سامي النصف

الكويت والتحوّل إلى المجتمع الذكوري

تابعت حلقة 6/6 الأخيرة التي دار النقاش فيها حول قانون «الساعة الثامنة» وقد وجدت ان هناك الكثير مما يفترض ان يقال ضمن اللقاء، ومن ذلك أن المهم في التشريعات الدولية – وحتى المحلية – هو «التطبيق» وليس «التشريع»، فهناك مئات التشريعات العالمية الخاصة بحقوق الإنسان الصادرة منذ عقود دون ان يطبقها احد، ومثل ذلك القرارات الدولية الخاصة بفلسطين وغيرها، ومن ثم فالحجية والاستدلال يتمان على ما يطبّــق لا على ما يشرّع.

صلب وحجة ومرجعية قانون منع النساء من العمل بعد الساعة الثامنة في الكويت هو «القوانين الدولية» الخاصة بهذا الأمر، والبعض منها صادر عام 1919، والسؤال الهام الذي يعلم الجميع اجابته لوفرة سفر الناس لمشارق الأرض ومغاربها ومعرفة ما يجري بها هو: هل هناك دولة «واحدة» ضمن الـ 200 دولة المنضوية تحت مظلة الأمم المتحدة تطبق قوانين منع النساء من العمل في المساء؟!

الجواب هو «لا» قاطعة، ولا يهم في هذا السياق الحديث عن تشريعات محلية في هذا البلد او ذاك ما دام انه لا أحد يسمع بها او يطبقها وهو ما يذكرنا بإحدى الدول الاسلامية التي تم الاستشهاد بها في اللقاء الإعلامي، والتي ينص دستورها حرفيا على ان الاسلام المصدر الرئيسي للتشريع، ومع ذلك نجد بها اماكن اللهو والخمور… الخ. مرة اخرى: المهم التطبيق لا التنظير.

وقد تم التحدث ضمن اللقاء عما يجري في صالات الألعاب من وجود نساء آسيويات وقد قيل ان الوضع الأخلاقي سيتحسن متى ما تم التخلص منهن، والواقع هو العكس تماما، فمرتادو تلك الأماكن هم شريحتان اطفال صغار ومراهقون كبار وبوجود النساء لا خوف على الأولين، اما الكبار فلن يستطيعوا ممارسة الخطأ مع النساء في أماكن مفتوحة كصالات الألعاب. التخلص من النساء سيعني استبدالهن بالرجال العزاب وسيكون هناك خطر دائم على الأطفال الصغار من استغلال حاجتهم للعب بعد نفاد نقودهم بالتعدي الجنسي عليهم في حمامات الرجال، على سبيل المثال، وهو خطر حقيقي وواقعي وليس نظريا كحال خطر تواجد النساء ممن يمنع فارق الجنس تواجدهن مع الرجال في أماكن مغلقة كالمرافق العامة.

ومما لا يقل أهمية عن ذلك هو حقيقة ان فرض القانون الفريد سيعني تخلص ارباب العمل من مئات الآلاف من النساء واستبدالهن بالذكور العزاب، ومن ثم سيتم تحول المجتمع الكويتي من التوازن الجميل القائم الى مجتمع ملايين الذكور المتواجدين في كل مكان، وما سينتج عنه بداهة من ازدياد جرائم التعدي والشذوذ والاغتصاب التي ينفرد بها الرجال، وحتى الخوف على النساء من بنات واخوات من الذهاب للأسواق والأماكن العامة لقضاء حاجاتهن الضرورية.

إن القوانين تسنّ في الدول المتقدمة بعد تفحيص وتمحيص شديدين ولـــــسد حاجات مُلحة في المجتمع بعد ان تستنفد كل الـــــوسائل الأخرى، وعليه فلا يمكن القبول بتشـــــريع يقوم على قوانين «دولية» لا تطبـــق على احد من الـ 5 مليارات نسمة الآخرين او حتى التحول من حالة لم تســـــجل بها حادثة اعـــتداء واحدة في صالات الألعاب الى وضع قد تنــــتج عنه على الأرجح عشــرات الاغتــصابات المؤسفة.

آخر محطة:
اختار منظمو «العجائب السبع» الجديدة تاريخ 7/7/2007 للإعلان عنها وقد كسبت الأردن كثيرا بدخول البتراء وخسرت بالمقابل مصر كثيرا بعدم قبولها دخول الاهرامات ضمن المسابقة، علما ان تلك الأعجوبة الدائمة كانت ستفوز دون ادنى شك وقد تسبب هذا الأمر بإبعاد الأهرام الشامخة عن عمليات التسويق الدولية التي ستستمر لسنوات طويلة مقبلة للعجائب السبع الجديدة. شخصيا أعتقد ان معجزة البناء الإنساني الأهم والأعم في التاريخ هي ما نراه هذه الأيام يعمر في امارة دبي.

سامي النصف

الاستجوابات والتنمية ودور ديوان المحاسبة

ليس هناك أكثر خطأ من التنظير الرقمي أو النوعي للأزمات السياسية وتحبيبها للعامة والمزايدة على نواب الاستجوابات والأزمات ممن باتوا يدعون – وهو أمر طيب – للتفرغ لعمليات التنمية وحل مشاكل الناخبين الحقيقية بدلا من التفرغ لعمليات الاستجواب التي خرجت، للعلم ومنذ زمن بعيد، عن مقاصدها الخيرة عندما باتت تستهدف المصلحين وتغض النظر عن المتجاوزين وتبحث عن الهوية في المحاسبة لا عن القضية وتروم دغدغة المشاعر لا البحث عن طرق الإصلاح والوصول للحقيقة.

