فجأة، ومن دون مقدمات، بدأ عقل طبيب الاعصاب الناجح سكوت ماكلر، يفقد الاتصال بكل عضلة في جسمه. وعلى الرغم من ان الامر بدأ بشكل تدريجي فان الشلل التام سرعان ما هاجمه خلال فترة قصيرة، وهو لا يزال في اربعينات عمره.
لعدم رغبة سكوت في البقاء حيا بمساعدة الاجهزة الطبية فقد قرر وضع حد لحياته، وهكذا قام بتسجيل رسالة صوتية مؤثرة لطفليه الصغيرين يخبرهما فيها بأنه سيذهب بعيدا عنهم، ولن يرياه، ولكنه سيراقبهما من هناك بكل حب وسعادة، وهما يتقدمان في الحياة، فهناك الكثير الذي ينتظرهما في الحياة!
ولكن اليوم، وبعد 9 سنوات من بدء مأساة سكوت، فإنه لا يزال على قيد الحياة ولا يزال عقله متقدا، كما كان، وفي قمة عطائه وبخلاف ذلك فلا شيء فيه يتحرك سوى نظرات عينيه التي اصبح يتخاطب عن طريقها مع زوجته، فلكي يقول نعم ينظر اليها مباشرة، وان اراد العكس يحول نظره عنها، ولا شيء غير ذلك.
العلم الحديث، والحقيقي، لم يترك سكوت لحاله فقد طور العالم جوناثان وول جهاز كمبيوتر متقدما، بإمكانه التدخل وتمكين سكوت من مجرد الاكتفاء بالتفكير لكي تنتقل افكاره للكمبيوتر تتحول لكلمات يكتبها ينطق بها الجهاز العجيب نيابة عنه بصوت واضح ومسموع، ولا يتطلب الامر من سكوت غير ارتدائه غطاء رأس يحول انشطة المخ الكهربائية الى كلمات وجمل بمجرد التفكير فيها.
وقام برنامج «60 دقيقة» التلفزيوني الشهير بإجراء مقابلة مع سكوت وسئل عن السبب الذي جعله يغير رأيه ويبقى على قيد الحياة فقال، عن طريق جهاز الكمبيوتر الموصول بعقله، انه فعل ذلك لأنه اصبح قادرا على التواصل مع الآخر!
على الرغم من ان اختيار الكلمة عقليا وتحويلها لكلمة مقروءة لا تزال عملية بطيئة، فانها سريعة بما يكفي لأن يستمر سكوت في عمله السابق كاختصاصي، وفي اجراء ابحاثه من خلال مختبره في جامعة بنسلفانيا، حيث يداوم على العمل كل يوم! مشلول تماما يداوم في عمله ونصف شعب «خير أمة» بكل كروشه ولحاه لا يعرف للدوام طريقا.
الغريب انه في اليوم نفسه الذي وردني فيه هذا الخبر نشرت «السياسة» ان مفتي عام السعودية اعتبر رفض البعض الصلاة على السجاد المفروش في الحرمين والمساجد لأنها موطوءة، بأن الرفض «تنطع وتشدد لا اصل له»! وتبين من الخبر ان بعض المسلمين يرفضون الصلاة على السجاد ويفضلون اداءها على الحصير، لانها من الارض، والسجاد قد يكون من غير ذلك.
أعجبت في البداية بفتوى الشيخ لما فيها من انفتاح، ولكن في اللحظة نفسها وردتني رسالة ثالثة يقول فيها رفاق للشيخ نفسه ان استخدام الكرسي حرام، فالسلف الصالح كان يجلس على الارض، وفتوى اخرى تقول بحرمة اهداء الزهور، طبيعية كانت ام صناعية، وخصوصا للمرضى. وأباح آخر، وهو علي الخضير، الكذب وشهادة الزور على من خالف رأي السلف وذلك لنصرة الاسلام. وصدر اكثر من تحريم للعبة كرة القدم، وكان آخرها للشيخ عبدالله النجدي لأن قوانينها من وضع الكفار، ولا يجوز التشبه بهم وارتداء الملابس المرقمة واتباع اوامر «الحكم» واستخدام كلمات كـ «البينالتي والكورنر»، وتقبيل اللاعبين بعضهم بعضا والاصرار على الفوز. كما حرم آخر تعليم اللغات الاجنبية، والانكليزية بالذات، لقول ابن تيمية «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة اهل الجحيم» فلا يصح لمسلم التكلم بغير العربية، ومن اراد تعليم ابنه اللغة الانكليزية فإنه سيحاسب يوم القيامة، لأن ذلك التعلم يؤدي الى محبة الطفل لأهل اللغة التي يعرفها. كما حرم خامس ارتداء الكعب العالي للمرأة لأنه يعرضها للسقوط ويظهر قامتها بأكثر مما هي عليه، وفي هذا تدليس وابداء لبعض الزينة. وعن الشيخ ناصر الفهد صدرت فتوى تحرم اداء التحية العسكرية، او احترام النشيد الوطني او العلم. كما اصدر ابراهيم بن صالح الخضيري القاضي بالمحكمة العامة في الرياض فتوى يحرم فيها مشاهدة قناة «الحرة». اما فتوى الشيخ عبدالعزيز بن باز فقد جاءت في تحريم القول بدوران الكرة الأرضية.
وهناك فتوى للشيخ ناصر بن حمد الفهد بتحريم العطور وتحريم التصفيق، وسبق ان حرم ابن تيمية تعلم الكيمياء ووصفه بالسحر. وحرم الشيخ صالح الفوزان السياحة او السفر خارج المملكة السعودية تحريما قطعيا.
هذه عينة فقط من فتاوى فريق واحد، فما بالك بما لدى الاطراف الاخرى، وبالذات المخالفة لها، من فتاوى اغرب واكثر تشددا او ارتخاء، او بين بين، وصفحات «القبس» لا يمكن ان تتسع لذكرها جميعا، وهذا بلا شك ساهم في ادخال المسلمين في متاهات لا يعرفون كيفية الخروج منها او الفكاك من اسرها، فهل من منقذ؟
***
ملاحظة: وأخيرا، وبعد انتظار لم يطل، سمحت ظروف «جمعية الهلال الاحمر» بقبول تبرعنا العيني من المواد الطبية لجرحى غزة، فشكرا لجهودها. وفي الوقت الذي نتبرع فيه دما ومالا لأهالي غزة، يستمر بعض النواب وزعماء التشدد الديني في إلقاء الفاضي من الخطب والدعوة لصلوات القنوت! ولا يزال النائب الطبطبائي منشغلا بترتيب «حفلة» المزاد على حذائه الشهير!
أحمد الصراف