في مقابلة تلفزيونية طريفة أجراها التلفزيون قبل سنوات مع السيد خالد المذكور، رئيس «اللجنة الاستشارية العليا للعمل على أسلمة القوانين وتطبيق الشريعة الإسلامية»، ذكر بأن اسم «لجنته» يتكون من عشر كلمات، وهذا يجعلها الأطول «تسمية» في الكويت، ويبدو أن طول الاسم جعلها طويلة العمر أيضا، فقد تأسست بتاريخ 2 ــ 12 ــ 1991، وعلى الرغم من مرور أكثر من 6000 يوم عمل عليها وعلى الرغم ايضا من عشرات ملايين الدنانير التي صرفت على رجالها وأعمالها! فإن شيئا مجديا، أو حتى نصف مجد، لم يتمخض عنه جبلها البيروقراطي الكبير الذي بنته حول نفسها.
تحتل اللجنة في منطقة مشرف أرضا كبيرة جدا، وقد أقيم عليها قبل سنوات مبنى فخم زادت تكاليفه على الخمسة ملايين. ويدير اللجنة منذ 18 عاما، من دون توقف أو كلل أو ملل، وفي مخالفة صريحة لقانون الخدمة المدنية، ان السيد خالد المذكور، وهو رجل دين عمل في الإفتاء والتدريس في كلية دينية في جامعة الكويت منذ عقود، قبل أن يتفرغ لرئاسة هذه اللجنة «طويلة العمر». ولم يمنع هذا التفرغ السيد المذكور من المشاركة في الكثير من اللجان «الشرعية الاستشارية» لعدد من المصارف والمؤسسات المالية، التي اكتشفنا فجأة إسلامية عملها، وبعد 1400 عام فقط من بدء الدعوة!! ويتقاضى السيد المذكور مقابل كل هذه الأعمال والمهام، وهذا من حقه، أجورا مجزية، ولكن اعتراضنا ينصب على استفراده بإدارة اللجنة العليا كل هذا الوقت من دون نتيجة حقيقية، وما يشكله وجوده في أكثر من لجنة استشارية لمؤسسات مالية ذات مصالح مالية متضاربة من شكوك في مدى حيادية عمل هذه اللجان «الشرعية» أصلا.
يعاون السيد المذكور في إدارة اللجنة الاستشارية العليا أعضاء آخرون عددهم ستة منهم عميد جامعة وكاتب صحفي يتكرر اسمه في الكثير من المؤسسات الإسلامية، وبعض المستشارين. وعلى الرغم من أن اللجنة العليا لم تتوصل بعد 6000 يوم عمل الى أي شيء يستحق الإشادة غير دراسات مضحكة عن تصوراتها لحل مشكلة المناخ(!) وكيفية القضاء على ظاهرة الأطباق اللاقطة للقنوات التلفزيونية(!!) وبعض الدراسات السطحية الأخرى التي وجدت طريقها لأدراج النسيان بسهولة، ولاشيء غير ذلك، فان أيا من أعضائها لم يتساءل يوما عن مدى حقه في قبض كل تلك الرواتب والمكافآت مقابل القيام بــ «لاشيء»! علما بأن عمل اللجنة ربما يكون أساسا مخالفا لبعض نصوص الدستور التي تحدد الكيفية التي تتم بها إعادة النظر في أي قانون، وليس بينها حتما قناة تأسيس لجنة استشارية عليا تستمر في عملها إلى الأبد لتحقيق لا شيء.
لقد سبق أن تطرقنا في أكثر من مقال لأعمال هذه اللجنة، ولا نزال نعتقد بأن جهودها أصبحت شبه منحصرة في الدفاع عن وجودها وتلميع صورتها عن طريق العلاقات العامة وشراء رضا المسؤولين عنها من أجل التغاضي عن وجودها غير المجدي لكي تستمر استفادة إدارتها اليومية من المزايا المالية والمعنوية التي تحصل عليها، فمعروف أن طاقمها الفني لا يعمل شيئا وعمله محصور ببعض القراءات وكتابة المذكرات التي لا يطلع عليها أي طرف. أما الطاقم الإداري فإن عمل غالبيته ينحصر في الحضور في التاسعة صباحا والمغادرة بعد أداء صلاة الظهر! وقد حاولت على مدى أسبوعين الاتصال بأي موظف كان في اللجنة عن طريق رقم البدالة 25376912 بعد الساعة 30 ــ 12 ظهرا من دون فائدة، فإذا كان موظف البدالة لا يداوم فما بالك بالآخرين؟ والغريب أن لجنة العلاقات العامة المناطة بها مهمة تلميع صورة اللجنة لدى من له علاقة ومن لا علاقة له لا من بعيد ولا من قريب بعملها، بعد دعوتهم لزيارة مبناها للإطلاع على «لا» منجزاتها، ومن ثم توديعها بمثل ما استقبلت به من ود وترحاب مع هدية قيمة يتجاوز ثمنها المئات، وهو ما سبق أن كتبنا عنه، لم يتبرع أحد فيها بنفي أو التعليق على ما ورد من اتهامات في مقال سابق والتي بقيت منذ ذلك اليوم معلقة على رؤوس من يعمل في اللجنة ومن ينتمي اليها!
إن مجلس الوزراء، وفي ظل جفاف السيولة التي تعانيها خزانة الدولة مطالب بإعادة النظر في هذه الهياكل الإدارية غير المنتجة، والتي لا يتوقع منها أن تنتج شيئا لأن وجودها برمته مخالف لدستور البلاد ولدور مجلس الأمة في التشريع وتعديل القوانين وتطويرها، سواء في هذا الاتجاه أو في غيره، وليس في الاتجاه الأوحد الذي توحي به تسمية اللجنة.
كما أن أصحاب الضمير في ما يشبه مجلس إدارة اللجنة، وما أكثرهم، مطالبون برفض ما يصرف لهم من مكافآت منذ سنوات من دون مقابل غير الحضور.
أحمد الصراف