يستنكر أحد المختصين مقولة ان الاستجوابات تعطل عمليات التنمية عبر القول ان الحكومة لم تقدم منذ منتصف الثمانينيات اي خطة خمسية للتنمية!

وهو استشهاد عجيب وغريب بنظري، حيث انه يفترض انه لا تنمية قامت او تمت في البلد منذ ذلك الزمن البعيد، اي ان التنمية الحقيقية بذلك المفهوم تقاس بالحبر والورق لا بالحديد والاسمنت ولا حتى بالواقع الذي نعيشه والذي نشاهده كل يوم من قفزات ضخمة تمت في البلاد خلال العقدين الماضيين، حيث أستمع شخصيا بشكل شبه يومي لكلمات اعجاب شديدة من الاخوة العراقيين الذين تركوا الكويت في الثمانينيات واصبحوا يذهلون لما يرونه قائما هذه الأيام من المطار حتى المطار.

وطرح كهذا يجعل المرء يشك حتى في صحة شقه النظري، فهل حقيقة لا توجد خطط تنموية في البلد منذ منتصف الثمانينيات فقط لعدم وجود مسمى خطة خمسية؟!

الواقع انني اطلعت قبل مدة على خطة برنامج عمل الحكومة للسنوات الأربع المقبلة وهي خطة طموحة وتعتبر من صلب العمل التنموي، حيث تشتمل على مشاريع ضخمة في كل قطاع من قطاعات الدولة، موزعة على السنوات الاربع المقبلة، ومعها المبالغ المالية والاعداد البشرية والتشريعات اللازمة لتحقيقها، فإذا لم تكن تلك خطة تنموية فما هي الخطط التنموية اذن؟!

ومما لا شك فيه ان الاستجوابات والأزمات السياسية واستقالة الحكومات المتعاقبة كنتيجة لتلك الأزمات والتغيير الشهري للوزراء وتفرغهم خلال المدد القصيرة للاستجوابات والواسطات التي تقتات على الاستجوابات تؤثر بشكل مباشر على متابعة تلك المشاريع الحيوية التي تتحول الى ادوات استجواب وحطب لنيران الأزمات المتلاحقة.

سامي النصف

العدادات أهم من الترشيد والمرور

على قناة MBC لاحظ المذيع ان المصلين لا يضعون الاحذية في المكان المخصص لها في المسجد، بل يرمونها بشكل فوضوي على مدخل المصلى، لذا وضع المذيع على الباب لوحة ارشادية صغيرة تذكّر المصلين بضرورة وضع الاحذية والنعال في مكانها الصحيح وفرض غرامة 100 ريال لصالح ادارة المسجد على من لا يلتزم، وقد لاحظ المذيع بعد ذلك التزام الاغلبية المطلقة من المصلين بتلك الارشادات وخصوصا كونها تتضمن غرامة مالية.

تنظم وزارة الكهرباء حملة اعلامية ترشيدية نقف معها بالمطلق إلا انها لا تكفي وحدها، بدلالة بقاء مؤشر الاستهلاك العالي الذي تظهره عدادات الحمل الكهربائي الذي وضعته الوزارة او تحديدا وكالتها الإعلامية المشكورة في كل مكان.

ما سيخفف بفعالية وواقعية استهلاك الكهرباء والماء المبالغ فيه هو ارساء مناقصة على احدى الشركات الخاصة للقيام بتركيب عدادات ماء وكهرباء جديدة وعلى وجه السرعة لكل «وحدة سكنية» منفصلة في الكويت ووقف الفلسفة المجنونة بأن يستخدم طرف ما الكهرباء والماء ويقوم طرف آخر بدفع الثمن كحال العمارات والڤلل السكنية التي تؤجر بها الشقق، ان ذلك المقترح المعمول به في جميع الدول الاخرى ومنها امارة دبي سيجعلنا نرى معدل الاستهلاك يتناقص سريعا بمقدار 50% او اكثر، ومثل ذلك توكيل شركة خاصة لتحصيل فواتير الكهرباء والماء، و«محاسبتها» عند الاخفاق في ذلك، مشكلة مقترح تركيب العدادات انه سيغني عن شراء المولدات ذات الاثمان التي تتجاوز المليارات وهنا تكمن المشكلة.

انا مستخدم يومي للطريق الرابع وأتألم وانا اعلم ان صرف ما يقارب 300 مليون دينار (مليار دولار) عليه لن يحل من مشاكل ذلك الطريق الحيوي شيئا كونه سيبقى بعد كل ذلك الصرف ذا 3 حارات كما هو الآن وكذلك الشريان «الوحيد» السالك والموصل من الشويخ الصناعية وما خلفها الى حولي والنقرة والسالمية والشعب البحري كثيفة السكان وهو ما يعني بقاء الزحمة وازديادها الى اجل غير مسمى.

لقد تقدمنا ومازلنا بمقترح سيخفف الضغط على ذلك الطريق بمقدار 50% عبر امرين لا يكلفان فلسا او سنتا واحدا اولهما ارجاع الطريق الدائري الثالث الى سابق عهده عندما انشأته مصلحة الطرق الفيدرالية الاميركية، اي طريق سريع وإلغاء الاشارات الضوئية التي استُحدثت عليه كي يصبح طريقا رديفا وبديلا للحركة المرورية ما بين الشويخ الصناعية والمناطق الاربع السالف ذكرها في الفقرة السابقة.

