحيط العربي.

وقد تم خلال الأيام الثلاثة الماضية الاستماع لجمع من المحاضرات والنقاشات التي تقدم وشارك بها العديد من الدكاترة المغاربة والمشرقيين ممن تناولوا بالشرح والتحليل شعر عبدالعزيز البابطين واثنوا على اعمال مؤسسته التي اتفقوا على انها الاكثر انجازا للادب والشعر في التاريخ العربي قاطبة وذلك عبر انشطتها في الدورات والملتقيات والاسهامات واصدار المعاجم واشرافها على مراكز الترجمة والتدريب وانشائها المكتبة المركزية للشعر العربي في الكويت مما اسعدنا كثيراً واطال اعناقنا كمواطنين لبلد صغير في حجمه كبير جدا في افعاله واعمال رجاله.

وكان رئيس رابطة الادباء الكويتية عبدالله خلف قد تطرق في كلمته لقضايا محورية منها ان الابداع الكويتي المثنى عليه في تلك الجلسات الحميمية الدافئة هو نتاج بيئته السياسية والاجتماعية فلولا الديموقراطية التي جبلت عليها الحياة الكويتية منذ نشأتها الاولى لما كان هذا الابداع والتجلي اللذان مثلهما في القدم جمع الشعراء الكويتيين ممن شاركوا في هموم أمتهم حتى أنهم تفاعلوا مع بدايات القرن الماضي ثورات المغرب العربي ضد الاستعمار، وانتهاء بالاعمال الجليلة التي توجها الاحتفال القائم.

لقد بين الشاعر د.عبدالعزيز البابطين في كلمته ان الهدف السامي من اعمال مؤسسته النشطة هو استنهاض همم الامة والقفز فوق التخندقات الطائفية والعنصرية المفرقة وان دعمه الفاعل للثقافة هو لإصلاح ما تهدمه السياسة كما بين ان مؤسسته تروم استبدال نظرية صراع الحضارات بالحوار الراقي بين الشعوب ولذا كان عقد ندوتي دورة ابن زيدون في اسبانيا عام 2004 ودورة شوقي ولامارتين في فرنسا هذا العام.

ان الصديق عبدالعزيز البابطين في حصوله على شهادة الدكتوراه الفخرية وتشريفه الكويت تنطبق عليه بحق ابيات الشاعر المبدع القائلة:

هذي الكويت اتت تزهو بتهنئة
من الفؤاد العطر الطيب تنتسب
بررت بالنسب العالي وعزته
تسمو به مثلما يسمو بك النسب
مكانك الفرقد السامي على شهب
يحدوكم العلم والاخلاق والادب
 
آخر محطة:
الشكر الجزيل لكل من ساهم في انجاح ذلك الاحتفال الرائع الذي جمع الكويتي بالشامي بالمصري بالمغربي ونخص بالذكر رئيس الجامعة د. توفيق الشهدي وعميد كلية الآداب د.عبدالرحمن طنكول ود. لويزا ود. محمد ابوشوارب، وعبدالرحمن العبادلة ود. عبدالهادي العجمي ود. محمد بن شريفة، والزملاء نجم الشمري وميسون عبدالرحمن وطاقم قناة البوادي.

سعيد محمد سعيد

من تجربة الطائفتين إلى «طأفنة» التجربتين!

 

الوقت صباحاً… قبيل السابعة بقليل: كم هي مربكة تلك الصورة. الازدحامات المرورية ترفع 10 درجات من ضغط الدم. التشاجر والتشنج أمام المدارس والقلق من التأخر عن الوصول إلى العمل يرفع عشراً أخرى. صوت المذيعة في «صباح الخير يا بحرين» تدعو بعبارات موفقة تارةً وتائهة تاراتٍ أخرى إلى الابتسام والشعور بالسعادة وترك البغضاء والكراهية. يأتي الوطن على القمة، هو دائماً على القمة: لنعمل من أجل الوطن، هو الروح، هو الحياة، هو نحن ونحن هو. ينخفض ضغط الدم قليلاً. تقرأ المذيعة عناوين الصحف… أوووه… لماذا يا أختاه لم تشطبي تلك العناوين الطائفية؟ بضع عناوين تشكّك وأخرى تثير القلق وثالثة توحي بأننا نعيش في مجتمع متناحر. يضرب مقياس الضغط حد الحد!

