انفقنا، او ربما اضعنا مئات ملايين الدولارات على غير المجدي من مشاريع حفر آلاف الابار في عدد من الدول الآسيوية والافريقية الفقيرة. كما قامت جماعات الاسلام السياسي، على مدى عقود ثلاثة او اكثر، بارسال «الدعاة» المبشرين الى العديد من الدول محملين بأطنان من الكتب الدينية، مقابل اجور مجزية تمنح لهم نظير قيامهم بنشر الدين والمساعدة في بناء دور عبادة لا يعرف احد عنها اليوم شيئا! ولكن بعد اكثر من ثلاثين عاما لم يبق من تلك الآبار والبيوت غير خرائب لم تجن الدول الفقيرة منها الشيء الكثير بعد ان عاد الدعاة لبلدانهم فور توقف تحويل «اجورهم» المجزية لهم، وبعد هجرة البعض الاخر الى افغانستان للجهاد فيها، واستمر الفقر والمرض والجهل تغطي مساحات هائلة من افريقيا، وحتى آسيا، التي زادت اخيرا معاناة شعوبها في الحصول على ما يكفي من الغذاء لولا ما يقدم لها من مساعدات من الدول الغربية والامم المتحدة.
في محاولة غير مسبوقة لاطعام الملايين بطريقة مبتكرة، قامت منظمة الغذاء العالمية التابعة للامم المتحدة، بتصميم برنامج انترنت يمكن عن طريقه اصطياد مجموعة عصافير بحجر واحد!
فبالدخول للبرنامج من خلال العنوان التالي www.freerice.com تتوافر لديك مجموعة خيارات في مجالات التاريخ واللغة والجغرافيا والفنون وغير ذلك الكثير، وبالنقر على اي منها تبدأ مجموعة اسئلة بالظهور في الموضوع الذي قمت باختياره، ومقابل كل اجابة صحيحة تجريها تقوم واحدة من الشركات المعلنة على الموقع بالتبرع بعشرين حبة ارز لمشروع اطعام فقراء العالم، وهذا يتيح للمشارك التمتع، مجانا، بوقت جميل من خلال تصفحه البرنامج والاستفادة منه في تطوير معلوماته العامة ولغته وتحسين قدراته في العديد من المجالات الاخرى، الامر الذي سيساهم في زيادة الثقة بالنفس ورفع مستوى الاداء والنجاح في العمل.
تبين من البرنامج لحظة كتابة هذا المقال، ان المشاركين فيه، وغالبيتهم بطبيعة الحال من غير منطقتنا (الملتهبة عطفا وحنانا على الآخر)، قد نجحوا في تجميع اكثر من 53 مليار حبة ارز، علما بأن الفرد العادي في الدول الفقيرة بحاجة الى أربعمائة غرام من الارز عادة في اليوم، او 20 الف حبة تقريبا، وتقوم منظمة الغذاء بتوزيع هذا الطعام على الفقراء في بنغلادش واجزاء من باكستان ودول افريقية عديدة تمتلئ بآبار خربة بقيت من دون استغلال بعد ان تركها «الدعاة»!
كم هو جميل ان نستمتع بتجرية جميلة، وننمي قدراتنا ونحسن لغتنا ونزيد من معلوماتنا ونساعد في الوقت نفسه في حصول شخص او اكثر على حاجته من الطعام، خصوصا ان علمنا ان سكان العالم يزيدون سنويا بمقدار 50 مليون نسمة، يعاني ما يقارب المليار، من اصل 6 مليارات و770 مليون نسمة، من سوء التغذية، كما يلقى 16 الف انسان حتفهم يوميا بسبب الجوع، نعم بسبب الجوع!
ملاحظة: أليس غريبا الاصرار على بناء اكبر اربعة مساجد في العالم الاسلامي تقع في اكثر الدول الاسلامية فقرا وتخلفا.
ونتمنى من القراء اعفاءنا من مشقة ذكر اسماء تلك الدول لكونها لا تخرج عن دائرة اليمن وبنغلادش والمغرب وباكستان، ولا يعني ذلك ان حالنا في دول مجلس التعاون افضل بكثير منها، فما نمتاز به عنها هو كثرة دور العبادة وزيادة قلة فهم الدين!
* * *
ملاحظة: اضطررت يوم امس الاول الى ركوب «الكويتية» من دبي الى الكويت بسبب الارهاق وروعة الخدمة استغرقت في نوم عميق طوال الرحلة، واثناءها علمت أن شركة DHL الاميركية العملاقة لنقل البريد اعلنت، بسبب الظروف المالية الصعبة التي تمر بها، وقف كل عملياتها التي تشمل استلام وتسليم مئات ملايين الطرود يوميا من مئات آلاف العملاء، وتسليم العملية برمتها لاسطول الخطوط الجوية الكويتية لتقوم بالمهمة بدلا عنها، ووصلت الطائرة الى الكويت متأخرة نصف ساعة عن موعدها وانتهى الحلم الجميل.
أحمد الصراف
habibi [email protected]