المقترح الثاني هو زيادة السرعة على الطريقين الثالث والرابع الى 100 كم/ساعة كحال طريق المطار المشابه، عدا الجسور التي يجب وضع لوحات لتخفيف السرعة فوقها – وليس على كل الطريق – الى 80 كم/ساعة وهو امر سيسرع في اخلاء الطريق من السيارات بنسبة 20% متى ما طبقنا المعادلة الحسابية المعروفة التي تربط المسافة بالسرعة والزمن ومن ثم تخف الزحمة بنفس النسبة، مقترح بسيط آخر مشكلته الوحيدة انه «ببلاش» ولا يجني احد مكاسب مالية من تطبيقه.

آخر محطة:
من زحمة الطرق الى زحمة المدن والاسواق واقتراح بتكليف شركة امنية خاصة تراقب بشكل متواصل عدادات مواقف السيارات ولصق مخالفات فورية لمن لا يقوم بملئها بالنقود حيث اصبحت تلك العدادات غالية الثمن اقرب لخيال المآتة الذي يخيف الطيور ولا يهم البشر.

سامي النصف

أطباء مسلمون.. أيمن الظواهري وسلوى الهزاع

كنت أتابع احد برامج القناة السعودية الثانية الناطقة بالانجليزية وقد بدأ وانتهى البرنامج وبدأ لقاء مع دكتورة سعودية تدعى سلوى الهزاع، وقد قررت مشاهدة اللقاء لدقيقة او دقيقتين قبل التحول لقناة «الجزيرة» للاستماع لآخر تهديدات د.أيمن الظواهري، الا انني وجدت نفسي متسمرا امام اللقاء حتى انتهائه وشعرت في نهايته بالفخر الشديد لخليجيتي وعروبتي وإسلامي لوجود مثل تلك السيدة الفاضلة والإنسانة الرائعة مثلما شعرت بالخجل الشديد مما يقوم به الظواهري او دكاترة لندن المسلمون ممن خططوا للأعمال الإرهابية المعادية للإنسانية.

السيدة والدكتورة الهزاع ذات ذكاء خارق وكلام ينقط حكمة وتمكن يقارب الكمال من اللغة الانجليزية، اما مؤهلاتها فقل مثيلها في العالم، وتحتاج إلى عدة صفحات لذكرها، حيث انها مختصة بطب العيون والجراحة وعلم الجينات والوراثة وترأس قسم العيون في مستشفى الملك فيصل التخصصي ولديها عيادة خاصة تعمل بها الى الساعة الـ 12 ليلا حتى لا ترد من أتوا لمراجعتها من مسافات بعيدة (نحمد الله ان المملكة لا يوجد بها قانون 8 مساء)، وتقول ان العيادة الخاصة بها هي اقرب للخدمة الإنسانية منها للمشروع التجاري، و تضيف انها لا تكتفي بتشخيص المرض وعلاجه بل تفتح دائما حوارا مطولا مع كل مريض وعائلته لمساعدتهم على تصحيح اي مفاهيم طبية خاطئة اخرى في حياتهم.

والدكتورة الهزاع طبيبة ومحاضرة في جامعة جون هوبكنز وجامعتي كمبريدج وادنبره، كما انها وبسبب تميزها الشديد على المستوى العالمي عضوة في مجالس ادارات اكبر المجلات الطبية المختصة في العالم من اليابان حتى اوروبا والولايات المتحدة، ولها مئات المحاضرات والأبحاث واللقاءات، كما انها حاصلة على جائزتي الجامعة العربية ومجلة «فوربيز» لأكثر النساء العربيات أبحاثا وإنتاجية وضمن قائمة «ماركيز» العالمية، كما حصدت جائزة امرأة العام لجامعة كمبريدج العريقة، وللدكتورة سلوى آراء ومواقف وطنية رائعة، حيث سخرت جزءا من اتصالاتها ومحاضراتها التي تلقيها في مشارق الأرض ومغاربها للدفاع عن الإسلام والمملكة امام الحملة الشرسة في مرحلة ما بعد سبتمبر 2001 التي وقف خلفها الظواهري، وقد اختيرت كسفيرة نوايا حسنة للسعودية.

وقد سألتها المذيعة عن اختيارها للإشراف على علاج الملك فهد، رحمه الله، فقالت: لا يهم ان كان المريض ملكا او انسانا بسيطا، حيث لا تجد ان من الصحيح اخلاقيا الحديث عن مرضاها، وقالت انها حازت عام 1987 جائزة الدولة ووجدت آنذاك ان النساء لا يكرمن بالعلن فتوجهت الى الملك – راعي الحفل – وطلبت ان تتسلم جائزتها بنفسها وهو ما تم وأصبح عرفا بعد ذلك، وان قامت، كما ذكرت، عند فوزها بالجوائز التي تلتها – وقد حازت العشرات منها دوليا وعربيا وخليجيا – بجعل والدها وزوجها يتسلمان البعض منها عرفانا بدورهما الكبير في حياتها.