صباح الخير يا وطن… كيف أحوال أهلك اليوم؟ كيف كانت أمس؟ وكيف ستكون غداً؟

ثمة حقيقة خانقة قاتلة، تلك التي صبتنا في قوالب طائفية حددت شكل وأسلوب التفكير العقلي والعاطفي وأذابت مفهوم المواطنة لتجعله سلعةً في أيدي الكثيرين مختلفة السعر كما هي مختلفة النوع والجنس، لكن الأزمة الكبرى التي لا مناص من تفكيك قالبها هي أزمة العلاقات داخل المجتمع التي باتت تنذر بما هو أعتى من العواصف المدمرة، فهل سيكون للسلطة موقفٌ جديدٌ وصريحٌ ومسئولٌ لوقف سيل التفكيك الجارف، فالبيت البحريني في خطر داهم؟

فرز يمتد ويشتد!

بون شاسع يفصل فصلاً مذهلاً بين الثوابت البحرينية التي قامت على أسس النسيج والوَحدة الوطنية المترابطة من قبيل شعار الأسرة الواحدة والتعايش والتلاحم، ومترادفات حميمة تقلب مضامين ومعاني الولاء والانتماء وتفرزها فرزاً كريهاً سفيهاً يمتد إلى ما شاء له أساسه الثقافي والفكري والطائفي أن يمتد. وتشتد إلى الدرجة التي يشاء لها المريدون أن تمتد. بمعنى أدق وأوضح، أن نقبل نتيجة الفرز بين سنة وشيعة لكل منهما أجندته المحصورة في مترادفتين مفروضتين على هذا البيت: موالاة ومعارضة، ولابد أن يكون طرف واحد فقط لا ثاني له هو البحريني، وهو البحرين، وهو المواطنة بتعريفها اللغوي والعملي والحقيقي، أما الطرف الآخر فلابد له من الخروج من زمان ومكان هذا التراب، فلا حق له في الوجود. لكن السؤال الأكثر إثارةً للحيرة: من هو ذلك الطرف؟

في تجربة الطائفتين، الأولى في العام 2002 والثانية في العام 2006 وأمام الاستحقاق الانتخابي وشرعية التوافق لتعزيز تجربة ديمقراطية جديدة أولدها المشروع الإصلاحي الذي أطلقه جلالة عاهل البلاد، ما يمكنني تسميته إقصاءً ملغماً لثوابت جمعت الطائفتين تحت مظلة الحكم، فبرزت تداعيات خطيرة تجزيئية لن يكون من السهل استئصالها إن بقي المفهوم المفروض بقوة الفرز يربط مواطناً بالانتماء والولاء، ويفصل مواطناً آخرَ بتهمة اللا ولاء! بعيداً عن المرجعية الدستورية التي حفظت لكل مواطن حقوقه وواجباته.

التحول القسري إلى «الطأفنة»

اليوم، وأمام حقائق واضحة مستلهمة من تجربة الطائفتين الكريمتين على مدى عقود من التعايش والعمل المشترك للمصلحة الوطنية، سنتحول قسراً إلى «طأفنة» التجربتين الانتخابيتين تأثراً حيناً بتيارات لها حضورها الكبير والمؤثر في المجتمع، وتأثراً حيناً آخرَ بالأوضاع الإقليمية كالعراق مثالاً، وتأثراً بالمشروعات السرية المزعومة للسيطرة ومؤامرات الولاء للخارج وبيانات الصحافة المغرضة ومهارات تأليب السلطة على الشعب، ورفع شعارات مخيفة ونشر بيانات سرية عنيفة، ليجد هذا المجتمع الصغير نفسه مقطع الأوصال منهوك القوى، يعيش على وجل من حاضره ومستقبله.

الغلبة اليوم – مع شديد الأسف – لمن يمتلك القدرة على صوغ خطاب طائفي لا رادع له، وينتظر العشرات من المتلهفين قراءة بضع تصريحات صحافية مجللة بصدق الولاء وطاعة ولي الأمر وبليغة الأثر في شق الصف لأسماء من نواب وكتّاب ومن لف لفهم صارت مألوفةً معروفةً. ترى، أين ستلقي بنا هذه الموجة؟

كنا طائفيين في الخفاء، والآن أصبحنا نجاهر بالطائفية. كنا نخشى كثيراً من قول كلمة، كلمة واحدة، قد تؤثر على الاستقرار الاجتماعي وتماسك العلاقات بين الطائفتين، واليوم أصبحنا نؤلف كتباً وقصائدَ ومرثياتٍ وأدبياتٍ ومن يحزن فليضرب رأسه في الحائط! كنا نحترم معتقدات بعضنا بعضاً فأصبحنا نوزع صكوك غفران ومفاتيح أبواب الجنان، ونرمي الآخرين في نار جهنم الحامية. ترى، من الذي يتوجب عليه أن ينهض ويحمينا مما نحن فيه من بلاء؟

