عندما سقط حكم شاه إيران غير مأسوف عليه قبل 30 عاما، وتسلم آية الله الخميني حكم البلاد، كنت الوحيد، في محيطي الواسع، الذي وقف معارضا حكمه، ومحذرا من سيطرة رجال الدين على مقاليد دولة «مهمة وحيوية» مثل ايران، مع كل تخلفها! وقد عارضني واختلف معي كثيرون، كما اختلف معي غيرهم قبل فترة قصيرة من موقفي من السيد حسن نصر الله، لاعتقادي الراسخ بأن رجل الدين، والمسلم بالذات، آخر من يصلح للسياسة. المهم ان الامام الخميني لم يخيب ظني، فبعد خمسة اشهر من الثورة «المباركة» تراجعت حقوق الاقليات والمرأة في ايران الى الحضيض، وساهمت سياسة تصدير الثورة التي تبناها، وأعلنها في القضاء على ما تبقى من عقل في رأس صدام، ودفعه إلى محاولة «التغدي» بنظام الخميني، قبل قيام هذا بــ«التعشي» بنظامه!
وهكذا عاشت المنطقة برمتها في جحيم على مدى 8 سنوات، فقد خلالها مئات الآلاف أرواحهم، واصيب الملايين بجروح وندوب نفسية وجسدية دائمة، وخلفت الحرب ملايين المقعدين والأرامل والأيتام في البلدين، وفوق ذلك ضاعت مئات مليارات الدولارات في شوارع المدن، أو دفنت تحت رمال الصحراء الحارة. وعندما حانت فرصة الخميني لكسب الحرب، ولو معنويا، عندما نجحت قواته في اخراج العراقيين من أرضه، وأعطي فرصة فرض شروطه على العراق وبقية دول المنطقة، إلا انه، كرجل دين مسكون بالشك من الآخر، وبعدم ادراكه لما تعنيه السياسة من فن الممكن، وبسبب ايمانه بالمظلومية، وبإرث تاريخي لا يسمح بقبول التسوية وحلول الوسط، فقد رفض الخميني كل محاولات التهدئة والصلح وأصر على السير في خيار الحرب الى النهاية، وانتهى الأمر به الى الاضطرار لتجرع كأس السم، على حد قوله، والقبول بالصلح مع عدوه الشخصي صدام حسين! ولولا تلك الحرب العبثية وما خلفته من دمار وخسارة مالية ضخمة للعراق (كون صدام لم يعبأ يوما بالخسائر البشرية) لربما لم يفكر ذلك المعتوه في غزو الكويت.. على الأقل بكل تلك الفجائية والفجاجة والحقد.
ان النظام الديني الذي وضعه آية الله الخميني، والذي لايزال ساريا في ايران، هو الذي أزاح آية الله منتظري، الخليفة المتوقع، وجعله رهين محبسه، وهو الذي حدد اقامة آية الله شريعتمداري، أكبر رجال دين عصره، وفرض التعتيم عليه، الى أن مات، وهو الذي قتل وشرد وسجن جميع أبناء الثورة وقادتها الحقيقيين من أمثال بازركان وبني صدر وإبراهيم يزدي والمئات غيرهم، وهو الذي فرض رجل دين مغموراً متواضع المعرفة الدينية، مرشدا وقائدا أعلى للجمهورية من بعده، وبسلطات لا يحلم بها أي دكتاتور في جمهورية موز أو دولة افريقية متخلفة، فالغطاء الديني، الذي يرسم هالة كبيرة من العظمة على رأس المرشد، أقوى من جيوش دول عدة!
ما حدث في ايران اخيرا، ونأمل ألاَّ يتغير الأمر قبل نشر هذا المقال، هو بحكم الزلزال. فاحتمال وقوع انقلاب عسكري في ايران، أمر مستبعد بسبب تعدد مراكز القوى وتشابكها، ولكن الشعب الذي أسقط الشاه في الشارع قبل 30 عاما، وفي ظاهرة تاريخية لم تتكرر منذ الثورة الفرنسية، بإمكانه أن يفعل الأمر ذاته، لتغيير النظام بصورة سلمية، لتعود ايران دولة صديقة وجارة عزيزة، كما كانت في السابق.
•••
ملاحظة: على الرغم من كل ارتباطاتي، لكنني لم أقم بزيارة ايران خلال 40 عاما تقريبا الا مرة واحدة، وكان ذلك خلال فترة الاحتلال الصدامي للكويت، وكانت لبضعة أيام فقط ولغرض تجاري بحت!
أحمد الصراف
habibi [email protected]