ورغم انها محافظة في آرائها وتلبس الطرحة على رأسها ولها رأي محايد في قيادة المرأة للسيارة وهو ان لكل مجتمع خصوصيته، فهي في الحقيقة مكسب كبير ليس للسعودية فحسب بل للعرب والمسلمين كافة بعد ان اصبحت مرجعية علمية عالمية يشار لها بالبنان في كل مكان، الا ان بعض المنتديات المتشددة لا ترى فيها، كما قرأت، الا امرأة «متبرجة» تستحق الشتم واللطم والشكم والطلب منها ان تلزم بيتها للعمل كخادمة فيه، وفي هذا السياق وجدت اثناء بحثي على الإنترنت ان اغلب المرجعيات الطبية المنجزة في السعودية هي للنساء امثال د.الهام ابوالجدايل المخترعة وذات الابحاث المتقدمة في مجال استخلاص الخلايا الجذعية عن طريق الدم والمحاضرة في عدة جامعات دولية.

آخر محطة:
هل يمكن لنا كمسلمين ان نحوز تقدير العالم لو طبقنا روح ونص القوانين الكويتية الأخيرة التي تقوم فلسفتها على إبقاء النساء في البيت؟ لا نرجو فقط رد وتعديل القوانين الاخيرة بل اعادة النظر في الفلسفة التي تقف خلفها، ومن ذلك فلتبق بعض النسوة المسلمات في البيت ولا خطأ في ذلك متى رغبن فيه، ولتبق نساء مسلمات اخريات في المعامل والعيادات والمكاتب والجامعات، ولا خطأ في ذلك ايضا، فقد تصحح الطبيبات المسلمات بعملهن الرائع جزءا من الصورة المشوهة للإسلام التي قام بخلقها بعض الاطباء المسلمين من الظواهري شرقا حتى بعض اطباء لندن غربا.

سعيد محمد سعيد

ألف دينار… عيش يا عمي!

 

ذات مرة، سنحت لي فرصة سانحة ذهبية ثمينة، أن أطلع على رواتب عدد من الموظفين (غير البحرينيين) في بعض القطاعات، وفي وظائف (أبصم بالعشرين) على أن المئات من الكوادر البحرينية قادرة على أداء مهماتها بسهولة ويسر، ويمتلكون الخبرة العملية والمؤهل العلمي لتبوئها بجدارة، فشعرت بحال من الغضب لم تهدأ الا عندما طيبت النفس بالقول: «يارزاق»!

ففي مؤسسة إعلامية، يتقاضى أحد الإخوة العرب راتبا أساسيا يصل الى ثلاثة آلاف دينار، مضاف اليها بعض الامتيازات والبدلات التي تضيف الى الراتب مبلغا يصل الى 600 دينار، وعندما فشل ذلك الخبير في ادارة المؤسسة على مدى عامين كاملين، جاء دور (بحريني) ليتم ترشيحه بالإجماع لكفاءته وقدرته على إدارة المؤسسة بأفكار مبدعة، لكن المشكلة الوحيدة التي جعلته يرفض بقوة ذلك العرض، هو أن الراتب الذي سيتقاضاه لا يشبه اطلاقا راتب سلفه، فهو راتب قدره 750 دينارا فقط لا غير!

مؤسسة أخرى، أكاديمية هذه المرة، يبلغ أجر مدير العلاقات العامة الأجنبي فيها نحو 4 آلاف دينار، الأخ لا يداوم أكثر من خمس ساعات في اليوم، ويسافر كل ثلاثة أسابيع على (ظهر) المؤسسة ويتعلم أولاده على حساب المؤسسة، ومع ذلك، ضحكت له الدنيا (مسكين) بعرض مغر في دولة خليجية مجاورة براتب يصل الى 6 آلاف دينار، ولم يكن من المعقول أن تبق المؤسسة من دون مدير علاقات عامة، وهناك شاب بحريني قادر على تبوء المنصب وبراتب مغر أيضا يبلغ 1150 دينارا فقط لا غير.

والسؤال المحير هو: لماذا يستحق غير البحريني كل تلك الرواتب الضخمة والامتيازات الرائعة، ويحرم منها البحريني المؤهل؟ ولا أدري لماذا لا يأتي دور البحريني الا بعد أن يفشل الأجنبي (ولد الباليوزة)؟

لو قدر لك أن تختار عينة عشوائية من الموظفين والموظفات البحرينيات وتقدم لهم عرضا وظيفيا براتب ألف دينار، ستجد أولئك الناس وقد احولت عيونهم ودار رأسهم وارتجفت اوصالهم وسال لعابهم فقط لراتب ألف دينار! وربما لم يتمكنوا من النوم بمجرد سماع ذلك العرض، بل وستجدهم في حال من التهجد والعبادة وتوزيع الحلويات وعقد النذور للنعمة التي نزلت عليهم، وستجدهم يقضون كل أيامهم في العمل المضني الذي لا راحة فيها حفاظا على راتب الألف دينار. فما بالك اذا تجاوز الراتب أكثر من ذلك؟

شاب بحريني، طبيب استشاري مبدع، لم يصدق الخبر الذي نزل عليه كالصاعقة حينما حصل على عقد عمل في أحد المستشفيات الخليجية براتب 5 آلاف دينار، ولم يضيع دقيقة واحدة في تقديم استقالته وتجهيز حقائبه والسفر طلبا للرزق تاركا هما ثقيلا في وظيفة استشاري لا يتجاوز راتبها 1150 دينارا.

باختصار، شهدت السنوات الماضية هجرة لطاقات بحرينية خلاقة لم تجد الفرصة للعيش براحة نتيجة ظروف العمل السيئة والراتب الهزيل، ولكن السؤال: هل نرخص كفاءات بحرينية ونودعها لتهاجر من دون أسف، ونحن في أمس الحاجة اليها؟

الجواب قد يكون لدى من يصرف الكثير الكثير على غير البحريني، ويستكثر على ولد البلد الذي سهر وتعب مجرد راتب خيالي اسمه «ألف دينار».. عيش يا عمي والرزق على الله.