ما كان المأمول من تجربتنا الديمقراطية أن تمنحنا القوة للتسقيط، وليس من باب السعادة والسرور أن نتباهى بصراع طائفي نيابي وتقارير كتبت بالنار والحديد، وليس من المقبول أن تستمر حرب الخطب الدينية الطائفية ونشر الحقد والضغينة، لكن إذا لم تقف البلاد، سلطةً ومؤسساتً، وقفة مراجعة حقيقية دقيقة لمجريات الأمور بمنظار بعيد عن العواطف وافتراض سوء النية، فستزداد الأمور تعقيداً سيئاً، ولعل الوجهاء والرموز الدينية والسياسية المعتدلة، لديها من الفرص ما يمكن أن تستفيد منه لبناء شراكة حقيقية مع السلطة، بتواصلها مع السلطة وانفتاح السلطة عليها، وإذا كانت دول قريبة استشعرت الخطر وفتحت قنوات «اللقاء الوطني» منعاً مما يحمله المجهول من مجهول، فنحن أجدر وأولى؛ لأن البحرين، كما عرفها العالم، حكومةً وشعباً، ليس فيها من يبيع ترابها بثمن بخس?

سامي النصف

قضايا نهاية الأسبوع

طلبنا حكومة ناطقة فحصلنا على حكومة ناطقة، ولاشك في أن جهد الوزراء الذي نلحظه في ايضاح مقاصد ومواقف الحكومة بدأ يؤتي ثمره والواجب المزيد من التواصل مع الجمهور عبر لقاءات المحافظات المختلفة والمخيمات وفي هذا السياق تستحق القرارات الاصلاحية للحكومة بشكل عام الانصاف والدعم وهو امر يحتاج لخلق آليات شديدة الاحكام تراجع تلك القرارات قبل صدورها منعاً للخطأ او الضرر.

يفترض بمشروع اسقاط القروض ان يكون قد تم النظر فيه من كل جوانبه وحساب كلفته الحقيقية على المال العام وبعد ان تحدث المتحدثون وكتب الكتاب اكتشفنا ان الاستفادة الحقيقية منه كانت ستصب في صالح اصحاب المديونيات الضخمة التي تتجاوز مئات الملايين ومثلهم من يقترضون عشرات الملايين لبناء المجمعات وخلق صفوف العمارات والتي لو طبق القانون بصورته الاصلية لاصبحت ملكاً خالصاً لهم بعد تحميل أثمانها على المال العام، الآن وبعد تعديل القانون قبل ايام ووضع سقف اعلى للقروض هل لنا ان نتساءل عما كان سيحدث فيما لو تم اقراره بصورته الاصلية؟

وهل حان الوقت للاعتذار ممن تصدوا لذلك القانون في حينه وما اصابهم من تجن بسبب حرصهم على المال العام؟

لا اعلم سبب الافتراض الخاطئ أن الكويت هي الوحيدة في العالم التي تملك فوائض مالية ـ ان صدقت العبارة ـ علماً بأن اغلب او جميع الدول الخليجية والاوروبية والاميركية ودول شرق آسيا تملك احتياطيات نقدية اكثر كثيراً مما نملكه ولم يتحدث احداً بما نسمعه من اقتراحات انتخابية، ثم لماذا الافتراض سيئ النية أن الاموال «رايحة رايحة» لذا فلنتسابق على صرفها قبل اختفائها.

اطال رقابنا الافتتاح الرائع للأولمبياد الآسيوي في قطر الشقيقة وهو ما سيحرج دول الاستضافات اللاحقة للاولمبياد.

شخصياً اغمضت عيني قليلاً وتصورت ما كان سيحدث في اليوم التالي لافتتاح ذلك المهرجان في بلدنا المعطاء الكويت، على الارجح سيستجوب على الفور وزير العدل والاوقاف لرقص النساء فيه، ووزير الاعلام لنقل التلفزيون له، وسيكون هناك استجواب مضاعف لوزير الداخلية للسماح لرجال الامن بدخول المشاركين والدفاع لتنظيم عمليات الدخول، والخارجية لاعطاء السفارات التراخيص الخاصة به والمواصلات لنقل الكويتية للفرق الرياضية والاشغال والاسكان لبناء الاستاد ومباني السكن، والمالية لتوفير المصروفات، والصحة للعناية الطبية باللاعبين، والشؤون لمسؤوليته عن القطاع الرياضي، والتربية بسبب مشاركة الطلبة، والطاقة للهدر في الكهرباء، ووزير التجارة بسبب صعود او نزول البورصة نتيجة لذلك المهرجان، والثروة السمكية والحيوانية لإساءة استخدام الحصان الحامل للشعلة وسنقرأ في صحافتنا المقالات المعتادة ممن لم يتابعوه والتي تصفه بأنه افشل مهرجان رياضي تم منذ بدء التاريخ.

