أقيم في قاعة “بروناي” بمركز الدراسات الشرقية في لندن في الثالث من الشهر الجاري احتفال كبير بمناسبة الذكرى المئوية لولادة الفنان القدير صالح (عزرا) الكويتي، الذي تشكل حياته واخيه داوود جزءا مهما من التراث الفني للكويت والعراق، وحتى لسوريا ومصر في ثلاثينات واربعينات القرن الماضي. وقد قدم صالح الكويتي مجموعة اعمال فنية جاوزت الالف خلدته وألحانه في ذاكرة شعوب المنطقة. كما شدا باعماله معظم مطربي ومطربات تلك الحقبة من امثال سليمة باشا مراد وداخل حسن وخضيري بو عزيز وعفيفة اسكندر وراوية ونرجس شوقي وزهور حسين وغيرهم الكثير. كما ترك بصماته الواضحة على الفن الشعبي الكويتي وغنى له الكثير من مطربي الكويت والبحرين والسعودية وحتى اليمن.
ولو كان الزمن غير هذا الزمن والوجوه غير هذه الوجوه لكانت الكويت اولى بالاحتفال بمئوية هذا الفنان الكبير الذي ادخل الفرح والسرور وحب الحياة على قلوب آبائنا واجدادنا، فقد سبق لهذا الفنان ان احيا الكثير من المناسبات السعيدة وبالذات للشيخ احمد الجابر الصباح حاكم الكويت الاسبق. ولكن على الرغم من دور هذا الانسان في الحياة الفنية الكويتية، وربما بسبب ذلك، فانه ليس له ذكر في اي شارع او كتاب او مقرر وكأنه لم يكن يوما ما جزءا من تاريخ الكويت ولا من شعبها، ولم يحمل اسم هذا الوطن ويعطيه لابنائه واحفاده من بعده.
وقبل مائة عام كذلك وصلت اول ارسالية تبشيرية مسيحية الى الكويت لتقديم خدمات طبية، ونجحت البعثة في فتح اول مستوصف في عام 1911. وكان الدكتور ماليري اول من عمل في المستوصف، ثم جاء الدكتور لويس اسكندر في عام 1939 ليعمل في مجال تقديم الخدمات الطبية المجانية للكويتيين لفترة تقارب الثلاثين عاما، قبل ان يقفل المستشفى ابوابه في عام 1967. وقد نجح اطباء المستشفى والعاملون فيه من سيدات اميركيات ومواطنين كويتيين في انقاذ ارواح وعلاج عشرات الآلاف من المرضى والمصابين بامراض السل والتراخوما والدزنتاريا، على مدى عقود اربعة، كما ساهموا في علاج عشرات المصابين في معركة الجهراء.
وعلى الرغم من ان الدكتور اسكندر من مواليد الهند، حيث كان يعمل والده طبيبا هناك وقت ولادته، فانه ذكر في مقابلة اجراها معه الاعلامي المعروف رضا الفيلي سنة 1974، وبلغته العربية: ان سر بقائي في الكويت هو شعوري باني كويتي، يشاركونني واشاركهم، ولا اود ان اذكر احدا حتى لا ازعل الآخرين لان اصدقائي كثيرون في الكويت، وابني قسيس في الكويت ومن مواليد 1941، واذا ذهبت الى اميركا اشتاق الى الكويت كثيرا، وكل مريض يراجعني اكثر من مرة تربطني به الاخوة والمحبة والاتصال المستمر، وهؤلاء، وخصوصا الفقراء كنا نعالجهم مجانا لحبنا وعلاقتنا بهم (!!)
ونجد وفي هذا الزمن الاغبر وبعد ثلاثين عاما من العمل المخلص والدؤوب ان لا شيء لدينا خلد ذكرى رجل ساهم في علاج الآلاف من ابناء واجداد هذا الجيل من دون مقابل، فلا مكتبة ولا شارع ولا حتى جناح في مستشفى يحمل اسمه، في الوقت الذي تحمل فيه شوارع الكويت اسماء المئات من الشخصيات من الذين لا يعرف احد عنهم شيئا، ولا فضل لهم حتى على اهل بيتهم.
اكتب ذلك بعد ان اطلعت على رسالة “ايميل” عن كتاب “المختصر في تاريخ تصنيع الادوية” لمؤلفه ستيورات ادرسون، حيث ورد في الرسالة التسلسل الزمني لتاريخ العلاج والدواء ابتداء من المصريين القدماء الى عصرنا هذا. ويركز على اكتشاف واستخدام الادوية لعلاج الامراض خلال الازمنة المختلفة. وفي الفصل الثاني منه نبذة مطولة عن مساهمة العرب والمسلمين في ازدهار صناعة الطب والدواء في الفترة ما بين القرنين الرابع والحادي عشر الميلادي. والجميل واللافت للانتباه ان الكاتب في ختام حديثه عن العالم ابن سينا الذي ترجم كتابه “القانون في الطب” الى اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي ليكون المرجع الاساسي لدراسة الطب لقرون، انه (اي ابن سينا) وجالينوس يظهران معا على شعار النبالة لجمعية الصيادلة الملكية البريطانية. وعلى الرغم من ان الشعار صمم واعتمد قبل أكثر من 164 عاما، فإنه بقي من دون تغيير من حيث شخصياته الرئيسية، فقد تغير تصميمه قليلا واضيفت له الالوان ولكن جالينوس وابن سينا بقيا في موقعيهما المميزين!
فهل لدينا مثل هذا التقدير وهذا التسامح اتجاه علماء العالم ودورهم العظيم في إسعاد البشرية وإمتاعها والتخفيف من آلامها؟ أشك في ذلك.
أحمد الصراف
habibi [email protected]