سامي النصف

التفرغ للتنمية الشاملة والإصلاح الاقتصادي

العزاء الحار الى آل البدر الكرام بوفاة العم الفاضل خالد الداود المرزوق البدر، للفقيد الرحمة والمغفرة ولأهله وذويه الصــبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

المانشيت الأكثر تعبيرا ومضمونا فيما نشر في صحف الأمس هو مانشيت جريدة «الأنباء» الذي ذكر ان هناك اجتماعا موسعا سيعقد لتكتل الكتل يدعو الى «التفرغ للتنمية الشاملة والإصلاح الاقتصادي»، وقد نسب ضمن نفس الخبر تصريح للنائب الفاضل حسين مزيد ذكر فيه ان التعاون بين الحكومة والمجلس ضرورة لايجاد حلول لقضايا التوظيف والاسكان والتعليم والصحة الملحة، وهو كلام حكمة تحتاج ترجمته من النواب الأفاضل وتكتل الكتل الى وقف الأزمات والاستجوابات المتتالية الى أجل غير مسمى، فاللعبة السياسة لا تمارس بالضرورة عبر الأزمة السياسية.

ان المراقب الجاد للعمل السياسي الكويتي منذ التحرير حتى اليوم يستطيع ان ينتهي بخلاصة هامة جدا وهي ان الأزمات والاستجوابات التي تمت وشغلت البلد عن التنمية لم تخلق حالة إصلاحية واحدة، فأغلب من وجهت الاستجوابات لهم لم يكونوا من السارقين أو المقصرين بل على العكس من ذلك، في وقت مر فيه المتجاوزون والمقصرون دون محاسبة وتلك حقيقة أقرب للبديهة.

ومن الأمور التي تسببت في أزمات خانقة شغلت البلد قضية الدوائر ونرجو ألا يخيب ظننا بنظام الدوائر الحالي، فتبقى – كما طرحنا في السابق – جميع الأمراض الانتخابية من رشاوى وواسطات وشراء أصوات وقبلية وعائلية وطائفية.. الخ، اذا لم تزد، حيث قد تنتقل عن طريق الدمج من الدوائر الموبوءة الى الدوائر غير الموبوءة بمثل تلك الأمراض.

فما نخشاه مما هو قادم اختفاء الاصلاحيين الحقيقيين كونهم ليسوا بالضرورة من المنضوين للكتل السياسية والاجتماعية الكبرى لصالح غير الاصلاحيين ممن لا تزيد مؤهلاتهم عن انتماءاتهم لتجمعات كبيرة، ان التحركات والبيانات التي نراها هذه الأيام عن عقد لقاءات وتكوين ادارات لا يقصد منها في حقيقة الأمر الا التحضير للانتخابات القادمة عبر خلق «مرجعيات» متفق عليها تخول بعمل تحالفات بين الكتل الكبرى، سيكون أول ضحاياها للعلم هم النواب الاصلاحيون الذين دعوا للتغيير كما خسر البلد في السابق كثيرا من الوزراء الإصلاحيين تحت حجة الإصلاح..!

ومن يعتقد ان الأزمات السياسية لا علاقة لها بوقف وعرقلة التنمية الاقتصادية خاطئ حتى النخاع، فعبر نظرة سريعة للعالم أو حتى لدول الاتحاد الأوروبي نجد ان الدول المستقرة سياسيا كدول شمال أوروبا تحتل المراكز الأولى في جميع المؤشرات الاقتصادية الدولية، بينما تحتل الدول غير المستقرة سياسيا كإيطاليا على سبيل المثال مراكز متأخرة، ومعروف ان فرنسا كانت حتى أواخر الخمسينيات تتعرض الى ما كانت تتعرض له جارتها ايطاليا من أزمات وتغييرات شهرية للحكومات مما اضطرها الى عمل تعديلات دستورية أدت الى استقرارها السياسي وتسارع عملية التنمية فيها.

آخر محطة:
يمتد عجبي من الوضع السياسي الكويتي الى الوضع السياسي العراقي ومن ذلك اعتراضي الشديد على إبعاد وزير الثقافة العراقي عن منصبه بحجة انه شارك شخصيا في اغتيال أولاد المعارض العراقي أمثال الألوسي، حقيقة ما الخطأ في بلد تسود فيه هذه الأيام ثقافة القتل والاغتيال في ان يكون وزير ثقافته قاتلا محترفا؟! غيّروا الثقافة السائدة يرحمكم الله قبل ان تغيروا الوزير الضحية..!

سعيد محمد سعيد

فديتك يا (بو صفعة)!

 

كانت الصفعة يوم أمس شاهرة ظاهرة، بل أشهر من نار على علم! فما إن أصبح الناس الصباح وقرأوا الصحف حتى ثارت ثائرة بعضهم… ورقص البعض الآخر تشفيا وتسفيها وتكفيرا… وانتفخت أوداج بعض ثالث، وزعل نفر هنا، واستاء نفر هناك بسبب تلك القصة التي تناقلتها الألسن عندما اقترب أحد علماء الدين من امرأة وهي تتجول في مكتبة بالقرب من منطقة جدحفص وسألها مباشرة (حار بحار) عما اذا كانت مطلقة أم لا ليتزوجها زواجا منقطعا؟! فما كان منها الا أن «صفعته» صفعة فلملم بشته وولى هاربا.