آخر محطة:
لم نقرأ ثناء واحدا على حقيقة ان شباب الكويت الرياضي حصدوا من الميداليات الذهبية وغيرها ما جعل الكويت الصغيرة تتقدم على «كافة» الدول العربية الآسيوية الاخرى وكثير من الدول الآسيوية الكبرى، لو فشل شبابنا، لا سمح الله، لقرأنا مائة مقال قدح وذم في اليوم التالي.

سامي النصف

رسالة تستحق الاهتمام والإنصاف

السيد الفاضل/ المحترم تحية طيبة وبعد
في البداية أحب أن أعبر عن اعجابي واحترامي لكم لما تكتبونه في زاويتكم في جريدة «الأنباء» حيث إنني من المتابعين لمقالتكم المثمرة والمفيدة.

سيدي الفاضل، كتبتم بتاريخ 8/1/2005 مقالة عنوانها «إدارة تستحق الاشادة لا اللوم» تطرقتم فيها الى موضوع مؤسسة الخليج للاستثمار، وكانت الفقرة رقم 6 ونصها الآتي «ان هناك من يستهدف نقل وتحويل المقر من دولة الكويت، كما حدث مع شركة الملاحة العربية المتحدة، ومن ثم تفويت فرص عمل للشباب الكويتي…» الى آخر النص.

سيدي الفاضل، موضوعنا هو شركة الملاحة العربية المتحدة الذي تطرقت له في 8/1/2005، نحن مجموعة من الموظفين الكويتيين والخليجيين كنا نعمل في الشركة منذ سنوات طويلة، والموضوع بدأ عندما قرر مجلس الادارة اعتماد توصية شركة استشارية أميركية تدعى «ميرسر» بنقل المركز الرئيسي من دولة الكويت الى امارة دبي، ولتعثر هذا القرار قانونا، لأن النظام الأساسي يمنع ذلك حيث نص النظام الأساسي على ان دولة الكويت هي المقر الرئيسي، تم التحايل على النظام الأساسي بنقل بعض الدوائر من المركز الرئيسي في الكويت الى دبي في منتصف شهر ابريل 2005، وبشكل مفاجئ تم تزويدنا بكتب تهديد وتعسف باللغة الانجليزية (وهذا يخالف اللائحة الداخلية) طلب منا التوقيع عليها قبل 30/4/2005 (يمكن أن نزودك بنسخة من الكتاب)، وتنص على ان الموظف الذي لا يوقع على الكتاب قبل 30/4/2005 سيستمر في الخدمة وسيطبق عليه نظام تقييم جديد وصارم، مما قد يوقع عليه عقوبات ومنها إنهاء خدماته.

وقعنا على الكتب واستلمنا تعويضا لسببين، السبب الرئيسي هو ان ظروفنا الاجتماعية لا تسمح بالانتقال الى دبي، والسبب الثاني هو خوفنا من التهديد وقد تُنهى خدماتنا ونخسر التعويض.

بعد مرور سنة و4 شهور تبين لنا أن دوائرنا التي يفترض أن تنتقل لم تنتقل حتى تاريخنا هذا، وتم اعتماد جدول رواتب جديد قبل أن نترك الشركة لم يتم اطلاعنا عليه لكي نقارن، وأخفي عنا لكي لا نطلب الاستمرار، وكذلك تم تعيين موظفين أجانب في المركز الرئيسي في الكويت بعد رحيلنا.

سيدي الفاضل، تبين لنا أن هناك لعبة لعبت علينا لتصفيتنا ككويتيين وخليجيين من قبل نائب المدير العام الذي أحاط نفسه بالموظفين الأجانب وبعض المحسوبين عليه من الخليجيين والذي تحول راتبه من 5000 دينار شهريا الى 12000 دينار شهريا ومدير الدائرة من 2500 دينار الى 4000 دينار ومساعد مدير الدائرة من 1500 دينار الى 3000 دينار، أي أن الوفر الذي تحقق بإنهاء خدماتنا تم توزيعه عليه وعلى من معه. نحن نطالب بعودتنا الى وظائفنا في المركز الرئيسي في دولة الكويت، وذلك لعدم تحقق السبب الرئيسي في تركنا العمل، وهو انتقال دوائرنا التي كنا نعمل بها وبقاؤها حتى يومنا هذا، علما أننا بدون وظائف الى الآن، وبعضنا أجبر على التقاعد.

نرجو مساعدتنا بتوصيل موضوعنا الى المسؤولين في الدولة ولكم جزيل الشكر والامتنان.

