قبل أن أموت أتمنى أن أحقق حلم السفر بسفينة فضاء، او طائرة ذات قدرات خاصة، تنقلني في جولة حول منطقتنا لأراقب الناس وأشاهد افعالهم، وأدرس اتجاهاتهم عن قرب، وأتمعن في تصرفاتهم وسعيهم في البحث عن لقمة عيش وفرصة عمل وسقف يقيهم تقلبات الطقس، وان أحاول «فهم» ردود افعالهم تجاه الكثير من المواقف. فالفضول الشخصي، الذي لم يكن قط جزءا من شخصيتي، يدفعني الآن، وانا في الثلث الاخير من عمري، لان اعرف الناس اكثر عن كثب، فلماذا يتجه الكثيرون يسارا، بينما العالم يتجه يمينا، او العكس؟ ولماذا امتنا- مثلا- تنظر لكتفها الأيمن تارة والأيسر تارة، عدة مرات في اليوم، بينما العالم اجمع ينظر امامه وهو يدير اضخم الآلات ويحركها يمنة ويسرة ليخرج منها اعظم المنتجات وادق المحركات واكثر المنتجات فائدة؟! فما اراه عن بعد يدعو حقا للاسف والحسرة والالم الشديد في غالب الاحيان، فالاغلبية الساحقة من امتنا «المغيبة» مشغولة بممارسة «طقوسها» اليومية بعيدا عن كل ما له علاقة بالتقدم والعلم والتآخي وحب الغير.
اقول كل ذلك بمناسبة صدور تقرير الامم المتحدة عن التنمية البشرية في العالم العربي لعام 2009، حيث بيّن اننا المجموعة البشرية الوحيدة بين سكان الارض الذين تزداد ثرواتهم ونسبة المتعلمين بينهم، ويزداد في الوقت نفسه تخلفهم وجهلهم. كما اننا الكتلة البشرية الوحيدة التي يتحكم بمصيرها- منذ عقود- اكبر نسبة من الحكومات الدكتاتورية، ونُصرّ في الوقت نفسه على الدعاء بألا يغير الله علينا. ولو اعدنا قراءة تقارير الامم المتحدة السابقة لهذا التقرير لوجدنا، كما ساءت احوالنا وتناقصت حيلتنا في الخروج من مآزقنا، وان شيئا يجب يهزنا من الاعمال ليصحو الثلاثمائة مليون انسان من عميق سباتهم!
يقول التقرير ان اجهزة الدولة في 8 دول عربية من اصل 20 دولة تمارس مختلف الانتهاكات لحقوق البشر ولا تتردد في حجز المعارضين وتعذيبهم وحتى قتلهم، كما تحولت قوانين الطوارئ المؤقتة لدائمة، وهذا اتاح للحكومات فعل ما تشاء. وعلى الرغم من ان غالبية الدول العربية اعضاء في اتفاقيات حقوق الانسان، لكن غالبيتها- ان لم جميعها- لم تقم بتعديل تشريعاتها لتتلاءم مع تلك الاتفاقيات!
كما ان نصف لاجئي العالم البالغ 16 مليونا، هم من الدول العربية (وربما البقية من دول اسلامية!)، كما ان قضية الكثيرين منهم هي الأطول عهدا.
كما يفوق عدد النازحين داخل بلدانهم عدد اللاجئين، حيث يبلغ 10 ملايين تقريبا، في السودان والصومال والعراق ولبنان، واليمن.
وتطرق التقرير لوضع المرأة في الدول العربية وشدد على انتشار ظاهرة العنف ضدها، سواء الأُسري منه الذي يتمثل بالضرب والاغتصاب، والقتل في احيان كثيرة، او الاجتماعي المتمثل في تشويه الاعضاء التناسلية للمرأة واجبارها على الزواج والحمل المبكر والحرمان من التعليم.
وورد في التقرير ان عدد سكان الدول العربية سيبلغ 395 مليونا بعد 6 اعوام فقط، علما بأن نسبة البطالة في الدول العربية الآن تبلغ 5.14% مقارنة بــ 3.6% فقط كمعدل عالمي، وهذا يعني ان الدول العربية تحتاج بحلول عام 2020 الى توفير 51 مليون فرصة عمل جديدة، وهذا امر يصعب تحقيقه، ولنا ان نتصور تبعات ذلك اجتماعيا واقتصاديا.
وشدد التقرير على ان النمو المتقلب دليل على ضعف الاقتصاد، كما هي حال دول مجلس التعاون النفطية ومعها الجزائر وليبيا والعراق.
وختم التقرير بمجموعة توصيات تتعلق بضرورة تسوية النزاعات وتعزيز حكم القانون وحماية البيئة وحماية الفئات الضعيفة واعادة توجيه الاقتصاد والقضاء على الجوع واصلاح الاوضاع الامنية واستقلالية القضاء.. وهذه جميعها على الرغم من اهميتها القصوى، لكنها لا تحظى بأي اهتمام في الغالبية الساحقة من الدول العربية، وهذا سيكون مضمون خطابي قبل فنائي!
أحمد الصراف