البعض استهزأ بالفعلة، والبعض استهزأ بالخبر نفسه، والبعض الآخر حول القضية إلى سجال طائفي، فيما كان بعض الناس على أهبة الاستعداد لإضافة المزيد إلى القصة، ففصل واحد لا يكفي، ونخشى أن يختفي البطل من بداية القصة إلى نهايتها.

سألني بعض الناس ما رأيك في الخبر؟ ولم أجب مباشرة، لأنني أردت أن أقول إن الكثير من الناس في المجتمع يصدقون أي شيء وكل شيء يكتب في الصحف، وبعضهم لا يريد أن يستخدم عقله حتى في الاستدلال المنطقي لما يقرأ، وهذا لا يعني أن كل ما يكتب خطأ، ولكن للاستدلال والتحليل المنطقي لما بين السطور ما هو أهم، ثم أن كل لون من ألوان الكتابة الخبرية يتطلب مصدرا، وإن كان مغيبا حفاظا على حقوقه… والأهم من ذلك، هناك قراءة ما قبل النشر، التي تعطي أية صحيفة مكانة لأنها توقعت النتائج فأوقفت نشر هذا الخبر أم ذاك.

المهم، أن القصة أثارت فرصة للنقاش! لكنني وجدت مدخل القصة في «احترام الإنسان لنفسه» سواء كان عالم دين أو صبيا في مزرعة! المدخل هو أن رجلا بريطانيا من مدينة تشيلسي حوكم قضائيا بغرامة ومراقبة (سلوك) لمدة عام، لأنه كان يجلس في القطار واضعا على أذنيه سماعات الموسيقى و(رافعا رجليه) على الكرسي الذي أمامه… يعني اعتبروه الجماعة هناك «قليل أدب»! ووصل به الأمر إلى المحاكمة.

أما بعض مدعي التدين والالتزام والانضباط والعلم في مجتمعاتنا، فما أكثر أخطاءهم الفادحة! ومع ذلك نحن أمام أمرين مهمين: الأول هو التبين والتأكد مما يردنا من معلومات وأنباء وأخبار بعقل متفتح، أما الأمر الثاني، فرحم الله والديكم، اخلعوا رداء التدين والقدسية اذا كان الدين بالنسبة إليكم فقط: متعة -مسيار – عرفي – اكرنبج – بطيخ و… كراهية تسقم البدن!

سامي النصف

الطلبة ومجلس الأمة

كان الجهل يسود الكويت بل واقطار العالم العربي كافة لذا حلقت «هليلة» غير مسبوقة لدى الامم الاخرى عند ظهور نتائج الثانوية العامة وعليه لا ارى سببا واحدا لاستمرار ذلك التقليد البالي والاحتفال بتلك النتائج التي لا تعني شيئا، فعبر عقود من الزمن لم نجد ان من حازوا نسبة 99.9% «علمي» في السابق قد انجزوا شيئا ملحوظا بعد مرور عشرات السنين من تخرجهم، ولا اذكر ان احد المنجزين والمتفوقين في الحياة او في العلوم الانسانية قد ذكر قط انه كان من الحائزين لمثل تلك النسب التي يحتفى بالحاصلين عليها.

قد تكون للإخفاق اللاحق لمرحلة انتهاء الدراسة الثانوية من قبل الحاصلين على تلك العلامات التي يقارب بعضها حد الكمال، اسباب عدة منها ان نظامنا التعليمي قائم على الحفظ لا على الابداع، لذا فقد يتصدر الصفوف من يحفظ لا من يبدع، كذلك لا يوجد في مرحلة ما بعد الثانوية العامة ما يوجه العقول المتفوقة النادرة للتخصصات التي تتواءم مع تطلعاتها وميولها بل تساق في الاغلب من قبل الاهل او الوزارات المعنية الى تخصصات محددة فقط كالطب والهندسة، والتي قد لا تبدع بها.

لقد افترضنا ومازلنا، ان يتم الابتعاث للخارج بناء على الحصول على نسبة معينة في الثانوية لا على تخصصي الطب والهندسة فقط كما هو قائم وان يكون الابتعاث للدول المتقدمة حتى لا يقود الاعمى الاعمى، وواضح ان توجه تلك العقول لدراسة الاقتصاد في الجامعات العالمية العريقة اكثر فائدة وعائدا على بلد يشكل الاستثمار العائد الثاني لدخله، من التوجه لدراسة الطب على سبيل المثال دون رغبة من الطالب ما يؤدي الى فشله ابان الدراسة او بعدها.

ومما نقترحه كذلك ان تتبنى الشركات المساهمة المختلفة والبنوك اختيار مجموعات من الطلبة المتفوقين لإرسالهم لجامعات متقدمة في التخصص الذي تراه مناسبا بقصد التوظيف بعد التخرج او حتى لإثراء المجتمع بالتخصصات المختلفة التي قد لا ترسلها وزارة التربية، وفي هذا السياق نرى ان البعض من هذه العقول قد يكون اذكى واكثر قدرة من الادارات الحكومية في اختيار التخصصات المستقبلية له، فمن كان يتوقع في الوزارات المعنية قبل سنوات اهمية تخصصات مثل علوم الكمبيوتر او الهندسة الوراثية والجينات على الحياة المعاصرة؟

وما دمنا في مجال الطلبة وتكرر صدور تشريعات نكتشف في وقت لاحق خطأها او عدم فهمها بصورة صحيحة، وضمن حقيقة عدم وجود مختصين بالضـــــرورة في مجالات التشريع والمحاسبة وغيرهما ضمن الفريق المحيط بالنواب، فلماذا لا يتم العمل بما هو قائم في الكونغرس الاميركي بل وحتى البيت الابيض من استخدام نظام INTERSHIP اي الاستعانة بطلبة التخصصات المختلفة من حقوق واقتصاد وغيرهما للعمل كمتدربين مع النواب الافاضل وفي الادارات الحكومية المختلفة اثراء للعمل التنفيذي والتشريعي وافادة لأبنائنا الطلبة آملين من الجهات المختصة النظر في ذلك المقترح.