مقدمه/ مجموعة من موظفي شركة الملاحة العربية المتحدة في البدء إن كان قرار شركة الملاحة العربية المتحدة قد انتهى ببقائها ودوائرها في الكويت، فهذا أمر جيد ومستحق وتتبقى الحاجة الملحة للنظر فيما تم في تلك الشركة الرائدة وانصاف من يثبت تأثره بقرار الانتقال والعودة عنه بعد التأكد من المعلومات المرفقة.

سامي النصف

منعاً للعرقنة أو اللبننة

كان العراقيون قبل 3 سنوات يتحدثون عن السبيل الأنجع لمنع لبننة العراق، أي الانجراف لحرب أهلية طاحنة تستمر لسنوات طوال، فأصبح اللبنانيون يتحدثون هذه الأيام عن خشيتهم من العرقنة، أي المذابح الطائفية وقطع الرقاب والقتل على الهوية والتفجيرات العشوائية التي لا تفرق بين الناس.

ان منع انحدار دول المنطقة الأخرى الى «اللبننة» أو «العرقنة» قضية لا تُترك للصدفة، بل هي عمل أمني وسياسي يحتاج الى الدراسة والتمعّن واكتشاف العوامل والمحاور المشتركة للحالتين، العراقية واللبنانية، ومن ثم فكلما ابتعدنا عن أحد تلك العناصر التفجيرية المشتركة ابتعدنا عن الانتهاء الى نفس النتائج المدمرة.

وبرأيي الشخصي ان هناك 12 قاسما مشتركا لعمليتي اللبننة والعرقنة، علينا أن نعمل جميعا في المنطقة للابتعاد عنها:
 
(1) الفهم السيئ عند المجتمعات المبتلاة لمعنى الديموقراطية والحرية الإعلامية، حيث استخدمتا بعيدا عن مقاصدهما الخيرة، وكوسيلتين لنشر أفكار الفرقة والاختلاف والحقد والتدمير بدلا من تعزيز الوحدة والإنماء والمحبة والتعمير.
 
(2) إسقاط هيبة الدولة عبر الهجوم المتواصل عليها وتحميلها كل الموبقات أو طلب المستحيلات منها واستبدالها بالقيادات المتخندقة التي لا مانع لديها من هزيمة الأوطان لصالح انتصار بعض تلك القيادات السياسية والعقائدية.
 
(3) السكوت المجتمعي والأمني عن الولاءات البديلة الخطيرة التي تضع مصالح الآخرين قبل مصالح الأوطان.
 
(4) الالتجاء للشارع بصوره المتعددة وجعله، بعاطفته وغوغائيته أحيانا، من يقود المسيرة فتغرر الزعامات بالشعوب ثم يرد لها الجمهور الهدية عبر جعلها أسيرة الوعود المدغدغة التي بذلتها.
 
(5) شغل أوقات المجتمع بالسياسة بدلا من الاقتصاد والأمور التنموية الأخرى، فالجميع مشغول طوال الوقت بالقضايا السياسية الساخنة ومحاربة طواحين الهواء ولا أحد يهتم بتطوير ذاته أو العناية باقتصاد بلده المدمر، فلا صوت، ضمن ذلك الصياح، يعلو فوق صوت المعركة وكل يوم بالطبع هو يوم حرب وضرب.
 
(6) الاستحضار الخاطئ للتاريخين القديم والحديث واجترارهما أو ادخال القضايا الإيمانية أو الغيبية أو التي مضى عليها آلاف السنين في الحياة اليومية بهدف خلق صراعات بين شرائح المجتمع وكأن تلك الأحداث الجسام حدثت بالأمس أو اليوم لا منذ قرون مضت.
 
(7) البحث عما تتباين فيه مكونات الدولة (دين، عرق، طائفة، تفاوت اقتصادي أو فروقات اجتماعية) وتسليط الضوء الباهر عليه وجعله وكأنه قضايا فريدة خاصة بنا لا أمرا جميلا موجودا في جميع المجتمعات الإنسانية الحية.
 
(8) تحول بعض رجال الدين وبعض وسائل الإعلام من نشر رسالة المحبة، التي تدعو لها جميع الأديان والطوائف، الى نشر الحقد والكراهية بدلا مما يرسخ الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي.
 
(9) إفشاد الثقافة السالبة العامة، فجميع الحكومات العراقية واللبنانية ـ على سبيل المثال ـ فاسدة وجميع وزرائها سارقون، ولا يطلب أحد الإتيان بالبراهين على تلك التهم الخطيرة، فالمهم التأجيج والمزيد منه.
 
(10) إفشاء الشعور بالظلم لدى الجميع، فيذكر بعض العراقيين بأيام صدام عن طريق المحاكمات المطولة المعلنة، وبعض شرائح المجتمع اللبناني بمظالم لمناطقهم لم تعد موجودة، وهكذا الحال في أي دولة تستهدف بالتخريب والتدمير عبر إفشاءالشعور الكاذب بالظلم.
 
(11) إبعاد مكونات المجتمع المستهدف عن القواسم المشتركة لأبنائه ومن ثم خلق حالة فريدة تجعل ما يرضى ويفرح به نصف المجتمع يبكي ويرفضه نصفه الآخر.
 
(12) العمل بكل الطرق على إيقاف العجلة الاقتصادية في البلاد المستهدفة ونشر الخراب الاقتصادي والبطالة، مما يوفر الأرضية الصالحة لخلق ميليشيات مستقبلية، تمنح الشباب الغر الصغار فرصة الالتحاق بها مقابل رواتب مالية، ويسهل شحن من لا يجد قوت يومه بالأحقاد التي تحتاجها عمليات القتل والتفجير والتدمير.

والحديث ذو شجون…!

سامي النصف

الإعلام والثقافة السالبة السائدة

عندما يقوم رجال الأمن والمصلحون بنشر خطة للقضاء على تجار المخدرات أو التطرف فإن أهم ما يرصدونه هو رد الفعل السريع لمن ينشر تلك الأمور المدمرة والسالبة في المجتمع، فإن ثاروا واحتجوا عرف المرسلون صحة توجههم كونه أوجع من يقومون به، وإن سكت هؤلاء فالسكوت علامة الرضا وواجب القائمين على المشروع ان يعيدوا النظر في خططهم كونها تلقى هوى في نفوس المخربين.

وقد أصابت ورقة وزارة الإعلام التي نشرت قبل أيام كبد الحقيقة عندما تحدثت عن ثقافة سالبة سائدة في المجتمع تبتعد عن الموضوعية والعقلانية والواقعية المطلوبة، يهدف مروجوها للقول للشباب ان الدنيا ظلام في ظلام وظلم بظلم فكل مشروع انمائي للبلد هو مشروع سرقة وكل قرار يصدر يقصد منه تنفيع المسؤولين لا إفادة الوطن ورفاه المواطن.

والحقيقة ان تلك الثقافة السالبة أقرب في ترويجها لما يحدث عند تجار المخدرات حيث يسوقون سلعتهم الفاسدة لدى الشباب ممن يدمنون عليها ومن ثم لا يستطيعون الفكاك منها إلا عبر التوعية والتوقف عنها، ان هناك من أدمن نشر ثقافة التوتر والسلب واصبح لديه زبائن لا يستطيعون التوقف عن أخذ جرعة التوتر والسلب التي يقدمها لهم عبر المقال كل صباح ولا علاج لهذه الظاهرة المدمرة إلا اعتزال المروجين وشفاء المدمنين.

وقد استفاد من تلك الثقافة السالبة المدمرة المروجون لها دون النظر لمصلحة الوطن ومستقبل أبنائه، فبعض الساسة، وفي غياب الرأي الآخر، وجدوا بها سبيلا للانتخاب واعادة الانتخاب، فالبلد فساد مطلق وهم أبطال التصدي له ودون ذلك الطرح السهل المدغدغ يصبح لا سبيل للنجاح الانتخابي إلا التقدم بالأفكار والأعمال البناءة الموجبة والمشاركة في اللجان وهو أمر لا يفضلونه لصعوبته.

كما رأى بها بعض الكتاب أداة للتسويق الرخيص للمقال المدغدغ في مجتمعات عالم ثالث سهل الإثارة والخداع، فما عليك كل صباح إلا أن تبحث عن قرار أو مشروع حكومي ينفع الناس فتنقده بشدة وتشكك به في محاولة لإسقاطه حتى لو أضير من ذلك الفعل الوطن والمواطنون لحساب بطولات زائفة لصاحب المقال الذي لا يعلم تبعات ما خطه ولا حقيقة ان الدور الحقيقي لقادة الرأي من الكتاب لا الاكتفاء بنقد السلب بل نشر القيم الموجبة في المجتمع واشاعة روح التفاؤل لا التحريض والتثوير الدائم وافشاء حالة اليأس القاتلة لدى الشباب.

فهل يعقل ألا يرصد بعض الكتاب خلال مسيرتهم الطويلة جدا حالة موجبة واحدة في البلد تستحق الإشادة بها؟!

ألا يوجد عبر تلك العقود التي عاشوها من الزمن مسؤول نظيف واحد يستحق الإشادة به في المقال وترويجه كقدوة صالحة للأجيال الصاعدة، أو بالمقابل مشروع قامت به الدولة يستحق الثناء؟!