آخر محطة:
تكملة لمقال امس فاتنا القول اننا اصبحنا كذلك مركز العالم ومحيط الارض في عدد الشباب المصنف FRAGILE اي القطاع الشبابي الذي لا يسمح لأحد بالاقتراب منه كونه قابلا للكسر السريع والتهشيم عند اول كلمة صارمة او نسمة عابرة، لأنه تربى على العز والترف ولم يتعود على ظروف الحياة الصعبة والمتغيرة.

سامي النصف

مركز العالم ومحيط الأرض

كنا نعتقد ان الكويت مركز العالم والمصدر الرئيسي في بضاعتي الحقد والحسد، فأصبحنا ولله الحمد والمنة مركزا عالميا كذلك لامور عديدة اخرى، ليس منها المركز المالي الذي كنا نحلم به ونسعى جاهدين لتحقيقه كمصدر بديل للنفط حفاظا على مستقبل ابنائنا ولحاقا باشقائنا الخليجيين ومن ذلك فقد اضحى بلدنا:

مركز العالم ومحيط الارض في الخلاف والشقاق والتناحر والخصام، فالتحالفات السياسية تُفك، والكتل البرلمانية تتفتت، والاقرباء يتقاضون، والتجار يتصارعون، والعقائد الفقهية والدينية تتباعد وتتعادى، وكنا نسمع في السابق ان في البرلمان 50 حزبا مختلفا فأصبحت 150 حزبا او اكثر لكثرة وسرعة تغيير المواقف والمراكز من المعارضة الى الموالاة والعكس والتي ينتج عنها المناكفة الدائمة وخلق الازمات المتلاحقة.

مركز العالم ومحيط الارض في التسابق على الاخذ من الاوطان دون عطاء حقيقي، فالجميع يطمع في زيادة مكاسبه الذاتية على حساب مصالح الوطن الذي قارب ان يموت غرقا باسفكسيا الاختناق من كثرة الدمع المسفوك كذبا وزيفا على احواله.

مركز العالم ومحيط الارض في التقلب والكراهية والنكد وانكار الجميل ووفرة سكاكين الغدر والخسة التي ترمى بغزارة على ظهور القلة الباقية والمنقرضة من الكرام والاتقياء والانقياء ممن تجلهم وتحافظ عليهم امم الارض قاطبة لندرتهم، ويضربون لدينا ضرب غرائب الابل حتى يتم تهجيرهم للخارج او اغلاق ابوابهم عليهم في الداخل.

مركز الافراط والتفريط بالاستهلاك غير الراشد في العالم، فبلد شديد الحرارة لا نهر ولا مطر فيه يعتبر رقميا – وكما تدل جميع الاحصاءات الدولية – الاول في استهلاك المياه، بدلا من ان يصبح القدوة الاولى – كما يفرض العقل والمنطق والحس السليم – في ترشيد المياه التي لا حياة ولا اوطان دونها.

مركزا متقدما في وفرة الامراض النفسية المستعصية، فالعيون غائرة والعقول مشتتة والأجبنة مقطبة والمقابر مليئة بمن ذهبوا اليها طواعية حزنا وكمدا بسبب امراض الكآبة غير المبررة في بلد يفترض ان يكون سكانه الاسعد في العالم.

مركزا متقدما في الجهل الغريب والتخلف الاعجب، فكلما زاد عدد المتعلمين وخريجي الشهادات العليا في البلد زاد لجوؤهم ولجوء الناس معهم لمن لا يحمل حتى الشهادة الابتدائية ليضرب لهم الودع ويفك عنهم المعمول والمسحور، وبدلا من قضاء الاوقات الثمينة في القضايا البحثية التي تدل على الرقي العلمي، اصبح هؤلاء يقضون جل اوقاتهم امام قنوات السحر والخزعبلات كشهرزاد واخواتها.

مركزا عالميا متقدما في معدلات حوادث الطرق وضحايا المرور رغم اننا بلد فريد لا جبال ولا ضباب ولا وديان ولا ثلوج ولا اعاصير او فيضانات فيه، ورغم فسحة شوارعنا واضاءتها (ليلا ونهارا) وحداثة سياراتنا الا اننا وبعبقرية فريدة مازلنا نحافظ ولا فخر منذ سنوات عدة على تلك المراكز الاولى في العالم، مما يجعلنا نتساءل ماذا لو كان لدينا كبقية امم الارض جبال وطرق ضيقة وثلوج.. الخ.

آخر محطة:
اصبحنا ولله الحمد والمنة كذلك مركز الكتابة والكتاب في العالم، حيث فاق عدد الكتاب عدد القراء، كما اصبح لدينا دون امم الارض قاطبة شيوخ اجلاء واساتذة افاضل ومرجعيات شامخة كالجبال الشم يحج اليهم طلاب العلم من المشرق والمغرب كي يعلموهم مبادئ الكتابة الصحافية والقراءة والاطلاع ويمنحوهم صكوك البراءة والغفران، ولا يهم في هذا الصدد ان كان آخر ما قرأته تلك المرجعيات العظمى هو كتاب «مع حمد قلم» المقرر على الصف الأول الابتدائي!