لقد تناوبت على شؤون الدولة منذ بدأوا الكتابة عشرات الحكومات الليبرالية والإسلامية والمستقلة ومئات المسؤولين ممن كان منهم أقرب الناس لهم بل وعلى خطهم السياسي ومع ذلك لم نقرأ ثناء أو مدحا قط بل نقدا بنقد وتسويدا بتسويد، فأي دولة ملعونة تلك التي لا يوجد بين ظهرانيها وعبر نصف قرن إلا فاسدون يتبعهم فاسدون ومشاريع خراب يتولد عنها المزيد من الخراب؟!

إن دولة كهذه تدينهم قبل غيرهم فهم في النهاية من نسيج هذا المجتمع فإن كان فاسدا وملعونا فماذا يكونون هم إذن؟!

آخر محطة:
العزاء الحار لآل الشايع الكرام على فقيد الكويت الكبير العم صالح الشايع، للفقيد الرحمة والمغفرة ولأهله وأصدقائه ومحبيه الصبر والسلوان.

سامي النصف

الشعور الكاذب بالظلم

الشعور بالظلم الفادح هو شعور انساني مؤثر ومدمر يحرك الجبال وتسبب عبر التاريخ في الثورات السياسية والاجتماعية والدينية في الاوطان وتفكيك الامبراطوريات ومن ثم فعلينا الا نتجاهله وذلك عبر دراسة جذوره ومسبباته في المجتمع الكويتي كي نخفف من غلوائه وحدته واضراره.

هناك ما يسمى بالشعور بالجهل الكاذب، ومثله ظاهرة «الشعور بالظلم الكاذب»، فاذا ارتضينا في البدء حقيقة ان هناك ظلما في المجتمع الكويتي كأي مجتمع انساني آخر فعلينا ان نفرق بينه وبين ظاهرة الشعور بالظلم الكاذب التي هي انعكاس لامور غير واقعية على الاطلاق لدى بعض الجماعات والافراد اذا لم نقل العكس، اي شعور الظالم بأنه مظلوم، وهو احدى خصائص مجتمعنا الفريدة التي نحتاج الى كثير من الحوار والنقاش حولها.

فأحد الامثلة القائمة هو المطالبة غير العقلانية وغير المسبوقة في العالم باسقاط القروض التي لا تحقق العدالة او الانصاف في المجتمع، لذا فحال صدور القرار المنطقي برفضه سيشعر كل مدين بشعور غير حقيقي بالظلم قد يؤثر سلبا على صحته او نظرته لمجتمعه ووطنه، ولو تحقق ذلك الطلب المستحيل لشعر آخرون بالمظلمة لعدم اغداق الدولة الاموال عليهم، وواضح ان قضية كهذه وعشرات غيرها تخلق شعورا بالمظلمة الكاذبة حال طرحها ونقاشها، لذا فالحكمة الا يبتدأ بها من الأصل حالنا كحال الدول الديموقراطية المتقدمة الاخرى التي لا يطالب احد فيها باسقاط الضرائب او القروض حتى لا يشعر مواطنوهم بالشعور الكاذب بالظلم حال الرفض.

ومن ضمن اعراض تلك الظاهرة الادعاء الكاذب بالظلم نتيجة للتباين الاقتصادي بين الناس القائم منذ بدء الخليقة والموجود في جميع البلدان الاخرى، فيحنق من يملك ما لا يحلم به 99% من سكان الارض، اي المواطن الكويتي الذي يملك العمل والسكن والخدمات التعليمية والصحية المجانية والرعاية للابناء من المهد الى اللحد والحريات السياسية، على من أفاء الله عليه بالنعمة الوافرة، ولا يعلم احد كيفية ازالة ذلك الشعور الكاذب بالغبن، اي هل تقوم الدولة بمصادرة وتأميم اموال الاثرياء ام ترسل للشركات الاجنبية لسحب وكالاتها من بعض المواطنين الكويتيين وتوزيعها على الجميع؟

وفي المحاكم الادارية هناك دعاوى من قلة تدعي المظلومية وتسفح دموعها انهارا جارية من الظلم الفادح الواقع عليها، ولو تبصر الانسان لوجد ان بعض تلك القضايا هي في حقيقة الامر على العكس تماما، فالذي يدعي المظلومية هو الظالم والمتجني على الاخرين، فالبعض يطلب ما لا حق له فيه، فاذا لم يحصل عليه تعدى على الآخرين وجرجرهم للمحاكم، وهناك من هو مصاب بأمراض نفسية كالوسواس القهري الذي يجعله يسيء الظن بالمسؤولين وزملاء العمل، وبالتالي يتعمد الاساءة اليهم كانتقام لما تعتقده نفسه المريضة التي يكمن علاجها في العيادات النفسية لا اروقة المحاكم.

ويمتد ذلك الشعور الكاذب بالظلم من بعض المواطنين الى بعض المقيمين بصورة شرعية او غير شرعية، فتستمع لشكاوى لو حللتها بصورة منصفة صحيحة لوجب على صاحبها ان يشكر هذا البلد المعطاء الذي يوفر الوظيفة الآمنة والرعاية الكاملة للجميع، ومن ثم فمع الشكوى أيا كانت فحواها يجب ان يستمع الانسان لقليل من الامتنان.

آخر محطة:
العزاء الحار لآل العبدالهادي والغانم والقناعات على فقدائهم الاعزاء، للراحلين الرحمة والمغفرة ولذويهم الصبر والسلوان، وانا لله وانا اليه راجعون.

سامي النصف

الاقتصاد ليس الزوجة الثالثة

في الثمانينيات قامت مجاميع إرهابية بزرع قنبلة صغيرة هنا أو هناك، ولم يتضرر الاقتصاد بشكل مباشر من مثل تلك الأعمال، إلا أن البلد أغلق تحت حجة ان الأمن أهم من الاقتصاد، وبذا حققنا للارهابيين ما أرادوا بأسهل الطرق، مما جعل من يقف خلفهم يدفعهم للمزيد من العمليات التي تؤدي للمزيد من الإضرار بالنفس.

إذا كان من الخطأ الفادح وضع الاقتصاد أمام الأمن وخلق معادلة غير عادلة توجب علينا اختيار أحدهما، فإن وضع السياسة أمام الاقتصاد كما ترى قلة من النواب وان لا مانع من تدمير الاقتصاد الوطني والاضرار بمئات آلاف المواطنين عبر تبخر مدخراتهم وأموالهم لتحقيق مصالح سياسية، أمر لا حكمة فيه.

فالاقتصاد ليس زوجة ثالثة أو رابعة بعد الأمن والسياسة، وما زلنا نذكر أن الرئيس الأميركي جورج بوش الأب، الذي حقق أكبر نصر في تاريخ أمريكا عام 91 دون خسائر والذي وصلت شعبيته في ذلك العام الى أرقام غير مسبوقة، قد سقط في انتخابات 92 بسبب تباطؤ الاقتصاد الأميركي حاله كحال السياسي الأكبر ونستون تشرشل الذي خلق انتصار الحلفاء في الحرب الكونية الثانية وسقط فور انتهائها بسبب عدم الرضا عن خطته الاقتصادية.

إن خسائر البورصة الكويتية في شتاء 2006 قد فاقت خسائر العدوان الاسرائيلي على لبنان في صيف هذا العام، كما أن أعداد متضرري انهيارات البورصة تفوق بآلاف المرات أعداد معسري الديون الاستهلاكية مع فارق ان الاخيرين تضرروا بمحض اختيارهم، بينما لا يد لمتضرري البورصة فيما حدث بها.

إن إبداء حسن النوايا بين السلطتين هو طريق ذو اتجاهين، واذا ما أشعلت الحكومة أصابعها العشرة لتلبية مطالب المعارضة من التحول للدوائر الخمس وقانون المتقاعدين والمنحة الأميرية، فالواجب أن تبدي كتل المجلس وأفراده حسن نوايا مقابلا، عبر عدم احراج الحكومة في قرارات تجعلها في مواجهة مع الناس أو تقوم بالمقابل بالاستجواب الظالم لوزرائها.

إن الفهم الصحيح لمرحلة كويت المركز المالي يعني دورا أكبر للقطاع الخاص والاستماع لملاحظاته فيما يخص التشريعات الحكومية المعرقلة والتصرفات المحبطة، وليس فقط الاستماع لوجهة نظر بعض الدوائر الحكومية ضده، فذلك طريق ذو اتجاهين ايضا.

لقد انتهى الى الأبد عصر «التأميمات» الذي دمر الاقتصاديات العربية عبر نقله الملكيات الخاصة للإدارات الحكومية، ونرجو ـ وقد خرج ذلك النظام البائد من أبواب الدول الأخرى ـ ألا يدخل علينا من النافذة، إن شركات القطاع الخاص وخاصة الناجحة منها التي تستثمر أموالها في بلدنا، والتي خلقت لنا المشاريع التي تحلم بشيء قريب منها الدول الاخرى كالمطار والكوت وسوق شرق والمارينا السوق والفندق وماجيك وايفنيو وغيرها، بحاجة الى الدعم والمؤازرة بالقول والفعل لا التضحية بها على مذبح اللعبة السياسية فتخرج الأموال وتخرج معها فرص العمل ويضيع مستقبل أبنائنا.. فالحكمة الحكمة.