سامي النصف

السقوط المتكرر من الشرفة

رغم ان أفلام الأبيض والأسود تظهر ان الإخوة المصريين معتادون على استخدام الشرفة أو البلكونة منذ عقود من الزمن بعكس الانجليز ممن لم يعتادوا الجلوس في الشرفات بسبب الأنواء الجوية السائدة أغلب العام، إلا أنه من المستغرب تكرار سقوط الشخصيات العامة المصرية دون غيرها (الليثي ناصف، سعاد حسني، أشرف مروان) وتحديدا من هو بصدد كتابة مذكراته، من الشرفات في لندن، علما انني لم اقرأ قط خبر سقوط شخصية عامة مصرية من البلكونة في مصر، قد يكون السبب المنطقي هو الأمطار الغزيرة التي تسبب الزحلقة ثم السقوط من أعلى، والله أعلم.

تتفق الأخبار على أن أشرف مروان صهر الرئيس عبدالناصر قد أصبح عميلا للموساد منذ الستينيات وانه كان يفضل السادات على حماه عبدالناصر (يستحق الأمر اعادة التحقيق في موت عبدالناصر) وما هو متفق عليه كذلك ان اشرف الذي سقط من الشرفة قد اخبر اسرائيل بموعد حرب اكتوبر قبل ايام من وقوعها، وقد حاول البعض القول بخبث او سذاجة انه خدعهم كونه حدد الساعة السادسة مساء 6/10 للحرب بينما قامت في الساعة الثانية ظهرا وكنت قد اشرت في مقال عن حرب اكتوبر 73 قبل مدة لحقيقة ان الاسرائيليين قد علموا بموعد الحرب قبل 40 ساعة من حدوثها ومن ثم لا يوجد عنصر مفاجأة فيها، مما يعتبر اضافة للانتصار المصري الباهر.

حاول البعض جعل ذلك الافشاء الخطير يصب في صالح اشرف مروان واعتباره عميلا مزدوجا خدع اسرائيل والحقيقة عكس ذلك تماما ففي العودة لمذكرات ايلي زعيرا رئيس المخابرات الاسرائيلية عام 73 نجده يذكر نصا بألا فائدة من التسريب المبكر لموعد الحرب كالقول انها ستحدث خلال عامين لعدم جدوى ذلك الأمر، كما لا جدوى من تسريب متأخر يقول ان الحرب ستحدث خلال ساعتين فقصر المدة لا يؤهل لاستدعاء الاحتياط، لذا فالتسريب المخابراتي الأمثل – حسب قوله – هو الذي يتم قبل يومين او ثلاثة من التاريخ المحدد للحرب وهو تماما ما وفـره صهـــر الزعيــم الخالــد ولا يضير اسرائيل في هذا السياق على الاطلاق بعد ان علمت واستعدت ان تحدث الحرب في الساعة السادسة او قبلها بأربع ساعات.

ومما يقوله ايلي زعيرا في مذكراته ان خطة الحرب وصلتهم بالتمام والكمال في سبتمبر 72، كما ان العميل الذي لقبه زعيرا بـ «النبع» لوفرة معلوماته وهو للعلم ملك عربي زارهم وأخبرهم في نهاية سبتمبر 73 بحدوث الحرب خلال الايام العشرة المقبلة، اما العميل الملقــب بـ «الصهر» اي مروان فقد حددها بدقة، كما يذكر ابراهام رابيونو الذي درس لمدة عشر سنوات وثائق الموساد، وقد تحدثت بعض الصحف الاسرائيلية عن تسريبات دقيقة لموعد الحرب كذلك من العميل «بابل» الذي يعتقد بعض العرب انه الاسم الحركي لأشرف مروان وأرى انه اسم حركي اقرب للمقبور صدام حيث لا علاقة بين مسمى بابل العراقي ومروان المصري.

وقد بدأ العميل المجتهد اشرف مروان عمله براتب 6 جنيهات في جهاز المعلومات التابع للرئيس عبدالناصر الذي يرأسه عميل المخابرات الروسية سامي شرف (خوش مكتب وخوش شرف) وانتهى مروان بثروة حالية تفوق 1.3 مليار دولار، وقد اشتهر «الصهر» بتجارة السلاح وصداقته – كحال العميل الاسرائيلي ابونضال – بالقذافي والمقبور صدام، كما تضمه علاقة مصاهرة لصيقة مع امين عام الجامعة العربية السفير عمرو موسى وصداقة حميمة مع الكاتب محمد حسنين هيكل، وفي مثل هذا تقول الراحلة ماري منيب «آمان يا ربي آمان»!

آخر محطة:
يخبرني وزير كويتي سابق فاضل انه التقى الرئيس السادات عام 74 الذي طلب منه ان تقوم الكويت بتمويل صفقة لشراء طائرات بوينغ لشركة الطيران المصرية، يقول وعدته خيرا وعدت لفندق هيلتون النيل استعدادا للنوم وعندها سمعت طرقا على الباب وعندما فتحته وجدت شابا عرفني بنفسه على انه اشرف مروان ممثل (….) ويود الحديث عن عمولات الصفقة، يقول العم الفاضل: طردته من عند الباب شر طردة.